تفسير سورة ق

الدر المصون
تفسير سورة سورة ق من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون المعروف بـالدر المصون .
لمؤلفه السمين الحلبي . المتوفي سنة 756 هـ

قوله: ﴿والقرآن﴾ : قَسَمٌ. وفي جوابِه أوجهٌ، أحدُها: أنَّه قولُه: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض﴾. الثاني: ﴿مَا يُبَدَّلُ القول﴾ الثالث: ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ﴾. الرابع: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى﴾. الخامس ﴿بَلْ عجبوا﴾ وهو قولٌ كوفيٌّ. قالوا: لأنَّه بمعنى «قد عَجِبوا» السادس: أنَّه محذوفٌ، فقدَّره الزجَّاج والأخفشُ والمبردُ «لَتُبْعَثُنَّ». وفَتَحَها عيسى، وكَسَرها الحسنُ وابن أبي إسحاق، وضمَّها هارونُ وابنُ السَّمَيْفَع. وقد مَضَى توجيهُ ذلك كلِّه. وهو أنَّ الفتحَ يحتمل البناءَ على الفتح للتخفيفِ، أو يكونُ منصوباً بفعلٍ مقدرٍ، ومُنِع الصرفَ، أو مجرورٌ بحرفِ قسمٍ مقدرٌ، وإنما مُنعَ الصرفَ أيضاً. والضمُّ على أنه مبتدأٌ أو خبرٌ، ومُنع الصرف أيضاً.
قوله: ﴿أَإِذَا مِتْنَا﴾ : قرأ العامَّةُ بالاستفهام، وابنُ عامر في روايةٍ، وأبو جعفر والأعمش والأعرج بهمزةٍ واحدةٍ، فتحتملُ الاستفهامَ كالجمهورِ، وإنما حَذَفَ الأداةَ للدلالةِ، وتحتملُ الإِخبارَ بذلك. والناصبُ للظرفِ في قراءةِ الجمهورِ مقدرٌ أي: أنُبْعَثُ أو أَنَرْجِعُ إذا مِتْنا. وجوابُ «إذا» على قراءةِ الخبرِ محذوفٌ أي: رَجَعْنا. وقيل: قولُه: «ذلك رَجْعٌ» على حذفِ الفاءِ، وهذا رأيُ بعضِهم. والجمهور لا يُجَوِّزُ ذلك إلاَّ في شعرٍ. وقال الزمخشريُّ: «ويجوزُ أَنْ يكونَ الرَّجْعُ بمعنى المَرْجوع هو الجوابَ، ويكونَ مِنْ كلامِ اللَّهِ تعالى، استبعاداً لإِنكارهم ما أُنْذِروا به من البَعْثِ. والوقفُ على ما قبلَه على هذا التفسيرِ حسنٌ». فإنْ قلت: فما ناصبُ الظرفِ إذا كان الرَّجْعُ بمعنى المَرْجوع؟ قلت: ما دَلَّ عليه المنذِرُ من المنذَرِ به وهو البعثُ «وأَنْحَى عليه الشيخُ في فهمِه هذا الفهمَ.
قوله: ﴿بَلْ كَذَّبُواْ﴾ : هذا إضرابٌ ثانٍ. قال الزمخشري: «إضرابٌ أُتبع الإِضرابَ قبله للدلالةِ على أنَّهم جاؤُوا بما هو أفظعُ مِنْ تعجُّبهم، وهو الكذيبُ بالحق». وقال الشيخ: «وكأن هذا الإِضرابَ الثاني بدلُ بدَاءٍ من الأول». قلت: وإطلاقُ مثلِ هذا في
18
كتابِ الله لا يجوزُ البتةَ. وقيل: قبل هذه الآيةِ جملةٌ مُضْرَبٌ عنها. تقديرُها: ما أجادُوا النظرَ، بل كَذَّبوا. وما قاله الزمخشريُّ أحسنُ.
والعامَّةُ على تشديد «لَمَّا» وهي: إمَّا حرفُ وجوبٍ لوجوب، أو ظرفٌ بمعنى حين، كما عَرَفْتَه. وقرأ الجحدريُّ بكسرِ اللام وتخفيفِ الميمِ على أنَّها لامُ الجرِّ دَخَلَت على «ما» المصدرية، وهي نظيرُ قولِهم: «كتبْتُه لخمسٍ خَلَوْن» أي: عندها.
قوله: ﴿مَّرِيجٍ﴾ أي: مُخْتَلِط. قال أبو واقد:
٤٠٨٩ - مَرِجَ الدِّيْنُ فأَعْدَدْتُ له مُشْرِفَ الأَقْطارِ مَحْبوكَ الكَتَدْ
وقال آخر:
٤٠٩٠ - فجالَتْ والتمسْتُ به حَشاها فَخَرَّ كأنَّه خُوْطٌ مَرِيْجُ
وأصلُه من الحركةِ والاضطرابِ/ ومنه: مَرَجَ الخاتمُ في إصبعِه.
