تفسير سورة ق

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة ق من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة ق مكية
وهي خمس وأربعون آية وثلاث ركوعات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ ق ﴾، مثل ص، وقد مر وقيل : من أسماء الله تعالى، أو معناه : قضى الأمر، أو مفتاح أسماء الله تعالى التي في أوائلها " ق " كالقدير١، وغيره٢، ﴿ والقرآن المجيد ﴾ : ذي المجد والشرف، وجواب القسم مثل ما مرّ في ص،
١ وقيل غير ذلك مما هو أضعف منه وأبطل، والحق أنه من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، وقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أثرا طويلا في بيان جبل "ق" قال ابن كثير: لا يصح سنده عنه، وفيه أيضا انقطاع/١٢ فتح..
٢ كالقابض، والقاهر، والقدوس/١٢ منه..
﴿ بل عجبوا١ : الكافرون، ﴿ أن جاءهم منذر منهم ﴾ إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب، فإنهم قالوا : الرسول إما ملك، أو من معه ملك، أو بشر لا يحتاج إلى كسب المعاش، ﴿ فقال الكافرون هذا شيء عجيب ﴾، وضع الظاهر موضع المضمر للشهادة على أنهم في هذا القول مقدمون على الكفر، وهذا إشارة إلى مبهم يفسره ما بعده، وهو قوله :﴿ أئذا متنا وكنا ترابا ﴾
١ إضراب عما يتضمنه الكلام من وجوب القبول والإذعان/١٢ منه..
﴿ أئذا متنا وكنا ترابا ﴾ أي : أنرجع حين نموت ونملي ؟ ! ﴿ ذلك رجع بعيد ﴾ : عن العادة والإمكان،
﴿ قد علمنا ما تنقص الأرض منهم١ : ما تأكل الأرض من أجساد موتاهم، ومن كان كذلك فهو قادر على رجعهم، ﴿ وعندنا كتاب حفيظ ﴾ : حافظ لتفاصيل كل شيء، أو محفوظ من التغيير، وهو اللوح المحفوظ،
١ وفي الخبر الثابت:" إن الأرض تأكل ابن آدم إلا عجب الذنب" [أخرجاه في الصحيحين)، وهو عظم صغير جدا منه يركب ابن آدم/١٢ وجيز..
﴿ بل كذبوا بالحق ﴾ : القرآن، ﴿ لما جاءهم ﴾ كأنه قال، بل جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم، وهو إنكار القرآن من غير تأمل وتوقف، ﴿ فهم في أمر مريج ﴾ : مضطرب، فمرة قالوا : شعر ومرة : سحر،
﴿ أفلم ينظروا ﴾ : حين أنكروا البعث، ﴿ إلى السماء فوقهم ﴾ أي : كائنة فوقهم، ﴿ كيف بنيناها وزيناها ﴾ : بالكواكب، ﴿ وما لها من فروج ﴾ : من فتوق، بل ملساء لا فتق فيها ولا خلل،
﴿ والأرض ﴾، عطف على محل السماء، أو نصب بما أضمر عامله وتقديره، ومددنا الأرض فلينظروا إليها، ﴿ مددناها ﴾ : بسطناها، ووسعناها قيل : فيه إشعار بأنها غير كرّية، ﴿ وألقينا فيها رواسي ﴾ : جبالا ثوابت، ﴿ وأنبتنا فيها من كل زوج ﴾ : صنف، ﴿ بهيج ﴾ : حسن،
﴿ تبصرة وذكرى ﴾، مفعول له للأفعال المذكورة كأنه قال جمعت بين ذلك تبصرة، ﴿ لكل عبد منيب ﴾ : راجع إلى ربه متفكر في بدائعه،
﴿ ونزّلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات ﴾ : أشجارا، ﴿ وحب الحصيد ﴾ حب الزرع الذي يحصد كالحنطة والشعير،
﴿ والنخل باسقات ﴾ : طوال شاهقات، حال مقدرة، ﴿ لها طلع ﴾ هو أول ما يظهر قبل أن ينشق، ﴿ نضيد ﴾ : منضود بعضه على بعض في أكمامه، والمراد كثرة ما فيه من الثمر،
﴿ رزقا للعباد ﴾، مفعول له لأنبتنا، ﴿ وأحيينا به ﴾ : بالماء، ﴿ بلدة ميتا ﴾ : أرضا لا نماء فيها، ﴿ كذلك الخروج١ : من القبور،
١ من القبور، وهذه كلها أمثلة وأدلة على البعث ذكر في السماء ثلاثة البناء والتزيين ونفي الفروج، وفي الأرض ثلاثة المد مقابلا بالبناء لأن البناء رفع، والمد وضع، وإلقاء الرواسي بالتزيين لارتكاز كل منهما والإنبات المترتب على الشق بانتفاء الفروج، ونبه فيما يتعلق به الإنبات فيما يقطف، ويبقى أصله على طريقة البعث وكيفيته/١٢ وجيز..
