تفسير سورة سورة البقرة من كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن
المعروف بـتفسير الثعالبي
.
لمؤلفه
الثعالبي
.
المتوفي سنة 875 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. سورة البقرة بحول الله ومعونته السورة مدنية نزلت في مدد شتى، وفيها آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي :﴿ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ﴾[ البقرة : ٢٨١ ] ويقال لسورة البقرة فسطاط القرآن، وذلك لعظمها وبهائها، وما تضمنت من الأحكام، والمواعظ، وفيها خمسمائة حكم، وخمسة عشرة مثلا، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتم سورة البقرة من تحت العرش )
( ت ) وها أنا إن شاء الله أذكر أصل الحديث بكماله لما اشتمل عليه من الفوائد العظيمة، خرج الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( اعملوا بالقرآن، أحلوا حلاله، وحرموا حرامه، واقتدوا به، ولا تكفروا بشيء منه، وما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله، وإلى أولي العلم من بعدي، كي ما يخبرونكم، وآمنوا بالتوراة، والإنجيل، والزبور، وما أوتي النبيون من ربهم، وليسعكم القرآن، وما فيه من البيان، فإنه شافع مشفع، وماحل مصدق، وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، وأعطيت طه والطواسين والحواميم من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش ) ما حل بالمهملة أي ساع وقيل خصم انتهى من السلاح، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( تجيء البقرة، وآل عمران، يوم القيامة كأنهما غيايتان بينهما شرق، أو غمامتان سوداوان أو كأنهما ظلة من طير صواف تجادلان عن صاحبهما ).
( ت ) أصل الحديث في صحيح مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة )، قال معاوية : بلغني أن البطلة السحرة فقوله صلى الله عليه وسلم :( غمامتان ) يعني سحابتين بيضاوين، والغيايتان بالغين المعجمة، أبو عبيد : الغياية كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه، وهو مثل السحابة، وفرقان بكسر الفاء أي جماعتان انتهى من السلاح. وروى أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :( لكل شيء سنام، وسنام القرآن سورة البقرة فيها آية هي سيدة آي القرآن هي آية الكرسي )، وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال :( من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ) وروى أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :( البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان ).
( ت )، وعن ابن عباس قال :( بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه فقال له : هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، وقال أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب، وخواتم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته ) رواه مسلم، والنسائي، والنقيض بالنون والقاف هو الصوت، انتهى من " السلاح " وعدد آي سورة البقرة مائتان وخمس وثمانون آية وقيل وست وثمانون آية، وقيل وسبع وثمانون.
( ت ) وها أنا إن شاء الله أذكر أصل الحديث بكماله لما اشتمل عليه من الفوائد العظيمة، خرج الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( اعملوا بالقرآن، أحلوا حلاله، وحرموا حرامه، واقتدوا به، ولا تكفروا بشيء منه، وما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله، وإلى أولي العلم من بعدي، كي ما يخبرونكم، وآمنوا بالتوراة، والإنجيل، والزبور، وما أوتي النبيون من ربهم، وليسعكم القرآن، وما فيه من البيان، فإنه شافع مشفع، وماحل مصدق، وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، وأعطيت طه والطواسين والحواميم من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش ) ما حل بالمهملة أي ساع وقيل خصم انتهى من السلاح، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( تجيء البقرة، وآل عمران، يوم القيامة كأنهما غيايتان بينهما شرق، أو غمامتان سوداوان أو كأنهما ظلة من طير صواف تجادلان عن صاحبهما ).
( ت ) أصل الحديث في صحيح مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة )، قال معاوية : بلغني أن البطلة السحرة فقوله صلى الله عليه وسلم :( غمامتان ) يعني سحابتين بيضاوين، والغيايتان بالغين المعجمة، أبو عبيد : الغياية كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه، وهو مثل السحابة، وفرقان بكسر الفاء أي جماعتان انتهى من السلاح. وروى أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :( لكل شيء سنام، وسنام القرآن سورة البقرة فيها آية هي سيدة آي القرآن هي آية الكرسي )، وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال :( من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ) وروى أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :( البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان ).
( ت )، وعن ابن عباس قال :( بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه فقال له : هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، وقال أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب، وخواتم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته ) رواه مسلم، والنسائي، والنقيض بالنون والقاف هو الصوت، انتهى من " السلاح " وعدد آي سورة البقرة مائتان وخمس وثمانون آية وقيل وست وثمانون آية، وقيل وسبع وثمانون.
ﰡ
«البيت الّذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشّيطان» «١».
ت: وعن ابن عبّاس قال: بينما جبريل قاعد عند النبيّ صلّى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه، فقال له: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قطّ إلّا اليوم، وقال: أبشر بنورين أوتيتهما، لم يؤتهما نبيّ قبلك فاتحة الكتاب، وخواتم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منها إلّا أعطيته» رواه مسلم، والنسائيّ «٢»، والنقيض بالنون والقاف: هو الصوت انتهى من «السلاح».
وعدد آي سورة البقرة مائتان، وخمس وثمانون آية، وقيل: وستّ وثمانون آية، وقيل: وسبع وثمانون.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١ الى ٣]
قوله تعالى: الم: اختلف في الحروف التي في أوائل السور على قولين «٣» فقال
ت: وعن ابن عبّاس قال: بينما جبريل قاعد عند النبيّ صلّى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه، فقال له: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قطّ إلّا اليوم، وقال: أبشر بنورين أوتيتهما، لم يؤتهما نبيّ قبلك فاتحة الكتاب، وخواتم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منها إلّا أعطيته» رواه مسلم، والنسائيّ «٢»، والنقيض بالنون والقاف: هو الصوت انتهى من «السلاح».
وعدد آي سورة البقرة مائتان، وخمس وثمانون آية، وقيل: وستّ وثمانون آية، وقيل: وسبع وثمانون.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)قوله تعالى: الم: اختلف في الحروف التي في أوائل السور على قولين «٣» فقال
(١) الحديث بهذا اللفظ عن عبد الله بن المغفل ذكره الهيثمي في «معجم الزوائد» (٦/ ٣١٥)، وقال: رواه الطبراني، وفيه عدي بن الفضل، وهو ضعيف.
أما الحديث الذي ورد عن أبي هريرة في هذا المعنى، فأخرجه مسلم (١/ ٥٣٩) من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة».
(٢) أخرجه مسلم (١/ ٥٥٤)، كتاب: «الإيمان»، باب: في ذكر سدرة المنتهى، حديث (٢٥٤/ ٨٠٦)، والنسائي في «الكبرى» (٥/ ١٥)، كتاب «فضائل القرآن»، باب «الآيتان من آخر سورة البقرة»، حديث (٨٠٢١)، والبغوي في «شرح السنة» (٢/ ٢٣- بتحقيقنا)، من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس به.
(٣) إنه مما علم باستقراء كتاب الله تعالى أن تسعا وعشرين سورة من القرآن الكريم قد افتتحت بحروف مقطعة، من جنس كلام العرب.
وبداية، فإن هذه الحروف لم ينقل عن العرب دلالات لها، ولو كانت لها دلالات لتواتر النقل عليها، ولنقل ذلك علماء الصحابة وأئمتهم، وهذا الأمر- أعني افتتاح السور بها- لهو في حد ذاته نوع من التحدي للقيام بالكشف عن أسرارها والتفكر فيها.
ولما لم يذكر عن الغرب لها دلالات فقد كان للعلماء بشأنها موقفان: أولهما: ذهب الشعبي وسفيان الثوري، وجماعة من أهل الحديث إلى أنها سر الله في القرآن، وهي من المتشابه. وثانيهما: وهو ما ذهب إليه الجمهور من أهل العلم: أنه يجب أن يتكلم فيها، وتلتمس الفوائد التي تحتها والمعاني التي تتخرج عليها.
وقد كان لابن عباس ترجمان القرآن النصيب الأوفر من الأقوال في هذه الأحرف.
وجاء المفسرون من بعده، فاتسعوا في تحديد معاني هذه الفواتح، فقد ذكروا منها: أنها: -
أما الحديث الذي ورد عن أبي هريرة في هذا المعنى، فأخرجه مسلم (١/ ٥٣٩) من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة».
(٢) أخرجه مسلم (١/ ٥٥٤)، كتاب: «الإيمان»، باب: في ذكر سدرة المنتهى، حديث (٢٥٤/ ٨٠٦)، والنسائي في «الكبرى» (٥/ ١٥)، كتاب «فضائل القرآن»، باب «الآيتان من آخر سورة البقرة»، حديث (٨٠٢١)، والبغوي في «شرح السنة» (٢/ ٢٣- بتحقيقنا)، من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس به.
(٣) إنه مما علم باستقراء كتاب الله تعالى أن تسعا وعشرين سورة من القرآن الكريم قد افتتحت بحروف مقطعة، من جنس كلام العرب.
وبداية، فإن هذه الحروف لم ينقل عن العرب دلالات لها، ولو كانت لها دلالات لتواتر النقل عليها، ولنقل ذلك علماء الصحابة وأئمتهم، وهذا الأمر- أعني افتتاح السور بها- لهو في حد ذاته نوع من التحدي للقيام بالكشف عن أسرارها والتفكر فيها.
ولما لم يذكر عن الغرب لها دلالات فقد كان للعلماء بشأنها موقفان: أولهما: ذهب الشعبي وسفيان الثوري، وجماعة من أهل الحديث إلى أنها سر الله في القرآن، وهي من المتشابه. وثانيهما: وهو ما ذهب إليه الجمهور من أهل العلم: أنه يجب أن يتكلم فيها، وتلتمس الفوائد التي تحتها والمعاني التي تتخرج عليها.
وقد كان لابن عباس ترجمان القرآن النصيب الأوفر من الأقوال في هذه الأحرف.
وجاء المفسرون من بعده، فاتسعوا في تحديد معاني هذه الفواتح، فقد ذكروا منها: أنها: -
180
الشَّعْبِيُّ، وسفيانُ الثوريُّ، وجماعةٌ من المحدِّثين: هي سر اللَّه في القرآن، وهي من المتشابه الذي انفرد اللَّه بعلمه، ولا يجب أن يُتكلَّم فيها، ولكن يؤمن بها، وتُمَرُّ كما جاءت «١»، وقال الجمهور من العلماء، بل يجب أن يُتكلَّم فيها، وتلتمس الفوائد التي تحتها، والمعاني التي تتخرَّج عليها، واختلفوا في ذلك على اثنَيْ عَشَرَ قولاً.
فقال عليٌّ، وابن عَبَّاس رضي اللَّه عنهما: الحروف المقطَّعة في القرآن: هي اسم اللَّه الأعظم إلا أنا لا نعرف تأليفه منها «٢».
وقال ابن عبَّاس أيضًا: هي أسماء اللَّه أقسم بها «٣»، وقال أيضًا: هي حروف تدلُّ على: أَنَا اللَّهُ أعلم، أنا الله أرى «٤»، وقال قوم:
فقال عليٌّ، وابن عَبَّاس رضي اللَّه عنهما: الحروف المقطَّعة في القرآن: هي اسم اللَّه الأعظم إلا أنا لا نعرف تأليفه منها «٢».
وقال ابن عبَّاس أيضًا: هي أسماء اللَّه أقسم بها «٣»، وقال أيضًا: هي حروف تدلُّ على: أَنَا اللَّهُ أعلم، أنا الله أرى «٤»، وقال قوم:
- ١- اسم الله الأعظم.
٢- قسم أقسم الله به وهو من أسمائه.
٣- أسماء للسور التي وردت فيها.
٤- اسم من أسماء القرآن.
٥- فواتح يفتح الله بها القرآن.
٦- لكل كتاب سر، وسر القرآن فواتحه.
٧- حروف مقطعة من أسماء وأفعال، كل حرف من ذلك لمعنى غير معنى الحرف الآخر.
٨- حروف هجاء موضوع.
٩- حروف يشتمل كل حرف منها على معان شتى مختلفة.
١٠- ابتدئت بذلك السور ليفتح لاستماعه أسماع المشركين.
١١- علامات لأهل الكتاب أنه سينزل على محمد كتاب يفتتح بالحروف المقطعة.
١٢- حروف من حساب الجمل.
ينظر: «البرهان» (١/ ١٦٩)، و «جامع البيان» (١/ ٢٠٥)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٨١)، و «مفاتيح الغيب» (٢/ ٣)، و «البحر المحيط» (١/ ١٥٤).
(١) ذكره السمرقندي في تفسيره (١/ ٨٧)، والبغوي (١/ ٤٤)، وابن عطية الأندلسي (١/ ٨٢)، والقرطبي (١/ ١٣٣- ١٣٤).
(٢) أخرجه ابن جرير (١/ ١١٩)، (٢٣٣) مختصرا. وذكره السمرقندي في «تفسيره» (١/ ٨٧)، عن علي بلفظ «وهو اسم من أسماء الله تعالى». وابن عطية في «تفسيره» (١/ ٨٢)، وابن كثير (١/ ٣٦)، القرطبي (١/ ١٣٤)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٥٤)، بلفظ «اسم الله أعظم»، وعزاه لابن جريج وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه ابن جرير (١/ ١١٩) (٢٣٦)، وذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ٨٢)، والبغوي (١/ ٤٤)، بلفظ «أنها أقسام» عن ابن عباس، والماوردي في «تفسيره» (١/ ٦٤) وابن كثير (١/ ٣٦)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٥٤)، وعزاه لابن مردويه.
(٤) أخرجه ابن جرير (١/ ١١٩) برقم (٢٣٩) بلفظ: «أنا الله أعلم». وفي (٦/ ٥٢٥) برقم (١٧٥٣٤)، -
٢- قسم أقسم الله به وهو من أسمائه.
٣- أسماء للسور التي وردت فيها.
٤- اسم من أسماء القرآن.
٥- فواتح يفتح الله بها القرآن.
٦- لكل كتاب سر، وسر القرآن فواتحه.
٧- حروف مقطعة من أسماء وأفعال، كل حرف من ذلك لمعنى غير معنى الحرف الآخر.
٨- حروف هجاء موضوع.
٩- حروف يشتمل كل حرف منها على معان شتى مختلفة.
١٠- ابتدئت بذلك السور ليفتح لاستماعه أسماع المشركين.
١١- علامات لأهل الكتاب أنه سينزل على محمد كتاب يفتتح بالحروف المقطعة.
١٢- حروف من حساب الجمل.
ينظر: «البرهان» (١/ ١٦٩)، و «جامع البيان» (١/ ٢٠٥)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٨١)، و «مفاتيح الغيب» (٢/ ٣)، و «البحر المحيط» (١/ ١٥٤).
(١) ذكره السمرقندي في تفسيره (١/ ٨٧)، والبغوي (١/ ٤٤)، وابن عطية الأندلسي (١/ ٨٢)، والقرطبي (١/ ١٣٣- ١٣٤).
(٢) أخرجه ابن جرير (١/ ١١٩)، (٢٣٣) مختصرا. وذكره السمرقندي في «تفسيره» (١/ ٨٧)، عن علي بلفظ «وهو اسم من أسماء الله تعالى». وابن عطية في «تفسيره» (١/ ٨٢)، وابن كثير (١/ ٣٦)، القرطبي (١/ ١٣٤)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٥٤)، بلفظ «اسم الله أعظم»، وعزاه لابن جريج وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه ابن جرير (١/ ١١٩) (٢٣٦)، وذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ٨٢)، والبغوي (١/ ٤٤)، بلفظ «أنها أقسام» عن ابن عباس، والماوردي في «تفسيره» (١/ ٦٤) وابن كثير (١/ ٣٦)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٥٤)، وعزاه لابن مردويه.
(٤) أخرجه ابن جرير (١/ ١١٩) برقم (٢٣٩) بلفظ: «أنا الله أعلم». وفي (٦/ ٥٢٥) برقم (١٧٥٣٤)، -
181
هي حسابُ أَبِي جَاد «١» لتدلَّ على مدَّة ملّة محمّد صلّى الله عليه وسلم كما ورد في حديث حُيَيِّ بن أَخْطب «٢»، وهو قول أبي العالية وغيره «٣».
ت: وإِليه مال السُّهَيْلِيُّ «٤» في «الرَّوْضِ الأُنُفِ»، فانظره.
قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ: الاسمُ من «ذَلِكَ» : الذال، والألف، واللام لبعد المشار إليه، والكاف للخطاب.
واختلف في «ذَلِكَ» هنا فقيل: هو بمعنى «هَذَا»، وتكون الإشارة إلى هذه الحروف من القرآن، وذلك أنه قد يشار بذلك إلى حاضرٍ تعلَّق به بعضُ غَيْبَةٍ، وقيل: هو على بابه، إِشارةً إِلى غائب.
واختلفوا في ذلك الغائب فقيل: ما قد كان نزل من القرآن، وقيل غير ذلك انظره.
ت: وإِليه مال السُّهَيْلِيُّ «٤» في «الرَّوْضِ الأُنُفِ»، فانظره.
قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ: الاسمُ من «ذَلِكَ» : الذال، والألف، واللام لبعد المشار إليه، والكاف للخطاب.
واختلف في «ذَلِكَ» هنا فقيل: هو بمعنى «هَذَا»، وتكون الإشارة إلى هذه الحروف من القرآن، وذلك أنه قد يشار بذلك إلى حاضرٍ تعلَّق به بعضُ غَيْبَةٍ، وقيل: هو على بابه، إِشارةً إِلى غائب.
واختلفوا في ذلك الغائب فقيل: ما قد كان نزل من القرآن، وقيل غير ذلك انظره.
- بلفظ: «أنا الله أرى». والسيوطي في «الدر» (١/ ٥٤)، بلفظ: «أنا الله أعلم»، وعزاه لوكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس. وفي (٣/ ٥٣٤)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، والبيهقي في «الأسماء والصفات»، وابن النجار في «تاريخه»، وذكره القرطبي (١/ ١٣٥)، وابن كثير (١/ ٣٦)، وابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ٨٢).
(١) وأبو جاد: الكلمة الأولى من الكلمات الثماني التي تجمع حروف الهجاء العربية. ويقال: أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- لقي أعرابيّا فسأله: هل تحسن القراءة؟ فقال: نعم، قال: فاقرأ أم القرآن، فقال الأعرابي: والله ما أحسن البنات فكيف الأم؟!، فضربه عمر، وأسلمه إلى الكتّاب، فمكث حينا ثم هرب، ولما رجع إلى أهله أنشدهم [الوافر] :
ينظر: «المعجم الكبير» (١/ ٢٢، ٢٣).
(٢) حييّ بن أخطب النضري: جاهلي، من الأشداء العتاة. كان ينعت ب «سيد الحاضر والبادي». أدرك الإسلام، وآذى المسلمين فأسروه يوم «قريظة». ثم قتلوه. ينظر: «سيرة ابن هشام» (٢/ ١٤٨- ١٤٩)، «تهذيب الأسماء» (١/ ١٧١)، و «الأعلام» (٢/ ٢٩٢).
(٣) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ٨٢) والسيوطي في «الدر» (١/ ٥٦)، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم. [.....]
(٤) عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي: حافظ، عالم باللغة والسير، ضرير. ولد في «مالقة»، وعمي وعمره (١٧ سنة). ونبغ فاتصل خبره بصاحب «مراكش» فطلبه إليها وأكرمه، فأقام يصنّف كتبه، من كتبه «الروض الأنف» في شرح «السيرة النبوية» لابن هشام، وغيرها من الكتب في التفسير. ولد سنة (٥٠٨ هـ.)، وتوفي سنة (٥٨١ هـ.).
انظر: «وفيات الأعيان» (١/ ٢٨)، «نكت الهميان» (١٨٧)، «زاد المسافر» (٩٦) «الأعلام» (٣/ ٣١٣).
(١) وأبو جاد: الكلمة الأولى من الكلمات الثماني التي تجمع حروف الهجاء العربية. ويقال: أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- لقي أعرابيّا فسأله: هل تحسن القراءة؟ فقال: نعم، قال: فاقرأ أم القرآن، فقال الأعرابي: والله ما أحسن البنات فكيف الأم؟!، فضربه عمر، وأسلمه إلى الكتّاب، فمكث حينا ثم هرب، ولما رجع إلى أهله أنشدهم [الوافر] :
| أتيت مهاجرين فعلموني | ثلاثة أسطر متتابعات |
| وخطوا لي أبا جاد وقالوا | تعلم سعفصا وقريشيات |
| وما أنا والكتابة والتهجي | وما حظ البنين مع البنات |
(٢) حييّ بن أخطب النضري: جاهلي، من الأشداء العتاة. كان ينعت ب «سيد الحاضر والبادي». أدرك الإسلام، وآذى المسلمين فأسروه يوم «قريظة». ثم قتلوه. ينظر: «سيرة ابن هشام» (٢/ ١٤٨- ١٤٩)، «تهذيب الأسماء» (١/ ١٧١)، و «الأعلام» (٢/ ٢٩٢).
(٣) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ٨٢) والسيوطي في «الدر» (١/ ٥٦)، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم. [.....]
(٤) عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي: حافظ، عالم باللغة والسير، ضرير. ولد في «مالقة»، وعمي وعمره (١٧ سنة). ونبغ فاتصل خبره بصاحب «مراكش» فطلبه إليها وأكرمه، فأقام يصنّف كتبه، من كتبه «الروض الأنف» في شرح «السيرة النبوية» لابن هشام، وغيرها من الكتب في التفسير. ولد سنة (٥٠٨ هـ.)، وتوفي سنة (٥٨١ هـ.).
انظر: «وفيات الأعيان» (١/ ٢٨)، «نكت الهميان» (١٨٧)، «زاد المسافر» (٩٦) «الأعلام» (٣/ ٣١٣).
182
ولا رَيْبَ فِيهِ: معناه: لا شكّ فيه، وهُدىً: معناه إِرشادٌ وبيانٌ، وقوله:
لِلْمُتَّقِينَ: اللفظ مأخوذ من «وقى»، والمعنى: الذين يَتَّقُونَ اللَّه تعالى بامتثال أوامره، واجتناب معاصيه، كان ذلك وقايةً بينهم وبين عذابه.
قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ.
يُؤْمِنُونَ: معناه يُصَدِّقون، وقوله: بِالْغَيْبِ قالت طائفةٌ: معناه: يُصَدِّقون، إِذا غَابُوا وَخَلَوْا، لا كالمنافقين الَّذين يؤمنون إذَا حضروا، ويكْفُرُونَ إِذا غابوا، وقال آخرون: معناه:
يصدِّقون بما غاب عنهم مما أخبرتْ به الشرائعُ، وقوله: يُقِيمُونَ الصَّلاةَ معناه:
يظهرونها ويثبتونها كما يقال: أُقِيمَتِ السُّوقُ.
ت: وقال أبو عبد اللَّه النَّحْوِيُّ في اختصاره لتفسيرِ الطَّبَرِيِّ: إِقامة الصلاة إتمام الركوع، والسجود، والتلاوة، والخشوع، والإِقبال عليها. انتهى.
قال ص «١» : يقيمون الصلاةَ من التقويمِ ومنه: أَقَمْتُ العُودَ، أو الإِْدَامَةِ ومنه: قامتِ السُّوقُ، أو التشميرِ والنهوضِ ومنه: قام بالأمر. انتهى.
وقوله تعالى/: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ: الرزْقُ «٢» عند أهل السنة ما صحّ الانتفاع ١٠ أ
لِلْمُتَّقِينَ: اللفظ مأخوذ من «وقى»، والمعنى: الذين يَتَّقُونَ اللَّه تعالى بامتثال أوامره، واجتناب معاصيه، كان ذلك وقايةً بينهم وبين عذابه.
قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ.
يُؤْمِنُونَ: معناه يُصَدِّقون، وقوله: بِالْغَيْبِ قالت طائفةٌ: معناه: يُصَدِّقون، إِذا غَابُوا وَخَلَوْا، لا كالمنافقين الَّذين يؤمنون إذَا حضروا، ويكْفُرُونَ إِذا غابوا، وقال آخرون: معناه:
يصدِّقون بما غاب عنهم مما أخبرتْ به الشرائعُ، وقوله: يُقِيمُونَ الصَّلاةَ معناه:
يظهرونها ويثبتونها كما يقال: أُقِيمَتِ السُّوقُ.
ت: وقال أبو عبد اللَّه النَّحْوِيُّ في اختصاره لتفسيرِ الطَّبَرِيِّ: إِقامة الصلاة إتمام الركوع، والسجود، والتلاوة، والخشوع، والإِقبال عليها. انتهى.
قال ص «١» : يقيمون الصلاةَ من التقويمِ ومنه: أَقَمْتُ العُودَ، أو الإِْدَامَةِ ومنه: قامتِ السُّوقُ، أو التشميرِ والنهوضِ ومنه: قام بالأمر. انتهى.
وقوله تعالى/: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ: الرزْقُ «٢» عند أهل السنة ما صحّ الانتفاع ١٠ أ
(١) «المجيد» ص ٨٤.
(٢) اختلف العلماء في تعريف الرزق في عرف الشرع، فقال أبو الحسين البصري من المعتزلة: الرزق هو تمكين الحيوان من الانتفاع بالشيء والحظر على غيره أن يمنعه من الانتفاع به، فإذا قلنا: قد رزقنا الله تعالى الأموال. فمعنى ذلك أنه مكننا من الانتفاع بها، وإذا سألناه تعالى أن يرزقنا مالا فإنا نقصد بذلك أن يجعلنا بالمال أخص.
واعلم أن المعتزلة لما فسروا الرزق بذلك لا جرم قالوا: الحرام لا يكون رزقا.
وقال الأشاعرة: الحرام قد يكون رزقا، وحجتهم من وجهين:
الأول: أن الرزق في أصل اللغة هو الحظ والنصيب على ما بيناه، فمن انتفع بالحرام، فذلك الحرام صار حظا ونصيبا، فوجب أن يكون رزقا له.
الثاني: أنه تعالى قال: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [هود: ٦] وقد يعيش الرجل طول عمره لا يأكل إلا من السرقة، فوجب أن يقال: إنه طول عمره لم يأكل من رزقه شيئا.
وقد احتج المعتزلة بالكتاب، والسنة، والمعنى:
أما الكتاب فعدة وجوه:
أحدها: قوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة: ٣] مدحهم الله تعالى على الإنفاق مما رزقهم، فلو كان الحرام رزقا لوجب أن يستحقوا المدح إذا أنفقوا من الحرام، وهذا باطل بالاتفاق.
ثانيها: قالوا: لو كان الحرام رزقا لجاز أن ينفق الغاصب منه لقوله سبحانه: وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ [المنافقون: ١٠]، وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز للغاصب أن ينفق مما أخذه، بل يجب عليه-
(٢) اختلف العلماء في تعريف الرزق في عرف الشرع، فقال أبو الحسين البصري من المعتزلة: الرزق هو تمكين الحيوان من الانتفاع بالشيء والحظر على غيره أن يمنعه من الانتفاع به، فإذا قلنا: قد رزقنا الله تعالى الأموال. فمعنى ذلك أنه مكننا من الانتفاع بها، وإذا سألناه تعالى أن يرزقنا مالا فإنا نقصد بذلك أن يجعلنا بالمال أخص.
واعلم أن المعتزلة لما فسروا الرزق بذلك لا جرم قالوا: الحرام لا يكون رزقا.
وقال الأشاعرة: الحرام قد يكون رزقا، وحجتهم من وجهين:
الأول: أن الرزق في أصل اللغة هو الحظ والنصيب على ما بيناه، فمن انتفع بالحرام، فذلك الحرام صار حظا ونصيبا، فوجب أن يكون رزقا له.
الثاني: أنه تعالى قال: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [هود: ٦] وقد يعيش الرجل طول عمره لا يأكل إلا من السرقة، فوجب أن يقال: إنه طول عمره لم يأكل من رزقه شيئا.
وقد احتج المعتزلة بالكتاب، والسنة، والمعنى:
أما الكتاب فعدة وجوه:
أحدها: قوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة: ٣] مدحهم الله تعالى على الإنفاق مما رزقهم، فلو كان الحرام رزقا لوجب أن يستحقوا المدح إذا أنفقوا من الحرام، وهذا باطل بالاتفاق.
ثانيها: قالوا: لو كان الحرام رزقا لجاز أن ينفق الغاصب منه لقوله سبحانه: وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ [المنافقون: ١٠]، وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز للغاصب أن ينفق مما أخذه، بل يجب عليه-
183
به، حلالا كان أو حراما، ويُنْفِقُونَ: معناه هنا: يؤْتُونَ ما ألزمهُمُ الشرعُ من زكاةٍ، وما ندبهم إِلَيْهِ من غير ذلك.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤ الى ٧]
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧)
قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: اختلف المتأوِّلون من المراد بهذه الآية والتي قبلها، فقال قوم: الآيتان جميعاً في جميع المؤمنينَ، وقال آخرون: هما في مُؤْمِنِي أهْلِ الكتاب، وقال آخرون: الآية الأولى في مُؤْمِنِي العربِ، والثانيةُ في مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام «١» وفيه نزلت.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤ الى ٧]
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧)
قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: اختلف المتأوِّلون من المراد بهذه الآية والتي قبلها، فقال قوم: الآيتان جميعاً في جميع المؤمنينَ، وقال آخرون: هما في مُؤْمِنِي أهْلِ الكتاب، وقال آخرون: الآية الأولى في مُؤْمِنِي العربِ، والثانيةُ في مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام «١» وفيه نزلت.
- رده فدل ذلك على أن الحرام لا يكون رزقا.
ثالثها: استدلوا بقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ [يونس: ٥٩]. فبين سبحانه أن من حرم رزق الله فهو مفتر على الله فثبت أن الحرام لا يكون رزقا.
وأما السنة، فما رواه أبو الحسين البصري بإسناده عن صفوان بن أمية قال: كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ جاءه عمرو بن قرة، فقال له: يا رسول الله! إن الله كتب علي الشقوة، فلا أراني أرزق إلا من دفّي بكفي، فائذن لي في الغناء من غير فاحشة، فقال عليه السلام «لا إذن لك ولا كرامة ولا نعمة، كذبت، أي عدو الله: لقد رزقك الله رزقا طيبا فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله، أما إنك لو قلت بعد هذه المقدمة شيئا ضربتك ضربا وجيعا» وأما المعنى، فإن الله تعالى منع المكلف من الانتفاع بالحرام، وأمر غيره بمنعه من الانتفاع به، ومن منع من أخذ الشيء والانتفاع به لا يقال: إنه رزقه إياه ألا ترى أنه لا يقال: إن السلطان قد رزق جنده مالا قد منعهم من أخذه، وإنما يقال: إنه رزقهم ما مكنهم من أخذه ولا يمنعهم منه ولا أمر بمنعهم منه، أجاب أصحابنا عن التمسك بالآيات بأنه وإن كان الكل من الله، لكنه كما يقال: يا خالق المحدثات والعرش والكرسي، ولا يقال: يا خالق الكلاب والخنازير، وقال: عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ [الإنسان: ٦] فخص اسم العباد بالمتقين، وإن كان الكفار أيضا من العباد، وكذلك هاهنا خص اسم الرزق بالحلال على سبيل التشريف وإن كان الحرام رزقا أيضا، وأجابوا عن التمسك بالخبر بأنه حجة لنا لأن قوله عليه السلام: «فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه» صريح في أن الرزق قد يكون حراما. وأجابوا عن المعنى بأن هذه المسألة محض اللغة، وهو أن الحرام هل يسمى رزقا أم لا؟ ولا مجال للدلائل العقلية في الألفاظ. والله أعلم. ينظر:
«الفخر الرازي» (٢/ ٢٨، ٢٩).
(١) هو: عبد الله بن سلام بن الحارث.. من ذرية يوسف (عليه السلام). أبو يوسف، حليف النوافل من الخزرج «الإسرائيلي»، الأنصاري. -
ثالثها: استدلوا بقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ [يونس: ٥٩]. فبين سبحانه أن من حرم رزق الله فهو مفتر على الله فثبت أن الحرام لا يكون رزقا.
وأما السنة، فما رواه أبو الحسين البصري بإسناده عن صفوان بن أمية قال: كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ جاءه عمرو بن قرة، فقال له: يا رسول الله! إن الله كتب علي الشقوة، فلا أراني أرزق إلا من دفّي بكفي، فائذن لي في الغناء من غير فاحشة، فقال عليه السلام «لا إذن لك ولا كرامة ولا نعمة، كذبت، أي عدو الله: لقد رزقك الله رزقا طيبا فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله، أما إنك لو قلت بعد هذه المقدمة شيئا ضربتك ضربا وجيعا» وأما المعنى، فإن الله تعالى منع المكلف من الانتفاع بالحرام، وأمر غيره بمنعه من الانتفاع به، ومن منع من أخذ الشيء والانتفاع به لا يقال: إنه رزقه إياه ألا ترى أنه لا يقال: إن السلطان قد رزق جنده مالا قد منعهم من أخذه، وإنما يقال: إنه رزقهم ما مكنهم من أخذه ولا يمنعهم منه ولا أمر بمنعهم منه، أجاب أصحابنا عن التمسك بالآيات بأنه وإن كان الكل من الله، لكنه كما يقال: يا خالق المحدثات والعرش والكرسي، ولا يقال: يا خالق الكلاب والخنازير، وقال: عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ [الإنسان: ٦] فخص اسم العباد بالمتقين، وإن كان الكفار أيضا من العباد، وكذلك هاهنا خص اسم الرزق بالحلال على سبيل التشريف وإن كان الحرام رزقا أيضا، وأجابوا عن التمسك بالخبر بأنه حجة لنا لأن قوله عليه السلام: «فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه» صريح في أن الرزق قد يكون حراما. وأجابوا عن المعنى بأن هذه المسألة محض اللغة، وهو أن الحرام هل يسمى رزقا أم لا؟ ولا مجال للدلائل العقلية في الألفاظ. والله أعلم. ينظر:
«الفخر الرازي» (٢/ ٢٨، ٢٩).
(١) هو: عبد الله بن سلام بن الحارث.. من ذرية يوسف (عليه السلام). أبو يوسف، حليف النوافل من الخزرج «الإسرائيلي»، الأنصاري. -
184
وقوله: بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ: يعني القرآن، وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، يعني: الكتب السالفة، ويُوقِنُونَ معناه: يعلَمُونَ عِلْماً متمكِّناً في نفوسهم، واليقين أعلى درجات العلم.
وقوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ إِشارة إِلى المذكورين، والهدى هنا:
الإِرشاد، والفلاحُ: الظَّفَر بالبغية، وإدراك الأمل.
قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ... إلى عَظِيمٌ: اختلف فيمن نزلَتْ هذه الآية بعد الاتفاق على أنها غير عامَّة لوجود الكفار قد أسلموا بعدها، فقال قوم: هي فيمن سبق في علْمِ اللَّه، أنه لا يؤمِنُ، وقال ابن عَبَّاسٍ: نزَلَتْ في حُيَيٍّ بْنِ أَخْطَبَ، وأَبِي ياسِرِ بنِ أَخْطَبَ، وكعب بن الأَشْرَفِ «١»، ونظرائهم «٢».
والقولُ الأول هو المعتمد عليه.
وقوله: سَواءٌ عَلَيْهِمْ معناه: معتدلٌ عندهم، والإِنذار: إعلام بتخويف، هذا حدُّه، وقوله تعالى: خَتَمَ: مأخوذ من الخَتْم، وهو الطبعُ، والخاتَمُ: الطابَعُ قال في مختصر الطبريِّ: والصحيح أن هذا الطبع حقيقة «٣»
وقوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ إِشارة إِلى المذكورين، والهدى هنا:
الإِرشاد، والفلاحُ: الظَّفَر بالبغية، وإدراك الأمل.
قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ... إلى عَظِيمٌ: اختلف فيمن نزلَتْ هذه الآية بعد الاتفاق على أنها غير عامَّة لوجود الكفار قد أسلموا بعدها، فقال قوم: هي فيمن سبق في علْمِ اللَّه، أنه لا يؤمِنُ، وقال ابن عَبَّاسٍ: نزَلَتْ في حُيَيٍّ بْنِ أَخْطَبَ، وأَبِي ياسِرِ بنِ أَخْطَبَ، وكعب بن الأَشْرَفِ «١»، ونظرائهم «٢».
والقولُ الأول هو المعتمد عليه.
وقوله: سَواءٌ عَلَيْهِمْ معناه: معتدلٌ عندهم، والإِنذار: إعلام بتخويف، هذا حدُّه، وقوله تعالى: خَتَمَ: مأخوذ من الخَتْم، وهو الطبعُ، والخاتَمُ: الطابَعُ قال في مختصر الطبريِّ: والصحيح أن هذا الطبع حقيقة «٣»
- قال ابن الأثير في «الأسد» : كان إسلامه لما قدم النبي المدينة مهاجرا. روى عنه ابناه يوسف، ومحمد، وأنس بن مالك، وزرارة بن أوفى، وكان قد ذكر قبل ذلك أنه كان اسمه في الجاهلية «الحصين»، فسماه رسول الله حين أسلم عبد الله. توفي سنة (٤٣) هـ.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (٣/ ٢٦٤)، «الإصابة» (٤/ ٨٠)، «الثقات» (٣/ ٢٢٨)، «نقعة الصديان» (٢٤٥)، «عنوان النجابة» (١٢٤)، «شذرات الذهب» (١/ ٤٠)، «تقريب التهذيب» (١/ ٤٢٢)، «تهذيب التهذيب» (٥/ ٢٤٩).
(١) كعب بن الأشرف الطائي، من بني نبهان، شاعر جاهلي. كانت أمه من «بني النضير» فدان باليهودية.
وكان سيدا في أخواله. أدرك الإسلام ولم يسلم، وأكثر من هجوم النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه، وتحريض القبائل عليهم وإيذائهم، والتشبيب بنسائهم، وخرج إلى مكة بعد وقعة «بدر» فندب قتلى قريش فيها، وحض على الأخذ بثأرهم، وعاد إلى المدينة. وأمر النبي صلّى الله عليه وسلم بقتله، فانطلق إليه خمسة من الأنصار فقتلوه في ظاهر حصنه سنة (٣ هـ.) وحملوا رأسه في مخلاة إلى المدينة.
ينظر: «الروض الأنف» (٢/ ١٢٣)، «إمتاع الأسماع» (١/ ١٠٧)، «ابن الأثير» (٢/ ٥٣)، «الطبري» (٣/ ٢)، «الأعلام» (٥/ ٢٢٥).
(٢) الطبري (١/ ١٤١) برقم (٢٩٥) وذكره السمرقندي (١/ ٩١- ٩٢)، وابن عطية الأندلسي (١/ ٨٧)، والماوردي (١/ ٧٢)، والقرطبي (١/ ١٦٠)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٦٥)، وعزاه لابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم. وذكره ابن كثير (١/ ٤٥).
(٣) قال ابن فارس في «فقه اللغة» : الحقيقة من قولنا: حقّ الشيء إذا وجب. واشتقاقه من الشيء المحقق، -
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (٣/ ٢٦٤)، «الإصابة» (٤/ ٨٠)، «الثقات» (٣/ ٢٢٨)، «نقعة الصديان» (٢٤٥)، «عنوان النجابة» (١٢٤)، «شذرات الذهب» (١/ ٤٠)، «تقريب التهذيب» (١/ ٤٢٢)، «تهذيب التهذيب» (٥/ ٢٤٩).
(١) كعب بن الأشرف الطائي، من بني نبهان، شاعر جاهلي. كانت أمه من «بني النضير» فدان باليهودية.
وكان سيدا في أخواله. أدرك الإسلام ولم يسلم، وأكثر من هجوم النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه، وتحريض القبائل عليهم وإيذائهم، والتشبيب بنسائهم، وخرج إلى مكة بعد وقعة «بدر» فندب قتلى قريش فيها، وحض على الأخذ بثأرهم، وعاد إلى المدينة. وأمر النبي صلّى الله عليه وسلم بقتله، فانطلق إليه خمسة من الأنصار فقتلوه في ظاهر حصنه سنة (٣ هـ.) وحملوا رأسه في مخلاة إلى المدينة.
ينظر: «الروض الأنف» (٢/ ١٢٣)، «إمتاع الأسماع» (١/ ١٠٧)، «ابن الأثير» (٢/ ٥٣)، «الطبري» (٣/ ٢)، «الأعلام» (٥/ ٢٢٥).
(٢) الطبري (١/ ١٤١) برقم (٢٩٥) وذكره السمرقندي (١/ ٩١- ٩٢)، وابن عطية الأندلسي (١/ ٨٧)، والماوردي (١/ ٧٢)، والقرطبي (١/ ١٦٠)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٦٥)، وعزاه لابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم. وذكره ابن كثير (١/ ٤٥).
(٣) قال ابن فارس في «فقه اللغة» : الحقيقة من قولنا: حقّ الشيء إذا وجب. واشتقاقه من الشيء المحقق، -
185
لا أنه مجاز «١» فقد جاء عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلم: «إنَّ العَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْباً، نُكِتَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ، وَنَزَعَ واستغفر، صُقِلَ «٢» قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ، زَادَتْ حتى تَغَلَّقَ قلبه، فذلك
وهو المحكم يقال: ثوب محقّق النّسج: أي محكمه. فالحقيقة: الكلام الموضوع موضعه الذي ليس باستعارة، ولا تمثيل، ولا تقديم فيه، ولا تأخير كقول القائل: أحمد الله على نعمه وإحسانه. وهذا أكثر الكلام، وأكثر آي القرآن وشعر العرب على هذا.
وينظر: «البحر المحيط» للزركشي (٢/ ١٥٢)، «سلاسل الذهب» له ص (١٨٢)، «التمهيد» للأسنوي ص (١٨٥)، «نهاية السول» له (٢/ ١٤٥)، «منهاج العقول» للبدخشي (١/ ٣٢٧)، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري» (ص ٤٦).
(١) المجاز مأخوذ من جاز يجوز إذا استنّ ماضيا، تقول: جاز بنا فلان، وجاز علينا فارس هذا هو الأصل.
ثم تقول: يجوز أن تفعل كذا: أي ينفذ ولا يرد ولا يمنع. وتقول: عندنا دراهم وضح وازنة، وأخرى تجوز جواز الوازنة: أي: إن هذه وإن لم تكن وازنة فهي تجوز مجازها وجوازها لقربها منها.
فهذا تأويل قولنا: «مجاز» يعني: أن الكلام الحقيقي يمضي لسننه لا يعترض عليه، وقد يكون غيره يجوز جوازه لقربه منه، إلا أن فيه من تشبيه واستعارة وكفّ ما ليس في الأوّل وذلك كقولنا: عطاء فلان مزن واكف. فهذا تشبيه، وقد جاز مجاز قوله: عطاؤه كثير واف. ومن هذا قوله تعالى: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [القلم: ١٦]. فهذا استعارة.
وقال ابن جني في «الخصائص» : الحقيقية ما أقرّ في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة، والمجاز: ما كان بضد ذلك، وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة: وهي الاتساع، والتوكيد، والتشبيه، فإن عدمت الثلاثة تعيّنت الحقيقة فمن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلم في الفرس: «هو بحر»، فالمعاني الثلاثة موجودة فيه.
ينظر: «البحر المحيط» للزركشي (٢/ ١٥٨)، «سلاسل الذهب» له ص (١٩٠)، «التمهيد» للأسنوي ص (١٨٥)، «نهاية السول» له (٢/ ١٤٥)، «منهاج العقول» للبدخشي (١/ ٣٥٤)، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري ص (٤٧)، «التحصيل من المحصول» للأرموي، (١/ ٢٢١)، «المستصفى» للغزالي (١/ ٣٤١)، «حاشية البناني» (١/ ٣٠٤)، «الإبهاج» لابن السبكي (١/ ٢٧٣)، «الآيات البينات» لابن قاسم العبادي (٢/ ١٥٢)، «تخريج الفروع على الأصول» للزنجاني ص (٣٨٧)، «حاشية العطار على جمع الجوامع» (١/ ٣٩٩)، «المعتمد» لأبي الحسين (١/ ١٤، ٢/ ٤٠٥)، «الإحكام في أصول الأحكام» (٤/ ٤٣٧)، «التحرير» لابن الهمام ص (١٦٠)، «تيسير التحرير لأمير بادشاه» (١/ ٧٣، ٢/ ٣)، «كشف الأسرار» للنسفي (١/ ٢٢٦)، «حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى» (١/ ١٣٨)، «شرح التلويح على التوضيح» لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (١/ ٧٢)، «حاشية نسمات الأسحار» لابن عابدين ص (٩٨)، «شرح مختصر المنار» للكوراني ص (٥٩)، «الوجيز» للكراماستي ص (٨)، «ميزان الأصول» للسمرقندي (١/ ٥٢٧)، «تقريب الوصول» لابن جزي ص (٧٣)، «إرشاد الفحول» للشوكاني ص (٢٢)، «نشر البنود» للشنقيطي (١/ ١٢٤)، «الكوكب المنير» للفتوحي ص (٣٩- ٥٦)، «التقرير والتحبير» لابن أمير الحاج (٢/ ٢).
(٢) الصّقل: الجلاء. ينظر: «لسان العرب» (٢٤٧٣).
وينظر: «البحر المحيط» للزركشي (٢/ ١٥٢)، «سلاسل الذهب» له ص (١٨٢)، «التمهيد» للأسنوي ص (١٨٥)، «نهاية السول» له (٢/ ١٤٥)، «منهاج العقول» للبدخشي (١/ ٣٢٧)، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري» (ص ٤٦).
(١) المجاز مأخوذ من جاز يجوز إذا استنّ ماضيا، تقول: جاز بنا فلان، وجاز علينا فارس هذا هو الأصل.
ثم تقول: يجوز أن تفعل كذا: أي ينفذ ولا يرد ولا يمنع. وتقول: عندنا دراهم وضح وازنة، وأخرى تجوز جواز الوازنة: أي: إن هذه وإن لم تكن وازنة فهي تجوز مجازها وجوازها لقربها منها.
فهذا تأويل قولنا: «مجاز» يعني: أن الكلام الحقيقي يمضي لسننه لا يعترض عليه، وقد يكون غيره يجوز جوازه لقربه منه، إلا أن فيه من تشبيه واستعارة وكفّ ما ليس في الأوّل وذلك كقولنا: عطاء فلان مزن واكف. فهذا تشبيه، وقد جاز مجاز قوله: عطاؤه كثير واف. ومن هذا قوله تعالى: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [القلم: ١٦]. فهذا استعارة.
وقال ابن جني في «الخصائص» : الحقيقية ما أقرّ في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة، والمجاز: ما كان بضد ذلك، وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة: وهي الاتساع، والتوكيد، والتشبيه، فإن عدمت الثلاثة تعيّنت الحقيقة فمن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلم في الفرس: «هو بحر»، فالمعاني الثلاثة موجودة فيه.
ينظر: «البحر المحيط» للزركشي (٢/ ١٥٨)، «سلاسل الذهب» له ص (١٩٠)، «التمهيد» للأسنوي ص (١٨٥)، «نهاية السول» له (٢/ ١٤٥)، «منهاج العقول» للبدخشي (١/ ٣٥٤)، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري ص (٤٧)، «التحصيل من المحصول» للأرموي، (١/ ٢٢١)، «المستصفى» للغزالي (١/ ٣٤١)، «حاشية البناني» (١/ ٣٠٤)، «الإبهاج» لابن السبكي (١/ ٢٧٣)، «الآيات البينات» لابن قاسم العبادي (٢/ ١٥٢)، «تخريج الفروع على الأصول» للزنجاني ص (٣٨٧)، «حاشية العطار على جمع الجوامع» (١/ ٣٩٩)، «المعتمد» لأبي الحسين (١/ ١٤، ٢/ ٤٠٥)، «الإحكام في أصول الأحكام» (٤/ ٤٣٧)، «التحرير» لابن الهمام ص (١٦٠)، «تيسير التحرير لأمير بادشاه» (١/ ٧٣، ٢/ ٣)، «كشف الأسرار» للنسفي (١/ ٢٢٦)، «حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى» (١/ ١٣٨)، «شرح التلويح على التوضيح» لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (١/ ٧٢)، «حاشية نسمات الأسحار» لابن عابدين ص (٩٨)، «شرح مختصر المنار» للكوراني ص (٥٩)، «الوجيز» للكراماستي ص (٨)، «ميزان الأصول» للسمرقندي (١/ ٥٢٧)، «تقريب الوصول» لابن جزي ص (٧٣)، «إرشاد الفحول» للشوكاني ص (٢٢)، «نشر البنود» للشنقيطي (١/ ١٢٤)، «الكوكب المنير» للفتوحي ص (٣٩- ٥٦)، «التقرير والتحبير» لابن أمير الحاج (٢/ ٢).
(٢) الصّقل: الجلاء. ينظر: «لسان العرب» (٢٤٧٣).
186
الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تعالى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَّا كانُوا يَكْسِبُونَ» «١» [المطففين: ١٤] » انتهى.
والغِشَاوَةُ: الغطاء المغشي الساتر، وقوله تعالى: وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ: معناه:
لِمخالفتِكَ يا محمَّد، وكفرهم بالله، وعَظِيمٌ: معناه بالإضافة إلى عذاب دونه.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨ الى ١٢]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢)
قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ... إِلَى وَما يَشْعُرُونَ: هذه الآية نزلت في المنافقين، وسَمَّى اللَّهُ تعالى يوم القيامة اليَوْمَ الآخِرَ لأنه لا ليل بعده، ولا يقالُ يوم إِلا لما تقدَّمه ليل، واختلف المتأوِّلون في قوله: يُخادِعُونَ اللَّهَ، فقال الحسن بن أبي الحسن: المعنى يُخَادِعُون رسول اللَّه «٢»، فأضافَ الأمرَ إلى اللَّه تجوُّزاً لتعلُّق رسوله به، ومخادعتُهم هي تحيُّلهم في أن يُفْشِيَ رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمؤمنون إليهم أسرارهم.