19
قوله: ﴿فَوْقَهُمْ﴾ : حالٌ من «السماء» وهي مؤكِّدةٌ. و «كيف» منصوبةٌ بما بعجها وهي معلِّقَةٌ للنظرِ قبلها.
قوله: ﴿تَبْصِرَةً﴾ : العامَّةُ على نصبِها على المفعول مِنْ أجله أي: تبصيرَ أمثالِهم وتذكيراً مِنَّا لهم. وقيل: منصوبان بفعلٍ مِنْ لفظِهما مقدرٍ أي: بَصِّرْهم تَبْصِرةً وذكِّرْهم تَذْكرةً. وقيل: حالان أي: مُبَصَّرين مُذَكَّرين. وقيل: حالٌ من المفعول أي: ذاتَ تَبْصِيرٍ وتَذْكيرٍ لمَنْ يَراها. وزيد بن علي بالرفع. وقرأ «وذِكْرٌ» أي: هي تبصرةٌ وذِكْرٌ. و «لكلِّ» : إمَّا صفةٌ، وإمَّا متعلِّقٌ بنفسِ المصدر.
قوله: ﴿وَحَبَّ الحصيد﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ بابِ حَذْفِ الموصوفِ للعِلْم به تقديرُه: وحَبَّ الزَرْع الحصيدِ نحو: مسجد الجامع وبابِه. وهذا مذهبُ البصريين؛ لئلا تَلْزَمَ إضافةُ الشيءِ إلى نفسِه. ويجوزُ أَنْ يكونَ من بابِ إضافةِ الموصوفِ إلى صفتِه؛ لأنَّ الأصلَ: والحَبَّ الحصيدَ أي: المحصود.
قوله: ﴿والنخل﴾ : منصوبٌ عطفاً على مفعول «أَنْبَتْنا» أي: وأَنْبَتْنا النخلَ. و «باسِقاتٍ» حالٌ. وهي حالٌ مقدرةٌ؛ لأنَّها وقتَ الإِنباتِ لم تكن طِوالاً. والبُسُوْقُ: الطُّوْلُ. يُقال: بَسَقَ فلانٌ على أصحابِه أي: طالَ عليهم في الفَضْلِ. ومنه قولُ ابنِ نوفل في ابن هبيرة:
20
٤٠٩١ - يا بنَ الذين بمَجْدِهمْ بَسَقَتْ على قَيْسٍ فَزارَهْ
وهو استعارةٌ، والأصلُ استعمالُه في: بَسَقَتِ النخلةُ تَبْسُق بُسُوْقاً أي: طالَتْ. قال الشاعر:
٤٠٩٢ - لنا خَمْرٌ وليسَتْ خمرَ كَرْمٍ ولكنْ مِنْ نِتاجِ الباسِقاتِ
كِرامٌ في السماءِ ذَهَبْنَ طُوْلاً وفاتَ ثمارَها أيدي الجُناةِ
وبَسَقَتِ الشاةُ: وَلَدَتْ، وأَبْسَقَت الناقةُ: وَقَع في ضَرْعِها اللِّبَأ قبل النِّتاج، ونوقٌ مَباسِيْقُ من ذلك. والعامَّةُ على السين. وقرأ قطبة بن مالك ويَرْويها عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم «باصِقاتٍ» بالصاد، وهي لغةٌ لبني العَنْبر، يُبْدِلون السينَ صاداً قبل القافِ والغينِ والخاءِ والطاء إذا وَلِيَتْها، أو فُصِلَتْ منها بحرفٍ أو حَرْفين.
قوله: ﴿لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ﴾ يجوزُ أَنْ تكونَ الجملةُ حالاً من النخل أو من الضمير في «باسِقاتٍ»، ويجوزُ أَنْ يكونَ الحالُ وحدَه لها، و «طَلْعٌ» فاعلٌ به، ونَضِيْدٌ بمعنى مَنْضود.
21
قوله: ﴿رِّزْقاً﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ حالاً أي: مرزوقاً
21
للعباد أي: ذا رزقٍ، وأَنْ يكونَ مصدراً مِنْ معنى أَنْبَتْنا؛ لأنَّ إنباتَ هذا رِزْقٌ، ويجوزُ أَنْ يكونَ مفعولاً له. و «للعباد» إمَّا صفةٌ، وإمَّا متعلِّقٌ بالمصدرِ، وإمَّا مفعولٌ للمصدرِ، واللامُ زائدةٌ أي: رزْقاً للعباد.
قوله: ﴿بِهِ﴾ أي: بالماءِ. و «مَيْتاً» صفةٌ ل «بَلْدة». ولم يُؤَنَّثْ حَمْلاً على معنى المكانِ. والعامَّةُ على التخفيف. وأبو جعفر وخالد بالتثقيل.
22
قوله: ﴿الأيكة﴾ : قد تقدَّم الكلامُ عليها في الشعراء. وقرأ ههنا «لَيْكَة» بزِنَةِ لَيْلَة أبو جعفر وشيبةٌ. وقال الشيخُ: «وقرأ أبو جعفرٍ وشيبةُ وطلحةُ ونافع» الأَيْكةِ «بلام التعريفِ، والجمهور» لَيْكَة «وهذا الذي نقلَه غفلةٌ منه، بل الخلافُ المشهورُ إنما هو في سورة الشعراء وص كما حَقَّقْتُه ثَمَّةَ، وأمَّا هنا فالجمهورُ على لامِ التعريفِ.
