تفسير سورة ق

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة ق من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ ﴾ الآية هذه السورة مكية. قال ابن عباس: الآية وهي قوله:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ ﴾[ق: ٣٨] ومناسبتها لآخر ما قبلها أنه تعالى أخبر أن أولئك الذين قالوا: آمنا لم يكن إيمانهم حقاً وانتفاءً إيمانهم دليل على إنكار نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم وعدم الإِنذار أيضاً يدل على إنكار البعث فلذلك أعقبه بق والقرآن مقسم به والمجيد صفة وهو الشريف على غيره من الكتب والجواب محذوف يدل عليه ما بعده تقديره أنك جئتهم منذراً بالبعث فلم يقبلوا بل عجبوا والضمير في بل عجبوا عائد على الكفار والإِشارة بقولهم هذا شىء عجيب الظاهر أنها إلى مجيء منذر من البشر والإِشارة بقوله ذلك إلى البعث.﴿ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴾ أي مستبعد في الأوهام والفكر. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون الرجع بمعنى المرجوع وهو الجواب ويكون من كلام الله تعالى استبعاداً لإِنكارهم ما أنذروا به في البعث والوقف قبله على هذا التفسير حسن. فإِن قلت ما ناصب الظرف إذا كان الرجع بمعنى المرجوع قلت: ما دل عليه المنذر من المنذر به وهو البعث " انتهى ". وكون ذلك رجع بعيد بمعنى مرجوع وأنه من كلام الله لا من كلامهم على ما شرحه مفهوم عجيب. ينبو عن إدراكه فهم العرب.﴿ بَلْ كَذَّبُواْ ﴾ أي ما أجادوا النظر بل كذبوا والحق القرآن.﴿ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ ﴾ قال الضحاك مختلط مرة ساحر ومرة شاعر ومرة كاهن.﴿ أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ ﴾ حين كفروا بالبعث وبما جاء الرسول إلى آثار قدرة الله تعالى في العالم العلوي والسفلي.﴿ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا ﴾ مرتفعة من غير عمد.﴿ وَزَيَّنَّاهَا ﴾ بالنيرين وبالنجوم.﴿ وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ﴾ أي من فتوق وشقوق بل هي سليمة من كل خلل.﴿ رَوَاسِيَ ﴾ أي جبالاً ثوابت تمنعها من التكفؤ.﴿ مِن كُلِّ زَوْجٍ ﴾ أي نوع.﴿ بَهِيجٍ ﴾ أي حسن المنظر يسر من نظر إليه وتبصرة مفعول من أجله.﴿ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ﴾ أي راجع إلى ربه مفكر في بدائع صنعه.﴿ مَآءً مُّبَٰرَكاً ﴾ أي كثير المنافع.﴿ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ ﴾ أي الحب الحصيد فهو من إضافة الموصوف إلى صفته والحصيد كل ما يحصد مما له حب كالبر والشعير.﴿ بَاسِقَاتٍ ﴾ أي طوالاً في العلو وهو منصوب على الحال وهي حال مقدرة لأنها حالة الانبات لم تكن طوالا وباسقات جمع والنخل اسم جنس فيجوز أن يذكر نحو قوله﴿ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ ﴾[القمر: ٢٠] وأن يؤنث كقوله:﴿ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾[الحاقة: ٧] وأن يجمع باعتبار أفراده ومنه باسقات وقوله:﴿ وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ ﴾[الرعد: ١٢].
