تفسير سورة الشمس

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة الشمس من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ هذه السورة مكية ولما تقدم القسم ببعض المواضع الشريفة وما بعدها أقسم هنا بشىء من العالم العلوي والعالم السفلي وبما هو له التفكر في ذلك وهو النفس وكان آخر ما قبلها مختتماً بشىء من أحوال الكفار في الآخرة فاختتم آخر هذه بشىء من أحوالهم في الدنيا وفي ذلك مآلهم في الآخرة إلى النار وفي الدنيا إلى الهلاك المستأصل وتقدم الكلام على ضحى في طه.﴿ وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا ﴾ معناه إذا تبعها دأباً في كل وقت لأنه يستضيء منها فهو يتلوها لذلك.﴿ وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا ﴾ الظاهر أن مفعول جلاها وهو الضمير عائد على الشمس لأنه عند انبساط النهار تنجلي الشمس في ذلك الوقت تمام الإِنجلاء.﴿ وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴾ أي يغشى الشمس فبدخوله تغيب وتظلم الآفاق ونسبة ذلك إلى الليل مجاز وأتى بالمضارع في يغشاها لأنه الذي يترتب فيه ولد أتى بالماضي كالذي قبله وبعده كان يكون التركيب إذا غشيها فتفوت الفاصلة وهي مقصودة وما في وما بناها وما طحاها وما سواها بمعنى الذي وقيل مصدرية قال الزمخشري: فإِن قلت لم نكرت النفس قلت فيه وجهان أحدهما أن يريد نفساً خاصة من النفوس وهي نفس آدم عليه السلام كأنه قال: وواحدة من النفوس " انتهى ". وهذا فيه بعد للأوصاف المذكورة بعدها فلا تكون إلا للجنس ألا ترى إلى قوله: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ كيف يقتضي التغاير في المزكي والمدسى.﴿ فَأَلْهَمَهَا ﴾ قال ابن عباس: عرفها.﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾ جواب للقسم وحذفت اللام لطول المعاطيف على القسم وزكاها طهرها ونماها بالعمل الصالح ودساها أخفاها وحقرها بالمعاصي والتدسية الإِخفاء أصله دسس فأبدل من ثالث المضاعف حروف علة والظاهر أن فاعل زكى ودسى ضمير يعود على من ولما ذكر تعالى: خيبة من دس نفسه ذكر فرقة فعلت ذلك وهي ثمود صالح فعلت ذلك ليعتبرهم لأنهم أقرب البلاد إلى الحجاز.﴿ بِطَغْوَاهَآ ﴾ الباء سببية أي كذبت ثمود نبيها بسبب طغيانها قال ابن عباس: الطغوى هنا العذاب كذبوا به حتى نزل بهم وهو من الطغيان قلبت فيه الواو ياء والياء واو فصلاً بين الاسم وبين الصفة.﴿ إِذِ ٱنبَعَثَ ﴾ أي خرج لعقر الناقة بنشاط وحرص والناصب لاد كذبت، وأشقاها هو قدار بن سالف والضمير في لهم عائد على ثمود رسول الله هو صالح عليه السلام وقرىء:﴿ نَاقَةَ ٱللَّهِ ﴾ نصب التاء وهو منصوب على التحذير مما يجب إضمار عامله لأنه قد عطف عليه قصار حكمه بالعطف حكم المكرر كقولك: الأسد الأسد أي احذروا ناقة الله أي عقرها وعاقبة أمرها أو ذروا عقرها.﴿ وَسُقْيَاهَا ﴾ فلا تمنعوها من السقيا.﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾ أسند العقر للجميع لكونهم راضين به ومتمالئين عليه.﴿ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ ﴾ يقال دمدم عليه القبر أطبقه وقال مؤرج الدمدمة الهلاك باستئصال وفي الصحاح دمدمت الشىء ألصقته بالأرض وطحطحته.﴿ فَسَوَّاهَا ﴾ أي سوى القبيلة في الهلاك عاد عليها بالتأنيث كما عاد في بطغواها وقيل سوى الدمدمة أي سواها بينهم فلم يفلت منهم صغيراً ولا كبيراً والضمير في يخاف عائد على أشقاها أي انبعث بعقرها وهو لا يخاف عقبى فعله لكفره وطغيانه والعقبي خاتمة الشىء وما يجيء من الأمور بعقبه.
Icon