﴿ كذبت١ قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون ﴾، أراد قومهم، ﴿ وإخوان لوط ﴾ أي : قومهم، وسماهم إخوانه لقرابته القريبة،
١ ولما ذكر قوله: ﴿بل كذبوا بالحق﴾ أعقبه من كذب الأنبياء وتسلية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال ﴿كذبت قبلهم﴾الآية/١٢ وجيز..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:﴿ كذبت١ قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون ﴾، أراد قومهم، ﴿ وإخوان لوط ﴾ أي : قومهم، وسماهم إخوانه لقرابته القريبة،
١ ولما ذكر قوله: ﴿بل كذبوا بالحق﴾ أعقبه من كذب الأنبياء وتسلية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال ﴿كذبت قبلهم﴾الآية/١٢ وجيز..

﴿ وأصحاب الأيكة وقوم تبع ﴾، سبق في الدخان، ﴿ كل ﴾ أي : كل واحد من هؤلاء، ﴿ كذب الرسل ﴾ : من كذب رسولا فقد كذب جميع الرسل، ﴿ فحق وعيد ﴾ : وجب عليهم عذابي،
﴿ أفعيينا بالخلق الأول ﴾ أي : إنا لم نعجز كما علموا عن بدء الخلق حتى نعجز عن الإعادة، ﴿ بل هم في لبس من خلق جديد ﴾ أي : هم لا ينكرون قدرتنا، بل هم في شبهة من البعث.
﴿ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ﴾ : ما يخطر بضميره، " ما " موصولة والباء صلة لتوسوس أي : الذي تحدث نفسه به أو مصدرية، والباء للتعدية والضمير للإنسان، ﴿ ونحن أقرب١ إليه ﴾ المراد قرب علمه منه فتجوز بقرب الذات، لأنه سبب أو المراد قرب الملائكة منه، ﴿ من حبل ﴾ : عرق، ﴿ الوريد ﴾ : عرق العنق، والإضافة بيانية،
١ قال شيخ الإسلام– أبو العباس أحمد بن عبد الحليم رحمه الله في شرح حديث النزول: وجميع ما وصف به الرب عز وجل نفسه من القرب فليس فيه ما هو عام لجميع المخلوقات كما في المعية، فإن المعية وصف نفسه فيها بعموم وخصوص وأما قربه ما يقرب منه فهو خاص لمن يقرب منه كالداعي والعابد، وكقربه عشية عرفة ودنوه إلى السماء الدنيا لأجل الحجاج، ثم أطال الكلام في ذلك إلى أن قال: وليس في القرآن وصف الرب تعالى بالقرب من كل شيء أصلا، بل قربه الذي في القرآن خاص لا عام كقوله تعالى:﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان﴾[البقرة: ١٨٦] فهو سبحانه قريب ممن دعاه إلى أن قال: أما قوله تعالى:﴿ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد﴾ وقوله ﴿فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون، ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون﴾[الواقعة: ٨٢-٨٥] فالمراد به قربه إليه بالملائكة، وهذا هو المعروف عن المفسرين المتقدمين من السلف قالوا: ملك الموت أدنى إليه من أهله، ولكن لا تبصرون الملائكة، وقد قال طائفة: ونحن أقرب إليه بالعلم، وقال بعضهم: بالعام والقدرة والرؤية، وهذه الأقوال ضعيفة فإنه ليس في الكتاب والسنة وصفه بقرب عام من كل موجود حتى يحتاجوا إلى أن يقولوا بالعلم والقدرة، ولكن بعض الناس لما ظنوا أنه يوصف بالقرب من كل شيء تأولوا ذلك بأنه عالم بكل شيء قادر على كل شيء، وكأنهم ظنوا أن لفظ القرب مثل لفظ المعية إلى أن