قوله: ﴿كُلٌّ﴾ التنوينُ عِوَضٌ من المضافِ إليه. وكان بعضُ النحاةِ يُجيز حَذْفَ تنوينِها وبناءَها على الضم كالعامَّةِ نحو: قبل وبعد.
قوله: ﴿أَفَعَيِينَا﴾ : العامَّةُ على ياءٍ مكسورةٍ بعدها
22
ياءٌ ساكنةٌ. وقد مَضَى معناه في الأحقاف. وقرأ ابنُ أبي عبلة «أفَعَيِّنا» بتشديدِ الياءِ مِنْ غيرِ إشباعٍ. وهذه القراءةُ على إشكالِها قرأ بها الوليد بن مسلم وأبو جعفر وشيبةٌ ونافعٌ في روايةٍ، وروى ابنُ خالويه عن ابن أبي عبلة «أفَعَيِّينا» كذلك لكنه أتى بعد الياء المشدَّدة بأخرى ساكنة. وخرَّجَها الشيخ على لغةِ مَنْ يقولُ عَيِيَ: عَيَّ، وفي حَيِيَ: حَيَّ بالإِدغام. ثم لَمَّا أَسْنَدَ هذا الفعلَ وهو مُدْغَمٌ، واعتبر لغةَ بكر بن وائلِ: وهو أنهم لا يَفُكُّون الإِدغامَ في مثلِ هذا إذا أَسْنَدوا ذلك الفعلَ المدغَم لتاءِ المتكلم، ولا إحدى أخَواتها التي تُسَكَّنُ لها لامُ الفعل، فيقولون في رَدَّ: رَدْتُ ورَدْنا، قال: «وعلى هذه اللغةِ/ تكونُ الياءُ مفتوحةً». قلت: «ولم يَذْكُرْ توجيهَ القراءةِ الأخرى. وتوجيهُها: أنها مِنْ عَيَّا يُعَيِّي كحَلَّى يُحَلِّي.
23
قوله: ﴿وَنَعْلَمُ﴾ : خبرُ مبتدأ مضمرٍ. تقديرُه: ونحن نعلمُ. والجملةُ الاسميةُ حينئذٍ حالٌ. ولا يجوزُ أَنْ يكونَ هو حالاً بنفسه؛ لأنه مضارعٌ مثبتٌ باشَرَتْهُ الواو. وكذلك قولُه: «ونحن أقربُ».
قوله: ﴿مِنْ حَبْلِ الوريد﴾ هذا كقولهم: مسجد الجامع أي: حبلِ
23
العِرْقِ الوريد، أو لأنَّ الحبلَ أعمُّ للبيان نحو: بعير سانية، أو يراد حَبْلُ العاتق فأضيف إلى الوريد كما يضاف إلى العاتِق، لأنهما في عضو واحد. والوريد: إمَّا بمعنى الوارد، وإمَّا بمعنى المورود. والوريد: عِرْقٌ كبير في العنق يقال: إنهما وريدان. قال الزمخشري: «عِرْقان مُكْتنفان لصفحتَيْ العُنُق في مُقَدَّمِهما يتصلان بالوَتين، يَرِدان من الرأس إليه. ويسمَّى وريداً؛ لأنَّ الروحَ تَرِدُ إليه». وأنشد:
٤٠٩٣ - كأنْ وَرِيْدَيْهِ رِشاءُ خُلْبِ... وقال الأثرم: «هو نهرُ الجسدِ: هو في القلبِ الوَتينُ، وفي الظهر الأَبْهَرِ، وفي الذِّراعِ والفَخِذِ الأَكْحَلُ والنَّسا، وفي الخِنْصِرِ الأَسْلَم».
24
قوله: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى﴾ : ظرفٌ ل «أَقْرَبُ». ويجوزُ أَنْ يكونَ منصوباً ب اذكُرْ.
قوله: ﴿عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ﴾ يجوز أَنْ يكونَ مفرداً على بابِه، فيكون بمعنى مُفاعِل كخليط بمعنى مُخالِط، أو يكونَ عَدَلَ مِنْ فاعِل إلى فعيل مبالغةً ك عليم. وجوَّز الكوفيون أَنْ يكونَ فعيل واقعاً مَوْقِعَ
24
الاثنين. وقال المبرد: «والأصل: عن اليمين قعيدٌ وعن الشِّمال، فأُخِّرَ عن موضعِه» وهذا لا يُنْجي مِنْ وقوعِ المفردِ موقعَ المثنى. والأَجْوَدُ أَنْ يُدَّعَى حَذْفٌ: إمَّا من الأول أي: عن اليمين قعيدٌ وعن الشِّمال قعيدٌ، وإمَّا من الثاني، فيكون قعيدٌ الملفوظُ به للأول، ومثلُه قولُ الآخر:
25
قوله: ﴿مَّا يَلْفِظُ﴾ : العامَّةُ على كسرِ الفاء ومحمدُ بن أبي معدان على فتحِها. ورقيبٌ عتيدٌ قيل: هو بمعنى: رقيبان عتيدان.
