تفسير سورة الشرح

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الشرح من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه تعيلب . المتوفي سنة 2004 هـ
( ٩٣ ) سورة الشرح مكية
وآياتها ثمان
كلماتها : ٢٩ ؛ حروفها : ١٠٣

﴿ نشرح ﴾ نوسع ونفسح، وننر.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ ألم نشرح لك صدرك ( ١ ) ووضعنا عنك وزرك ( ٢ ) الذي أنقض ظهرك ( ٣ ) ورفعنا لك ذكرك ( ٤ ) فإن مع العسر يسرا ( ٥ ) إن مع العسر يسرا ( ٦ ) فإذا فرغت فانصب ( ٧ ) وإلى ربك فارغب ( ٨ ) ﴾
الهمزة للاستفهام و﴿ لم ﴾- كما هو معلوم- للجزم والقلب والنفي ؛ وفي الاستفهام طرف جحد فلما جاء بعد حرف النفي والجحد، صار نفي النفي إثباتا، وانقلب المضارع إلى معنى الماضي فصار المعنى : قد شرحنا ؛ كقوله تعالى :﴿ أليس الله بكاف عبده... ﴾١ بمعنى : استيقنوا بأن الله كاف عبده ؛ وكقوله تبارك اسمه :﴿ أليس الله بأحكم الحاكمين ﴾٢ ومعناه : الله أحكم الحاكمين ؛ وذهب بعض أهل اللغة إلى أن الحرفين ﴿ ألم ﴾ بمعنى : أما : فيكون المعنى : أما شرحنا.. ووضعنا عنك.. ورفعنا لك ؟ !، و﴿ لك ﴾ تفيد الاختصاص- يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يذكره آلاءه عنده، وإحسانه إليه، حاضا له بذلك على شكره على ما أنعم عليه به ليستوجب بذلك المزيد منه.
و﴿ نشرح ﴾ أي نوسع، وننر، ونفسح ! ؛ والشرح المعنوي : نور القلب، وضياء الصدر بالحكمة والعلم، وزوال الضيق والهم والغم ؛ [ ونقل عن الجمهور أن المعنى : ألم نفسحه بالحكمة ؟ ونوسعه بتيسيرنا له تلقي ما يوحى إليك بعدما كان يشق عليك ؟ ]٣ وقد يكون حسيا، بمعنى شق صدره صلى الله عليه وسلم ؛ والأكثرون على أن الشرح هذا أمر معنوي، وهو إما نقيض ضيق العطن، بحيث لا يتأذى من كل مكروه وإيحاش يلحقه من كفار قومه، فيتسع لأعباء الرسالة كلها، ولا يتضجر من علائق الدنيا بأسرها ؛ وإما خلاف الضلال والعمه، حتى لا يرى إلا الحق، ولا ينطق إلا بالحق، ولا يفعل إلا للحق-٤.
﴿ ووضعنا ﴾ حططنا.
﴿ وزرك ﴾ ثقلك، وهمك.
﴿ ووضعنا عنك وزرك. ( ٢ ) الذي أنقض ظهرك( ٣ ) ﴾ ؛ وجائز أن يكون هذا الثقل الذي وضع عنه : إزالة الحيرة التي كانت قبل البعثة ؛ أو ما كان تهالك عليه وحرص من إسلام أولى العناد فيغتم لذلك ويشتد أسفه حتى يكاد يموت حزنا، ويعاتب على هذا من لدن ربنا العلي الأعلى بقوله الحكيم :﴿ لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين ﴾١ ؛ وقول المولى تبارك اسمه :﴿ فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ﴾٢، فوضعه الله تعالى عنه بأن استجاب له وآمن بدعوته من سبقت لهم الحسنى كأبي بكر وحمزة وعمر وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين ؛ وبشره الله البر الرحيم بأنه لن يسأل عن أصحاب الجحيم، وأنه لن يكره الناس حتى يكونوا مؤمنين، وليس عليه أن يهتدوا. وإنما عليه أن يبلغ وينذر ﴿ فذكر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمسيطر ﴾٣.
مما أورد القرطبي : وقيل عصمناك من احتمال الوزر، وحفظناك قبل النبوة في الأربعين من الأدناس ؛ حتى نزل عليك الوحي وأنت مطهر من الأدناس. اه
١ - سورة الشعراء. الآية ٣..
٢ - سورة الكهف. الآية ٦..
٣ - سورة الغاشية. الآيتان ٢١، ٢٢..
