بسم الله الرحمن الرحيم
سورة إذا السماء انشقت ١ مكية ٢٢ بالإجماع انظر: تفسير الماوردي ٤/٤٢٤ والقرطبي ١٩/٢٦٩ والبحر ٨/٤٤٥ والبرهان ١/١٩٣..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة إذا السماء انشقتمكية
- قوله تعالى: ﴿إِذَا السمآء انشقت﴾ إلى قوله: ﴿(إلى أَهْلِهِ) مَسْرُوراً﴾.
أي: إذا السماء تصدعت وتقطعت فكانت أبواباً.
قال الفراء: تنشق بالغمام.
- وقوله: ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾.
أي: وسمعت السماء (في) تصديعها وتشققها لربها فأطاعت له. والعرب تقول: إذِنَت إلى هذا الأمر آذنُ، بمعنى: استمعت. ومنه الحديث عن النبي ﷺ أنه
وقال ابن عباس: ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾ أي: " سمعت لربها ". وهو قول مجاهد وقتادة الضحاك وسفيان.
قال ابن عباس: ﴿وَحُقَّتْ﴾، أي: وحقت بطاعة بها.
وقال ابن جبير: ﴿وَحُقَّتْ﴾ أي: ويحق لها أن تسمع وتطيع.
وقاله أبو عبيدة.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا الأرض مُدَّتْ﴾.
أي: بسطت فريد في سعتها.
وروى الزهري عن علي بن حسينٍ رضي الله عنهـ أن النبي ﷺ قال: " إذَا كَانَ يَومُ
- ثم قال تعالى: ﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا (وَتَخَلَّتْ)﴾.
أي: (وألقت الأرض) ما فيها من الموتى علقّ ظهرها وتخلت منهم (إلى الله جل) ذكره.
قال مجاهد: ﴿(وَأَلْقَتْ) مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾، أي: أخرجت ما فيها من الموتى ".
وقال قتادة: " أخرجت (أثقالها) وما فيها ".
أي: وسمعت الأرض أمر بها في إلقائها ما في بطنها من الموتى على ظهرها وحققها الله للاستماع.
وقيل: معناه وحقّ لها أن تسمع أمره.
واختلف في جواب ﴿إِذَا﴾ والعامل فيها.
فقال الأخفش: التقدير: إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه إذا السماء انشقت. فيكون العامل في ﴿إِذَا﴾ على قوله فملاقيه.
وقيل: التقدير: اذكر يا محمد إذ السماء انشقت.
وقيل: الجواب: ﴿يا أيها الإنسان﴾، على إضمار الفاء: كما تقول: إذا كان كذا وكذا، في أيها الإنسان ترى ما عملت من خير وشر.
وقيل: جواب ﴿إِذَا﴾ الأولى والثانية: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابه بِيَمِينِهِ﴾.
وقيل: التقدير: إنك كادح إلى ربك كَدَحاً إذا السماء انشقت. وهذا لا يجوز لأن الكدح: العملُ، فمحال أن يعمل في وقتِ انشقاق السماء/.
وقيل: الجواب محذوف. والتقدير: إذا السماء انشقت)، رأيت الثواب والعقاب.
وقال المبرد: التقدير: إذا السماء انقشت، فمأ من أوتي كتابه بيمينه.
- ثم قال تعالى: ﴿يا أيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ﴾.
أي: إنك عامل إلى ربك عملاً في دنياك، فأنت ملاقيه خيراً كان أو شراً،
قال قتادة: " إن كدحك لك يا ابن آدم [لضعيف]، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل، ولا قوة إلا بالله ". [قال] ابن عباس وابن زيد وغيرهما: كادح: عامل.
والوقف في أول هذه السورة على مقدار ما تقدم من جواب ﴿إِذَا﴾ والعامل فيها، فلا تقف على ما قبل الجواب ولا ما قبل العامل. وقد ذكر الاختلاف في ذلك.
- قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابه بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً﴾.
أي: من أعطي كتاب عمله [يومئذ] بيمينه ينظر في عمله فيغفر له
قالت عائشة رضي الله عنها: سَمِعتُ النَّبيّ ﷺ يقول: " اللهُمّ حَاسِبْنِي حِسَاباً يَسيراً، فَقُلْت: يَا رسُولَ الله، مَا الحِسَابُ اليَسير؟ قال: (أن يُنظَرُ فِي سيّئاتِهِ فَيُتجاوَزُ عَنْهُ، إنّهُ من نُوقِشَ الحِسَابَ يَومَئذٍ هَلَكَ ".