ع «٣» : تقول: خادَعْتُ الرجُلَ بمعنى: أعملْتُ التحيُّل عليه، فَخَدَعْتُهُ، بمعنى:
تمَّت عليه الحيلة، ونفذ فيه المرادُ، وقال جماعةٌ: بل يخادعون اللَّهَ والمؤمنين بإِظهارهم من الإِيمان خلافَ ما أبطنوا من الكفر، وإِنما خدعوا أنفسهم لحصولهم في العذاب، وَما يَشْعُرُونَ بذلك، معناه: وما يعلمون علْمَ تفطُّن وتَهَدٍّ، وهي لفظة مأخوذة من
والغِشَاوَةُ: الغطاء المغشي الساتر، وقوله تعالى: وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ: معناه:
لِمخالفتِكَ يا محمَّد، وكفرهم بالله، وعَظِيمٌ: معناه بالإضافة إلى عذاب دونه.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨ الى ١٢]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢)
قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ... إِلَى وَما يَشْعُرُونَ: هذه الآية نزلت في المنافقين، وسَمَّى اللَّهُ تعالى يوم القيامة اليَوْمَ الآخِرَ لأنه لا ليل بعده، ولا يقالُ يوم إِلا لما تقدَّمه ليل، واختلف المتأوِّلون في قوله: يُخادِعُونَ اللَّهَ، فقال الحسن بن أبي الحسن: المعنى يُخَادِعُون رسول اللَّه «٢»، فأضافَ الأمرَ إلى اللَّه تجوُّزاً لتعلُّق رسوله به، ومخادعتُهم هي تحيُّلهم في أن يُفْشِيَ رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمؤمنون إليهم أسرارهم.
ع «٣» : تقول: خادَعْتُ الرجُلَ بمعنى: أعملْتُ التحيُّل عليه، فَخَدَعْتُهُ، بمعنى:
تمَّت عليه الحيلة، ونفذ فيه المرادُ، وقال جماعةٌ: بل يخادعون اللَّهَ والمؤمنين بإِظهارهم من الإِيمان خلافَ ما أبطنوا من الكفر، وإِنما خدعوا أنفسهم لحصولهم في العذاب، وَما يَشْعُرُونَ بذلك، معناه: وما يعلمون علْمَ تفطُّن وتَهَدٍّ، وهي لفظة مأخوذة من
(١) أخرجه أحمد (٢/ ٢٩٧)، والترمذي (٥/ ٤٣٤)، كتاب «تفسير القرآن»، باب ومن سورة ويل للمطففين، حديث (٣٣٣٤)، والنسائي في «التفسير» (٢/ ٥٠٥)، رقم (٦٧٨)، وفي «الكبرى» (٦/ ١١٠)، كتاب «عمل اليوم والليلة»، باب ما يفعل من بلي بذنب وما يقول، حديث (١٠٢٥١)، وابن ماجه (٢/ ١٤١٨)، كتاب «الزهد» باب ذكر الذنوب، حديث (٤٢٤٤)، والطبري في «تفسيره» (٣٠/ ٦٢)، والحاكم (٢/ ٥١٧)، وابن حبان (٣/ ٢١٠)، رقم (٩٣٠)، و (١٧٧١- موارد)، كلهم من طريق محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال الترمذي: حديث حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وقال الحاكمُ: صحيحٌ على شرطِ مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وصححه ابن حبان.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٥٣٩) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٢) ذكره ابن عطية (١/ ٩٠)، والقرطبي (١/ ١٧٠). [.....]
(٣) «المحرر الوجيز» (١/ ٩٠).
وقال الترمذي: حديث حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وقال الحاكمُ: صحيحٌ على شرطِ مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وصححه ابن حبان.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٥٣٩) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٢) ذكره ابن عطية (١/ ٩٠)، والقرطبي (١/ ١٧٠). [.....]
(٣) «المحرر الوجيز» (١/ ٩٠).
187
الشِّعَار كأن الشيء المتفطَّن له شعار للنَّفْس، وقولهم: لَيْتَ شِعْرِي: معناه: ليت فطنتي تُدْرِكُ.
واختلف، ما الذي نَفَى/ اللَّه عنهم أنْ يشعروا له؟ فقالت طائفة: وما يَشْعُرُونَ أنَّ ضرَرَ تلْكَ المخادَعَةِ راجعٌ عليهم لخلودهم في النَّار، وقال آخرون: وما يَشْعُرُونَ أنَّ اللَّه يكشف لك سرّهم ومخادعتهم في قولهم: آمَنَّا.
قوله تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، أي: في عقائدهم فسادٌ «١»، وهم المنافقون، وذلك إما أن يكون شكًّا، وإما جحدًا بسبب حسدهم مع علمهم بصحَّة ما يجحدون، وقال قوم: المَرَضُ غمّهم بظهوره صلّى الله عليه وسلم، فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً، قيل: هو دعاءٌ عليهم، وقيل:
هو خبر أنَّ اللَّه قد فعل بهم ذلك، وهذه الزيادة هي بما ينزل من الوحْيِ، ويظهر من البراهين.
ت: لما تكلَّم ع: على تفسير قوله تعالى: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ [الفتح: ٦]. قال «٢» : كُلُّ ما كان بلفظ دعاء من جهة اللَّه عزَّ وجلَّ، فَإنَّما هو بمعنى إيجاب الشيء لأَنَّ اللَّه تعالى لا يدعو على مخلوقاته، وهي في قبضته، ومن هذا: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ [الهمزة: ١]، وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين: ١]، وهي كلها أحكام تامَّة تضمنها خبره تعالى: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، أي: مؤلم، وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ أي:
بالكفر وموالاةِ الكفرةِ ولقول المنافقين: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ ثلاثُ تأويلاتٍ:
أحدها: جحد أنهم يفسدون، وهذا استمرار منهم على النِّفاق.
والثاني: أنّ يقروا بموالاة الكُفَّار ويدَّعون أنها صلاحٌ من حيث هم قرابةٌ توصل.
والثالث: أنهم يصلحون بين الكفار والمؤمنين.
واختلف، ما الذي نَفَى/ اللَّه عنهم أنْ يشعروا له؟ فقالت طائفة: وما يَشْعُرُونَ أنَّ ضرَرَ تلْكَ المخادَعَةِ راجعٌ عليهم لخلودهم في النَّار، وقال آخرون: وما يَشْعُرُونَ أنَّ اللَّه يكشف لك سرّهم ومخادعتهم في قولهم: آمَنَّا.
قوله تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، أي: في عقائدهم فسادٌ «١»، وهم المنافقون، وذلك إما أن يكون شكًّا، وإما جحدًا بسبب حسدهم مع علمهم بصحَّة ما يجحدون، وقال قوم: المَرَضُ غمّهم بظهوره صلّى الله عليه وسلم، فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً، قيل: هو دعاءٌ عليهم، وقيل:
هو خبر أنَّ اللَّه قد فعل بهم ذلك، وهذه الزيادة هي بما ينزل من الوحْيِ، ويظهر من البراهين.
ت: لما تكلَّم ع: على تفسير قوله تعالى: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ [الفتح: ٦]. قال «٢» : كُلُّ ما كان بلفظ دعاء من جهة اللَّه عزَّ وجلَّ، فَإنَّما هو بمعنى إيجاب الشيء لأَنَّ اللَّه تعالى لا يدعو على مخلوقاته، وهي في قبضته، ومن هذا: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ [الهمزة: ١]، وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين: ١]، وهي كلها أحكام تامَّة تضمنها خبره تعالى: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، أي: مؤلم، وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ أي:
بالكفر وموالاةِ الكفرةِ ولقول المنافقين: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ ثلاثُ تأويلاتٍ:
أحدها: جحد أنهم يفسدون، وهذا استمرار منهم على النِّفاق.
والثاني: أنّ يقروا بموالاة الكُفَّار ويدَّعون أنها صلاحٌ من حيث هم قرابةٌ توصل.
والثالث: أنهم يصلحون بين الكفار والمؤمنين.
(١) وفي تفسير «المرض» قال ابن عباس، وابن مسعود، والحسن، وقتادة، وجميع المفسرين: أي شك ونفاق. وقال الزجاج: المرض في القلب: كل ما خرج به الإنسان من الصحة في الدين.
ينظر: «الوسيط» (١/ ٨٧)، «صحيفة ابن أبي طلحة» (ص ٧٨)، و «معاني الزجاج» (١/ ٨٦)، ونسبه إلى أبي عبيدة، و «غريب القرآن» (ص ٤١)، و «الدر المنثور» (١/ ٣٠) عن ابن عباس، وقتادة، وابن زيد، والربيع، وينظر: «مجاز القرآن» (١/ ٣٢)، و «الزاهر» (١/ ٥٨٦).
(٢) «المحرر الوجيز» (٣/ ٧٣).
ينظر: «الوسيط» (١/ ٨٧)، «صحيفة ابن أبي طلحة» (ص ٧٨)، و «معاني الزجاج» (١/ ٨٦)، ونسبه إلى أبي عبيدة، و «غريب القرآن» (ص ٤١)، و «الدر المنثور» (١/ ٣٠) عن ابن عباس، وقتادة، وابن زيد، والربيع، وينظر: «مجاز القرآن» (١/ ٣٢)، و «الزاهر» (١/ ٥٨٦).
(٢) «المحرر الوجيز» (٣/ ٧٣).
188
و «أَلاَ» : استفتاحُ كلامٍ، و «لكن» : حرف استدراك، ويحتمل أن يراد هنا: لا يَشْعُرُونَ أنهم مفسدون، ويحتمل أن يراد: لا يشعرون أن الله يفضحهم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣ الى ١٦]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)
قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ... الآية: المعنى: صدِّقوا بمحمَّد وشرعه كما صدَّقَ المهاجرون والمحقِّقون من أهل يثرب، قالوا: أنكون كالذين خَفَّت عقولهم، والسفه: الخفَّة والرقَّة الداعيةُ إِلى الخفة، يقال: ثوب سَفِيهٌ، إِذا كان رقيقًا هَلْهَلَ النَّسْجِ، وهذا القول إِنما كانوا يقولونه في خفاء، فَأَطْلَعَ اللَّه عليه نبيَّه عليه السلام، والمؤمنين، وقرر أن السفه ورقَّة الحلوم وفساد البصائرِ إِنما هو في حيِّزهم وصفةٌ لهم، وأخبر أنهم لا يعلمون أنهم السفهاء لِلرَّيْنِ الَّذي على قلوبهم.
وقوله تعالى: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا... الآية: هذه كانت حالَ المنافقين: إِظهارُ الإيمان للمؤمنين، وإِظهار الكفر في خلواتهم، وكان رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم يعرض عنهم، ويَدَعُهُمْ في غمرة الاشتباه مخافة أن يتحدَّثَ الناسُ عنه أنه يقتُلُ أصحابه حَسْبَمَا وقع في قِصَّة عبد اللَّه بن أُبَيٍّ ابْنِ سَلُول «١»، قال مَالِكٌ: النِّفَاقُ في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو الزندقةُ اليَوْمَ، واختلف المفسِّرون في المراد بشياطينهم، فقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: هم رؤساء الكفر «٢»، وقيل: الكُهَّان، قال البخاريُّ: قال مجاهدٌ: إِلى شَياطِينِهِمْ، أي:
أصحابهم من المنافقين والمشركين «٣».
قال ص «٤» : شياطينهم: جمع شيطانٍ، وهو كل متمرّد من الجنّ والإنس
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣ الى ١٦]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)
قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ... الآية: المعنى: صدِّقوا بمحمَّد وشرعه كما صدَّقَ المهاجرون والمحقِّقون من أهل يثرب، قالوا: أنكون كالذين خَفَّت عقولهم، والسفه: الخفَّة والرقَّة الداعيةُ إِلى الخفة، يقال: ثوب سَفِيهٌ، إِذا كان رقيقًا هَلْهَلَ النَّسْجِ، وهذا القول إِنما كانوا يقولونه في خفاء، فَأَطْلَعَ اللَّه عليه نبيَّه عليه السلام، والمؤمنين، وقرر أن السفه ورقَّة الحلوم وفساد البصائرِ إِنما هو في حيِّزهم وصفةٌ لهم، وأخبر أنهم لا يعلمون أنهم السفهاء لِلرَّيْنِ الَّذي على قلوبهم.
وقوله تعالى: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا... الآية: هذه كانت حالَ المنافقين: إِظهارُ الإيمان للمؤمنين، وإِظهار الكفر في خلواتهم، وكان رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم يعرض عنهم، ويَدَعُهُمْ في غمرة الاشتباه مخافة أن يتحدَّثَ الناسُ عنه أنه يقتُلُ أصحابه حَسْبَمَا وقع في قِصَّة عبد اللَّه بن أُبَيٍّ ابْنِ سَلُول «١»، قال مَالِكٌ: النِّفَاقُ في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو الزندقةُ اليَوْمَ، واختلف المفسِّرون في المراد بشياطينهم، فقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: هم رؤساء الكفر «٢»، وقيل: الكُهَّان، قال البخاريُّ: قال مجاهدٌ: إِلى شَياطِينِهِمْ، أي:
أصحابهم من المنافقين والمشركين «٣».
قال ص «٤» : شياطينهم: جمع شيطانٍ، وهو كل متمرّد من الجنّ والإنس
(١) عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد الخزرجي، أبو الحباب، المشهور ب «ابن سلول»، وسلول جدته لأبيه، من «خزاعة»، رأس المنافقين في الإسلام، من أهل المدينة. كان سيد الخزرج في آخر جاهليتهم. كان كلما نزلت بالمسلمين نازلة شمت بهم، وكلما سمع بسيئة نشرها. لما مات تقدّم النبي صلّى الله عليه وسلم فصلّى عليه ولم يكن ذلك من رأي «عمر» فنزلت: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً [التوبة: ٨٤]. ينظر: «الأعلام» (٤/ ٦٥)، «طبقات ابن سعد» (٣/ ٩٠)، «جمهرة الأنساب» (٣٣٥).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ١٦٣) برقم (٣٤٩)، وذكره القرطبي (١/ ١٧٩).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ١٦٤) برقم (٣٥٥)، وذكره البغوي في «التفسير» (١/ ٥١)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٧٠)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وذكره ابن كثير (١/ ٥١).
(٤) «المجيد في إعراب القرآن المجيد» (ص ١١٨).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ١٦٣) برقم (٣٤٩)، وذكره القرطبي (١/ ١٧٩).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ١٦٤) برقم (٣٥٥)، وذكره البغوي في «التفسير» (١/ ٥١)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٧٠)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وذكره ابن كثير (١/ ٥١).
(٤) «المجيد في إعراب القرآن المجيد» (ص ١١٨).
189
والدوابِّ. قاله ابن عبَّاس، وأنثاه شيطانة. انتهى.
ت: ويجب على المؤمن أن يجتنب هذه الأخلاق الذميمة، وقد ثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ».
رواه أبو داود «١»، وفيه عنه صلّى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا، كَانَ له يوم القيامة لسانان ١١ أمن نَارٍ». انتهى. / من سنن أبي داود «٢».
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ: اختلف المفسِّرون في هذا الاستهزاء، فقال جمهور العلماء:
هي تسمية العُقُوبة باسم الذَّنْب، والعربُ تستعمل ذلك كثيرًا، وقال قوم: إن اللَّه سبحانه يفعل بهم أفعالاً هي في تأمل البَشَر هُزْءٌ روي أنَّ النَّارَ تجمد كما تَجْمُدُ الإِهالة «٣»، فيمشون عليها، ويظنون أنها منجاة، فتخسف بهم، وما روي أن أبواب النَّار تفتح لهم، فيذهبون إِلى الخروج، نحا هذا المنحى ابنُ عَبَّاس والحسن.
ت: وقوله تعالى: قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً [الحديد: ١٣] يقوِّي هذا المنحى، وهكذا نص عليه في اختصار الطبريِّ. انتهى.
وقيل: استهزاؤه بهم هو استدراجهم بدرور النعم الدنيوية، ويَمُدُّهُمْ، أي:
يزيدهم في الطغيان، وقال مجاهد: معناه: يملي لهم «٤»، والطغيان الغلوّ وتعدّي الحدّ
ت: ويجب على المؤمن أن يجتنب هذه الأخلاق الذميمة، وقد ثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ».
رواه أبو داود «١»، وفيه عنه صلّى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا، كَانَ له يوم القيامة لسانان ١١ أمن نَارٍ». انتهى. / من سنن أبي داود «٢».
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ: اختلف المفسِّرون في هذا الاستهزاء، فقال جمهور العلماء:
هي تسمية العُقُوبة باسم الذَّنْب، والعربُ تستعمل ذلك كثيرًا، وقال قوم: إن اللَّه سبحانه يفعل بهم أفعالاً هي في تأمل البَشَر هُزْءٌ روي أنَّ النَّارَ تجمد كما تَجْمُدُ الإِهالة «٣»، فيمشون عليها، ويظنون أنها منجاة، فتخسف بهم، وما روي أن أبواب النَّار تفتح لهم، فيذهبون إِلى الخروج، نحا هذا المنحى ابنُ عَبَّاس والحسن.
ت: وقوله تعالى: قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً [الحديد: ١٣] يقوِّي هذا المنحى، وهكذا نص عليه في اختصار الطبريِّ. انتهى.
وقيل: استهزاؤه بهم هو استدراجهم بدرور النعم الدنيوية، ويَمُدُّهُمْ، أي:
يزيدهم في الطغيان، وقال مجاهد: معناه: يملي لهم «٤»، والطغيان الغلوّ وتعدّي الحدّ
(١) أخرجه أبو داود (٢/ ٦٨٤)، كتاب «الأدب»، باب في ذي الوجهين، حديث (٤٨٧٢)، من طريق أبي الزِّنَادِ، عن الأعرج، عن أبي هريرة، مرفوعا بهذا اللفظ، وأخرجه البخاري (١٠/ ٤٨٩)، كتاب «الأدب»، باب ما قيل في ذي الوجهين، حديث (٦٠٥٨)، ومسلم (٤/ ١٩٥٨)، كتاب «فضائل الصحابة»، باب خيار الناس، حديث (١٩٩/ ٢٥٢٦)، بلفظ: «تجدون من شر الناس... »
الحديث.
(٢) أخرجه أبو داود (٢/ ٦٨٤- ٦٨٥)، كتاب «الأدب»، باب في ذي الوجهين، حديث (٤٨٧٣)، والدارمي (٢/ ٣١٤)، كتاب «الرقاق»، باب ما قيل في ذي الوجهين، والبخاري في «الأدب المفرد» (١٨٨)، وابن حبان (١٩٧٩- موارد)، والطيالسي (٢/ ٥٩- منحة)، رقم (٦١٧٥)، وابن أبي شيبة (٨/ ٥٥٨) رقم (٥٥١٥)، والبغوي في «شرح السنة» (٦/ ٥٢٣- بتحقيقنا)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٤/ ٢٢٩)، رقم (٤٨٨١)، كلهم من طريق شريك بن عبد الله، عن الركين، عن نعيم بن حنظلة، عن عمار بن ياسر مرفوعا، وصححه ابن حبان.
وقال العراقي في «تخريج الإحياء» (٣/ ١٣٧) : وسنده حسن.
(٣) الإهالة: الدّهن. ينظر: «عمدة الحفاظ» (١/ ١٥٣).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ١٦٨) برقم (٣٦٤) عن ابن مسعود وناس من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم. وبرقم (٣٦٥) عن مجاهد، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٧٠) عن ابن مسعود.
الحديث.
(٢) أخرجه أبو داود (٢/ ٦٨٤- ٦٨٥)، كتاب «الأدب»، باب في ذي الوجهين، حديث (٤٨٧٣)، والدارمي (٢/ ٣١٤)، كتاب «الرقاق»، باب ما قيل في ذي الوجهين، والبخاري في «الأدب المفرد» (١٨٨)، وابن حبان (١٩٧٩- موارد)، والطيالسي (٢/ ٥٩- منحة)، رقم (٦١٧٥)، وابن أبي شيبة (٨/ ٥٥٨) رقم (٥٥١٥)، والبغوي في «شرح السنة» (٦/ ٥٢٣- بتحقيقنا)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٤/ ٢٢٩)، رقم (٤٨٨١)، كلهم من طريق شريك بن عبد الله، عن الركين، عن نعيم بن حنظلة، عن عمار بن ياسر مرفوعا، وصححه ابن حبان.
وقال العراقي في «تخريج الإحياء» (٣/ ١٣٧) : وسنده حسن.
(٣) الإهالة: الدّهن. ينظر: «عمدة الحفاظ» (١/ ١٥٣).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ١٦٨) برقم (٣٦٤) عن ابن مسعود وناس من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم. وبرقم (٣٦٥) عن مجاهد، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٧٠) عن ابن مسعود.
190
كما يقال: طغى الماء، وطغت النّار ويَعْمَهُونَ: معناه: يتردَّدون حيرةً، والعَمَهُ الحَيْرَةُ من جهة النّظر، والعامة الذي كأنه لا يبصر.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧ الى ٢٠]
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)
قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً... إلى قوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ: قال الفَخْر «١» : اعلم أن المقصود من ضرب المِثَالِ أنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفْسِهِ لأن الغرض من المَثَل تشبيه الخَفِيِّ بِالجَلِيِّ، والغائب بالشاهدِ، فيتأكَّد الوقوفُ على ماهيته، ويصير الحس مطابقاً للعقل وذلك هو النهاية في الإِيضاح ألا ترى أنَّ الترغيب والترهيب إِذا وقع مجرَّداً عن ضرب مَثَلٍ، لم يتأكَّد وقوعه في القلب كتأكُّده مع ضرب المثل، ولهذا أكثر اللَّه تعالى في كتابه المبين، وفي سائر كتبه الأمثالَ، قال تعالى: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: ٢١] انتهى.
والمَثَل والمِثْل والمَثِيلُ واحدٌ، معناه: الشبيه، قاله أهل اللغة.
واسْتَوْقَدَ: قيل: معناه أوقد.
واختلف المتأولون في فعل المنافقين الذي يشبه فعل الذي استوقد ناراً فقالت فرقةٌ:
هي فيمن كان آمن، ثم كفر بالنفاقِ، فإِيمانه بمنزلة النار أضاءت، وكفره بعد بمنزلة انطفائها، وذهابِ النور، وقالت فرقةٌ، منهم قتادة: نطقهم ب «لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» والقُرْآنِ كإِضاءة النار، واعتقادهم الكفر بقلوبهم كانطفائها «٢»، قال جمهورُ النحاة: جواب «لَمَّا» :
«ذَهَبَ» ويعود الضمير من نورهم على «الذي»، وعلى هذا القولِ يتمُّ تمثيل المنافق بالمستوقِدِ لأنَّ بقاء المستوقِدِ في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق على الخلاف المتقدِّم.
وقال قومٌ «٣» : جوابُ «لَمَّا» مضمرٌ، وهو «طُفِئَتْ»، فالضمير في «نُورِهِمْ» على هذا
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧ الى ٢٠]
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)
قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً... إلى قوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ: قال الفَخْر «١» : اعلم أن المقصود من ضرب المِثَالِ أنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفْسِهِ لأن الغرض من المَثَل تشبيه الخَفِيِّ بِالجَلِيِّ، والغائب بالشاهدِ، فيتأكَّد الوقوفُ على ماهيته، ويصير الحس مطابقاً للعقل وذلك هو النهاية في الإِيضاح ألا ترى أنَّ الترغيب والترهيب إِذا وقع مجرَّداً عن ضرب مَثَلٍ، لم يتأكَّد وقوعه في القلب كتأكُّده مع ضرب المثل، ولهذا أكثر اللَّه تعالى في كتابه المبين، وفي سائر كتبه الأمثالَ، قال تعالى: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: ٢١] انتهى.
والمَثَل والمِثْل والمَثِيلُ واحدٌ، معناه: الشبيه، قاله أهل اللغة.
واسْتَوْقَدَ: قيل: معناه أوقد.
واختلف المتأولون في فعل المنافقين الذي يشبه فعل الذي استوقد ناراً فقالت فرقةٌ:
هي فيمن كان آمن، ثم كفر بالنفاقِ، فإِيمانه بمنزلة النار أضاءت، وكفره بعد بمنزلة انطفائها، وذهابِ النور، وقالت فرقةٌ، منهم قتادة: نطقهم ب «لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» والقُرْآنِ كإِضاءة النار، واعتقادهم الكفر بقلوبهم كانطفائها «٢»، قال جمهورُ النحاة: جواب «لَمَّا» :
«ذَهَبَ» ويعود الضمير من نورهم على «الذي»، وعلى هذا القولِ يتمُّ تمثيل المنافق بالمستوقِدِ لأنَّ بقاء المستوقِدِ في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق على الخلاف المتقدِّم.
وقال قومٌ «٣» : جوابُ «لَمَّا» مضمرٌ، وهو «طُفِئَتْ»، فالضمير في «نُورِهِمْ» على هذا
(١) «مفاتيح الغيب» (٢/ ٦٦).
(٢) ذكره ابن عطية (١/ ١٠٠).
(٣) ومن هؤلاء أبو القاسم الزمخشري، فقد قال عن جواب «لما». «محذوف... كأن قيل: فلما أضاءت ما حوله خمدت فبقوا خابطين في ظلام، متحيرين متحسرين على فوت الضوء، خائبين بعد الكدح في-[.....]
(٢) ذكره ابن عطية (١/ ١٠٠).
(٣) ومن هؤلاء أبو القاسم الزمخشري، فقد قال عن جواب «لما». «محذوف... كأن قيل: فلما أضاءت ما حوله خمدت فبقوا خابطين في ظلام، متحيرين متحسرين على فوت الضوء، خائبين بعد الكدح في-[.....]
191
للمنافقين، والإخبار بهذا هو عن حال لهم تكونُ في الآخرة، وهو قوله تعالى: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ... الآيةَ [الحديد: ١٣] وهذا القول غير قويٍّ.
والأصم: الذي لا يسمع، والأبكم: الذي لا ينطق، ولا يفهم، فإِذا فهم، فهو الأخرس، وقيل: الأبكم والأخرس واحدٌ، ووصفهم بهذه الصفات إِذْ أعمالهم من الخطإ وعدم الإِجابة كأعمال من هذه صفته.
و «صُمٌّ» : رفع على خبر الابتداء، إما على تقدير تكرير «أُولَئِكَ»، أو إِضمارهم.
وقوله تعالى: فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ قيل: معناه: لا يؤمنون بوجْهٍ، وهذا إنما يصح أنْ لو كانت الآية في معيَّنينِ، وقيل: معناه: فهم لا يرجعونَ ما داموا على الحال التي وصفهم بها، وهذا هو الصحيحُ.
أَوْ كَصَيِّبٍ: «أَوْ» : للتخيير، معناه مثِّلوهم بهذا أو بهذا، والصَّيِّبُ المطر من:
١١ ب صَابَ يَصُوبُ، إِذا/ انحط من عُلْو إِلى سفل.
وظُلُماتٌ: بالجمع: إِشارة إِلى ظلمة الليل وظلمة الدجن، ومن حيث تتراكب وتتزيد جُمِعَتْ، وكون الدجن مظلماً هول وغم للنفوس بخلاف السحاب والمطر، إذا انجلى دجنه، فإنه سارٌّ جميل.
واختلف العلماء في «الرَّعْدِ»، فقال ابن عباس ومجاهد وشَهْرُ بن حَوْشَبٍ «١» وغيرهم: هو مَلَكٌ يزجرُ السحابَ بهذا الصوتِ المسموعِ كلَّما خالفتْ سحابةٌ، صاح بها، فإِذا اشتد غضبه، طارت النار من فيه، فهي الصواعقُ، واسم هذا الملك: الرّعد «٢».
والأصم: الذي لا يسمع، والأبكم: الذي لا ينطق، ولا يفهم، فإِذا فهم، فهو الأخرس، وقيل: الأبكم والأخرس واحدٌ، ووصفهم بهذه الصفات إِذْ أعمالهم من الخطإ وعدم الإِجابة كأعمال من هذه صفته.
و «صُمٌّ» : رفع على خبر الابتداء، إما على تقدير تكرير «أُولَئِكَ»، أو إِضمارهم.
وقوله تعالى: فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ قيل: معناه: لا يؤمنون بوجْهٍ، وهذا إنما يصح أنْ لو كانت الآية في معيَّنينِ، وقيل: معناه: فهم لا يرجعونَ ما داموا على الحال التي وصفهم بها، وهذا هو الصحيحُ.
أَوْ كَصَيِّبٍ: «أَوْ» : للتخيير، معناه مثِّلوهم بهذا أو بهذا، والصَّيِّبُ المطر من:
١١ ب صَابَ يَصُوبُ، إِذا/ انحط من عُلْو إِلى سفل.
وظُلُماتٌ: بالجمع: إِشارة إِلى ظلمة الليل وظلمة الدجن، ومن حيث تتراكب وتتزيد جُمِعَتْ، وكون الدجن مظلماً هول وغم للنفوس بخلاف السحاب والمطر، إذا انجلى دجنه، فإنه سارٌّ جميل.
واختلف العلماء في «الرَّعْدِ»، فقال ابن عباس ومجاهد وشَهْرُ بن حَوْشَبٍ «١» وغيرهم: هو مَلَكٌ يزجرُ السحابَ بهذا الصوتِ المسموعِ كلَّما خالفتْ سحابةٌ، صاح بها، فإِذا اشتد غضبه، طارت النار من فيه، فهي الصواعقُ، واسم هذا الملك: الرّعد «٢».
- إحياء النار..» وجعل هذا أبلغ من ذكر الجواب، وجعل جملة قوله: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ مستأنفة أو بدلا من جملة التمثيل.
وقد رد عليه أبو حيان- كما ذكر السمين عنه- بوجهين: أحدهما: أن هذا تقدير مع وجود ما يغني عنه، فلا حاجة إليه إذ التقديرات إنما تكون عند الضرورات. والثاني: أنه لا تبدل الجملة الفعلية من الجملة الاسمية.
ينظر: «الكشاف» (١/ ٧٣)، و «البحر المحيط» (١/ ٢١٣)، و «الدر المصون» (١/ ١٣٢).
(١) شهر بن حوشب الأشعري، فقيه قارئ، من رجال الحديث. شامي الأصل، سكن «العراق»، وكان يتزيّا بزي الجند، ويسمع الغناء بالآلات. وولي بيت المال مدة، وهو متروك الحديث. وكان ظريفا، قال له رجل: إني أحبك، فقال: ولم لا تحبني وأنا أخوك في كتاب الله، ووزيرك على دين الله، ومؤنتي على غيرك.
ينظر: «الأعلام» (٣/ ١٧٨)، «تهذيب التهذيب» (٤/ ٣٦٩)، و «التاج» (١/ ٢١٤).
(٢) ذكره ابن عطية (١/ ١٠٢)، والبغوي في «تفسيره» (١/ ٥٣)، والقرطبي (١/ ١٨٧).
وقد رد عليه أبو حيان- كما ذكر السمين عنه- بوجهين: أحدهما: أن هذا تقدير مع وجود ما يغني عنه، فلا حاجة إليه إذ التقديرات إنما تكون عند الضرورات. والثاني: أنه لا تبدل الجملة الفعلية من الجملة الاسمية.
ينظر: «الكشاف» (١/ ٧٣)، و «البحر المحيط» (١/ ٢١٣)، و «الدر المصون» (١/ ١٣٢).
(١) شهر بن حوشب الأشعري، فقيه قارئ، من رجال الحديث. شامي الأصل، سكن «العراق»، وكان يتزيّا بزي الجند، ويسمع الغناء بالآلات. وولي بيت المال مدة، وهو متروك الحديث. وكان ظريفا، قال له رجل: إني أحبك، فقال: ولم لا تحبني وأنا أخوك في كتاب الله، ووزيرك على دين الله، ومؤنتي على غيرك.
ينظر: «الأعلام» (٣/ ١٧٨)، «تهذيب التهذيب» (٤/ ٣٦٩)، و «التاج» (١/ ٢١٤).
(٢) ذكره ابن عطية (١/ ١٠٢)، والبغوي في «تفسيره» (١/ ٥٣)، والقرطبي (١/ ١٨٧).
192
وقيل: الرَّعْدُ مَلَكٌ، وهذا الصوت تسبيحُهُ.
وقيل: الرعد: اسم الصوْتِ المسموعِ قاله عليُّ بن أبي طالب «١».
وأكثر العلماء على أن الرعد ملكٌ، وذلك صوته يسبِّح ويزجرُ السحابَ.
واختلفوا في البَرْقِ.
فقال علي بن أبي طالب وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «هُوَ مِخْرَاقُ حَدِيدٍ بِيَدِ المَلَكِ يَسُوقُ بِهِ السَّحَابَ» وهذا أصحُّ ما روي فيه «٢».
وقال ابن عبَّاس: هو سَوط نور بيد المَلَكِ يزجي به السحَابَ «٣»، وروي عنه: أنَّ البرق ملك يتراءى «٤».
واختلف المتأوّلون في المقصد بهذا المثل، وكيف تترتب أحوالُ المنافقينَ المُوَازِنَةُ لما في المَثَل من الظلماتِ والرعْدِ والبرقِ والصواعِقِ.
فقال جمهور المفسِّرين: مَثَّلَ اللَّه تعالى القُرْآنَ بالصَّيِّبِ، فما فيه من الإشكال عليهم والعمى هو الظلماتُ، وما فيه من الوعيدِ والزجْرِ هو الرعْدُ، وما فيه من النُّور والحُجَج الباهرة هو البَرْقُ، وتخوُّفهم ورَوْعُهُمْ وحَذَرُهم هو جَعْلُ أصابعهم في آذانهم، وفَضْحُ نفاقهم، واشتهارُ كفرهم، وتكاليفُ الشرع التي يكرهونها من الجهادِ والزكاةِ ونحوه هي الصواعقُ، وهذا كله صحيحٌ بيِّن.
وقال ابنُ مسعود: إِن المنافقين في مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم كانُوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن، فضرب اللَّه المثل لهم «٥»، وهذا وفاقٌ لقول الجمهور.
ومُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ معناه: بعقابهم، يقال: أحاط السلطان بفلانٍ، إِذا أخذه أخذًا حاصرًا من كل جهة، ومنه قوله تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ [الكهف: ٤٢].
وقيل: الرعد: اسم الصوْتِ المسموعِ قاله عليُّ بن أبي طالب «١».
وأكثر العلماء على أن الرعد ملكٌ، وذلك صوته يسبِّح ويزجرُ السحابَ.
واختلفوا في البَرْقِ.
فقال علي بن أبي طالب وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «هُوَ مِخْرَاقُ حَدِيدٍ بِيَدِ المَلَكِ يَسُوقُ بِهِ السَّحَابَ» وهذا أصحُّ ما روي فيه «٢».
وقال ابن عبَّاس: هو سَوط نور بيد المَلَكِ يزجي به السحَابَ «٣»، وروي عنه: أنَّ البرق ملك يتراءى «٤».
واختلف المتأوّلون في المقصد بهذا المثل، وكيف تترتب أحوالُ المنافقينَ المُوَازِنَةُ لما في المَثَل من الظلماتِ والرعْدِ والبرقِ والصواعِقِ.
فقال جمهور المفسِّرين: مَثَّلَ اللَّه تعالى القُرْآنَ بالصَّيِّبِ، فما فيه من الإشكال عليهم والعمى هو الظلماتُ، وما فيه من الوعيدِ والزجْرِ هو الرعْدُ، وما فيه من النُّور والحُجَج الباهرة هو البَرْقُ، وتخوُّفهم ورَوْعُهُمْ وحَذَرُهم هو جَعْلُ أصابعهم في آذانهم، وفَضْحُ نفاقهم، واشتهارُ كفرهم، وتكاليفُ الشرع التي يكرهونها من الجهادِ والزكاةِ ونحوه هي الصواعقُ، وهذا كله صحيحٌ بيِّن.
وقال ابنُ مسعود: إِن المنافقين في مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم كانُوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن، فضرب اللَّه المثل لهم «٥»، وهذا وفاقٌ لقول الجمهور.
ومُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ معناه: بعقابهم، يقال: أحاط السلطان بفلانٍ، إِذا أخذه أخذًا حاصرًا من كل جهة، ومنه قوله تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ [الكهف: ٤٢].
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (١/ ٥٣)، وابن عطية (١/ ١٠٢)، والقرطبي (١/ ١٨٧).
(٢) أخرجه البيهقي في «سننه» (٣/ ٣٦٣)، كتاب «صلاة الاستسقاء»، باب ما جاء في الرعد، عن علي موقوفا وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٩٦)، وعزاه لابن أبي الدنيا في كتاب «المطر»، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي، والخرائطي في «مكارم الأخلاق».
(٣) ذكره الماوردي في «التفسير» (١/ ٨٢)، والبغوي (١/ ٥٣)، والقرطبي (١/ ١٨٧).
(٤) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١٠٢)، والقرطبي (١/ ١٨٨).
(٥) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١٠٣).
(٢) أخرجه البيهقي في «سننه» (٣/ ٣٦٣)، كتاب «صلاة الاستسقاء»، باب ما جاء في الرعد، عن علي موقوفا وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٩٦)، وعزاه لابن أبي الدنيا في كتاب «المطر»، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي، والخرائطي في «مكارم الأخلاق».
(٣) ذكره الماوردي في «التفسير» (١/ ٨٢)، والبغوي (١/ ٥٣)، والقرطبي (١/ ١٨٧).
(٤) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١٠٢)، والقرطبي (١/ ١٨٨).
(٥) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١٠٣).
193
ويَكادُ فعل ينفي المعنى مع إِيجابه، ويوجبه مع النفي «١»، فهنا لم يخطف البرق الأبصار، والخَطْفُ: الانتزاعُ بسرعة، ومعنى يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ، تكاد حجج القرآن وبراهينه وآياته الساطعة تبهرهم، ومن جعل البَرْقَ في المثل الزجْرَ والوعيدَ، قال:
يكاد ذلك يصيبهم.
و «كُلَّمَا» : ظرفٌ، والعامل فيه «مَشَوْا»، و «قَامُوا» معناه: ثَبَتُوا، ومعنى الآية فيما روي عن ابن عَبَّاس وغيره: كلَّما سمع المنافقون القرآن، وظهرت لهم الحججُ، أنسوا ومشوا معه، فإذا نَزَلَ من القرآن ما يعمهون فيه، ويضلون به، أو يكلَّفونه، قاموا، أي:
ثَبَتُوا على نفاقهم.
وروي عن ابن مسعودٍ أنَّ معنى الآية: كلَّما صلُحَتْ أحوالهم في زروعهم ومواشِيهِمْ، وتوالَتْ عليهم النّعم، قالوا: دين محمَّد دِينٌ مبارَكٌ، وإِذا نزلت بهم مصيبةٌ أَو أصابتهم شدَّة، سَخِطُوه وثَبَتُوا في نفاقهم «٢».
ووحَّد السمع لأنه مصدر يقع للواحد والجمع.
١٢ أوقوله سبحانه: عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لفظه العمومُ، ومعناه عند/ المتكلِّمين: فيما يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه، وقديرٌ بمعنى قَادِرٍ، وفيه مبالغةٌ، وخَصَّ هنا سبحانه صفتَهُ الَّتي هي القدرةُ- بالذِّكُر لأنه قد تقدَّم ذكر فعلٍ مضمَّنه الوعيدُ والإِخافةُ، فكان ذكر القدرة مناسباً لذلك.
يكاد ذلك يصيبهم.
و «كُلَّمَا» : ظرفٌ، والعامل فيه «مَشَوْا»، و «قَامُوا» معناه: ثَبَتُوا، ومعنى الآية فيما روي عن ابن عَبَّاس وغيره: كلَّما سمع المنافقون القرآن، وظهرت لهم الحججُ، أنسوا ومشوا معه، فإذا نَزَلَ من القرآن ما يعمهون فيه، ويضلون به، أو يكلَّفونه، قاموا، أي:
ثَبَتُوا على نفاقهم.
وروي عن ابن مسعودٍ أنَّ معنى الآية: كلَّما صلُحَتْ أحوالهم في زروعهم ومواشِيهِمْ، وتوالَتْ عليهم النّعم، قالوا: دين محمَّد دِينٌ مبارَكٌ، وإِذا نزلت بهم مصيبةٌ أَو أصابتهم شدَّة، سَخِطُوه وثَبَتُوا في نفاقهم «٢».
ووحَّد السمع لأنه مصدر يقع للواحد والجمع.
١٢ أوقوله سبحانه: عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لفظه العمومُ، ومعناه عند/ المتكلِّمين: فيما يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه، وقديرٌ بمعنى قَادِرٍ، وفيه مبالغةٌ، وخَصَّ هنا سبحانه صفتَهُ الَّتي هي القدرةُ- بالذِّكُر لأنه قد تقدَّم ذكر فعلٍ مضمَّنه الوعيدُ والإِخافةُ، فكان ذكر القدرة مناسباً لذلك.
(١) وزعم جماعة منهم ابن جني وأبو البقاء وابن عطية أنّ نفيها إثبات وإثباتها نفي، حتى ألغز بعضهم فيها فقال: [الطويل]
وحكوا عن ذي الرمة أنه لمّا أنشد قوله: [الطويل]
عيب عليه لأنه قال: لم يكد يبرح فيكون قد برح، فغيّره إلى قوله: «لم يزل» أو ما هو بمعناه، والذي غرّ هؤلاء قوله تعالى: فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة: ٧١] قالوا: فهي هنا منفيّة وخبرها مثبت في المعنى، لأن الذبح وقع لقوله: فَذَبَحُوها. والجواب عن هذه الآية من وجهين:
أحدهما: أنه يحمل على اختلاف وقتين، أي: ذبحوها في وقت، وما كادوا يفعلون في وقت آخر.
والثاني: أنه عبّر بنفي مقاربة الفعل عن شدّة تعنّتهم وعسرهم في الفعل. وأمّا ما حكوه عن ذي الرّمّة فقد غلّط الجمهور ذا الرّمة في رجوعه عن قوله وقالوا: هو أبلغ وأحسن ممّا غيّره إليه.
ينظر: «الدر المصون» (١/ ١٤٠).
(٢) ينظر: ابن عطية (١/ ١٠٤).
| أنحويّ هذا العصر ما هي لفظة | جرت في لساني جرهم وثمود |
| إذا نفيت- والله أعلم- أثبتت | وإن أثبتت قامت مقام جحود |
| إذا غيّر النأي المحبّين لم يكد | رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح |
أحدهما: أنه يحمل على اختلاف وقتين، أي: ذبحوها في وقت، وما كادوا يفعلون في وقت آخر.
والثاني: أنه عبّر بنفي مقاربة الفعل عن شدّة تعنّتهم وعسرهم في الفعل. وأمّا ما حكوه عن ذي الرّمّة فقد غلّط الجمهور ذا الرّمة في رجوعه عن قوله وقالوا: هو أبلغ وأحسن ممّا غيّره إليه.
ينظر: «الدر المصون» (١/ ١٤٠).
(٢) ينظر: ابن عطية (١/ ١٠٤).
194
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١ الى ٢٤]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤)قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ... الآيَةَ: «يَا» : حرفُ نداءٍ، وفيه تنبيهٌ، و «أَيُّ» هو المنادى، قال مجاهد: يا أَيُّهَا النَّاسُ حيث وقع في القرآن مكّيّ، ويا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مدنيٌّ «١».
قال ع «٢» : قد تقدَّم في أول السورة أنها كلها مدنية، وقد يجيء في المدنيّ:
يا أَيُّهَا النَّاسُ.
وأما قوله في: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فصحيح.
اعْبُدُوا رَبَّكُمُ: معناه: وحِّدوه، وخصوه بالعبادة، وذكر تعالى خلقه لهم إِذ كانت العرب مقرة بأن اللَّه خلقها، فذكر ذلك سبحانه حجةً عليهم، ولعل في هذه الآية قال فيها كثيرٌ من المفسِّرين: هي بمعنى إيجاب التقوى، وليست من اللَّه تعالى بمعنى ترجٍّ وتوقُّع، وفي «مختصر الطَّبَرِيِّ» : لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ عن مجاهد، أي: لعلَّكم تطيعون «٣»، والتقوَى التوقِّي من عذاب اللَّه بعبادته، وهي من الوقاية، وأما «لَعَلَّ» هنا، فهي بمعنى «كَيْ» أو «لامِ كَيْ»، أي: لتتقوا، أوْ لكَيْ تتقوا، وليست هنا من اللَّه تعالى بمعنى الترجِّي، وإنما هي بمعنى كَيْ، وقد تجيء بمعنى «كَيْ» في اللغة قال الشاعر: [الطويل]
| وَقُلْتُمْ لَنَا كُفُّوا الحُرُوبَ لَعَلَّنَا | نَكُفُّ وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلَّ موثق «٤» |
(١) ينظر المصدر السابق، والقرطبي (١/ ١٩٤).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٠٥).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ١٩٦) برقم (٤٧٤)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٧٤)، وعزاه لوكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبي الشيخ.
(٤) وبعده:
وهما بلا نسبة في «تفسير الطبري» (١/ ٣٦٤)، و «القرطبي» (١/ ٢٢٧، ١٢/ ٢٨٢)، و «زاد المسير» (١/ ٤٨)، و «الدر المصون» (١/ ٤٧)، و «الحماسة البصرية» (١/ ٥٦). والشاهد فيه «لعل» : استعملها-[.....]
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٠٥).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ١٩٦) برقم (٤٧٤)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٧٤)، وعزاه لوكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبي الشيخ.
(٤) وبعده:
| فلمّا كففنا الحرب كانت عهودكم | كلمع سراب في الملا متألّق |
195
انتهى.
قال ع «١» : وقال سيبويه «٢» : ورؤساءُ اللِّسَان: هي على بابها، والترجِّي والتوقُّع إنما هو في حيز البشر، أي: إذا تأملتم حالكم مع عبادة ربكم، رجَوْتُمْ لأنفسكم التقوى، و «لَعَلَّ» : متعلِّقة بقوله: «اعبدوا»، ويتجه تعلُّقها ب «خَلَقَكُمْ» أي: لَمَّا وُلِدَ كلُّ مولود على الفطرة، فهو إِن تأمله متأمِّل، توقَّع له ورجا أن يكون متقياً، و «تَتَّقُونَ» : مأخوذ من الوقاية، وجعل بمعنى «صَيَّرَ» في هذه الآية لتعدِّيها إِلى مفعولين، و «فِرَاشاً» معناه: تفترشونها، و «السَّمَاء» قيل: هو اسم مفرد، جمعه سماوات، وقيل: هو جمعٌ، واحده سَمَاوَة، وكلُّ ما ارتفع عليك في الهواء، فهو سماء، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ يريد السحاب، سمي بذلك تجوُّزاً لَمَّا كان يلي السماء، وقد سَمَّوُا المطر سماءً للمجاورة ومنه قول الشاعر: [الوافر]
فتجوز أيضاً في «رَعَيْنَاهُ».
وواحد الأنداد نِدٌّ، وهو المقاوم والمضاهي، واختلف المتأوّلون من المخطاب بهذه الآية، فقالتْ جماعة من المفسِّرين: المخاطَبُ جميع المشركين، فقوله سبحانه على هذا:
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ يريد العلم الخاصَّ في أنه تعالى خلق، وأنزل الماء، وأخرج الرزق، وقيل: المراد كفَّار بني إسرائيل، فالمعنى: وأنتم تعلَمُون من الكتب التي عندكم أنّ الله لا
قال ع «١» : وقال سيبويه «٢» : ورؤساءُ اللِّسَان: هي على بابها، والترجِّي والتوقُّع إنما هو في حيز البشر، أي: إذا تأملتم حالكم مع عبادة ربكم، رجَوْتُمْ لأنفسكم التقوى، و «لَعَلَّ» : متعلِّقة بقوله: «اعبدوا»، ويتجه تعلُّقها ب «خَلَقَكُمْ» أي: لَمَّا وُلِدَ كلُّ مولود على الفطرة، فهو إِن تأمله متأمِّل، توقَّع له ورجا أن يكون متقياً، و «تَتَّقُونَ» : مأخوذ من الوقاية، وجعل بمعنى «صَيَّرَ» في هذه الآية لتعدِّيها إِلى مفعولين، و «فِرَاشاً» معناه: تفترشونها، و «السَّمَاء» قيل: هو اسم مفرد، جمعه سماوات، وقيل: هو جمعٌ، واحده سَمَاوَة، وكلُّ ما ارتفع عليك في الهواء، فهو سماء، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ يريد السحاب، سمي بذلك تجوُّزاً لَمَّا كان يلي السماء، وقد سَمَّوُا المطر سماءً للمجاورة ومنه قول الشاعر: [الوافر]
| إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بأَرْضِ قَوْمٍ | رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا «٣» |
وواحد الأنداد نِدٌّ، وهو المقاوم والمضاهي، واختلف المتأوّلون من المخطاب بهذه الآية، فقالتْ جماعة من المفسِّرين: المخاطَبُ جميع المشركين، فقوله سبحانه على هذا:
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ يريد العلم الخاصَّ في أنه تعالى خلق، وأنزل الماء، وأخرج الرزق، وقيل: المراد كفَّار بني إسرائيل، فالمعنى: وأنتم تعلَمُون من الكتب التي عندكم أنّ الله لا
- الشاعر هنا مجردة من الشك بمعنى «لام كي». يقول: كفوا الحروب لنكف، ولو كانت «لعل» هنا شكا لم يوثقوا لهم كل موثق. ينظر: «أمالي ابن الشجري» (١: ٧١)، والملا: الصحراء، والأرض الواسعة.
