تفسير سورة سورة الشرح من كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن
المعروف بـتفسير الثعالبي
.
لمؤلفه
الثعالبي
.
المتوفي سنة 875 هـ
مكية وآياتها ٨.
ﰡ
تفسير سورة «الشرح»
وهي مكّيّة بإجماع
[سورة الشرح (٩٤) : الآيات ١ الى ٨]
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)
عَدَّدَ اللَّه تعالى على نبيه نِعَمَه عليه في أنْ شَرَحَ صدرَه للنبوَّةِ، وهَيأَه لها، وذَهَبَ الجمهورُ إلى أنَّ شَرْحَ الصدرِ المذكورِ إنما هو تنويرُه بالحكمةِ، وتوسِيعُه لتلقي مَا يُوحى إليه، وقال ابن عباس وجماعة: هذه إشارة إلى شَرْحِه بشَقِّ جبريلَ عنه في وقْتِ صِغَرهِ، وفي وقْتِ الإسراء إذا التشريحُ شَقُّ اللحْمِ، والوِزْرُ الذي وضعَهُ اللَّه عنه هو عند بعض المتأولين الثِّقَلُ الذي كان يجده صلّى الله عليه وسلّم في نفسهِ من أجل ما كانتْ قريشٌ فيه من عبادةِ الأصْنَامِ فَرَفَعَ اللَّهُ عنه ذلكَ الثِّقَلَ بنبوَّتِه وإرسالهِ، وقال أبو عبيدةَ وغيره: المعنى: خَفَّفْنَا عنك أثقَال النبوَّةِ وأعنَّاكَ على الناسِ «١»، وقيل الوِزْرُ هنا: الذنوبُ، نظيرَ قولهِ تعالى:
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ [الفتح: ٢] وقد تقدم بيانُه، الثعلبيّ: وقيلَ: معناه:
عَصَمْنَاكَ من احتمالِ الوِزْرِ، انتهى. وأَنْقَضَ معناه: جَعَلَهُ نَقْضاً، أي: هَزيلاً، من الثِّقَلِ، قال عياض: ومعنى أَنْقَضَ، أي: كَادَ يَنْقُضُه، انتهى، وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ أي نَوَّهْنَا باسمِك، قال ع «٢» : ورفعُ الذكرِ نعمةٌ على الرسولِ وكذلكَ هُوَ جميلٌ حسنٌ للقائمينَ بأمورِ الناس، وخمولُ الاسْمِ والذكرِ حَسَنٌ للمنفردِينَ للعبادة، / والمعنى في هذا: التَّعْدِيد:
أَنَّا قد فعلنا جميعَ هذا بكَ فلا تَكْتَرِثْ بأذى قريشٍ فإن الذي فعلَ بكَ هذه النعمُ سَيُظَفِّرُكَ بهم، قال عياض: ورَوَى أبو سَعِيدٍ الخدريُّ أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أَتَانِي جِبْريلُ فَقَالَ إنَّ رَبِّي وَرَبَّكَ يَقُولُ: أَتَدْرِي كَيْفَ رَفَعْتُ ذِكْرَكَ؟ قُلْتُ: اللَّهُ تعالى أَعْلَمُ، قال: إذَا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ مَعِي»، انتهى، ثم قوَّى سُبْحَانه رجاءَه بقولهِ: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً وكرّر تعالى
وهي مكّيّة بإجماع
[سورة الشرح (٩٤) : الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)
عَدَّدَ اللَّه تعالى على نبيه نِعَمَه عليه في أنْ شَرَحَ صدرَه للنبوَّةِ، وهَيأَه لها، وذَهَبَ الجمهورُ إلى أنَّ شَرْحَ الصدرِ المذكورِ إنما هو تنويرُه بالحكمةِ، وتوسِيعُه لتلقي مَا يُوحى إليه، وقال ابن عباس وجماعة: هذه إشارة إلى شَرْحِه بشَقِّ جبريلَ عنه في وقْتِ صِغَرهِ، وفي وقْتِ الإسراء إذا التشريحُ شَقُّ اللحْمِ، والوِزْرُ الذي وضعَهُ اللَّه عنه هو عند بعض المتأولين الثِّقَلُ الذي كان يجده صلّى الله عليه وسلّم في نفسهِ من أجل ما كانتْ قريشٌ فيه من عبادةِ الأصْنَامِ فَرَفَعَ اللَّهُ عنه ذلكَ الثِّقَلَ بنبوَّتِه وإرسالهِ، وقال أبو عبيدةَ وغيره: المعنى: خَفَّفْنَا عنك أثقَال النبوَّةِ وأعنَّاكَ على الناسِ «١»، وقيل الوِزْرُ هنا: الذنوبُ، نظيرَ قولهِ تعالى:
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ [الفتح: ٢] وقد تقدم بيانُه، الثعلبيّ: وقيلَ: معناه:
