تفسير سورة الشرح

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة الشرح من كتاب تفسير المراغي المعروف بـتفسير المراغي .
لمؤلفه أحمد بن مصطفى المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ

مقاصد السورة الكريمة
اشتملت هذه السورة على أربعة مقاصد:
(١) أن الله ما قلا رسوله ولا تركه.
(٢) وعد رسوله بأنه سيكون فى مستأنف أمره خيرا من ماضيه.
(٣) تذكيره بنعمه عليه فيما مضى وأنه سيواليها عليه.
(٤) طلب الشكر منه على هذه النعم.
سورة الشرح
هى مكية، وآيها ثمان، نزلت بعد سورة الضحى.
وهي شديدة الاتصال بما قبلها حتى روى عن طاوس وعمر بن عبد العزيز أنهما كانا يقولان: هما سورة واحدة، وكانا يقرآنهما فى الركعة الواحدة، وما كانا يفضلان بينهما بالبسملة، ولكن المتواتر كونهما سورتين وإن كانتا متصلتين معنى، إذ فى كل منهما تعداد النعم وطلب الشكر عليها.
[سورة الشرح (٩٤) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)
شرح المفردات
الشرح: البسط والتوسعة، والعرب تطلق عظم الصدر وتريد به القوة وعظيم المنة والمسرة وانبساط النفس، ويفخرون بذلك فى مدائحهم، من قبل أن سعة
188
الصدر تعطى الأحشاء فسحة للنمو والراحة، وإذا تم ذلك للمرء كان ذهنه حاضرا لا يضيق ذرعا بأمر، والوزر: الحمل الثقيل، وأنقض: أي أثقل، والظهر إذا أثقله الحمل سمع له نقيض، أي صوت خفى.
الإيضاح
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) أي إنا شرحنا لك صدرك، فأخرجناك من الحيرة التي كنت تضيق بها ذرعا، بما كنت تلاقى من عناد قومك واستكبارهم عن اتباع الحق، وكنت تتلمس الطريق لهدايتهم، فهديت إلى الوسيلة التي تنقذهم بها من التهلكة، وتجنبهم الردى الذي كانوا مشرفين عليه.
وقصارى ذلك- إنا أذهبنا عن نفسك جميع الهموم حتى لا تقلق ولا تضجر، وجعلناك راضى النفس، مطمئنّ الخاطر، واثقا من تأييد الله ونصره، عالما كل العلم أن الذي أرسلك لا يخذلك، ولا يعين عليك عدوا.
(وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) أي حططنا عنك ما أثقل ظهرك من أعباء الرسالة حتى تبلغها، فجعلنا التبليغ عليك سهلا، ونفسك به مطمئنة راضية، ولو قوبلت بالإساءة ممن أرسلت إليهم، كما يرضى الرجل بالعمل لأبنائه ويهتم بهم، فالعبء مهما ثقل عليه يخففه ما يجيش بقلبه من العطف عليهم، والحدب على راحتهم، ويتحمل الشدائد وهو راض بما يقاسى فى سبيل حياطتهم وتنشئتهم.
(وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) أي وجعلناك عالى الشأن، رفيع المنزلة، عظيم القدر، وأىّ منزلة أرفع من النبوة التي منحكها الله؟ وأي ذكر أنبه من أن يكون لك فى كل طرف من أطراف المعمورة أتباع يمتثلون أوامرك، ويجتنبون نواهيك، ويرون طاعتك مغنما، ومعصيتك مغرما.
وهل من فخار بعد ذكرك فى كلمة الإيمان مع العلىّ الرحمن؟ وأي ذكر أرفع
189
من ذكر من فرض الله على الناس الإقرار بنبوته، وجعل الاعتراف برسالته بعد بلوغ دعوته، شرطا فى دخول جنته.
هذا إلى أنه ﷺ أنقذ أمما كثيرة من رقّ الأوهام، وفساد الأحلام، ورجع بهم إلى الفطرة الأولى من حرية العقل والإرادة، والإصابة فى معرفة الحق، ومعرفة من يقصد بالعبادة، فاتحدت كلمتهم فى الاعتقاد بإله واحد بعد أن كانوا متفرقين طرائق قددا، عبّاد أصنام وأوثان، وشموس وأقمار، لا يجدون إلى الهدى سبيلا، ولا للوصول إلى الحق طريقا فأزاح عنهم تلك الغمّة، وأنار لهم طريق الهدى والرشاد.