وروى ابن (أبي) مليكة عن عائشة أيضاً أنها قالت: " قَالَ رَسُول اللهِ ﷺ: [ إِنّهُ لَيْسَ أحدٌ يُحاسبُ يَومَ القِيامَةِ إلا معذّباً، قالت: يَا رسُول الله]، يقول الله جَلّ وعزّ: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً﴾. قال: ذَلِكَ العرض، إنّه من نُوقش الحِساب عذّب ".
والمحاسبة بين العبد و (بين) ربه إنما هي إقرار العبد بما أحصاه كتاب عمله.
وروى ابن وهب " أن عائشة رضي الله عنها قالت: " يا نَبيّ (الله)، كَيْفَ ﴿حِسَاباً يَسِيراً﴾؟ قال: يُعطى العَبْدُ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقرأ سَيّئاتِهِ ويَقرأ النّاس حَسَناتِهِ، ثُمّ تُحوّل صَحيفَُهُ فيحوّل اللهُ سَيّئاته حَسَناتٍ، فيقرأ حَسَناتِه ويَقرأ النّاسُ سَيّئاتِه حَسناتٍ، فَيَقُولُ الناسُ: مَا كان لِهَذا العَبْدِ سيّئةٌ. قال: فَيُعرّفُ بِعَمَلِهِ ويُغْفَرُ لَهُ،
- وقوله: ﴿وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً﴾.
أي: وينصرف بعد محاسبته حساباً يسيراً إلى أهله في الجنة مسرورا بما أعد الله له وما نجاه منه.
وروي أن أول من يأخذ كتاب بيمينه أو بسلمة بن عبد [الأسد]، وهو ألو من يدخل الجنة من هذه الأمة، وهو أول من هاجر من مكة إلى المدينة.
- قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابه وَرَآءَ ظَهْرِهِ﴾، إلى آخرة السورة.
(أي): وأما من أعطى كتاب عمله وراء ظهره. وذلك أن تغلّ يده اليمنى
روي أنه يعني بن الأسود بن عبد الأسد أخا أبي سلمة هو أول من يأخذ كتابه بشماله.
روي أنه يمد يده ليأخذه بيمينه [فيجتذبه] ملك فيخلع يده فيأخذه بشماله من وراء ظهره. ثم هي عامة في أمثالها.
- ثم قال تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً﴾.
قال الضحاك: ﴿يَدْعُواْ ثُبُوراً﴾، أي: " يدعوا بالهلاك ".
- ثم قال تعالى: ﴿ويصلى سَعِيراً﴾.
من شدده فمعناه [ويصليهم] الله النار تصلية بعد تصلية [وإنضاجه بعد إنضاجه] كما قال: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بدلناهم جُلُوداً غَيْرَهَا﴾ [النساء: ٥٦].
ومن خفف، فمعناه أنه صلونها ويَرِدُونها [فيحترقون] فيها.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ مَسْرُوراً﴾.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن (يَحُورَ * بلى)...﴾.
(أي): إنه ظن [أنه] لن يرجع بعد الموت ولا يبعث، فركب المعاصي وتمادى على الكفر إذ يرجو ثواباً لا يخاف عقاباً.
- ثم قال: ﴿بلى﴾ أي: بلى يبعث/ ويرجع إلى ربه [ويجازى] على عمله.
﴿إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً﴾.
أي: إن ربه لم يزل بصيراً بما يأتي من أعماله قبل خلقه إياه وبعد خلقه.
يقال: حار فلان عن كذا، أي: رجع عنه ومنه الحديث أن النبي ﷺ كَانَ
وقيل: معناه: من النقصان بعد الزيادة.
- ثم قال: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بالشفق﴾.
لا زائدة مؤكدة. والمعنى فأقسم برب الشفق.
والشفق الحمرة في الأفق من ناحية المغرب من الشمس بعد غروب الشمس.
وقيل: الشفق اسم للحمرة والبياض اللذين يكونان في السماء بعد غروب الشمس، وهو من الأضداد.
والشفق الذي تَحلّ بزواله صلاة العَتَمَةِ هو الحُمرةُ عند أكثر العلماء، وهو اختيار الطبري.
والعرب تقول: ثَوبٌ مُشفّقٌ: إذا (كان مصبوغاً) بحُمرةٍ. ثم عطف على القسم فقال:
﴿والليل وَمَا وَسَقَ﴾.
أكثر المفسرين على أن معنى ﴿وَمَا وَسَقَ﴾: وما جَمَعَ وما آوى وما ستر.