(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٠٥).
(٢) عمرو بن عثمان بن قنير الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب «سيبويه» : إمام النحاة، وأول من بسط علم النحو. ولد في إحدى قرى «شيراز»، وقدم «البصرة»، فلزم الخليل بن أحمد، ففاقه، وصنف كتابه المسمى «كتاب سيبويه» في النحو. لم يصنع قبله ولا بعده مثله، ناظر الكسائي وأجازه الرشيد بعشرة آلاف درهم. كان أنيقا جميلا، توفي شابا، ولد سنة (١٤٨ هـ.) وتوفي سنة (١٨٠ هـ.).
ينظر: «ابن خلكان» (١: ٣٨٥)، «البداية والنهاية» (١٠: ١٧٦)، «الأعلام» (٥/ ٨١).
(٣) البيت لمعود الحكماء. انظر: «تأويل مشكل القرآن» (١٣٥)، الأصبهاني (٢١٤)، الصاحبي (٦٣)، «معجم الشعراء» (٣٩١)، «المفضليات» (٣٥٩)، «الصناعتين» (٢١٢)، «معجم مقاييس اللغة» (٣/ ٩٨)، «العمدة» (١/ ٢٣٧)، وفيه النسبة لجرير بن عطية، «معاهد التنصيص» (٢/ ٢٦٠).
والشاهد فيه: الاستخدام، وهو أن يراد بلفظ له معنيان: أحدهما، ثم يراد بضمير الآخر، أو يراد بأحد ضميريه أحدهما، ثم يراد بالآخر الآخر، فالأول كما في البيت هنا، فإنه أراد بالسماء الغيث، وبالضمير الراجع إليه من «رعيناه» النبت.
(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٠٥).
(٢) عمرو بن عثمان بن قنير الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب «سيبويه» : إمام النحاة، وأول من بسط علم النحو. ولد في إحدى قرى «شيراز»، وقدم «البصرة»، فلزم الخليل بن أحمد، ففاقه، وصنف كتابه المسمى «كتاب سيبويه» في النحو. لم يصنع قبله ولا بعده مثله، ناظر الكسائي وأجازه الرشيد بعشرة آلاف درهم. كان أنيقا جميلا، توفي شابا، ولد سنة (١٤٨ هـ.) وتوفي سنة (١٨٠ هـ.).
ينظر: «ابن خلكان» (١: ٣٨٥)، «البداية والنهاية» (١٠: ١٧٦)، «الأعلام» (٥/ ٨١).
(٣) البيت لمعود الحكماء. انظر: «تأويل مشكل القرآن» (١٣٥)، الأصبهاني (٢١٤)، الصاحبي (٦٣)، «معجم الشعراء» (٣٩١)، «المفضليات» (٣٥٩)، «الصناعتين» (٢١٢)، «معجم مقاييس اللغة» (٣/ ٩٨)، «العمدة» (١/ ٢٣٧)، وفيه النسبة لجرير بن عطية، «معاهد التنصيص» (٢/ ٢٦٠).
والشاهد فيه: الاستخدام، وهو أن يراد بلفظ له معنيان: أحدهما، ثم يراد بضمير الآخر، أو يراد بأحد ضميريه أحدهما، ثم يراد بالآخر الآخر، فالأول كما في البيت هنا، فإنه أراد بالسماء الغيث، وبالضمير الراجع إليه من «رعيناه» النبت.
196
ندَّ له، وقال ابنْ فُورَكَ «١» : يحتمل أن تتناول الآية المؤمنين.
قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ، أي: في شكٍّ، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ:
الضمير في «مِثْلِهِ» عند الجمهور: عائد على القرآن «٢»، وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ، أي: مَنْ شهدكم وحضركم من عون ونصير قاله ابنُ عَبَّاس «٣» : إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، أي: فيما قلتم من أنَّكم تقدرون على معارضته. ويؤيِّد هذا القول ما حكي عنهم في آية أخرى: / ١٢ ب لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا [الأنفال: ٣١]، وفي قوله جل وعلا: وَلَنْ تَفْعَلُوا إِثَارةٌ لِهِمَمِهِمْ، وتحريكٌ لنفوسهم ليكون عجزهم بعد ذلك أبدع، وهو أيضاً من الغيوب التي أخبر بها القرآن.
وقوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ: أمر بالإيمانِ وطاعةِ اللَّه، قال الفَخْر «٤» ولما ظهر عجزهم عن المعارضة، صح عندهم صدق النبيّ صلّى الله عليه وسلم وإِذا صح ذلك، ثم لزموا العناد، استوجبوا العقاب بالنار، واتقاءُ النار يوجب ترك العناد فأقيم قوله: فَاتَّقُوا النَّارَ مُقَامَ قوله: «واتركوا العِنَادَ»، ووصف النار بأنها تتقد بالناس والحجارة وذلك يدلُّ على قوتها، نجَّانا اللَّه منها برحمته الواسعة.
وقرَنَ اللَّه سبحانه النَّاسَ بالحجارة لأنهم اتخذوها في الدنيا أصناماً يعبدونها قال تعالى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ [الأنبياء: ٩٨] فإحدى الآيتين مفسِّرة للأخرى، وهذا كتعذيب مانعي الزكاة بنوع ما منعوا، انتهى.
قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ، أي: في شكٍّ، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ:
الضمير في «مِثْلِهِ» عند الجمهور: عائد على القرآن «٢»، وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ، أي: مَنْ شهدكم وحضركم من عون ونصير قاله ابنُ عَبَّاس «٣» : إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، أي: فيما قلتم من أنَّكم تقدرون على معارضته. ويؤيِّد هذا القول ما حكي عنهم في آية أخرى: / ١٢ ب لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا [الأنفال: ٣١]، وفي قوله جل وعلا: وَلَنْ تَفْعَلُوا إِثَارةٌ لِهِمَمِهِمْ، وتحريكٌ لنفوسهم ليكون عجزهم بعد ذلك أبدع، وهو أيضاً من الغيوب التي أخبر بها القرآن.
وقوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ: أمر بالإيمانِ وطاعةِ اللَّه، قال الفَخْر «٤» ولما ظهر عجزهم عن المعارضة، صح عندهم صدق النبيّ صلّى الله عليه وسلم وإِذا صح ذلك، ثم لزموا العناد، استوجبوا العقاب بالنار، واتقاءُ النار يوجب ترك العناد فأقيم قوله: فَاتَّقُوا النَّارَ مُقَامَ قوله: «واتركوا العِنَادَ»، ووصف النار بأنها تتقد بالناس والحجارة وذلك يدلُّ على قوتها، نجَّانا اللَّه منها برحمته الواسعة.
وقرَنَ اللَّه سبحانه النَّاسَ بالحجارة لأنهم اتخذوها في الدنيا أصناماً يعبدونها قال تعالى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ [الأنبياء: ٩٨] فإحدى الآيتين مفسِّرة للأخرى، وهذا كتعذيب مانعي الزكاة بنوع ما منعوا، انتهى.
(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٠٦). وابن فورك هو: محمد بن الحسين بن فورك، أبو بكر الأصفهاني، المتكلم، الأصولي، الأديب، النحوي، الواعظ، أخذ طريقة أبي الحسن الأشعري، عن أبي الحسين الباهلي وغيره، أحيى الله تعالى به أنواعا من العلوم، وبلغت مصنفاته الشيء الكثير، وجرت له مناظرات عظيمة. مات سنة (٤٠٦). انظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (١/ ١٩٠)، «طبقات السبكي» (٣/ ٥٢)، «تبيين كذب المفتري» ص (٢٣٢). «الأعلام» (٦/ ٣١٣)، «مرآة الجنان» (٣/ ١٧)، «النجوم الزاهرة» (٤/ ٢٤٠).
(٢) وقال قوم آخرون: إن معنى قوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ: من مثل محمد من البشر لأن محمدا بشر مثلكم، يعني لأنه لم يكن قرأ الكتب ولا درس، فأتوا بسورة فيها حق من مثل محمد، كما جاء بذلك صلّى الله عليه وسلم.
ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٣٧٤)، و «بحر العلوم» للسمرقندي (١/ ١٠٢).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٢٠٢) برقم (٤٩٦)، وذكره ابن عطية (١/ ١٠٧)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٧٧)، وعزاه لابن جرير، وابن إسحاق، وابن أبي حاتم.
(٤) ينظر: «مفاتيح الغيب» (٢/ ١١٢).
(٢) وقال قوم آخرون: إن معنى قوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ: من مثل محمد من البشر لأن محمدا بشر مثلكم، يعني لأنه لم يكن قرأ الكتب ولا درس، فأتوا بسورة فيها حق من مثل محمد، كما جاء بذلك صلّى الله عليه وسلم.
ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٣٧٤)، و «بحر العلوم» للسمرقندي (١/ ١٠٢).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٢٠٢) برقم (٤٩٦)، وذكره ابن عطية (١/ ١٠٧)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٧٧)، وعزاه لابن جرير، وابن إسحاق، وابن أبي حاتم.
(٤) ينظر: «مفاتيح الغيب» (٢/ ١١٢).
197
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥]
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥)قوله تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ... الآية.
بَشِّرِ: مأخوذ من البَشَرَةِ لأن ما يبشر به الإنسان من خير أو شر يظهر عنه أثرٌ في بَشَرة الوجه، والأغلب استعمال البِشَارة في الخير، وقد تستعمل في الشر مقيَّدة به كما قال تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [التوبة: ٣٤] ومتى أطلق لفظ البِشَارة، فإِنما يحمل على الخير، وفي قوله تعالى: وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ردٌّ على من يقول: إِن لفظة الإِيمان بمجرَّدها تقتضي الطاعاتِ لأنه لو كان كذلك، ما أعادها، وجَنَّاتٍ جمع جَنَّة، وهي بستان الشجرِ والنخلِ، وبستانُ الكَرْم، يقال له الفِرْدَوسُ، وروى النسائي عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «أَنَّ ثِيَابَ الجَنَّةِ تَشَقَّقُ عَنْهَا ثَمَرُ الجَنَّةِ» «١»، وروى التِّرْمِذِيُّ عن أبي هريرةَ عن النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: «مَا فِي الجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلاَّ وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ»، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن «٢». انتهى من «التَّذْكِرَةِ» «٣».
ت: وفي الباب عن ابن عبَّاس، وجرِيرِ بن عبد اللَّهِ، وغيرهما: وسمِّيتِ الجنةُ جنَّةً لأنها تجنُّ من دخلها «٤» أي: تستره، ومنه المِجَنُّ، وَالْجَنَنُ، وجنّة اللّيل.
ومِنْ تَحْتِهَا معناه من تحت الأشجار التي يتضمَّنها ذِكْر الجنة.
ت: ومن أعظم البِشَارات أنَّ هذه الأمة هم ثلثا أهْلِ الجنَّة، وقد خرَّج أبو بكر بن أبي شيبة «٥» عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ أُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ ثُلُثَا أهل الجنّة، إنّ أهل
(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه الترمذي (٤/ ٦٧١- ٦٧٢)، كتاب «صفة الجنة»، باب ما جاء في صفة شجرة الجنة، حديث (٢٥٢٥)، وأبو يعلى (١١/ ٥٧)، رقم (٦١٩٥)، وابن حبان (٢٦٢٤- موارد)، وأبو نعيم في «صفة الجنة» (٣/ ٢٤٠)، رقم (٤٠٠)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (٥/ ١٠٨)، كلهم من طريق أبي حازم، عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال الترمذي: حسن غريب. وصححه ابن حبان.
(٣) «التذكرة»، تحقيق الدكتور السيد الجميلي، ص (٦٠٧)، وفيها قول الترمذي: حديث حسن غريب.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٠٨).
(٥) عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبس (بموحدة)، مولاهم، أبو بكر بن أبي شيبة، الكوفي الحافظ. أحد الأعلام، وصاحب «المصنف». عن شريك، وهشيم، وابن المبارك، وجرير بن-
(٢) أخرجه الترمذي (٤/ ٦٧١- ٦٧٢)، كتاب «صفة الجنة»، باب ما جاء في صفة شجرة الجنة، حديث (٢٥٢٥)، وأبو يعلى (١١/ ٥٧)، رقم (٦١٩٥)، وابن حبان (٢٦٢٤- موارد)، وأبو نعيم في «صفة الجنة» (٣/ ٢٤٠)، رقم (٤٠٠)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (٥/ ١٠٨)، كلهم من طريق أبي حازم، عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال الترمذي: حسن غريب. وصححه ابن حبان.
(٣) «التذكرة»، تحقيق الدكتور السيد الجميلي، ص (٦٠٧)، وفيها قول الترمذي: حديث حسن غريب.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٠٨).
(٥) عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبس (بموحدة)، مولاهم، أبو بكر بن أبي شيبة، الكوفي الحافظ. أحد الأعلام، وصاحب «المصنف». عن شريك، وهشيم، وابن المبارك، وجرير بن-
198
الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، وَإِنَّ أُمَّتِي مِنْ ذَلِكَ ثَمَانُونَ صَفًّا» «١»، وخرَّج ابن ماجه والترمذيُّ عن بُرَيْدة بن حُصَيْب «٢» قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أَهْلُ الجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ»، قال أبو عيسى:
هذا حديث حسن «٣».
هذا حديث حسن «٣».
- عبد الحميد، وابن عيينة، وخلق. وعنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وأبو زرعة، وعثمان بن خرّزاذ، وأحمد بن علي المروزي، وخلق. قال أبو زرعة: ما رأيت أحفظ منه. وقال الخطيب: كان متقنا حافظا، صنف التفسير وغيره. وقال نفطويه: اجتمع في مجلسه نحو ثلاثين ألفا.
قال البخاري: مات سنة خمس وثلاثين ومائتين.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٩٤)، و «تهذيب التهذيب» (٦/ ٢)، و «الجرح والتعديل» (٥/ ٧٣٧). [.....]
(١) أخرجه ابن أبي شيبة (١١/ ٤٧٠).
(٢) هو: بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رزاح بن عدي بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر... أبو عبد الله.
وقيل: أبو سهل. وقيل: أبو ساسان. وقيل أبو الحصيب. الأسلمي. قال ابن الأثير في «الأسد» : أسلم حين مر به النبي صلّى الله عليه وسلم مهاجرا هو ومن معه، وكانوا نحو ثمانين بيتا، فصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، فصلوا خلفه، وأقام بأرض قومه ثم قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد «أحد»، فشهد معه مشاهده، وشهد الحديبية وبيعة الرضوان تحت الشجرة.
وكان من ساكني «المدينة» ثم تحول إلى «البصرة»، وابتنى بها دارا، ثم خرج منها غازيا إلى «خراسان» فأقام ب «مرو» حتى مات ودفن بها، وبقي ولده بها.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (١/ ٢٠٩)، «الإصابة» (١/ ١٥١)، «الثقات» (٣/ ٢٩)، «الجرح والتعديل» (٢/ ٤٢٤)، «سير أعلام النبلاء» (٢/ ٤٦٩)، «الجمع بين رجال الصحيحين» (١/ ٦١)، «مشاهير علماء الأمصار» (٦٠)، «تقريب التهذيب» (١/ ٩٦).
(٣) أخرجه الترمذي (٤/ ٦٨٣)، كتاب «صفة الجنة»، باب ما جاء في صف أهل الجنة، حديث (٢٥٤٦)، وأحمد (٥/ ٣٤٧)، كلاهما من طريق ضرار بن مرة، عن محارب بن دثار، عن ابن بريدة، عن أبيه مرفوعا.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد روي هذا الحديث عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن النبي صلّى الله عليه وسلم مرسلا، ومنهم من قال: عن سليمان بن بريدة، عن أبيه. اهـ.
قلت: أما الطريق المرسل والذي أشار إليه الترمذي، فأخرجه ابن المبارك في «الزهد» (ص ٥٤٨)، رقم (١٥٧٢) من طريق سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة عن النبي صلّى الله عليه وسلم مرسلا.
وأخرجه ابن ماجه (٢/ ١٤٣٣- ١٤٣٤)، كتاب «الزهد»، باب صفة أمة محمد صلّى الله عليه وسلم، حديث (٤٢٨٩)، والدارمي (٢/ ٣٣٧)، كتاب «الرقاق»، باب في صفوف أهل الجنة، والحاكم (١/ ٨٢) من طرق عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه مرفوعا. وعند الدارمي: عن علقمة، عن سليمان قال: أراه عن أبيه. وللحديث شاهد من حديث أبي موسى.
ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠/ ٧٣)، وقال: رواه الطبراني، وفيه القاسم بن غصن، وهو ضعيف. -
قال البخاري: مات سنة خمس وثلاثين ومائتين.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٩٤)، و «تهذيب التهذيب» (٦/ ٢)، و «الجرح والتعديل» (٥/ ٧٣٧). [.....]
(١) أخرجه ابن أبي شيبة (١١/ ٤٧٠).
(٢) هو: بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رزاح بن عدي بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر... أبو عبد الله.
وقيل: أبو سهل. وقيل: أبو ساسان. وقيل أبو الحصيب. الأسلمي. قال ابن الأثير في «الأسد» : أسلم حين مر به النبي صلّى الله عليه وسلم مهاجرا هو ومن معه، وكانوا نحو ثمانين بيتا، فصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، فصلوا خلفه، وأقام بأرض قومه ثم قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد «أحد»، فشهد معه مشاهده، وشهد الحديبية وبيعة الرضوان تحت الشجرة.
وكان من ساكني «المدينة» ثم تحول إلى «البصرة»، وابتنى بها دارا، ثم خرج منها غازيا إلى «خراسان» فأقام ب «مرو» حتى مات ودفن بها، وبقي ولده بها.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (١/ ٢٠٩)، «الإصابة» (١/ ١٥١)، «الثقات» (٣/ ٢٩)، «الجرح والتعديل» (٢/ ٤٢٤)، «سير أعلام النبلاء» (٢/ ٤٦٩)، «الجمع بين رجال الصحيحين» (١/ ٦١)، «مشاهير علماء الأمصار» (٦٠)، «تقريب التهذيب» (١/ ٩٦).
(٣) أخرجه الترمذي (٤/ ٦٨٣)، كتاب «صفة الجنة»، باب ما جاء في صف أهل الجنة، حديث (٢٥٤٦)، وأحمد (٥/ ٣٤٧)، كلاهما من طريق ضرار بن مرة، عن محارب بن دثار، عن ابن بريدة، عن أبيه مرفوعا.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد روي هذا الحديث عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن النبي صلّى الله عليه وسلم مرسلا، ومنهم من قال: عن سليمان بن بريدة، عن أبيه. اهـ.
قلت: أما الطريق المرسل والذي أشار إليه الترمذي، فأخرجه ابن المبارك في «الزهد» (ص ٥٤٨)، رقم (١٥٧٢) من طريق سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة عن النبي صلّى الله عليه وسلم مرسلا.
وأخرجه ابن ماجه (٢/ ١٤٣٣- ١٤٣٤)، كتاب «الزهد»، باب صفة أمة محمد صلّى الله عليه وسلم، حديث (٤٢٨٩)، والدارمي (٢/ ٣٣٧)، كتاب «الرقاق»، باب في صفوف أهل الجنة، والحاكم (١/ ٨٢) من طرق عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه مرفوعا. وعند الدارمي: عن علقمة، عن سليمان قال: أراه عن أبيه. وللحديث شاهد من حديث أبي موسى.
ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠/ ٧٣)، وقال: رواه الطبراني، وفيه القاسم بن غصن، وهو ضعيف. -
199
انتهى من «التذْكرة» «١» للقرطبيِّ.
والْأَنْهارُ: المياه في مجاريها المتطاولة الواسعَةِ مأخوذةٌ من أنْهَرْتُ، أي:
وسّعت ومنه قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسم اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوهُ» «٢». ومعناه: ما وسع الذبح حتى جرى الدم كالنهْرِ، ونسب الجري إِلى النهر، وإِنما يجري الماء تجوّزا كما قال سبحانه: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢] وروي أن أنهار الجنة ليست في أخاديد إِنما تجري على سطْح أرض الجنة منضبطةً.
وقولهم: هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ: إِشارة إِلى الجنس، أي: هذا من الجنس الذي ١٣ أرزقنا منه من قبل، والكلام يحتمل/ أن يكون تعجباً منهم، وهو قولُ ابنِ عَبَّاس «٣»، ويحتمل أن يكون خَبَراً من بعضهم لبعْضٍ قاله جماعة من المفسِّرين، وقال الحسنُ، ومجاهدٌ: يرزقُونَ الثمرةَ، ثم يرزقُونَ بعْدَها مثْلَ صورتها، والطَّعْم مختلفٌ، فهم يتعجَّبون لذلك، ويخبر بعضهم بعضاً «٤»، وقال ابن عبَّاس: ليس في الجنة شيْءٌ ممّا في الدنيا سوى
والْأَنْهارُ: المياه في مجاريها المتطاولة الواسعَةِ مأخوذةٌ من أنْهَرْتُ، أي:
وسّعت ومنه قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسم اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوهُ» «٢». ومعناه: ما وسع الذبح حتى جرى الدم كالنهْرِ، ونسب الجري إِلى النهر، وإِنما يجري الماء تجوّزا كما قال سبحانه: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢] وروي أن أنهار الجنة ليست في أخاديد إِنما تجري على سطْح أرض الجنة منضبطةً.
وقولهم: هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ: إِشارة إِلى الجنس، أي: هذا من الجنس الذي ١٣ أرزقنا منه من قبل، والكلام يحتمل/ أن يكون تعجباً منهم، وهو قولُ ابنِ عَبَّاس «٣»، ويحتمل أن يكون خَبَراً من بعضهم لبعْضٍ قاله جماعة من المفسِّرين، وقال الحسنُ، ومجاهدٌ: يرزقُونَ الثمرةَ، ثم يرزقُونَ بعْدَها مثْلَ صورتها، والطَّعْم مختلفٌ، فهم يتعجَّبون لذلك، ويخبر بعضهم بعضاً «٤»، وقال ابن عبَّاس: ليس في الجنة شيْءٌ ممّا في الدنيا سوى
- وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (٢/ ٢١٥) : سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه القاسم بن غصن، عن موسى الجهني، عن أبي بردة، عن أبيه، عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «أهل الجنة عشرون ومائة صف، أمتي منهم ثمانون صفا» قالا: هذا خطأ إنما هو موسى الجهني، عن الشعبي، عن النبي صلّى الله عليه وسلم مرسل. قالا: والخطأ من القاسم. قلت: ما حال القاسم؟؟! قالا: ليس بقوي.
(١) ينظر: «التذكرة» (٢/ ٥٠٦).
(٢) أخرجه أحمد (٣/ ٤٦٣- ٤٦٤)، والبخاري (٩/ ٦٧٢)، كتاب «الذبائح والصيد»، باب إذا أصاب القوم غنيمة... ، حديث (٥٥٤٣)، ومسلم (٣/ ١٥٥٨)، كتاب «الأضاحي»، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم، حديث (٢٠/ ١٩٦٨)، وأبو داود (٣/ ٢٤٧)، كتاب «الأضاحي»، باب في الذبيحة بالمروة، حديث (٢٨٢١)، والترمذي (٤/ ٨١)، كتاب «الأحكام والفوائد»، باب ما جاء في الزكاة بالقصب وغيره، حديث (١٤٩١)، والنسائي (٧/ ٢٢٦)، كتاب «الضحايا»، باب في الذبح بالسن، وابن ماجة (٢/ ١٠٦١)، كتاب «الذبائح»، باب ما يذكى به، حديث (٣١٧٨). والدارمي (٢/ ٨٤)، كتاب «الأضاحي»، باب: في البهيمة إذا ندت، وعبد الرزاق (٤/ ٤٦٥- ٤٦٦)، رقم (٨٤٨١)، والطيالسي (٩٦٣)، وابن الجارود (٨٩٥)، والحميدي (١/ ١٩٩)، رقم (٤١٠)، وابن حبان (٥٨٥٦- الإحسان)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤/ ١٨٣)، والطبراني في «الكبير» (٤/ ٣٢١)، رقم (٤٣٨٠، ٤٣٨١، ٤٣٨٢، ٤٣٨٣، ٤٣٨٤)، والبغوي في «شرح السنة» (٦/ ١٨- بتحقيقنا)، من طريق عباية بن رفاعة، عن رافع بن خديج قال: قلت يا رسول الله، إنا نلقى العدو غدا، وليس معنا مدى، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه، فكلوا ما لم يكن سنّا، أو ظفرا، وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة».
(٣) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١٠٩)، والماوردي (١/ ٨٦)، وابن كثير (١/ ٦٢).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ٢٠٩) برقم (٥٢٨)، وعبد الرزاق في تفسيره (١/ ٤١)، وذكره البغوي في «التفسير» -
(١) ينظر: «التذكرة» (٢/ ٥٠٦).
(٢) أخرجه أحمد (٣/ ٤٦٣- ٤٦٤)، والبخاري (٩/ ٦٧٢)، كتاب «الذبائح والصيد»، باب إذا أصاب القوم غنيمة... ، حديث (٥٥٤٣)، ومسلم (٣/ ١٥٥٨)، كتاب «الأضاحي»، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم، حديث (٢٠/ ١٩٦٨)، وأبو داود (٣/ ٢٤٧)، كتاب «الأضاحي»، باب في الذبيحة بالمروة، حديث (٢٨٢١)، والترمذي (٤/ ٨١)، كتاب «الأحكام والفوائد»، باب ما جاء في الزكاة بالقصب وغيره، حديث (١٤٩١)، والنسائي (٧/ ٢٢٦)، كتاب «الضحايا»، باب في الذبح بالسن، وابن ماجة (٢/ ١٠٦١)، كتاب «الذبائح»، باب ما يذكى به، حديث (٣١٧٨). والدارمي (٢/ ٨٤)، كتاب «الأضاحي»، باب: في البهيمة إذا ندت، وعبد الرزاق (٤/ ٤٦٥- ٤٦٦)، رقم (٨٤٨١)، والطيالسي (٩٦٣)، وابن الجارود (٨٩٥)، والحميدي (١/ ١٩٩)، رقم (٤١٠)، وابن حبان (٥٨٥٦- الإحسان)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤/ ١٨٣)، والطبراني في «الكبير» (٤/ ٣٢١)، رقم (٤٣٨٠، ٤٣٨١، ٤٣٨٢، ٤٣٨٣، ٤٣٨٤)، والبغوي في «شرح السنة» (٦/ ١٨- بتحقيقنا)، من طريق عباية بن رفاعة، عن رافع بن خديج قال: قلت يا رسول الله، إنا نلقى العدو غدا، وليس معنا مدى، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه، فكلوا ما لم يكن سنّا، أو ظفرا، وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة».
(٣) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١٠٩)، والماوردي (١/ ٨٦)، وابن كثير (١/ ٦٢).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ٢٠٩) برقم (٥٢٨)، وعبد الرزاق في تفسيره (١/ ٤١)، وذكره البغوي في «التفسير» -
200
الأسماءِ، وأما الذوات فمتباينة «١»، وقال بعض المتأوِّلين: المعنى أنهم يرون الثمر، فيميزون أجناسه حين أشبه منظره ما كان في الدنيا، فيقولون: هذا الذي رزقْنَا مِنْ قبل في الدنيا، وقال قومٌ: إن ثمر الجنة إِذا قطف منه شيء، خرج في الحين في موضعه مثله، فهذا إِشارة إِلى الخارج في موضع المجني.
وقوله تعالى: مُتَشابِهاً قال ابن عباس وغيره: معناه يشبه بعضه بعضاً في المنظر، ويختلف في الطعم «٢»، وأَزْواجٌ: جمع زوج، ويقال في المرأة: زوجة، والأول أشهر، ومُطَهَّرَةٌ: أبلغ من طَاهِرَة، أي: مُطَهَّرة من الحَيْض، والبُزَاق، وسائر أقذار الآدميَّات، والخلودُ: الدوامُ، وخرَّج ابن ماجة عن أسامة بن زيد «٣» قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم، ذَاتَ يَوْمٍ لأَِصْحَابِهِ: «أَلاَ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ؟ فَإِنَّ الجَنَّةَ لاَ خَطَرَ «٤» لَهَا هِيَ، وَرَبِّ الكَعْبَةِ، نور
وقوله تعالى: مُتَشابِهاً قال ابن عباس وغيره: معناه يشبه بعضه بعضاً في المنظر، ويختلف في الطعم «٢»، وأَزْواجٌ: جمع زوج، ويقال في المرأة: زوجة، والأول أشهر، ومُطَهَّرَةٌ: أبلغ من طَاهِرَة، أي: مُطَهَّرة من الحَيْض، والبُزَاق، وسائر أقذار الآدميَّات، والخلودُ: الدوامُ، وخرَّج ابن ماجة عن أسامة بن زيد «٣» قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم، ذَاتَ يَوْمٍ لأَِصْحَابِهِ: «أَلاَ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ؟ فَإِنَّ الجَنَّةَ لاَ خَطَرَ «٤» لَهَا هِيَ، وَرَبِّ الكَعْبَةِ، نور
- (١/ ٥٦)، وابن عطية الأندلسي (١/ ١٠٩)، والماوردي (١/ ٨٦)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٨٣)، وعزاه لوكيع، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وذكره ابن كثير (١/ ٦٣).
(١) أخرجه الطبري (١/ ٢١٠) برقم (٥٣٥)، وذكره السمرقندي (١/ ١٠٤)، والبغوي في التفسير (١/ ٥٦)، وابن عطية الأندلسي (١/ ١٠٩)، والماوردي (١/ ٨٦)، والقرطبي (١/ ٢٠٦)، وابن كثير (١/ ٦٣)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٨٢)، وعزاه لمسدد، وهناد في «الزهد»، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «البعث».
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٢٠٩) برقم (٥٢٤)، وذكره البغوي في التفسير (١/ ٥٦)، وابن عطية (١/ ١٠٩)، والماوردي (١/ ٨٦)، وابن كثير (١/ ٦٣).
(٣) أسامة بن زيد بن شراحيل بن عبد العزى بن زيد بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن بكر، أبو يزيد، وأبو خارجة، وأبو محمد، وأبو زيد الحب بن الحب الكلبي.
أمه: أم أيمن حاضنة النبي صلّى الله عليه وسلم. ولد في الإسلام، ومناقبه كثيرة، وأحاديثه شهيرة، وكان سكن «المزة» من عمل «دمشق»، ثم رجع فسكن وادي القرى، ثم نزل إلى «المدينة» فمات بها ب «الجرف».
روى ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إن أسامة بن زيد لأحب إليّ (أو من أحب الناس إليّ)، وأنا أرجو أن يكون من صالحيكم، فاستوصوا به خيرا».
قيل: توفي في آخر خلافة معاوية، وقيل: مات سنة (٥٤).
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (١/ ٧٩)، «الإصابة» (١/ ٢٩)، «الاستيعاب» (١/ ٧٥)، «الاستبصار» (٣٤)، «الكاشف» (١/ ١٠٤)، «صفة الصفوة» (١/ ٥٢١)، «بقي بن مخلد» (٣٣)، «تجريد أسماء الصحابة» (١/ ١٣)، «التاريخ الكبير» (٢/ ٢٠)، «التاريخ لابن معين» (٣/ ٢٢).
(٤) قوله صلّى الله عليه وسلم: «لا خطر لها» أي لا عوض لها ولا مثل. والخطر بالتحريك- في الأصل: الرّهن وما يخاطر عليه. ومثل الشيء، وعدله، ولا يقال إلا في الشيء الذي له قدر ومزيّة.
ينظر: «النهاية» (٢/ ٤٦).
(١) أخرجه الطبري (١/ ٢١٠) برقم (٥٣٥)، وذكره السمرقندي (١/ ١٠٤)، والبغوي في التفسير (١/ ٥٦)، وابن عطية الأندلسي (١/ ١٠٩)، والماوردي (١/ ٨٦)، والقرطبي (١/ ٢٠٦)، وابن كثير (١/ ٦٣)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٨٢)، وعزاه لمسدد، وهناد في «الزهد»، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «البعث».
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٢٠٩) برقم (٥٢٤)، وذكره البغوي في التفسير (١/ ٥٦)، وابن عطية (١/ ١٠٩)، والماوردي (١/ ٨٦)، وابن كثير (١/ ٦٣).
(٣) أسامة بن زيد بن شراحيل بن عبد العزى بن زيد بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن بكر، أبو يزيد، وأبو خارجة، وأبو محمد، وأبو زيد الحب بن الحب الكلبي.
أمه: أم أيمن حاضنة النبي صلّى الله عليه وسلم. ولد في الإسلام، ومناقبه كثيرة، وأحاديثه شهيرة، وكان سكن «المزة» من عمل «دمشق»، ثم رجع فسكن وادي القرى، ثم نزل إلى «المدينة» فمات بها ب «الجرف».
روى ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إن أسامة بن زيد لأحب إليّ (أو من أحب الناس إليّ)، وأنا أرجو أن يكون من صالحيكم، فاستوصوا به خيرا».
قيل: توفي في آخر خلافة معاوية، وقيل: مات سنة (٥٤).
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (١/ ٧٩)، «الإصابة» (١/ ٢٩)، «الاستيعاب» (١/ ٧٥)، «الاستبصار» (٣٤)، «الكاشف» (١/ ١٠٤)، «صفة الصفوة» (١/ ٥٢١)، «بقي بن مخلد» (٣٣)، «تجريد أسماء الصحابة» (١/ ١٣)، «التاريخ الكبير» (٢/ ٢٠)، «التاريخ لابن معين» (٣/ ٢٢).
(٤) قوله صلّى الله عليه وسلم: «لا خطر لها» أي لا عوض لها ولا مثل. والخطر بالتحريك- في الأصل: الرّهن وما يخاطر عليه. ومثل الشيء، وعدله، ولا يقال إلا في الشيء الذي له قدر ومزيّة.
ينظر: «النهاية» (٢/ ٤٦).
201
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﰙ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ
ﰚ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ
ﰛ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ
ﰜ
يَتَلأْلأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامِ أَبَدٍ فِي حَبْرةٍ «١» وَنَضْرَةٍ، فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ»، قَالُوا:
نَحْنُ المُشَمِّرُونَ لَهَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ وَحَضَّ عَلَيْهِ» «٢» انتهى من «التذْكرَةِ» «٣».
وقوله: لا خَطَرَ لها بفتح الطاء: قيل: معناه: لا عِوَضَ لها.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦ الى ٢٩]
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)
قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها: لما كان الجليلُ القدْرِ في الشاهد لا يمنعه من الخَوْضِ في نازل القوْلِ إِلا الحَيَاء من ذلكَ، رَدَّ اللَّه بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا على القائلين كيف يضرب الله مثلا
نَحْنُ المُشَمِّرُونَ لَهَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ وَحَضَّ عَلَيْهِ» «٢» انتهى من «التذْكرَةِ» «٣».
وقوله: لا خَطَرَ لها بفتح الطاء: قيل: معناه: لا عِوَضَ لها.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦ الى ٢٩]
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)
قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها: لما كان الجليلُ القدْرِ في الشاهد لا يمنعه من الخَوْضِ في نازل القوْلِ إِلا الحَيَاء من ذلكَ، رَدَّ اللَّه بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا على القائلين كيف يضرب الله مثلا
(١) الحبرة: النّعمة وسعة العيش، وكذلك الحبور. ينظر: «النهاية» (١/ ٣٢٧). [.....]
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢/ ١٤٤٨- ١٤٤٩)، كتاب «الزهد»، باب صفة الجنة، حديث (٤٣٣٢)، وابن حبان (٢٦٢٠- موارد)، والطبراني في «الكبير» (١/ ١٦٢- ١٦٣)، رقم (٣٨٨)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (١/ ٣٠٤)، وأبو نعيم في «صفة الجنة»، رقم (٢٤)، والبيهقي في «البعث والنشور» (ص ٢٣٣)، رقم (٣٩١)، كلهم من طريق الضحاك المعافري، عن سليمان بن موسى، عن كريب مولى ابن عباس، عن أسامة بن زيد مرفوعا.
وقال البوصيري في «الزوائد» : في إسناده مقال، والضحاك المعافري ذكره ابن حبان في «الثقات» اهـ.
قال الحافظ في «التقريب» (١/ ٣٧٤) : الضحاك المعافري مقبول. اهـ.
يعني عند المتابعة، وإلا فهو لين كما ذكره هو في مقدمة «التقريب».
والحديث ذكره الهندي في «كنز العمال» (١٤/ ٤٦١)، وعزاه إلى ابن ماجة، وأبي يعلى، والنسائي، وابن حبان، وأبي بكر بن أبي داود في «البعث»، والروياني، والرامهرمزي، والطبراني، والبيهقي في «البعث»، وسعيد بن منصور، عن أسامة بن زيد.
تنبيه: عزاه الحافظ المزي في «تحفة الأشراف» (١/ ٥٩) إلى ابن ماجة فقط، ولم يعزه للنسائي في «الصغرى»، ولا في «الكبرى»، وأظن أن عزوه للنسائي خطأ من المتقي الهندي.
(٣) ينظر: «التذكرة» (٥٩٦).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢/ ١٤٤٨- ١٤٤٩)، كتاب «الزهد»، باب صفة الجنة، حديث (٤٣٣٢)، وابن حبان (٢٦٢٠- موارد)، والطبراني في «الكبير» (١/ ١٦٢- ١٦٣)، رقم (٣٨٨)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (١/ ٣٠٤)، وأبو نعيم في «صفة الجنة»، رقم (٢٤)، والبيهقي في «البعث والنشور» (ص ٢٣٣)، رقم (٣٩١)، كلهم من طريق الضحاك المعافري، عن سليمان بن موسى، عن كريب مولى ابن عباس، عن أسامة بن زيد مرفوعا.
وقال البوصيري في «الزوائد» : في إسناده مقال، والضحاك المعافري ذكره ابن حبان في «الثقات» اهـ.
قال الحافظ في «التقريب» (١/ ٣٧٤) : الضحاك المعافري مقبول. اهـ.
يعني عند المتابعة، وإلا فهو لين كما ذكره هو في مقدمة «التقريب».
والحديث ذكره الهندي في «كنز العمال» (١٤/ ٤٦١)، وعزاه إلى ابن ماجة، وأبي يعلى، والنسائي، وابن حبان، وأبي بكر بن أبي داود في «البعث»، والروياني، والرامهرمزي، والطبراني، والبيهقي في «البعث»، وسعيد بن منصور، عن أسامة بن زيد.
تنبيه: عزاه الحافظ المزي في «تحفة الأشراف» (١/ ٥٩) إلى ابن ماجة فقط، ولم يعزه للنسائي في «الصغرى»، ولا في «الكبرى»، وأظن أن عزوه للنسائي خطأ من المتقي الهندي.
(٣) ينظر: «التذكرة» (٥٩٦).
202
بالذُّبَابِ ونحوه.
واختلف في قوله تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً، هل هو من قول الكافرين أو خبرٌ من اللَّه تعالى؟ ولا خلاف أن قوله تعالى: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ من قول اللَّه تعالى، والفسْقُ: الخروجُ عن الشيء، يقال: فَسَقَتِ الفَأْرَةُ، إِذا خرجَتْ من جحرها، والرُّطَبَةُ، إِذا خرجَتْ من قِشْرها، والفِسْقُ في عرف استعمال الشرْعِ: الخروجُ من طاعة اللَّه عزَّ وجلَّ بكُفْر أو عصيان.
قوله تعالى: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ: النَّقْضُ: ردُّ ما أبرم على أوله غير مبرمٍ، والعهدُ: في هذه الآية: التقدُّم في الشيء، والوَصَاةُ به، وظاهرٌ مما قبل وبعد أنه في جميع الكُفَّار.
ع «١» : وكل عهد جائزٌ بيْنَ المسلمين، فنقضه لا يحلُّ بهذه الآية، والخاسر الذي نَقَصَ نفسه حظَّها من الفلاحِ والفوزِ، والخسرانُ النقْصُ، كان في ميزانٍ أو غيره.
قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ: هو تقريرٌ وتوبيخٌ، أي: كيف تَكْفُرون، ونعمه عليكم وقدرته هذه، والواو في قوله: وَكُنْتُمْ واو الحال.
واختلف في قوله تعالى: وَكُنْتُمْ أَمْواتاً... الآية.
فقال ابن عبَّاس، وابن مسعود، ومجاهد: المعنى: كنتم أمواتاً معدومِينَ قبل أن تخلقوا دارسين كما يقال للشيء الدَّارِسِ: ميِّت، ثم خلقكم وأخرجكم إِلى الدنيا، فأحياكم، ثم يميتكم/ الموتَ المعهُودَ، ثم يحييكم للبعث يوم القيامة «٢»، وهذا التأويل هو ١٣ ب أولى ما قيل لأنه هو الذي لا محيد للكفار عن الإِقرار به، والضميرُ في «إِلَيْهِ» عائد على اللَّه تعالى، أي: إلى ثوابه أو عقابه، وخَلَقَ: معناه: اخترع، وأوجد بعد العدم، ولَكُمْ: معناه: لِلاِعتبار ويَدُلُّ عليه ما قبله وما بعده من نَصْب العِبَرِ: الإِحياء والإِماتة والاستواء إلى السماء وتسويتِها.
وقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ: «ثُمَّ» هنا: لترتيب الأخبار، لا لترتيب الأمر
واختلف في قوله تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً، هل هو من قول الكافرين أو خبرٌ من اللَّه تعالى؟ ولا خلاف أن قوله تعالى: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ من قول اللَّه تعالى، والفسْقُ: الخروجُ عن الشيء، يقال: فَسَقَتِ الفَأْرَةُ، إِذا خرجَتْ من جحرها، والرُّطَبَةُ، إِذا خرجَتْ من قِشْرها، والفِسْقُ في عرف استعمال الشرْعِ: الخروجُ من طاعة اللَّه عزَّ وجلَّ بكُفْر أو عصيان.
قوله تعالى: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ: النَّقْضُ: ردُّ ما أبرم على أوله غير مبرمٍ، والعهدُ: في هذه الآية: التقدُّم في الشيء، والوَصَاةُ به، وظاهرٌ مما قبل وبعد أنه في جميع الكُفَّار.
ع «١» : وكل عهد جائزٌ بيْنَ المسلمين، فنقضه لا يحلُّ بهذه الآية، والخاسر الذي نَقَصَ نفسه حظَّها من الفلاحِ والفوزِ، والخسرانُ النقْصُ، كان في ميزانٍ أو غيره.
قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ: هو تقريرٌ وتوبيخٌ، أي: كيف تَكْفُرون، ونعمه عليكم وقدرته هذه، والواو في قوله: وَكُنْتُمْ واو الحال.
واختلف في قوله تعالى: وَكُنْتُمْ أَمْواتاً... الآية.
فقال ابن عبَّاس، وابن مسعود، ومجاهد: المعنى: كنتم أمواتاً معدومِينَ قبل أن تخلقوا دارسين كما يقال للشيء الدَّارِسِ: ميِّت، ثم خلقكم وأخرجكم إِلى الدنيا، فأحياكم، ثم يميتكم/ الموتَ المعهُودَ، ثم يحييكم للبعث يوم القيامة «٢»، وهذا التأويل هو ١٣ ب أولى ما قيل لأنه هو الذي لا محيد للكفار عن الإِقرار به، والضميرُ في «إِلَيْهِ» عائد على اللَّه تعالى، أي: إلى ثوابه أو عقابه، وخَلَقَ: معناه: اخترع، وأوجد بعد العدم، ولَكُمْ: معناه: لِلاِعتبار ويَدُلُّ عليه ما قبله وما بعده من نَصْب العِبَرِ: الإِحياء والإِماتة والاستواء إلى السماء وتسويتِها.
وقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ: «ثُمَّ» هنا: لترتيب الأخبار، لا لترتيب الأمر
(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١١٣).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٢٢٢- ٢٢٣) برقم (٥٧٦- ٥٨٠) بنحوه، عن ابن عباس، ومجاهد. وذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١١٤)، والماوردي (١/ ٩٠)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٨٩)، والقرطبي (١/ ٢١٣).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٢٢٢- ٢٢٣) برقم (٥٧٦- ٥٨٠) بنحوه، عن ابن عباس، ومجاهد. وذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١١٤)، والماوردي (١/ ٩٠)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٨٩)، والقرطبي (١/ ٢١٣).
203
في نفسه، واسْتَوى: قال قومٌ: معناه: علا دون كَيْفٍ، ولا تحديدٍ، هذا اختيار الطبريِّ، والتقديرُ: علا أمره وقدرته وسلطانه، وقال ابن كَيْسَان: معناه: قصد إلى السماء.
ع «١» : أي: بخلقه، واختراعه، والقاعدةُ في هذه الآية ونحوها منع النّقْلَة وحلولِ الحوادث، ويبقى استواء القدرة والسلطان.
وفَسَوَّاهُنَّ: قيل: جعلهن سواءً، وقيل: سوى سطوحَهُنَّ بالإملاس، وقال الثعلبيُّ «٢» : فَسَوَّاهُنَّ، أي: خلقهن. انتهى. وهذه الآية تقتضي أن الأرض وما فيها خُلِقَ قبل السماء، وذلك صحيحٌ، ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء، وبهذا تتفق معاني الآيات هذه والتي في سورة «المُؤْمِنِ»، وفي «النازعات».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢)
وقوله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً: «إِذْ» ليست بزائدةٍ عند الجمهور، وإِنما هي معلَّقة بفعل مقدَّر، تقديره: واذكر إِذ قال، وإِضافةُ «رَبٍّ» إِلى محمد صلّى الله عليه وسلم، ومخاطبتُهُ بالكاف- تشريفٌ منه سبحانه لنبيِّه، وإِظهار لاِختصاصه به، و «الملائكةُ» : واحدها ملَكٌ، والهاء في «ملائكة» لتأنيث الجُموعِ غير حقيقيٍّ، وقيل: هي للمبالغة كعلّامة ونسّابة، والأول أبين.
وجاعِلٌ في هذه الآية بمعنى خَالِقٍ، وقال الحسن وقتادة: جاعلٌ بمعنى فاعل «٣»، وقال ابن سابط «٤» عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «إِنَّ الأَرْضَ هُنَا هِيَ مَكَّةُ لأَنَّ الأَرْضَ دحيت
ع «١» : أي: بخلقه، واختراعه، والقاعدةُ في هذه الآية ونحوها منع النّقْلَة وحلولِ الحوادث، ويبقى استواء القدرة والسلطان.
وفَسَوَّاهُنَّ: قيل: جعلهن سواءً، وقيل: سوى سطوحَهُنَّ بالإملاس، وقال الثعلبيُّ «٢» : فَسَوَّاهُنَّ، أي: خلقهن. انتهى. وهذه الآية تقتضي أن الأرض وما فيها خُلِقَ قبل السماء، وذلك صحيحٌ، ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء، وبهذا تتفق معاني الآيات هذه والتي في سورة «المُؤْمِنِ»، وفي «النازعات».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢)
وقوله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً: «إِذْ» ليست بزائدةٍ عند الجمهور، وإِنما هي معلَّقة بفعل مقدَّر، تقديره: واذكر إِذ قال، وإِضافةُ «رَبٍّ» إِلى محمد صلّى الله عليه وسلم، ومخاطبتُهُ بالكاف- تشريفٌ منه سبحانه لنبيِّه، وإِظهار لاِختصاصه به، و «الملائكةُ» : واحدها ملَكٌ، والهاء في «ملائكة» لتأنيث الجُموعِ غير حقيقيٍّ، وقيل: هي للمبالغة كعلّامة ونسّابة، والأول أبين.
وجاعِلٌ في هذه الآية بمعنى خَالِقٍ، وقال الحسن وقتادة: جاعلٌ بمعنى فاعل «٣»، وقال ابن سابط «٤» عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «إِنَّ الأَرْضَ هُنَا هِيَ مَكَّةُ لأَنَّ الأَرْضَ دحيت
(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١١٥).
(٢) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق النيسابوري الثعلبي. كان إماما كبيرا، حافظا للغة بارعا في العربية، روى عن أبي طاهر بن خزيمة، وأبي محمد المخلدي. أخذ عنه الواحدي. له: «العرائس في قصص الأنبياء» وكتاب «ربيع المذكرين». توفي (٤٢٧ هـ.).
ينظر ترجمته في: «بغية الوعاة» (١/ ٣٥٦)، و «النجوم الزاهرة» (٤/ ٢٨٣)، و «طبقات المفسرين» للداوودي (١/ ٦٦).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٢٣٥) برقم (٥٩٧)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٩٣)، عن الحسن، وعزاه لابن جرير.
(٤) عبد الرحمن بن سابط القرشي، الجمحي، المكي، عن عمر، ومعاذ مرسلا، وعن عائشة بواسطة، في-
(٢) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق النيسابوري الثعلبي. كان إماما كبيرا، حافظا للغة بارعا في العربية، روى عن أبي طاهر بن خزيمة، وأبي محمد المخلدي. أخذ عنه الواحدي. له: «العرائس في قصص الأنبياء» وكتاب «ربيع المذكرين». توفي (٤٢٧ هـ.).
ينظر ترجمته في: «بغية الوعاة» (١/ ٣٥٦)، و «النجوم الزاهرة» (٤/ ٢٨٣)، و «طبقات المفسرين» للداوودي (١/ ٦٦).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٢٣٥) برقم (٥٩٧)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٩٣)، عن الحسن، وعزاه لابن جرير.
