تفسير سورة الإخلاص

تفسير الثعالبي
تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعالبي .
لمؤلفه الثعالبي . المتوفي سنة 875 هـ
مكية، آياتها ٤. روي أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : يا محمد، صف لنا ربك، وانسبه فإنه وصف نفسه في التوراة ونسبها، فارتعد النبي صلى الله عليه وسلم من قولهم حتى خر مغشيا عليه، ونزل جبريل بهذه السورة.

تفسير سورة «الإخلاص»
قيل: مكّيّة وقال ابن عبّاس: مدنيّة
[سورة الإخلاص (١١٢) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)
روي أنّ اليهود دخلوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا له: يا مُحَمَّدُ صِفْ لَنَا رَبَّك وانْسِبْه، فإنَّه وَصَفَ/ نَفْسَه في التوراةِ وَنَسَبها، فارتعد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مِنْ قولِهِم حَتَّى خَرَّ مغشياً عليه، ونَزَلَ جبريل بهذه السورة.
وأَحَدٌ مَعناه: وَاحدٌ فَرْدٌ مِنْ جميعِ جِهَاتِ الوَحْدَانِيَّة، ليس كمثله شيء وهُوَ ابتداء، واللَّهُ ابتداء ثان، وأَحَدٌ خَبَرُه والجملةُ خَبَرُ الأوَّلِ، وقيلَ هو ابتداءُ واللَّهُ خبره وأَحَدٌ بَدَلٌ منه، وَقَرَأَ عمر بن الخطابِ وغَيْرُهُ: «قل هو الله الواحد الصمد» والصَّمَدُ في كلامِ العربِ السيدُ الذي يُصْمَدُ إليه في الأُمُورِ وَيَسْتَقِلُّ بها وأنْشَدُوا:
[الطويل]
لَقَدْ بَكَّرَ النَّاعِي بِخَيْرِ بَنِي أَسَدِ بِعَمْرِو بْنِ مَسْعَودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدْ
وبهذا تَتَفَسَّرُ هذه الآيةُ لأَنَّ اللَّهَ تعالى- جلت قدرته- هُوَ مُوجِدُ المَوْجُودَاتِ وإليهِ تَصْمُدُ وبه قِوَامُها- سبحانه وتعالى-.
وقوله تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ رَدٌّ عَلى إشارَةِ الكفارِ في النَّسَبِ الذي سأَلُوه، وقال ابن عباس: تَفَكَّروا في كلّ شَيْءٍ ولا تتفكروا في ذاتِ اللَّه «١»، قال ع «٢» : لأنّ الأفهام تقف دون ذلك حسيرة.
(١) ذكره ابن عطية (٥/ ٥٣٧).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٥٣٧).
638
وقوله سبحانه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ معناه ليسَ له ضِدٌّ، وَلاَ نِدٌّ ولا شبيهٌ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: ١١]، والكفؤ النظير و «كفؤا» خبر كان واسمها أَحَدٌ. قال- ص-: وحَسُنَ تأخيرُ اسمها لِوُقُوعِه فاصلةً، وله مُتَعَلِّقٌ ب كُفُواً أي: لَمْ يَكُنْ أحَدٌ كُفُؤاً لَهُ، وقُدَّمَ اهتماماً بِه لاِشْتِمالِهِ على ضميرِ البَارِي سبحَانه، انتهى، وفي الحديث الصحيح عنه صلّى الله عليه وسلّم إنَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن «١»، قال ع: لِمَا فِيهَا مِنَ التوحيدِ، ورَوَى أبو محمدٍ الدارميّ في «مسندهِ» قال:
حدثنا عبد اللَّه بن مزيد حدثنا حيوة/ قال: أخبرنا أبو عقيل، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ قَرَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إحْدَى عَشَرَةَ مَرَّةً بُنِيَ لهُ قصرٌ في الجنةِ، ومَنْ قَرَأَها عِشْرينَ مرةً، بُنِيَ له قَصْرَانِ في الجنةِ، ومَنْ قرأَها ثَلاثِينَ مرةً بُنِيَ له ثلاثةُ قصورٍ في الجنة. فقال عمر بن الخطاب: إذَنْ تَكْثُرُ قصورُنَا يا رسول الله فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اللَّهُ أوْسَعُ من ذلك» «٢» [أي: فَضْلُ اللَّهِ أوْسَعُ مِنْ ذَلك] «٣». قال الدارمي:
أبو عقيل هو زهرة بن معبد، وزعموا أنه من الأبدال، انتهى من «التذكرة» «٤».
(١) أخرجه مسلم (٣/ ٣٥٥) - النووي، كتاب «صلاة المسافرين» باب: فضل قراءة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (٢٦١- ٢٦٢/ ٨١٢)، والترمذي (٥/ ١٦٨)، كتاب «فضائل القرآن» باب: ما جاء في سورة الإخلاص (٢٨٩٩)، وابن ماجه (٢/ ١٢٤٤)، كتاب «الأدب» باب: ثواب القرآن (٣٧٨٧) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي الباب من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أخرجه أحمد (٢/ ١٧٣)، والطبراني (١٢/ ٤٠٥) (١٣٤٩٣).
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٢/ ٢٢١) : رواه الطبراني في «الكبير»، وأبو يعلى بنحوه، ورجال أبي يعلى ثقات. اهـ مختصرا.
وفي الباب عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه: أخرجه ابن ماجه (٢/ ١٢٤٤)، كتاب «الأدب» باب:
ثواب القرآن (٣٧٨٨).
وفي الباب عن امرأة أبي أيوب: أخرجه النسائي (٢/ ١٧٢)، كتاب «الافتتاح» باب: في قراءة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (٩٩٦)، وأحمد (٥/ ٤١٨) عن أبي أيوب.
(٢) ذكره الهندي في «كنز العمال» (١/ ٥٨٥)، (٢٦٥٧)، وعزاه إلى أحمد عن معاذ بن أنس مختصرا.
(٣) سقط في: د. [.....]
(٤) ينظر: «التذكرة» (٢/ ٦٢٢).
639
Icon