تفسير سورة سورة ق من كتاب المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
المعروف بـتفسير ابن عطية
.
لمؤلفه
ابن عطية
.
المتوفي سنة 542 هـ
( ٥٠ )سورة ق مكية
وآياتها خمس وأربعون
هي مكية بإجماع من المتأولين١، وروى أبيّ بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( من قرأ سورة ق هوّن الله عليه الموت وسكراته )٢
وآياتها خمس وأربعون
هي مكية بإجماع من المتأولين١، وروى أبيّ بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( من قرأ سورة ق هوّن الله عليه الموت وسكراته )٢
١ وحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن قتادة أن فيها آية مدنية، وهي قوله تعالى:﴿ولقد خلقنا السموات والأرض﴾، وهي رقم(٣٨)، وسورة(ق)هي أول المُفصل، قال ابن كثير في تفسيره: والدليل على ذلك ما رواه أبو داود في سننه عن أوس ابن حذيفة قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، قال: فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني مالك في قبة له، قال مسدد(وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقيف)، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا، قال أبو سعيد: قائما على رجليه حتر يراوح بين رجليه من طول القيام، فأكثر ما يحدثنا صلى الله عليه وسلم ما لقي من قومه قريش، ثم يقول صلى الله عليه وسلم:"لا سواء، وكنا مستضعفين مستذلين، (قال مسدد: بمكة)، فلما خرجنا إلى المدينة كانت الحرب سجالا بيننا وبينهم، نُدال عليهم ويُدالون علينا)، فلما كانت ليلة أبطأ عنا صلى الله عليه وسلم عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلنا: لقد أبطأت علينا الليلة، قال صلى الله عليه وسلم:"إنه طرأ عليّ حزبي من القرآن فكرهت أن أجيء حتى أتمه"، قال أوس: سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يحزبون القرآن؟ فقالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المُفصل وحده.
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عبد الرحمن، ورواه ابن ماجه عن أبي خالد الأحمر، ونحن إذا جمعنا الأرقام التي وردت في الحديث عن سور القرآن حتى المفصل نجدها ثمانيا وأربعين سورة، والتي تبدأ بعدهن هي سورة(ق)، أما الثلاث فهي: البقرة، وآل عمران والنساء، وأما الخمس فهي: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة، وأما السبع فهي: يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل، وأما التسع فهي: الإسراء والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان، وأما الإحدى عشرة فهي: الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويسن، وأما الثلاث عشرة فهي: الصافات وص والزمر وغافر وفصلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف ومحمد والفتح والحجرات، وبهذا استدل ابن كثير على أن سورة(ق) هي أول المفصل من القرآن الكريم..
٢ لم أقف عليه بهذا اللفظ، والذي رواه الإمام أحمد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد؟ قال: بقاف واقتربت، وذكر ابن كثير في تفسيره أن مسلما رواه وكذلك أهل السنن الأربعة من حديث مالك به، كذلك روى الإمام أحمد عن أم هشام بنت حارثة قالت:"ما أخذت﴿ق والقرآن المجيد﴾ إلا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس، ورواه مسلم من حديث ابن إسحق، قال ابن كثير:(والقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة بالمجامع الكبار كالعيد والجمع لاشتمالها على ابتداء الخلق، والبعث والنشور والمعاد والقيام والحساب، والجنة والنار، والثواب والعقاب..."..
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عبد الرحمن، ورواه ابن ماجه عن أبي خالد الأحمر، ونحن إذا جمعنا الأرقام التي وردت في الحديث عن سور القرآن حتى المفصل نجدها ثمانيا وأربعين سورة، والتي تبدأ بعدهن هي سورة(ق)، أما الثلاث فهي: البقرة، وآل عمران والنساء، وأما الخمس فهي: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة، وأما السبع فهي: يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل، وأما التسع فهي: الإسراء والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان، وأما الإحدى عشرة فهي: الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويسن، وأما الثلاث عشرة فهي: الصافات وص والزمر وغافر وفصلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف ومحمد والفتح والحجرات، وبهذا استدل ابن كثير على أن سورة(ق) هي أول المفصل من القرآن الكريم..
٢ لم أقف عليه بهذا اللفظ، والذي رواه الإمام أحمد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد؟ قال: بقاف واقتربت، وذكر ابن كثير في تفسيره أن مسلما رواه وكذلك أهل السنن الأربعة من حديث مالك به، كذلك روى الإمام أحمد عن أم هشام بنت حارثة قالت:"ما أخذت﴿ق والقرآن المجيد﴾ إلا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس، ورواه مسلم من حديث ابن إسحق، قال ابن كثير:(والقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة بالمجامع الكبار كالعيد والجمع لاشتمالها على ابتداء الخلق، والبعث والنشور والمعاد والقيام والحساب، والجنة والنار، والثواب والعقاب..."..
ﰡ
ﭑﭒﭓﭔ
ﰀ
ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ
ﰁ
ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ
ﰂ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ
ﰃ
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ
ﰄ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ
ﰅ
ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ
ﰆ
ﮙﮚﮛﮜﮝ
ﰇ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة قوهي مكية بإجماع من المتأولين، روى أبيّ بن كعب عن النبي ﷺ أنه قال: «من قرأ سورة «ق» هون الله عليه الموت وسكراته».
قوله عز وجل:
[سورة ق (٥٠) : الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤)بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨)
قال ابن عباس: ق اسم من أسماء القرآن. وقال أيضا اسم من أسماء الله تعالى. وقال قتادة والشعبي: هو اسم السورة، وقال يزيد وعكرمة ومجاهد والضحاك: هم اسم الجبل المحيط بالدنيا، وهو فيما يزعمون من زمردة خضراء، منها خضرة السماء وخضرة البحر. والْمَجِيدِ الكريم في أوصافه الذي جمع كل معلوة.
و: ق على هذه الأقوال: مقسم به وب الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، وجواب القسم منتظر. واختلف الناس فيه، فقال ابن كيسان جوابه: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ [ق: ١٨]، وقيل الجواب: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ [ق: ٣٧] وقال الزهراوي عن سعيد الأخفش الجواب: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وضعفه النحاس، وقال الكوفيون من النحاة الجواب: بَلْ عَجِبُوا، والمعنى: لقد عجبوا.
قال منذر بن سعيد: إن جواب القسم في قوله: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ [ق: ٢٩]، وفي هذه الأقوال تكلف وتحكم على اللسان.
