تفسير سورة ق

معاني القرآن للزجاج
تفسير سورة سورة ق من كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج المعروف بـمعاني القرآن للزجاج .
لمؤلفه الزجاج . المتوفي سنة 311 هـ

سُورَةُ (ق)
خمس وأربعون آية "

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله عزَّ وجلَّ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١)
أكثر أهل اللغة وما جاء في التفسير أن مجاز (ق) مجاز الحروف التي
تكون في أوائل السوَر نحو (ن)، و (الم)، و (ص) وقد فسرنا ذلك
ويجوز أن يكون معنى (قَافْ) معنى قضي الأمر، كَمَا قِيلَ (حم) حُمَّ الأمْرُ.
واحتج الذين قالوا من أهل اللغة أن معنى (ق) بمعنى قضي الأمر بقول
الشاعر:
قلنا لها قفي قالت قاف... لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف
معناه فقالت أقف
ومذهب الناس أن قاف ابتداء للسورة على ما وصفنا، وقد جاء في
بعض التفسير أن قاف جبل محيط بالدنيا من ياقوتة خضراء وأن السماء بيضاء
وإنما اخْضَرت مِنْ خُضْرَتِه، واللَّه أعلم
وجواب القسم في (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) مَحْذُوف، يدل عليه (أإذا مِتْنَا
وكُنَّا تراباً).
المعنى واللَّهِ أعلم: والقرآن المجيد إنكم لمبعوثون.
فعجبوا فقالوا (أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا).
أي أنبعث إذَا - مِتْنَا وكنا تُراباَ. ولو لم يكن إذا متعلق لم يكن في
الكلام فائدة.
وقوله: (ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣)
أي يبعد عندنا أن نبعث بَعَدَ المَوْتِ.
ويجوز أن يكون الجواب (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ)، فيكون
المعنى: ق والقرآن المجيد لقد علمنا ما تنقص الأرض منهم وحذفت اللام لأن
ما قبلها عوض منها كما قال: (والشمس وضحاها) إلى قوله: (قَدْ أفْلَحَ مَنْ
زَكَاهَا)، المعنى لقد أفلح من زكاها.
والمعنى (ما تَنَقُصُ الأرْضُ مِنْهُم).
ما تأخذه الأرض من لحومهم.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥)
مَريج: مختلف ملتبس عليهم مرة يقولون للنبي - ﷺ - شاعر ومرة ساحِر ومرة مُعَلَّم.
فهذا دليل على أن أمرهم مريج ملتبس عليهم.
ثم دلهم عزَّ وجلَّْ على قدرته على بعثهم بعد الموت بعظيم خلقه الذي يدل على وحدانِيته وأنه على كل شيء قدير فقال:
(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ
(٦)
وأن الله عزَّ وجلَّ ممسكها بغير عَمَدٍ من أن تقع على الأرض.
(وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ).
لا صدع فيها ولا فرجة.
(وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧)
والرواسي الجبال.
(وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨)
أي فعلنا ذلك لِنُبَصِّر به ونَدُلَّ على القُدرة.
ثم قال (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ)
أي لكل عبد يرجع إلى اللَّه ويفكر في قدرته.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩)
أي وأنبتنا فيها حب الحَصِيدِ، فجمع بذلك جميع ما يقتات به من حب
الحنطة والشعير وكل ما حَصِدَ.
* * *
(وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠)
بسوقها طولها، المعنى وأنبتنا فيها هذه الأشياء.
* * *
وقوله: (رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (١١)
ينتصب على وجهين:
أحدهما على معنى رزقناهم رزقاً لأن إنباته هذه الأشياء رزق، ويجوز أن يكون مفعولاً له، المعنى: فأنبتنا هذه الأشياء للرزق.
ثم قال: (كَذَلِكَ الخُروجُ).
أي كما خلقنا هذه الأشياء نبعثكم.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤)
أي فحقت عليه كلمة العذاب والوعيد للمكذبين للرسل، وكذلك قوله:
(فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (١٤) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦)
* * *
وقوله: (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)
هذا تقرير لأنهم اعترفوا بأن اللَّه - عزَّ وجلَّ - الخَالِقُ، وأنكروا البعث؛
فقال: (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ)، يقال: عَيِيتُ بالأمر إذا لم تعْرف وجهه.