﴿ لَّهَا طَلْعٌ ﴾ تقدم شرحه عند ومن طلعها قنوان دانية.﴿ نَّضِيدٌ ﴾ أي منضود بعضه فوق بعض يريد كثرة الطلع وتراكمه أو كثرة ما فيه من الثمر وأول ظهور الثمر في الكفرى وهو أبيض منضد كحب الرمان فهو نضيد فإِن خرج من الكفرى فما دام ملتصقاً بعضه ببعض تفرق فليس بنضيد ورزقاً نصب على المصدر لأن معنى وأنبتنا رزقنا أو على أنه مفعول له والإِشارة في كذلك إلى الاحياء أي الخروج من الأرض أحياء بعد موتكم مثل ذلك الحياة للبلدة الميتة وهذه كلها أمثلة وأدلة على البعث وذكر تعالى في السماء ثلاثة البناء والتزيين ونفي الفروج وفي الأرض ثلاثة المد وإلقاء الرواسي والإِنبات قابل المد بالبناء لأن المد وضع والبناء رقع والقاء الرواسي بالتزين بالكواكب لارتكاب كل واحد منهما والانبات المترتب على الشق بانتفاء الفروج فلا شق فيها ونبه تعلق به الانبات على ما يقطف كل سنة ويبقى أصله وما يزرع كل سنة أو سنتين ويقطف كل سنة وعلى ما اختلط من جنسين فبعض الثمار فاكهة لا قوت وأكثر الزرع قوت والتمر فاكهة وقوت ولما ذكر قوله تعالى: ﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ ﴾ ذكر من كذب الأنبياء عليهم السلام تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتقدم الكلام على مفردات هذه الآية وقصص من ذكر فيها.﴿ أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ الخلق الأول هو إنشاء الإِنسان من نطفة على التدريج وتقدم تفسير علمي عند ولم يعي بخلقهن والمعنى أعجزنا عن الخلق الأول فنعجز عن الخلق الثاني وهذا توقيف للكفار وتوبيخ وإقامة الحجة الواضحة عليهم بل هم في لبس أي خلط وشبهة وحيرة.﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ ﴾ هذه آيات فيها إقامة حجج على الكفار في إنكارهم البعث والإِنسان إسم جنس وقيل آدم.﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ ﴾ قرب علم به وبأحواله لا يخفى عليه شىء من خفياته وحبل الوريد مثل في قرط القرب كقول العرب هو مني مقعد القابلة ومقعد الأزار والحبل العرق شبه بواحد الحبال وإضافته إلى الوريد للبيان كقولهم بعير سانية أو يراد حبل العاتق فيضاف إلى الوريد كما يضاف إلى العاتق لاجتماعهما في عضو واحد والعامل في إذ أقرب إليه لأنه أخبر خبراً مجرداً بالخلق والعلم بخطوات الأنفس والقرب بالقدرة والملك فلما تم الاخبار أخبر بذكر الأحوال التي تصدق هذا الخبر وتعين وروده عند السامع فمنها إذ يتلقى المتلقيان ومنها مجيء سكرة الموت ومنها النفخ في الصور ومنها مجيء كل نفس معها سائق وشهيد والمتلقيان الملكان الموكلان بكل إنسان ملك اليمين يكتب الحسنات وملك الشمال يكتب السيئات. وقال الحسن: الحفظة أربعة إثنان بالنهار واثنان بالليل وقعيد مفرد فاحتمل أن يكون معناه مقاعد كما تقول جليس وخليط أي مجالس ومخالط وأن يكون عدل من فاعل إلى فعيل للمبالغة كعليم. قال الكوفيون: مفرد أقيم مقام اثنين والأجود أن يكون حذف من الأول لدلالة الثاني عليه أي عن اليمين قعيد وظاهر ما يلفظ العموم. قال مجاهد: يكتب عليه كل شىء حتى أنينه في مرضه.﴿ رَقِيبٌ ﴾ ملك يرقب. ﴿ عَتِيدٌ ﴾ حاضر.﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ ﴾ معطوف على إذ يتلقى وسكرة الموت ما يعتري الإِنسان عند نزاعه والباء في بالحق للتعدية أي جاءت سكرة الموت الحق وهو الأمر الذي نطقت به كتب الله تعالى وبعث به رسله من سعادة الميت وشقاوته أو للحال أي ملتبسة بالحق.﴿ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ أي تميل يقول أعيش كذا وأعيش كذا فمتى فكر في قرب الموت حاد بذهنه عنه وأمله إلى مسافة طويلة بعيدة من الزمان ومن الحيد الحذر من الموت وظاهر تحيد أنه خطاب للإِنسان الذي جاءته سكرة الموت.﴿ سَآئِقٌ ﴾ حاث على السير.﴿ وَشَهِيدٌ ﴾ يشهد عليه قال الزمخشري: ومحل معها سائق النصب على الحال من كل لتعرفه بالإِضافة إلى ما هو في محكم المعرفة " إنتهى ". لا ضرورة تدعو إلى الحال بل الجملة في موضع الصفة إن أعربت معها سائق مبتدأ وخبراً وإلا فسائق فاعل بالظرف قبل لأنه قد اعتمد فالظرف في موضع الصفة وأما قوله لتعرفه بالإِضافة إلى ما هو في حكم المعرفة فكلام ساقط لا يصدر عن مبتدىء في النحو لأنه لو نعت كل نفس ما نعت إلا بنكرة فهو نكرة.﴿ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا ﴾ أي من عاقبة الكفر فلما كشف الغطاء عنك احتد بصرك أي بصيرتك وهذا كما تقول فلان حديد الذهن وكني بالغطاء عن الغفلة كأنها غطت جميعه أو عينيه فهو لا يبصر فإِذا كان في القيامة زالت عنه الغفلة فأبصر ما لم يكن يبصره من الحق.﴿ وَقَالَ قَرِينُهُ ﴾ هو الشيطان الذي قيض له في قوله﴿ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾[الزخرف: ٣٦]، يشهد له قوله تعالى قال قرينه ربنا ما أطغينا.﴿ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴾ هذا شىء لدى ومن ملكتي عتيد لجهنم والمعنى أن ملكاً يسوقه وآخر يشهد عليه وشيطاناً مقروناً به يقول قد أعدته لجهنم وهيأته لها بإِغوائي وإضلالي.﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ ﴾ الخطاب من الله للملكين السائق والشهيد.﴿ كُلَّ كَفَّارٍ ﴾ مبالغة أي يكفر النعمة والمنعم.﴿ عَنِيدٍ ﴾ منحرف عن الطاعة.﴿ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ ﴾ أي الزكاة.﴿ مُّرِيبٍ ﴾ شاك في الله تعالى أو في البعث وقيل متهم.﴿ ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ ﴾ الظاهر تعلقه بما قبله على جهة البدل ويكون فألقياه توكيداً.