وقال الزجاج والمبرد والأخفش: الجواب مقدر تقديره: ق، وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ لتبعثن، وهذا قول حسن وأحسن منه: أن يكون الجواب الذي يقع عنه الإضراب ب بَلْ، كأنه قال. ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ما ردوا أمرك بحجة، أو ما كذبوك ببرهان، ونحو هذا مما لا بد لك من تقديره بعد الذي قدر
155
الزجاج، لأنك إذا قلت الجواب: لتبعثن فلا بد بعد ذلك أن يقدر خبر عنه يقع الإضراب، وهذا الذي جعلناه جوابا وجاء المقدر أخصر. وقال جماعة من المفسرين في قوله: ق إنه حرف دال على الكلمة، على نحو قول الشاعر [الوليد بن المغيرة] :[الرجز] قلت لها قفي فقالت قاف واختلفوا بعد، فقال القرطبي: هو دال على أسماء الله تعالى هي: قادر، وقاهر، وقريب، وقاض، وقابض، وقيل المعنى: قضي الأمر من رسالتك ونحوه، وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، فجواب القسم في الكلام الذي يدل عليه قاف. وقال قوم المعنى: قف عند أمرنا. وقيل المعنى: قهر هؤلاء الكفرة، وهذا أيضا وقع عليه القسم ويحتمل أن يكون المعنى: قيامهم من القبور حق، وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، فيكون أول السورة من المعنى الذي اطرد بعد، وعلى هذه الأقوال فثم كلام مضمر عنه وقع الإضراب، كأنه قال: ما كذبوك ببرهان، ونحو هذا مما يليق مظهرا.
وقرأ جمهور من القراء ق بسكون الفاء. قال أبو حاتم: ولا يجوز غيرها إلا جواز سوء.
قال القاضي أبو محمد: وهذه القراءة تحسن مع أن يكون ق حرفا دالا على كلمة. وقرأ الثقفي وعيسى: قاف بفتح الفاء، وهذه تحسن مع القول بأنها اسم للقرآن أو لله تعالى، وكذلك قرأ الحسن وابن أبي إسحاق بكسر الفاء، وهي التي في رتبة التي قبلها في أن الحركة للالتقاء وفي أنها اسم للقرآن.
والْمَجِيدِ الكريم الأوصاف الكثير الخير.
واختلف الناس في الضمير في: عَجِبُوا لمن هو فقال جمهور المتأولين: هو لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم لأن كل مفطور عجب من بعثة بشر رسول الله، لكن المؤمنون نظروا واهتدوا، والكافرون بقوا في عمايتهم وصموا وحاجوا بذلك العجب، ولذلك قال تعالى: فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ.
وقال آخرون بل الضمير في عَجِبُوا للكافرين، وكرر الكلام تأكيدا ومبالغة. والإشارة بهذا يحتمل أن تكون إلى نفس مجيء البشر.
ويحتمل أن تكون إلى القول الذي يتضمنه الإنذار، وهو الخبر بالبعث، ويؤيد هذا القول ما يأتي بعد. وقرأ الأعرج وشيبة وأبو جعفر «إذا» على الخبر دون استفهام، والعامل رَجْعٌ بَعِيدٌ، قال ابن جني ويحتمل أن يكون المعنى «أإذا متنا بعد رجعنا»، فيدل: ذلك رَجْعٌ بَعِيدٌ على هذا الفعل الذي هو بعد ويحل محل الجواب لقولهم: «إذا». والرجع: مصدر رجعته. وقوله بَعِيدٌ في الأوهام والفكر كونه فأخبر الله تعالى ردا على قولهم بأنه يعلم ما تأكل الأرض من ابن آدم وما تبقى منه، وإن ذلك في الكتاب، وكذلك يعود في الحشر معلوما ذلك كله.
و «الحفيظ» : الجامع الذي لم يفته شيء. وقال الرماني: حَفِيظٌ متبع أن يذهب ببلى ودروس، وروي في الخبر الثابت: أن الأرض تأكل ابن آدم إلا عجب الذنب، وهو عظم كالخردلة، فمنه يركب ابن آدم، وحفظ ما تنقص الأرض إنما هو ليعود بعينه يوم القيامة، وهذا هو «الحق». وذهب بعض الأصوليين إلى أن الأجساد المبعثرة المبعوثة يجوز أن تكون غير هذه، وهذا عندي خلاف لظاهر كتاب الله ولو كانت
وقرأ جمهور من القراء ق بسكون الفاء. قال أبو حاتم: ولا يجوز غيرها إلا جواز سوء.
قال القاضي أبو محمد: وهذه القراءة تحسن مع أن يكون ق حرفا دالا على كلمة. وقرأ الثقفي وعيسى: قاف بفتح الفاء، وهذه تحسن مع القول بأنها اسم للقرآن أو لله تعالى، وكذلك قرأ الحسن وابن أبي إسحاق بكسر الفاء، وهي التي في رتبة التي قبلها في أن الحركة للالتقاء وفي أنها اسم للقرآن.
والْمَجِيدِ الكريم الأوصاف الكثير الخير.
واختلف الناس في الضمير في: عَجِبُوا لمن هو فقال جمهور المتأولين: هو لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم لأن كل مفطور عجب من بعثة بشر رسول الله، لكن المؤمنون نظروا واهتدوا، والكافرون بقوا في عمايتهم وصموا وحاجوا بذلك العجب، ولذلك قال تعالى: فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ.
وقال آخرون بل الضمير في عَجِبُوا للكافرين، وكرر الكلام تأكيدا ومبالغة. والإشارة بهذا يحتمل أن تكون إلى نفس مجيء البشر.
ويحتمل أن تكون إلى القول الذي يتضمنه الإنذار، وهو الخبر بالبعث، ويؤيد هذا القول ما يأتي بعد. وقرأ الأعرج وشيبة وأبو جعفر «إذا» على الخبر دون استفهام، والعامل رَجْعٌ بَعِيدٌ، قال ابن جني ويحتمل أن يكون المعنى «أإذا متنا بعد رجعنا»، فيدل: ذلك رَجْعٌ بَعِيدٌ على هذا الفعل الذي هو بعد ويحل محل الجواب لقولهم: «إذا». والرجع: مصدر رجعته. وقوله بَعِيدٌ في الأوهام والفكر كونه فأخبر الله تعالى ردا على قولهم بأنه يعلم ما تأكل الأرض من ابن آدم وما تبقى منه، وإن ذلك في الكتاب، وكذلك يعود في الحشر معلوما ذلك كله.
و «الحفيظ» : الجامع الذي لم يفته شيء. وقال الرماني: حَفِيظٌ متبع أن يذهب ببلى ودروس، وروي في الخبر الثابت: أن الأرض تأكل ابن آدم إلا عجب الذنب، وهو عظم كالخردلة، فمنه يركب ابن آدم، وحفظ ما تنقص الأرض إنما هو ليعود بعينه يوم القيامة، وهذا هو «الحق». وذهب بعض الأصوليين إلى أن الأجساد المبعثرة المبعوثة يجوز أن تكون غير هذه، وهذا عندي خلاف لظاهر كتاب الله ولو كانت
156
غيرها فكيف كانت تشهد الأيدي والأرجل على الكفرة إلى غير ذلك مما يقتضي أن أجساد الدنيا هي التي تعود. وقال ابن عباس ومجاهد والجمهور، المعنى: ما تنقص من لحومهم وأبشارهم وعظامهم. وقال السدي معنى قوله: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ أي ما يحصل في بطنها من موتاهم، وهذا قول حسن مضمنه الوعيد.