وأعَيْيتُ إذَا تعبتُ.
وقوله عزَّ وجلَّ: (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ).
أي بل هم في لَبْسٍ مِنَ البَعْثِ.
* * *
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦)
أي نَعلَمُ ما يخفي وما يكنه في نفسه.
(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ).
والوريد عرق في باطن العنق، وهما وريدان، قال الشاعر.
كأَنْ ورِيدَاهُ رِشَاءا خُلْبِ
يعني من ليف.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧)
(المُتَلَقيَانِ) كاتباه الموكلانِ بِهِ، يَتَلقيان ما يعمله فيَثبتانه.
المعنى عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فدل أحَدُهما على الآخر، فحذف المدلول عليه، ومثله قَوْلُ الشاعِر.
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وأنْتَ بِمَا عِنْ... دَكَ رَاضٍ والرَّأْيُ مُخْتَلِفُ
أي نحن بما عندنا راضون وأنت بما عندك راض، ومثله أيضاً
رَمَانِي بِأَمْرٍ كُنْتُ مِنْهُ وَوالِدِي... بَريئاً ومِنْ أَجْلِ الطَّوِىِّ رَمَانِي
المعنى رماني بأمر كنت منه بريئاً، ووالدي بريئاً منه.
وقوله (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)
(عَتِيدٌ) أي ثابت لازم.
* * *
وقوله: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩)
أي جاءت السكرة التي تدل الإنسانَ على أنه ميت.
(بِالْحَقِّ) أي بالمَوْتِ الذي خلق له.
وقال بعضهم: وجاءت سكرة الحق بالموت، ورويت عن أبي
بكر رحمه اللَّه والمعنى واحد، وقيل الحق ههنا اللَّه عزَّ وجلَّ.
* * *
وقوله: (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١)
قيل في التفسير سائقِ يسوقها إلى محشرها، وَ (شَهِيدٌ) يشهد عَلَيْها بِعَمَلِها
وقيل: وَ (شَهِيدٌ) هُوَ العَمل نفسه.
* * *
وقوله: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢)
وهذا مَثلٌ، المعنى كنت بمنزلة من عليه غطاء وعلى قلبه غشاوة.
(فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).
أي فعلمك بما أنت فيه نافذٌ، ليس يراد بهذا البصر من - بَصَرِ العين -
كما تقول: فلان بصير بالنحو والفقه، تُرِيدُ عَالِمَاً بِهِمَا، ولم ترد بصر العَيْن.
* * *
- وقوله: (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣)
(ما) رفع بهذا و (عَتِيدٌ) صفة لـ (ما) فِيمَنْ جَعَلَ " ما " في مذهب النكرة، المعنى هذا شيء لدي عتيد.
ويجوز أن يكون رفعه على وجهين غير هذا الوجه، على
أن يُرْفَع (عَتِيدٌ) بإضْمارٍ، كأنك قلت: هذا شيءٌ لَدَيَّ هو عتيد
ويجوز أن ترفعه على أنه خبر بعد خبر، كما تقول هذا حلو حامض، فيكون المعنى هذا شيء لَدَيَّ عتيدٌ.
ويجوز أن يكون رفعه على البدل من " ما "، فيكون المعنى هذا
عتيد.
* * *
وقوله: (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤)
أي عَنِدَ عن الحق، وقوله: (ألْقِيَا)، الوجه عندي - واللَّه أعلم - أن
يكون أمر الملكين، لأن (ألْقِيَا) للاثنين، ، وقال بعض النحويين: إن العربَ
تأمر الواحد بلفظ الاثنين، فتقول قوماً واضربا زيداً يا رجل، وروَوْا أن الحجاج كان يقول: يا حَرَسِي اضربا عنقه، وقالوا: إنما قيل ذلك لأن أكثر ما يتكلم به العرب فيمن تأمره بلفظ الاثنين، نحو.