(٤) عبد الرحمن بن سابط القرشي، الجمحي، المكي، عن عمر، ومعاذ مرسلا، وعن عائشة بواسطة، في-
204
مِنْ تَحْتِهَا وَلأنَّهَا مَقَرُّ مَنْ هَلَكَ قَوْمُهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّ قَبْرَ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ بين المقام والرّكن» «١».
وخَلِيفَةً: معناه: من يخلف.
قال ابن عبَّاس: كانت الجن قبل بني آدم في الأرض، فأفسدوا، وسَفَكُوا الدماء، فبعث اللَّه إِليهم قبيلاً من الملائكة قتلهم، وألْحَقَ فَلَّهُمْ «٢»، بجزائرِ البحار، ورؤوسِ الجبالِ، وجعل آدم وذريته خليفةً «٣»، وقال ابن مسعود: إنما معناه: خليفةٌ مني في الحُكْمِ «٤».
وقوله تعالى: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها... الآيةَ: قد علمنا قطعًا أن الملائكة لا تعلم الغيْبَ، ولا تسبق القول، وذلك عَامٌّ في جميع الملائكة، لأن قوله تعالى: لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ [الأنبياء: ٢٧] خرج على جهة المدح لهم، قال القاضي ابن الطَّيِّب «٥» : فهذه قرينة العموم، فلا يصح مع هذين الشرطَيْن إِلا أن يكون عندهم من إفساد الخليفة نبأٌ ومقدِّمة.
قال ابن زيد وغيره: إن اللَّه تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكونُ من ذريته قومٌ يفسدونَ، ويسفكون الدماء «٦» فقالوا لذلك هذه المقالةَ: إِما على طريق التعجُّب من استخلاف الله
وخَلِيفَةً: معناه: من يخلف.
قال ابن عبَّاس: كانت الجن قبل بني آدم في الأرض، فأفسدوا، وسَفَكُوا الدماء، فبعث اللَّه إِليهم قبيلاً من الملائكة قتلهم، وألْحَقَ فَلَّهُمْ «٢»، بجزائرِ البحار، ورؤوسِ الجبالِ، وجعل آدم وذريته خليفةً «٣»، وقال ابن مسعود: إنما معناه: خليفةٌ مني في الحُكْمِ «٤».
وقوله تعالى: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها... الآيةَ: قد علمنا قطعًا أن الملائكة لا تعلم الغيْبَ، ولا تسبق القول، وذلك عَامٌّ في جميع الملائكة، لأن قوله تعالى: لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ [الأنبياء: ٢٧] خرج على جهة المدح لهم، قال القاضي ابن الطَّيِّب «٥» : فهذه قرينة العموم، فلا يصح مع هذين الشرطَيْن إِلا أن يكون عندهم من إفساد الخليفة نبأٌ ومقدِّمة.
قال ابن زيد وغيره: إن اللَّه تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكونُ من ذريته قومٌ يفسدونَ، ويسفكون الدماء «٦» فقالوا لذلك هذه المقالةَ: إِما على طريق التعجُّب من استخلاف الله
- مسلم فرد حديث، وسعد، وجابر، وعنه علقمة بن مرثد، وابن جريج، والليث، وخلق. وثقه ابن معين وقال: لم يسمع من أبي أمامة، والدارقطني، قال ابن سعد: مات بمكة سنة ثماني عشرة ومائة. ينظر: «الخلاصة» (٢/ ١٣٣)، «تهذيب التهذيب» (٦/ ١٨٠)، «الثقات» (٧/ ٦٩).
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١/ ٤٤٨- شاكر)، وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ٧٠) من طريق عطاء عن ابن سابط به مرفوعا.
وقال ابن كثير: وهذا مرسل، وفي سنده ضعف.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٩٥)، وزاد نسبته إلى ابن عساكر.
(٢) الفلّ: المنهزمون. ينظر: «لسان العرب» (٣٤٦٦).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٢٣٦) برقم (٦٠١)، وصححه الحاكم (٢/ ٢٦١)، ووافقه الذهبي، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٩٣).
(٤) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١١٦)، والماوردي (١/ ٩٥).
(٥) محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر: قاض من كبار علماء الكلام انتهت إليه الرياسة في مذهب الأشاعرة، ولد في «البصرة» سنة (٣٣٨) هـ. ، وسكن «بغداد» فتوفي فيها سنة (٤٠٣. هـ.)، كان جيد الاستنباط، سريع الجواب. من تصانيفه: «إعجاز القرآن»، و «الإنصاف»، و «مناقب الأئمة»، و «دقائق الكلام»، و «الملل والنحل»، و «هداية المرشدين»، وغير ذلك.
ينظر: «الأعلام» (٦/ ١٧٦)، «وفيات الأعيان» (١/ ٤٨١)، «قضاة الأندلس» (٣٧- ٤٠)، «تاريخ بغداد» (٥/ ٣٧٩). [.....]
(٦) أخرجه الطبري (١/ ٢٤٤) برقم (٦١٤- ٦١٥- ٦١٦)، عن ابن زيد، وابن إسحاق، وابن جريج، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٩٤)، عن ابن زيد، وعزاه لابن جرير.
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١/ ٤٤٨- شاكر)، وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ٧٠) من طريق عطاء عن ابن سابط به مرفوعا.
وقال ابن كثير: وهذا مرسل، وفي سنده ضعف.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٩٥)، وزاد نسبته إلى ابن عساكر.
(٢) الفلّ: المنهزمون. ينظر: «لسان العرب» (٣٤٦٦).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٢٣٦) برقم (٦٠١)، وصححه الحاكم (٢/ ٢٦١)، ووافقه الذهبي، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٩٣).
(٤) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١١٦)، والماوردي (١/ ٩٥).
(٥) محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر: قاض من كبار علماء الكلام انتهت إليه الرياسة في مذهب الأشاعرة، ولد في «البصرة» سنة (٣٣٨) هـ. ، وسكن «بغداد» فتوفي فيها سنة (٤٠٣. هـ.)، كان جيد الاستنباط، سريع الجواب. من تصانيفه: «إعجاز القرآن»، و «الإنصاف»، و «مناقب الأئمة»، و «دقائق الكلام»، و «الملل والنحل»، و «هداية المرشدين»، وغير ذلك.
ينظر: «الأعلام» (٦/ ١٧٦)، «وفيات الأعيان» (١/ ٤٨١)، «قضاة الأندلس» (٣٧- ٤٠)، «تاريخ بغداد» (٥/ ٣٧٩). [.....]
(٦) أخرجه الطبري (١/ ٢٤٤) برقم (٦١٤- ٦١٥- ٦١٦)، عن ابن زيد، وابن إسحاق، وابن جريج، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٩٤)، عن ابن زيد، وعزاه لابن جرير.
205
من يعصيه، أو من عصيان من يستخلفُهُ اللَّهُ في أرضه وينعم علَيْه بذلك، وإِما على طريق الاِستعظامِ والإِكبار للفصلَيْن جميعاً الاستخلاف، والعصيان.
١٤ أوقال أحمد بن يَحْيَى/ ثَعْلَبٌ «١» وغيره: إنما كانت الملائكة قد رأَتْ، وعلمت ما كان من إفساد الجِنِّ، وسفكهم الدماء في الأرض فجاء قولهم: أَتَجْعَلُ فِيها... «٢»
الآية على جهة الاستفهام المحض، هل هذا الخليفة يا ربَّنَا على طريقة من تقدَّم من الجِنِّ أم لا؟
وقال آخرون: كان اللَّه تعالى قد أعلم الملائكة أنه يخلق في الأرضِ خلْقاً يفسدون، ويسفكون الدماء، فلما قال لهم سبحانه بعد ذلك: إِنِّي جاعِلٌ قالوا: رَبَّنَا، أَتَجْعَلُ فِيها... الآيةَ على جهة الاسترشاد والاستعلام، هل هذا الخليفةُ هو الذي كان أعلمهم به سبحانه قبل، أو غيره؟ ونحو هذا في «مختصر الطبريِّ»، قال: وقولهم:
أَتَجْعَلُ فِيها ليس بإنكار لفعله عز وجلّ وحكمه، بل استخبارٌ، هل يكون الأمر هكذا، وقد وجَّهه بعضهم بأنهم استعظموا الإِفسادَ وسفْكَ الدماء فكأنهم سألوا عن وجه الحكمة في ذلك إذ علموا أنه عز وجل لا يفعل إِلا حكمة. انتهى.
ت: والعقيدة أن الملائكة معصومون، فلا يقع منهم ما يوجب نقصانًا من رتبتهم، وشريف منزلتهم- صلوات اللَّه وسلامُهُ على جميعهم- والسفك صبُّ الدَّمِ، هذا عُرْفُه، وقولهم: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ.
قال بعض المتأوّلين: هو على جهة الاستفهام كأنهم أرادوا: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ... الآيةَ، أم نتغير عن هذه الحال؟
قال ع «٣» : وهذا يحسن مع القول بالاستفهام المحْضِ في قولهم: أَتَجْعَلُ.
وقال آخرون: معناه: التمدُّح ووصف حالهم، وذلك جائز لهم كما قال يوسُفُ:
إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: ٥٥]، وهذا يحسن مع التعجُّب والاستعظام لأن يستخلف الله
١٤ أوقال أحمد بن يَحْيَى/ ثَعْلَبٌ «١» وغيره: إنما كانت الملائكة قد رأَتْ، وعلمت ما كان من إفساد الجِنِّ، وسفكهم الدماء في الأرض فجاء قولهم: أَتَجْعَلُ فِيها... «٢»
الآية على جهة الاستفهام المحض، هل هذا الخليفة يا ربَّنَا على طريقة من تقدَّم من الجِنِّ أم لا؟
وقال آخرون: كان اللَّه تعالى قد أعلم الملائكة أنه يخلق في الأرضِ خلْقاً يفسدون، ويسفكون الدماء، فلما قال لهم سبحانه بعد ذلك: إِنِّي جاعِلٌ قالوا: رَبَّنَا، أَتَجْعَلُ فِيها... الآيةَ على جهة الاسترشاد والاستعلام، هل هذا الخليفةُ هو الذي كان أعلمهم به سبحانه قبل، أو غيره؟ ونحو هذا في «مختصر الطبريِّ»، قال: وقولهم:
أَتَجْعَلُ فِيها ليس بإنكار لفعله عز وجلّ وحكمه، بل استخبارٌ، هل يكون الأمر هكذا، وقد وجَّهه بعضهم بأنهم استعظموا الإِفسادَ وسفْكَ الدماء فكأنهم سألوا عن وجه الحكمة في ذلك إذ علموا أنه عز وجل لا يفعل إِلا حكمة. انتهى.
ت: والعقيدة أن الملائكة معصومون، فلا يقع منهم ما يوجب نقصانًا من رتبتهم، وشريف منزلتهم- صلوات اللَّه وسلامُهُ على جميعهم- والسفك صبُّ الدَّمِ، هذا عُرْفُه، وقولهم: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ.
قال بعض المتأوّلين: هو على جهة الاستفهام كأنهم أرادوا: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ... الآيةَ، أم نتغير عن هذه الحال؟
قال ع «٣» : وهذا يحسن مع القول بالاستفهام المحْضِ في قولهم: أَتَجْعَلُ.
وقال آخرون: معناه: التمدُّح ووصف حالهم، وذلك جائز لهم كما قال يوسُفُ:
إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: ٥٥]، وهذا يحسن مع التعجُّب والاستعظام لأن يستخلف الله
(١) هو: أبو العباس أحمد بن يحيى بن يسار، وقيل: سيار الشيباني، المعروف بثعلب، إمام الكوفيين في النحو واللغة. صنف: «المصون في النحو»، و «معاني القرآن»، و «ما تلحن فيه العامة»، و «الفصيح» وغيرها. توفي (٢٩١ هـ).
ينظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» (١/ ٣٠)، و «بغية الوعاة» (١/ ٢٩٦)، و «غاية النهاية» (١/ ١٤٨).
(٢) ينظر: ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١١٧).
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١١٨).
ينظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» (١/ ٣٠)، و «بغية الوعاة» (١/ ٢٩٦)، و «غاية النهاية» (١/ ١٤٨).
(٢) ينظر: ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١١٧).
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١١٨).
206
من يعصيه في قولهم: أَتَجْعَلُ، وعلى هذا أدَّبهم بقوله تعالى: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، ومعنى: نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ: ننزِّهك عما لا يليق بصفاتك، وقال ابن عبَّاس وابن مسعود: تسبيحُ الملائكةِ صلاتهم للَّه سبحانه «١»، وقال قتادةُ: تسبيحهم قولهم: «سبحانَ اللَّهِ» على عرفه «٢» في اللغة، وبِحَمْدِكَ: معناه نَصِلُ التسبيح بالحمدِ، ويحتمل أن يكون قولهم: بِحَمْدِكَ اعتراضا بين الكلامين كأنهم قالوا: ونحن نسبِّح ونقدِّس، وأنت المحمود في الهداية إِلى ذلك، وخرَّج مسلم في صحيحه عن أبي ذَرٍّ «٣» قال: قال لِي رسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: «أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ تعالى؟ إِنَّ أَحَبَّ الكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ تعالى:
«سبحان الله وَبِحَمْدِهِ»، وفي رواية: «سُئِلَ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وسلَّم، أَيُّ الكَلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:
مَا اصطفى اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ» «٤» وفي صحيحَي البخاريِّ ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ الله العظيم» «٥» وهذا الحديث
«سبحان الله وَبِحَمْدِهِ»، وفي رواية: «سُئِلَ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وسلَّم، أَيُّ الكَلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:
مَا اصطفى اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ» «٤» وفي صحيحَي البخاريِّ ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ الله العظيم» «٥» وهذا الحديث
(١) أخرجه الطبري (١/ ٢٤٨) برقم (٦١٩)، وذكره البغوي (١/ ٦٠)، وابن عطية الأندلسي (١/ ١١٨)، والقرطبي (١/ ٢٣٦)، وابن كثير (١/ ٧١).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٢٤٨) برقم (٦٢٠)، وعبد الرزاق في التفسير (١/ ٤٢)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٩٥).
(٣) قيل هو: جندب بن جنادة بن سكن. وقيل: عبد الله، وقيل: اسمه: برير وقيل بالتصغير، والاختلاف في أبيه كذلك، وشهرته: أبو ذر الغفاري. قلت: كان من كبار الصحابة وفضلائهم ومشاهيرهم وزهادهم، قديم الإسلام، قويّا في الحق، صادق اللهجة. ولا يتسع المقام للحديث عنه، وقد ألفت في سيرته المؤلفات الكثيرة. توفي ب «الربذة» سنة (٣١ أو ٣٢).
تنظر ترجمته في: «أسد الغابة» (١/ ٣٥٧)، «الإصابة» (٧/ ٦٠)، «بقي بن مخلد» (١٥)، «تجريد أسماء الصحابة» (٢/ ١٦٤)، «حلية الأولياء» (١/ ١٢٧)، «تهذيب الكمال» (١٦٠٣)، «تقريب التهذيب» (٢/ ٤٢٠)، «تهذيب التهذيب» (١٢/ ٩٠)، «الزهد» لوكيع (٣٣)، «شذرات الذهب» (١/ ٣١).
(٤) أخرجه مسلم (٤/ ٢٠٩٣- ٢٠٩٤)، كتاب «الذكر والدعاء»، باب فضل سبحان الله وبحمده، حديث (٨٤، ٨٥/ ٢٧٣١)، من طريق عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر به.
(٥) أخرجه البخاري (١١/ ٢١٠)، كتاب «الدعوات»، باب فضل التسبيح، حديث (٦٤٠٦)، و (١١/ ٥٧٥)، كتاب «الأيمان والنذور»، باب إذا قال: والله لا أتكلم اليوم فصلى، حديث (٦٦٨٢)، و (١٣/ ٥٤٧)، كتاب «التوحيد»، باب قول الله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ، حديث (٧٥٦٣)، ومسلم (٤/ ٢٠٧٢)، كتاب «الذكر والدعاء»، باب فضل التهليل، والتسبيح، والدعاء، حديث (٣١/ ٢٦٩٤)، والترمذي (٥/ ٥١٢)، كتاب «الدعوات»، باب (٦٠)، حديث (٣٤٦٧)، وابن ماجة (٢/ ١٢٥١)، كتاب «الأدب»، باب فضل التسبيح، حديث (٣٨٠٦)، والنسائي في «الكبرى» (٦/ ٢٠٧- ٢٠٨)، كتاب «عمل اليوم والليلة»، باب ما يثقل الميزان، حديث (١٠٦٦٦)، وأحمد (٢/ ٢٣٢)، وأبو يعلى (١٠/ ٤٨٣)، رقم (٦٠٩٦)، وابن حبان (٣/ ١١٢- ١١٣)، رقم (٨٣١)، (٣/-
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٢٤٨) برقم (٦٢٠)، وعبد الرزاق في التفسير (١/ ٤٢)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٩٥).
(٣) قيل هو: جندب بن جنادة بن سكن. وقيل: عبد الله، وقيل: اسمه: برير وقيل بالتصغير، والاختلاف في أبيه كذلك، وشهرته: أبو ذر الغفاري. قلت: كان من كبار الصحابة وفضلائهم ومشاهيرهم وزهادهم، قديم الإسلام، قويّا في الحق، صادق اللهجة. ولا يتسع المقام للحديث عنه، وقد ألفت في سيرته المؤلفات الكثيرة. توفي ب «الربذة» سنة (٣١ أو ٣٢).
تنظر ترجمته في: «أسد الغابة» (١/ ٣٥٧)، «الإصابة» (٧/ ٦٠)، «بقي بن مخلد» (١٥)، «تجريد أسماء الصحابة» (٢/ ١٦٤)، «حلية الأولياء» (١/ ١٢٧)، «تهذيب الكمال» (١٦٠٣)، «تقريب التهذيب» (٢/ ٤٢٠)، «تهذيب التهذيب» (١٢/ ٩٠)، «الزهد» لوكيع (٣٣)، «شذرات الذهب» (١/ ٣١).
(٤) أخرجه مسلم (٤/ ٢٠٩٣- ٢٠٩٤)، كتاب «الذكر والدعاء»، باب فضل سبحان الله وبحمده، حديث (٨٤، ٨٥/ ٢٧٣١)، من طريق عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر به.
(٥) أخرجه البخاري (١١/ ٢١٠)، كتاب «الدعوات»، باب فضل التسبيح، حديث (٦٤٠٦)، و (١١/ ٥٧٥)، كتاب «الأيمان والنذور»، باب إذا قال: والله لا أتكلم اليوم فصلى، حديث (٦٦٨٢)، و (١٣/ ٥٤٧)، كتاب «التوحيد»، باب قول الله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ، حديث (٧٥٦٣)، ومسلم (٤/ ٢٠٧٢)، كتاب «الذكر والدعاء»، باب فضل التهليل، والتسبيح، والدعاء، حديث (٣١/ ٢٦٩٤)، والترمذي (٥/ ٥١٢)، كتاب «الدعوات»، باب (٦٠)، حديث (٣٤٦٧)، وابن ماجة (٢/ ١٢٥١)، كتاب «الأدب»، باب فضل التسبيح، حديث (٣٨٠٦)، والنسائي في «الكبرى» (٦/ ٢٠٧- ٢٠٨)، كتاب «عمل اليوم والليلة»، باب ما يثقل الميزان، حديث (١٠٦٦٦)، وأحمد (٢/ ٢٣٢)، وأبو يعلى (١٠/ ٤٨٣)، رقم (٦٠٩٦)، وابن حبان (٣/ ١١٢- ١١٣)، رقم (٨٣١)، (٣/-
207
به ختم البخاريُّ رحمه اللَّه. انتهى.
وَنُقَدِّسُ لَكَ: قال الضَّحَّاك وغيره: معناه: نُطَهِّرُ أنفسنا لك ابتغاء مرضاتك، والتقديسُ: التطهير بلا خلافٍ «١»، ومنه الأرض المقدَّسة، أي: المطهَّرة، وقال آخرون:
وَنُقَدِّسُ لَكَ: معناه: نقدِّسك، أي: نعظِّمك ونطهِّر ذكرك ممَّا لا يليقُ به، قاله مجاهد وغيره «٢».
وقوله تعالى: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.
قال ابن عبَّاس: كان إِبليس- لعنه اللَّه- قد أُعْجِبَ بنفسه، ودخله الكِبْرُ لما جعله الله ١٤ ب خَازِنَ السماء الدنيا/، واعتقد أن ذلك لمزيَّة له، فلما قالت الملائكة: ونحن نسبِّح بحمدك ونقدِّس لك، وهي لا تعلم أنَّ في نفْسِ إِبليسَ خلافَ ذلك، قال اللَّه سبحانه: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ يعني ما في نفس إِبْلِيسَ «٣».
وقال قتادة: لما قالتِ الملائكةُ: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها، وقد علم اللَّه أنَّ في مَنْ يستخلفُ في الأرض أنبياءَ وفضلاءَ وأهلَ طاعةٍ، قال لهم: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، يعني: أفعالَ الفضلاء «٤».
وَنُقَدِّسُ لَكَ: قال الضَّحَّاك وغيره: معناه: نُطَهِّرُ أنفسنا لك ابتغاء مرضاتك، والتقديسُ: التطهير بلا خلافٍ «١»، ومنه الأرض المقدَّسة، أي: المطهَّرة، وقال آخرون:
وَنُقَدِّسُ لَكَ: معناه: نقدِّسك، أي: نعظِّمك ونطهِّر ذكرك ممَّا لا يليقُ به، قاله مجاهد وغيره «٢».
وقوله تعالى: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.
قال ابن عبَّاس: كان إِبليس- لعنه اللَّه- قد أُعْجِبَ بنفسه، ودخله الكِبْرُ لما جعله الله ١٤ ب خَازِنَ السماء الدنيا/، واعتقد أن ذلك لمزيَّة له، فلما قالت الملائكة: ونحن نسبِّح بحمدك ونقدِّس لك، وهي لا تعلم أنَّ في نفْسِ إِبليسَ خلافَ ذلك، قال اللَّه سبحانه: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ يعني ما في نفس إِبْلِيسَ «٣».
وقال قتادة: لما قالتِ الملائكةُ: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها، وقد علم اللَّه أنَّ في مَنْ يستخلفُ في الأرض أنبياءَ وفضلاءَ وأهلَ طاعةٍ، قال لهم: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، يعني: أفعالَ الفضلاء «٤».
- ١٢١- ١٢٢)، رقم (٨٤١)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص ٤٩٩)، وفي «شعب الإيمان» (١/ ٤٢٠)، رقم (٥٩١)، والبغوي في «شرح السنة» (٣/ ٨١- بتحقيقنا)، وابن الجوزي في «مشيخته» (ص ٨٧)، كلهم من طريق محمد بن فضيل، ثنا عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
(١) أخرجه الطبري (١/ ٢٤٩) برقم (٦٢٥)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٩٥)، عن ابن عباس، وذكره ابن كثير (١/ ٧١).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٢٤٩) برقم (٦٢٣)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٩٥)، وابن كثير (١/ ٧١).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٢٤٩) برقم (٦٢٦)، وقال أحمد شاكر: بشر بن عمارة ضعيف، قال البخاري في «التاريخ الكبير» (١/ ٢/ ٨١) : تعرف وتنكر.
وقال النسائي في «الضعفاء» ص ٦: ضعيف. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن حبان في كتاب:
«المجروحين» (ص ١٢٥) رقم، (١٣٢) : كان يخطىء حتى خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد، ولم يكن يعلم الحديث ولا صناعته، وأما شيخه أبو روق فهو عطية بن الحارث الهمداني، وهو ثقة، وقال أحمد والنسائي: «لا بأس به»، وقد أشار ابن كثير إليه بالانقطاع لأجل اختلافهم في سماع الضحاك بن مزاحم الهلالي من ابن عباس وقد رجح أحمد شاكر في «شرح المسند» (٢٢٦٢) سماعه منه، ثم قال:
وكفى ببشر بن عمارة ضعفا في الإسناد إلى نكارة السياق الذي رواه وغرابته. اهـ.
(٤) أخرجه الطبري (١/ ٢٥٠) برقم (٦٣٩)، وقال أحمد شاكر: ذكره ابن كثير (١/ ١٣٠)، و «الدر المنثور» (١/ ٤٦)، و «الشوكاني» (١/ ٥٠). [.....]
(١) أخرجه الطبري (١/ ٢٤٩) برقم (٦٢٥)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٩٥)، عن ابن عباس، وذكره ابن كثير (١/ ٧١).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٢٤٩) برقم (٦٢٣)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٩٥)، وابن كثير (١/ ٧١).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٢٤٩) برقم (٦٢٦)، وقال أحمد شاكر: بشر بن عمارة ضعيف، قال البخاري في «التاريخ الكبير» (١/ ٢/ ٨١) : تعرف وتنكر.
وقال النسائي في «الضعفاء» ص ٦: ضعيف. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن حبان في كتاب:
«المجروحين» (ص ١٢٥) رقم، (١٣٢) : كان يخطىء حتى خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد، ولم يكن يعلم الحديث ولا صناعته، وأما شيخه أبو روق فهو عطية بن الحارث الهمداني، وهو ثقة، وقال أحمد والنسائي: «لا بأس به»، وقد أشار ابن كثير إليه بالانقطاع لأجل اختلافهم في سماع الضحاك بن مزاحم الهلالي من ابن عباس وقد رجح أحمد شاكر في «شرح المسند» (٢٢٦٢) سماعه منه، ثم قال:
وكفى ببشر بن عمارة ضعفا في الإسناد إلى نكارة السياق الذي رواه وغرابته. اهـ.
(٤) أخرجه الطبري (١/ ٢٥٠) برقم (٦٣٩)، وقال أحمد شاكر: ذكره ابن كثير (١/ ١٣٠)، و «الدر المنثور» (١/ ٤٦)، و «الشوكاني» (١/ ٥٠). [.....]
208
وقوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها: معناه: عرَّف، وتعليم آدم هنا عند قومٍ إِلهامُ علمه ضرورةً، وقال قوم: بل تعليمٌ بقولٍ إما بواسطة مَلَكٍ، أو بتكليمٍ قبل هبوطه الأرضَ، فلا يشارك موسى- عليه السلام- في خَاصَّته.
ت: قال الشيخ العارف بالله عبد الله بن أبي جمرة: تعليمه سبحانه لآِدم الأسماء كلَّها، إِنما كان بالعلْم اللدنيِّ بلا واسطة. انتهى من كتابه الذي شرح فيه بعض أحاديث البخاريِّ، وكل ما أنقله عنه، فمنه، واختلف المتأوِّلون في قوله: الْأَسْماءَ:
فقال جمهور الأُمَّة: علَّمه التسميات، وقال قومٌ: عرض عليه الأشخاص، والأول أبين ولفظة عَلَّمَ تعطي ذلك.
ثم اختلف الجمهورُ في أيِّ الأسماء علَّمه، فقال ابن عبَّاسٍ، وقتادة، ومجاهدٌ: علَّمه اسم كلِّ شيء من جميع المخلوقات دقيقها، وجليلها «١»، وقال الطبريُّ «٢» : علَّمه أسماء ذريته، والملائكة ورجَّحه بقوله تعالى: ثُمَّ عَرَضَهُمْ وقال أكثر العلماء: عَلَّمه تعالى منافعَ كلِّ شيء، ولما يصلَح.
وقيل غير هذا.
واختلف المتأوِّلون، هل عرض على الملائكة أشخاص الأسماء أو الأسماء دون الأشخاص؟.
وأَنْبِئُونِي: معناه: أخبروني، والنبأ: الخبر، وقال قوم: يخرج من هذا الأمر بالإنباء تكليفُ ما لا يطاقُ «٣»، ويتقرَّر جوازه لأنه سبحانه عَلِمَ أنهم لا يعلمون.
ت: قال الشيخ العارف بالله عبد الله بن أبي جمرة: تعليمه سبحانه لآِدم الأسماء كلَّها، إِنما كان بالعلْم اللدنيِّ بلا واسطة. انتهى من كتابه الذي شرح فيه بعض أحاديث البخاريِّ، وكل ما أنقله عنه، فمنه، واختلف المتأوِّلون في قوله: الْأَسْماءَ:
فقال جمهور الأُمَّة: علَّمه التسميات، وقال قومٌ: عرض عليه الأشخاص، والأول أبين ولفظة عَلَّمَ تعطي ذلك.
ثم اختلف الجمهورُ في أيِّ الأسماء علَّمه، فقال ابن عبَّاسٍ، وقتادة، ومجاهدٌ: علَّمه اسم كلِّ شيء من جميع المخلوقات دقيقها، وجليلها «١»، وقال الطبريُّ «٢» : علَّمه أسماء ذريته، والملائكة ورجَّحه بقوله تعالى: ثُمَّ عَرَضَهُمْ وقال أكثر العلماء: عَلَّمه تعالى منافعَ كلِّ شيء، ولما يصلَح.
وقيل غير هذا.
واختلف المتأوِّلون، هل عرض على الملائكة أشخاص الأسماء أو الأسماء دون الأشخاص؟.
وأَنْبِئُونِي: معناه: أخبروني، والنبأ: الخبر، وقال قوم: يخرج من هذا الأمر بالإنباء تكليفُ ما لا يطاقُ «٣»، ويتقرَّر جوازه لأنه سبحانه عَلِمَ أنهم لا يعلمون.
(١) أخرجه الطبري (١/ ٢٥٢) برقم (٦٤٦- ٦٤٧- ٦٤٨- ٦٤٩- ٦٥٦)، وعبد الرزاق في تفسيره (١/ ٤٢- ٤٣)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٠٠- ١٠١).
(٢) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٤٨٥).
(٣) حاصل ما في شرح «المواقف»، أشار إليه «الخالي» هو أن ما لا يطاق على ثلاث مراتب:
الأولى: ما يمكن في نفسه لكن يمتنع من العبد لعلم الله (تعالى) بعدم وقوعه، كإيمان أبي لهب، وهي المرتبة الأولى من مراتب ما لا يطاق فإن هذا مقدور للمكلف بالنظر إلى ذاته، وممتنع له بالنظر إلى علم الله (تعالى) بعدم وقوعه، ومعنى كونه مقدورا أنه يجوز تعلق القدرة الحادثة أي قدرة المكلف به لا أنه متعلق القدرة بالفعل لأن القدرة الحادثة لا تتعلق بمثل هذا الفعل لأن القدرة الحادثة عندنا مع الفعل لا قبله، فلا يتصور تعلقه بما لم يقع. ثم إن التكليف بهذا المحال جائز وواقع اتفاقا، ولا خلاف فيه للمعتزلة.
الثانية: ما يمكن في نفسه لكن يمتنع من العبد عادة، كخلق الأجسام، وحمل الجبل، والطيران إلى-
(٢) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٤٨٥).
(٣) حاصل ما في شرح «المواقف»، أشار إليه «الخالي» هو أن ما لا يطاق على ثلاث مراتب:
الأولى: ما يمكن في نفسه لكن يمتنع من العبد لعلم الله (تعالى) بعدم وقوعه، كإيمان أبي لهب، وهي المرتبة الأولى من مراتب ما لا يطاق فإن هذا مقدور للمكلف بالنظر إلى ذاته، وممتنع له بالنظر إلى علم الله (تعالى) بعدم وقوعه، ومعنى كونه مقدورا أنه يجوز تعلق القدرة الحادثة أي قدرة المكلف به لا أنه متعلق القدرة بالفعل لأن القدرة الحادثة لا تتعلق بمثل هذا الفعل لأن القدرة الحادثة عندنا مع الفعل لا قبله، فلا يتصور تعلقه بما لم يقع. ثم إن التكليف بهذا المحال جائز وواقع اتفاقا، ولا خلاف فيه للمعتزلة.
الثانية: ما يمكن في نفسه لكن يمتنع من العبد عادة، كخلق الأجسام، وحمل الجبل، والطيران إلى-
209
وقال المحقِّقون من أهل التأويل: ليس هذا على جهة التكليفِ، إِنما هو على جهة التقرير والتوقيف.
وقوله تعالى: هؤُلاءِ ظاهره حضورُ أشخاصٍ، وذلك عند العرض على الملائكة، وليس في هذه الآية ما يدلُّ أن الاسم هو المسمى كما ذهب إِليه مَكِّيٌّ والمَهْدَوِيُّ.
والذي يظهر أن اللَّه تعالى علَّم آدم الأسماء، وعرض مع ذلك عليه الأجناس أشخاصاً، ثم عرض تلك على الملائكة، وسألهم عن تسمياتها التي قد تعلَّمها آدم، ثم إِن آدم قال لهم: هذا اسمه كذا، وهذا اسمه كذا.
وَهَؤُلاءِ: مبنيٌّ على الكسر، وكُنْتُمْ في موضع الجزمِ بالشرْطِ، والجواب عند سيبويه: فيما قبله، وعند المبرِّد: محذوفٌ تقديره: إِن كنتمْ صادِقِينَ، فَأَنْبِئوني، وقال ابن عبَّاس وابن مسعود وناس من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم: معنى الآية: إِنْ كنتم صادِقِينَ في أنَّ الخليفةَ يُفْسِدُ ويسفك «١».
ت: وفي النفس من هذا القول شيءٌ، والملائكة منزَّهون معصومون كما تقدَّم، والصواب ما تقدَّم من التفسير عند قوله تعالى: أَتَجْعَلُ فِيها... الآية.
وقوله تعالى: هؤُلاءِ ظاهره حضورُ أشخاصٍ، وذلك عند العرض على الملائكة، وليس في هذه الآية ما يدلُّ أن الاسم هو المسمى كما ذهب إِليه مَكِّيٌّ والمَهْدَوِيُّ.
والذي يظهر أن اللَّه تعالى علَّم آدم الأسماء، وعرض مع ذلك عليه الأجناس أشخاصاً، ثم عرض تلك على الملائكة، وسألهم عن تسمياتها التي قد تعلَّمها آدم، ثم إِن آدم قال لهم: هذا اسمه كذا، وهذا اسمه كذا.
وَهَؤُلاءِ: مبنيٌّ على الكسر، وكُنْتُمْ في موضع الجزمِ بالشرْطِ، والجواب عند سيبويه: فيما قبله، وعند المبرِّد: محذوفٌ تقديره: إِن كنتمْ صادِقِينَ، فَأَنْبِئوني، وقال ابن عبَّاس وابن مسعود وناس من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم: معنى الآية: إِنْ كنتم صادِقِينَ في أنَّ الخليفةَ يُفْسِدُ ويسفك «١».
ت: وفي النفس من هذا القول شيءٌ، والملائكة منزَّهون معصومون كما تقدَّم، والصواب ما تقدَّم من التفسير عند قوله تعالى: أَتَجْعَلُ فِيها... الآية.
- السماء. وهذه المرتبة الوسطى من مراتب ما لا يطاق، والتكليف بهذا جائز عندنا وإن لم يقع، كما دل عليه الاستقراء، وقوله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة: ٢٨٦] وما يتوهم من ظاهر بعض الآيات أنه تكليف بهذا المحال، كقوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة: ٢٣] فهو للتعجيز لا للتكليف، ومنعت المعتزلة جواز التكليف لكونه قبيحا منه تعالى عقلا عندهم كما في الشاهد فإن من كلف الأعمى نقط المصاحف والزمنى المشي إلى أقصى البلاد، عد سفيها، وقبح ذلك في بداهة العقول. والجواب: أنه لا يقبح منه تعالى شيء، ولا يجب عليه، إذ يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، والمفهوم من كلام صاحب «التوضيح» أن مذهب الماتريدية هنا كمذهب المعتزلة إلا أن عدم جوازه عند الماتريدية بناء على أنه لا يليق من حكمته وفضله. وعند المعتزلة بناء على أن الأصلح واجب على الله (تعالى).
الثالثة: ما يمكن في نفسه ولكن يمتنع لنفس مفهومه، كجمع الضدين، وقلب الحقائق. وهي المرتبة القصوى من مراتب ما لا يطاق، والتكليف به لا يقع ولا يجوز بالاتفاق، أما أنه لا يقع قط فلأنه لم يوجد بالاستقراء، وأما أنه لا يجوز فلأن جواز التكليف فرع تصوره، ولا يمكن تصوره. وفي شرح «المواقف» أن بعضا منا قالوا بوقوع تصوره، فما ذكره صاحب «المواقف» من أن جواز التكليف بالممتنع لذاته فرع تصوره يشعر بأن هؤلاء يجوزونه.
ينظر: «نشر الطوالع» (٢٩٥- ٢٩٧)، و «البرهان» (١/ ١٠٢)، و «المنخول» (ص ٢٢)، و «المحصول» (١/ ٢/ ٣٥٧)، والمتصفي» (١/ ٧٤).
(١) أخرجه الطبري (١/ ٢٥٥) برقم (٦٧٢)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٠١).
الثالثة: ما يمكن في نفسه ولكن يمتنع لنفس مفهومه، كجمع الضدين، وقلب الحقائق. وهي المرتبة القصوى من مراتب ما لا يطاق، والتكليف به لا يقع ولا يجوز بالاتفاق، أما أنه لا يقع قط فلأنه لم يوجد بالاستقراء، وأما أنه لا يجوز فلأن جواز التكليف فرع تصوره، ولا يمكن تصوره. وفي شرح «المواقف» أن بعضا منا قالوا بوقوع تصوره، فما ذكره صاحب «المواقف» من أن جواز التكليف بالممتنع لذاته فرع تصوره يشعر بأن هؤلاء يجوزونه.
ينظر: «نشر الطوالع» (٢٩٥- ٢٩٧)، و «البرهان» (١/ ١٠٢)، و «المنخول» (ص ٢٢)، و «المحصول» (١/ ٢/ ٣٥٧)، والمتصفي» (١/ ٧٤).
(١) أخرجه الطبري (١/ ٢٥٥) برقم (٦٧٢)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٠١).
210
وقال آخرون: إِن كنتم صادِقِينَ في أنِّي إِن استخلفتكم، سبَّحتم بحَمْدِي، وقدَّستم لي.
وقال/ قوم: معناه: إن كنتم صادقين في جوابِ السؤال، عالمين بالأسماء. ١٥ أوسُبْحانَكَ: معناه تنزيهاً لك وتبرئةً أنْ يعلم أحدٌ من علمك إِلا ما علمته، والعَلِيمُ: معناه: العَالِمُ، ويزيد عليه معنى من المبالغةِ والتكثيرِ في المعلوماتِ، والحكيمُ:
معناه: الحاكِمُ وبينهما مزية المبالغةِ، وقيل: معناه: المُحْكِمُ، وقال قوم: الحَكِيمُ المانعُ من الفساد، ومنه حَكَمَةُ الفرسِ مانعته.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]
قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤)
وقوله تعالى: قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ: أَنْبِئْهُمْ: معناه: أخبرهم، والضمير في «أَنْبِئْهُمْ» عائدٌ على الملائكة بإجماعٍ، والضميرُ في «أَسْمَائِهِمْ» مختلَفٌ فيه حَسَبَ الاختلاف في الأسماء التي علَّمها آدم، قال بعض العلماء: إنَّ في قوله تعالى: فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ نبوءةً لآدم عليه السلام إِذ أمره اللَّه سبحانه أن ينبىء الملائكة بما ليس عندهم من علم اللَّه عز وجَلَّ.
وقوله تعالى: أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: معناه: ما غاب عنكم لأنَّ اللَّه تعالى لا يغيبُ عنه شيء، الكلُّ معلوم له.
واختلف في قوله تعالى: مَا تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ.
فقال طائفة: ذلك على معنى العموم في معرفة أسرارهم وظواهرهم وبواطنهم أجمع، «وإِذْ» من قوله: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ معطوفةٌ على «إذِ» المتقدِّمة، وقولُ «١» اللَّه تعالى
وقال/ قوم: معناه: إن كنتم صادقين في جوابِ السؤال، عالمين بالأسماء. ١٥ أوسُبْحانَكَ: معناه تنزيهاً لك وتبرئةً أنْ يعلم أحدٌ من علمك إِلا ما علمته، والعَلِيمُ: معناه: العَالِمُ، ويزيد عليه معنى من المبالغةِ والتكثيرِ في المعلوماتِ، والحكيمُ:
معناه: الحاكِمُ وبينهما مزية المبالغةِ، وقيل: معناه: المُحْكِمُ، وقال قوم: الحَكِيمُ المانعُ من الفساد، ومنه حَكَمَةُ الفرسِ مانعته.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]
قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤)
وقوله تعالى: قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ: أَنْبِئْهُمْ: معناه: أخبرهم، والضمير في «أَنْبِئْهُمْ» عائدٌ على الملائكة بإجماعٍ، والضميرُ في «أَسْمَائِهِمْ» مختلَفٌ فيه حَسَبَ الاختلاف في الأسماء التي علَّمها آدم، قال بعض العلماء: إنَّ في قوله تعالى: فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ نبوءةً لآدم عليه السلام إِذ أمره اللَّه سبحانه أن ينبىء الملائكة بما ليس عندهم من علم اللَّه عز وجَلَّ.
وقوله تعالى: أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: معناه: ما غاب عنكم لأنَّ اللَّه تعالى لا يغيبُ عنه شيء، الكلُّ معلوم له.
واختلف في قوله تعالى: مَا تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ.
فقال طائفة: ذلك على معنى العموم في معرفة أسرارهم وظواهرهم وبواطنهم أجمع، «وإِذْ» من قوله: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ معطوفةٌ على «إذِ» المتقدِّمة، وقولُ «١» اللَّه تعالى
(١) كلام الله تعالى صفة أزلية قديمة قائمة بذاته (تعالى)، منافية للسكوت والآفة- كما في الخرس- ليست من جنس الأصوات والحروف. بل بها آمر ناه. يدل عليها بالعبارات أو الكتابة أو الإشارة. فتلك الصفة واحدة في ذاتها، وإن اختلفت العبارات الدالة عليها، كما إذا ذكر الله بألسنة مختلفة، فالصفة: هي الأمر القائم بالغير، فهو جنس في التعريف أو كالجنس، بناء على الخلاف في المفهومات الاصطلاحية: هل هي حدود أو رسوم.
الأول: مبني على أنها وإن كان أمرا اصطلاحيا طارئا على المعنى اللغوي للكلام إذ الكلام في اللغة القول. يقال: أتى بكلام طيب، أي قول، إلا أنه ليست وراء ما اصطلح عليه المصطلح أمر آخر. فذلك-
الأول: مبني على أنها وإن كان أمرا اصطلاحيا طارئا على المعنى اللغوي للكلام إذ الكلام في اللغة القول. يقال: أتى بكلام طيب، أي قول، إلا أنه ليست وراء ما اصطلح عليه المصطلح أمر آخر. فذلك-
211
وخطابه للملائكةِ متقرِّر قديم في الأَزَلِ بشرط وجودهم وفهمهم، وهذا هو الباب كله في أوامر الله تعالى ونواهيه ومخاطباته.
- الذي ذكر في تعريف تلك الصفة هو ذاتياتها بحسب الاصطلاح.
والثاني: مبني على أن لها قبل المعنى الاصطلاحي معنى وضع الواضع اللفظ ليدل عليه، فذلك المعنى ثان بعد أول، فهو عارض والتعريف بالعوارض رسم. وجزم البعض من المحققين بأنها رسوم لأن الاطلاع على ذاتيات تلك الصفات غير ممكن. والحد ما تركب من الذاتيات: الجنس، والفصل. وحيث إن الذاتيات لم يطلع عليها فلا تكون إلا رسوما لأنها بخواص هذه الصفات فقط لأن الخواص مأخوذة في تعريف الصفات حيث أخذ في تعريف صفة الكلام أنها تتعلق دلالة... وفي تعريف صفة القدرة أنها تتعلق تعلق تأثير.
وعلى كل ف «صفة» يشمل الصفة القديمة والحادثة. «قديمة» : فصل أو كالفصل- مخرج لغير الصفة القديمة، وهو الصفة الحادثة. ثم الأقوال في القديم والأزلي ثلاثة:
الأول: القديم هو الذي لا ابتداء لوجوده. والأزلي: ما لا أول له، عدميا كان أو وجوديا. فكل قديم أزلي ولا عكس.
الثاني: القديم هو القائم بنفسه الذي لا أول لوجوده. والأزلي: ما لا أول له عدميا كان أو وجوديا، قائما بنفسه أو غيره.
الثالث: القديم والأزلي: ما لا أول له، عدميا كان أو وجوديا، قائما بنفسه أولا.
فعلى الأول: الصفات السلبية لا توصف بالقدم، وتوصف بالأزلية، بخلاف ذات الله تعالى والصفات الثبوتية فإنها توصف بالقدم والأزلية.
وعلى الثاني: الصفات مطلقا لا توصف بالقدم، وتوصف بالأزلية، بخلاف ذاته تعالى فإنها توصف بكل منهما.
وعلى الثالث: كل من الذات والصفات مطلقا يوصف بالقدم والأزلية. فالقديم في التعريف صحيح على الرأي الأول والثالث، بخلافه على الثاني «قائمة بذاته». وللقيام معنيان:
قيام: بمعنى التبعية في التحيز كما في العرض بالنسبة لجوهره. وليس قيام صفة الله بذاته على هذا النحو إذ لا تحيز للذات حتى تتبعها الصفة فيه. وقيام: بمعنى آخر هو اختصاص الناعت بالمنعوت.
وهو المراد بقيام الصفة بذاته تعالى.
«ليس بحرف ولا صوت» : لأنه معنى نفسي، وتلك أعراض مشروط حدوث بعضها بانقضاء البعض إذ امتناع التكلم بالحرف الثاني بدون انقضاء الحرف الأول بدهي خلافا للحنابلة، والحشوية، والكرامية القائلين بأن كلامه منتظم من كلمات قائمة بذاته تعالى. قديم عند الحنابلة، حادث عند الكرامية. «منافية للسكوت والآفة» : السكوت عدم التكلم مع القدرة عليه.
والآفة: عدم مطاوعة الآلة، إما بحسب الفطرة كما في الخرس، أو من جهة ضعفها كما في الطفولية.
ولقائل أن يقول: هذا إنما يصدق على الكلام اللفظي دون النفسي إذ السكوت والخرس إنما ينافيان التلفظ.
ويجاب بأن المراد ب «السكوت والآفة» : الباطنيان، بأن لا يريد في نفسه الكلام، أو لا يقدر عليه، ويتلخص في أنه كما أن الكلام لفظي ونفسي، كذلك ضده، وهو السكوت والخرس: لفظي وباطني، -
والثاني: مبني على أن لها قبل المعنى الاصطلاحي معنى وضع الواضع اللفظ ليدل عليه، فذلك المعنى ثان بعد أول، فهو عارض والتعريف بالعوارض رسم. وجزم البعض من المحققين بأنها رسوم لأن الاطلاع على ذاتيات تلك الصفات غير ممكن. والحد ما تركب من الذاتيات: الجنس، والفصل. وحيث إن الذاتيات لم يطلع عليها فلا تكون إلا رسوما لأنها بخواص هذه الصفات فقط لأن الخواص مأخوذة في تعريف الصفات حيث أخذ في تعريف صفة الكلام أنها تتعلق دلالة... وفي تعريف صفة القدرة أنها تتعلق تعلق تأثير.
وعلى كل ف «صفة» يشمل الصفة القديمة والحادثة. «قديمة» : فصل أو كالفصل- مخرج لغير الصفة القديمة، وهو الصفة الحادثة. ثم الأقوال في القديم والأزلي ثلاثة:
الأول: القديم هو الذي لا ابتداء لوجوده. والأزلي: ما لا أول له، عدميا كان أو وجوديا. فكل قديم أزلي ولا عكس.
الثاني: القديم هو القائم بنفسه الذي لا أول لوجوده. والأزلي: ما لا أول له عدميا كان أو وجوديا، قائما بنفسه أو غيره.
الثالث: القديم والأزلي: ما لا أول له، عدميا كان أو وجوديا، قائما بنفسه أولا.
فعلى الأول: الصفات السلبية لا توصف بالقدم، وتوصف بالأزلية، بخلاف ذات الله تعالى والصفات الثبوتية فإنها توصف بالقدم والأزلية.
وعلى الثاني: الصفات مطلقا لا توصف بالقدم، وتوصف بالأزلية، بخلاف ذاته تعالى فإنها توصف بكل منهما.
وعلى الثالث: كل من الذات والصفات مطلقا يوصف بالقدم والأزلية. فالقديم في التعريف صحيح على الرأي الأول والثالث، بخلافه على الثاني «قائمة بذاته». وللقيام معنيان:
قيام: بمعنى التبعية في التحيز كما في العرض بالنسبة لجوهره. وليس قيام صفة الله بذاته على هذا النحو إذ لا تحيز للذات حتى تتبعها الصفة فيه. وقيام: بمعنى آخر هو اختصاص الناعت بالمنعوت.
وهو المراد بقيام الصفة بذاته تعالى.
«ليس بحرف ولا صوت» : لأنه معنى نفسي، وتلك أعراض مشروط حدوث بعضها بانقضاء البعض إذ امتناع التكلم بالحرف الثاني بدون انقضاء الحرف الأول بدهي خلافا للحنابلة، والحشوية، والكرامية القائلين بأن كلامه منتظم من كلمات قائمة بذاته تعالى. قديم عند الحنابلة، حادث عند الكرامية. «منافية للسكوت والآفة» : السكوت عدم التكلم مع القدرة عليه.
والآفة: عدم مطاوعة الآلة، إما بحسب الفطرة كما في الخرس، أو من جهة ضعفها كما في الطفولية.
ولقائل أن يقول: هذا إنما يصدق على الكلام اللفظي دون النفسي إذ السكوت والخرس إنما ينافيان التلفظ.