﴿ قَالَ قرِينُهُ ﴾ لم تأت هذه الجملة بالواو بخلاف وقال قرينه قبله لأن هذه استؤنفت كما استؤنفت الجمل في حكاية التقاول في مقاولة موسى وفرعون فجرت مقاولة بين الكافر وقرينه فكان الكافر قال: رب هو أطغاني قال قرينه: ربنا ما أطغيته واما وقال قرينه فعطف للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول أعنى مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه ما قال له ومعنى ما أطغيته تنزيه لنفسه من أنه أثر فيه.﴿ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ ﴾ أي من نفسه لا مني فهو الذي استحب العمى على الهدى وكذب القرين بل أطغاه بوسوسته وتزينه.﴿ قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ ﴾ استئناف أيضاً مثل ما قال قرينه كان قائلاً قال ما قال الله تعالى فقيل قال لا تختصموا لدي أي في دار الجزاء وموقف الحساب.﴿ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ ﴾ لمن عصاني فلم أترك لكم حجة.﴿ مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ ﴾ أي عندي فما أمضيته لا يمكن تبديله.﴿ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ ﴾ تقدم الكلام عليه والمعنى لا أعذب من لا يستحق العذاب وانتصاب يوم بظلام. قال الزمخشري: ويجوز أن ينتصب بنفخ كأنه قيل ونفخ في الصور يوم يقول: وعلى هذا يشار بذلك إلى يقوم يقول " انتهى ". هذا بعيد جداً قد فصل على هذا القول بين العامل والمعمول بجمل كثيرة ولا يناسب هذا القول فصاحة القرآن وبلاغته وهل امتلأت تقرير وتوقيف لا سؤال استفهام حقيقة لأنه تعالى عالم بأحوال جهنم وقيل السؤال والجواب من باب التصوير الذي يثبت المعنى أي حالها حال بين لو نطق الجواب لسائله لقال كذا وهذا القول يظهر أنها إذ ذاك لم تكن ملأى فقولها هل من مزيد سؤال ورغبة في الزيادة والاستكثار من الداخلين.﴿ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ ﴾ خطاب للمؤمنين ولكل أواب هو البدل من المتقين.﴿ مَّنْ خَشِيَ ﴾ بدل بعد بدل تابع لكل قال الزمخشري: ولا يجوز أن يكون في حكم أواب وحفيظ لأن من لا يوصف به ولا يوصف من بين الموصولات إلا بالذي " انتهى ". يعني بقوله في حكم أواب وحفظ أن يجعل من صفته وهذا حكم صحيح وأما قوله: ولا يوصف من بين الموصولات إلا بالذي فالحصر فيه ليس بصحيح قد وصفت العرب بما فيه أل وهو موصول نحو القائم والمضروب ووصفت بذو الطائية وذات في المؤنث ومن كلامهم بالفضل ذو فضلكم الله به والكرامة ذات أكرمكم الله بها يريدون بالفضل الذي فضلكم والكرامة التي أكرمكم ولا يريد الزمخشري خصوصية الذي بل فروعه من المؤنث المثنى والمجموع على اختلاف لغات ذلك " انتهى ". وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون نعتاً " انتهى ". لا يجوز لأن من لا ينعت بها وبالغيب حال من المفعول أي وهو غائب عنه وإنما أدركه بالعلم الضروري إذ كل مصنوع لا بد له من صانع.﴿ ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ﴾ أي سالمين من العذاب أو مسلماً عليكم من الله تعالى وملائكته.﴿ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ ﴾ أي يوم تقدر الخلود.﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا ﴾ أي ما تعلقت به مشيئتهم من أنواع الملاذ والكرامات.﴿ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ زيادة أو شىء مزيد على ما يشاؤون عند ربهم ونحوه ومزيد مبهم فقيل مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها وقيل تجلى الله تعالى لهم حتى يرونه.﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ ﴾ الآية أي كثيراً أهلكنا قبلهم أي قبل قريش هم أشد منهم بطشاً لكثرة قوتهم وأموالهم والظاهر أن الضمير في فنقبوا عائد على كم أي دخلوا البلاد من أنقابها والمعنى طوفوا في البلاد وقيل نقروا وبحثوا والتنقيب التنقير والبحث نقبوا في البلاد من حذر الموت وجالوا في الأرض كل مجال وفنقبوا متسبب عن شدة بطشهم فهي التي أقدرتهم على التنقيب وقوتهم عليه ويجوز أن يعود الضمير في فنقبوا على قريش أي فنقبوا في أسفارهم في بلاد القرون فهل رأوا محيصاً حتى يؤملوه لأنفسهم ويدل على عود الضمير على أهل مكة قراءة ابن عباس وغيره فنقبوا بكسر القاف مشددة على الأمر لأهل مكة أي فسيحوا في البلاد وابحثوا.﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ أي في إهلاك تلك القرون.﴿ لَذِكْرَىٰ ﴾ لتذكرة واتعاضاً لمن كان له قلب أي واع والمعنى لمن كان له عقل وعبر عنه بمحله ومن له قلب لا يعي كمن لا قلب له وقرأ الجمهور ألقى السمع مبنياً للفاعل والسمع نصب به أي أو أصغى بسمعه لهذه الأنباء الواعظة.﴿ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ أي حاضر الذهن متفطن لما أصغى إليه سمعه مفكر فيه فشهيد من المشاهدة وهو الحضور.﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ ﴾ نزلت في اليهود تكذيباً لهم في قولهم انه تعالى استراح من خلق السماوات والأرض في ستة أيام يوم السبت واستلقى على العرش.﴿ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ﴾ احتمل أن تكون جملة حالية واحتمل أن تكون استئنافاً واللغوب الإِعياء.﴿ فَٱصْبِرْ ﴾ قيل منسوخ بآية السيف.﴿ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ ﴾ أي اليهود وغيرهم من الكفار قريش وغيرهم.﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ أي فصل.﴿ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ ﴾ هي صلاة الصبح.﴿ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ ﴾ هي صلاة العصر وقيل غير ذلك.﴿ وَٱسْتَمِعْ ﴾ أمر بالاستماع والظاهر أنه أريد به حقيقة الاستماع والمستمع له محذوف تقديره واستمع لما أخبر به من حال يوم القيامة وفي ذلك تهويل وتعظيم لشأن المخبر به كما قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ" يا معاذ إسمع ما أقول لك ثم حدثه بعد ذلك وانتصب يوم بما دل عليه ذلك يوم الخروج "أي يوم ينادي المنادي يخرجون من القبور وقيل مفعول استمع محذوف تقديره نداء المنادى وقيل تقديره نداء الكافر بالويل والثبور وقيل لا يحتاج إلى مفعول إذ حذف اقتصاراً والمعنى كن مستمعاً ولا تكن غافلاً معرضاً وانتظر الخطاب لكل سامع وفي الحديث" أن ملكاً ينادي من السماء أيتها الأجسام الهامدة والعظام البالية والرمم الذاهبة هلموا إلى الحشر والوقوف بين يدي الله تعالى ".﴿ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ﴾ وصفه بالقرب من حيث يسمع جميع الخلق قيل والمنادي إسرافيل عليه السلام بنفخ في الصور وينادى والمكان القريب هي صخرة بيت المقدس لقربها من السماء بثمانية عشر ميلاً.﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ ﴾ بدل من يوم ينادي والصيحة صيحة المنادى قيل يسمعون من تحت أقدامهم وقيل من تحت شعورهم وهي النفخة الثانية بالحق متعلق بالصيحة والمراد به البعث والحشر.﴿ ذَلِكَ ﴾ أي يوم النداء والسماع.﴿ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ ﴾ من القبور وقيل الإِشارة بذلك إلى النداء أي ذلك النداء واتسع في الظرف فجعل خبراً عن المصدر ويوم بدل من اليوم الثاني وانتصب سراعاً على الحال من الضمير في عنهم والعامل تشقق.﴿ ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ﴾ فصل بين الموصوف وصفته بمعمول الصفة وهو علينا أي يسير علينا وحسن ذلك لأجل كون الصفة فاصلة.﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ﴾ هذا وعيد محض للكفار وتهديد لهم وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم.﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ﴾ أي بمتسلط حتى تجبرهم على الإِيمان.﴿ فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ لأن من لا يخاف الوعيد لكونه غير مصدق بوقوعه لا يذكر إذ لا تنفع فيه الذكرى كما قال تعالى:﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾[الذاريات: ٥٥] وختمت بقوله: ﴿ فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ ﴾ كما افتتحت بـ﴿ قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ ﴾[ق: ١].
Icon