قال: وقد ثبت عن السلف أنهم قالوا: هو معهم بعلمه، وقد ذكر ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يخالفهم فيه أحد يعتد بقوله، وهو مأثور عن ابن عباس، والضحاك، ومقاتل بن حيان وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، ثم أطال الكلام في معية القرب، إلى أن قال: ومما يدل على أن القرب ليس المراد به العلم لأنه قال:﴿ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد﴾ فأخبر أنه يعلم ما توسوس به نفسه، ثم قال﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ فأثبت العلم، وأثبت القرب، وجعلهما شيئين فلا يجعل أحدهما هو الآخر، وقيد القرب بقوله: ﴿إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد﴾ وأما من آمن أن المراد بذلك قرب ذات الرب من حبل الوريد، وأن ذاته أقرب إلى الميت من أهله، فهذا من غاية الضعف إلى قوله: وسياق الآيتين يدل على أن المراد الملائكة، فإنه قال: ﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد﴾ فقيد القرب بهذا الزمان وهو زمان تلقي المتلقيان عن اليمين، وقعيد عن الشمال، وهما الملكان الحافظان اللذان يكتبان كما قال:﴿ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد﴾ إلى آخر ما قال رحمه الله..
﴿ إذ يتلقى ﴾ : يتلقن بالحفظ، ﴿ المتلقيان ﴾ : الملكان الحفيظان، إذ ظرف لأقرب، وفيه إشعار بأنه تعالى غني عن استحفاظ الملكين لكن إقامتها لحكمة، أو إذ تعليل لقرب الملائكة، ﴿ عن اليمين ﴾ : قعيد، ﴿ وعن الشمال قعيد ﴾، حذف المبتدأ من الأول لدلالة الثاني عليه، وقيل : الفعيل للواحد والجمع،
﴿ ما يلفظ من قول إلا لديه ﴾ : لدى القول، أو الإنسان، ﴿ رقيب ﴾ : ملك يرقبه، ﴿ عتيد ﴾ : حاضر، وهل يكتب كل شيء ؟ فيثبت في القيامة ما كان فيه من خير أو شر وألقى سائره، أو لا يكتب إلا الخير والشر ؟ فيه خلاف بين السلف، والقرآن يشعر بالأول، ولو قيل : المراد من قوله إلا لديه١ رقيب ملك يسمعه لا يحفظه، ويكتبه فقلنا : فالمناسب رقيبان، لأن السماع لا يختص بواحد،
١ يعني لو قال قائل: لا نسلم أن هذه الآية مشعرة بالأول لأن الآية بيان لأن عند كل كلمة ملك، وهذا يدل على أنه يكتبها فأجاب بما أجاب فتأمل فإنه دقيق/١٢ منه..
﴿ وجاءت سكرة الموت ﴾ : شدته، ﴿ بالحق ﴾، بالباء للتعدية أي : أتت بحقيقة الأمر الذي كنت تمتري فيه، ﴿ ذلك ﴾ : الحق، ﴿ ما كنت منه تحيد ﴾ : تميل فلم تقربه، لما ذكر إنكارهم البعث، واحتج عليهم بشمول علمه وقدرته أعلمهم أن ما أنكروه يلاقون عن قريب فنبه على الاقتراب بلفظ الماضي، أو معناه جاءت سكرته متلبسة بالحكمة ذلك الموت ما كنت تفر منه،
﴿ ونفخ في الصور ﴾ أي : نفخة البعث، ﴿ ذلك ﴾ : النفخ أي : وقته، ﴿ يوم الوعيد ﴾
﴿ وجاءت كل نفس معها سائق ﴾ : من الملك يسوقه إلى الله تعالى، ﴿ وشهيد ﴾ : منه يشهد عليه بأعماله فمعه ملكان، وعن بعض المراد من الشهيد١ جوارحه، وكل نفس وإن كان نكرة صورة، لكن معرفة معنى، لأنه بمعنى النفوس فجاز أن يكون ذا الحال،
١ روى ذلك عن ابن عباس والضحاك/١٢ منه..