خليلي مُرا بي على أُمِّ جُندَبِ
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ
وقال محمد بن يزيد: هذا فعل مثنى توكيداً كأنَّه لَمَّا قال ألْقِيَا ناب عن
قوله ألْقِ ألْقِ، وكذلك عنده قفا معناه عنده قف قف، فناب عن فعلين فبنى.
وهذا قولٌ صالحٌ وأنا اعتقد أنه أمر الاثنين (١)، واللَّه أعلم.
* * *
وقوله: (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٢٧)
المعنى إنما طغى وهو بضلاله وإنما دعوته فاستجاب، كما قال: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي).
* * *
وقوله: (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩)
أي من عمل حسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، ومن عمل سيئة - فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ
(٣٠)
وقرئت (يَوْمَ يَقُولُ لِجَهَنَّمَ)
نصب (يَوْمَ) على وجهين:
على معنى ما يبدل القول لديَّ في ذلك اليوم.
وعلى معنى أنذرهم يوم نقول لجهنم، كما قال:
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ).
(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿أَلْقِيَا﴾: اختلفوا: هل المأمورُ واحدٌ أم اثنان؟ فقال بعضُهم: واحد، وإنما أتى بضميرِ اثنين، دلالةً على تكرير الفعل كأنه قيل: أَلْقِ أَلْقِ. وقيل: أراد أَلْقِيَنْ بالنونِ الخفيفة فأبدلها ألفاً إجراءً للوَصْلِ مُجْرى الوقفِ، ويؤيِّده قراءةُ الحسنِ «أَلْقِيَنْ» بالنونِ.
وقيل: العرب تخاطِبُ الواحدَ مخاطبةَ الاثنين تأكيداً كقولِه:
٤٠٩٥ فإن تَزْجُراني يا بنَ عَفَّانَ أَزْدَجِرْ... وإنْ تَدَعاني أَحْمِ عِرْضاً مُمَنَّعا
وقال آخر:
٤٠٩٦ فقُلْتُ لصاحبي لا تَحْبِسانا................................
البيت. وقال بعضُهم: المأمور مثنى. وهذا هو الحقُّ لأنَّ المرادَ مَلَكان يفعلان ذلك.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
وقوله عزَّ وجلَّ: (هَلِ امْتَلَأْتِ).
أي: أم لم تمتلئ، وإنما السوال توبيخ لمن أُدْخِلَهَا، وزيادة في مكروهه.
ودليل على تصديق قوله: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ).
فأمَّا قوله: (وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ).
ْففيه وجهان عند أهل اللغة:
أحدهما أنها تقول ذلك بعد امتلائها فتقول: (هل من مزيد).
أي هل بقي في موضع لم يمتلئ، أي قد امتلأت.
ووجه آخر: تقول: هل من مزيد تغيظاً على من عصى كما قال عزَّ وجلَّ: (سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا).
فأمَّا قولها هذا ومخاطبتها فاللَّه - عز وجل - جعل فيها ما به
تميز وتخاطب، كما جعل فيما خلق أن يسبح بحمده، وكما جعل في النملة
أن قالت: (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ)
وقد زعم قوم أنها امتلأت فصارت صورتها صورة من لو ميَّزَ لَقال:
(هل من مزيد)
كما قال الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني... مهلاً رويداً قد ملأت بطني
وليس هناك قول.
وهذا ليس يُشْبِه ذاك، لأن الله عزَّ وجلَّ قد أعلمنا أن المخلوقات تسبح وأننا لا نفقه تسبيحها، فلو كان إنما هو أن يدل على أنها
مخلوقة كنا نفقه تسبيحها.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (٣٥)
المعنى لهم فيها ما يشاءون ولدينا مزيد مما لم يخطر على قلوبِهِمْ.
وجاء في التفسير أن السحاب يمر بأهل الجنة فيمطر لهم الحور، فيقول الحورُ
نحن الذين قال اللَّه عزَّ وجلَّْ فيهم، (وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ).
(وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦)
اختلف الناس في القرن فقال قوم: القرن عشر سنين، وقال قوم ثلاثون
سنة، وقال قوم أربعون سنة، وقال قوم سبعون سنة، وقالوا مائة سنة، وقال قوم مائة وعشرون سنة.