قوله: ﴿بالحق﴾ : يجوزُ أَنْ تكونَ الباءُ للحال أي: ملتبسةً بالحقِّ، ويجوزُ أَنْ تكونَ للتعديةِ. وقرأ عبد الله «سَكَراتُ» وتَحيد: تميلُ، مِنْ حادَ عن الشيء يَحيد حُيُوداً وحُيُوْدَة وحَيْداً.
قوله: ﴿مَّعَهَا سَآئِقٌ﴾ : جملةٌ في موضعِ جرّ صفةً
25
ل «نَفْسٍ» أو رفعٍ صفةً ل «كل»، أو نصبٍ حالاً مِنْ «كلُّ». والعامَّةُ على عدمِ الإِدغام في «معها»، وطلحة على الإِدغام «مَحَّا» بحاءٍ مشددةٍ؛ وذلكَ أنه أدغم العينَ في الهاء، ولا يمكنُ ذلك، فقَلَبَ الهاءَ حاءً، ثم أدغم فيها العينَ فقلبها حاءً. وسُمِع «ذَهَبَ مَحُّمْ» أي: معهم. قال الزمخشري: «ومحلُّ» معها سائقٌ «النصبُ على الحال من» كلُّ «لتعرُّفِه بالإِضافة إلى ما هو في حكم المعرفة». وأنحى عليه الشيخ مُتَحَمِّلاً على عادته، وقال: «لا يقولُ هذا مبتدِىءٌ في النحوِ، لأنه لو نُعِتَ» كلُّ نفسٍ «ما نُعِتَ إلاَّ بالنكرة». وهذا منه غيرُ مَرْضيٍّ؛ إذ يَعْلم أنه لم يُرِدْ حقيقةً ما قاله.
26
قوله: ﴿لَّقَدْ كُنتَ﴾ : أي: يُقال له: لقد كنتَ، والقولُ: إمَّا صفة أو حالٌ. والعامَّةُ على فتح التاءِ والكافِ في «كنتَ» و «غِطاءَكَ» و «فبصَرُك» حَمْلاً على لفظ «كلُّ» من التذكير. والجحدري «كنتِ» بالكسر مخاطبةً للنفس، وهو وطلحة بن مصرف «عنكِ»، «غطاءَكِ»، «فبصَرُكِ» بالكسر مراعاةً للنفس أيضاً. ولم ينقل صاحبُ «اللوامح» الكسرَ في الكاف عن الجحدريِّ، وعلى الجملة فيكونُ قد راعى اللفظَ والمعنى أخرى.
قوله: ﴿هذا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ﴾ : يجوزُ أَنْ تكونَ «ما» نكرةً موصوفةً و «عتيدٌ» صفتُها و «لَدَيَّ» متعلقٌ ب «عتيدٌ» أي: هذا شيءٌ عَتيدٌ لديَّ أي: حاضرٌ عندي. ويجوزُ على هذا أَنْ يكونَ «لديَّ» وصفاً ل «ما»، و «عتيدٌ» صفةٌ ثانيةٌ، أو خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي: هو عتيدٌ. ويجوزُ أَنْ تكونَ موصولةً بمعنى الذي. و «لَدَيَّ» صلتُها و «عتيدٌ» خبرُ الموصولِ، والموصولُ وصلتُها خبرُ الإِشارةِ. ويجوزُ أَنْ تكون «ما» بدلاً مِنْ «هذا» موصولةً كانت أو موصوفةً ب «لَدَيَّ» و «عتيدٌ» خبرُ «هذا». وجَوَّز الزمخشريُّ في «عَتيدٌ» أَنْ يكونَ بدلاً أو خبراً بعد خبر أو خبرَ مبتدأ محذوفٍ. / والعامَّةُ على رفعِه، وعبد الله نصبَه حالاً. والأجودُ حينئذٍ أَنْ تكونَ «ما» موصولةً؛ لأنها معرفةٌ، والمعرفةُ يَكْثُرُ مجيءُ الحالِ منها. قال أبو البقاء: «ولو جاء ذلك في غيرِ القرآنِ لجاز نصبُه على الحالِ». قلت: قد جاء ما وَدَّه ولله الحمدُ، وكأنَّه لم يَطَّلعْ عليها قراءةً.
قوله: ﴿أَلْقِيَا﴾ : اختلفوا: هل المأمورُ واحدٌ أم اثنان؟ فقال بعضُهم: واحد، وإنما أتى بضميرِ اثنين، دلالةً على تكرير الفعل كأنه قيل: أَلْقِ أَلْقِ. وقيل: أراد أَلْقِيَنْ بالنونِ الخفيفة فأبدلها ألفاً إجراءً للوَصْلِ مُجْرى الوقفِ، ويؤيِّده قراءةُ الحسنِ «أَلْقِيَنْ» بالنونِ.