وقال ابن عباس أيضا في ما حكى الثعلبي، معناه: قد علمنا ما تنقص أرض الإيمان من الكفرة الذين يدخلون في الإيمان، وهذا قول أجنبي من المعنى الذي قبل وبعد، وقيل قوله: بَلْ كَذَّبُوا مضمر، عنه وقع الإضراب تقديره: ما أجادوا النظر أو نحو هذا، والذي يقع عنه الإضراب ب بَلْ، الأغلب فيه أنه منفي تقضي بَلْ بفساده، وقد يكون أمرا موجبا تقضي بَلْ بترك القول فيه لا بفساده، وقرأ الجمهور:
«لمّا» بفتح اللام وشد الميم. وقرأ الجحدري: «لما» بكسر اللام وتخفيف الميم، قال أبو الفتح: هي كقولهم: أعطيته لما سأل، وكما في التاريخ: لخمس خلون، ونحو هذا، ومنه قوله تعالى: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها [الأعراف: ١٨٧] ومنه قول الشاعر: [الوافر] إذا هبت لقاربها الرياح و: «المريج» : معناه: المختلط، قاله ابن زيد، أي بعضهم يقول ساحر، وبعضهم كاهن، وبعضهم شاعر إلى غير ذلك من تخليطهم، وكذلك عادت فكرة كل واحد منهم مختلطة في نفسها، قال ابن عباس:
المريج: المنكر. وقال مجاهد: الملتبس، والمريج المضطرب أيضا، وهو قريب من الأول، ومنه الحديث: مرجت عهود الناس ومنه مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ [الفرقان: ٥٣، الرحمن: ١٩] وقال الشاعر [أبو دؤاد] :
ثم دل تعالى على العبرة بقوله: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ الآية، وَزَيَّنَّاها معناه: بالنجوم.
و «الفروج» الفطور والشقوق خلالها وأثناءها، قاله مجاهد وغيره، وحكى النقاش أن هذه الآية تعطي أن السماء مستديرة، وليس الأمر كما حكي، إذا تدبر اللفظ وما يقتضي. و «الرواسي» : الجبال. و «الزوج» :
النوع. و «البهيج» قال ابن عباس وقتادة وابن زيد هو: الحسن المنظر، وقوله عز وجل: تَبْصِرَةً وَذِكْرى منصوب على المصدر بفعل مضمر. و: «المنيب» الراجع إلى الحق عن فكرة ونظر. قال قتادة: هو المقبل بقلبه إلى الله وخص هذه الصنيفة بالذكر تشريفا من حيث هي المنتفعة بالتبصرة والذكرى، وإلا فهذه المخلوقات هي تبصرة وذكرى لكل بشر. وقال بعض النحويين: تَبْصِرَةً وَذِكْرى مفعولان من أجله، وهذا يحتمل والأول أرجح.
قوله عز وجل:
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٩ الى ١٥]
وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣)
وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)
وقال ابن عباس أيضا في ما حكى الثعلبي، معناه: قد علمنا ما تنقص أرض الإيمان من الكفرة الذين يدخلون في الإيمان، وهذا قول أجنبي من المعنى الذي قبل وبعد، وقيل قوله: بَلْ كَذَّبُوا مضمر، عنه وقع الإضراب تقديره: ما أجادوا النظر أو نحو هذا، والذي يقع عنه الإضراب ب بَلْ، الأغلب فيه أنه منفي تقضي بَلْ بفساده، وقد يكون أمرا موجبا تقضي بَلْ بترك القول فيه لا بفساده، وقرأ الجمهور:
«لمّا» بفتح اللام وشد الميم. وقرأ الجحدري: «لما» بكسر اللام وتخفيف الميم، قال أبو الفتح: هي كقولهم: أعطيته لما سأل، وكما في التاريخ: لخمس خلون، ونحو هذا، ومنه قوله تعالى: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها [الأعراف: ١٨٧] ومنه قول الشاعر: [الوافر] إذا هبت لقاربها الرياح و: «المريج» : معناه: المختلط، قاله ابن زيد، أي بعضهم يقول ساحر، وبعضهم كاهن، وبعضهم شاعر إلى غير ذلك من تخليطهم، وكذلك عادت فكرة كل واحد منهم مختلطة في نفسها، قال ابن عباس:
المريج: المنكر. وقال مجاهد: الملتبس، والمريج المضطرب أيضا، وهو قريب من الأول، ومنه الحديث: مرجت عهود الناس ومنه مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ [الفرقان: ٥٣، الرحمن: ١٩] وقال الشاعر [أبو دؤاد] :
مرج الدين فأعددت له | مشرف الحارك محبوك الكتد |
و «الفروج» الفطور والشقوق خلالها وأثناءها، قاله مجاهد وغيره، وحكى النقاش أن هذه الآية تعطي أن السماء مستديرة، وليس الأمر كما حكي، إذا تدبر اللفظ وما يقتضي. و «الرواسي» : الجبال. و «الزوج» :
النوع. و «البهيج» قال ابن عباس وقتادة وابن زيد هو: الحسن المنظر، وقوله عز وجل: تَبْصِرَةً وَذِكْرى منصوب على المصدر بفعل مضمر. و: «المنيب» الراجع إلى الحق عن فكرة ونظر. قال قتادة: هو المقبل بقلبه إلى الله وخص هذه الصنيفة بالذكر تشريفا من حيث هي المنتفعة بالتبصرة والذكرى، وإلا فهذه المخلوقات هي تبصرة وذكرى لكل بشر. وقال بعض النحويين: تَبْصِرَةً وَذِكْرى مفعولان من أجله، وهذا يحتمل والأول أرجح.
قوله عز وجل:
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٩ الى ١٥]
وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣)
وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)
157
قوله تعالى: ماءً مُبارَكاً قيل يعني جميع المطر، كله يتصف بالبركة وإن ضر بعضه أحيانا، فقيه مع ذلك الضر الخاص البركة العامة. وقال أبو هريرة: كان النبي ﷺ إذا جاء المطر فسالت الميازيب قال: «لا محل عليكم العام» وقال بعض المفسرين: ماءً مُبارَكاً يريد به ماء مخصوصا خالصا للبركة ينزله الله كل سنة، وليس كل المطر يتصف بذلك. وَحَبَّ الْحَصِيدِ الحنطة. و: باسِقاتٍ معناه:
طويلات ذاهبات في السماء، ومنه قول ابن نوفل في ابن هبيرة: [مجزوء الكامل مرفّل]
يا ابن الذين لمجدهم... بسقت على قيس فزاره
وروى قطبة بن مالك عن النبي ﷺ أنه قرأ: «باصقات» بالصاد، قال أبو الفتح الأصل: السين وإنما الصاد بدل منه، لاستعلاء القاف. و «الطلع» أول ظهور التمر في الكفرى وهو أبيض منضد كحب الرمان. فما دام ملتصقا بعضه ببعض فهو نَضِيدٌ، فإذا خرج من الكفرى تفرق فليس بنضيد. و: رِزْقاً نصب على المصدر والضمير في: بِهِ عائد على المطر. ووصف البلدة ب «ميت» على تقدير القطر والبلد.