ويجاب بأن المراد ب «السكوت والآفة» : الباطنيان، بأن لا يريد في نفسه الكلام، أو لا يقدر عليه، ويتلخص في أنه كما أن الكلام لفظي ونفسي، كذلك ضده، وهو السكوت والخرس: لفظي وباطني، -
212
ت: ما ذكره- رحمه اللَّه- هو عقيدةُ أهل السنة، وها أنا أنقل من كلام الأئمة، إن شاء اللَّه، ما يتبيَّن به كلامه، ويزيده وضوحاً، قال ابن رُشْدٍ: قوله صلّى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خلق» «١» لا يفهم منه أن لله عز وجلّ كلمات غير تامّات لأن
- والمراد الثاني منهما حيث أريد بالكلام الكلام النفسي، فالله منزه عن الاتصاف بالخرس والآفة. «هو بها آمر ناه» : فهو صفة واحدة تتكثر بحسب التعلقات. فالكلام باعتبار تعلقه بشيء خبر، وبآخر أمر أو نهي. وبهذا يخرج العلم والقدرة. وهكذا سائر الصفات الوجودية غير الكلام لأنه لا أمر ولا نهي بواحدة منها.
وغير الأشاعرة يقولون: الكلام هو اللفظ المنتظم من الحروف والأصوات، وينفون الصفة النفسية وهم في ذلك قد انقسموا إلى قسمين:
القسم الأول: كلامه ألفاظ قائمة بذاته، وهي قديمة، وهم بعض الحنابلة، أو حادثة، وهم الكرامية.
والقسم الثاني: يقول: كلام الله ألفاظ قائمة بالغير. وهم المعتزلة. فالحنابلة يعرفونه: بأنه المؤلف من الكلمات القديمة القائمة بذاته تعالى. والكرامية يعرفونه: بأنه هو المؤلف من الكلمات الحادثة القائمة بذاته تعالى. وحيث إن المعتزلة لم يعرفوه بالصفة النفسية، فليس عندهم سوى الألفاظ وهي حادثة لأنها مرتبة، ويستحيل قيام الحادث بالقديم. فهم يقولون: إن كلامه ألفاظ قائمة بغيره، فهم يتجوزون بمتكلم عن موجد وخالق للكلام. وعليه فالمعتزلة لا يثبتون كلاما لله لا نفسيا، كما أثبته الأشاعرة.
ولا لفظيا حادثا كما قالت الكرامية، بل يثبتون كلاما لا على أنه متصف به، بل على أنه مخلوق قائم بغيره.
فالكلام عند المعتزلة هو المؤلف من الكلمات المسموعة الحادثة القائمة بغير الذات. فقد خالفوا جميع الفرق.
ينظر: تحقيق «صفة الكلام» لشيخنا حافظ مهدي ص ٥٢- ٥٤.
(١) أخرجه مالك (٢/ ٩٧٨)، كتاب «الاستئذان»، باب ما يؤمر به من الكلام في السفر، حديث (٣٤)، ومسلم (٤/ ٢٠٨٠- ٢٠٨١)، كتاب «الذكر والدعاء»، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، حديث (٥٤/ ٢٧٠٨)، والترمذي (٥/ ٤٩٦)، كتاب «الدعوات»، باب ما يقول إذا نزل منزلا، حديث (٣٤٣٧)، والنسائي في «الكبرى» (٦/ ١٤٤)، كتاب «عمل اليوم والليلة»، باب ما يقول إذا نزل منزلا، حديث (١٠٣٦٤)، وأحمد (٦/ ٣٧٧)، وابن السني في «عمل اليوم والليلة»، رقم (٥٣٣)، وابن خزيمة (٤/ ١٥٠- ١٥١)، رقم (٢٥٦٧)، وابن حبان (٦/ ٤١٨)، رقم (٢٧٠٠)، والبيهقي (٥/ ٢٥٣)، كتاب «الحج»، باب ما يقول إذا نزل منزلا، كلهم من طريق يعقوب بن عبد الله الأشج، عن بسر بن سعيد، عن سعد بن أبي وقاص، عن خولة بنت حكيم قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «من نزل منزلا فليقل... » فذكرت الحديث.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وقال: وروى مالك بن أنس هذا الحديث أنه بلغه، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، فذكر نحو هذا الحديث.
وروى ابن عجلان هذا الحديث عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، ويقول: عن سعيد بن المسيب، عن خولة. -
وغير الأشاعرة يقولون: الكلام هو اللفظ المنتظم من الحروف والأصوات، وينفون الصفة النفسية وهم في ذلك قد انقسموا إلى قسمين:
القسم الأول: كلامه ألفاظ قائمة بذاته، وهي قديمة، وهم بعض الحنابلة، أو حادثة، وهم الكرامية.
والقسم الثاني: يقول: كلام الله ألفاظ قائمة بالغير. وهم المعتزلة. فالحنابلة يعرفونه: بأنه المؤلف من الكلمات القديمة القائمة بذاته تعالى. والكرامية يعرفونه: بأنه هو المؤلف من الكلمات الحادثة القائمة بذاته تعالى. وحيث إن المعتزلة لم يعرفوه بالصفة النفسية، فليس عندهم سوى الألفاظ وهي حادثة لأنها مرتبة، ويستحيل قيام الحادث بالقديم. فهم يقولون: إن كلامه ألفاظ قائمة بغيره، فهم يتجوزون بمتكلم عن موجد وخالق للكلام. وعليه فالمعتزلة لا يثبتون كلاما لله لا نفسيا، كما أثبته الأشاعرة.
ولا لفظيا حادثا كما قالت الكرامية، بل يثبتون كلاما لا على أنه متصف به، بل على أنه مخلوق قائم بغيره.
فالكلام عند المعتزلة هو المؤلف من الكلمات المسموعة الحادثة القائمة بغير الذات. فقد خالفوا جميع الفرق.
ينظر: تحقيق «صفة الكلام» لشيخنا حافظ مهدي ص ٥٢- ٥٤.
(١) أخرجه مالك (٢/ ٩٧٨)، كتاب «الاستئذان»، باب ما يؤمر به من الكلام في السفر، حديث (٣٤)، ومسلم (٤/ ٢٠٨٠- ٢٠٨١)، كتاب «الذكر والدعاء»، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، حديث (٥٤/ ٢٧٠٨)، والترمذي (٥/ ٤٩٦)، كتاب «الدعوات»، باب ما يقول إذا نزل منزلا، حديث (٣٤٣٧)، والنسائي في «الكبرى» (٦/ ١٤٤)، كتاب «عمل اليوم والليلة»، باب ما يقول إذا نزل منزلا، حديث (١٠٣٦٤)، وأحمد (٦/ ٣٧٧)، وابن السني في «عمل اليوم والليلة»، رقم (٥٣٣)، وابن خزيمة (٤/ ١٥٠- ١٥١)، رقم (٢٥٦٧)، وابن حبان (٦/ ٤١٨)، رقم (٢٧٠٠)، والبيهقي (٥/ ٢٥٣)، كتاب «الحج»، باب ما يقول إذا نزل منزلا، كلهم من طريق يعقوب بن عبد الله الأشج، عن بسر بن سعيد، عن سعد بن أبي وقاص، عن خولة بنت حكيم قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «من نزل منزلا فليقل... » فذكرت الحديث.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وقال: وروى مالك بن أنس هذا الحديث أنه بلغه، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، فذكر نحو هذا الحديث.
وروى ابن عجلان هذا الحديث عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، ويقول: عن سعيد بن المسيب، عن خولة. -
213
كلماته هي قوله، وكلامه هو صفةٌ من صفات ذاتِهِ يستحيلُ عليها النقص، وفي الحديث بيان واضح على أن كلماته عز وجل غير مخلوقة إذ لا يستعاذ بمخلوقٍ، وهذا هو قول أهل السنة، والحقّ أن كلام اللَّه عزَّ وجلَّ صفة من صفات ذاته قديمٌ غيرُ مخلوقٍ لأن الكلام هو، المعنى القائِمُ في النفسِ، والنطقُ به عبارةٌ عنه قال اللَّه عزَّ وجلَّ: وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ [المجادلة: ٨] فأخبر أن القول معنًى يقوم في النفْسِ، وتقول: في نَفْسِي كَلاَمٌ، أريد أن أعلمك به، فحقيقة كلام الرجل هو المفهومُ من كلامه، وأما الذي تسمعه منه، فهو عبارة عنه وكذلك كلام الله عز وجلّ القديمُ الذي هو صفة من صفاتِ ذاته هو المفهوم من قراءة القارئ لا نَفْسُ قراءته التي تسمعها لأنَّ نفس قراءته التي تسمعها مُحْدَثَةٌ، لم تكن حتى قرأ بها، فكانت، وهذا كله بيِّن إلا لمن أعمى اللَّه بصيرته. انتهى بلفظه من «البَيَانِ».
وقال الغَزَّالِيُّ «١» بعد كلامٍ له نحو ما تقدَّم لابن رشد: وكما عقل قيامُ طلبِ التعلُّم وإرادته بذات الوالدِ قبل أن يخلق ولده حتى إذا خلق ولده، وعقل، وخلق اللَّه سبحانه له علْماً بما في قلْب أبيه من الطَّلَب، صار مأموراً بذلك الطلب الذي قام بذاتِ أبيه، ودام وجوده إِلى وقت معرفة ولده، فليعقل قيام الطلب الذي دلَّ عليه قوله عزَّ وجلَّ: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ/ [طه: ١٢] بذات اللَّه تعالى، ومصير موسى عليه السلام سامعا لذلك الكلام
وقال الغَزَّالِيُّ «١» بعد كلامٍ له نحو ما تقدَّم لابن رشد: وكما عقل قيامُ طلبِ التعلُّم وإرادته بذات الوالدِ قبل أن يخلق ولده حتى إذا خلق ولده، وعقل، وخلق اللَّه سبحانه له علْماً بما في قلْب أبيه من الطَّلَب، صار مأموراً بذلك الطلب الذي قام بذاتِ أبيه، ودام وجوده إِلى وقت معرفة ولده، فليعقل قيام الطلب الذي دلَّ عليه قوله عزَّ وجلَّ: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ/ [طه: ١٢] بذات اللَّه تعالى، ومصير موسى عليه السلام سامعا لذلك الكلام
- وحديث الليث أصح من رواية ابن عجلان. اهـ. وهذا توضيح وشرح لكلام الترمذي رحمه الله: أما رواية مالك، فهي في «الموطأ» (٢/ ٩٧٨)، عن الثقة عنده، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج به. أما رواية محمد بن عجلان، فأخرجها ابن ماجة (٢/ ١١٧٤)، كتاب «الطب»، باب الفزع والأرق وما يتعوذ منه، حديث (٣٥٤٧)، والنسائي في «الكبرى» (٦/ ١٤٤)، كتاب «عمل اليوم والليلة»، باب ما يقول إذا نزل منزلا، حديث (١٠٣٩٥)، كلاهما من طريق محمد بن عجلان، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن مالك، عن خولة بنت حكيم به.
وقد ورد هذا الحديث، عن سعيد بن المسيب مرسلا.
أخرجه عبد الرزاق (٩٢٦٠)، والنسائي (٦/ ١٤٤- الكبرى)، كتاب «عمل اليوم والليلة»، باب ما يقول إذا نزل منزلا، كلاهما من طريق ابن عجلان، عن يعقوب بن عبد الله، عن سعيد بن المسيب مرسلا.
(١) محمد بن محمد بن محمد، حجة الإسلام، أبو حامد الغزالي، ولد سنة (٤٥٠)، أخذ عن الإمام، ولازمه، حتى صار أنظر أهل زمانه وجلس للإقراء في حياة إمامه وصنف «الإحياء» المشهور، و «البسيط»، وهو كالمختصر للنهاية، وله «الوجيز»، و «المستصفى»، وغيرها. توفي سنة (٥٠٥).
انظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (١/ ٢٩٣)، «وفيات الأعيان» (٣/ ٣٥٣)، «الأعلام» (٧/ ٢٤٧)، و «اللباب» (٢/ ١٧٠)، و «شذرات الذهب» (٤/ ١٠)، و «النجوم الزاهرة» (٥/ ٢٠٣)، «العبر» (٤/ ١٠).
وقد ورد هذا الحديث، عن سعيد بن المسيب مرسلا.
أخرجه عبد الرزاق (٩٢٦٠)، والنسائي (٦/ ١٤٤- الكبرى)، كتاب «عمل اليوم والليلة»، باب ما يقول إذا نزل منزلا، كلاهما من طريق ابن عجلان، عن يعقوب بن عبد الله، عن سعيد بن المسيب مرسلا.
(١) محمد بن محمد بن محمد، حجة الإسلام، أبو حامد الغزالي، ولد سنة (٤٥٠)، أخذ عن الإمام، ولازمه، حتى صار أنظر أهل زمانه وجلس للإقراء في حياة إمامه وصنف «الإحياء» المشهور، و «البسيط»، وهو كالمختصر للنهاية، وله «الوجيز»، و «المستصفى»، وغيرها. توفي سنة (٥٠٥).
انظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (١/ ٢٩٣)، «وفيات الأعيان» (٣/ ٣٥٣)، «الأعلام» (٧/ ٢٤٧)، و «اللباب» (٢/ ١٧٠)، و «شذرات الذهب» (٤/ ١٠)، و «النجوم الزاهرة» (٥/ ٢٠٣)، «العبر» (٤/ ١٠).
214
مخاطَباً به بعد وجوده إذ خلقت له معرفة بذلك الطلبِ، ومعرفةُ بذلك الكلامِ القديمِ.
انتهى بلفظه من «الإحياء».
وقوله: لِلْمَلائِكَةِ عمومٌ فيهم، والسجودُ في كلام العرب: الخضوعُ والتذلُّل، وغايته وضعه الوجْه بالأرض، والجمهور على أنَّ سجود الملائكة لآدم إيماءٌ وخضوعٌ، ولا تدفع الآية أنْ يكونوا بلغوا غاية السجود، وقوله تعالى: فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ [الحجر: ٢٩] لا دليل فيه لأن الجاثي على ركبتيه واقعٌ، واختُلِفَ في حال السجودِ لآدم.
فقال ابن عَبَّاسٍ: تعبَّدهم اللَّه بالسجود لآدم، والعبادةُ في ذلك للَّهِ «١»، وقالَ عليُّ بْنُ أبي طَالِبِ، وابنُ مَسْعُودٍ، وابن عبَّاس أيضاً: كان سجودَ تحيَّة كسجود أبوَيْ يوسُفَ عليه السلام له، لا سجودَ عبادة «٢»، وقال الشَّعبيُّ: إنما كان آدم كالقِبْلة «٣»، ومعنى لِآدَمَ:
إلى آدَمَ.
ع «٤» : وفي هذه الوجوهِ كلِّها كرامةٌ لآدم عليه السلام.
وقوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ نصبٌ على الاستثناءِ المتَّصِلِ لأنه من الملائكة على قوله الجمهور، وهو ظاهر الآية، وكان خازناً ومَلَكاً على سماء الدنيا والأرض، واسمه عزازيل قال ابن عباس «٥».
وقال ابن زيد والحسن: هو أبو الجِنِّ كما آدمُ أبو البشر، ولم يكُ قطُّ ملَكاً «٦»، وقد روي نحوه عن ابن عباس أيضا، قال: واسمه الحارث «٧».
انتهى بلفظه من «الإحياء».
وقوله: لِلْمَلائِكَةِ عمومٌ فيهم، والسجودُ في كلام العرب: الخضوعُ والتذلُّل، وغايته وضعه الوجْه بالأرض، والجمهور على أنَّ سجود الملائكة لآدم إيماءٌ وخضوعٌ، ولا تدفع الآية أنْ يكونوا بلغوا غاية السجود، وقوله تعالى: فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ [الحجر: ٢٩] لا دليل فيه لأن الجاثي على ركبتيه واقعٌ، واختُلِفَ في حال السجودِ لآدم.
فقال ابن عَبَّاسٍ: تعبَّدهم اللَّه بالسجود لآدم، والعبادةُ في ذلك للَّهِ «١»، وقالَ عليُّ بْنُ أبي طَالِبِ، وابنُ مَسْعُودٍ، وابن عبَّاس أيضاً: كان سجودَ تحيَّة كسجود أبوَيْ يوسُفَ عليه السلام له، لا سجودَ عبادة «٢»، وقال الشَّعبيُّ: إنما كان آدم كالقِبْلة «٣»، ومعنى لِآدَمَ:
إلى آدَمَ.
ع «٤» : وفي هذه الوجوهِ كلِّها كرامةٌ لآدم عليه السلام.
وقوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ نصبٌ على الاستثناءِ المتَّصِلِ لأنه من الملائكة على قوله الجمهور، وهو ظاهر الآية، وكان خازناً ومَلَكاً على سماء الدنيا والأرض، واسمه عزازيل قال ابن عباس «٥».
وقال ابن زيد والحسن: هو أبو الجِنِّ كما آدمُ أبو البشر، ولم يكُ قطُّ ملَكاً «٦»، وقد روي نحوه عن ابن عباس أيضا، قال: واسمه الحارث «٧».
(١) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٢٤)، والسيوطي في «الدر» (١/ ١٠٢) بنحوه.
(٢) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٢٤)، والسيوطي في «الدر» (١/ ١٠٢)، بنحوه عن ابن عباس.
(٣) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٢٤). [.....]
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٢٤).
(٥) أخرجه البيهقي في «الشعب» (١/ ١٧٠) برقم (١٤٦- ١٤٧) بنحوه، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٠٢- ١٠٣)، وعزا أحدهما لابن أبي الدنيا في «مكايد الشيطان»، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في كتاب: «الأضداد»، والبيهقي في «الشعب»، والثاني عزاه لوكيع، وابن المنذر، والبيهقي.
(٦) أخرجه الطبري (١/ ٢٦٤) رقم (٧٠١)، عن ابن زيد، وذكره ابن عطية في تفسيره (١/ ١٢٤)، والقرطبي (١/ ٢٥١).
(٧) أخرجه الطبري (١/ ٢٦٥) برقم (٧٠٤)، عن السدي، وذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١٢٤)، والقرطبي (١/ ٢٥١)، والسيوطي في «الدر» (١/ ١٠٣)، عن السدي، بلفظ «كان اسم إبليس الحرث».
(٢) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٢٤)، والسيوطي في «الدر» (١/ ١٠٢)، بنحوه عن ابن عباس.
(٣) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٢٤). [.....]
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٢٤).
(٥) أخرجه البيهقي في «الشعب» (١/ ١٧٠) برقم (١٤٦- ١٤٧) بنحوه، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٠٢- ١٠٣)، وعزا أحدهما لابن أبي الدنيا في «مكايد الشيطان»، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في كتاب: «الأضداد»، والبيهقي في «الشعب»، والثاني عزاه لوكيع، وابن المنذر، والبيهقي.
(٦) أخرجه الطبري (١/ ٢٦٤) رقم (٧٠١)، عن ابن زيد، وذكره ابن عطية في تفسيره (١/ ١٢٤)، والقرطبي (١/ ٢٥١).
(٧) أخرجه الطبري (١/ ٢٦٥) برقم (٧٠٤)، عن السدي، وذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١٢٤)، والقرطبي (١/ ٢٥١)، والسيوطي في «الدر» (١/ ١٠٣)، عن السدي، بلفظ «كان اسم إبليس الحرث».
215
وقال شَهْرُ بن حَوْشَبٍ: كان من الْجِنِّ الذين كانوا في الأرض، وقاتلتهم الملائكةُ فسَبَوْهُ صغيراً، وتعبَّد مع الملائكة، وخُوطِبَ معها، وحكاه الطبريّ عن ابن مسعود «١».
والاستثناء على هذا الأقوال منقطعٌ واحتجَّ بعض أصحاب هذا القول بأن اللَّه تعالى قال في صفة الملائكة: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ [التحريم: ٦] ورجَّح الطبريُّ قَوْلَ من قال: إن إِبليسَ كان من الملائكَةِ، وقال «٢» : ليس في خلقه مِنْ نارٍ، ولا في تركيبِ الشَّهْوَةِ والنسلِ فيه حينَ غُضِبَ عليه ما يدْفَعُ أنه كان من الملائكة، وقوله تعالى:
كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف: ٥٠] يتخرَّج على أنه عمل عملهم، فكان منهم في هذا، أو على أن الملائكة قد تسمى جِنًّا لاستتارها قال اللَّه تعالى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصافات: ١٥٨] وقال الأعشى في ذكر سليمانَ عليه السلام: [الطويل]
أو على أن يكون نسبه إلى الجَنَّةِ كما ينسب إلى البَصْرَةِ بِصْرِيَّ.
قال عِيَاضٌ: ومما يذكرونه قصَّةُ إبليس، وأنه كان من الملائكة، ورئيساً فيهم، ومن خُزَّان الجَنَّة إلى ما حكَوْه، وهذا لم يتفقْ عليه، بل الأكثر ينفون ذلك، وأنه أبو الجن.
انتهى من «الشِّفا» «٤».
وإِبْلِيسُ: لا ينصرفُ لأنه اسم أعجميٌّ قال الزَّجَّاج: ووزنه فِعْلِيلُ، وقال ابن عبَّاس وغيره: هو مشتقٌّ من أُبْلِسَ، إِذا أبعد عن الخير، ووزنه على هذا إفعيل «٥»، ولم
والاستثناء على هذا الأقوال منقطعٌ واحتجَّ بعض أصحاب هذا القول بأن اللَّه تعالى قال في صفة الملائكة: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ [التحريم: ٦] ورجَّح الطبريُّ قَوْلَ من قال: إن إِبليسَ كان من الملائكَةِ، وقال «٢» : ليس في خلقه مِنْ نارٍ، ولا في تركيبِ الشَّهْوَةِ والنسلِ فيه حينَ غُضِبَ عليه ما يدْفَعُ أنه كان من الملائكة، وقوله تعالى:
كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف: ٥٠] يتخرَّج على أنه عمل عملهم، فكان منهم في هذا، أو على أن الملائكة قد تسمى جِنًّا لاستتارها قال اللَّه تعالى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصافات: ١٥٨] وقال الأعشى في ذكر سليمانَ عليه السلام: [الطويل]
| وَسَخَّرَ مِنْ جِنِّ المَلاَئِكِ تِسْعَةً | قِيَاماً لَدَيْهِ يَعْمَلونَ بِلاَ أَجْرِ «٣» |
قال عِيَاضٌ: ومما يذكرونه قصَّةُ إبليس، وأنه كان من الملائكة، ورئيساً فيهم، ومن خُزَّان الجَنَّة إلى ما حكَوْه، وهذا لم يتفقْ عليه، بل الأكثر ينفون ذلك، وأنه أبو الجن.
انتهى من «الشِّفا» «٤».
وإِبْلِيسُ: لا ينصرفُ لأنه اسم أعجميٌّ قال الزَّجَّاج: ووزنه فِعْلِيلُ، وقال ابن عبَّاس وغيره: هو مشتقٌّ من أُبْلِسَ، إِذا أبعد عن الخير، ووزنه على هذا إفعيل «٥»، ولم
(١) أخرجه الطبري (١/ ٢٦٣) برقم (٦٩٨)، وذكره القرطبي (١/ ٢٥١).
(٢) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٥٠٨).
(٣) البيت للأعشى وقبله:
ينظر: «ملحق ديوانه» (٢٤٣)، و «اللسان» (جنن)، و «تفسير الطبري» (١/ ٥٠٦)، و «القرطبي» (١/ ٢٩٥)، و «البحر المحيط» (١/ ٣٠٤)، و «الدر المصون» (١/ ١٨٦)، و «روح المعاني» (١/ ٢٣٠) وقال: وكون الملائكة لا يستكبرون- وهو قد استكبر- لا يضر، إما لأن من الملائكة من ليس بمعصوم- وإن كان الغالب فيهم العصمة على العكس منا- وفي «عقيدة أبي المعين النسفي» ما يؤيد ذلك، وإما لأن إبليس سلبه الله (تعالى) الصفات الملكية، وألبسه ثياب الصفات الشيطانية، فعصى عند ذلك، والملك ما دام ملكا لا يعصي.
(٤) ينظر: «الشفا» ص (٨٥٨).
(٥) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٢٥).
(٢) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٥٠٨).
(٣) البيت للأعشى وقبله:
| ولو كان شيء خالدا أو معمّرا | لكان سليمان البريء من الدّهر |
| براه إلهي واصطفاه عباده | وملّكه ما بين ثريا إلى مصر |
(٤) ينظر: «الشفا» ص (٨٥٨).
(٥) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٢٥).
216
تصرفه هذه الفرقةُ لشذوذه وقلَّته، ومنه قوله تعالى: فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام: ٤٤] أيْ:
يائسون من الخير، مبعدون منه فيما يرون، وأَبى: معناه: امتنَعَ من فعْلِ ما أمر به، وَاسْتَكْبَرَ: دخل في الكبرياءِ، والإبَاءَةُ مقدَّمة على الاِستكبارِ في ظهورهما عليه، والاستكبارُ والأَنَفَة مقدَّمة في معتقده، وروى ابْنُ القاسم «١» عن مَالكٍ أنه قال: بَلَغَنِي أنَّ أوَّلَ معْصيَةٍ كانت الحسدُ، والكِبْرُ، والشُّحُّ، حسد إِبليسُ آدم، وتكبَّر، وشحّ آدم/ في أكله ١٦ أمن شجرة قد نُهِيَ عن قربها «٢».
ت: إِطلاق الشحِّ على آدم فيه ما لا يخفى عليك، والواجب اعتقاد تنزيه الأنبياء عن كل ما يحُطُّ من رتبتهم، وقد قال اللَّه تعالى في حق آدَمَ: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه: ١١٥].
وقوله تعالى: وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ: قالت فِرقَةٌ: معناه: وصار من الكافرين، وردَّه ابن فُورَكَ، وقال جمهور المتأوِّلين: معنى: وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ، أيْ: في علْمِ اللَّهِ تعالى، وقال أبو العالية: معناه: من العاصين «٣»، وذهب الطبريُّ إِلى أن اللَّه تعالى أراد بقصة إبْلِيسَ تقريعَ أشباهه من بني آدم، وهم اليهود الذين كفروا بمحمّد صلّى الله عليه وسلم، مع علمهم بنبوءته، ومع تقدُّم نعم اللَّه عليهم، وعلى أسلافهم.
ت: ولفظ الطبريِّ «٤» : وفي هذا تقريعٌ لليهود إذ أبوا الإسلام مع علمهم بنبوءة رسول الله صلّى الله عليه وسلم من التوراة والكُتُبِ حَسَداً له، ولبني إِسماعيل كما امتنع إِبليسُ من السجود حَسَداً لآدَم وتكبُّراً عن الحق وقبولِهِ، فاليهود نظراء إِبْليسَ في كُفْرهم وكِبْرهم وحَسَدهم وتَرْكِهِمْ الانقيادَ لأمر اللَّه تعالى. انتهى من «مختصر الطبريِّ» لأبي عبد اللَّه اللَّخْمِيِّ النحْويِّ.
واختلف، هل كفر إبليس جهلاً أو عناداً؟ على قولَيْن بين أهل السنة، ولا خلاف أنه
يائسون من الخير، مبعدون منه فيما يرون، وأَبى: معناه: امتنَعَ من فعْلِ ما أمر به، وَاسْتَكْبَرَ: دخل في الكبرياءِ، والإبَاءَةُ مقدَّمة على الاِستكبارِ في ظهورهما عليه، والاستكبارُ والأَنَفَة مقدَّمة في معتقده، وروى ابْنُ القاسم «١» عن مَالكٍ أنه قال: بَلَغَنِي أنَّ أوَّلَ معْصيَةٍ كانت الحسدُ، والكِبْرُ، والشُّحُّ، حسد إِبليسُ آدم، وتكبَّر، وشحّ آدم/ في أكله ١٦ أمن شجرة قد نُهِيَ عن قربها «٢».
ت: إِطلاق الشحِّ على آدم فيه ما لا يخفى عليك، والواجب اعتقاد تنزيه الأنبياء عن كل ما يحُطُّ من رتبتهم، وقد قال اللَّه تعالى في حق آدَمَ: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه: ١١٥].
وقوله تعالى: وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ: قالت فِرقَةٌ: معناه: وصار من الكافرين، وردَّه ابن فُورَكَ، وقال جمهور المتأوِّلين: معنى: وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ، أيْ: في علْمِ اللَّهِ تعالى، وقال أبو العالية: معناه: من العاصين «٣»، وذهب الطبريُّ إِلى أن اللَّه تعالى أراد بقصة إبْلِيسَ تقريعَ أشباهه من بني آدم، وهم اليهود الذين كفروا بمحمّد صلّى الله عليه وسلم، مع علمهم بنبوءته، ومع تقدُّم نعم اللَّه عليهم، وعلى أسلافهم.
ت: ولفظ الطبريِّ «٤» : وفي هذا تقريعٌ لليهود إذ أبوا الإسلام مع علمهم بنبوءة رسول الله صلّى الله عليه وسلم من التوراة والكُتُبِ حَسَداً له، ولبني إِسماعيل كما امتنع إِبليسُ من السجود حَسَداً لآدَم وتكبُّراً عن الحق وقبولِهِ، فاليهود نظراء إِبْليسَ في كُفْرهم وكِبْرهم وحَسَدهم وتَرْكِهِمْ الانقيادَ لأمر اللَّه تعالى. انتهى من «مختصر الطبريِّ» لأبي عبد اللَّه اللَّخْمِيِّ النحْويِّ.
واختلف، هل كفر إبليس جهلاً أو عناداً؟ على قولَيْن بين أهل السنة، ولا خلاف أنه
(١) عبد الرحمن بن القاسم العتقي: جمع بين الزهد والعلم، وتفقه بمالك ونظرائه، وصحب مالكا عشرين سنة، وعاش بعده اثنتي عشرة سنة، مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ومات ب «مصر» سنة إحدى وتسعين ومائة.
ينظر: «الطبقات» للشيرازي (١٥٠).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٢٥).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٢٦٦) برقم (٧٠٥).
(٤) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٥١٠).
ينظر: «الطبقات» للشيرازي (١٥٠).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٢٥).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٢٦٦) برقم (٧٠٥).
(٤) ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٥١٠).
217
كان عالماً باللَّه قبل كفره، ولا خلاف أن اللَّه تعالى أخرج إبليس عند كفره، وأبعده عن الجنة، وبعد إخراجه قال لآدم: اسْكُنْ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٥ الى ٣٦]
وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣٦)
قوله تعالى: وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ: اسْكُنْ: معناه: لاَزِمِ الإقامةَ، ولفظه لفظ الأمر، ومعناه الإِذن، واختلف في الجنة التي أسكنها آدم عليه السلام، هل هي جنةُ الخُلْدِ، أو جنةٌ أخرى.
ت: والأول هو مذهب أهل السنة والجماعة.
وَكُلا مِنْها، أي: من الجنةِ، والرغَد: العيشَ الدارَّ الهنيَّ، و «حَيْثُ» مبنيةٌ على الضمِّ.
وقوله تعالى: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ: معناه لا تقرباها بأكْلٍ، والهاءُ في «هَذِهِ» بدلٌ من الياء، وتحتمل هذه الإشارة أن تكون إلى شجرةٍ معيَّنة واحدة، واختلف في هذه الشجرة، ما هي؟ فقال ابن عَبَّاس، وابن مسعود: هي الكَرْم «١»، وقيل: هي شجرة التِّين «٢»، وقيل: السنبلة «٣» وقيل غير ذلك.
وقوله: فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ: الظالمُ في اللغة: الذي يضع الشيء في غير موضعه، والظلم في أحكام الشرع على مراتب: أعلاها الشِّرْكُ، ثم ظُلْمُ المعاصي وهي مراتب، وفَأَزَلَّهُمَا: مأخوذ من الزَّلَلِ، وهو في الآية مجازٌ لأنه في الرأْي والنَّظر، وإنما حقيقة الزَّلَلِ في القَدَمِ، وقرأ حمزة «٤» :«فأَزَالَهُمَا» مأخوذ من الزوال، ولا خلاف بين
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٥ الى ٣٦]
وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣٦)
قوله تعالى: وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ: اسْكُنْ: معناه: لاَزِمِ الإقامةَ، ولفظه لفظ الأمر، ومعناه الإِذن، واختلف في الجنة التي أسكنها آدم عليه السلام، هل هي جنةُ الخُلْدِ، أو جنةٌ أخرى.
ت: والأول هو مذهب أهل السنة والجماعة.
وَكُلا مِنْها، أي: من الجنةِ، والرغَد: العيشَ الدارَّ الهنيَّ، و «حَيْثُ» مبنيةٌ على الضمِّ.
وقوله تعالى: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ: معناه لا تقرباها بأكْلٍ، والهاءُ في «هَذِهِ» بدلٌ من الياء، وتحتمل هذه الإشارة أن تكون إلى شجرةٍ معيَّنة واحدة، واختلف في هذه الشجرة، ما هي؟ فقال ابن عَبَّاس، وابن مسعود: هي الكَرْم «١»، وقيل: هي شجرة التِّين «٢»، وقيل: السنبلة «٣» وقيل غير ذلك.
وقوله: فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ: الظالمُ في اللغة: الذي يضع الشيء في غير موضعه، والظلم في أحكام الشرع على مراتب: أعلاها الشِّرْكُ، ثم ظُلْمُ المعاصي وهي مراتب، وفَأَزَلَّهُمَا: مأخوذ من الزَّلَلِ، وهو في الآية مجازٌ لأنه في الرأْي والنَّظر، وإنما حقيقة الزَّلَلِ في القَدَمِ، وقرأ حمزة «٤» :«فأَزَالَهُمَا» مأخوذ من الزوال، ولا خلاف بين
(١) أخرجه الطبري (١/ ٢٦٩- ٢٧٠) برقم (٧٣٠) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٠٧). [.....]
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٢٧٠) برقم (٧٤٠) عن بعض أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم بلفظ «التينة» وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٧٠) بلفظ: «التين»، والشوكاني في «تفسيره» (١/ ١٣٠).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٢٦٩) عن عدد من الصحابة والتابعين، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٠٧)، وعزاه لوكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبي الشيخ.
(٤) ينظر: «إتحاف فضلاء البشر» (١/ ٣٨٨)، و «الحجة للقراء السبعة» (٢/ ١٤)، و «طيبة النشر» (٤/ ١٨)، و «العنوان» (٦٩)، و «إعراب القراءات السبع وعللها» (١/ ٨١)، و «حجة القراءات» (٩٤)، و «شرح شعلة» (٢٦١)، و «معاني القراءات» للأزهري (١/ ١٤٧)، وقد قرأ بها الحسن وأبو رجاء. ينظر: «البحر المحيط» (١/ ٣١٣)، و «القرطبي» (١/ ٢١٣).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٢٧٠) برقم (٧٤٠) عن بعض أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم بلفظ «التينة» وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٧٠) بلفظ: «التين»، والشوكاني في «تفسيره» (١/ ١٣٠).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٢٦٩) عن عدد من الصحابة والتابعين، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٠٧)، وعزاه لوكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبي الشيخ.
(٤) ينظر: «إتحاف فضلاء البشر» (١/ ٣٨٨)، و «الحجة للقراء السبعة» (٢/ ١٤)، و «طيبة النشر» (٤/ ١٨)، و «العنوان» (٦٩)، و «إعراب القراءات السبع وعللها» (١/ ٨١)، و «حجة القراءات» (٩٤)، و «شرح شعلة» (٢٦١)، و «معاني القراءات» للأزهري (١/ ١٤٧)، وقد قرأ بها الحسن وأبو رجاء. ينظر: «البحر المحيط» (١/ ٣١٣)، و «القرطبي» (١/ ٢١٣).
218
العلماء أن إبليس اللعينَ هو متولِّي إغواء آدم- عليه السلام-، واختلف في الكيفيَّة.
فقال ابن عباس، وابن مسعود، وجمهور العلماء: أغواهما مشافهةً «١» بدليل قوله تعالى: وَقاسَمَهُما [الأعراف: ٢١] والمقاسمة ظاهرها المشافهةُ.
وقالت طائفةٌ: إن إبليس لم يدخُلِ الجنةَ بعد أن أخرج منها، وإنما أغوى آدم بشيطانِهِ، وسُلْطَانه، ووَسَاوِسِهِ التي أعطاه الله تعالى، كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِن ابن آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ/» «٢».
ت: وإلى هذا القوْلِ نَحَا المَازِرِيُّ «٣» في بعض أجوبته، ومن ابتلي بشيء من
فقال ابن عباس، وابن مسعود، وجمهور العلماء: أغواهما مشافهةً «١» بدليل قوله تعالى: وَقاسَمَهُما [الأعراف: ٢١] والمقاسمة ظاهرها المشافهةُ.
وقالت طائفةٌ: إن إبليس لم يدخُلِ الجنةَ بعد أن أخرج منها، وإنما أغوى آدم بشيطانِهِ، وسُلْطَانه، ووَسَاوِسِهِ التي أعطاه الله تعالى، كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِن ابن آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ/» «٢».
ت: وإلى هذا القوْلِ نَحَا المَازِرِيُّ «٣» في بعض أجوبته، ومن ابتلي بشيء من
- وحمزة هو: حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل التيمي الزيات. أحد القراء السبعة. كان عالما بالقراءات. انعقد الإجماع على تلقي قراءته بالقبول.
قال الثوري: ما قرأ حمزة حرفا من كتاب الله إلا بأثر.
ينظر: «الأعلام» (٢/ ٢٧٧)، «تهذيب التهذيب» (٣/ ٢٧)، «وفيات الأعيان» (١/ ١٦٧).
(١) أخرجه الطبري (١/ ٢٧٢) رقم (٧٤١)، عن ابن عباس، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٠٨)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. وذكره الشوكاني في «تفسيره» (١/ ١٣١)، كلاهما عن ابن عباس.
(٢) أخرجه البخاري (٤/ ٣٢٦)، كتاب «الاعتكاف»، باب هل يخرج المعتكف، حديث (٢٠٣٥)، وباب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه، حديث (٢٠٣٨)، وباب هل يدرأ المعتكف عن نفسه، حديث (٢٠٣٩)، و (٦/ ٢٤٢- ٢٤٣)، كتاب «فرض الخمس»، باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم حديث (٣١٠١)، و (٦/ ٣٨٧- ٣٨٨)، كتاب «بدء الخلق»، باب صفة إبليس وجنوده، حديث (٣٢٨١)، و (١٠/ ٦١٣- ٦١٤)، كتاب «الأدب» باب التكبير والتسبيح عند التعجب، حديث (٦٢١٩)، و (١٣/ ١٦٩)، كتاب «الأحكام»، باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولاية القضاء، حديث (٧١٧١)، ومسلم (٤/ ١٧١٢)، كتاب «السلام»، باب بيان أنه يستحب لمن رئي خاليا بامرأة... ، حديث (٢٥/ ٢١٧٥)، وأبو داود (١/ ٧٤٩)، كتاب «الصيام»، باب المعتكف يدخل البيت لحاجته، حديث (٢٤٧٠، ٢٤٧١)، وابن ماجة (١/ ٥٦٥- ٥٦٦)، كتاب «الصيام»، باب في المعتكف يزوره أهله في المسجد، حديث (١٧٧٩)، وأحمد (٦/ ٣٣٧)، وعبد الرزاق (٨٠٦٥)، وابن خزيمة (٣/ ٣٤٩)، رقم (٢٢٣٣، ٢٢٣٤)، وابن حبان (٣٦٧١)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (١/ ٢٩- ٣٠)، والبيهقي (٤/ ٣٢١)، كتاب «الصيام»، باب المعتكف يخرج إلى باب المسجد، والبغوي في «شرح السنة» (٧/ ٣٩٧- بتحقيقنا) كلهم من طريق الزهري، عن علي بن الحسين، عن صفية بنت حيي به.
(٣) المازري: هو محمد بن علي بن عمر التميمي، المازري، يعرف ب «الإمام»، ويكنى بأبي عبد الله، أصله، من «مازر» مدينة في جزيرة «صقلية»، خاتمة العلماء المحققين والأئمة الأعلام المجتهدين، الحافظ النظار، كان واسع الباع في العلم والاطلاع مع حدة في الذهن ورسوخ تام حتى بلغ درجة الاجتهاد، أخذ عن أبي الحسن اللخمي وغيره وعنه أخذ ما لا يعد، منهم: أبو محمد عبد السلام، وأبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم، وله مؤلفات منها: «شرح التلقين» ليس للمالكية كتاب مثله، و «شرح البرهان» -
قال الثوري: ما قرأ حمزة حرفا من كتاب الله إلا بأثر.
ينظر: «الأعلام» (٢/ ٢٧٧)، «تهذيب التهذيب» (٣/ ٢٧)، «وفيات الأعيان» (١/ ١٦٧).
(١) أخرجه الطبري (١/ ٢٧٢) رقم (٧٤١)، عن ابن عباس، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٠٨)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. وذكره الشوكاني في «تفسيره» (١/ ١٣١)، كلاهما عن ابن عباس.
(٢) أخرجه البخاري (٤/ ٣٢٦)، كتاب «الاعتكاف»، باب هل يخرج المعتكف، حديث (٢٠٣٥)، وباب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه، حديث (٢٠٣٨)، وباب هل يدرأ المعتكف عن نفسه، حديث (٢٠٣٩)، و (٦/ ٢٤٢- ٢٤٣)، كتاب «فرض الخمس»، باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم حديث (٣١٠١)، و (٦/ ٣٨٧- ٣٨٨)، كتاب «بدء الخلق»، باب صفة إبليس وجنوده، حديث (٣٢٨١)، و (١٠/ ٦١٣- ٦١٤)، كتاب «الأدب» باب التكبير والتسبيح عند التعجب، حديث (٦٢١٩)، و (١٣/ ١٦٩)، كتاب «الأحكام»، باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولاية القضاء، حديث (٧١٧١)، ومسلم (٤/ ١٧١٢)، كتاب «السلام»، باب بيان أنه يستحب لمن رئي خاليا بامرأة... ، حديث (٢٥/ ٢١٧٥)، وأبو داود (١/ ٧٤٩)، كتاب «الصيام»، باب المعتكف يدخل البيت لحاجته، حديث (٢٤٧٠، ٢٤٧١)، وابن ماجة (١/ ٥٦٥- ٥٦٦)، كتاب «الصيام»، باب في المعتكف يزوره أهله في المسجد، حديث (١٧٧٩)، وأحمد (٦/ ٣٣٧)، وعبد الرزاق (٨٠٦٥)، وابن خزيمة (٣/ ٣٤٩)، رقم (٢٢٣٣، ٢٢٣٤)، وابن حبان (٣٦٧١)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (١/ ٢٩- ٣٠)، والبيهقي (٤/ ٣٢١)، كتاب «الصيام»، باب المعتكف يخرج إلى باب المسجد، والبغوي في «شرح السنة» (٧/ ٣٩٧- بتحقيقنا) كلهم من طريق الزهري، عن علي بن الحسين، عن صفية بنت حيي به.
(٣) المازري: هو محمد بن علي بن عمر التميمي، المازري، يعرف ب «الإمام»، ويكنى بأبي عبد الله، أصله، من «مازر» مدينة في جزيرة «صقلية»، خاتمة العلماء المحققين والأئمة الأعلام المجتهدين، الحافظ النظار، كان واسع الباع في العلم والاطلاع مع حدة في الذهن ورسوخ تام حتى بلغ درجة الاجتهاد، أخذ عن أبي الحسن اللخمي وغيره وعنه أخذ ما لا يعد، منهم: أبو محمد عبد السلام، وأبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم، وله مؤلفات منها: «شرح التلقين» ليس للمالكية كتاب مثله، و «شرح البرهان» -
219
وسوسة هذا اللعينِ فأعظم الأدوية له الثقَةُ باللَّه، والتعوُّذ به، والإعراض عن هذا اللعين، وعدمُ الالتفاتِ إليه، ما أمكن قال ابن عطاءِ اللَّه «١» في «لَطَائِفِ المِنَنِ» : كان بي وسواسٌ في الوضوءِ، فقال لي الشيخُ أبو العبَّاس المُرْسِيُّ «٢» : إن كنت لا تترك هذه الوسوسةَ لا تَعْدُ تَأْتِينَا، فَشَقَّ ذلك علَيَّ، وقطع اللَّه الوسواسَ عني، وكان الشيخ أبو العباس يُلَقِّنُ للوسواسِ: سُبْحَانَ المَلِكِ الخَلاَّقِ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر: ١٦، ١٧] انتهى.
قال عِيَاضٌ: في «الشِّفا» «٣» وأما قصة آدم عليه السلام، وقوله تعالى: فَأَكَلا مِنْها [طه: ١٢١] بعد قوله: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ، وقوله تعالى: أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ [الأعراف: ٢٢] وتصريحه تعالى عليه بالمعصية بقوله: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى [طه: ١٢١] أي: جهل، وقيل: أخطأ، فإن اللَّه تعالى قد أخبر بعذره بقوله:
وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه: ١١٥] قال ابن عبَّاس: نسي عداوة إِبليس، وما عهد اللَّه إِليه من ذلك «٤» بقوله: إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ...
[طه: ١١٧] الآيَة، وقيل: نسي ذلك بما أظهر لهما، وقال ابن عباس: إنما سمي الإنسان إنساناً لأنه عهد إِليه فنسي «٥»، وقيل: لم يقصد المخالفة استحلالا لها، ولكنهما اغترا بِحَلِفِ إِبليس لهما: إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: ٢١] وتوهَّما أن أحداً لا يحلف
قال عِيَاضٌ: في «الشِّفا» «٣» وأما قصة آدم عليه السلام، وقوله تعالى: فَأَكَلا مِنْها [طه: ١٢١] بعد قوله: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ، وقوله تعالى: أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ [الأعراف: ٢٢] وتصريحه تعالى عليه بالمعصية بقوله: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى [طه: ١٢١] أي: جهل، وقيل: أخطأ، فإن اللَّه تعالى قد أخبر بعذره بقوله:
وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه: ١١٥] قال ابن عبَّاس: نسي عداوة إِبليس، وما عهد اللَّه إِليه من ذلك «٤» بقوله: إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ...
[طه: ١١٧] الآيَة، وقيل: نسي ذلك بما أظهر لهما، وقال ابن عباس: إنما سمي الإنسان إنساناً لأنه عهد إِليه فنسي «٥»، وقيل: لم يقصد المخالفة استحلالا لها، ولكنهما اغترا بِحَلِفِ إِبليس لهما: إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: ٢١] وتوهَّما أن أحداً لا يحلف
- لأبي المعالي الجويني المسمى «إيضاح المحصول من برهان الأصول».
ولد سنة (٤٤٣) هـ، وتوفي سنة (٥٣٦ هـ.) ينظر: «شجرة النور» ص (١٢٧)، «الديباج» (ص ٢٧٩).
(١) أحمد بن محمد بن عبد الكريم، أبو الفضل تاج الدين، ابن عطاء الله الإسكندري: متصوف شاذلي، من العلماء، كان من أشد خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية. له تصانيف منها: «الحكم العطائية» في التصوف، و «تاج العروس» في الوصايا والعظات، و «لطائف المنن في مناقب المرسي وأبي الحسن» توفي ب «القاهرة». وينسب إليه كتاب «مفتاح الفلاح»، وليس من تآليفه.
ينظر: «الأعلام» (١/ ٢٢١ و ٢٢٢)، «الدرر الكامنة» (١/ ٢٧٣)، «كشف الظنون» (٦٧٥).
(٢) أحمد بن عمر المرسي، أبو العباس، شهاب الدين: فقيه متصوف، من أهل الإسكندرية، أصله من «مرسية» من «الأندلس».
ينظر: «الأعلام» (١/ ١٨٦)، «النجوم الزاهرة» (٧/ ٣٧١).
(٣) ينظر: «الشفا» ص (٨٢٢، ٨٢٣).
(٤) ذكره الماوردي في «التفسير» (٣/ ٤٣٠) بنحوه، والقرطبي (٦/ ٤٢٩١).
(٥) أخرجه الطبري (٨/ ٤٦٥) برقم (٢٤٣٨٠)، والحاكم (٢/ ٣٨٠- ٣٨١)، وصححه، ووافقه الذهبي، وذكره السيوطي في «الدر» (٤/ ٥٥٣)، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني في «الصغير» وابن منده في «التوحيد»، والحاكم.
ولد سنة (٤٤٣) هـ، وتوفي سنة (٥٣٦ هـ.) ينظر: «شجرة النور» ص (١٢٧)، «الديباج» (ص ٢٧٩).
(١) أحمد بن محمد بن عبد الكريم، أبو الفضل تاج الدين، ابن عطاء الله الإسكندري: متصوف شاذلي، من العلماء، كان من أشد خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية. له تصانيف منها: «الحكم العطائية» في التصوف، و «تاج العروس» في الوصايا والعظات، و «لطائف المنن في مناقب المرسي وأبي الحسن» توفي ب «القاهرة». وينسب إليه كتاب «مفتاح الفلاح»، وليس من تآليفه.
ينظر: «الأعلام» (١/ ٢٢١ و ٢٢٢)، «الدرر الكامنة» (١/ ٢٧٣)، «كشف الظنون» (٦٧٥).
(٢) أحمد بن عمر المرسي، أبو العباس، شهاب الدين: فقيه متصوف، من أهل الإسكندرية، أصله من «مرسية» من «الأندلس».
ينظر: «الأعلام» (١/ ١٨٦)، «النجوم الزاهرة» (٧/ ٣٧١).
(٣) ينظر: «الشفا» ص (٨٢٢، ٨٢٣).
(٤) ذكره الماوردي في «التفسير» (٣/ ٤٣٠) بنحوه، والقرطبي (٦/ ٤٢٩١).