27
وقيل: العرب تخاطِبُ الواحدَ مخاطبةَ الاثنين تأكيداً كقولِه:
٤٠٩٤ - رَماني بأَمْرٍ كنتُ منه ووالدي بَريئاً ومِنْ أجل الطَّوِيِّ رَماني
٤٠٩٥ - فإن تَزْجُراني يا بنَ عَفَّانَ أَزْدَجِرْ وإنْ تَدَعاني أَحْمِ عِرْضاً مُمَنَّعا
وقال آخر:
٤٠٩٦ - فقُلْتُ لصاحبي لا تَحْبِسانا .............................
البيت. وقال بعضُهم: المأمور مثنى. وهذا هو الحقُّ لأنَّ المرادَ مَلَكان يفعلان ذلك.
28
قوله: ﴿الذي جَعَلَ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ منصوباً على الذمِّ، أو على البدلِ مِنْ «كل»، وأَنْ يكونَ مجروراً بدلاً من «كَفَّار»، أو مرفوعاً بالابتداء، والخبرُ «فَأَلْقياه». قيل: ودَخَلَتِ الفاءُ لشِبْهِه بالشرط. ويجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي: هو الذي جَعَلَ، ويكونُ «فَأَلْقِياه» تأكيداً. وجَوَّز ابنُ عطية أَنْ يكونَ صفةً للكَفَّار قال: «من حيثُ يختصُّ»
28
كَفَّار «بالأوصافِ المذكورة، فجاز وَصْفُه بهذه المعرفة»، وهذا مردودٌ. وقُرىء بفتح التنوينِ فِراراً مِن توالي أربعة متجانساتٍ.
29
قوله: ﴿قَالَ قَرِينُهُ﴾ : جاءَتْ هذه بلا واوٍ؛ لأنها قُصِدَ بها الاستئنافُ؛ كأنَّ الكافرَ قال: ربِّ هو أَطْغاني. فقال قَرينُه: ما أَطْغَيْتُه، بخلاف التي قبلَها، فإنها عُطِفَتْ على ما قبلَها للدلالة على الجمعِ بين معناها ومعنى ما قبلَها في الحصولِ، أعني مجيْءَ «كلُّ نفس» مع المَلَكَيْن وقولَ قرينِه ما قاله له.
قوله: ﴿قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ﴾ : استئنافٌ أيضاً، كأن قائلاً قال: فماذا قال اللَّهُ له؟ فأُجيب ب «قال: لا تَخْتصموا».
قوله: ﴿وَقَدْ قَدَّمْتُ﴾ جملةٌ حاليةٌ. ولا بُدَّ مِنْ تأويلِها. وذلك أنَّ النهيَ في الآخرةِ وتَقْدِمةَ الوعيدِ في الدنيا، فاختلف الزمنان، فكيف يَصِحُّ جَعْلُها حاليةً؟ وتأويلها: هو أن المعنى وقد صَحَّ أني قَدََّمْتُ، وزمانُ الصحةِ وزمانُ النهيِ واحدٌ، و «قَدَّمْتُ» يجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى تَقَدَّمْتُ، فتكون التاءُ للحال، ولا بُدَّ من حَذْفِ مضافٍ أي: وقد تقدَّم قولي لكم مُلْتبساً بالوعيد. ويجوزُ أن يكونَ «قَدَّمْتُ» على حاله متعدِّياً، والباءُ مزيدةٌ في المفعولِ أي: قَدَّمْتُ إليكم الوعيدَ.
قوله: ﴿يَوْمَ نَقُولُ﴾ :«يوم» منصوبٌ: إمَّا بظَلاَّم، ولا مفهومَ لهذا؛ لأنه إذا لم يَظْلِمْ في هذا اليومِ فَنَفْيُ الظلمِ عنه في غيرِه أَحْرَى أو بقولِه: ﴿وَنُفِخَ فِي الصور﴾ [ق: ٢٠] والإِشارة بذلك إلى «يومَ نقول» قاله الزمخشري، واستبعده الشيخُ بكثرةِ الفواصلِ، أو ب «اذْكُرْ» مقدَّراً أو بأَنْذِرْ، وهو على هذَيْن الأخيرَيْن مفعولٌ به لا ظرفٌ.
قوله: ﴿هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾ سؤالُ تقريرٍ وتوقيفٍ. وقيل: معناه النفيُ. وقيل: السؤالُ لخَزَنَتِها. والجوابُ منهم، فلا بُدَّ مِنْ حذفِ مضافٍ أي: نقولُ لخزنةِ جهنمَ ويقولون، ثم حَذَفَ. وقرأ نافع وأبو بكر «يقول لجهنمَ» بياء الغَيْبة، والفاعلُ اللَّهُ تعالى لتقدُّم ذِكْرِه في قولِه: «مع الله»، والباقون بنونِ المتكلِّمِ المعظِّم نفسَه لتقدُّم ذِكْرِه في قوله: «لديَّ»، «وقد قَدَّمْتُ». والأعمش «يُقال» مبنياً للمفعول. والمزيد يجوز أَنْ يكونَ مصدراً، وأن يكونَ اسمَ مفعولٍ أي: مِنْ شيءٍ تَزيدونَنِيْه أَحْرقه.