وقرأ الناس «ميتا» مخففا، وقرأ أبو جعفر وخالد «ميّتا» بالتثقيل.
ثم بين تعالى موضع الشبه فقال: كَذلِكَ الْخُرُوجُ، هذه الآيات كلها إنما هي أمثلة وأدلة على البعث. والْخُرُوجُ يريد به من القبور، وَأَصْحابُ الرَّسِّ قوم كان لهم بئر عظيمة وهي الرَّسِّ، وكل ما لم يطو من بئر أو معدن أو نحوه فهو رسّ. وأنشد أبو عبيدة للنابغة الجعدي:
سبقت إلى قرطبا هل... تنابلة يحفرون الرساسا
وجاءهم نبي يسمى حنظلة بن صفوان فيما روي فجعلوه في الرَّسِّ وردموا عليه. فأهلكهم الله، وقال كعب الأحبار في كتاب الزهراوي: أَصْحابُ الرَّسِّ هم أصحاب الأخدود وهذا ضعيف. لأن أصحاب الأخدود لم يكذبوا نبيا، إنما هو ملك أحرق قوما. وقال الضحاك الرَّسِّ: بئر قتل فيها صاحب ياسين، قال منذر وروي عن ابن عباس أنهم قوم عاد.
والْأَيْكَةِ: الشجر الملتف، وهم قوم شعيب، والألف واللام من الْأَيْكَةِ غير معرفة، لأن «أيكة» اسم علم كطلحة يقال أيكة وليكة، فهي كالألف واللام في الشمس والقمر وفي الصفات الغالبة وفي هذا نظر. وقرأ «الأيكة» بالهمز أبو جعفر ونافع وشيبة وطلحة.
وَقَوْمُ تُبَّعٍ هم حمير وتُبَّعٍ- سم فيهم، يذهب تبع ويجيء تبع ككسرى في الفرس وقيصر في الروم، وكان أسعد أبو كرب أحد التبابعة رجلا صالحا صحب حبرين فتعلم منهما دين موسى عليه السلام ثم إن قومه أنكروا ذلك عليه فندبهم إلى محاجة الحبرين، فوقعت بينهم مجادلة، واتفقوا على أن يدخلوا
طويلات ذاهبات في السماء، ومنه قول ابن نوفل في ابن هبيرة: [مجزوء الكامل مرفّل]
يا ابن الذين لمجدهم... بسقت على قيس فزاره
وروى قطبة بن مالك عن النبي ﷺ أنه قرأ: «باصقات» بالصاد، قال أبو الفتح الأصل: السين وإنما الصاد بدل منه، لاستعلاء القاف. و «الطلع» أول ظهور التمر في الكفرى وهو أبيض منضد كحب الرمان. فما دام ملتصقا بعضه ببعض فهو نَضِيدٌ، فإذا خرج من الكفرى تفرق فليس بنضيد. و: رِزْقاً نصب على المصدر والضمير في: بِهِ عائد على المطر. ووصف البلدة ب «ميت» على تقدير القطر والبلد.
وقرأ الناس «ميتا» مخففا، وقرأ أبو جعفر وخالد «ميّتا» بالتثقيل.
ثم بين تعالى موضع الشبه فقال: كَذلِكَ الْخُرُوجُ، هذه الآيات كلها إنما هي أمثلة وأدلة على البعث. والْخُرُوجُ يريد به من القبور، وَأَصْحابُ الرَّسِّ قوم كان لهم بئر عظيمة وهي الرَّسِّ، وكل ما لم يطو من بئر أو معدن أو نحوه فهو رسّ. وأنشد أبو عبيدة للنابغة الجعدي:
سبقت إلى قرطبا هل... تنابلة يحفرون الرساسا
وجاءهم نبي يسمى حنظلة بن صفوان فيما روي فجعلوه في الرَّسِّ وردموا عليه. فأهلكهم الله، وقال كعب الأحبار في كتاب الزهراوي: أَصْحابُ الرَّسِّ هم أصحاب الأخدود وهذا ضعيف. لأن أصحاب الأخدود لم يكذبوا نبيا، إنما هو ملك أحرق قوما. وقال الضحاك الرَّسِّ: بئر قتل فيها صاحب ياسين، قال منذر وروي عن ابن عباس أنهم قوم عاد.
والْأَيْكَةِ: الشجر الملتف، وهم قوم شعيب، والألف واللام من الْأَيْكَةِ غير معرفة، لأن «أيكة» اسم علم كطلحة يقال أيكة وليكة، فهي كالألف واللام في الشمس والقمر وفي الصفات الغالبة وفي هذا نظر. وقرأ «الأيكة» بالهمز أبو جعفر ونافع وشيبة وطلحة.
وَقَوْمُ تُبَّعٍ هم حمير وتُبَّعٍ- سم فيهم، يذهب تبع ويجيء تبع ككسرى في الفرس وقيصر في الروم، وكان أسعد أبو كرب أحد التبابعة رجلا صالحا صحب حبرين فتعلم منهما دين موسى عليه السلام ثم إن قومه أنكروا ذلك عليه فندبهم إلى محاجة الحبرين، فوقعت بينهم مجادلة، واتفقوا على أن يدخلوا
158
جميعهم النار التي في القربان، فمن أكلته فهو المبطل، فدخلوها فاحترق قَوْمُ تُبَّعٍ، وخرج الحبران تعرق جباههما، فهلك القوم المخالفون وآمن سائر قَوْمُ تُبَّعٍ بدين الحبرين. وفي الحديث اختلاف كثير. أثبت أصح ذلك على ما في سير ابن هشام. وذكر الطبري عن سهل بن سعد أن رسول الله ﷺ قال: «لا تلعنوا تبعا، فإنه كان قد أسلم» وحكى الثعلبي عن ابن عباس أن تبعا كان نبيا.
وقوله تعالى: كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ قال سيبويه، التقدير: كلهم وحذف لدلالة كل عليه إيجازا.
