قال العلماء : وهذه السورة فضلها كثير، وتحتوي على عظيم : روى الترمذي عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :" من قرأ ( إذا زلزلت )، عدلت له بنصف القرآن. ومن قرأ ( قل يا أيها الكافرون ) [ الكافرون : ١ ] عدلت له بربع القرآن، ومن قرأ ( قل هو الله أحد ) [ الإخلاص : ١ ] عدلت له بثلث القرآن ". قال : حديث غريب، وفي الباب عن ابن عباس. وروي عن علي رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :" من قرأ ( إذا زلزلت ) أربع مرات، كان كمن قرأ القرآن كله ". وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : لما نزلت ( إذا زلزلت ) بكى أبو بكر، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم :" لولا أنكم تخطئون وتذنبون ويغفر اللّه لكم، لخلق أمة يخطئون ويذنبون ويغفر لهم، إنه هو الغفور الرحيم ".
ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الزلزلة (٩٩): آية ١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١)أَيْ حُرِّكَتْ مِنْ أَصْلِهَا. كَذَا رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ يَقُولُ: فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى يُزَلْزِلُهَا- وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ-، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ «١» [النازعات: ٧ - ٦] ثُمَّ تُزَلْزَلُ ثَانِيَةً، فَتُخْرِجُ مَوْتَاهَا وَهِيَ الْأَثْقَالُ. وَذِكْرُ الْمَصْدَرِ لِلتَّأْكِيدِ، ثُمَّ أُضِيفَ إِلَى الْأَرْضِ، كَقَوْلِكَ: لَأُعْطِيَنَّكَ عَطِيَّتَكَ، أَيْ عَطِيَّتِي لَكَ. وَحَسُنَ ذَلِكَ لِمُوَافَقَةِ رُءُوسِ الْآيِ بَعْدَهَا. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِكَسْرِ الزَّاي مِنَ الزِّلْزَالِ. وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ بِفَتْحِهَا، وَهُوَ مَصْدَرٌ أَيْضًا، كَالْوَسْوَاسِ وَالْقَلْقَالِ وَالْجَرْجَارِ «٢». وَقِيلَ: الْكَسْرُ الْمَصْدَرُ. وَالْفَتْحُ الِاسْمُ.
[سورة الزلزلة (٩٩): آية ٢]
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢)
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ، فَهُوَ ثِقْلٌ لَهَا. وَإِذَا كَانَ فَوْقَهَا، فَهُوَ ثِقْلٌ عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: أَثْقالَها: مَوْتَاهَا، تُخْرِجُهُمْ فِي النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ: الثَّقَلَانِ. وَقَالَتْ الْخَنْسَاءُ:
أَبْعَدَ ابْنَ عَمْرٍو مِنْ آلِ الشَّرِ... يَدِ حَلَّتْ بِهِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا
تَقُولُ: لَمَّا دُفِنَ عَمْرٌو صَارَ حِلْيَةً لِأَهْلِ الْقُبُورِ، مِنْ شَرَفِهِ وَسُؤْدُدِهِ. وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ: إِذَا كَانَ الرَّجُلُ سَفَّاكًا لِلدِّمَاءِ: كَانَ ثِقَلًا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، فَلَمَّا مَاتَ حَطَّتِ الْأَرْضُ عَنْ ظَهْرِهَا ثِقَلَهَا. وَقِيلَ: أَثْقالَها كُنُوزُهَا، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: (تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ «٣» مِنَ الذهب والفضة... ).
(٢). القلقال: من قلقل الشيء إذا حركه. والجرجار: من جرجر البعير إذا ردد صوته في حنجرته.
(٣). الأسطوان: جمع أسطوانة وهي السارية والعمود وشبهه بالاسطوان لعظمه وكثرته.
