تفسير سورة الزلزلة

تفسير أبي السعود
تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المعروف بـتفسير أبي السعود .
لمؤلفه أبو السعود . المتوفي سنة 982 هـ
سورة الزلزلة مختلف فيها، وآيها ثمان.

﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض﴾ أَيْ حُرِّكتْ تحريكاً عنيفاً مُتكرراً متداركا أي الزلزالُ المخصوصُ بَها على مقتضى المشيئةِ المبنيةِ على الحِكَم البالغة وهُو الزلزالُ الشديدُ الذي لا غايةَ وراءَه أو زلزالُها العجيبُ الذي لا يُقَادرُ قدرُهُ أو زلزالُها الداخلُ في حيزِ الإمكانِ وقرئ بفتح بفتح الزاء وهو اسمٌ وليسَ في الأبنيةِ فعلالٌ بالفتحِ إلا في المضاعف وقولهم ناقة خَزْعَالٌ نادرٌ وقَدْ قيلَ الزلزالُ بالفتحِ أيضاً مصدرٌ كالوَسواسِ والجرَجارِ والقَلقالِ وذلكَ عندَ النفخةِ الثانيةِ لقولِه عزَّ وجلَّ
﴿وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا﴾ أي ما في جوفها من الأمواتِ والدفائنِ جمعُ ثَقَلٍ وهُو متاعُ البيتِ وإظهارُ الأرضِ في موقعِ الإضمارِ لزيادةِ التقريرِ أوْ للإيماءِ إلى تُبَدَّلُ الأرضِ غَيْرَ الأرضِ أو لأنَّ إخراجَ الأثقالِ حالُ بعضِ أجزائِها
﴿وَقَالَ الإنسان﴾ أيْ كُلُّ فردٍ من أفرادِه لما يَدهمُهْم منَ الطامَّةِ التامَّةِ ويبهرهُم مِنَ الدَّاهيةِ العامَّةِ ﴿مَا لَهَا﴾ زُلزلتْ هذهِ المرتبةَ الشديدةَ منَ الزلزالِ وأخرجتْ ما فيَها منَ الأثقالِ استعظاماً لما شاهدُوه منَ الأمرِ الهائلِ وقد سيرتِ الجبالُ في الجَوِّ وصيرتْ هباءً وقيلَ هُو قول الكافر إذا لمْ يكُنْ مؤمناً بالبعثِ والأظهرُ هُو الأولُ عَلى أنَّ المؤمنَ يقولُه بطريقِ الاستعظامُ والكافرُ بطريق التعجبِ
﴿يومئذ﴾ بدل من إذا وقولُه تعالَى ﴿تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا﴾ عَامِلٌ فيهمَا ويجوزُ أن يكونَ إذَا منتصباً بمضمرٍ أيْ يومُ إذْ زلزلتْ الأرضُ تحدثُ الخلقَ أخبارِها إمَّا بلسانِ الحالِ حيثُ تدلُّ دلالةً ظاهرةً على ما لأجلِه زلزالُها وإخراجُ أثقالِها وإما بلسانِ المقالِ حيثُ يُنطقها الله تعالَى فتخبرُ بما عُمِلَ عليَها منْ خيرٍ وشرَ ورُوِيَ عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم أنها تشهدُ على كُلِّ أحدٍ بما عَمِلَ عَلى
188
٩٩ سورة الزلزلة آية (٥ ٨) ظهرها وقرئ تنبي أخبارها وقرئ منَ الإنباءِ
189
﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا﴾ أي تحدثُ أخبارَهَا بسببِ إيحاءِ ربِّكَ لَها وَأمْرِهِ إيَّاهَا بالتَّحديثِ عَلَى أَحَدِ الوجهينِ وَيَجُوزُ أَنْ يكُونَ بَدَلاً مِنْ أَخْبَارِهَا كَأنَّه قيلَ تحدثُ بأخبارِهَا بأَنَّ ربَّكَ أوحى لأَنَّ التحديثَ يستعمل بالباء وبدونها وأَوْحَى لَها بمعنى أَوْحَى إليَها
﴿يومئذ﴾ أي يوم إذ يقعُ ما ذُكِرَ ﴿يَصْدُرُ الناس﴾ من قبورِهم إلى موقفِ الحسابِ ﴿أَشْتَاتاً﴾ متفرقينَ بحسبِ طبقاتِهم بيضِ الوجوهِ آمنينَ وسودِ الوجوهِ فزعينَ كما مر في قوله تعالَى ﴿فتأتونَ أفواجاٍ﴾ وقيلَ يصدرُون عن الموقفِ أشتاتاً ذات اليمين إلى الجنة وذاتَ الشمالِ إلى النارِ ﴿لّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي أجزيةَ أعمالِهم خيراً كانَ أَوْ شراً وقرئ ليَروا بالفتحِ وقولُه تعالَى
﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾ تفصيل ليروا وقرئ يُرَه والذرةُ النملةُ الصغيرةُ وَقيلَ ما يُرى في شعاعِ الشَّمسِ منَ الهباءِ وَأياً مَا كان فمَعنى رؤية ما يعادلُها منْ خيرٍ وشرَ إما مشاهدةُ جزائِه فَمَنِ الأُولى مختصةٌ بالسُّعداءِ والثانيةُ بالأشقياءِ كيفَ لا وحسناتُ الكافرِ محبطةٌ بالكفرِ وسيئاتُ المؤمنِ المجتنبِ عن الكبائرِ معفوةٌ وما قيلَ مِنْ أن حسنةَ الكافرِ تؤثرُ في نقصِ العقابِ يردُّه قولُه تعالَى ﴿وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً﴾ وأما مشاهدةُ نفسِه من غيرِ أنْ يعتبرَ مَعَهُ الجزاءُ ولاَ عدمُه بلْ يفوضُ كلٌّ منَهما إلى سائرِ الدلائلِ الناطقةِ بعفوِ صغائرِ المؤمنِ المجتنبِ عنِ الكبائرِ وإثابتِه بجميعِ حسناتِه وبحبوطِ حسناتِ الكافرِ ومعاقبتِه بجميعِ معاصيهِ فالمَعْنى ما رُوي عن ابنِ عباس رضي الله عنهما ليس منْ مؤمنٍ وَلاَ كافرٍ عملَ خيراً أو شراً إلا أراهُ الله تعالَى إيَّاهُ أما المؤمنُ فيغفرُ له سيئاتِه ويثيبُه بحسناتِه وأما الكافِرُ فيردُّ حسناتِه تحسراً ويعاقبُه بسيئاتِه
عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ الزلزلة أربعَ مراتٍ كانَ كمَنْ قرأَ القرآنَ كُلَّه والله أعلم
189
سورة العاديات مكية مختلف فيها وآيها إحدى عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم

190
Icon