﴿ أنقض ظهرك ﴾ أثقلك حمله.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ ألم نشرح لك صدرك ( ١ ) ووضعنا عنك وزرك ( ٢ ) الذي أنقض ظهرك ( ٣ ) ورفعنا لك ذكرك ( ٤ ) فإن مع العسر يسرا ( ٥ ) إن مع العسر يسرا ( ٦ ) فإذا فرغت فانصب ( ٧ ) وإلى ربك فارغب ( ٨ ) ﴾
الهمزة للاستفهام و﴿ لم ﴾- كما هو معلوم- للجزم والقلب والنفي ؛ وفي الاستفهام طرف جحد فلما جاء بعد حرف النفي والجحد، صار نفي النفي إثباتا، وانقلب المضارع إلى معنى الماضي فصار المعنى : قد شرحنا ؛ كقوله تعالى :﴿ أليس الله بكاف عبده... ﴾١ بمعنى : استيقنوا بأن الله كاف عبده ؛ وكقوله تبارك اسمه :﴿ أليس الله بأحكم الحاكمين ﴾٢ ومعناه : الله أحكم الحاكمين ؛ وذهب بعض أهل اللغة إلى أن الحرفين ﴿ ألم ﴾ بمعنى : أما : فيكون المعنى : أما شرحنا.. ووضعنا عنك.. ورفعنا لك ؟ !، و﴿ لك ﴾ تفيد الاختصاص- يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يذكره آلاءه عنده، وإحسانه إليه، حاضا له بذلك على شكره على ما أنعم عليه به ليستوجب بذلك المزيد منه.
و﴿ نشرح ﴾ أي نوسع، وننر، ونفسح ! ؛ والشرح المعنوي : نور القلب، وضياء الصدر بالحكمة والعلم، وزوال الضيق والهم والغم ؛ [ ونقل عن الجمهور أن المعنى : ألم نفسحه بالحكمة ؟ ونوسعه بتيسيرنا له تلقي ما يوحى إليك بعدما كان يشق عليك ؟ ]٣ وقد يكون حسيا، بمعنى شق صدره صلى الله عليه وسلم ؛ والأكثرون على أن الشرح هذا أمر معنوي، وهو إما نقيض ضيق العطن، بحيث لا يتأذى من كل مكروه وإيحاش يلحقه من كفار قومه، فيتسع لأعباء الرسالة كلها، ولا يتضجر من علائق الدنيا بأسرها ؛ وإما خلاف الضلال والعمه، حتى لا يرى إلا الحق، ولا ينطق إلا بالحق، ولا يفعل إلا للحق-٤.
﴿ ورفعنا ﴾ أعلينا، وعظمنا.
﴿ ذكرك ﴾ قدرك ومقامك والحديث عنك.
﴿ ورفعنا لك ذكرك( ٤ ) ﴾ وأعلينا قدرك ومقامك والحديث عنك فجعلتك خاتم النبيين، وجعلت أمتك خير أمة، وأنزلت عليكم الكتاب المحفوظ الذي لا يتبدل، وأخذت على النبيين الميثاق وعلى أممهم أن يؤمنوا بما بعثتك به، وقرنت اسمك باسمى في كلمتي الشهادة، وفي كثير من الذكر والقرب والعبادة، وجعلت طاعتك من طاعتي، وصليت عليك وملائكتي، وشرعت للمؤمنين أن يصلوا ويسلموا عليك.
﴿ العسر ﴾ الضيق.
﴿ يسرا ﴾ تيسيرا.
﴿ فإن مع العسر يسرا( ٥ ) إن مع العسر يسرا( ٦ ) ﴾ فإن مع الضيق تيسيرا، ومع الكرب كشفا وتفريجا ؛ أو سعة وغنى ؛ والتكرير : إما لتوكيد الكلام، كما في الآية الكريمة التي تكررت مرات في سورة الشعراء :﴿ وإن ربك لهو العزيز الرحيم ﴾١ ؛ وقال ثعلب : إن من عادة العرب إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه فهو هو ؛ وإذا نكروه ثم كرروه فهو غيره، وهما اثنان، ليكون أقوى للأمل، وأبعث على الصبر. اه يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : والصحيح أن يقال : إن الله بعث نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مقلا مخفا، فعيره المشركون بفقره حتى قالوا له : نجمع لك مالا ؛ فاغتم وظن أنهم كذبوه لفقره ؛ فعزاه الله، وعدد نعمه عليه، ووعده الغنى بقوله :﴿ فإن مع العسر يسرا ﴾ أي لا يحزنك ما عيروك به من الفقر، فإن مع ذلك العسر يسرا عاجلا، أي في الدنيا، فأنجز له ما وعده، فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز واليمن، ووسع ذات يده، حتى كان يعطي الرجل المائتين من الإبل، ويهب الهبات السنية، ويعد لأهله قوت سنة ؛ فهذا الفضل كله من أمر الدنيا، وإن كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد يدخل فيه بعض أمته إن شاء الله تعالى ؛ ثم بدأ فضلا آخر من الآخرة وفيه تأسية وتعزية له صلى الله عليه وسلم ؛ فقال مبتدئا :﴿ إن مع العسر يسرا ﴾ فهو شيء آخر ؛ والدليل على ابتدائه، تعريه من فاء أو واو أو غيرهما من حروف النسق التي تدل على العطف ؛ فهذا وعد عام لجميع المؤمنين لا يخرج أحد منه ؛ أي : إن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسرا في الآخرة لا محالة ؛ وربما اجتمع يسر الدنيا ويسر الآخرة. اه.