أبعد ابن عمرٍو من آلِ الشر | يدٍ حَلَّتْ به الأرضُ أثْقَالَهَا |
[سورة الزلزلة (٩٩): آية ٣]
وَقالَ الْإِنْسانُ مَا لَها (٣)قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقالَ الْإِنْسانُ) أَيِ ابْنُ آدَمَ الْكَافِرُ. فَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ. وَقِيلَ: أَرَادَ كُلَّ إِنْسَانٍ يُشَاهِدُ ذَلِكَ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى: مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ جَعَلَهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ جَمِيعًا مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهَا، حَتَّى يَتَحَقَّقُوا عُمُومَهَا، فَلِذَلِكَ سَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنْهَا. وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَانِ الْكُفَّارُ خَاصَّةً، جَعَلَهَا زَلْزَلَةَ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ مُعْتَرِفٌ بِهَا، فَهُوَ لَا يَسْأَلُ عَنْهَا، وَالْكَافِرُ جَاحِدٌ لَهَا، فَلِذَلِكَ يَسْأَلُ عَنْهَا. ومعنى (ما لَها) أي مالها زلزلت. وقيل: مالها أَخْرَجَتْ أَثْقَالَهَا، وَهِيَ كَلِمَةُ تَعْجِيبٍ، أَيْ لِأَيِ شي زُلْزِلَتْ. وَيَجُوزُ أَنْ يُحْيِيَ اللَّهُ الْمَوْتَى بَعْدَ وُقُوعِ النَّفْخَةِ الْأُولَى، ثُمَّ تَتَحَرَّكُ الْأَرْضُ فَتُخْرِجُ الْمَوْتَى وَقَدْ رَأَوُا الزَّلْزَلَةَ وَانْشِقَاقِ الْأَرْضِ عَنِ الموتى أحياء، فيقولون من الهول: مالها.
[سورة الزلزلة (٩٩): الآيات ٤ الى ٦]
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) يَوْمَئِذٍ مَنْصُوبٌ بِقَوْلِهِ: إِذا زُلْزِلَتِ. وَقِيلَ: بِقَوْلِهِ تُحَدِّثُ أَخْبارَها، أَيْ تُخْبِرُ الْأَرْضُ بِمَا عُمِلَ عَلَيْهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ يَوْمَئِذٍ. ثُمَّ قِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِ الْإِنْسَانِ، أي يقول الإنسان مالها تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، مُتَعَجِّبًا. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها قال: (أتدرون ما أخبارها- قالوا الله ورسوله أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، تَقُولُ عَمِلَ يَوْمَ كَذَا، كَذَا وَكَذَا. قَالَ: (فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا). قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، قَوْلُهُ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ: أَحَدُهَا- تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَعْمَالِ الْعِبَادِ عَلَى ظَهْرِهَا، قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا. وَهُوَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا زَلْزَلَةُ القيامة.
وَحَى لَهَا الْقَرَارَ فَاسْتَقَرَّتْ | وَشَدَّهَا بِالرَّاسِيَاتِ الثُّبَّتْ |
[الروم: ٤٣]. وَقِيلَ: يَرْجِعُونَ عَنِ الْحِسَابِ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنَ الحساب. أَشْتاتاً
(٢). آية ١٤ سورة الروم
(٣). آية ٤٣ سورة الروم.
[سورة الزلزلة (٩٩): الآيات ٧ الى ٨]
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الْكُفَّارِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ شَرٍّ عُوقِبَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، مَعَ عِقَابِ الشِّرْكِ، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من الْمُؤْمِنِينَ يَرَهُ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ إِذَا مَاتَ، وَيُتَجَاوَزُ عَنْهُ، وَإِنْ عَمِلَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَيُضَاعَفُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ. وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: (الذَّرَّةُ لَا زِنَةَ لَهَا) وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّهُ لَا يَغْفُلُ مِنْ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً. وَهُوَ مِثْلُ قوله تعالى:
(٢). كذا في الأصل وبعض كتب التفسير بإثبات الياء والراجح حذفها.
(٣). كذا في الأصل وبعض كتب التفسير بإثبات الياء والراجح حذفها.
(٤). آية ٣٠ سورة الشورى.
(٥). آية ٨ سورة الإنسان. [..... ]
(٦). الجوزة: واحدة الجوز الذي يؤكل فارسي معرب.
(٧). آية ٣٠ سورة آل عمران.
إِنَّ مَنْ يَعْتَدِي وَيَكْسِبُ إِثْمًا | وَزْنَ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ سَيَرَاهُ |
وَيُجَازَى بِفِعْلِهِ الشَّرَّ شَرًّا | وَبِفِعْلِ الْجَمِيلِ أَيْضًا جَزَاهُ |
هَكَذَا قَوْلُهُ تَبَارَكَ رَبِّي | فِي إِذَا زُلْزِلَتْ وَجَلَّ ثَنَاهُ |