[سورة الشرح (٩٤) : الآيات ٥ الى ٨]
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)
شرح المفردات
العسر: الفقر والضعف وجهالة الصديق وقوة العدو وإنكار الجميل، فرغت:
أي من عمل: فانصب: أي اتعب.
المعنى الجملي
بعد أن أبان بعض نعمه على رسوله من شرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر، بعد استحكام الكرب، وضيق الأمر- ذكر أن ذلك قد وقع على ما جرت به سنته فى خلقه، من إحداث اليسر بعد العسر، وأكد هذا بإعادة القضية نفسها مؤكدة لقصد تقريرها فى النفوس وتمكينها فى القلوب.
الإيضاح
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) أي فإن مع الضيق فرجا، ومع قلة الوسائل إلى إدراك المطلوب مخرجا إذا تدرّع المرء بالصبر وتوكل على ربه، ولقد كان هذا حال النبي
190
صلى الله عليه وسلم فإنه قد ضاق به الأمر فى بادئ أمره قبل النبوة وبعدها إذ تألب عليه قومه، لكن ذلك لم يثنه عن عزمه، ولم يقلل من حدّه، بل صبر على مكروههم وألقى بنفسه فى غمرات الدعوة متوكلا على ربه، محتسبا نفسه عنده، راضيا بكل ما يجد فى هذا السبيل من أذى، ولم تزل هذه حاله حتى قيض الله له أنصارا أشربت قلوبهم حبه، وملئت نفوسهم بالرغبة الصادقة فى الدفاع عنه وعن دينه، ورأوا أن لا حياة لهم إلا بهدم أركان الشرك والوثنية، فاشتروا ما عند الله من جزيل الثواب بأرواحهم وأموالهم وأزواجهم، ثم كان منهم من فوّض دعائم الأكاسرة، وأباد جيوش الأباطرة والقياصرة.
وقصارى ذلك- إنه مهما اشتد العسر، وكانت النفس حريصة على الخروج منه، طالبة كشف شدته، مستعملة أجمل وسائل الفكر والنظر فى الخلاص منه، معتصمة بالتوكل على ربها، فإنها ولا ريب ستخرج ظافرة مهما أقيم أمامها من عقبات واعترضها من بلايا ومحن وفى هذا عبرة لرسوله ﷺ بأنه سيبدّل حاله من الفقر إلى الغنى، ومن قلة الأعوان إلى كثرة الإخوان، ومن عداوة قومه إلى محبتهم إلى أشباه ذلك.
ثم أعاد الأسلوب للتوكيد فقال:
(إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) إذا احتملت ذلك العزيمة الصادقة، وعملت بكل ما أوتيت من قوة على التخلص منه، وقابلت ما يقع من عسر بالصبر والأخذ بأسباب تفريجه ولم تستبطئ الفرج، فيدعوها ذلك إلى التواني، وفتور العزيمة.
وبعد أن بين نعمه على رسوله ووعده بتفريج كربه- طلب منه أن يقوم بشكر هذه النعم بالانقطاع لصالح العمل والاتكال عليه دون من عداه فقال:
(فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) أي فإذا فرغت من عمل فاتعب فى مزاولة عمل آخر، فإنك ستجد فى المثابرة لذة تقرّبها عينك ويثلج لها صدرك.
191
وفى هذا حث له عليه الصلاة والسلام على المواظبة على العمل واستدامته.
(وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) أي ولا ترغب فى ثواب أعمالك وتثميرها، إلا إلى ربك وحده، فإنه هو الحقيق بالتوجه إليه والضراعة له، والحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيد المرسلين.
مقاصد السورة
تشتمل هذه السورة الكريمة على أربعة مقاصد:
(١) تعداد ما أنعم به على رسوله من النعم.
(٢) وعده له بإزالة ما نزل به من الشدائد والمحن.
(٣) أمره بالمداومة على الأعمال الصالحة.
(٤) التوكل عليه وحده، والرغبة فيما عنده.
192
Icon