﴿ لقد كنت في غفلة من هذا ﴾ أي : يقال لكل نفس، فإن الآخرة بالنسبة إلى الدنيا يقظة، ﴿ فكشفنا عنك غطاءك ﴾ : حتى عاينته، ﴿ فبصرك اليوم حديد ﴾ : نافذ لزوال الحاجب، وعن بعض الخطاب١ للكفار، والمراد من الغفلة الإنكار،
١ هو قول الضحاك وصالح بن كيسان/١٢ منه..
﴿ وقال قرينه هذا ما لدى عتيد ﴾ أي : قال الملك- الموكل عليه : هذا ما لدى من كتاب أعماله حاضرا، وقال ملك- يسوقه : هذا شخص لدي حاضر قيل : القرين الشيطان١، ومعناه هذا شيء عندي، وفي ملكتي عتيد لجهنم هيأته بإغوائي لها، وعتيد خبر بعد خبر إن جعلت ما موصولة وصفة لما إن جعلتها موصوفة، قيل : هذا إشارة إلى مبهم يفسره جملة " ما لدي عتيد "
١ ذكر الزمخشري أن المراد من القرين الشيطان الذي قيّض هذا شيء لدي، وفي ملكتي عتيد لجهنم هيأته لها بأن أغويته، وقال: قوله بعد ذلك ﴿وقال قرينه ربنا ما أطغيته﴾ يدل عليه، وهو الذي قاله ليس ببعيد لكن السلف صرحوا على خلاف ذلك، ولذلك ما تعرضنا عليه في الأصل إلا بصيغة التمريض/١٢ منه..
﴿ ألقيا ﴾ : يا أيها السائق، والشهيد، وقيل : الخطاب للملكين من خزنة النار، ومن قال : الشهيد جوارحه يقول : هو خطاب الواحد بلفظ التثنية على عادة العرب خليلي صاحبي، ﴿ في جهنم كل كفار عنيد ﴾ : معاند،
﴿ مناع للخير ﴾ : لما يجب عليه من الزكاة، أو لجنس الخير أن يصل إلى أهله، ﴿ معتد ﴾ : ظالم، ﴿ مريب ﴾ : شاك في التوحيد،
﴿ الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد ﴾ " الذي " مبتدأ، أو " فألقياه " خبره أو بدل من " كل كفار " والعذاب الشديد نوع من عذاب جهنم، فكان من باب عطف الخاص على العام،
﴿ قال قرينه ﴾ : الشيطان الذي قيض له، ﴿ ربنا ما أطغيته ﴾ : ما أضللته، هذا جواب لقول الكافر١، هو أطغاني، ﴿ ولكن كان في ضلال بعيد ﴾ : عن الحق يتبرأ منه شيطانه كما قال تعالى حكاية عنه :﴿ وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ]
١ ولذلك استؤنفت الجملة وأخليت من الواو، وأما قوله:﴿وقال قرينه﴾ بالواو فللدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول، أعني مجيء كل نفس مع الملكين، وقول قرينه ما قاله له/١٢ وجيز..
﴿ قال ﴾ الله تعالى :﴿ لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ﴾، الواو للحال أي : لا تختصموا عالمين١ بأنى أوعدتكم على الطغيان بلسان رسلي، والباء مزيدة، أو للتعدية على أن قدم بمعنى تقدم،
١ لتصح على ما فسرنا جواز كون" وقد قدمت" حالا من "ولا تختصموا واندفع إشكال أن التقديم بالوعيد في الدنيا، والخصومة في الآخرة فكيف يمكن أن يكون حالا، وقيد أمنه، وله واجتماعهما في زمان واحد واجب/١٢منه،.
﴿ ما يبدل القول لدي ﴾ : لا تبديل ولا خلف لقولي، وقيل : لا يغير القول على وجهه، ولا يمكن الكذب عندي وإني أعلم الغيب، ﴿ وما أنا بظلام للعبيد ﴾ : فأعذبهم بغير جرم، قيل : جملة " ما يبدل " مفعول قدمت، و " بالوعيد " حال أي : قدمت إليكم هذا موعدا لكم.