قوله: ﴿غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ : يجوزُأَنْ تكونَ حالاً من الجنة، ولم تُؤنَّثْ لأنها بمعنى البستان، أو لأنَّ فعيلاً لا يُؤَنَّثُ لأنه بزنةِ المصادرِ، قاله الزمخشري، ولم يُسَلِّمْه الشيخُ، وقد تقدَّم في قولِه: {
30
إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ} [الأعراف: ٥٦] ما يُغْنِيك عن هذا. ويجوزُ أَنْ يكونَ منصوباً على الظرفِ المكانيِّ أي: مكاناً غيرَ بعيدٍ. ويجوزُ أَنْ يكونَ نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ أي: إزْلافاً غيرَ بعيدٍ. وهو ظاهرُ عبارةِ الزمخشري فإنه قال: «أو شيئاً غيرَ بعيدٍ».
31
قوله: ﴿هذا مَا تُوعَدُونَ﴾ : هذه الجملةُ يجوزُ فيها وجهان، أحدهما: أَنْ تكونَ معترضةً بين البدلِ والمبدلِ منه؛ ولذلك أنَّ «لكل أَوَّابٍ» بدلٌ من «للمتقين» بإعادةِ العامل. والثاني: أَنْ تكونَ مصنوبةً بقولٍ مضمرٍ، ذلك القولُ منصوبٌ على الحالِ أي: مقولاً لهم. وقد تقدَّم في ص أنه قُرِىء «تُوْعَدون» بالتاء والياء. ونَسَبَ الشيخُ قراءةَ الياءِ مِنْ تحتُ هنا لابن كثيرٍ وأبي عمروٍ، وإنما هي عن ابن كثير وحدَه.
قوله: ﴿مَّنْ خَشِيَ﴾ : يجز أن يكونَ مجرورَ المحلِّ بدلاً أو بياناً ل «كل». وقال الزمخشري: «إنه يجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً بعد بدل تابعاً لكل» انتهى. يعني أنه بدلٌ مِنْ «كل» بعد أن أُبْدِلَتْ «لكل» مِنْ «للمتقين» ولم يَجْعَلْه بدلاً آخر من نفس «للمتقين» لأنَّه لا يتكرَّرُ البدلُ والمبدلُ منه واحدٌ/. ويجوز أن يكونَ بدلاً عن موصوفِ أَوَّاب وحفيظ،
31
قاله الزمخشري، يعني أن الأصلَ: لكل شخصٍ أوَّابٍ، فيكون «مَنْ خَشِي» بدلاً مِنْ شخص المقدر قال: «ولا يجوزُ أَنْ يكونَ في حُكم أوَّاب وحفيظ لأنَّن» مَنْ «لا يُوْصَفُ بها، ولا يُوْصَفُ مِنْ بين الموصولاتِ إلاَّ ب» الذي «. يعني بقولِه:» في حُكْمِ أوَّاب «أن يُجْعَل» مَنْ «صفةً، وهذا كما قال لا يجوزُ. إلاَّ أنَّ الشيخَ اسْتَدْرَكَ عليه الحصرَ فقال:» بل يوصف بغير «الذي» من الموصولاتِ كوَصْفِهم بما فيه أل الموصولة نحو: الضارب والمضروب، وكوَصْفِهم ب ذو وذات الطائيَّتين نحو قولهم: «بالفضل ذو فَضَّلكم اللَّهُ به والكرامةِ ذاتُ أكرمكم اللَّهُ بَهْ».
وجَوَّز ابنُ عطية في «مَنْ خَشِي» أَنْ يكونَ نعتاً لِما تقدَّم، وهو مردودٌ بما تقدَّم، ويجوز أَنْ يكونَ يرتفع «مَنْ خَشِي» على خبر ابتداءٍ مضمرٍ، أو يُنْصَبُ بفعلٍ مضمرٍ، وكلاهما على القطع المُشْعِرِ بالمدح، وأن يكونَ مبتدأ خبرُه قولٌ مضمرٌ ناصبٌ لقولِه: «ادْخُلوها» أي: مَنْ خَشِي الرحمنَ يُقال لهم: ادْخُلوها. وحُمِل أولاً على اللفظِ، وفي الثاني على المعنى، وقيل: «مَنْ خَشي» منادى حُذِفُ منه حرفُ النداءِ أي: يا مَنْ خَشِي ادْخلُوها باعتبار الحَمْلَيْن المتقدِّمَيْنِ، وأَنْ تكونَ شرطيةً، وجوابُها محذوفٌ وهو ذلك القولُ، ولكن رُدَّ معه فاءٌ أي: فيقال لهم: و «بالغيب» حالٌ أي: غائباً عنه، فيُحتمل أَنْ يكونَ حالاً من الفاعل
32
أو المفعول أو منهما. وقيل: الباءُ للسببية أي: خَشْيةً بسببِ الغيب الذي أَوْعَدَه مِنْ عذابِه. ويجوزُ أَنْ تكونَ صفةً لمصدرِ خشي أي: خَشيَه خَشْيْةً ملتبسةً بالغيب.