ويقال: هو ستون صاعاً، وبه (جاء الأثر) عن النبي ﷺ.
وعن مجاهد: ﴿وَمَا وَسَقَ﴾ " وَمَا لفّ ".
وعنه: " وَمًا جمع... ".
وعنه: " وما أظلم عليه، وما دخل فيه ".
وهو قول الضحاك:
- ثم قال تعالى: ﴿والقمر إِذَا اتسق﴾.
قال ابن عباس: ﴿اتسق﴾: استوىى واجتمع. وقاله عكرمة.
وقال الحسن: ﴿إِذَا اتسق﴾ إذا كاجتمع وامتلأ.
وقال ابن جبير: ﴿إِذَا اتسق﴾ ذلك لثلاث عشرة.
وقال قتادة: ﴿إِذَا اتسق﴾. إذا استدار.
- ثم قال تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ﴾.
هذا جواب القسم. والمعنى - على قراءة من ضم الباء - ﴿لَتَرْكَبُنَّ﴾ أيها
وقال ابن زيد: معناه: ﴿لَتَرْكَبُنَّ﴾ أيها الناس الآخرة بعد الأولى. فأما من فتح الباء، فإنه جعله مصروفاً إلى نبينا محمد ﷺ.
والمعن: لتركبنّ - يا محمد - سماء بعد سماء، وهو قول الحسن وأبي العالية والشعبي.
وقيل: التقدير لتركبَن - يا محمد - الأمور بتغيرها حالاً بعد حال.
وقيل: المعنى: لتركبنّ السماء في تشققها وتلونها حالاً بعد [حال]، فيكون الفعل للسماء. وهو قول ابن مسعود. وقال: مرة كالدهان ومرة تشقق.
وكان ابن عباس يقرأ بفتح الباء (ويقول: يعني نبيّكم ﷺ يقول: حالاً بد حال.
وقال ابن زيد: معنى ذلك: لتركبَنّ يا محمد الآخرة بعد الأولى. وقيل: القراءة بفتح الباء) على مخاطبة الإنسان على اللفظ، أي: لتركبنّ أيها الإنسان حالاً بعد حال، من مرض وصحة وشباب وهرم.
وقيل: ذلك في يوم القيامة.
فتكون على هذا القراءتان [ترجعان] إلى معنى، إلا أن إحداهما حملت على
وحكى الفراء أنه يقال: وقع في بنات طبق، إذا وقع في أمر شديد. ويقال: مضى طبق من الناس ومضت طبقة وجاءت طبقة.
سُمّوا طبقاً لأنهم يطبقون الأرض.
وقد روي عن بعضهم [أنه] قرأ بالياء وضم الباء على الإخبار عن الناس أنهم سَيَرْكبونَ حالاً بعد حال من الشدائد الأهوال.
- ثم قال تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ القرآن لاَ يَسْجُدُونَ﴾.
أي: فما لهؤلاء المشركين لا يصدقون بالبعث بعد الموت؟!
وقد أقسم لهم ربهم أنهم راكبون حالاً بعد حال من شدائد القيامة وأهوالها.
﴿وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ القرآن لاَ يَسْجُدُونَ﴾: لا يخضعون ولا يستكينون.
- ثم قال تعالى: ﴿بَلِ الذين كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ﴾.
أي: يكذّبون بآيات (الله)، فلذلك ينكرون البعث.
- ﴿والله أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ﴾.
وقال مجاهد: ﴿بِمَا يُوعُونَ﴾ بما يكتمون في صدورهمه.
قال الرياشي: يقال أوعى الشيء: إذا كتمه.
وحكى أهل اللغة: أوعيت المتاع في الوعاء، أي: جمعته. فالمعنى على هذا: والله أعلم بما يجمعون في صدورهم من التكذيب، والإثم.
- ثم قال تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
أي: الذي يقوم لهم مقام البشرى، عذاب أليم أي: موجع.
والبشارة تكون بالخير والشر. فإذا أفردت كان خيراً.
يقال: بشّرته وبشَرته خفيفاً.
- ثم قال تعالى: ﴿إِلاَّ الذينءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾.
أي: إلا الذين تابوا منهم وصدقوا بكتاب الله ورسوله وعلموا الأعمال الصحالة لهم عند الله ثواب منقوص.
قال ابن عباس: ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾، أي: " غير منقوص ".
وقال مجاهد: " غير محسوب ".
وقيل: معناه: لهم أجر لا يُمَنّ عليهم به فيكدر.