(٥) أخرجه الطبري (٨/ ٤٦٥) برقم (٢٤٣٨٠)، والحاكم (٢/ ٣٨٠- ٣٨١)، وصححه، ووافقه الذهبي، وذكره السيوطي في «الدر» (٤/ ٥٥٣)، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني في «الصغير» وابن منده في «التوحيد»، والحاكم.
220
باللَّه حانِثاً، وقد روي عذر آدم مثل هذا في بعض الآثار، وقال ابن جُبَيْر: حلف باللَّه لهما حتى غَرَّهُمَا، والمؤمن يخدع، وقد قيل: نسي، ولم ينو المخالفَةَ فلذلك قال تعالى:
وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه: ١١٥] أَيْ: قَصْداً للمخالفةِ وأكثر المفسرين «١» على أن العزمَ هنا الحزمُ والصبرُ، وقال ابن فُورَكَ وغيره: إِنه يمكن أن يكون ذلك قبل النبوءة، ودليل ذلك قوله تعالى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى [طه: ١٢١، ١٢٢] فذكر أن الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان، وقيل: بل أكلها، وهو متأوِّل، وهو لا يعلم أنَّها الشجرة التي نهي عنها، لأنه تأول نهي اللَّه تعالى عن شجرة مخصوصةٍ، لا على الجنْسِ، ولهذا قيل: إنما كانت التوبةُ من ترك التحفُّظ، لا من المخالفة، وقيل: تأول أن اللَّه تعالى لم ينهه عنها نَهْيَ تحريمٍ. انتهى بلفظه فجزاه اللَّه خيرًا، ولقد جعل اللَّه في شِفَاهُ شِفَاءً.
والضمير في عَنْها يعود على الجنة، وهنا محذوفٌ يدلُّ عليه الظاهر تقديره: فَأَكَلاَ مِنَ الشَّجَرَةِ. وقوله تعالى: فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كَانَا فِيهِ: قيل: معناه: مِنْ نعمة الجنَّةِ إلى شقاء الدنيا، وقيل: من رفعة المنزلةِ إلى سُفْل مكانة الذنب.
ت: وفي هذا القول ما فيه، بل الصوابُ ما أشار إليه صاحب «التَّنْوِيرِ» بأن إخراج آدَم لم يكن إهانة له، بل لما سبق في علمه سبحانه من إكرام آدم وجعله في الأرض خليفةً، هو وأخيارَ ذرّيته، قائمين فيها بما يجبُ للَّه من عبادتِهِ، والهبوطُ النزولُ من عُلْو إلى سُفْل، واختلف من المخاطَبُ بالهبوط.
فقال السُّدِّيُّ/ وغيره: آدم، وحَوَّاء، وإِبليس، والحيّة التي أدخلت إبليس في فمها، ١٧ أوقال «٢» الحسن: آدم، وحواء والوسوسة «٣».
وبَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ جملةٌ في موضع الحال، وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ، أيْ: موضع استقرار، وقيل: المراد الاستقرار في القبور، والمتاع: ما يستمتع به من
وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه: ١١٥] أَيْ: قَصْداً للمخالفةِ وأكثر المفسرين «١» على أن العزمَ هنا الحزمُ والصبرُ، وقال ابن فُورَكَ وغيره: إِنه يمكن أن يكون ذلك قبل النبوءة، ودليل ذلك قوله تعالى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى [طه: ١٢١، ١٢٢] فذكر أن الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان، وقيل: بل أكلها، وهو متأوِّل، وهو لا يعلم أنَّها الشجرة التي نهي عنها، لأنه تأول نهي اللَّه تعالى عن شجرة مخصوصةٍ، لا على الجنْسِ، ولهذا قيل: إنما كانت التوبةُ من ترك التحفُّظ، لا من المخالفة، وقيل: تأول أن اللَّه تعالى لم ينهه عنها نَهْيَ تحريمٍ. انتهى بلفظه فجزاه اللَّه خيرًا، ولقد جعل اللَّه في شِفَاهُ شِفَاءً.
والضمير في عَنْها يعود على الجنة، وهنا محذوفٌ يدلُّ عليه الظاهر تقديره: فَأَكَلاَ مِنَ الشَّجَرَةِ. وقوله تعالى: فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كَانَا فِيهِ: قيل: معناه: مِنْ نعمة الجنَّةِ إلى شقاء الدنيا، وقيل: من رفعة المنزلةِ إلى سُفْل مكانة الذنب.
ت: وفي هذا القول ما فيه، بل الصوابُ ما أشار إليه صاحب «التَّنْوِيرِ» بأن إخراج آدَم لم يكن إهانة له، بل لما سبق في علمه سبحانه من إكرام آدم وجعله في الأرض خليفةً، هو وأخيارَ ذرّيته، قائمين فيها بما يجبُ للَّه من عبادتِهِ، والهبوطُ النزولُ من عُلْو إلى سُفْل، واختلف من المخاطَبُ بالهبوط.
فقال السُّدِّيُّ/ وغيره: آدم، وحَوَّاء، وإِبليس، والحيّة التي أدخلت إبليس في فمها، ١٧ أوقال «٢» الحسن: آدم، وحواء والوسوسة «٣».
وبَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ جملةٌ في موضع الحال، وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ، أيْ: موضع استقرار، وقيل: المراد الاستقرار في القبور، والمتاع: ما يستمتع به من
(١) قال السمين الحلبي: «قال قتادة: صبرا، وقال غيره: حزما. وهذه غلطة. والأولى في تفسيرها: ولم نجد له تصميما على ما همّ به. وقال شمر: العزم والعزيمة: ما عقد عليه قلبك من أمر أنك فاعله.
ينظر: «عمدة الحفاظ» (٣/ ٨٧). [.....]
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٢٧٨) برقم (٧٦٠)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١١٠) عن ابن عباس، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. وذكره ابن كثير (١/ ٢٠٦)، والماوردي (١/ ١٠٧) والشوكاني في «تفسيره» (١/ ١٣١).
(٣) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ١٢٩)، والقرطبي (١/ ٢٧٢).
ينظر: «عمدة الحفاظ» (٣/ ٨٧). [.....]
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٢٧٨) برقم (٧٦٠)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١١٠) عن ابن عباس، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. وذكره ابن كثير (١/ ٢٠٦)، والماوردي (١/ ١٠٧) والشوكاني في «تفسيره» (١/ ١٣١).
(٣) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ١٢٩)، والقرطبي (١/ ٢٧٢).
221
أكل، ولُبْس، وحَدِيثٍ، وأنس، وغيرِ ذلك.
واختلف في «الحِينِ» هنا.
فقالت فرقةٌ: إلى المَوْتِ، وهذا قولُ من يقول: المستقرُّ هو المُقام في الدنيا، وقالت فرقة: إِلى حِينٍ: إلى يومِ القيامةِ، وهذا هو قول من يقول: المستَقَرُّ هو في القبور، والحِينُ المدَّة الطويلة من الدهر، أقصرها في الأيمان «١» والالتزامات سَنَةٌ قال اللَّه تعالى:
تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ [إبراهيم: ٢٥] وقيل: أقصرها ستَّةُ أشهر لأن من النخل ما يطعم في كلِّ ستة أشهر.
وفي قوله تعالى: إِلى حِينٍ فائدةٌ لآدم عليه السلام ليعلم أنه غير باق فيها، ومنتقلٌ إِلى الجنة التي وعد بالرجوع إِليها، وهي لغير آدم دالَّة على المعاد، وروي أن آدم نزل على جبل من جبال سَرَنْدِيبَ «٢»، وأن حواء نزلَتْ بِجُدَّةَ «٣»، وأن الحية نزلت بأصبهان «٤»،
واختلف في «الحِينِ» هنا.
فقالت فرقةٌ: إلى المَوْتِ، وهذا قولُ من يقول: المستقرُّ هو المُقام في الدنيا، وقالت فرقة: إِلى حِينٍ: إلى يومِ القيامةِ، وهذا هو قول من يقول: المستَقَرُّ هو في القبور، والحِينُ المدَّة الطويلة من الدهر، أقصرها في الأيمان «١» والالتزامات سَنَةٌ قال اللَّه تعالى:
تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ [إبراهيم: ٢٥] وقيل: أقصرها ستَّةُ أشهر لأن من النخل ما يطعم في كلِّ ستة أشهر.
وفي قوله تعالى: إِلى حِينٍ فائدةٌ لآدم عليه السلام ليعلم أنه غير باق فيها، ومنتقلٌ إِلى الجنة التي وعد بالرجوع إِليها، وهي لغير آدم دالَّة على المعاد، وروي أن آدم نزل على جبل من جبال سَرَنْدِيبَ «٢»، وأن حواء نزلَتْ بِجُدَّةَ «٣»، وأن الحية نزلت بأصبهان «٤»،
(١) الأيمان لغة: جمع يمين، وهو القوة، وفي الصحاح: اليمين: القسم، والجمع: الأيمن، والأيمان.
انظر: «الصحاح» (٦/ ٢٢٢١)، «المصباح المنير» (٢/ ١٠٥٧)، و «المغرب» (٢/ ٣٩٩)، «لسان العرب» (٣/ ٤٦٢)، «القاموس المحيط» (٤/ ٢٨١).
واصطلاحا:
عرفه الحنفية بأنه: عقد قوي به عزم الحالف على فعل شيء أو تركه.
وعرفه الشافعية بأنه: تحقيق غير ثابت ماضيا كان أو مستقبلا، نفيا أو إثباتا، ممكنا أو ممتنعا، صادقة أو كاذبة، على العلم بالحال أو الجهل به.
وعرفه المالكية بأنه: تحقيق ما لم يجب بذكر اسم الله أو صفته.
وعرفه الحنابلة بأنه: توكيد حكم (أي: محلوف عليه)، بذكر معظم، أو هو: المحلوف به على وجه مخصوص.
ينظر: «تبيين الحقائق» (٣/ ١٠٧)، «شرح فتح القدير» (٤/ ٢)، «مغني المحتاج» (٤/ ٣٢٠)، «المحلى على المنهاج» (٤/ ٣٧٠)، «حاشية الدسوقي» (٢/ ١١٢)، «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٤١٩).
(٢) سرنديب جزيرة عظيمة بأقصى بلاد الهند. يقال: ثمانون فرسخا في مثلها، فيها الجبل الذي هبط عليه آدم- عليه السلام- يقال له: الرهون، وهو ذاهب في السماء يراه البحريون من مسافة أيام كثيرة. وفيه أثر آدم وقبره، وهي قدم واحدة مغموسة في الحجر طولها نحو سبعين ذراعا. ينظر: «مراصد الاطلاع» (٢/ ٧١٠).
(٣) جدّة بالتشديد: بلد على ساحل بحر اليمن، هو فرضة «مكة». ينظر: «مراصد الاطلاع» (١/ ٣١٨).
(٤) أصبهان منهم من يفتح الهمزة وهو الأكثر الأشهر، وكسرها آخرون. أصبهان: لفظ معرّب من سباهان بمعنى الجيش، فيكون معناه على حذف المضاف مدينة «الجيش» : مدينة عظيمة مشهورة من أعلام المدن وأعيانها. وأصبهان: اسم للإقليم بأسره. ينظر: «مراصد الاطلاع» (١/ ٨٧).
انظر: «الصحاح» (٦/ ٢٢٢١)، «المصباح المنير» (٢/ ١٠٥٧)، و «المغرب» (٢/ ٣٩٩)، «لسان العرب» (٣/ ٤٦٢)، «القاموس المحيط» (٤/ ٢٨١).
واصطلاحا:
عرفه الحنفية بأنه: عقد قوي به عزم الحالف على فعل شيء أو تركه.
وعرفه الشافعية بأنه: تحقيق غير ثابت ماضيا كان أو مستقبلا، نفيا أو إثباتا، ممكنا أو ممتنعا، صادقة أو كاذبة، على العلم بالحال أو الجهل به.
وعرفه المالكية بأنه: تحقيق ما لم يجب بذكر اسم الله أو صفته.
وعرفه الحنابلة بأنه: توكيد حكم (أي: محلوف عليه)، بذكر معظم، أو هو: المحلوف به على وجه مخصوص.
ينظر: «تبيين الحقائق» (٣/ ١٠٧)، «شرح فتح القدير» (٤/ ٢)، «مغني المحتاج» (٤/ ٣٢٠)، «المحلى على المنهاج» (٤/ ٣٧٠)، «حاشية الدسوقي» (٢/ ١١٢)، «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٤١٩).
(٢) سرنديب جزيرة عظيمة بأقصى بلاد الهند. يقال: ثمانون فرسخا في مثلها، فيها الجبل الذي هبط عليه آدم- عليه السلام- يقال له: الرهون، وهو ذاهب في السماء يراه البحريون من مسافة أيام كثيرة. وفيه أثر آدم وقبره، وهي قدم واحدة مغموسة في الحجر طولها نحو سبعين ذراعا. ينظر: «مراصد الاطلاع» (٢/ ٧١٠).
(٣) جدّة بالتشديد: بلد على ساحل بحر اليمن، هو فرضة «مكة». ينظر: «مراصد الاطلاع» (١/ ٣١٨).
(٤) أصبهان منهم من يفتح الهمزة وهو الأكثر الأشهر، وكسرها آخرون. أصبهان: لفظ معرّب من سباهان بمعنى الجيش، فيكون معناه على حذف المضاف مدينة «الجيش» : مدينة عظيمة مشهورة من أعلام المدن وأعيانها. وأصبهان: اسم للإقليم بأسره. ينظر: «مراصد الاطلاع» (١/ ٨٧).
222
وقيل: بِمَيْسَانَ «١»، وأن إبليسَ نزل عند الأُبُلَّةِ «٢».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٧ الى ٣٨]
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨)
قوله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ: المعنى: فقال الكلماتِ، فتابَ اللَّه علَيْه عنْد ذلك، وقرأ ابن كثير «٣» «آدَمَ» بالنصب «مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٌ» بالرفع، واختلف المتأوِّلون في الكلماتِ، فقال الحسنُ بن أبي الحسن: هي قوله تعالى: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا... «٤» الآية [الأعراف: ٢٣]، وقالت طائفة: إِنَّ آدم رأى مكتوباً على ساق العرش: محمَّدٌ رسُولُ اللَّهِ، فتشفَّع به، فهي الكلماتُ «٥»، وسئل بعض سَلَفِ المسلمين عمَّا ينبغي أن يقوله المُذْنِبُ، فقال: يقول ما قاله أبواه: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الأعراف: ٢٣] وما قاله موسى: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص: ١٦] وما قال يونس: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: ٨٧] وتَابَ عَلَيْهِ: معناه: راجعٌ به، والتوبةُ، من اللَّه تعالى الرجوعُ على عبده بالرحمةِ والتوفيقِ، والتوبةُ من العبد الرجوعُ عن المعصيةِ، والندمُ على الذنب، مع تركه فيما يستأنف.
ت: يعني: مع العزم على تركه فيما يستقبل، وإنما خص اللَّه تعالى آدم بالذكْرِ في التلقِّي، والتوبة، وحواءُ مشارِكَةٌ له في ذلك بإجماع لأنه المخاطَبُ في أول القصَّة، فكملت القصة بذكُره وحْدَه وأيضاً: فَلأَنَّ المرأة حُرْمَةٌ ومستورةٌ، فأراد اللَّه تعالَى السِّتْر لها ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ [طه: ١٢١] وبنية التَّوَّاب للمبالغة والتكثير، وفي قوله تعالى: هُوَ التَّوَّابُ تأكيدٌ فائدتُهُ أنَّ التوبة على العبد إنما هي
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٧ الى ٣٨]
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨)
قوله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ: المعنى: فقال الكلماتِ، فتابَ اللَّه علَيْه عنْد ذلك، وقرأ ابن كثير «٣» «آدَمَ» بالنصب «مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٌ» بالرفع، واختلف المتأوِّلون في الكلماتِ، فقال الحسنُ بن أبي الحسن: هي قوله تعالى: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا... «٤» الآية [الأعراف: ٢٣]، وقالت طائفة: إِنَّ آدم رأى مكتوباً على ساق العرش: محمَّدٌ رسُولُ اللَّهِ، فتشفَّع به، فهي الكلماتُ «٥»، وسئل بعض سَلَفِ المسلمين عمَّا ينبغي أن يقوله المُذْنِبُ، فقال: يقول ما قاله أبواه: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الأعراف: ٢٣] وما قاله موسى: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص: ١٦] وما قال يونس: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: ٨٧] وتَابَ عَلَيْهِ: معناه: راجعٌ به، والتوبةُ، من اللَّه تعالى الرجوعُ على عبده بالرحمةِ والتوفيقِ، والتوبةُ من العبد الرجوعُ عن المعصيةِ، والندمُ على الذنب، مع تركه فيما يستأنف.
ت: يعني: مع العزم على تركه فيما يستقبل، وإنما خص اللَّه تعالى آدم بالذكْرِ في التلقِّي، والتوبة، وحواءُ مشارِكَةٌ له في ذلك بإجماع لأنه المخاطَبُ في أول القصَّة، فكملت القصة بذكُره وحْدَه وأيضاً: فَلأَنَّ المرأة حُرْمَةٌ ومستورةٌ، فأراد اللَّه تعالَى السِّتْر لها ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ [طه: ١٢١] وبنية التَّوَّاب للمبالغة والتكثير، وفي قوله تعالى: هُوَ التَّوَّابُ تأكيدٌ فائدتُهُ أنَّ التوبة على العبد إنما هي
(١) «ميسان» : كورة واسعة كثيرة القرى والنخل، بين «البصرة» و «واسط» قصبتها «ميسان».
ينظر: «مراصد الاطلاع» (٣/ ١٣٤٣).
(٢) «الأبلّة» : بلدة على شاطىء دجلة «البصرة» العظمى، في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة «البصرة».
ينظر: «مراصد الاطلاع» (١/ ١٨).
(٣) عبد الله بن كثير الداري المكي، أبو معبد: أحد القرّاء السبعة. كان قاضي الجماعة ب «مكة». وكانت حرفته العطارة. ويسمون العطار «داريّا». فعرف ب «الداري». وهو فارسي الأصل، ولد سنة (٤٥ هـ.)
ب «مكة» وتوفي سنة (١٢٠ هـ.) بها أيضا.
ينظر: «وفيات الأعيان» (١: ٢٥٠)، «الأعلام» (٤/ ١١٥).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ٢٨١) برقم (٧٧٨)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١١٨)، وعزاه لعبد بن حميد، وذكره ابن كثير (١/ ٨١).
(٥) ينظر: القرطبي (١/ ٢٧٦).
ينظر: «مراصد الاطلاع» (٣/ ١٣٤٣).
(٢) «الأبلّة» : بلدة على شاطىء دجلة «البصرة» العظمى، في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة «البصرة».
ينظر: «مراصد الاطلاع» (١/ ١٨).
(٣) عبد الله بن كثير الداري المكي، أبو معبد: أحد القرّاء السبعة. كان قاضي الجماعة ب «مكة». وكانت حرفته العطارة. ويسمون العطار «داريّا». فعرف ب «الداري». وهو فارسي الأصل، ولد سنة (٤٥ هـ.)
ب «مكة» وتوفي سنة (١٢٠ هـ.) بها أيضا.
ينظر: «وفيات الأعيان» (١: ٢٥٠)، «الأعلام» (٤/ ١١٥).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ٢٨١) برقم (٧٧٨)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١١٨)، وعزاه لعبد بن حميد، وذكره ابن كثير (١/ ٨١).
(٥) ينظر: القرطبي (١/ ٢٧٦).
223
نعمة من اللَّه تعالى، لا من العبد وحده لئلاَّ يعجب التائبُ، بل الواجب عليه شكر اللَّه تعالى في توبته عليه، وكرر الأمر بالهبوط لما علَّق بكل أمر منهما حكمًا غير حكم الآخر، فعلَّق بالأول العداوة، وبالثاني إتيان الهدى.
ت: وهذه الآية تبين أن هبوط آدم كان هبوط تَكْرِمَةٍ لما ينشأ عن ذلك من أنواع الخيرات، وفنون العبادات.
١٧ ب وجَمِيعاً: حالٌ من الضمير/ في «اهبطوا»، واختلف في المقصود بهذا الخطاب.
فقيل: آدم، وحواء، وإبليس، وذريَّتهم، وقيل: ظاهره العموم، ومعناه الخصوص في آدم وحواء لأن إبليس لا يأتيه هُدًى، والأول أصح لأن إبليس مخاطَبٌ بالإيمان بإجماع «١».
«وإِنْ» في قوله: فَإِمَّا هي للشرط، دخلت «مَا» عليها مؤكِّدة ليصح دخول النون المشدَّدة، واختلف في معنى قوله: هُدىً فقيل: بيان وإرشاد، والصواب أن يقال: بيان ودعاءٌ، وقالت فرقة: الهُدَى الرسُلُ، وهي إلى آدم من الملائكة، وإلى بنيه من البشر هو فَمَنْ بعده.
ت: وهذه الآية تبين أن هبوط آدم كان هبوط تَكْرِمَةٍ لما ينشأ عن ذلك من أنواع الخيرات، وفنون العبادات.
١٧ ب وجَمِيعاً: حالٌ من الضمير/ في «اهبطوا»، واختلف في المقصود بهذا الخطاب.
فقيل: آدم، وحواء، وإبليس، وذريَّتهم، وقيل: ظاهره العموم، ومعناه الخصوص في آدم وحواء لأن إبليس لا يأتيه هُدًى، والأول أصح لأن إبليس مخاطَبٌ بالإيمان بإجماع «١».
«وإِنْ» في قوله: فَإِمَّا هي للشرط، دخلت «مَا» عليها مؤكِّدة ليصح دخول النون المشدَّدة، واختلف في معنى قوله: هُدىً فقيل: بيان وإرشاد، والصواب أن يقال: بيان ودعاءٌ، وقالت فرقة: الهُدَى الرسُلُ، وهي إلى آدم من الملائكة، وإلى بنيه من البشر هو فَمَنْ بعده.
(١) يطلق الإجماع في اللّغة، على معنيين:
أحدهما: العزم، يقال: أجمعت المسير والأمر، وأجمعت عليه أي: عزمت.
ثانيهما: الاتّفاق، ومنه يقال: أجمع القوم على كذا، إذا اتّفقوا، قال في «القاموس» : الإجماع: الاتّفاق، والعزم على الأمر.
عرّفه الرازيّ في «المحصول» والإجماع اصطلاحا بأنه: عبارة عن اتّفاق أهل الحلّ والعقد من أمّة محمد صلّى الله عليه وسلم على أمر من الأمور.
وعرّفه الآمديّ بقوله: عبارة عن اتّفاق جملة أهل الحلّ والعقد من أمة محمد صلّى الله عليه وسلم في عصر من الأعصار على واقعة من الوقائع.
وعرّفه النّظّام من المعتزلة بقوله: هو كلّ قول قامت حجّته حتّى قول الواحد.
وعرّفه سراج الدين الأرمويّ في «التحصيل» بقوله: هو اتّفاق المسلمين المجتهدين في أحكام الشّرع على أمر ما من اعتقاد، أو قول، أو فعل.
ويمكن أن يعرّف بأنّه اتفاق المجتهدين من هذه الأمّة بعد وفاة محمّد صلّى الله عليه وسلم في عصر على أمر شرعيّ.
ينظر: «البرهان» لإمام الحرمين (١/ ٦٧٠)، «البحر المحيط» للزركشي (٤/ ٤٣٥)، «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (١/ ١٧٩)، «سلاسل الذهب» للزركشي ص (٣٣٧)، «التمهيد» للأسنوي ص (٤٥١)، «نهاية السول» له (٣/ ٢٣٧)، «زوائد الأصول» له ص (٣٦٢)، «منهاج العقول» (٢/ ٣٧٧).
أحدهما: العزم، يقال: أجمعت المسير والأمر، وأجمعت عليه أي: عزمت.
ثانيهما: الاتّفاق، ومنه يقال: أجمع القوم على كذا، إذا اتّفقوا، قال في «القاموس» : الإجماع: الاتّفاق، والعزم على الأمر.
عرّفه الرازيّ في «المحصول» والإجماع اصطلاحا بأنه: عبارة عن اتّفاق أهل الحلّ والعقد من أمّة محمد صلّى الله عليه وسلم على أمر من الأمور.
وعرّفه الآمديّ بقوله: عبارة عن اتّفاق جملة أهل الحلّ والعقد من أمة محمد صلّى الله عليه وسلم في عصر من الأعصار على واقعة من الوقائع.
وعرّفه النّظّام من المعتزلة بقوله: هو كلّ قول قامت حجّته حتّى قول الواحد.
وعرّفه سراج الدين الأرمويّ في «التحصيل» بقوله: هو اتّفاق المسلمين المجتهدين في أحكام الشّرع على أمر ما من اعتقاد، أو قول، أو فعل.
ويمكن أن يعرّف بأنّه اتفاق المجتهدين من هذه الأمّة بعد وفاة محمّد صلّى الله عليه وسلم في عصر على أمر شرعيّ.
ينظر: «البرهان» لإمام الحرمين (١/ ٦٧٠)، «البحر المحيط» للزركشي (٤/ ٤٣٥)، «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (١/ ١٧٩)، «سلاسل الذهب» للزركشي ص (٣٣٧)، «التمهيد» للأسنوي ص (٤٥١)، «نهاية السول» له (٣/ ٢٣٧)، «زوائد الأصول» له ص (٣٦٢)، «منهاج العقول» (٢/ ٣٧٧).
224
وقوله تعالى: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ: شرطٌ، جوابه: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، قال سيبوَيْهِ: والشرط الثاني وجوابه هما جواب الأول في قوله: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ.
وقوله تعالى: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ: يحتمل فيما بين أيديهم من الدنيا، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فاتهم منها، ويحتمل: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يوم القيامة، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ فيه.
ت: وهذا هو الظاهر، وعليه اقتصر في اختصار الطبريِّ، ولفظه عن ابن زيد:
فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، أي: لا خوف عليهم أمامهم «١»، قال: وليس شيء أعظم في صدر من يموت مما بعد الموتِ فأمَّنهم سبحانه منه، وسلّاهم عن الدنيا. انتهى.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٩ الى ٤١]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٩) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١)
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا... الآية: لما كانت لفظة الكُفْرِ يشترك فيها كفر النعمِ، وكفر المعاصي، ولا يجب بهذا خلودٌ، بيَّن سبحانه أن الكفر هنا هو الشرك، بقوله:
وَكَذَّبُوا بِآياتِنا... والآياتُ هنا يحتمل أن يريد بها المتلوَّة، ويحتمل أن يريد العلاماتِ المنصوبَةَ، والصُّحْبَةُ الاقتران بالشيْءِ في حالةٍ مَّا زمنا.
قوله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ: إسْرَائِيلَ: هو يَعْقُوبُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ- عليهم السلام- وإِسْرَا: هو بالعبرانية عبد، وإِيلُ: اسم اللَّه تعالى، فمعناه عَبْدُ اللَّهِ، والذِّكْرُ في كلام العَرَبِ على أنحاء، وهذا منها ذكر القلب الذي هو ضدّ النسيان، والنعمة هنا اسم «٢» جنس، فهي مفردة بمعنى الجَمْعِ، قال ابن عَبَّاس، وجمهور العلماء:
الخِطَابُ لجميع بني إسرائيل في مدَّة النبيِّ صلّى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ: يحتمل فيما بين أيديهم من الدنيا، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فاتهم منها، ويحتمل: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يوم القيامة، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ فيه.
ت: وهذا هو الظاهر، وعليه اقتصر في اختصار الطبريِّ، ولفظه عن ابن زيد:
فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، أي: لا خوف عليهم أمامهم «١»، قال: وليس شيء أعظم في صدر من يموت مما بعد الموتِ فأمَّنهم سبحانه منه، وسلّاهم عن الدنيا. انتهى.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٩ الى ٤١]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٩) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١)
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا... الآية: لما كانت لفظة الكُفْرِ يشترك فيها كفر النعمِ، وكفر المعاصي، ولا يجب بهذا خلودٌ، بيَّن سبحانه أن الكفر هنا هو الشرك، بقوله:
وَكَذَّبُوا بِآياتِنا... والآياتُ هنا يحتمل أن يريد بها المتلوَّة، ويحتمل أن يريد العلاماتِ المنصوبَةَ، والصُّحْبَةُ الاقتران بالشيْءِ في حالةٍ مَّا زمنا.
قوله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ: إسْرَائِيلَ: هو يَعْقُوبُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ- عليهم السلام- وإِسْرَا: هو بالعبرانية عبد، وإِيلُ: اسم اللَّه تعالى، فمعناه عَبْدُ اللَّهِ، والذِّكْرُ في كلام العَرَبِ على أنحاء، وهذا منها ذكر القلب الذي هو ضدّ النسيان، والنعمة هنا اسم «٢» جنس، فهي مفردة بمعنى الجَمْعِ، قال ابن عَبَّاس، وجمهور العلماء:
الخِطَابُ لجميع بني إسرائيل في مدَّة النبيِّ صلّى الله عليه وسلم.
(١) أخرجه الطبري (١/ ٢٨٥) برقم (٧٩٦).
(٢) الجنس: هو جملة الشيء ومجموع أفراده، وهو أعم من النوع، وقد استعمل النحاة هذا التعبير في مجال الدلالة على الشيوع والعمومية في النوع الواحد. وقد أطلق النحاة هذا اللفظ في مجال تقسيم العلم وذكر أنواعه، فقالوا: العلم: علم شخص أو جنس. واستعملوه أيضا في اسم الجنس الذي قسموه إلى ثلاثة أقسام:
١- اسم جنس جمعي. ٢- اسم جنس إفرادي. ٣- اسم جنس آحادي.
«معجم المصطلحات النحوية والصرفية»، د. محمد سمير نجيب اللبدي، (ص ٥٥- ٥٦). [.....]
(٢) الجنس: هو جملة الشيء ومجموع أفراده، وهو أعم من النوع، وقد استعمل النحاة هذا التعبير في مجال الدلالة على الشيوع والعمومية في النوع الواحد. وقد أطلق النحاة هذا اللفظ في مجال تقسيم العلم وذكر أنواعه، فقالوا: العلم: علم شخص أو جنس. واستعملوه أيضا في اسم الجنس الذي قسموه إلى ثلاثة أقسام:
١- اسم جنس جمعي. ٢- اسم جنس إفرادي. ٣- اسم جنس آحادي.
«معجم المصطلحات النحوية والصرفية»، د. محمد سمير نجيب اللبدي، (ص ٥٥- ٥٦). [.....]
225
وقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ: أمر وجوابه، وهذا العهد في قول جمهور العلماءِ عامٌّ «١» في جميع أوامره سبحانه ونواهيه ووصاياه لهم، فيدخل في ذلك ذكر محمّد صلّى الله عليه وسلم الذي في التوراة، والرهبةُ يتضمَّن الأمر بها معنى التهديد، وأسند الترمذيُّ الحَكِيمُ «٢» في «نَوَادِرِ الأصول» له عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «قَالَ رَبُّكُمْ سُبْحَانَهُ: لاَ أَجْمَعُ على عَبْدِي خَوْفَيْنِ، وَلاَ أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ، فَمَنْ خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ فِي الآخِرَةِ، وَمَنْ أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا، أَخَفْتُهُ فِي الآخِرَةِ» «٣». انتهى من «التذكرة» للقرطبيّ، ورواه ابن المبارك «٤» في
(١) عرفه أبو الحسين البصريّ في «المعتمد» بقوله: «هو اللّفظ المستغرق لما يصلح له». وزاد الإمام الرّازي على هذا التّعريف في «المحصول» :«... بوضع واحد»، وعليه جرى البيضاويّ في «منهاجه».
وعرّفه إمام الحرمين الجوينيّ في «الورقات» بقوله: «العام: ما عمّ شيئين فصاعدا». وإلى ذلك أيضا ذهب الإمام الغزّاليّ حيث عرّفه بأنّه: «اللّفظ الواحد الدّالّ من جهة واحدة على شيئين فصاعدا».
ويرى سيف الدّين الآمديّ أنّ العامّ هو: «اللّفظ الواحد الدّالّ على قسمين فصاعدا مطلقا معا».
واختار ابن الحاجب: «أن العامّ ما دلّ على مسميّات باعتبار أمر اشتركت فيه مطلقا ضربة».
ينظر: «البرهان» لإمام الحرمين (١/ ٣٤١٨)، و «البحر المحيط» للزركشي (٣/ ٥)، و «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (٢/ ١٨٥)، و «سلاسل الذهب» للزركشي (ص ٢١٩)، و «التمهيد» للإسنوي (ص ٢٩٧)، و «نهاية السول» له (٢/ ٣١٢)، و «زوائد الأصول» له (ص ٢٤٨)، و «منهاج العقول» للبدخشي: (٢/ ٧٥)، و «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري (ص ٦٩)، و «التحصيل من المحصول» للأرموي: (١/ ٣٤٣)، و «المنخول» للغزالي (ص ١٣٨)، و «المستصفى» له (٢/ ٣٢)، و «حاشية البناني» (١/ ٣٩٢)، و «الإبهاج» لابن السبكي (٢/ ٨٢)، و «الآيات البينات» لابن قاسم العبادي (٢/ ٢٥٤)، و «تخريج الفروع على الأصول» للزنجاني (ص ٣٢٦)، و «حاشية العطار على جمع الجوامع» (١/ ٥٠٥)، و «المعتمد» لأبي الحسين (١/ ١٨٩)، و «إحكام الفصول في أحكام الأصول» للباجي (ص ٢٣٠).
(٢) محمد بن علي بن الحسن بن بشر، أبو عبد الله، الحكيم الترمذي: باحث صوفي، عالم بالحديث وأصول الدين من أهل «ترمذ» نفي منها بسبب تصنيفه كتابا خالف فيه ما عليه أهلها، فشهدوا عليه بالكفر. وقيل: اتهم باتباع طريقة الصوفية في الإشارات ودعوى الكشف. وقيل: فضّل الولاية على النبوة، ورد بعض العلماء هذه التهمة عنه. أما كتبه، فمنها: «نوادر الأصول في أحاديث الرسول»، و «الفروق».
ينظر: «الأعلام» (٦/ ٢٧٢)، «مفتاح السعادة» (٢/ ١٧٠)، «طبقات السبكي» (٢/ ٢٠)، «الرسالة المستطرفة» (٤٣).
(٣) أخرجه ابن حبان (٢٤٩٤- موارد)، والبزار (٤/ ٧٤- «كشف» )، حديث (٣٢٣٣).
(٤) عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، مولاهم، أبو عبد الرحمن المروزي، أحد الأئمة الأعلام وشيوخ الإسلام. روى عن حميد، وإسماعيل، وغيرهم. كتب عن أربعة آلاف شيخ وروى عن ألف، عالم المشرق والمغرب، وكان ثقة، ولد سنة (١١٨ هـ.)، وتوفي سنة (١٨١ هـ.).
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٩٣) (٣٧٦٧)، و «الحلية» (٨/ ١٦٢- ١٩٠)، و «الوفيات» (٣/ ٣٢- ٣٤).
وعرّفه إمام الحرمين الجوينيّ في «الورقات» بقوله: «العام: ما عمّ شيئين فصاعدا». وإلى ذلك أيضا ذهب الإمام الغزّاليّ حيث عرّفه بأنّه: «اللّفظ الواحد الدّالّ من جهة واحدة على شيئين فصاعدا».
ويرى سيف الدّين الآمديّ أنّ العامّ هو: «اللّفظ الواحد الدّالّ على قسمين فصاعدا مطلقا معا».
واختار ابن الحاجب: «أن العامّ ما دلّ على مسميّات باعتبار أمر اشتركت فيه مطلقا ضربة».
ينظر: «البرهان» لإمام الحرمين (١/ ٣٤١٨)، و «البحر المحيط» للزركشي (٣/ ٥)، و «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (٢/ ١٨٥)، و «سلاسل الذهب» للزركشي (ص ٢١٩)، و «التمهيد» للإسنوي (ص ٢٩٧)، و «نهاية السول» له (٢/ ٣١٢)، و «زوائد الأصول» له (ص ٢٤٨)، و «منهاج العقول» للبدخشي: (٢/ ٧٥)، و «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري (ص ٦٩)، و «التحصيل من المحصول» للأرموي: (١/ ٣٤٣)، و «المنخول» للغزالي (ص ١٣٨)، و «المستصفى» له (٢/ ٣٢)، و «حاشية البناني» (١/ ٣٩٢)، و «الإبهاج» لابن السبكي (٢/ ٨٢)، و «الآيات البينات» لابن قاسم العبادي (٢/ ٢٥٤)، و «تخريج الفروع على الأصول» للزنجاني (ص ٣٢٦)، و «حاشية العطار على جمع الجوامع» (١/ ٥٠٥)، و «المعتمد» لأبي الحسين (١/ ١٨٩)، و «إحكام الفصول في أحكام الأصول» للباجي (ص ٢٣٠).
(٢) محمد بن علي بن الحسن بن بشر، أبو عبد الله، الحكيم الترمذي: باحث صوفي، عالم بالحديث وأصول الدين من أهل «ترمذ» نفي منها بسبب تصنيفه كتابا خالف فيه ما عليه أهلها، فشهدوا عليه بالكفر. وقيل: اتهم باتباع طريقة الصوفية في الإشارات ودعوى الكشف. وقيل: فضّل الولاية على النبوة، ورد بعض العلماء هذه التهمة عنه. أما كتبه، فمنها: «نوادر الأصول في أحاديث الرسول»، و «الفروق».
ينظر: «الأعلام» (٦/ ٢٧٢)، «مفتاح السعادة» (٢/ ١٧٠)، «طبقات السبكي» (٢/ ٢٠)، «الرسالة المستطرفة» (٤٣).
(٣) أخرجه ابن حبان (٢٤٩٤- موارد)، والبزار (٤/ ٧٤- «كشف» )، حديث (٣٢٣٣).
(٤) عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، مولاهم، أبو عبد الرحمن المروزي، أحد الأئمة الأعلام وشيوخ الإسلام. روى عن حميد، وإسماعيل، وغيرهم. كتب عن أربعة آلاف شيخ وروى عن ألف، عالم المشرق والمغرب، وكان ثقة، ولد سنة (١١٨ هـ.)، وتوفي سنة (١٨١ هـ.).
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٩٣) (٣٧٦٧)، و «الحلية» (٨/ ١٦٢- ١٩٠)، و «الوفيات» (٣/ ٣٢- ٣٤).
226
«رَقَائِقِهِ» من طريق الحسن البصريِّ، وفيه: قَالَ اللَّهُ: «وَعِزَّتِي، لاَ أَجْمَعُ على عَبْدِي خَوْفَيْنِ، وَلاَ أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ فَإذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَإذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» «١». انتهى، ورواه أيضاً الترمذيُّ الحكيمُ في كتاب «خَتْمِ الأَوْلِيَاءِ» قال صاحب «الكَلِمِ الفَارِقِيَّةِ، والحِكَمِ الحقيقيَّة» :«بقدر ما يدخل القلب من التعظيم والحرمة/ ١٨ أتنبعث الجوارح في الطاعة والخدمة». انتهى.
وآمِنُوا: معناه: صدّقوا، ومُصَدِّقاً نصبٌ على الحال من الضمير في أَنْزَلْتُ، وبِما أَنْزَلْتُ كناية عن القرآن، ولِما مَعَكُمْ، يعني: التوراةَ.
وقوله: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ هذا من مفهوم الخطاب الذي المذكور فيه والمسكوت عنه حكمها واحدٌ، وَحُذِّرُوا البدارَ إلى الكفر به إِذ على الأول كِفْلٌ من فعل المقتدى به، ونصب «أَوَّلَ» على خبر «كَانَ».
ع «٢» : وقد كان كَفَر قبلهم كفار قريشٍ، وإِنما معناه من أهل الكتاب إِذ هم منظورٌ إِليهم في مثل هذا، واختلف في الضمير في «به»، فقيل: يعود على محمّد صلّى الله عليه وسلم، وقيل: على القرآن، وقيل: على التوراة، واختلف في الثمن الذي نُهُوا أن يشتروه بالآياتِ.
فقالتْ طائفةٌ: إن الأحبار كانوا يُعلِّمُونَ دينَهم بالأجرة، فَنُهُوا عن ذلك، وفي كتبهم:
«عَلِّمْ مَجَّاناً كَمَا عُلِّمْتَ مَجَّاناً»، أي: باطلاً بغير أجرة.
وقيل: كانت للأخبار مأكلة يأكلونها على العِلْمِ.
وقال قوم: إن الأحبار أخذوا رُشاً على تغييرِ صفَةِ محمَّد صلّى الله عليه وسلم في التوراة، فنُهُوا عن ذلك.
وقال قوم: معنى الآية: ولا تشتروا بأوامري، ونواهِيَّ، وآياتي ثمناً قليلاً، يعني:
الدنيا ومدَّتها والعيش الذي هو نزْرٌ «٣» لا خَطَر له، وقد تقدَّم نظير قوله: وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ، وبيْنَ «اتقون»، و «ارهبون» فرق إن الرهبة مقرونٌ بها وعيدٌ بالغ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]
وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)
وآمِنُوا: معناه: صدّقوا، ومُصَدِّقاً نصبٌ على الحال من الضمير في أَنْزَلْتُ، وبِما أَنْزَلْتُ كناية عن القرآن، ولِما مَعَكُمْ، يعني: التوراةَ.
وقوله: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ هذا من مفهوم الخطاب الذي المذكور فيه والمسكوت عنه حكمها واحدٌ، وَحُذِّرُوا البدارَ إلى الكفر به إِذ على الأول كِفْلٌ من فعل المقتدى به، ونصب «أَوَّلَ» على خبر «كَانَ».
ع «٢» : وقد كان كَفَر قبلهم كفار قريشٍ، وإِنما معناه من أهل الكتاب إِذ هم منظورٌ إِليهم في مثل هذا، واختلف في الضمير في «به»، فقيل: يعود على محمّد صلّى الله عليه وسلم، وقيل: على القرآن، وقيل: على التوراة، واختلف في الثمن الذي نُهُوا أن يشتروه بالآياتِ.
فقالتْ طائفةٌ: إن الأحبار كانوا يُعلِّمُونَ دينَهم بالأجرة، فَنُهُوا عن ذلك، وفي كتبهم:
«عَلِّمْ مَجَّاناً كَمَا عُلِّمْتَ مَجَّاناً»، أي: باطلاً بغير أجرة.
وقيل: كانت للأخبار مأكلة يأكلونها على العِلْمِ.
وقال قوم: إن الأحبار أخذوا رُشاً على تغييرِ صفَةِ محمَّد صلّى الله عليه وسلم في التوراة، فنُهُوا عن ذلك.
وقال قوم: معنى الآية: ولا تشتروا بأوامري، ونواهِيَّ، وآياتي ثمناً قليلاً، يعني:
الدنيا ومدَّتها والعيش الذي هو نزْرٌ «٣» لا خَطَر له، وقد تقدَّم نظير قوله: وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ، وبيْنَ «اتقون»، و «ارهبون» فرق إن الرهبة مقرونٌ بها وعيدٌ بالغ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]
وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)
(١) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (ص ٥٠، ٥١) رقم (١٥٧) عن الحسن مرسلا.
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٣٤).
(٣) النّزر: القليل التّافه. ينظر: «لسان العرب» (٤٣٩٣).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٣٤).
(٣) النّزر: القليل التّافه. ينظر: «لسان العرب» (٤٣٩٣).
وقوله تعالى: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ، أي: لا تخلطوا، قال أبو العاليةِ: قالت اليهود: محمَّد نبيٌّ مبعوثٌ، لكن إلى غيرنا، فإقرارهم ببعثه حق، وقولهم: إلى غيرنا باطلٌ، وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ، أي: أمر محمّد صلّى الله عليه وسلم «١»، وفي هذهِ الألفاظ دليل على تغليظ الذنب على من وقع فيه، مع العلم به، وأنه أعصى من الجاهل، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ جملةٌ في موضع الحال.
قال ص «٢» : وَتَكْتُمُوا مجزومٌ معطوف على تَلْبِسُوا، والمعنى النهْيُ عن كلٍّ من الفعلين. انتهى.
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ: معناه: أظهروا هيئَتَها، وأديموها بشروطها، والزكاة في هذه الآية هي المفروضة، وهي مأخوذة من النماء، وقيل: من التطهير.
وقوله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ: قيل: إنما خص الركوع بالذِّكْر لأن بني إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوعٌ.
ت: وفي هذا القول نظرٌ، وقد قال تعالى في «مَرْيم» : اسْجُدِي وَارْكَعِي [آل عمران: ٤٣]، وقالت فرقة: إنما قال: مَعَ لأن الأمر بالصلاة أولاً لم يقتضِ شهود الجماعة، فأمرهم بقوله: مَعَ شهود الجماعة.
ت: وهذا القول هو الذي عوَّل عليه ع: في قصَّة مرْيَمَ «٣» - عليها السلام-، والركوع الانحناء بالشخص.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦)
وقوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ خرج مخرج الاستفهامِ، ومعناه التوبيخُ، و «البِرُّ» يجمع وجوه الخيرِ والطاعاتِ، وتَنْسَوْنَ معناه تتركون أنفسكم.
قال ابنُ عَبَّاس: كان الأحبار يأمرون أتباعهم ومقلِّديهم باتباع التوراة، وكانوا هم
قال ص «٢» : وَتَكْتُمُوا مجزومٌ معطوف على تَلْبِسُوا، والمعنى النهْيُ عن كلٍّ من الفعلين. انتهى.
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ: معناه: أظهروا هيئَتَها، وأديموها بشروطها، والزكاة في هذه الآية هي المفروضة، وهي مأخوذة من النماء، وقيل: من التطهير.
وقوله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ: قيل: إنما خص الركوع بالذِّكْر لأن بني إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوعٌ.
ت: وفي هذا القول نظرٌ، وقد قال تعالى في «مَرْيم» : اسْجُدِي وَارْكَعِي [آل عمران: ٤٣]، وقالت فرقة: إنما قال: مَعَ لأن الأمر بالصلاة أولاً لم يقتضِ شهود الجماعة، فأمرهم بقوله: مَعَ شهود الجماعة.
ت: وهذا القول هو الذي عوَّل عليه ع: في قصَّة مرْيَمَ «٣» - عليها السلام-، والركوع الانحناء بالشخص.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦)
وقوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ خرج مخرج الاستفهامِ، ومعناه التوبيخُ، و «البِرُّ» يجمع وجوه الخيرِ والطاعاتِ، وتَنْسَوْنَ معناه تتركون أنفسكم.
قال ابنُ عَبَّاس: كان الأحبار يأمرون أتباعهم ومقلِّديهم باتباع التوراة، وكانوا هم
(١) أخرجه الطبري (١/ ٢٩٤) برقم (٨٢٩) بلفظ «كتموا بعث محمد صلّى الله عليه وسلم». وذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٣٥).
(٢) «المجيد» ص ٢٣٠.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٤٣٤).
(٢) «المجيد» ص ٢٣٠.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٤٣٤).
228
يخالفونها في جحدهم منها صفة محمّد صلّى الله عليه وسلم «١».
وقالت فرقة: كان الأحبار إذا استرشدَهُمْ أحد من العرب في اتّباع محمّد صلّى الله عليه وسلم، دلُّوه على ذلك، وهم لا يفعلونه.
ت: وخرَّج الحافظُ أبو نُعَيْمٍ أحمد بن عبد اللَّه الأصبهانيُّ «٢» في كتاب «رِيَاضَةِ المُتَعَلِّمِينَ» قال: حدَّثنا أبو بكر بن خَلاَّد «٣»، حدَّثنا الحارث بن أبي أُسَامَةَ «٤»، حدثنا أبو النَّضْرِ «٥» /، حدثنا محمَّد بن عبد اللَّه بن علي بن زيْدٍ عن أنس بن مالك- رضي اللَّه ١٨ أعنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالاً تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: الخُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، وَيَنْسُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ يَتْلُونَ الكتاب أفلا يعقلون» «٦». انتهى.
وقالت فرقة: كان الأحبار إذا استرشدَهُمْ أحد من العرب في اتّباع محمّد صلّى الله عليه وسلم، دلُّوه على ذلك، وهم لا يفعلونه.
ت: وخرَّج الحافظُ أبو نُعَيْمٍ أحمد بن عبد اللَّه الأصبهانيُّ «٢» في كتاب «رِيَاضَةِ المُتَعَلِّمِينَ» قال: حدَّثنا أبو بكر بن خَلاَّد «٣»، حدَّثنا الحارث بن أبي أُسَامَةَ «٤»، حدثنا أبو النَّضْرِ «٥» /، حدثنا محمَّد بن عبد اللَّه بن علي بن زيْدٍ عن أنس بن مالك- رضي اللَّه ١٨ أعنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالاً تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: الخُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، وَيَنْسُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ يَتْلُونَ الكتاب أفلا يعقلون» «٦». انتهى.
(١) أخرجه الطبري (١/ ٢٩٦) برقم (٨٤٠) بنحوه، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٢٦)، وعزاه لابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٢) أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، أبو نعيم: حافظ، مؤرخ، من الثقات في الحفظ والرواية. ولد ومات في «أصبهان». من تصانيفه «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء»، و «معرفة الصحابة».
ينظر: «الأعلام» (١/ ١٥٧)، «ابن خلكان» (١/ ٢٦)، «ميزان الاعتدال» (١/ ٥٢)، «طبقات الشافعية» (٣/ ٧).
(٣) محمد بن خلاد بن كثير الباهلي، أبو بكر البصري. عن ابن عيينة، ومعتمر بن سليمان، وابن فضيل، وطبقتهم. وعنه مسلم، وأبو داود، وابن ماجة، وزكريا خياط السنة. قال ابن حبان في «الثقات» : مات سنة تسع وثلاثين ومائتين.