33
قوله: ﴿بِسَلاَمٍ﴾ : حالٌ من فاعل «ادْخلوها»، أي: سالمين من الآفات، فهي حالٌ مقارِنةٌ أو مُسَلَّماً عليكم، فهي حالٌ مقدرةٌ كقوله: ﴿فادخلوها خَالِدِينَ﴾ [الزمر: ٧٣] كذا قيل. وفيه نظر؛ إذ لا مانعَ من مقارنة تسليم الملائكةِ عليهم حالَ الدخول بخِلافِ ﴿فادخلوها خَالِدِينَ﴾ [الزمر: ٧٣] فإنه لا يُعْقَلُ الخلودُ إلاَّ بعد الدخولِ.
قوله: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الخلود﴾ قال أبو البقاء: «أي زمنُ ذلك يومُ الخلود» كأنه جَعَلَ ذلك إشارةً إلى ما تقدَّم مِنْ إنعام اللَّهِ عليهم بما ذُكِرَ. ولا حاجةَ إلى ذلك؛ بل ذلك مُشارٌ به لما بعدَه من الزمانِ كقولك «هذا زيدٌ».
قوله: ﴿فِيهَا﴾ يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ ب يَشاؤُون، ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً من الموصول، أو مِنْ عائِده والأولُ أَوْلى.
قوله :﴿ فِيهَا ﴾ يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ ب يَشاؤُون، ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً من الموصول، أو مِنْ عائِده والأولُ أَوْلى.
قوله: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا﴾ :«كم» نُصِب بما بعده. وقُدِّم: إمَّا لأنه استفهامٌ، وإمَّا لأنَّ الخبريَّة تَجْري مَجْرى الاستفهاميةِ في التصدير. و «مِنْ قَرْن» تمييزٌ، و «هم أشدُّ» صفةٌ: إمَّا ل «لكم» وإمَّا ل «قرن».
قوله: ﴿فَنَقَّبُواْ﴾ الفاءُ عاطفةٌ على المعنى كأنه قيل: اشتدَّ بَطْشُهم
33
فنَقَّبوا. والضمير في «نَقَّبوا» : إما للقرونِ المقتدمةِ وهو الظاهرُ، وإمَّا لقريش، ويؤيِّده قراءةُ ابنِ عباس وابن يعمر وأبي العالية ونصر ابن سيَّار وأبي حيوةَ والأصمعيِّ عن أبي عمرو «فَنَقِّبوا» بكسر القاف أَمْراً لهم بذلك. والتنقيب: التنقير والتفتيش، ومعناه التطوافُ في البلاد. قال الحارث بن حِلِّزة:
٤٠٩٧ - نَقَّبوا في البلاد مِنْ حَذَرِ الموْ تِ وجالُوا في الأرض كلَّ مجَالِ
وقال امرؤ القيس:
٤٠٩٨ - وقد نَقَّبْتُ في الآفاقِ حتى رَضِيْتُ مِن الغنيمة بالإِياب
وقرأ ابن عباس وأبو عمروٍ أيضاً في رواية «نَقَبوا» بفتح القاف خفيفةً. ومعناها ما تقدَّم. وقُرِىء «نَقِبوا» بكسرها خفيفةً أي: تَعِبَتْ أقدامُهم وأقدامُ إِبِلهم ودَمِيَتْ، فَحُذِفَ المضافُ، وذلك لكثرةِ تَطْوافِهم.
قوله: ﴿هَلْ مِن مَّحِيصٍ﴾ مبتدأٌ، وخبرُه مضمرٌ تقديرُه: هل لِمَنْ
34
سَلَكَ طريقتَهم، أو هل لهم مِنْ مَحيصٍ، وهذه الجملةُ تحتمل أن تكون إلى إضمارِ قولٍ، وأَنْ لا تكونَ.
35
قوله: ﴿أَوْ أَلْقَى﴾ : العامَّةُ على «أَلْقى» مبنياً للفاعل. والسملي وطلحة والسُّدِّي وأبو البرهسم «أُلْقِي» مبنياً للمفعول «السَّمعُ» رُفِع به، وذُكِرت هذه القراءةُ لعاصمٍ عن السُّدِّي فمقته وقال: أليس يقول: «يُلْقُوْن السَّمْعَ».
قوله: ﴿وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ﴾ : يجوزُ أَنْ تكونَ حالاً، وأن تكونَ مستأنفةً. والعامَّةُ على ضمِّ لام اللُّغوب. وعلي وطلحة والسلمي ويعقوبُ بفتحِها، وهما مصدران بمعنىً. وينبغي أَنْ يُضَمَّ هذا إلى ما حكاه سيبويه من المصادر الجائيةِ على هذا الوزنِ وهي خمسة، وإلى ما زاده الكسائي وهو الوَزُوعُ، فتصير سبعةً. وقد أتقَنْتُ هذا في البقرة عند قوله: ﴿وَقُودُهَا﴾ [الآية: ٢٤].