١ - سورة الشعراء. الآية ٩..
﴿ فرغت ﴾ خلصت وانتهيت من السعي لابتغاء الرزق، والدعوة لهداية الخلق.
﴿ فانصب ﴾ فاقصد إلى التبتل، ولو أن يدركك التعب والنصب والجهد.
﴿ فإذا فرغت فانصب( ٧ ) وإلى ربك فارغب( ٨ ) ﴾ فإذا خلصت وانتهيت من السعي لابتغاء الرزق والدعوة لهداية الخلق، فاقصد إلى التبتل، ولو أن يدركك التعب والنصب والجهد، واثبت على التوجه إلى السميع القريب المجيب، ودم على الرغبة إلى ربك عز وجل والضراعة إليه [ إن الله تعالى ذكره أمر نبيه أن يجعل فراغه من كل ما كان به مشتغلا من أمر دنياه وآخرته مما أدى له الشغل به، وأمره بالشغل به إلى النصب في عبادته، والاشتغال فيما قربه إليه، ومسألته حاجاته... ]١. إن القرآن الكريم- وهو أصدق الحديث- ينادي رسول الله منذ بدء الوحي أن يستكثر من التبتل، وتلاوة ما أوحي إليه آناء الليل وأطراف النهار ؛ فمن أوائل ما نزل في سورة المزمل وفي آياتها المباركات عهد الله تعالى إلى نبيه :﴿ يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلا. نصفه أو انقص منه قليلا. أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا. إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا. إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا. إن لك في النهار سبحا طويل. واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ﴾٢ وما أوفاه صلوات الله عليه بعهد ربه ؛ فقد جاء في خواتيم السورة الكريمة مبلغ وفائه والصفوة الذين اتبعوه :﴿ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك.. ﴾٣. وفي سورة مباركة أخرى يعلمنا بعض ما حمل من أمانات، وذلك قول الله سبحانه- فيما أنزله عليه- :﴿ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين. وان أتلو القرآن.. ﴾٤ ؛ وكذا أمر الله العلى الأعلى :﴿ أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا. ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ﴾٥ وهذه سبيل الشاكرين المحسنين الراغبين في ثواب ورضوان رب العالمين :﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون. فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ﴾٦ ﴿ إن المتقين في جنات وعيون. آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين. كانوا قليلا من الليل ما يهجعون. وبالأسحار هم يستغفرون ﴾٧، فمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا فهذا هو الصراط ؛ فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ؛ اللهم آمين.
﴿ فارغب ﴾ فاثبت على الرغبة إلى الله عز وجل.
﴿ فإذا فرغت فانصب( ٧ ) وإلى ربك فارغب( ٨ ) ﴾ فإذا خلصت وانتهيت من السعي لابتغاء الرزق والدعوة لهداية الخلق، فاقصد إلى التبتل، ولو أن يدركك التعب والنصب والجهد، واثبت على التوجه إلى السميع القريب المجيب، ودم على الرغبة إلى ربك عز وجل والضراعة إليه [ إن الله تعالى ذكره أمر نبيه أن يجعل فراغه من كل ما كان به مشتغلا من أمر دنياه وآخرته مما أدى له الشغل به، وأمره بالشغل به إلى النصب في عبادته، والاشتغال فيما قربه إليه، ومسألته حاجاته... ]١. إن القرآن الكريم- وهو أصدق الحديث- ينادي رسول الله منذ بدء الوحي أن يستكثر من التبتل، وتلاوة ما أوحي إليه آناء الليل وأطراف النهار ؛ فمن أوائل ما نزل في سورة المزمل وفي آياتها المباركات عهد الله تعالى إلى نبيه :﴿ يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلا. نصفه أو انقص منه قليلا. أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا. إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا. إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا. إن لك في النهار سبحا طويل. واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ﴾٢ وما أوفاه صلوات الله عليه بعهد ربه ؛ فقد جاء في خواتيم السورة الكريمة مبلغ وفائه والصفوة الذين اتبعوه :﴿ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك.. ﴾٣. وفي سورة مباركة أخرى يعلمنا بعض ما حمل من أمانات، وذلك قول الله سبحانه- فيما أنزله عليه- :﴿ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين. وان أتلو القرآن.. ﴾٤ ؛ وكذا أمر الله العلى الأعلى :﴿ أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا. ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ﴾٥ وهذه سبيل الشاكرين المحسنين الراغبين في ثواب ورضوان رب العالمين :﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون. فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ﴾٦ ﴿ إن المتقين في جنات وعيون. آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين. كانوا قليلا من الليل ما يهجعون. وبالأسحار هم يستغفرون ﴾٧، فمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا فهذا هو الصراط ؛ فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ؛ اللهم آمين.
Icon