ينظر: «خلاصة تذهيب تهذيب الكمال» (٢/ ٤٠١)، «تهذيب التهذيب» (٩/ ١٥٢)، «الثقات» (٩/ ٨٦).
(٤) اسم أبي أسامة: داهر: ونعت الحارث بأنه الحافظ، الصّدوق، العالم، مسند العراق، أبو محمد التّميمي، مولاهم البغدادي الخصيب، صاحب «المسند» المشهور، ولم يرتّبه على الصّحابة، ولا على الأبواب. ولد في سنة ستّ وثمانين ومئة.
ذكره ابن حبان في «الثقات». وقال الدارقطني: صدوق.
توفي الحارث يوم «عرفة» سنة اثنين وثمانين ومئتين. ينظر: «سير أعلام النبلاء» (١٣/ ٣٨٨- ٣٩٠). [.....]
(٥) هاشم بن القاسم الليثي، أبو النضر الخراساني، قيصر، الحافظ. عن شعبة، وابن أبي ذئب، وحريز بن عثمان، وخلق. وعنه أحمد، وإسحاق، ويحيى، وابن المديني، وخلق. قال العجلي: ثقة، صاحب سنة. كان أهل «بغداد» يفتخرون به. قال مطين: مات سنة سبع ومائتين. ينظر: «خلاصة تهذيب التهذيب» (٣/ ١١٠)، و «تهذيب التهذيب» (١١/ ١٨)، و «الكاشف» (٣/ ٢١٧)، و «الجرح والتعديل» (٦/ ٤٤٦).
(٦) أخرجه أحمد (٣/ ١٢٠، ١٨٠، ٢٣١، ٢٣٩)، وابن المبارك في «الزهد» (٨١٩)، وأبو يعلى (٧/ ٦٩)، رقم (٣٩٩٢)، من طريق حماد عن علي بن زيد، عن أنس به. -
(٢) أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، أبو نعيم: حافظ، مؤرخ، من الثقات في الحفظ والرواية. ولد ومات في «أصبهان». من تصانيفه «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء»، و «معرفة الصحابة».
ينظر: «الأعلام» (١/ ١٥٧)، «ابن خلكان» (١/ ٢٦)، «ميزان الاعتدال» (١/ ٥٢)، «طبقات الشافعية» (٣/ ٧).
(٣) محمد بن خلاد بن كثير الباهلي، أبو بكر البصري. عن ابن عيينة، ومعتمر بن سليمان، وابن فضيل، وطبقتهم. وعنه مسلم، وأبو داود، وابن ماجة، وزكريا خياط السنة. قال ابن حبان في «الثقات» : مات سنة تسع وثلاثين ومائتين.
ينظر: «خلاصة تذهيب تهذيب الكمال» (٢/ ٤٠١)، «تهذيب التهذيب» (٩/ ١٥٢)، «الثقات» (٩/ ٨٦).
(٤) اسم أبي أسامة: داهر: ونعت الحارث بأنه الحافظ، الصّدوق، العالم، مسند العراق، أبو محمد التّميمي، مولاهم البغدادي الخصيب، صاحب «المسند» المشهور، ولم يرتّبه على الصّحابة، ولا على الأبواب. ولد في سنة ستّ وثمانين ومئة.
ذكره ابن حبان في «الثقات». وقال الدارقطني: صدوق.
توفي الحارث يوم «عرفة» سنة اثنين وثمانين ومئتين. ينظر: «سير أعلام النبلاء» (١٣/ ٣٨٨- ٣٩٠). [.....]
(٥) هاشم بن القاسم الليثي، أبو النضر الخراساني، قيصر، الحافظ. عن شعبة، وابن أبي ذئب، وحريز بن عثمان، وخلق. وعنه أحمد، وإسحاق، ويحيى، وابن المديني، وخلق. قال العجلي: ثقة، صاحب سنة. كان أهل «بغداد» يفتخرون به. قال مطين: مات سنة سبع ومائتين. ينظر: «خلاصة تهذيب التهذيب» (٣/ ١١٠)، و «تهذيب التهذيب» (١١/ ١٨)، و «الكاشف» (٣/ ٢١٧)، و «الجرح والتعديل» (٦/ ٤٤٦).
(٦) أخرجه أحمد (٣/ ١٢٠، ١٨٠، ٢٣١، ٢٣٩)، وابن المبارك في «الزهد» (٨١٩)، وأبو يعلى (٧/ ٦٩)، رقم (٣٩٩٢)، من طريق حماد عن علي بن زيد، عن أنس به. -
229
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ: قال مقاتل «١» : معناه: على طلب الآخرة، وقيل:
استعينوا بالصبر على الطاعات، وعن الشهوات على نيلِ رضوانِ اللَّه سبحانه، وبالصلاةِ على نيل رضوانِ اللَّه، وحطِّ الذنوب، وعلى مصائب الدهْر أيضاً ومنه الحديثُ: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إذَا حَزَبَهُ «٢» أَمْرٌ، فَزِعَ إلَى الصَّلاَةِ» «٣»، ومنْهُ ما روي أنَّ عبد اللَّه بن عباس نُعِيَ له أخوه قُثَمُ «٤» وهو في سفر، فاسترجع، وتنحى عن الطريق، وصلى، ثم انصرف إلى راحلته، وهو يقرأُ: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ «٥»، وقال مجاهد: الصبر في هذه الآية الصوْمُ «٦»، ومنه قيل لرمضانَ شهْرُ الصبْرِ، وخص الصوم والصلاة على هذا القول بالذكْرِ لتناسبهما في أن الصيام يمنع الشهواتِ، ويزهِّد في الدنيا، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنْكَرِ، وتُخشِّع، ويقرأُ فيها القرآن الذي يذكِّر بالآخرة، وقال قومٌ: الصبر على بابه، والصلاة الدعاءُ، وتجيء الآية على هذا القولِ مشْبِهةً لقوله تعالى: إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا
استعينوا بالصبر على الطاعات، وعن الشهوات على نيلِ رضوانِ اللَّه سبحانه، وبالصلاةِ على نيل رضوانِ اللَّه، وحطِّ الذنوب، وعلى مصائب الدهْر أيضاً ومنه الحديثُ: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إذَا حَزَبَهُ «٢» أَمْرٌ، فَزِعَ إلَى الصَّلاَةِ» «٣»، ومنْهُ ما روي أنَّ عبد اللَّه بن عباس نُعِيَ له أخوه قُثَمُ «٤» وهو في سفر، فاسترجع، وتنحى عن الطريق، وصلى، ثم انصرف إلى راحلته، وهو يقرأُ: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ «٥»، وقال مجاهد: الصبر في هذه الآية الصوْمُ «٦»، ومنه قيل لرمضانَ شهْرُ الصبْرِ، وخص الصوم والصلاة على هذا القول بالذكْرِ لتناسبهما في أن الصيام يمنع الشهواتِ، ويزهِّد في الدنيا، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنْكَرِ، وتُخشِّع، ويقرأُ فيها القرآن الذي يذكِّر بالآخرة، وقال قومٌ: الصبر على بابه، والصلاة الدعاءُ، وتجيء الآية على هذا القولِ مشْبِهةً لقوله تعالى: إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا
وأخرجه أبو يعلي (٧/ ١٨٠)، رقم (٤١٦٠)، وابن حبان. (٣٥- موارد) من طريق مالك بن دينار، عن أنس به.
وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٨/ ١٧٢)، من طريق سليمان التيمي، عن أنس به.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٦٤)، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والبزار، وابن أبي داود في «البعث»، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «شعب الإيمان».
(١) مقاتل بن سليمان الأزدي، أبو الحسن الخراساني، المفسر عن الضحاك، ومجاهد. وعنه ابن عيينة، وعلي بن الجعد. قال الشافعي: الناس عيال عليه في التفسير. قال ابن المبارك: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة. وقال الحربي: لم يسمع من مجاهد شيئا. وقال أبو حنيفة: مشبّه. وكذّبه وكيع. قال ابن حبان:
كان يأخذ عن اليهود علم الكتاب، وكان مشبّها يكذب. قيل: مات سنة خمسين ومائة.
ينظر: «الخلاصة» (٣/ ٥٣- ٥٤)، «تهذيب التهذيب» (١٠/ ٢٨٥).
(٢) أي إذا نزل به منهم أو أصابه غمّ.
ينظر: «النهاية» (١/ ٣٧٧).
(٣) أخرجه أحمد (٥/ ٣٨٨)، وأبو داود (١/ ٤٢٠- ٤٢١) كتاب «الصلاة»، باب وقت قيام النبي صلّى الله عليه وسلم من الليل، حديث (١٣١٩)، من حديث حذيفة.
(٤) قثم (بضم أوله، وفتح المثلاثة) ابن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، صحابي، روى عنه أبو إسحاق السبيعي، واستشهد في غزو «سمرقند» وقبره بها.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٣٥٩)، «تهذيب الكمال» (٢/ ١١٢٤)، «تهذيب التهذيب» (٨/ ٣٦١)، «تقريب التهذيب» (٢/ ١٢٣).
(٥) أخرجه الطبري (١/ ٢٩٩) برقم (٨٥٢)، وقال أحمد شاكر: «إسناده صحيح» وأخرجه البيهقي في «الشعب» (٧/ ١١٤) برقم (٩٦٨٢)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٣١)، وعزاه لسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في «الشعب».
(٦) أخرجه البيهقي في «الشعب» (٧/ ١١٣) برقم (٩٦٨٠).
وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٨/ ١٧٢)، من طريق سليمان التيمي، عن أنس به.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٦٤)، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والبزار، وابن أبي داود في «البعث»، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «شعب الإيمان».
(١) مقاتل بن سليمان الأزدي، أبو الحسن الخراساني، المفسر عن الضحاك، ومجاهد. وعنه ابن عيينة، وعلي بن الجعد. قال الشافعي: الناس عيال عليه في التفسير. قال ابن المبارك: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة. وقال الحربي: لم يسمع من مجاهد شيئا. وقال أبو حنيفة: مشبّه. وكذّبه وكيع. قال ابن حبان:
كان يأخذ عن اليهود علم الكتاب، وكان مشبّها يكذب. قيل: مات سنة خمسين ومائة.
ينظر: «الخلاصة» (٣/ ٥٣- ٥٤)، «تهذيب التهذيب» (١٠/ ٢٨٥).
(٢) أي إذا نزل به منهم أو أصابه غمّ.
ينظر: «النهاية» (١/ ٣٧٧).
(٣) أخرجه أحمد (٥/ ٣٨٨)، وأبو داود (١/ ٤٢٠- ٤٢١) كتاب «الصلاة»، باب وقت قيام النبي صلّى الله عليه وسلم من الليل، حديث (١٣١٩)، من حديث حذيفة.
(٤) قثم (بضم أوله، وفتح المثلاثة) ابن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، صحابي، روى عنه أبو إسحاق السبيعي، واستشهد في غزو «سمرقند» وقبره بها.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٣٥٩)، «تهذيب الكمال» (٢/ ١١٢٤)، «تهذيب التهذيب» (٨/ ٣٦١)، «تقريب التهذيب» (٢/ ١٢٣).
(٥) أخرجه الطبري (١/ ٢٩٩) برقم (٨٥٢)، وقال أحمد شاكر: «إسناده صحيح» وأخرجه البيهقي في «الشعب» (٧/ ١١٤) برقم (٩٦٨٢)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٣١)، وعزاه لسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في «الشعب».
(٦) أخرجه البيهقي في «الشعب» (٧/ ١١٣) برقم (٩٦٨٠).
230
وَاذْكُرُوا اللَّهَ [الأنفال: ٤٥] لأن الثبات هو الصبر، وذكر اللَّه هو الدعاءُ، وروى ابن المبارك في «رقائقه» قال: أخبرنا حمَّاد بن سَلَمَةَ «١» عن ثابتٍ البُنَانِيِّ «٢» عن صِلَةَ بْنِ أشْيَمِ «٣» قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «مَنْ صلى صَلاَةً، لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا شَيْئاً مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَاهُ إيَّاه» «٤» وأسند ابن المبارك عن عقبة بن عامر الجُهَنِيِّ قال: سَمِعْتُ رسُولَ الله صلّى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ صلى صَلاَةً غَيْرَ سَاهٍ، وَلاَ لاَهٍ، كُفِّرَ عَنْهُ مَا كَانَ قَبْلَهَا مِنْ شَيْءٍ» «٥». انتهي.
وهذان الحديثان يُبَيِّنَانِ ما جاء في «صحيح البخاريِّ» عن عثمانَ حيثُ توضَّأَ ثلاثًا ثلاثاً، ثم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئي هَذَا، ثُمَّ صلى ركعتين لا
وهذان الحديثان يُبَيِّنَانِ ما جاء في «صحيح البخاريِّ» عن عثمانَ حيثُ توضَّأَ ثلاثًا ثلاثاً، ثم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئي هَذَا، ثُمَّ صلى ركعتين لا
(١) حمّاد بن سلمة بن دينار الرّبعي، أو التّميمي، أو القرشي، مولاهم، أبو سلمة البصري، أحد الأعلام.
عن ثابت، وسماك، وسلمة بن كهيل، وابن أبي مليكة، وقتادة، وحميد، وخلق. وعنه ابن جريح، وابن إسحاق شيخاه، وشعبة، ومالك، وحبّان بن هلال، والقعنبيّ، وأمم. قال القطان: إذا رأيت الرجل يقع في حماد فاتهمه على الإسلام. وقال ابن المبارك: ما رأيت أشبه بمسالك الأول من حماد.
وقال وهيب بن خالد: كان حماد بن سلمة سيدنا وأعلمنا. قال حماد: من طلب العلم لغير الله مكر به.
توفي سنة سبع وستين ومائة.
ينظر: «الخلاصة» (١/ ٢٥٢)، «تهذيب التهذيب» (٣/ ١١)، و «الثقات» (٦/ ٢١٦).
(٢) ثابت بن أسلم البناني، مولاهم، أبو محمد البصري، أحد الأعلام. قال ابن المديني: له نحو مائتين وخمسين حديثا. وقال حماد بن زيد: ما رأيت أعبد من ثابت. وقال شعبة: كان يختم في كل يوم وليلة ويصوم الدهر. وثقه النسائي، وأحمد، والعجلي. قال ابن عليّة: مات سنة سبع وعشرين ومائة عن ست وثمانين سنة.
ينظر: «طبقات ابن سعد» (١/ ٤٧٨ و ٧/ ٢٣١)، «الوافي بالوفيات» (١٠/ ٤٦١)، «الحلية» (٢/ ٣١٨)، «سير الأعلام» (٥/ ٢٢٠)، «تذكرة الحفاظ» (١٢٥)، «لسان الميزان» (٧/ ١٨٧)، «ميزان الاعتدال» (١/ ٣٦٢)، «تهذيب الكمال» (١/ ١٧٠)، «خلاصة تهذيب الكمال» (١/ ١٤٧).
(٣) الزاهد، العابد، القدوة، أبو الصهباء، العدوي، البصري، زوج العالمة معاذة العدوية.
حدث عنه: أهله معاذة، والحسن، وحميد بن هلال، وثابت البناني، وغيرهم.
ينظر: «سير الأعلام» (٣/ ٤٩٧).
(٤) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (ص ٤٠٢) رقم (١١٤٣)، وابن شاهين في «الصحابة» كما في «الإصابة» (٣/ ٢٦٠) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن صلة بن أشيم به مرسلا.
(٥) أخرجه ابن المبارك (ص ٤٠٢- ٤٠٣)، رقم (١١٤٥)، والطبراني في «الكبير» (١٧/ ٣٢٦- ٣٢٧)، رقم (٩٠٢) من طريق ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن ربيعة بن قيس، عن عقبة بن عامر مرفوعا.
وأخرجه الطبراني (١٧/ ٣٢٧)، رقم (٩٠٣)، من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن رجل، عن ربيعة بن قيس، عن عقبة بن عامر به.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (٢/ ٢٧٨)، وقال: رواه الطبراني في «الكبير» بإسنادين في أحدهما ابن لهيعة، وفيه كلام. [.....]
عن ثابت، وسماك، وسلمة بن كهيل، وابن أبي مليكة، وقتادة، وحميد، وخلق. وعنه ابن جريح، وابن إسحاق شيخاه، وشعبة، ومالك، وحبّان بن هلال، والقعنبيّ، وأمم. قال القطان: إذا رأيت الرجل يقع في حماد فاتهمه على الإسلام. وقال ابن المبارك: ما رأيت أشبه بمسالك الأول من حماد.
وقال وهيب بن خالد: كان حماد بن سلمة سيدنا وأعلمنا. قال حماد: من طلب العلم لغير الله مكر به.
توفي سنة سبع وستين ومائة.
ينظر: «الخلاصة» (١/ ٢٥٢)، «تهذيب التهذيب» (٣/ ١١)، و «الثقات» (٦/ ٢١٦).
(٢) ثابت بن أسلم البناني، مولاهم، أبو محمد البصري، أحد الأعلام. قال ابن المديني: له نحو مائتين وخمسين حديثا. وقال حماد بن زيد: ما رأيت أعبد من ثابت. وقال شعبة: كان يختم في كل يوم وليلة ويصوم الدهر. وثقه النسائي، وأحمد، والعجلي. قال ابن عليّة: مات سنة سبع وعشرين ومائة عن ست وثمانين سنة.
ينظر: «طبقات ابن سعد» (١/ ٤٧٨ و ٧/ ٢٣١)، «الوافي بالوفيات» (١٠/ ٤٦١)، «الحلية» (٢/ ٣١٨)، «سير الأعلام» (٥/ ٢٢٠)، «تذكرة الحفاظ» (١٢٥)، «لسان الميزان» (٧/ ١٨٧)، «ميزان الاعتدال» (١/ ٣٦٢)، «تهذيب الكمال» (١/ ١٧٠)، «خلاصة تهذيب الكمال» (١/ ١٤٧).
(٣) الزاهد، العابد، القدوة، أبو الصهباء، العدوي، البصري، زوج العالمة معاذة العدوية.
حدث عنه: أهله معاذة، والحسن، وحميد بن هلال، وثابت البناني، وغيرهم.
ينظر: «سير الأعلام» (٣/ ٤٩٧).
(٤) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (ص ٤٠٢) رقم (١١٤٣)، وابن شاهين في «الصحابة» كما في «الإصابة» (٣/ ٢٦٠) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن صلة بن أشيم به مرسلا.
(٥) أخرجه ابن المبارك (ص ٤٠٢- ٤٠٣)، رقم (١١٤٥)، والطبراني في «الكبير» (١٧/ ٣٢٦- ٣٢٧)، رقم (٩٠٢) من طريق ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن ربيعة بن قيس، عن عقبة بن عامر مرفوعا.
وأخرجه الطبراني (١٧/ ٣٢٧)، رقم (٩٠٣)، من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن رجل، عن ربيعة بن قيس، عن عقبة بن عامر به.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (٢/ ٢٧٨)، وقال: رواه الطبراني في «الكبير» بإسنادين في أحدهما ابن لهيعة، وفيه كلام. [.....]
231
يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» «١». انتهى.
والضمير في قوله تعالى: وَإِنَّها قيل: يعود على الصلاة، وقيل: على العبادة التي تضمنها بالمعنى ذكر الصبْرِ والصلاة.
قال ص «٢» :«وإنَّهَا» الضمير للصلاة، وهو القاعدة في أن ضمير الغائب لا يعود على غير الأقرب إلا بدليل. انتهى.
ثم ذكر أبو حَيَّان «٣» وجوهاً أُخَرَ نحو ما تقدَّم.
وكَبِيرَةٌ: معناه: ثقيلةٌ شاقَّة، والخَاشِعُونَ: المتواضعون المخبتُونَ، والخشوعُ هيئة في النفْسِ يظهر منها على الجوارح سكون وتواضع.
ويَظُنُّونَ في هذه الآية، قال الجمهور: معناه: يوقنُونَ، والظنُّ في كلام العرب قاعدته الشَّكُّ مع ميلٍ إلى أحد معتقديه، وقد يقع موقع اليقين، لكنه لا يقع فيما قد خرج إلى الحِسِّ لا تقول العرب في رجل مَرْئِيٍّ أظن هذا إنسانًا، وإنَّمَا تجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحس كهذه الآية وكقوله تعالى: فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها [الكهف: ٥٣].
قال ص «٤» : قلتُ: وما ذكره ابن عَطيَّةَ هو معنى ما ذكره الزّجّاج «٥» في معانيه ١٩ أعن بعْض أهل العلْمِ أنَّ الظنَّ يقع في معنى العلْمِ الذي لم تشاهدْه/، وإِنْ كان قد قامت في نفسك حقيقتُهُ، قال: وهذا مذهبٌ إلا أن أهل اللغة لم يذكروه، قال: وسمعته من أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق القاضي «٦»،
والضمير في قوله تعالى: وَإِنَّها قيل: يعود على الصلاة، وقيل: على العبادة التي تضمنها بالمعنى ذكر الصبْرِ والصلاة.
قال ص «٢» :«وإنَّهَا» الضمير للصلاة، وهو القاعدة في أن ضمير الغائب لا يعود على غير الأقرب إلا بدليل. انتهى.
ثم ذكر أبو حَيَّان «٣» وجوهاً أُخَرَ نحو ما تقدَّم.
وكَبِيرَةٌ: معناه: ثقيلةٌ شاقَّة، والخَاشِعُونَ: المتواضعون المخبتُونَ، والخشوعُ هيئة في النفْسِ يظهر منها على الجوارح سكون وتواضع.
ويَظُنُّونَ في هذه الآية، قال الجمهور: معناه: يوقنُونَ، والظنُّ في كلام العرب قاعدته الشَّكُّ مع ميلٍ إلى أحد معتقديه، وقد يقع موقع اليقين، لكنه لا يقع فيما قد خرج إلى الحِسِّ لا تقول العرب في رجل مَرْئِيٍّ أظن هذا إنسانًا، وإنَّمَا تجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحس كهذه الآية وكقوله تعالى: فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها [الكهف: ٥٣].
قال ص «٤» : قلتُ: وما ذكره ابن عَطيَّةَ هو معنى ما ذكره الزّجّاج «٥» في معانيه ١٩ أعن بعْض أهل العلْمِ أنَّ الظنَّ يقع في معنى العلْمِ الذي لم تشاهدْه/، وإِنْ كان قد قامت في نفسك حقيقتُهُ، قال: وهذا مذهبٌ إلا أن أهل اللغة لم يذكروه، قال: وسمعته من أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق القاضي «٦»،
(١) أخرجه البخاري (١/ ٢٥٩)، كتاب «الوضوء»، باب الوضوء ثلاثا، الحديث (١٥٩)، (١٦٠)، (١٦٤)، (١٩٣٤)، (٦٤٣٣)، ومسلم (١/ ٢٠٥)، كتاب «الطهارة»، باب صفة الوضوء وكماله، الحديث (٤/ ٢٢٦)، وأبو داود (١/ ٧٨- ٨١)، كتاب «الطهارة»، باب صفة وضوء النبي صلّى الله عليه وسلم، الحديث (١٠٦)، (١١٠)، وابن ماجة (١/ ١٠٥)، كتاب «الطهارة»، باب ثواب الطهور، الحديث (٢٨٥)، والنسائي (١/ ٦٤)، كتاب «الطهارة»، باب المضمضة والاستنشاق، وباب بأي اليدين يتمضمض، والبيهقي (١/ ٤٩)، كتاب «الطهارة»، باب سنة التكرار في المضمضة والاستنشاق، والدارقطني (١/ ٨٣)، كتاب «الطهارة»، باب وضوء رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
(٢) «المجيد» ص ٢٣٣.
(٣) ينظر: «البحر المحيط» (١/ ٣٤١).
(٤) «المجيد» (٢٣٥).
(٥) ينظر: «معاني القرآن وإعرابه» للزجاج (١/ ١٢٦).
(٦) أبو إسحاق: إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم بن بابك الجهضمي الأزدي: مولى آل جرير بن حازم. أصله من «البصرة»، وبها نشأ، واستوطن «بغداد» وتفقه بابن-
(٢) «المجيد» ص ٢٣٣.
(٣) ينظر: «البحر المحيط» (١/ ٣٤١).
(٤) «المجيد» (٢٣٥).
(٥) ينظر: «معاني القرآن وإعرابه» للزجاج (١/ ١٢٦).
(٦) أبو إسحاق: إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم بن بابك الجهضمي الأزدي: مولى آل جرير بن حازم. أصله من «البصرة»، وبها نشأ، واستوطن «بغداد» وتفقه بابن-
232
رواه عن زيد بن أسْلَمَ «١». انتهى.
والمُلاَقَاةُ هي لِلثوابِ أو العقابِ، ويصحُّ أن تكون الملاقاة هنا بالرؤية التي عليها أهل السنة، وورد بها متواتر الحديث.
وراجِعُونَ: قيل: معناه: بالموْتِ، وقيل: بالحشرِ والخروجِ إلى الحساب والعرضِ، ويقوِّي هذا القوْل الآيةُ المتقدِّمة قوله تعالى: ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٧ الى ٤٨]
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨)
قوله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ... الآية: قد تكرَّر هذا النداءُ والتذكيرُ بالنعمة، وفائدةُ ذلك أن الخطاب الأول يصحُّ أن يكون للمؤمنين، ويصح أن يكون للكافرين منهم، وهذا المتكرِّر إنما هو للكافرين بدلالة ما بعده وأيضاً: فإن فيه تقويةَ التوقيف، وتأكيدَ الحضِّ على أيَادِي اللَّه سبحانه، وحُسْن خطابهم بقوله سبحانه: فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ لأن تفضيل آبائهم وأسلافهم تفضيلٌ لهم، وفي الكلام اتساعٌ، قال قتادة وغيره: المعنى:
على عَالَمِ زمانِهِمُ الذي كانتْ فيه النبوءةُ المتكرِّرة، لأن الله تعالى يقول لأمة محمّد صلّى الله عليه وسلم:
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ «٢» [آل عمران: ١١٠].
وَاتَّقُوا يَوْماً، أي: عذابَ يوم، أو هولَ يومٍ ويصح أن يكون يوماً نصبه على
والمُلاَقَاةُ هي لِلثوابِ أو العقابِ، ويصحُّ أن تكون الملاقاة هنا بالرؤية التي عليها أهل السنة، وورد بها متواتر الحديث.
وراجِعُونَ: قيل: معناه: بالموْتِ، وقيل: بالحشرِ والخروجِ إلى الحساب والعرضِ، ويقوِّي هذا القوْل الآيةُ المتقدِّمة قوله تعالى: ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٧ الى ٤٨]
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨)
قوله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ... الآية: قد تكرَّر هذا النداءُ والتذكيرُ بالنعمة، وفائدةُ ذلك أن الخطاب الأول يصحُّ أن يكون للمؤمنين، ويصح أن يكون للكافرين منهم، وهذا المتكرِّر إنما هو للكافرين بدلالة ما بعده وأيضاً: فإن فيه تقويةَ التوقيف، وتأكيدَ الحضِّ على أيَادِي اللَّه سبحانه، وحُسْن خطابهم بقوله سبحانه: فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ لأن تفضيل آبائهم وأسلافهم تفضيلٌ لهم، وفي الكلام اتساعٌ، قال قتادة وغيره: المعنى:
على عَالَمِ زمانِهِمُ الذي كانتْ فيه النبوءةُ المتكرِّرة، لأن الله تعالى يقول لأمة محمّد صلّى الله عليه وسلم:
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ «٢» [آل عمران: ١١٠].
وَاتَّقُوا يَوْماً، أي: عذابَ يوم، أو هولَ يومٍ ويصح أن يكون يوماً نصبه على
- المعدّل، وكان يقول: أفخر على الناس برجلين ب «البصرة» : ابن المعدل: يعلّمني الفقه، وابن المديني:
يعلمني الحديث.
ينظر: «الديباج المذهب» (١/ ٢٨٣- ٢٨٤).
(١) زيد بن أسلم العدوي، مولاهم، المدني، أحد الأعلام. عن أبيه، وابن عمر، وجابر، وعائشة، وأبي هريرة، وقال ابن معين: لم يسمع منه، ولا من جابر، وعنه بنوه، وداود بن قيس، ومعمر وروح بن القاسم. قال مالك: كان زيد يحدّث من تلقاء نفسه، فإذا قام فلا يتجرىء عليه أحد. وثقه أحمد، ويعقوب بن شيبة. مات سنة ست وثلاثين ومائة في ذي الحجة.
ينظر: «الخلاصة» (١/ ٣٤٩)، «تهذيب التهذيب» (٣/ ٣٩٥)، «الكاشف» (١/ ١٣٦)، «تاريخ البخاري الكبير» (٣/ ٣٨٧)، «تاريخ البخاري الصغير» (١/ ١٣٧)، «الجرح والتعديل» (٣/ ٢٥٠٩)، «ميزان الاعتدال» (٢/ ٩٨)، «الثقات» (٦/ ٢٤٦).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٠٣) برقم (٨٦٩) بلفظ «فضلهم على عالم ذلك الزمان» وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٣٣) بلفظ «فضلوا على العالم الذي كانوا فيه، ولكل زمان عالم» وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد.
يعلمني الحديث.
ينظر: «الديباج المذهب» (١/ ٢٨٣- ٢٨٤).
(١) زيد بن أسلم العدوي، مولاهم، المدني، أحد الأعلام. عن أبيه، وابن عمر، وجابر، وعائشة، وأبي هريرة، وقال ابن معين: لم يسمع منه، ولا من جابر، وعنه بنوه، وداود بن قيس، ومعمر وروح بن القاسم. قال مالك: كان زيد يحدّث من تلقاء نفسه، فإذا قام فلا يتجرىء عليه أحد. وثقه أحمد، ويعقوب بن شيبة. مات سنة ست وثلاثين ومائة في ذي الحجة.
ينظر: «الخلاصة» (١/ ٣٤٩)، «تهذيب التهذيب» (٣/ ٣٩٥)، «الكاشف» (١/ ١٣٦)، «تاريخ البخاري الكبير» (٣/ ٣٨٧)، «تاريخ البخاري الصغير» (١/ ١٣٧)، «الجرح والتعديل» (٣/ ٢٥٠٩)، «ميزان الاعتدال» (٢/ ٩٨)، «الثقات» (٦/ ٢٤٦).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٠٣) برقم (٨٦٩) بلفظ «فضلهم على عالم ذلك الزمان» وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٣٣) بلفظ «فضلوا على العالم الذي كانوا فيه، ولكل زمان عالم» وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد.
الظرف «١»، ولا تَجْزِي: معناه: لا تغني، وقال السُّدِّيُّ: معناه: لا تقضي ويقوِّيه قوله: شَيْئاً، وفي الكلام حذفٌ، التقدير: لا تجزي فيه، وفي مختصر الطبريِّ: أي:
واتقوا يوماً لا تقضي نفْسٌ عن نفس شيئاً، ولا تغني غَنَاءً، وأَحَدُنَا اليومَ قد يقضي عن قريبه دَيْناً، وأما في الآخرة، فيسر المرء أن يترتَّب له على قريبه حقٌّ لأنَّ القضاء هناك من الحسنات والسيئات كما أخبر النبيّ صلّى الله عليه وسلم. انتهى.
والشَّفَاعَةُ: مأخوذة من الشَّفْع، وهما الاثنان لأن الشافع والمشفوع له شَفْعٌ وسبب هذه الآية أنَّ بني إسرائيل قالوا: «نَحْنُ أبناءُ أنبياء الله، وسيشفع لنا أبناؤنا»، وهذا إنما هو في حق الكافرين للإجماع، وتواترِ الأحاديث بالشفاعة في المؤمنين.
وقوله تعالى: وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ: قال أبو العالية: العَدْلُ: الفدية.
قال ع «٢» : عدل الشيْءِ هو الذي يساويه قيمةً وقدراً، وإن لم يكن من جنسه، والعِدْلُ بكسر العين: هو الذي يساوي الشيء من جنسه، وفي جرمه، والضمير في قوله:
وَلا هُمْ عائد على الكافرين الذين اقتضتهم الآيةُ، ويحتمل أن يعود على النفسينِ المتقدِّمِ ذكرُهما لأن اثنين جمع، أو لأن النفس للجنْسِ، وهو جمع، وحصرت هذه الآية المعاني التي اعتادها بنو آدم في الدنيا فإِن الواقع في شدة مع آدمي لا يتخلَّص إِلاَّ بأن يشفع له، أو ينصر، أو يفتدى.
ت: أو يمنّ عليه إلا أنَّ الكافرَ ليس هو بأهلٍ لإنْ يمنّ عليه.
[سورة البقرة (٢) : آية ٤٩]
وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩)
وقوله تعالى: وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: أي: خلَّصناكم، وَآل: أصْلُهُ أَهْل قلبت الهاء أَلِفاً ولذلك رَدَّها التصغيرُ إلى الأصل، فقيل: أُهَيْل، وآلُ الرجل قرابته، وشيعته، وأتباعه، وفرعونُ: اسمٌ لكلِّ من ملك من العَمَالِقَةِ بمصر، وفرعون موسى، قيل:
واتقوا يوماً لا تقضي نفْسٌ عن نفس شيئاً، ولا تغني غَنَاءً، وأَحَدُنَا اليومَ قد يقضي عن قريبه دَيْناً، وأما في الآخرة، فيسر المرء أن يترتَّب له على قريبه حقٌّ لأنَّ القضاء هناك من الحسنات والسيئات كما أخبر النبيّ صلّى الله عليه وسلم. انتهى.
والشَّفَاعَةُ: مأخوذة من الشَّفْع، وهما الاثنان لأن الشافع والمشفوع له شَفْعٌ وسبب هذه الآية أنَّ بني إسرائيل قالوا: «نَحْنُ أبناءُ أنبياء الله، وسيشفع لنا أبناؤنا»، وهذا إنما هو في حق الكافرين للإجماع، وتواترِ الأحاديث بالشفاعة في المؤمنين.
وقوله تعالى: وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ: قال أبو العالية: العَدْلُ: الفدية.
قال ع «٢» : عدل الشيْءِ هو الذي يساويه قيمةً وقدراً، وإن لم يكن من جنسه، والعِدْلُ بكسر العين: هو الذي يساوي الشيء من جنسه، وفي جرمه، والضمير في قوله:
وَلا هُمْ عائد على الكافرين الذين اقتضتهم الآيةُ، ويحتمل أن يعود على النفسينِ المتقدِّمِ ذكرُهما لأن اثنين جمع، أو لأن النفس للجنْسِ، وهو جمع، وحصرت هذه الآية المعاني التي اعتادها بنو آدم في الدنيا فإِن الواقع في شدة مع آدمي لا يتخلَّص إِلاَّ بأن يشفع له، أو ينصر، أو يفتدى.
ت: أو يمنّ عليه إلا أنَّ الكافرَ ليس هو بأهلٍ لإنْ يمنّ عليه.
[سورة البقرة (٢) : آية ٤٩]
وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩)
وقوله تعالى: وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: أي: خلَّصناكم، وَآل: أصْلُهُ أَهْل قلبت الهاء أَلِفاً ولذلك رَدَّها التصغيرُ إلى الأصل، فقيل: أُهَيْل، وآلُ الرجل قرابته، وشيعته، وأتباعه، وفرعونُ: اسمٌ لكلِّ من ملك من العَمَالِقَةِ بمصر، وفرعون موسى، قيل:
(١) ويكون المفعول حينئذ محذوفا، وتقديره: واتقوا العذاب في يوم صفته كيت وكيت. وقد منع أبو البقاء كونه ظرفا، قال: لأن الأمر بالتقوى لا يقع في يوم القيامة. والجواب عنه- كما يقول السمين الحلبي-:
أن الأمر بالحذر من الأسباب المؤدية إلى العذاب في يوم القيامة.
ينظر: «الدر المصون» (١/ ٢١٤)، «التبيان في إعراب القرآن» لأبي البقاء العكبري، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الشام للتراث، بيروت لبنان، (١/ ٦٠).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٣٩).
أن الأمر بالحذر من الأسباب المؤدية إلى العذاب في يوم القيامة.
ينظر: «الدر المصون» (١/ ٢١٤)، «التبيان في إعراب القرآن» لأبي البقاء العكبري، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الشام للتراث، بيروت لبنان، (١/ ٦٠).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٣٩).
234
اسمه مُصْعَبُ بْنُ الرَّيَّان، وقال ابْن إِسحاق: اسمه الوليدُ بْنُ مُصْعب، وروي أنه كان من أهل إِصْطَخْر «١» وَرَدَ مِصْرَ، فاتفق له فيها المُلْك، وكان أصل كون بني إِسرائيل بمصر نزولَ إسرائيل بها زمَنَ ابنه يُوسُفَ عليهما السلام.
ويَسُومُونَكُمْ: معناه: يأخذونكم به، ويُلْزمُونَكم إياه، والجملة في موضعِ نصبٍ على الحال، أي: سائمين/ لكم سُوءَ العذاب، وسوءُ العذاب أشدُّه وأصعبه، وكان فرعون ١٩ ب على ما روي قد رأى في منامه ناراً خرجَتْ من بيت المقْدِس، فأحرقت بيوتَ مِصْرَ، فأولت له رؤياه أنَّ مولوداً من بني إسرائيل ينشأ، فيخرب مُلْكَ فرعون على يَدَيْهِ، وقال ابن إسْحَاق، وابن عبَّاس، وغيرهما: إن الكهنة والمنجِّمين قالُوا لفرعون: قد أظلك زمانُ مولودٍ من بني إسرائيل يخرب مُلْكَك «٢».
ويُذَبِّحُونَ بدلٌ من: «يَسُومُونَ»، وَفِي ذلِكُمْ: إشارةٌ إلى جملة الأمر، وبَلاءٌ معناه: امتحان واختبار، ويكون البلاء في الخير والشر.
وحكى الطبريُّ وغيره في كيفية نجاتهم أن موسى- عليه السلام- أوحي إلَيْه أن يسري من مصر ببني إِسرائيل، فأمرهم موسى أن يستعيروا الحُلِيَّ والمتاعَ من القِبْطِ «٣»، وأحل اللَّه ذلك لبني إسرائيل، ويروى أنهم فعلوا ذلك دون رَأْيِ موسى- عليه السلام- وهو الأشبه به، فسرى بهم موسى من أول الليْلِ، فأعلم بهم فرعون، فقال: لا يتبعهم أحد حتى تصيح الدِّيَكَةُ، فلم يَصِحْ تلك الليلة بمصر دِيكٌ حتى أصبح، وأمات اللَّه تلك الليلةَ كثيراً من أبناء القِبطِ، فاشتغلوا بالدَّفْنِ، وخرجوا في الأتباع مشرِّقين، وذهب موسى عليه السلام إلى ناحية البحر حتى بلغه، وكانت عدة بني إِسرائيل نيِّفاً على ستِّمائة ألف، وكانت عِدَّة فرعون أَلْفَ ألْفٍ ومِائَتَي ألْفٍ، وحكي غير هذا مما اختصرته لقلَّة ثبوته، فلما لحق فرعَوْنُ موسى، ظن بنو إِسرائيل أنهم غير ناجين، فقال يُوشَعُ بْنُ نُونٍ لموسى: أين أُمِرْتَ؟ فقال:
هكذا، وأشار إلى البحر، فركض يُوشَعُ فرسه حتى بلغ الغَمْرَ «٤»، ثم رجع، فقال لموسى: أين أُمِرْتَ؟ فو الله: ما كَذَبْتَ، ولا كُذِبْتَ، فأشار إِلى البحر، وأوحى الله تعالى
ويَسُومُونَكُمْ: معناه: يأخذونكم به، ويُلْزمُونَكم إياه، والجملة في موضعِ نصبٍ على الحال، أي: سائمين/ لكم سُوءَ العذاب، وسوءُ العذاب أشدُّه وأصعبه، وكان فرعون ١٩ ب على ما روي قد رأى في منامه ناراً خرجَتْ من بيت المقْدِس، فأحرقت بيوتَ مِصْرَ، فأولت له رؤياه أنَّ مولوداً من بني إسرائيل ينشأ، فيخرب مُلْكَ فرعون على يَدَيْهِ، وقال ابن إسْحَاق، وابن عبَّاس، وغيرهما: إن الكهنة والمنجِّمين قالُوا لفرعون: قد أظلك زمانُ مولودٍ من بني إسرائيل يخرب مُلْكَك «٢».
ويُذَبِّحُونَ بدلٌ من: «يَسُومُونَ»، وَفِي ذلِكُمْ: إشارةٌ إلى جملة الأمر، وبَلاءٌ معناه: امتحان واختبار، ويكون البلاء في الخير والشر.
وحكى الطبريُّ وغيره في كيفية نجاتهم أن موسى- عليه السلام- أوحي إلَيْه أن يسري من مصر ببني إِسرائيل، فأمرهم موسى أن يستعيروا الحُلِيَّ والمتاعَ من القِبْطِ «٣»، وأحل اللَّه ذلك لبني إسرائيل، ويروى أنهم فعلوا ذلك دون رَأْيِ موسى- عليه السلام- وهو الأشبه به، فسرى بهم موسى من أول الليْلِ، فأعلم بهم فرعون، فقال: لا يتبعهم أحد حتى تصيح الدِّيَكَةُ، فلم يَصِحْ تلك الليلة بمصر دِيكٌ حتى أصبح، وأمات اللَّه تلك الليلةَ كثيراً من أبناء القِبطِ، فاشتغلوا بالدَّفْنِ، وخرجوا في الأتباع مشرِّقين، وذهب موسى عليه السلام إلى ناحية البحر حتى بلغه، وكانت عدة بني إِسرائيل نيِّفاً على ستِّمائة ألف، وكانت عِدَّة فرعون أَلْفَ ألْفٍ ومِائَتَي ألْفٍ، وحكي غير هذا مما اختصرته لقلَّة ثبوته، فلما لحق فرعَوْنُ موسى، ظن بنو إِسرائيل أنهم غير ناجين، فقال يُوشَعُ بْنُ نُونٍ لموسى: أين أُمِرْتَ؟ فقال:
هكذا، وأشار إلى البحر، فركض يُوشَعُ فرسه حتى بلغ الغَمْرَ «٤»، ثم رجع، فقال لموسى: أين أُمِرْتَ؟ فو الله: ما كَذَبْتَ، ولا كُذِبْتَ، فأشار إِلى البحر، وأوحى الله تعالى
(١) إصطخر: بلدة بفارس، يقال: إن كور «فارس»، الخمسة، أكبرها وأصلها كورة «إصطخر»، ينظر:
«مراصد الاطلاع» (١/ ٨٧).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣١١) برقم (٨٩٣)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٣٣)، وعزاه لابن جرير.
(٣) القبط: جيل بمصر. وقيل: هم أهل مصر. ينظر: «لسان العرب» (٣٥١٤)، و «النهاية» (٤/ ٦). [.....]
(٤) غمر البحر: معظمه، والغمر: الماء الكثير، وقيل: الكثير المغرّق. ينظر: «لسان العرب» (٣٢٩٣، ٣٢٩٤).
«مراصد الاطلاع» (١/ ٨٧).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣١١) برقم (٨٩٣)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٣٣)، وعزاه لابن جرير.
(٣) القبط: جيل بمصر. وقيل: هم أهل مصر. ينظر: «لسان العرب» (٣٥١٤)، و «النهاية» (٤/ ٦). [.....]
(٤) غمر البحر: معظمه، والغمر: الماء الكثير، وقيل: الكثير المغرّق. ينظر: «لسان العرب» (٣٢٩٣، ٣٢٩٤).
235
إليه أنِ اضرب بعصاك البَحْرَ، وأوحى اللَّه إلى البحر أن انفرِقْ لموسى إذا ضربك، فبات البَحْرُ تلك الليلة يضطرب، فحينَ أصبَحَ، ضرَبَ موسى البحر، وكناه أبا خالد، فانفلَقَ، وكان ذلك في يوم عاشوراء.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٠ الى ٥٤]
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠) وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤)
وقوله تعالى: وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ... الآية: فَرَقْنا: معناه: جعلْنَاه فِرَقاً، ومعنى بِكُمُ أي: بسببكم، والبحر هو بحر القُلْزُمِ «١» ولم يفرق البحر عَرْضاً من ضفَّة إلى ضفَّة، وإنما فرق من موضع إلى موضع آخر في ضفة واحدة، وكان ذلك الفرق يُقَرِّبُ موضع النجاة، ولا يلحق في البر إلا في أيام كثيرةٍ بسبب جبالٍ وأوغار حائلة، وقيل:
انفرق البحْرُ عَرْضاً على اثني عَشَرَ طَريِقاً طريق لكلِّ سبط، فلما دخلوها، قالَتْ كل طائفة: غَرِقَ أصحابنا، وجَزِعُوا، فقال موسى- عليه السلام-: اللهمَّ، أَعِنِّي على أخلاقهِمُ السَّيئة، فأوْحَى اللَّه إِلَيْه أَنْ أدِرْ عصَاك على البَحْر، فأدارها، فصار في الماء فتوحٌ كالطَّاق «٢»، يرى بعضهم بعضًا، وجازوا وجبريلُ في ساقتهم على مَاذِيَانةٍ «٣» يحث بني إسرائيل، ويقول لآلِ فرْعَوْنَ: مَهْلاً حتى يلحق آخركم أوَّلَكُم، فلما وصل فرعونُ إلى البحر، أراد الدخول، فنفر فرسُهُ، فتعرَّض له جبريلُ بالرَّمَكَة «٤»، فأتبعها الفرَسُ، ودخَل آلُ فرعَوْن، وميكائلُ يحثهم، فلما لم يبق إلا ميكائلُ في ساقتهم على الضّفَّة وحده، انطبق البحر عليهم، فغرقوا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٠ الى ٥٤]
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠) وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤)
وقوله تعالى: وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ... الآية: فَرَقْنا: معناه: جعلْنَاه فِرَقاً، ومعنى بِكُمُ أي: بسببكم، والبحر هو بحر القُلْزُمِ «١» ولم يفرق البحر عَرْضاً من ضفَّة إلى ضفَّة، وإنما فرق من موضع إلى موضع آخر في ضفة واحدة، وكان ذلك الفرق يُقَرِّبُ موضع النجاة، ولا يلحق في البر إلا في أيام كثيرةٍ بسبب جبالٍ وأوغار حائلة، وقيل:
انفرق البحْرُ عَرْضاً على اثني عَشَرَ طَريِقاً طريق لكلِّ سبط، فلما دخلوها، قالَتْ كل طائفة: غَرِقَ أصحابنا، وجَزِعُوا، فقال موسى- عليه السلام-: اللهمَّ، أَعِنِّي على أخلاقهِمُ السَّيئة، فأوْحَى اللَّه إِلَيْه أَنْ أدِرْ عصَاك على البَحْر، فأدارها، فصار في الماء فتوحٌ كالطَّاق «٢»، يرى بعضهم بعضًا، وجازوا وجبريلُ في ساقتهم على مَاذِيَانةٍ «٣» يحث بني إسرائيل، ويقول لآلِ فرْعَوْنَ: مَهْلاً حتى يلحق آخركم أوَّلَكُم، فلما وصل فرعونُ إلى البحر، أراد الدخول، فنفر فرسُهُ، فتعرَّض له جبريلُ بالرَّمَكَة «٤»، فأتبعها الفرَسُ، ودخَل آلُ فرعَوْن، وميكائلُ يحثهم، فلما لم يبق إلا ميكائلُ في ساقتهم على الضّفَّة وحده، انطبق البحر عليهم، فغرقوا.
(١) بحر القلزم: شعبة من بحر الهند، أوّله من بلاد البربر والسودان والحبش من جهة الجنوب، ومن جهة الشمال «عدن» وبلاد العرب حتى يقطع آخره عند «القلزم»، وهي مدينة صغيرة على أرض مصر.
ينظر: «مراصد الاطلاع» (١/ ١٦٦).
(٢) هو ما عطف وجعل كالقوس من الأبنية.
ينظر: «لسان العرب» (٢٧٢٥)، و «المعجم الوسيط» (٥٧٧).
(٣) قيل: إن الماذيان هو النهر الكبير، وهذه الكلمة ليست بعربية، قال ابن الأثير: وهي سواديّة.
ينظر: «النهاية» (٤/ ٣١٣). ، «اللسان» (٤١٦٤) (حزن).
(٤) الرّمكة: الفرس والبرذونة التي تتخذ للنسل، معرّب، والجمع رمك.
ينظر: «لسان العرب» (١٧٣٣).
ينظر: «مراصد الاطلاع» (١/ ١٦٦).
(٢) هو ما عطف وجعل كالقوس من الأبنية.
ينظر: «لسان العرب» (٢٧٢٥)، و «المعجم الوسيط» (٥٧٧).
(٣) قيل: إن الماذيان هو النهر الكبير، وهذه الكلمة ليست بعربية، قال ابن الأثير: وهي سواديّة.
ينظر: «النهاية» (٤/ ٣١٣). ، «اللسان» (٤١٦٤) (حزن).
(٤) الرّمكة: الفرس والبرذونة التي تتخذ للنسل، معرّب، والجمع رمك.
ينظر: «لسان العرب» (١٧٣٣).
236
وتَنْظُرُونَ: قيل: معناه بأبصاركم لقُرْبِ بعضهم من بعضٍ، وقيل: ببصائركم للاعتبار لأنهم كانوا في شُغُلٍ.