و «الوعيد» الذي حق: هو ما سبق به القضاء من تعذيب الكفرة وإهلاك الأمم المكذبة، ففي هذا تخويف من كذب محمدا صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: أَفَعَيِينا توقيف للكفار وتوبيخ وإقامة للحجة الواضحة عليهم، وذلك أن جوابهم على هذا التوقيف هو لم يقع عي، ثم هم مع ذلك في لبس من الإعادة. وهذا تناقض، ويقال عيى يعيى إذا عجز عن الأمر ويلح به، ويدغم هذا الفعل الماضي من هذا الفعل ولا يدغم المستقبل منه فيقال عي، ومنه قول الشاعر [عبيد بن الأبرص] :
عيوا بأمرهم كما... عيت ببيضتها الحمامه
و «الخلق الأول» إنشاء الإنسان من نطفة على التدريج المعلوم، وقال الحسن: «الخلق الأول» آدم عليه السلام، حكاه الرماني، واللبس: الشك والريب واختلاط النظر. والخلق الجديد: البعث في القبور.
قوله عز وجل:
[سورة ق (٥٠) : الآيات ١٦ الى ٢١]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠)
وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١)
هذه آيات فيها إقامة حجج على الكفار في إنكارهم البعث والجزاء. والخلق: إنشاء الشيء على ترتيب وتقدير حكمي. و: الْإِنْسانَ اسم الجنس. قال بعض المفسرين الْإِنْسانَ هنا آدم عليه السلام وتُوَسْوِسُ معناه: تتحدث في فكرتها، وسمي صوت الحلي وسواسا لخفائه، والوسوسة إنما تستعمل في غير الخير، وقوله تعالى: نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ عبارة عن قدرة الله على العبد، وكون العبد في قبضة القدرة، والعلم قد أحيط به، فالقرب هو بالقدرة والسلطان، إذ لا ينحجب عن علم الله باطن ولا ظاهر، وكل قريب من الأجرام فبينه وبين قلب الإنسان حجب. و: الْوَرِيدِ عرق كبير في العنق، يقال: إنهما وريدان عن يمين وشمال. قال الفراء: هو ما بين الحلقوم والعلباوين وقال الحسن:
الْوَرِيدِ الوتين.
قال الأثرم: هو نهر الجسد هو في القلب الوتين، وفي الظهر الأبهر، وفي الذراع والفخذ: الأكحل والنسا وفي الخنصر: إلا سليم، «والحبل» : اسم مشترك فخصصه بالإضافة إلى الْوَرِيدِ، وليس هذا
وقوله تعالى: كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ قال سيبويه، التقدير: كلهم وحذف لدلالة كل عليه إيجازا.
و «الوعيد» الذي حق: هو ما سبق به القضاء من تعذيب الكفرة وإهلاك الأمم المكذبة، ففي هذا تخويف من كذب محمدا صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: أَفَعَيِينا توقيف للكفار وتوبيخ وإقامة للحجة الواضحة عليهم، وذلك أن جوابهم على هذا التوقيف هو لم يقع عي، ثم هم مع ذلك في لبس من الإعادة. وهذا تناقض، ويقال عيى يعيى إذا عجز عن الأمر ويلح به، ويدغم هذا الفعل الماضي من هذا الفعل ولا يدغم المستقبل منه فيقال عي، ومنه قول الشاعر [عبيد بن الأبرص] :
عيوا بأمرهم كما... عيت ببيضتها الحمامه
و «الخلق الأول» إنشاء الإنسان من نطفة على التدريج المعلوم، وقال الحسن: «الخلق الأول» آدم عليه السلام، حكاه الرماني، واللبس: الشك والريب واختلاط النظر. والخلق الجديد: البعث في القبور.
قوله عز وجل:
[سورة ق (٥٠) : الآيات ١٦ الى ٢١]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠)
وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١)
هذه آيات فيها إقامة حجج على الكفار في إنكارهم البعث والجزاء. والخلق: إنشاء الشيء على ترتيب وتقدير حكمي. و: الْإِنْسانَ اسم الجنس. قال بعض المفسرين الْإِنْسانَ هنا آدم عليه السلام وتُوَسْوِسُ معناه: تتحدث في فكرتها، وسمي صوت الحلي وسواسا لخفائه، والوسوسة إنما تستعمل في غير الخير، وقوله تعالى: نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ عبارة عن قدرة الله على العبد، وكون العبد في قبضة القدرة، والعلم قد أحيط به، فالقرب هو بالقدرة والسلطان، إذ لا ينحجب عن علم الله باطن ولا ظاهر، وكل قريب من الأجرام فبينه وبين قلب الإنسان حجب. و: الْوَرِيدِ عرق كبير في العنق، يقال: إنهما وريدان عن يمين وشمال. قال الفراء: هو ما بين الحلقوم والعلباوين وقال الحسن:
الْوَرِيدِ الوتين.
قال الأثرم: هو نهر الجسد هو في القلب الوتين، وفي الظهر الأبهر، وفي الذراع والفخذ: الأكحل والنسا وفي الخنصر: إلا سليم، «والحبل» : اسم مشترك فخصصه بالإضافة إلى الْوَرِيدِ، وليس هذا
159
بإضافة الشيء إلى نفسه بل هي كإضافة الجنس إلى نوعه كما تقول: لا يجوز حي الطير بلحمه.
وأما قوله تعالى: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ فقال المفسرون العامل في: إِذْ، أَقْرَبُ، ويحتمل عندي أن يكون العامل فيه فعلا مضمرا تقديره: اذكر إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ، ويحسن هذا المعنى، لأنه أخبر خبرا مجردا بالخلق والعلم بخطرات الأنفس والقرب بالقدرة والملك، فلما تم الإخبار، أخبر بذكر الأحوال التي تصدق هذا الخبر وتبين وروده عند السامع، فمنها إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ، ومنها مجيء سكرة الموت، ومنها النفخ في الصور ومنها مجيء كل نفس، والْمُتَلَقِّيانِ: الملكان الموكلان بكل إنسان:
ملك اليمين الذي يكتب الحسنات، وملك الشمال الذي يكتب السيئات. قال الحسن: الحفظة: أربعة، اثنان بالنهار واثنان باليل.
قال القاضي أبو محمد: ويؤيد ذلك الحديث، «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» الحديث بكامله. ويروى أن ملك اليمين أمير على ملك الشمال، وأن العبد إذا أذنب يقول ملك اليمين للآخر تثبت لعله يتوب رواه إبراهيم التيمي وسفيان الثوري.