قوله: ﴿وَأَدْبَارَ﴾ : قرأ نافع وابن كثير وحمزة «إِدْبار» بكسر الهمزة، على أنه مصدرٌ قام مَقامَ ظرفِ الزمان كقولهم: «
35
آتيك خُفوقَ النجمِ وخلافة الحجَّاج». والمعنى: وقتَ إدبار الصلاة أي: انقضائِها وتمامِها. والباقون بالفتح جمعَ «دُبُر» وهو آخرُ الصلاة وعَقِبُها، ومنه قولُ أوس:
٤٠٩٩ - على دُبُرِ الشهرِ الحَرامِ فأَرْضُنا وما حولَها جَدْبٌ سِنونَ تَلْمَعُ
ولم يختلفوا في ﴿وَإِدْبَارَ النجوم﴾ [الطور: ٤٩].
36
قوله: ﴿واستمع﴾ : هو استماعٌ على بابِه. وقيل: بمعنى الانتظارِ، وهو بعيدٌ. فعلى الأولِ يجوزُ أَنْ يكونَ المفعولُ محذوفاً أي: استمعْ نداءَ المنادي أو نداءَ الكافر بالويلِ والثُّبور، فعلى هذا يكون «يومَ ينادي» ظرفاً ل «استمتعْ» أي: استمعْ ذلك في يوم.
وقيل: استمعْ ما أقولُ لك. فعلى هذا يكون «يومَ يُنادي». منصوباً ب «يَخْرجون» مقدَّراً مدلولاً عليه بقوله: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الخروج﴾ [ق: ٤٢]، وعلى الثاني يكون «يومَ ينادي» مفعولاً به أي: انتظرْ ذلك اليومَ.
ووقف ابن كثير على «يُنادي» بالياء، والباقون دونَها. ووجهُ إثباتِها أنه لا مُقْتضٍ لحذفِها، ووجهُ حَذْفِها وَقْفاً اتِّباعُ الرسمِ، وكان الوقفُ مَحَلَّ تخفيفٍ. وأمَّا «المنادي» فأثبتَ ابنُ كثير أيضاً ياءَه وصلاً
36
ووقفاً، ونافع وأبو عمروٍ بإثباتِها وصلاً وحَذْفِها وقفاً، وباقي السبعةِ بحَذْفِها وَصْلاً ووقفاً. فمَنْ أثبت فلأنَّه الأصلُ، ومَنْ حَذَفَ فلاتِّباع الرسمِ، ومَنْ خَصَّ الوقفَ بالحذفِ فلأنَّه مَحَلُّ راحةٍ ومَحَلُّ تغييرٍ.
37
قوله: ﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ﴾ : بدلٌ مِنْ «يومَ ينادي» و «بالحق» حالٌ من الصيحة أي: ملتسبةً بالحق، أو من الفاعلِ أي: يَسْمعون مُلْتبسين بسماع حق.
قوله: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الخروج﴾ يجوز أَنْ يكونَ التقديرُ: ذلك الوقتُ أي: وقتُ النداءِ والسماع يومُ الخروجِ. ويجوز أَنْ يكونَ «ذلك» إشارةً إلى النداء، ويكونُ قد اتُّسِع في الظرف فأُخْبِرَ به عن المصدر، أو يُقَدَّرَ مضافٌ إلى ذلك النداءِ والاستماع: نداء يومِ الخروجِ واستماعِه.
قوله: ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ﴾ :«يوم» يجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ «يوم» قبله. وقال أبو البقاء: «إنه أُبْدِل مِنْ» يوم «الأول» وفيه نظرٌ مِنْ حيث تَعَدُّدُ البدلِ والمبدلُ منه واحدٌ. وقد تقدَّم أن الزمخشريَّ منعه. ويجوزُ أَنْ يكونَ اليوم ظرفاً للمصير. وقيل: ظرفٌ للخروج. وقيل: منصوبٌ ب «يَخْرُجون» مُقَدَّرا. وتقدَّمَ الخلافُ في «يَشَّقَّقُ» في الفرقان. وقرأ زيد «تَتَشَقَّق» بفكِّ الإِدغام.
قوله: ﴿سِرَاعاً﴾ حالٌ من الضمير في «عنهم»، والعاملُ فيها «تَشَقَّقُ».
37
وقيل: عاملُها هو العامل في «يومَ تَشَقَّقُ» المقدر أي: يَخْرُجون سِراعاً يوم تَشَقَّقُ.
قوله: ﴿عَلَيْنَا﴾ متعلق ب «يَسير» ففَصَل بمعمولِ الصفة بينها وبين موصوفِها، ولا يَضُرُّ ذلك. ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ منه. لأنه في الأصلِ يجوزُ أَنْ يكونَ نعتاً. وقال الزمخشري: «التقديمُ للاختصاصِ، أي: لا يتيسَّر ذلك إلاَّ على الله وحده». وقد تقدَّم الخلافُ في ياء «وعيد» إثباتاً وحَذْفاً.
38
Icon