تفسير سورة الزلزلة

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل .
لمؤلفه أبو بكر الحدادي اليمني .

﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ ؛ وذلكَ أنَّ رسولَ الله ﷺ سُئل عن قيامِ السَّاعة متى يكونُ، فأُنزلت هذه السُّورة لبيانِ أشراطِها وصفاتِها. والزَّلْزَلَةُ هي الحركةُ الشديدةُ، ونظيرُ هذا قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً ﴾[الواقعة : ٤]، وذلك أنَّ الأرضَ تحركُ يومئذ حركةً شديدةً حتى يتقطَّعَ جميعُ ما فيها من بناءٍ وجبَل وشجَرٍ، حتى يدخلَ فيها كلُّ ما على وجهِها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾ ؛ أي لفَظَتِ الأرضُ عند ذلك ما فيها من الأمواتِ والأموالِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ ﴾[الانشقاق : ٤]. وفائدةُ إلقاءِ الكُنوز وإظهارها أنْ تتحسَّرَ عليها نفوسُ الذين كنَزوها، وأنْ يُعذَّبُوا بها، كما قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴾[التوبة : ٣٥].
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا ﴾ ؛ الإنسانُ هاهنا اسمُ جنسٍ أُريد به الذين يخرُجون من جوفِها، يقولُ كلٌّ منهم ما للأرضِ وما حالُها ؟ ولأيِّ شيء زلْزَالُها ؟ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ ؛ أي يومئذٍ تخبرُ الأرض بما عُمِلَ على ظهرِها من خيرٍ، أو شرٍّ عبرةً للمتفكِّر فيها، تقولُ في المؤمن : صلَّى عَلَيَّ وحجَّ وصامَ، فيفرحُ المؤمنُ، وتقولُ في الكافرِ : أشركَ علَيَّ وسرقَ وزنا وشرِبَ الخمرَ، فيحزنُ، وذلك الإخبارُ بأنَّ الله ألهمَها وأنطَقها، كما أنطقَ اللهُ الجوارحَ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴾ ؛ أي إذِنَ لها وأمَرَها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً ﴾ ؛ أي يصدُرون من قبورهم متفرِّقين إلى أرضِ المحشر فِرَقاً فرقاً أهلُ كلِّ دينٍ على حِدَةٍ، فيُسار بهم إلى موضعِ الحساب. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ ﴾ ؛ من كتُبهم التي تسجِّلُ أعمالَهم فيها. وَقِيْلَ : يرجِعون من موضعِ الحساب متفرِّقين ليُرَوا جزاءَ أعمالهم، فريقٌ في الجنَّة وفريقٌ في السَّعير.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ ؛ اختلَفُوا في مثقالِ الذرَّة، قال بعضُهم : هو ما يقعُ في الكون من شعاع الشمس من الهباء، وقال بعضُهم : هي النملةُ الحمراء الصغيرة، وذلك أنَّ قوماً كانوا لا يرَون أنَّهم يُؤجَرون على قليلٍ من الخير، ولا يُعاقَبون على قليلٍ من الشرِّ، فأنزلَ اللهُ هذه، وحثَّهم على كلِّ خير قلَّ أو كَثُرَ، وحذرَهم من كلِّ شرٍّ قلَّ أو كَثُر، كما رُوي عن النبيِّ ﷺ أنه قالَ :" اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا فِبكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ".
Icon