وقَعِيدٌ معناه: قاعد، وقال قوم هو بمنزلة أكيل، فهو بمعنى مقاعد وقال الكوفيون: أراد قعودا فجعل الواحد موضع الجنس، والأول أصوب لأن المقاعد إنما يكون مع قعود الإنسان، وقال مجاهد:
قَعِيدٌ: رصد ومذهب سيبويه أن التقدير عن اليمين قعيد، فاكتفى بذكر الآخر عن ذكر الأول ومثله عنده قول الشاعر [كثير عزة] :[الطويل] وعزة ممطول معنّى غريمها ومثله قول الفرزدق: [الكامل]
وهذه الأمثلة كثيرة، ومذهب المبرد: أن التقدير عن اليمين قَعِيدٌ وعن الشمال فأخر قَعِيدٌ عن مكانه ومذهب الفراء أن لفظ قَعِيدٌ يدل على الاثنين والجمع فلا يحتاج إلى تقدير غير الظاهر وقوله تعالى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ قال الحسن بن أبي الحسن وقتادة: يكتب الملكان الكلام فيثبت الله من ذلك الحسنات، والسيئات، ويمحو غير ذلك، وهذا هو ظاهر الآية، قال أبو الجوزاء ومجاهد: يكتبان عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه، وقال عكرمة: المعنى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ خير أو شر، وأما ما خرج من هذا فإنه لا يكتب والأول أصوب، وروي أن رجلا قال لجمله: حل، فقال ملك اليمين لا أكتبها، وقال ملك الشمال لا أكتبها، فأوحى الله إلى ملك الشمال أن اكتب ما ترك ملك اليمين، وروي نحوه عن هشام الحمصي وهذه اللفظة إذا اعتبرت فهي بحسب مشيه ببعيره، فإن كان في طاعة فحل حسنة، وإن كان في معصية فهي سيئة والمتوسط بين هذين عسير الوجود ولا بد أن يقترن بكل أحوال المرء قرائن تخلصها للخير أو لخلافه. وحكى الثعلبي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن مقعد الملكين على الثنيتين، قلمهما اللسان، ومدادهما الريق» وقال الضحاك والحسن: مقعدهما تحت الشعر، وكان الحسن يحب أن ينظف غفقته لذلك قال الحسن: حتى إذا مات طويت صحيفته وقيل له يوم
وأما قوله تعالى: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ فقال المفسرون العامل في: إِذْ، أَقْرَبُ، ويحتمل عندي أن يكون العامل فيه فعلا مضمرا تقديره: اذكر إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ، ويحسن هذا المعنى، لأنه أخبر خبرا مجردا بالخلق والعلم بخطرات الأنفس والقرب بالقدرة والملك، فلما تم الإخبار، أخبر بذكر الأحوال التي تصدق هذا الخبر وتبين وروده عند السامع، فمنها إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ، ومنها مجيء سكرة الموت، ومنها النفخ في الصور ومنها مجيء كل نفس، والْمُتَلَقِّيانِ: الملكان الموكلان بكل إنسان:
ملك اليمين الذي يكتب الحسنات، وملك الشمال الذي يكتب السيئات. قال الحسن: الحفظة: أربعة، اثنان بالنهار واثنان باليل.
قال القاضي أبو محمد: ويؤيد ذلك الحديث، «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» الحديث بكامله. ويروى أن ملك اليمين أمير على ملك الشمال، وأن العبد إذا أذنب يقول ملك اليمين للآخر تثبت لعله يتوب رواه إبراهيم التيمي وسفيان الثوري.
وقَعِيدٌ معناه: قاعد، وقال قوم هو بمنزلة أكيل، فهو بمعنى مقاعد وقال الكوفيون: أراد قعودا فجعل الواحد موضع الجنس، والأول أصوب لأن المقاعد إنما يكون مع قعود الإنسان، وقال مجاهد:
قَعِيدٌ: رصد ومذهب سيبويه أن التقدير عن اليمين قعيد، فاكتفى بذكر الآخر عن ذكر الأول ومثله عنده قول الشاعر [كثير عزة] :[الطويل] وعزة ممطول معنّى غريمها ومثله قول الفرزدق: [الكامل]
إني ضمنت لمن أتاني ما جنى | وأبي وكان وكنت غير غدور |
160
القيامة: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء: ١٤] عدل والله عليه من جعله حسيب نفسه. والرقيب: المراقب. والعتيد: الحاضر وقوله: وَجاءَتْ عطف عندي على قوله: إِذْ يَتَلَقَّى فالتقدير: وإذ تجيء سكرة الموت، وجعل الماضي في موضع المستقبل تحقيقا وتثبيتا للأمر، وهذا أحث على الاستعداد واستشعار القرب، وهذه طريقة العرب في ذلك، ويبين هذا في قوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ فإنها ضرورة بمعنى الاستقبال. وقرأ أبو عمرو: وَجاءَتْ سَكْرَةُ بإدغام التاء في السين. وسَكْرَةُ الْمَوْتِ: ما يعتري الإنسان عند نزاعه والناس فيها مختلفة أحوالهم، لكن لكل واحد سكرة، وكان رسول الله ﷺ في نزاعه يقول: «إن للموت لسكرات».
وقوله: بِالْحَقِّ معناه: بلقاء الله وفقد الحياة الدنيا. وفي مصحف عبد الله بن مسعود: «وجاءت سكرة الحق بالموت». وقرأها ابن جبير وطلحة، ويروى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قالها كذلك لابنته عائشة وذلك أنها قعدت عند رأسه وهو ينازع فقالت: [الطويل]
ففتح أبو بكر رضي الله عنه عينه فقال: لا تقولي هكذا، وقولي: «وجاءت سكرة الحق بالموت» ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. وقد روي هذا الحديث على مشهور القراءة وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ فقال أبو الفتح: إن شئت علقت الباء ب جاءَتْ، كما تقول: جئت بزيد، وإن شئت كانت بتقدير: ومعها الموت.
واختلف المتأولون في معنى: «وجاءت سكرة الحق بالموت» فقال الطبري وحكاه الثعلبي: «الحق» الله تعالى، وفي إضافة السكرة إلى اسم الله تعالى بعد وإن كان ذلك سائغا من حيث هي خلق له، ولكن فصاحة القرآن ورصفه لا يأتي فيه هذا. وقال بعض المتأولين المعنى: وجاءت سكرة فراق الحياة بالموت وفراق الحياة حق يعرفه الإنسان ويحيد منه بأمله. ومعنى هذا الحيد: أنه يقول: أعيش كذا وكذا، فمتى فكر في قرب الموت حاد بذهنه وأمله إلى مسافة بعيدة من الزمن، وأيضا فحذر الموت وتحرزاته ونحو هذا حيد كله. وقد تقدم القول في النفخ في الصور مرارا. و: يَوْمُ الْوَعِيدِ هو يوم القيامة وأضافه إلى الوعيد تخويفا.
وقوله تعالى: وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها وقرأ طلحة بن مصرف: «محّها» بالحاء المثقلة. والسائق:
الحاث على السير.
واختلف الناس في السائق والشهيد، فقال عثمان بن عفان ومجاهد وغيره: ملكان موكلان بكل إنسان أحدهما يسوقه والآخر من حفظته يشهد عليه. وقال أبو هريرة: السائق ملك، والشهيد: العمل وقال منذر بن سعيد: السائق: الملك والشهيد: النبي صلى الله عليه وسلم، قال وقيل: الشهيد: الكتاب الذي يلقاه منشورا. وقال بعض النظار: سائِقٌ، اسم جنس، وشَهِيدٌ كذلك، فالساقة للناس ملائكة يوكلون بذلك، والشهداء: الحفظة في الدنيا وكل ما يشهد.