﴿ يوم نقول لجهنم ﴾، نصبه بتقدير نحو : اذكر، أو بظلام، ﴿ هل امتلأت وتقول ﴾ جهنم :﴿ هل من مزيد ﴾، تطلب المزيد، وفي الصحيح لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض، فتقول : قط قط " ١، أو تستبعد الزيادة لفرط كثرتهم٢ فالاستفهام حينئذ للإنكار، أي : قد امتلأت، وعلى هذا إنما هو بعد ما يضع الرب فيها قدمه فينزوي، والسؤال والجواب على حقيقته٣،
١ أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعا..
٢ أي: لفرط كثرة أصحابها، فالاستفهام للإنكار نحو: هل ترك لنا عقيل من دار [لفظ حديث أخرجاه في الصحيحين)، أي: ما ترك، وعلى هذا يكون القول منهما بعد وضع الرب قدمه فيها/١٢ وجيز..
٣ ولا حاجة إلى أن نقول أنه من باب التمثيل والتخييل فنعدل عن الظاهر الدال عليه أحاديث الصحاح/١٢ منه..
﴿ وأزلفت ﴾ : قربت، ﴿ الجنة للمتقين غير بعيد ﴾، نصب على الظرف أي : مكانا غير بعيد بمرأى منهم بين يديهم أو حال، ومعناه التوكيد كعزيز غير ذليل، والتذكير لأن البعيد على زلة المصدر، أو لأن الجنة بمعنى البستان،
﴿ هذا ﴾ أي : يقال لهم هذا، ﴿ ما توعدون لكل أواب ﴾ : رجاع إلى الله تعالى، ﴿ حفيظ ﴾ : حافظ لأمر الله تعالى ولكل بدل من للمتقين
﴿ من خشي الرحمن ﴾، بدل بعد بدل أو بتقدير أعني أو هم، ﴿ بالغيب ﴾ : غائبا عن الأعين أي : خاف الله تعالى في سره أو غائبا عن عقابه لم يراء أو حال من المفعول أي : خشي عقابه حال كون العقاب غائبا، ﴿ وجاء بقلب منيب ﴾ : راجع إلى الله تعالى خاشع،
﴿ ادخلوها ﴾ أي : يقال لهم ذلك، ﴿ بسلام ﴾ : سالمين من المكاره، أو مسلمين من الله تعالى وملائكته، ﴿ ذلك يوم الخلود ﴾ : يوم تقدير١ الخلود،
١ قيدنا التقدير، لأن ذلك إشارة إلى زمان الدخول، فهو كقوله: ﴿ادخلوها خالدين﴾ [الزمر: ٧٣] فإنه حال مقدرة، قال صاحب الكشف: لا نقدر شيئا لأن ابتداء الخلود من ذلك الزمان كما تقول: زمان الرمي يوم العيد، والحاصل أن ملابسة اليوم للخلود، وللدخول كافية في اتحاد زمانيهما لكن فيه توسع فاش على أنه جاز أن يكون من باب هذا آخرك فلا يكون إشارة إلى سابق، ويوم الخلود على حقيقته لأن جميع الأبد الذي هم فيه يوم واحد/١٢ منه..
﴿ لهم ما يشاءون فيها ولدينا ﴾ : مما لم يخطر ببالهم، ﴿ مزيد ﴾
﴿ وكم أهلكنا١ قبلهم من قرن ﴾ : جماعة من الناس، ﴿ هم أشد منهم بطشا ﴾ : قوة، ﴿ فنقبوا ﴾ : تصرفوا، ﴿ في البلاد هل من محيص ﴾ : مفر لهم من قضاء الله تعالى، وهل نفعتهم القوة فأنتم أيضا لا مفر لكم، أو معناه : فبحثوا وطلبوا، وفتشوا في البلاد هل من محيص من الموت، فلم يجدوا قيل : معناه فنقبوا وساروا أي : أهل مكة في أسفارهم في بلاد القرون، فهل رأوا لهم محيصا حتى يتوقعوا لأنفسهم، وقراءة الشاذة " فنقبوا " بصيغة الأمر تدل على هذا الوجه
١ ولما أثبت لكل من الكافرين والمؤمنين ما يليق بهم هدد الكافرين لئلا يكونوا من أهل المزيد في جهنم فقال:﴿وكم أهلكنا﴾الآية/١٢ وجيز..