والقرن واللَّه أعلم مقدار التوسط في أعمار أهل الزمان، فالقرن في قوم
نوح على مقدار أعمارهم.
واشتقاقه من الاقتران فكأنه المقدار الذي هو أكبر ما يقترن فيه أهل ذلك
الزمان في بقائهم.
وقوله عزَّ وجلَّّ: (فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ).
وقرئت (فَنَقَبُوا) - بالتشديد والتخفيف - المعنى طوِّقوا وفتِّشوا، فلم تَرَوا مَحيصاً من الموت.
قال امرؤ القيس.
لقَدْ نَقَّبْتُ في الآفاقِ حتَّى... رَضِيتُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بالإِيابِ
وتقرأ نَقِّبوا في البلاد، أي فتشوا وانظروا، ومن هذا نَقيبُ القومِ للذي
يعرف أمرهم، مثل العريف.
* * *
قوله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)
وقرئت (أو أُلقِيَ السمعُ) ومعنى (مَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ) أي من صرف قلبه إلى
التّفَهُّمِ، ألا ترى أن قوله: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) أنهم لم يستمعوا استماع متفهم
مسترشد فجعلوا بمنزلة من لم يسمع
كما قال الشاعر:
أصمُّ عما ساءه سميعُ
ومعنى (أو ألقى السمع) أي استمع ولم يشغل قلبه بغير ما يسمع.
والعرب تقول: ألق إليَّ سَمعَك، أي استمع مني.
ومعنى (وَهُوَ شَهِيدٌ) أي وقَلْبُه فيما يسمعُ.
وجاء في التفسير أنه يعنى به أهل الكتاب الذين
كانت عندهم صفة النبي - ﷺ -.
فالمعنى على هذا التفسير (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) أن صفة النبي عليه إلسلام في كتابه.
* * *
وقوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨)
اللُّغوب: التَّعَب والإعياء، يقال: لَغَبَ يلْغُبُ لُغوباً.
وهذا فيما ذكر أن اليهود - لُعِنَتْ - قالت: خلق اللَّه السَّمَاوَات والأرض في ستَةِ أيامِ أولُها الأحَد وآخرها الجمعة، واستراح يوم السبت، فأَعلم اللَّه عزَّ وجلَّّ أنه خَلقها في ستة أيام وسبحانه وتعالى أن يوصف بتعب أوْ نَصَبٍ.
ثم قال:
(فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩)
يعني قبل طلوع الشمس صلاة الفجر، وقبل الغُروب صلاةَ العَصْرِ
* * *
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (٤٠)
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ)
صلاة المغرب.
(وَأَدْبَارَ السُّجُودِ)
الركعتان بعد صلاة المغرب على هذا.
ويجوز أن يكون الأمر بالتسبيح بعد الفراغ من الصلاة.
ويقرأ (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ)
و (إِدْبَارَ السُّجُودِ)، فمن قرأ و (أَدْبَارَ) بقتح الألف فهو جمع دبر.
ومن قرأ و (إِدْبَارَ) فهو على مصدر أدْبَرَ يُدْبِرُ إِدباراً.
وقوله تعالى: (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٤١)
جاء في التفسير أنه يعنى به أنه ينادى بالحشر من مكان قريب.
وقيل: هي الصخرة التي في بيت المقدس، ويقال إنها في وسط الأرْضِ.
* * *
قوله عزَّ وجلَّ (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢)
أي يوم يبعثون ويخرجون، ومثله (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (٧).
والأجداث القبور
وقال أبو عبيدة: يوم الخروج من أسماء يوم القيامة.
واستشهَدَ بقول العَجاجِ.
أَلَيسَ يَوْمٌ سُمِّيَ الخُرُوجا... أَعْظَمَ يَوْمٍ رَجَّةً رَجُوجا؟
* * *
وقوله: (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (٤٥)
هذا كما قال: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢).
وهذا قبل أن يؤمر النبي - ﷺ -
بالحرب لأن سورة (ق) مكية.
Icon