وقوله: بِالْحَقِّ معناه: بلقاء الله وفقد الحياة الدنيا. وفي مصحف عبد الله بن مسعود: «وجاءت سكرة الحق بالموت». وقرأها ابن جبير وطلحة، ويروى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قالها كذلك لابنته عائشة وذلك أنها قعدت عند رأسه وهو ينازع فقالت: [الطويل]
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى | إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر |
واختلف المتأولون في معنى: «وجاءت سكرة الحق بالموت» فقال الطبري وحكاه الثعلبي: «الحق» الله تعالى، وفي إضافة السكرة إلى اسم الله تعالى بعد وإن كان ذلك سائغا من حيث هي خلق له، ولكن فصاحة القرآن ورصفه لا يأتي فيه هذا. وقال بعض المتأولين المعنى: وجاءت سكرة فراق الحياة بالموت وفراق الحياة حق يعرفه الإنسان ويحيد منه بأمله. ومعنى هذا الحيد: أنه يقول: أعيش كذا وكذا، فمتى فكر في قرب الموت حاد بذهنه وأمله إلى مسافة بعيدة من الزمن، وأيضا فحذر الموت وتحرزاته ونحو هذا حيد كله. وقد تقدم القول في النفخ في الصور مرارا. و: يَوْمُ الْوَعِيدِ هو يوم القيامة وأضافه إلى الوعيد تخويفا.
وقوله تعالى: وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها وقرأ طلحة بن مصرف: «محّها» بالحاء المثقلة. والسائق:
الحاث على السير.
واختلف الناس في السائق والشهيد، فقال عثمان بن عفان ومجاهد وغيره: ملكان موكلان بكل إنسان أحدهما يسوقه والآخر من حفظته يشهد عليه. وقال أبو هريرة: السائق ملك، والشهيد: العمل وقال منذر بن سعيد: السائق: الملك والشهيد: النبي صلى الله عليه وسلم، قال وقيل: الشهيد: الكتاب الذي يلقاه منشورا. وقال بعض النظار: سائِقٌ، اسم جنس، وشَهِيدٌ كذلك، فالساقة للناس ملائكة يوكلون بذلك، والشهداء: الحفظة في الدنيا وكل ما يشهد.
161
وقال ابن عباس والضحاك: السائق ملك، والشهيد: جوارح الإنسان، وهذا يبعد على ابن عباس، لأن الجوارح إنما تشهد بالمعاصي.
وقوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ يعم الصالحين، فإنما معناه: وشهيد بخيره، وشره، ويقوى في:
شَهِيدٌ اسم الجنس، فتشهد بالخير الملائكة والبقاع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة». وكذلك يشهد بالشر الملائكة والبقاع والجوارح. وقال أبو هريرة: السائق: ملك، والشهيد: العمل. وقال ابن مسلم: السائق: شيطان. حكاه عنه الثعلبي والقول في كتاب منذر بن سعيد وهو ضعيف.
قوله عز وجل:
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٢٢ الى ٢٨]
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦)
قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨)
قرأ الجحدري: «لقد كنت» على مخاطبة النفس وكذلك كسر الكافات بعد.
وقال صالح بن كيسان والضحاك وابن عباس معنى قوله: لَقَدْ كُنْتَ أي يقال للكافر الغافل من ذوي النفس التي معها السائق والشهيد إذا حصل بين يدي الرحمن وعاين الحقائق التي كان لا يصدق بها في الدنيا ويتغافل عن النظر فيها، لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا، فلما كشف الغطاء عنك الآن احتد بصرك أي بصيرتك وهذا كما تقول: فلان حديد الذهن والفؤاد ونحوه، وقال مجاهد: هو بصر العين إذا احتد التفاته إلى ميزانه وغير ذلك من أهوال القيامة.
وقال زيد بن أسلم قوله تعالى: ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق: ١٩] وقوله تعالى: لَقَدْ كُنْتَ الآية، مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى أنه خوطب بهذا في الدنيا، أي لقد كنت يا محمد في غفلة من معرفة هذا القصص والغيب حتى أرسلناك وأنعمنا عليك وعلمناك، فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ، وهذا التأويل يضعف من وجوه، أحدها أن الغفلة إنما تنسب أبدا إلى مقصر، ومحمد ﷺ لا تقصير له قبل بعثه ولا بعده وثان: أن قوله: بعد هذا: وَقالَ قَرِينُهُ يقتضي أن الضمير إنما يعود على أقرب مذكور، وهو الذي يقال له فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ وإن جعلناه عائدا على ذي النفس في الآية المتقدمة جاء هذا الاعتراض لمحمد ﷺ بين الكلامين غير متمكن فتأمله. وثالث: أن معنى توقيف الكافر وتوبيخه على حاله في الدنيا يسقط، وهو أحرى بالآية وأولى بالرصف، والوجه عندي ما قاله الحسن وسالم بن عبد الله إنها مخاطبة للإنسان ذي النفس المذكورة من مؤمن وكافر.
و: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ، قال ابن عباس: هي الحياة بعد الموت، وينظر إلى معنى كشف
وقوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ يعم الصالحين، فإنما معناه: وشهيد بخيره، وشره، ويقوى في:
شَهِيدٌ اسم الجنس، فتشهد بالخير الملائكة والبقاع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة». وكذلك يشهد بالشر الملائكة والبقاع والجوارح. وقال أبو هريرة: السائق: ملك، والشهيد: العمل. وقال ابن مسلم: السائق: شيطان. حكاه عنه الثعلبي والقول في كتاب منذر بن سعيد وهو ضعيف.
قوله عز وجل:
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٢٢ الى ٢٨]
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦)
قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨)
قرأ الجحدري: «لقد كنت» على مخاطبة النفس وكذلك كسر الكافات بعد.
وقال صالح بن كيسان والضحاك وابن عباس معنى قوله: لَقَدْ كُنْتَ أي يقال للكافر الغافل من ذوي النفس التي معها السائق والشهيد إذا حصل بين يدي الرحمن وعاين الحقائق التي كان لا يصدق بها في الدنيا ويتغافل عن النظر فيها، لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا، فلما كشف الغطاء عنك الآن احتد بصرك أي بصيرتك وهذا كما تقول: فلان حديد الذهن والفؤاد ونحوه، وقال مجاهد: هو بصر العين إذا احتد التفاته إلى ميزانه وغير ذلك من أهوال القيامة.