عَصَمْنَاكَ من احتمالِ الوِزْرِ، انتهى. وأَنْقَضَ معناه: جَعَلَهُ نَقْضاً، أي: هَزيلاً، من الثِّقَلِ، قال عياض: ومعنى أَنْقَضَ، أي: كَادَ يَنْقُضُه، انتهى، وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ أي نَوَّهْنَا باسمِك، قال ع «٢» : ورفعُ الذكرِ نعمةٌ على الرسولِ وكذلكَ هُوَ جميلٌ حسنٌ للقائمينَ بأمورِ الناس، وخمولُ الاسْمِ والذكرِ حَسَنٌ للمنفردِينَ للعبادة، / والمعنى في هذا: التَّعْدِيد:
أَنَّا قد فعلنا جميعَ هذا بكَ فلا تَكْتَرِثْ بأذى قريشٍ فإن الذي فعلَ بكَ هذه النعمُ سَيُظَفِّرُكَ بهم، قال عياض: ورَوَى أبو سَعِيدٍ الخدريُّ أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أَتَانِي جِبْريلُ فَقَالَ إنَّ رَبِّي وَرَبَّكَ يَقُولُ: أَتَدْرِي كَيْفَ رَفَعْتُ ذِكْرَكَ؟ قُلْتُ: اللَّهُ تعالى أَعْلَمُ، قال: إذَا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ مَعِي»، انتهى، ثم قوَّى سُبْحَانه رجاءَه بقولهِ: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً وكرّر تعالى
(١) ذكره البغوي (٤/ ٥٠٢)، وابن عطية (٥/ ٤٩٦).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٤٩٧).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٤٩٧).
604
ذلكَ مبالغةً، وذَهَبَ كثيرٌ من العلماءِ إلى أنَّ مع كلِّ عُسْرٍ يُسْرَيْنِ بهذه الآية، من حيثُ إنَّ العُسْرَ مُعَرَّفٌ للعَهْدِ واليسْرُ مُنَكَّرٌ فالأولُ غَيْرُ الثاني، وقَدْ جاء في هذا التأويل حديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قَالَ: «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» «١»، ثم أمر تعالى نَبِيَّهُ إذا فَرَغَ مِن شُغْلِ مِنْ أَشْغَالِ النبوَّةِ والعبادةِ أن يَنْصَبَ في آخِرِه، والنَّصَبُ: التعبُ، والمعنى: أن يَدْأَبَ على مَا أُمِرَ به ولاَ يَفْتُرَ، وقال ابنُ عباسٍ: إذا فَرغْتَ مِنْ فَرْضِكَ فَانْصَبْ في التَّنفُّلِ عبادةً لربك «٢»، ونحوُه عن ابن مسعود وعن مجاهد: «فإذا فرغت من العبادةِ فانْصَبْ في الدعاء» «٣».
وَقَوْلُه تعالى: وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ: أمر بالتوكل على الله- عز وجل- وصَرْفِ وُجُوهِ الرَّغَبَاتِ إليه لا إلى سواه.
وَقَوْلُه تعالى: وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ: أمر بالتوكل على الله- عز وجل- وصَرْفِ وُجُوهِ الرَّغَبَاتِ إليه لا إلى سواه.
(١) تقدم.
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٦٢٨)، (٣٧٥٤٢)، وذكره ابن عطية (٥/ ٤٩٧)، وأبو حيان (٨/ ٤٨٤)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٦١٧)، وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم. [.....]
(٣) أخرجه الطبري (١٢/ ٦٢٨)، (٣٧٥٤١) عن ابن عبّاس، وذكره البغوي (٤/ ٥٠٣)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٥٢٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٦١٧)، وعزاه لابن أبي الدنيا.
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٦٢٨)، (٣٧٥٤٢)، وذكره ابن عطية (٥/ ٤٩٧)، وأبو حيان (٨/ ٤٨٤)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٦١٧)، وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم. [.....]
(٣) أخرجه الطبري (١٢/ ٦٢٨)، (٣٧٥٤١) عن ابن عبّاس، وذكره البغوي (٤/ ٥٠٣)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٥٢٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٦١٧)، وعزاه لابن أبي الدنيا.
605