﴿ إن في ذلك ﴾ : المذكور في هذه السورة، ﴿ لذكرى ﴾ : تذكرة١، ﴿ لمن كان له قلب ﴾ : واع متفكر فإن من لا يعي فكأنه لا قلب له، ﴿ أو ألقى السمع ﴾ : أصغى القرآن، ﴿ وهو شهيد ﴾ : حاضر بذهنه، فإن من لا يحضر ذهنه فكأنه غائب،
١ أي: تذكرة لإحدى الطائفتين: من له قلب يفقه عن الله، ومن له سمع مصغ من ذهن حاضر، أي: لمن له استعداد القبول عن الفقيه وإن لم يكن فقيها في نفسه/١٢ منه..
﴿ ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ﴾، مر تفسيره، ﴿ وما مسّنا من لغوب ﴾ : تعب وإعياء، وهذا رد قول اليهود : إن الله تعالى فرغ من الخلق يوم الجمعة واستراح يوم السبت، ويسمونه يوم الراحة،
﴿ فاصبر على ما يقولون ﴾ : المكذبون، ﴿ وسبح ﴾ : نزهه، ﴿ بحمد ربك ﴾ : ملتبسا بحمده، ﴿ قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ﴾ يعني : الفجر والعصر فإنهما وقتان فاضلان،
﴿ ومن الليل فسبحه وأدبار١ السجود ﴾ : أعقاب الصلاة، والمراد التسبيح دبر الصلوات، أو المراد صلاة الفجر وصلاة العصر، وصلاة التهجد، وفي بدء الإسلام قبل الإسراء الفرائض هذه الثلاثة، ثم نسخت بخمس صلوات في ليلة الإسراء، والمراد من أدبار السجود الركعتان بعد المغرب، وعليه عمر، وعلي، والحسن، وابن عباس، وغيرهم- رضي الله عنهم
١ والأدبار جمع دبر، والإدبار بالكسر الانقضاء أي: وقت القضاء السجود/١٢ منه..
﴿ واستمع ﴾ : يا محمد لما أخبرك به من أحوال يوم القيامة، ﴿ يوم يناد المناد ﴾ : إسرافيل، ﴿ من مكان قريب ﴾ : من السماء، وهي صخرة بيت المقدس أقرب أجزاء الأرض من السماء ينادي : أيتها العظام البالية، واللحوم المتمزقة إن الله تعالى يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، ونصب يوم بمقدار، أي : يخرجون من القبور، والدال عليه ذلك يوم الخروج، ويمكن أن يكون " واستمع " عطفا على اصبر، أي : اصبر اليوم على مقالاتهم، واستمع يوم القيامة عجزهم وندامتهم،
﴿ يوم يسمعون ﴾، بدل من " يناد " ﴿ الصيحة ﴾ : نفخة البعث، ﴿ بالحق ﴾، متعلق بالصيحة، ﴿ ذلك يوم الخروج ﴾ : من القبور بدل بعد بدل
﴿ إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير ﴾ : للجزاء،
﴿ يوم تشقق ﴾ أي : تتشقق بدل بعد بدل، أو ظرف للمصير، ﴿ الأرض عنهم سراعا ﴾ : مسرعين، ﴿ ذلك حشر علينا ﴾ : لا على غيرنا، ﴿ يسير ﴾ : فإنه لا يتيسر لغير من هو كامل القدرة،
﴿ نحن أعلم بما يقولون ﴾، تهديد للكفار، وتسلية له- عليه الصلاة والسلام ﴿ وما أنت عليهم بجبار١ : فتجبرهم على الهداية٢ إنما أنت منذر، ﴿ فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ﴾ : فإن من أصر على الكفر لا ينتفع به.
اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك ويرجوا موعودك.
١ لا يجوز أن يكون عليهم خبرا وبجبار خبرا ثانيا تمنع دخول الباء على الخبر حينئذ فلا يجوز ما أنت واليا بجبار، فافهم/١٢ منه..
٢ على ما فسرنا جاز أن يكون الجبار بمعنى المسلط، وهو الأولى، وجاز أن يكون من جبر فلان فلانا بمعنى أجبره، ويكون "عليهم" حالا مقدما أي: واليا عليهم/١٢ منه..
Icon