وقال زيد بن أسلم قوله تعالى: ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق: ١٩] وقوله تعالى: لَقَدْ كُنْتَ الآية، مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى أنه خوطب بهذا في الدنيا، أي لقد كنت يا محمد في غفلة من معرفة هذا القصص والغيب حتى أرسلناك وأنعمنا عليك وعلمناك، فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ، وهذا التأويل يضعف من وجوه، أحدها أن الغفلة إنما تنسب أبدا إلى مقصر، ومحمد ﷺ لا تقصير له قبل بعثه ولا بعده وثان: أن قوله: بعد هذا: وَقالَ قَرِينُهُ يقتضي أن الضمير إنما يعود على أقرب مذكور، وهو الذي يقال له فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ وإن جعلناه عائدا على ذي النفس في الآية المتقدمة جاء هذا الاعتراض لمحمد ﷺ بين الكلامين غير متمكن فتأمله. وثالث: أن معنى توقيف الكافر وتوبيخه على حاله في الدنيا يسقط، وهو أحرى بالآية وأولى بالرصف، والوجه عندي ما قاله الحسن وسالم بن عبد الله إنها مخاطبة للإنسان ذي النفس المذكورة من مؤمن وكافر.
و: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ، قال ابن عباس: هي الحياة بعد الموت، وينظر إلى معنى كشف
162
الغطاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا».
وقوله تعالى: وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ، قال جماعة من المفسرين: قَرِينُهُ من زبانية جهنم، أي قال هذا العذاب الذي لدي لهذا الإنسان الكافر حاضر عتيد، ففي هذا تحريض على الكافر واستعجال به. وقال قتادة وابن زيد: قَرِينُهُ الملك الموكل بسوقه، فكأنه قال: هذا الكافر الذي جعل إلى سوقه، فهو لدي حاضر. وقال الزهراوي وقيل: قَرِينُهُ شيطانه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وإنما أوقع فيه أن القرين في قوله: قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ هو شيطانه في الدنيا ومغويه بلا خلاف.
ولفظ القرين: اسم جنس، فسائقه قرين، وصاحبه من الزبانية قرين، وكاتب سيئاته في الدنيا قرين وتحتمله هذه الآية، أي هذا الذي أحصيته عليه عتيد لدي، وهو موجب عذابه، ومماشي الإنسان في طريقه قرين، وقال الشاعر [عدي بن زيد العبادي] :[الطويل]
والقرين الذي في هذه الآية، غير القرين الذي في قوله: قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ إذ المقارنة تكون على أنواع، وقال بعض العلماء: قَرِينُهُ في هذه الآية: عمله قلبا وجازحا، وقوله عز وجل:
أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ معناه: يقال أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ. واختلف الناس لم يقال ذلك؟ فقال جماعة من المفسرين: هو قول الملكين من ملائكة العذاب. وقال عبد الرحمن بن زيد في كتاب الزهراوي: هو قول للسائق والشهيد، وحكى الزهراوي أن المأمور بإلقاء الكافر في النار اثنان، وعلى هذين القولين لا نظر في قوله: أَلْقِيا. وقال مجاهد وجماعة من المتأولين: هو قول للقرين: إما السائق، وإما الذي هو من الزبانية حسبما تقدم واختلف أهل هذه المقالة في معنى قوله: أَلْقِيا وهو مخاطبة لواحد، فقال المبرد معناه: الق الق، فإنما أراد تثنية الأمر مبالغة وتأكيدا، فرد التثنية إلى الضمير اختصارا كما قال [امرؤ القيس] :
لفتك الأمين على نابل يريد ارم ارم. وقال بعض المتأولين: «ألقين» فعوض من النون ألف كما تعوض من التنوين. وقال جماعة من أهل العلم بكلام العرب: هذا جرى على عادة العرب، وذلك أنها كان الغالب عندها أن تترافق في الأسفار ونحوها ثلاثة، فكل واحد منهم يخاطب اثنين، فكثر ذلك في أشعارها وكلامها حتى صار عرفا في المخاطبة، فاستعمل في الواحد، ومن هذا قولهم في الأشعار: خليلي، وصاحبي، وقفا نبك ونحوه، وقد جرى المحدثون على هذا الرسم، فيقول الواحد: حدثنا، وإن كان سمع وحده، ونظير هذه الآية في هذا القول قول الزجاج: يا حارسي اضربا عنقه، وهو دليل على عادة العرب، ومنه قول الشاعر [سويد بن كراع العكلي] :[الطويل]
وقوله تعالى: وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ، قال جماعة من المفسرين: قَرِينُهُ من زبانية جهنم، أي قال هذا العذاب الذي لدي لهذا الإنسان الكافر حاضر عتيد، ففي هذا تحريض على الكافر واستعجال به. وقال قتادة وابن زيد: قَرِينُهُ الملك الموكل بسوقه، فكأنه قال: هذا الكافر الذي جعل إلى سوقه، فهو لدي حاضر. وقال الزهراوي وقيل: قَرِينُهُ شيطانه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وإنما أوقع فيه أن القرين في قوله: قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ هو شيطانه في الدنيا ومغويه بلا خلاف.
ولفظ القرين: اسم جنس، فسائقه قرين، وصاحبه من الزبانية قرين، وكاتب سيئاته في الدنيا قرين وتحتمله هذه الآية، أي هذا الذي أحصيته عليه عتيد لدي، وهو موجب عذابه، ومماشي الإنسان في طريقه قرين، وقال الشاعر [عدي بن زيد العبادي] :[الطويل]
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه | فكل قرين بالمقارن يقتدي |
أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ معناه: يقال أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ. واختلف الناس لم يقال ذلك؟ فقال جماعة من المفسرين: هو قول الملكين من ملائكة العذاب. وقال عبد الرحمن بن زيد في كتاب الزهراوي: هو قول للسائق والشهيد، وحكى الزهراوي أن المأمور بإلقاء الكافر في النار اثنان، وعلى هذين القولين لا نظر في قوله: أَلْقِيا. وقال مجاهد وجماعة من المتأولين: هو قول للقرين: إما السائق، وإما الذي هو من الزبانية حسبما تقدم واختلف أهل هذه المقالة في معنى قوله: أَلْقِيا وهو مخاطبة لواحد، فقال المبرد معناه: الق الق، فإنما أراد تثنية الأمر مبالغة وتأكيدا، فرد التثنية إلى الضمير اختصارا كما قال [امرؤ القيس] :
لفتك الأمين على نابل يريد ارم ارم. وقال بعض المتأولين: «ألقين» فعوض من النون ألف كما تعوض من التنوين. وقال جماعة من أهل العلم بكلام العرب: هذا جرى على عادة العرب، وذلك أنها كان الغالب عندها أن تترافق في الأسفار ونحوها ثلاثة، فكل واحد منهم يخاطب اثنين، فكثر ذلك في أشعارها وكلامها حتى صار عرفا في المخاطبة، فاستعمل في الواحد، ومن هذا قولهم في الأشعار: خليلي، وصاحبي، وقفا نبك ونحوه، وقد جرى المحدثون على هذا الرسم، فيقول الواحد: حدثنا، وإن كان سمع وحده، ونظير هذه الآية في هذا القول قول الزجاج: يا حارسي اضربا عنقه، وهو دليل على عادة العرب، ومنه قول الشاعر [سويد بن كراع العكلي] :[الطويل]