قال الطبريُّ: وفي أخبار القرآن على لسان النبيّ صلّى الله عليه وسلم بهذه المغيَّبات التي لم تكُنْ من علم العَرَب، ولا وقعتْ إلا في خفيِّ علْمِ بني إسرائيل دليلٌ واضحٌ عند بني إسرائيل، وقائم/ عليهم بنبوءة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلم. ٢٠ أوموسى: اسم أَعْجميٌّ، قال ابن إِسحاقَ: هو مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ بْنِ يَصْهرَ بْنِ قَاهَثَ بْنِ لاَوى بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الخليل صلّى الله عليه وسلم «١».
وخص الليالي بالذكْرِ في قوله تعالى: وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِذ الليلة أقدم من اليوم، وقبله في الرتبة، ولذلك وقع بها التاريخُ، قال النقَّاش: وفي ذلك إشارة إلى صلة الصوم لأنه لو ذكر الأيام، لأَمْكَن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل، فلما نصَّ على الليالي، اقتضت قوة الكلام أنه عليه السلام واصل أربعين ليلةً بأيامها.
قال ع «٢» : حدثني أبي- رضي الله عنه- قال: سمعتُ الشيخَ الزاهد الإِمام الواعظَ أبا الفضل بْنَ الجوهَرِيِّ- رحمه اللَّه- يعظُ النَّاسَ بهذا المعنى في الخلوة باللَّه سبحانه، والدنوِّ منه في الصلاة، ونحوه، وأنَّ ذلك يشغل عن كل طعامٍ وشرابٍ، ويقول:
أين حال موسى في القرب من اللَّه، ووصالِ ثمانين من الدهْرِ من قوله، حين سار إلى الخَضِرِ لفتاه في بعض يوم: آتِنا غَداءَنا [الكهف: ٦٢].
ت: وأيضاً في الأثر أنَّ موسى لم يصبه، أو لم يشك ما شكاه من النَّصَب حتى جاوز الموضع الذي وعد فيه لقاء الخَضِرِ عليهما السلام.
قال ع «٣» : وكل المفسِّرين على أن الأربعين كلَّها ميعاد.
وقوله تعالى: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ أي: إلهاً، والضمير في بَعْدِهِ يعود على موسى، وقيل: على انطلاقه للتكليمِ إذ المواعدة تقتضيه، وقصص هذه الآية أن موسى عليه السلام، لما خرج ببني إسرائيل من مصْرَ، قال لهم: إن اللَّه تعالى سينجِّيكم من آل فرعَوْنَ، وينفلكم حُلِيَّهُمْ، ويروى أن استعارتهم للحُلِيِّ كانت بغير إذن موسى- عليه
قال الطبريُّ: وفي أخبار القرآن على لسان النبيّ صلّى الله عليه وسلم بهذه المغيَّبات التي لم تكُنْ من علم العَرَب، ولا وقعتْ إلا في خفيِّ علْمِ بني إسرائيل دليلٌ واضحٌ عند بني إسرائيل، وقائم/ عليهم بنبوءة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلم. ٢٠ أوموسى: اسم أَعْجميٌّ، قال ابن إِسحاقَ: هو مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ بْنِ يَصْهرَ بْنِ قَاهَثَ بْنِ لاَوى بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الخليل صلّى الله عليه وسلم «١».
وخص الليالي بالذكْرِ في قوله تعالى: وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِذ الليلة أقدم من اليوم، وقبله في الرتبة، ولذلك وقع بها التاريخُ، قال النقَّاش: وفي ذلك إشارة إلى صلة الصوم لأنه لو ذكر الأيام، لأَمْكَن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل، فلما نصَّ على الليالي، اقتضت قوة الكلام أنه عليه السلام واصل أربعين ليلةً بأيامها.
قال ع «٢» : حدثني أبي- رضي الله عنه- قال: سمعتُ الشيخَ الزاهد الإِمام الواعظَ أبا الفضل بْنَ الجوهَرِيِّ- رحمه اللَّه- يعظُ النَّاسَ بهذا المعنى في الخلوة باللَّه سبحانه، والدنوِّ منه في الصلاة، ونحوه، وأنَّ ذلك يشغل عن كل طعامٍ وشرابٍ، ويقول:
أين حال موسى في القرب من اللَّه، ووصالِ ثمانين من الدهْرِ من قوله، حين سار إلى الخَضِرِ لفتاه في بعض يوم: آتِنا غَداءَنا [الكهف: ٦٢].
ت: وأيضاً في الأثر أنَّ موسى لم يصبه، أو لم يشك ما شكاه من النَّصَب حتى جاوز الموضع الذي وعد فيه لقاء الخَضِرِ عليهما السلام.
قال ع «٣» : وكل المفسِّرين على أن الأربعين كلَّها ميعاد.
وقوله تعالى: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ أي: إلهاً، والضمير في بَعْدِهِ يعود على موسى، وقيل: على انطلاقه للتكليمِ إذ المواعدة تقتضيه، وقصص هذه الآية أن موسى عليه السلام، لما خرج ببني إسرائيل من مصْرَ، قال لهم: إن اللَّه تعالى سينجِّيكم من آل فرعَوْنَ، وينفلكم حُلِيَّهُمْ، ويروى أن استعارتهم للحُلِيِّ كانت بغير إذن موسى- عليه
(١) ينظر: «النكت والعيون» (١/ ١٢٠).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٤٢).
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٤٢).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٤٢).
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٤٢).
237
السلام- وهو الأشبه به، ويؤيِّده ما في سورة طه في قولهم لموسى: وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً [طه: ٨٧]، فظاهرُهُ أنهم أخبروه بما لم يتقدَّم له به شعورٌ، ثم قال لهم موسى: إنه سينزل اللَّه عليَّ كتابًا فيه التحليلُ والتحريمُ والهدى لكم، فلما جازوا البحر، طلبوا موسى بما قال لهم من أمر الكتاب، فخرج لميعاد ربه وحده، وقد أعلمهم بالأربعين ليلةً، فعدوا عشرين يوماً بعشرين ليلة، وقالوا: هذه أربعون من الدهر، وقد أَخْلَفَنَا المَوْعِدَ، وبدا تعنُّتهم وخلافُهم، وكان السامريُّ رجلاً من بني إسرائيل يسمى موسى بْنَ ظفر، ويقال: إِنه ابْنُ خالِ موسى، وقيل: لم يكن من بني إسرائيل، بل كان غريباً فيهم، والأول أصحُّ، وكان قد عرف جبريلَ عليه السلام وقت عبورهم، قالت طائفة: أنكَرَ هَيْئَتَهُ، فعرف أنه ملَكٌ، وقالت طائفة: كانت أم السامريِّ ولدته عام الذبْحِ، فجعلته في غَارٍ وأطبقت عليه، فكان جبريل عليه السلام يَغْذُوهُ بأصبع نفسه، فيجد في أصبع لَبَناً وفي أصبع عَسَلاً، وفي أصبع سَمْناً، فلما رآه وقت جواز البحْرِ، عرفه، فأخذ من تحت حافرِ فرسه قبضةَ ترابٍ، وألقى في روعِهِ أنه لن يلقيها على شيء، ويقول له: كن كذا إلا كان، فَلَمَّا خرج موسى لميعاده، قال هارون لبنِي إسرائيل: إِن ذلك الحُلِيَّ والمتاعَ الذي استعرتم من القِبْط لا يحلُّ لكم، فَجِيئوا به حتى تأكله النار التي كانت العادةُ أن تنزل على القرابين.
وقيل: بل أوقد لهم ناراً، وأمرهم بطرح جميعِ ذلك فيها، فجعلوا يطرحون.
وقيل: بل أمرهم أن يضعوه في حُفْرة دُون نار حتى يجيء موسى، وروي، وهو الأصحُّ الأكثر أنه ألقى الناسُ الحُلِيَّ في حفرة، أو نحوِها، وجاء السامريُّ، / فطرح القبضة، وقال: كن عجلاً.
وقيل: إن السامريَّ كان في أصله من قوم يعبدون البقر، وكان يعجبه ذلك.
وقيل: بل كانت بنو إسرائيل قد مرَّت مع موسى على قوم يعبدون البَقَرَ.
ت: والذي في القرآن: يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ [الأعراف: ١٣٨]، قيل:
كانت على صور البقر، قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف: ١٣٨]، فوعاها السامريُّ، وعلم أن من تلك الجهة يفتنون، ففتنت بنو إسرائيل بالعجل، وظلَّت منهم طائفةٌ يعبدونه، فاعتزلهم هارونُ بمن تبعه، فجاء موسى من ميعاده، فغضب حسبما يأتي قصصه في مواضعه، إن شاء اللَّه تعالى، ثم أوحى اللَّه إِليه أنه لن يتوب على بني إِسرائيل حتى يقتلوا أنفسهم، ففعلَتْ بنو إِسرائيل ذلك، فروي أنهم لبسوا السلاح مَنْ عَبَدَ منهم، ومن لم يَعْبُد، وألقى اللَّه عليهم الظلام، فقتل بعضهم بعضاً، يقتل الأب ابنه،
وقيل: بل أوقد لهم ناراً، وأمرهم بطرح جميعِ ذلك فيها، فجعلوا يطرحون.
وقيل: بل أمرهم أن يضعوه في حُفْرة دُون نار حتى يجيء موسى، وروي، وهو الأصحُّ الأكثر أنه ألقى الناسُ الحُلِيَّ في حفرة، أو نحوِها، وجاء السامريُّ، / فطرح القبضة، وقال: كن عجلاً.
وقيل: إن السامريَّ كان في أصله من قوم يعبدون البقر، وكان يعجبه ذلك.
وقيل: بل كانت بنو إسرائيل قد مرَّت مع موسى على قوم يعبدون البَقَرَ.
ت: والذي في القرآن: يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ [الأعراف: ١٣٨]، قيل:
كانت على صور البقر، قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف: ١٣٨]، فوعاها السامريُّ، وعلم أن من تلك الجهة يفتنون، ففتنت بنو إسرائيل بالعجل، وظلَّت منهم طائفةٌ يعبدونه، فاعتزلهم هارونُ بمن تبعه، فجاء موسى من ميعاده، فغضب حسبما يأتي قصصه في مواضعه، إن شاء اللَّه تعالى، ثم أوحى اللَّه إِليه أنه لن يتوب على بني إِسرائيل حتى يقتلوا أنفسهم، ففعلَتْ بنو إِسرائيل ذلك، فروي أنهم لبسوا السلاح مَنْ عَبَدَ منهم، ومن لم يَعْبُد، وألقى اللَّه عليهم الظلام، فقتل بعضهم بعضاً، يقتل الأب ابنه،
238
والأخ أخاه، فلما استحر فيهم القتْلُ، وبلغ سبعين ألفاً، عفا اللَّه عنهم، وجعل من مات شهيداً، وتاب على البقية فذلك قوله سبحانه: ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ وقال بعض المفسِّرين:
وقف الذين عبدوا العجْلَ صفًّا، ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح، فقتلوهم، وقالت طائفة: جلس الذين عبدوا بالأفْنِيَةِ، وخرج يُوشَعُ بنُ نُونٍ ينادي: ملعونٌ مَن حَلَّ حُبْوَتَهُ «١»، وجعل الذين لم يعبدوه يقتلونهم، وموسى صلّى الله عليه وسلم في خلالِ ذلك يدعو لقومه، ويَرْغَبُ في العفو عنهم، وإِنما عوقب الذين لم يعبدوا بقتل أنفسهم على أحد الأقوال لأنهم لم يغيِّروا المُنْكَرَ حين عُبِدَ العِجْلُ.
وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ ابتداءٌ وخبرٌ في موضع الحالِ، والعفو تغطيةُ الأثر، وإِذهابُ الحالِ الأول من الذنب أو غيره.
ت: ومنه الحديثُ: «فَجَعَلَتْ أُمُّ إسْمَاعِيلَ تعفي أَثَرَهَا».
قال ع «٢» : ولا يستعمل العفو بمعنى الصفح إلا في الذَّنْبِ، والكتابُ هنا هو التوراةُ بإجماع، واختلف في الفُرْقَانِ هنا، فقال الزجَّاج وغيره: هو التوراة أيضاً كرر المعنى لاختلاف اللفظ، وقال آخرون: الكتاب التوراةُ، والفرقانُ سائر الآيات التي أوتي موسى عليه السلام لأنها فَرَقَتْ بين الحق والباطل، واختلف هل بقي العجْلُ مِنْ ذَهَب؟
فقال ذلك الجمهور، وقال الحسن بن أبي الحسن: صار لحماً ودماً، والأول أصحُّ.
ت: وقوله تعالى: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ عن أبي العالية: إلى خالقكم «٣» مِنْ بَرَأَ اللَّهُ الخَلْقَ، أي: خلقهم، فالبريئة: فَعِيلَةٌ بمعنى مفعولة. انتهى من «مختصر أبي عبد الله اللّخميّ النحوي للطبريّ».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٥ الى ٥٧]
وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧)
وقوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى: يريد السبعين الذين اختارهم موسى، واختلف
وقف الذين عبدوا العجْلَ صفًّا، ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح، فقتلوهم، وقالت طائفة: جلس الذين عبدوا بالأفْنِيَةِ، وخرج يُوشَعُ بنُ نُونٍ ينادي: ملعونٌ مَن حَلَّ حُبْوَتَهُ «١»، وجعل الذين لم يعبدوه يقتلونهم، وموسى صلّى الله عليه وسلم في خلالِ ذلك يدعو لقومه، ويَرْغَبُ في العفو عنهم، وإِنما عوقب الذين لم يعبدوا بقتل أنفسهم على أحد الأقوال لأنهم لم يغيِّروا المُنْكَرَ حين عُبِدَ العِجْلُ.
وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ ابتداءٌ وخبرٌ في موضع الحالِ، والعفو تغطيةُ الأثر، وإِذهابُ الحالِ الأول من الذنب أو غيره.
ت: ومنه الحديثُ: «فَجَعَلَتْ أُمُّ إسْمَاعِيلَ تعفي أَثَرَهَا».
قال ع «٢» : ولا يستعمل العفو بمعنى الصفح إلا في الذَّنْبِ، والكتابُ هنا هو التوراةُ بإجماع، واختلف في الفُرْقَانِ هنا، فقال الزجَّاج وغيره: هو التوراة أيضاً كرر المعنى لاختلاف اللفظ، وقال آخرون: الكتاب التوراةُ، والفرقانُ سائر الآيات التي أوتي موسى عليه السلام لأنها فَرَقَتْ بين الحق والباطل، واختلف هل بقي العجْلُ مِنْ ذَهَب؟
فقال ذلك الجمهور، وقال الحسن بن أبي الحسن: صار لحماً ودماً، والأول أصحُّ.
ت: وقوله تعالى: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ عن أبي العالية: إلى خالقكم «٣» مِنْ بَرَأَ اللَّهُ الخَلْقَ، أي: خلقهم، فالبريئة: فَعِيلَةٌ بمعنى مفعولة. انتهى من «مختصر أبي عبد الله اللّخميّ النحوي للطبريّ».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٥ الى ٥٧]
وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧)
وقوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى: يريد السبعين الذين اختارهم موسى، واختلف
(١) الحبوة والحبوة: الثوب الذي يحتبى به، والاحتباء هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشده عليها. ينظر: «لسان العرب» (٧٦٥).
(٢) «المحرر الوجيز» (١/ ١٤٤).
(٣) السيوطي في «الدر» (١/ ١٣٦)، وعزاه لابن أبي حاتم.
(٢) «المحرر الوجيز» (١/ ١٤٤).
(٣) السيوطي في «الدر» (١/ ١٣٦)، وعزاه لابن أبي حاتم.
239
في وقت اختيارهمْ.
فحكى أكثر المفسِّرين أن ذلك بعد عبادة العجل، فاختارهم ليستغفِروا لبني إسرائيل، وحكى النقَّاش وغيره أنه اختارهم حين خَرَجَ من البحْرِ، وطلب بالميعاد، والأول أصح.
وقصة السبعين أنَّ موسى عليه السلام، لما رجع من تكليم اللَّه تعالى، ووجد العجْلَ قد عُبِدَ، قالتْ له طائفة ممَّن لم يعبد العجلَ: نحن لم نكْفُرْ، ونحن أصحابك، ولكنْ أسمعْنَا كلام ربِّك، فأوحى اللَّه إِليه أن اختَرْ منهم سَبْعِينَ، فلم يجد إلا ستِّين، فأوحى إليه أن اختر من الشباب عَشَرةً، ففعل، فأصبحوا شيوخاً، وكان قد اختار ستَّةً من كلِّ سبط، فزادوا اثنين على السبعين، فتشاحُّوا فيمن يتأخَّر، فأُوحِيَ إِليه أنَّ من تأخّر له أجر من ٢١ أمضى، فتأخَّر يوشَعُ بْنُ نُونٍ، وكَالُوثُ بْنُ يُوفَنَّا، وذهب موسى عليه السلام/ بالسبْعين، بعد أن أمرهم أن يتجنَّبوا النساء ثلاثاً، ويغتسلوا في اليوم الثالث، واستخلف هارون على قومه، ومضى حتى أتى الجَبَلَ، فألقي عليهم الغمام، قال النَّقَّاش: غشيتهم سحابة، وحِيلَ بينهم وبين موسى بالنور، فوقعوا سجوداً، قال السُّدِّيُّ وغيره: وَسَمِعوا كلامَ اللَّهِ يأمر وينهى، فلم يطيقوا سماعه، واختلطتْ أذهانهم، ورَغِبُوا أن يكون موسى يسمع ويعبِّر لهم، ففعل، فلما فرغوا، وخرجوا، بدَّلت منهم طائفةٌ ما سمعت من كلام اللَّهِ، فذلك قوله تعالى: وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ [البقرة: ٧٥] واضطرب إيمانهم، وامتحنهم اللَّه تعالى بذلك، فقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً، ولم يطلبوا من الرؤية محالاً أما إِنه عند أهل السُّنَّة «١» ممتنعٌ في الدنيا من طريق السمع،
فحكى أكثر المفسِّرين أن ذلك بعد عبادة العجل، فاختارهم ليستغفِروا لبني إسرائيل، وحكى النقَّاش وغيره أنه اختارهم حين خَرَجَ من البحْرِ، وطلب بالميعاد، والأول أصح.
وقصة السبعين أنَّ موسى عليه السلام، لما رجع من تكليم اللَّه تعالى، ووجد العجْلَ قد عُبِدَ، قالتْ له طائفة ممَّن لم يعبد العجلَ: نحن لم نكْفُرْ، ونحن أصحابك، ولكنْ أسمعْنَا كلام ربِّك، فأوحى اللَّه إِليه أن اختَرْ منهم سَبْعِينَ، فلم يجد إلا ستِّين، فأوحى إليه أن اختر من الشباب عَشَرةً، ففعل، فأصبحوا شيوخاً، وكان قد اختار ستَّةً من كلِّ سبط، فزادوا اثنين على السبعين، فتشاحُّوا فيمن يتأخَّر، فأُوحِيَ إِليه أنَّ من تأخّر له أجر من ٢١ أمضى، فتأخَّر يوشَعُ بْنُ نُونٍ، وكَالُوثُ بْنُ يُوفَنَّا، وذهب موسى عليه السلام/ بالسبْعين، بعد أن أمرهم أن يتجنَّبوا النساء ثلاثاً، ويغتسلوا في اليوم الثالث، واستخلف هارون على قومه، ومضى حتى أتى الجَبَلَ، فألقي عليهم الغمام، قال النَّقَّاش: غشيتهم سحابة، وحِيلَ بينهم وبين موسى بالنور، فوقعوا سجوداً، قال السُّدِّيُّ وغيره: وَسَمِعوا كلامَ اللَّهِ يأمر وينهى، فلم يطيقوا سماعه، واختلطتْ أذهانهم، ورَغِبُوا أن يكون موسى يسمع ويعبِّر لهم، ففعل، فلما فرغوا، وخرجوا، بدَّلت منهم طائفةٌ ما سمعت من كلام اللَّهِ، فذلك قوله تعالى: وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ [البقرة: ٧٥] واضطرب إيمانهم، وامتحنهم اللَّه تعالى بذلك، فقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً، ولم يطلبوا من الرؤية محالاً أما إِنه عند أهل السُّنَّة «١» ممتنعٌ في الدنيا من طريق السمع،
(١) اتفقت كلمة الأشاعرة على جواز رؤيته (تعالى) عقلا في الدنيا والآخرة، بمعنى أنه تعالى يجوز أن ينكشف لعباده المؤمنين من غير ارتسام صورة، ولا اتصال شعاع، ولا حصول في جهة ومقابلة.
واستدلوا على ذلك بأدلة نقلية وأدلة عقلية، فلنذكر الأدلة النقلية لأنها الأصل في هذا الباب، وهي أكثر من أن تحصى، والمعتمد منها عند أهل السنة قوله تعالى حكاية عن سيدنا موسى- عليه السلام- في ميقات المناجاة: قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف: ١٤٣].
تنطق الآية الكريمة بمسألة تتعلق بالذات الأقدس، وهي مسألة الرؤية، ولم يحدد النطق الكريم الحكم فيها، بل ترك لذوي العقول البحث.
فكان القول بجوازها ووقوعها، وكان القول باستحالتها وعدم وقوعها، ولم يكن لصاحب كل قول من الآية الكريمة ما يعتمد عليه صريحا، بل كل مستند له هو الركون إلى اللغة تارة، واللجوء إلى الدليل العقلي أخرى. غير أن أهل السنة نظروا إلى ظروف الآية وما سيقت لأجله، فكانت عضدا قويا ركنوا إليه. -
واستدلوا على ذلك بأدلة نقلية وأدلة عقلية، فلنذكر الأدلة النقلية لأنها الأصل في هذا الباب، وهي أكثر من أن تحصى، والمعتمد منها عند أهل السنة قوله تعالى حكاية عن سيدنا موسى- عليه السلام- في ميقات المناجاة: قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف: ١٤٣].
تنطق الآية الكريمة بمسألة تتعلق بالذات الأقدس، وهي مسألة الرؤية، ولم يحدد النطق الكريم الحكم فيها، بل ترك لذوي العقول البحث.
فكان القول بجوازها ووقوعها، وكان القول باستحالتها وعدم وقوعها، ولم يكن لصاحب كل قول من الآية الكريمة ما يعتمد عليه صريحا، بل كل مستند له هو الركون إلى اللغة تارة، واللجوء إلى الدليل العقلي أخرى. غير أن أهل السنة نظروا إلى ظروف الآية وما سيقت لأجله، فكانت عضدا قويا ركنوا إليه. -
240
فأخذتهم حينئذ الصاعقةُ، فاحترقوا وماتوا موْتَ همودٍ يعتبر به الغير، وقال قتادة: ماتوا،
- فالآية الكريمة تقول: لقد وعى موسى- عليه السلام- لمناجاتنا، ورفعناه إلى هذا المستوي واتصل بالأفق الأعلى، وانتهى من الإنسانية إلى الذروة العليا، وشهد من أمر الله ما لم يصل غيره إلى تعقله بأقوى الأدلة والبراهين، وأنزله هذه المنزلة، ووقف في ساحة جلاله وحظائر قدسه ومساقط أنوار جماله وذاق حلاوة خطابه.
أليس يطلب إلى ربه أن يمتعه بالنظر إلى ذاته الأقدس ليجمع بين حلاوة الكلام وجمال الرؤية، ويؤيد أن الحامل لموسى- عليه السلام- على طلب الرؤية عوامل الشوق ما روي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: «جاء موسى- عليه السلام- ومعه السبعون رجلا، وصعد موسى الجبل، وبقي السبعون في أسفل الجبل، فكلم الله موسى، وكتب له في الألواح كتابا، وقربه نجيّا، فلما سمع موسى صرير القلم عظم شوقه فقال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، نعم طلبها بعامل الشوق، وقال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، ولم يكن موسى قد جرى في هذه القضية على غير المألوف، حيث جعل النظر مسببا عن الرؤية، والحال أن النظر تقليب الحدقة نحو الشيء التماسا لرؤيته، فهي متأخرة عنها إذ الغرض رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ: مكني من رؤيتك، فأنظر إليك، وأراك، ففي الكلام ذكر الملزوم وإرادة اللازم. نعم أقدم موسى على طلب النظر إلى الذات الأقدس، وانتظر ما يكون من أمر الله، وقد وقع عليه عمود من الغمام، وتغشى الجبل جلال الرب وسمع النطق الكريم لَنْ تَرانِي عند هذه الآية الكريمة تقف المعتزلة رافعة الرأس، ولو أنهم لاحظوا ما كان من حب موسى واصطفاء الله له، لم ينصرف ذهنهم إلى المنع من مطالعة الذات الأقدس، بل المتبادر إلى الذهن «لن تقوى على رؤيتي وأنت على ما أنت عليه، لتوقفها على استعداد في الرائي، ولم يوجد في موسى- عليه السلام- وقت الطلب يشهد لهذا ما أخرجه الترمذي في «نوادر الأصول» عن ابن عباس «تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذه الآية فقال: قال الله تعالى: «يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا رطب إلا تفرق وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم، ولا تبلى أجسامهم».
كذلك يدل على أن التأبيد المستفاد من قوله تعالى: لَنْ تَرانِي إنما هو موقوف على عدم تغيير الحال يؤيد ذلك ما رواه أبو الشيخ عن ابن عباس، وفيه يقول: «يا موسى إنه لن يراني أحد فيحيا، قال موسى:
رب أن أراك ثم أموت أحب إلي من ألا أراك ثم أحيا» وقد نبّه جل شأنه بقوله: لَنْ تَرانِي على وجود المانع، وهو الضعف عن تحملها، حيث أراه ضعف من هو أقوى منه وتفتته عند ما تجلى عليه الرب وغشيه ذو الجلال والإكرام.
فكان الجبل وتماسكه وعاد الجبل متقوص الأركان متداخل الأجزاء سقيم القوام، وكان موسى فاقد الحياة لطلبه هذه المرئية من الانكشاف، وهو باق على حاله.
أفاق موسى واسترد حياته، وقال: سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف: ١٤٣] أنزهك من أن أسألك شيئا بغير إذنك تبت عن الإقدام وأنا أول المؤمنين بأن لا يراك أحد في هذه النشأة، وليس كما يزعم الخصم من أن التوبة دليل العصيان، فكان موسى يعلم امتناعها وقد طلبها وهي ممتنعة. بل تاب من طلب الرؤية بغير إذن، وكيف لا يتوب وهو الرب صاحب الجبروت، وهو موسى المصطفى الكليم.
وقد قيل قديما: (حسنات الأبرار سيئات المقربين) - إلى هنا كان حتما أن نبين أن أهل السنة كانوا في غيبة عن أدلة الجواز، لكن دفعهم أن ما سيكون من الأدلة على الوقوع سمعي فحسب، قد يأتيها الخصم بمنع إمكان المطلوب لأجل هذا مهدوا الطريق للوقوع، فبرهنوا على الجواز بالأدلة النقلية والعقلية، -
أليس يطلب إلى ربه أن يمتعه بالنظر إلى ذاته الأقدس ليجمع بين حلاوة الكلام وجمال الرؤية، ويؤيد أن الحامل لموسى- عليه السلام- على طلب الرؤية عوامل الشوق ما روي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: «جاء موسى- عليه السلام- ومعه السبعون رجلا، وصعد موسى الجبل، وبقي السبعون في أسفل الجبل، فكلم الله موسى، وكتب له في الألواح كتابا، وقربه نجيّا، فلما سمع موسى صرير القلم عظم شوقه فقال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، نعم طلبها بعامل الشوق، وقال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، ولم يكن موسى قد جرى في هذه القضية على غير المألوف، حيث جعل النظر مسببا عن الرؤية، والحال أن النظر تقليب الحدقة نحو الشيء التماسا لرؤيته، فهي متأخرة عنها إذ الغرض رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ: مكني من رؤيتك، فأنظر إليك، وأراك، ففي الكلام ذكر الملزوم وإرادة اللازم. نعم أقدم موسى على طلب النظر إلى الذات الأقدس، وانتظر ما يكون من أمر الله، وقد وقع عليه عمود من الغمام، وتغشى الجبل جلال الرب وسمع النطق الكريم لَنْ تَرانِي عند هذه الآية الكريمة تقف المعتزلة رافعة الرأس، ولو أنهم لاحظوا ما كان من حب موسى واصطفاء الله له، لم ينصرف ذهنهم إلى المنع من مطالعة الذات الأقدس، بل المتبادر إلى الذهن «لن تقوى على رؤيتي وأنت على ما أنت عليه، لتوقفها على استعداد في الرائي، ولم يوجد في موسى- عليه السلام- وقت الطلب يشهد لهذا ما أخرجه الترمذي في «نوادر الأصول» عن ابن عباس «تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذه الآية فقال: قال الله تعالى: «يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا رطب إلا تفرق وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم، ولا تبلى أجسامهم».
كذلك يدل على أن التأبيد المستفاد من قوله تعالى: لَنْ تَرانِي إنما هو موقوف على عدم تغيير الحال يؤيد ذلك ما رواه أبو الشيخ عن ابن عباس، وفيه يقول: «يا موسى إنه لن يراني أحد فيحيا، قال موسى:
رب أن أراك ثم أموت أحب إلي من ألا أراك ثم أحيا» وقد نبّه جل شأنه بقوله: لَنْ تَرانِي على وجود المانع، وهو الضعف عن تحملها، حيث أراه ضعف من هو أقوى منه وتفتته عند ما تجلى عليه الرب وغشيه ذو الجلال والإكرام.
فكان الجبل وتماسكه وعاد الجبل متقوص الأركان متداخل الأجزاء سقيم القوام، وكان موسى فاقد الحياة لطلبه هذه المرئية من الانكشاف، وهو باق على حاله.
أفاق موسى واسترد حياته، وقال: سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف: ١٤٣] أنزهك من أن أسألك شيئا بغير إذنك تبت عن الإقدام وأنا أول المؤمنين بأن لا يراك أحد في هذه النشأة، وليس كما يزعم الخصم من أن التوبة دليل العصيان، فكان موسى يعلم امتناعها وقد طلبها وهي ممتنعة. بل تاب من طلب الرؤية بغير إذن، وكيف لا يتوب وهو الرب صاحب الجبروت، وهو موسى المصطفى الكليم.
وقد قيل قديما: (حسنات الأبرار سيئات المقربين) - إلى هنا كان حتما أن نبين أن أهل السنة كانوا في غيبة عن أدلة الجواز، لكن دفعهم أن ما سيكون من الأدلة على الوقوع سمعي فحسب، قد يأتيها الخصم بمنع إمكان المطلوب لأجل هذا مهدوا الطريق للوقوع، فبرهنوا على الجواز بالأدلة النقلية والعقلية، -
241
وذهبت أرواحهم، ثم رُدُّوا لاستيفاء آجالهم، فحين حصلوا في ذلك الهمود، جعل موسى
- وكان سلوكهم بهذا الطريق كافيا في الاستدلال على الوقوع بالدليل النقلي، وتفصيل ذلك مذكور في كتب العقائد.
وكذلك اتفقت كلمة الأشاعرة على وقوع رؤيته (تعالى) في الآخرة، واستدلوا على ذلك بالكتاب، والسنة، والإجماع:
أما دلالة الكتاب: فقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة: ٢٢- ٢٣] فالآية صريحة في أن وجوه المؤمنين المخلصين يوم القيامة متهللة من عظيم المسرة، يشاهد عليها نضرة النعيم. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ أن تراه مستغرقة في مطالعة جماله، بحيث تغفل عما سواه ففي حديث جابر، وقد رواه ابن ماجة: «فينظر إليهم، وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحجب عنهم» والحجاب من قبلهم لا من قبله (عز وجل)، فهذا يدل على أن المراد من النظر حقيقته، وهو الرؤية.
ووجه الاحتجاج في الآية الكريمة: أن النظر في الآية جاء موصولا بإلى، وكل ما كان كذلك فهو بمعنى الرؤية، فالنظر في الآية بمعنى الرؤية.
أما الصغرى، فدليلها الآية، وأما الكبرى، فيستدل لها بشهادة النقل عن أئمة اللغة وتتبع موارد الاستعمال، فقد نقل عن أهل اللغة أن للنظر معان عدة يتميز بعضها عن بعض بواسطة التعدية فقد جاء النظر بمعنى الانتظار متعديا بنفسه قال الله تعالى: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد: ١٣] أي:
انتظرونا، وقول الشاعر: [الوافر]
أي ينتظره.
وجاء بمعنى التفكر ويستعمل ب «في» يقال: نظرت في الأمر الفلاني، أي تفكرت فيه: وجاء بمعنى الرأفة والتعطف، ويتعدى باللام، يقال: نظر الأمير لفلان، أي رأف به وتعطف.
وجاء بمعنى الرؤية، ويستعمل ب «إلى» قال الشاعر: [الطويل]
ومثل ذلك النظر في الآية إذ جاء موصولا ب «إلى»، فيجب حمله على الرؤية، فتكون واقعة في ذلك اليوم، وهو المطلوب. ولا يعكر أن النظر المستعمل ب «إلى» يأتي بمعنى آخر غير الرؤية كالتأخير كما في قوله تعالى: فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ [البقرة: ٢٨٠]. لأن لفظة «إلى» في الآية ليست صلة للنظر، بل لبيان المدة.
وقد اعترضت المعتزلة هذا الدليل، فمنعت صغراه (النظر في الآية موصول بإلى) قالوا: لا نسلم أن النظر في الآية موصول ب «إلى» لأنها ليست حرفا، بل هي اسم بمعنى النعمة واحد الآلاء، ومفعول به للنظر، يشهد لذلك ما قيل عن أهل اللغة أن الآلاء واحدها آلى، وأيلى، وألو، وألى، وإلى. قال الأعشى:
أي نعمة أو بمعنى «عند» يؤيده قول الشاعر:
أي فيما عند. -[.....]
وكذلك اتفقت كلمة الأشاعرة على وقوع رؤيته (تعالى) في الآخرة، واستدلوا على ذلك بالكتاب، والسنة، والإجماع:
أما دلالة الكتاب: فقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة: ٢٢- ٢٣] فالآية صريحة في أن وجوه المؤمنين المخلصين يوم القيامة متهللة من عظيم المسرة، يشاهد عليها نضرة النعيم. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ أن تراه مستغرقة في مطالعة جماله، بحيث تغفل عما سواه ففي حديث جابر، وقد رواه ابن ماجة: «فينظر إليهم، وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحجب عنهم» والحجاب من قبلهم لا من قبله (عز وجل)، فهذا يدل على أن المراد من النظر حقيقته، وهو الرؤية.
ووجه الاحتجاج في الآية الكريمة: أن النظر في الآية جاء موصولا بإلى، وكل ما كان كذلك فهو بمعنى الرؤية، فالنظر في الآية بمعنى الرؤية.
أما الصغرى، فدليلها الآية، وأما الكبرى، فيستدل لها بشهادة النقل عن أئمة اللغة وتتبع موارد الاستعمال، فقد نقل عن أهل اللغة أن للنظر معان عدة يتميز بعضها عن بعض بواسطة التعدية فقد جاء النظر بمعنى الانتظار متعديا بنفسه قال الله تعالى: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد: ١٣] أي:
انتظرونا، وقول الشاعر: [الوافر]
| وإن يك صدر هذا اليوم ولى | فإن غدا لناظره قريب |
وجاء بمعنى التفكر ويستعمل ب «في» يقال: نظرت في الأمر الفلاني، أي تفكرت فيه: وجاء بمعنى الرأفة والتعطف، ويتعدى باللام، يقال: نظر الأمير لفلان، أي رأف به وتعطف.
وجاء بمعنى الرؤية، ويستعمل ب «إلى» قال الشاعر: [الطويل]
| نظرت إلى من أحسن الله وجهه | فيا نظرة كادت على رامق تقضي |
وقد اعترضت المعتزلة هذا الدليل، فمنعت صغراه (النظر في الآية موصول بإلى) قالوا: لا نسلم أن النظر في الآية موصول ب «إلى» لأنها ليست حرفا، بل هي اسم بمعنى النعمة واحد الآلاء، ومفعول به للنظر، يشهد لذلك ما قيل عن أهل اللغة أن الآلاء واحدها آلى، وأيلى، وألو، وألى، وإلى. قال الأعشى:
| أبيض لا يرهبه النزال ولا | يقطع رحما ولا يخون إليّ |
| فهل لكم فيما إلى فإنني | طبيب بما أعيى النطاس حذيما |
242
يناشد ربَّه فيهم، ويقول: أيْ ربِّ، كيف أرجع إِلى بني إِسرائيل دونهم، فيَهْلِكُون، ولا يؤمنون بي أبداً، وقد خرجوا، وهم الأخيار.
قال ع «١» : يعني: هم بحال الخير وقْتَ الخروج، وقال قومٌ: بل ظن موسى أنَّ السبعين، إِنما عوقبوا بِسَبَبِ عبادة العجْلِ، فذلك قوله: أَتُهْلِكُنا [الأعراف: ١٥٥]، يعني السبعين: بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا [الأعراف: ١٥٥] يعني: عَبَدَةَ العجلِ، وقال ابن فورك:
يحتمل أن تكون معاقبة السبعين لإخراجهم طلب الرؤية عن طريقه بقولهم لموسى:
أَرِنَا [النساء: ١٥٣] وليس ذلك من مقدورِ موسى عليه السلام.
قال ع «٢» : ومن قال: إن السبعين سَمِعُوا ما سمع موسى، فقد أخطأ، وأذهب فضيلةَ موسى، واختصاصه بالتكليم.
وجَهْرَةً: مصدر في موضع الحالِ «٣»، والجهرُ العلانيةُ، ومنه الجهر ضد السر،
قال ع «١» : يعني: هم بحال الخير وقْتَ الخروج، وقال قومٌ: بل ظن موسى أنَّ السبعين، إِنما عوقبوا بِسَبَبِ عبادة العجْلِ، فذلك قوله: أَتُهْلِكُنا [الأعراف: ١٥٥]، يعني السبعين: بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا [الأعراف: ١٥٥] يعني: عَبَدَةَ العجلِ، وقال ابن فورك:
يحتمل أن تكون معاقبة السبعين لإخراجهم طلب الرؤية عن طريقه بقولهم لموسى:
أَرِنَا [النساء: ١٥٣] وليس ذلك من مقدورِ موسى عليه السلام.
قال ع «٢» : ومن قال: إن السبعين سَمِعُوا ما سمع موسى، فقد أخطأ، وأذهب فضيلةَ موسى، واختصاصه بالتكليم.
وجَهْرَةً: مصدر في موضع الحالِ «٣»، والجهرُ العلانيةُ، ومنه الجهر ضد السر،
- ومعنى الآية على الأول: منتظرة نعمة ربها، وعلى الثاني: عند ربها منتظرة نعمته.
أجاب أهل السنة عند المنع:
أولا: لو أريد من النظر في الآية انتظار النعمة لما خص بإسناده إلى الوجوه التي هي محل الأعين- بالباصرة، ولم يكن للتعدية بالظرف معنى فإن المؤمنين في دار الدنيا منتظرون نعمته تعالى، وكذلك الكفار.
ثانيا: أن جعل «إلى» بمعنى النعمة في هذا المقام يخالف المعقول لأن الانتظار يعد من الآلام كيف وقد قيل: إنه الموت الأحمر؟! ويخالف المنقول أيضا إذ روي أنه صلّى الله عليه وسلم قال: «أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر إلى جناته وأزواجه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجه الله غدوة وعشية» ثم قرأ (عليه الصلاة والسلام) : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة: ٢٢- ٢٣] والله ما نسخها منذ أنزلها.
ثالثا: إن الانتظار أمارة الغم وعدم الاطمئنان، وقد قيل كما سبق أنه الموت الأحمر، وهذا يخالف ما سيقت لأجله الآية من التبشير للمؤمنين بالإنعام وحسن الحال وفراغ البال، وذلك إنما يكون برؤيته تعالى، فإنها من أجلّ النعم والكرامات المستتبعة لنضارة الوجوه.
وما يقوله المعتزلة من أن ترتب الغم على الانتظار أمر عادي يجوز تخلفه في الآخرة حيث إنها دار خوارق العادات، على أنه إنما يكون غما إذا لم يكن مقطوعا بما يترتب عليه من حصول النعم كيف وهو وعد من لا يخلف وعده، فمدفوع بأن هذا خروج عن السنن الكونية فقد جرت عادة الله (تعالى) أن يبشر خلقه وينذرهم بما يعلمونه لذة وعذابا بحسب العادة، ولذا لم يقع التبشير بالنار والإنذار بالجنة مع إمكان أن يخلق الله اللذة في النار والعذاب والألم في الجنة.
ينظر: الرؤية لشيخنا عبد الفضيل طلبة ص ٤٠ وما بعدها.
(١) «المحرر الوجيز» (١/ ١٤٧).
(٢) السابق.
(٣) قوله تعالى: جَهْرَةً فيه قولان:
أجاب أهل السنة عند المنع:
أولا: لو أريد من النظر في الآية انتظار النعمة لما خص بإسناده إلى الوجوه التي هي محل الأعين- بالباصرة، ولم يكن للتعدية بالظرف معنى فإن المؤمنين في دار الدنيا منتظرون نعمته تعالى، وكذلك الكفار.
ثانيا: أن جعل «إلى» بمعنى النعمة في هذا المقام يخالف المعقول لأن الانتظار يعد من الآلام كيف وقد قيل: إنه الموت الأحمر؟! ويخالف المنقول أيضا إذ روي أنه صلّى الله عليه وسلم قال: «أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر إلى جناته وأزواجه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجه الله غدوة وعشية» ثم قرأ (عليه الصلاة والسلام) : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة: ٢٢- ٢٣] والله ما نسخها منذ أنزلها.
ثالثا: إن الانتظار أمارة الغم وعدم الاطمئنان، وقد قيل كما سبق أنه الموت الأحمر، وهذا يخالف ما سيقت لأجله الآية من التبشير للمؤمنين بالإنعام وحسن الحال وفراغ البال، وذلك إنما يكون برؤيته تعالى، فإنها من أجلّ النعم والكرامات المستتبعة لنضارة الوجوه.
وما يقوله المعتزلة من أن ترتب الغم على الانتظار أمر عادي يجوز تخلفه في الآخرة حيث إنها دار خوارق العادات، على أنه إنما يكون غما إذا لم يكن مقطوعا بما يترتب عليه من حصول النعم كيف وهو وعد من لا يخلف وعده، فمدفوع بأن هذا خروج عن السنن الكونية فقد جرت عادة الله (تعالى) أن يبشر خلقه وينذرهم بما يعلمونه لذة وعذابا بحسب العادة، ولذا لم يقع التبشير بالنار والإنذار بالجنة مع إمكان أن يخلق الله اللذة في النار والعذاب والألم في الجنة.
ينظر: الرؤية لشيخنا عبد الفضيل طلبة ص ٤٠ وما بعدها.
(١) «المحرر الوجيز» (١/ ١٤٧).
(٢) السابق.
(٣) قوله تعالى: جَهْرَةً فيه قولان:
243
وجَهَرَ الرَّجُلُ الأَمْرَ: كشفه، وفي «مختصر الطبريِّ» عن ابن عبَّاس: جَهْرَةً: قال علانيةً «١»، وعن الربيع: جَهْرَةً: عياناً «٢». انتهى.
وقوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ: أجاب اللَّه تعالى فيهم رغبةَ موسى عليه السلام وأحياهم من ذلك الهمودِ، أو الموت ليستوفوا آجالهم، وتاب عليهم، والبعث هنا الإثارة، ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، أي: على هذه النعمة، والترجِّي إِنَّمَا هو في حق البَشَر.
وذكر المفسِّرون في تظليل الغمامِ أنَّ بني إِسرائيل، لما كان من أمرهم ما كان من القتل، وبقي منهم من بقي، حصلوا في فحص «٣» التِّيه بَيْن مصْر والشَّام، فأُمِرُوا بقتال الجَبَّارين، فَعَصَوْا، وقالوا: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا [المائدة: ٢٤] فدعا موسى عليهم، فعوقبوا بالبقاء في ذلك الفحْص أربعين سَنَةً يتيهون في مقدارِ خَمْسَة فراسِخَ أو ستَّةٍ، روي أنهم كانوا يمشون النهار كلَّه، وينزلون للمبيت، فيصبحون حيثُ كانوا بكرةَ أَمْسِ، فندم موسى على دعائه عليهم، فقيل له: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [المائدة: ٢٦].
وقوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ: أجاب اللَّه تعالى فيهم رغبةَ موسى عليه السلام وأحياهم من ذلك الهمودِ، أو الموت ليستوفوا آجالهم، وتاب عليهم، والبعث هنا الإثارة، ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، أي: على هذه النعمة، والترجِّي إِنَّمَا هو في حق البَشَر.
وذكر المفسِّرون في تظليل الغمامِ أنَّ بني إِسرائيل، لما كان من أمرهم ما كان من القتل، وبقي منهم من بقي، حصلوا في فحص «٣» التِّيه بَيْن مصْر والشَّام، فأُمِرُوا بقتال الجَبَّارين، فَعَصَوْا، وقالوا: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا [المائدة: ٢٤] فدعا موسى عليهم، فعوقبوا بالبقاء في ذلك الفحْص أربعين سَنَةً يتيهون في مقدارِ خَمْسَة فراسِخَ أو ستَّةٍ، روي أنهم كانوا يمشون النهار كلَّه، وينزلون للمبيت، فيصبحون حيثُ كانوا بكرةَ أَمْسِ، فندم موسى على دعائه عليهم، فقيل له: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [المائدة: ٢٦].
- أحدهما: أنها مصدر وفيها حينئذ قولان:
أحدهما: أنّ ناصبها محذوف، وهو من لفظها، تقديره: جهرتم جهرة، نقله أبو البقاء.
والثاني: أنها مصدر من نوع الفعل فتنتصب انتصاب القرفصاء من قولك: «قعد القرفصاء»، «واشتمل الصمّاء»، فإنها نوع من الرؤية، وبه بدأ الزمخشري.
والثاني: أنها مصدر واقع موقع الحال، وفيها حينئذ أربعة أقوال:
أحدهما: أنه حال من فاعل «نرى» أي: ذوي جهرة، قاله الزمخشري.
والثاني: أنّها حال من فاعل «قلتم»، أي: قلتم ذلك مجاهرين، قاله أبو البقاء، وقال بعضهم: فيكون في الكلام تقديم وتأخير، أي: قلتم جهرة لن نؤمن لك، ومثل هذا لا يقال فيه تقديم وتأخير، بل أتى بمفعول القول ثم بالحال من فاعله، فهو نظير: «ضربت هندا قائما».
والثالث: أنّها حال من اسم الله تعالى، أي: نراه ظاهرا غير مستور.
والرابع: أنّها حال من فاعل «نؤمن» نقله ابن عطية، ولا معنى له، والصحيح من هذه الأقوال الستة الثاني.
ينظر: «الدر المصون» (١/ ٢٢٩).
(١) أخرجه الطبري (١/ ٣٣٨) برقم (٩٤٨)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٣٦)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٣٩) برقم (٩٤٩).
(٣) الفحص: ما استوى من الأرض. وفي حديث كعب: «إن الله بارك في الشام، وخص بالتقديس من فحص الأردن إلى رفح» والفحص- هنا- ما بسط من نهر الأردن، وكشف من نواحيه. ينظر: «لسان العرب» (٣٣٥٦).
أحدهما: أنّ ناصبها محذوف، وهو من لفظها، تقديره: جهرتم جهرة، نقله أبو البقاء.
والثاني: أنها مصدر من نوع الفعل فتنتصب انتصاب القرفصاء من قولك: «قعد القرفصاء»، «واشتمل الصمّاء»، فإنها نوع من الرؤية، وبه بدأ الزمخشري.
والثاني: أنها مصدر واقع موقع الحال، وفيها حينئذ أربعة أقوال:
أحدهما: أنه حال من فاعل «نرى» أي: ذوي جهرة، قاله الزمخشري.
والثاني: أنّها حال من فاعل «قلتم»، أي: قلتم ذلك مجاهرين، قاله أبو البقاء، وقال بعضهم: فيكون في الكلام تقديم وتأخير، أي: قلتم جهرة لن نؤمن لك، ومثل هذا لا يقال فيه تقديم وتأخير، بل أتى بمفعول القول ثم بالحال من فاعله، فهو نظير: «ضربت هندا قائما».
والثالث: أنّها حال من اسم الله تعالى، أي: نراه ظاهرا غير مستور.
والرابع: أنّها حال من فاعل «نؤمن» نقله ابن عطية، ولا معنى له، والصحيح من هذه الأقوال الستة الثاني.
ينظر: «الدر المصون» (١/ ٢٢٩).
(١) أخرجه الطبري (١/ ٣٣٨) برقم (٩٤٨)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٣٦)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٣٩) برقم (٩٤٩).
(٣) الفحص: ما استوى من الأرض. وفي حديث كعب: «إن الله بارك في الشام، وخص بالتقديس من فحص الأردن إلى رفح» والفحص- هنا- ما بسط من نهر الأردن، وكشف من نواحيه. ينظر: «لسان العرب» (٣٣٥٦).
244
وروي أنهم ماتوا بأجمعهم في فحص التِّيه، ونشأ بنوهم على خير طاعة، فهم الذين خرجوا من فحْصِ التيه، وقاتلوا الجَبَّارين، وإذ كان جميعُهم في التيه، قالوا لموسى: من لنا بالطعامِ؟ قال: اللَّه، فأنزل اللَّه عليهم المَنَّ والسلوى، قالوا: مَنْ لنا من حَرِّ الشمس؟
فظلَّل عليهم الغمامَ، قالوا: بِمَ نستصْبِحُ بالليل، فضَرَبَ لهم عمودَ نُورٍ في وَسَطَ مَحَلَّتهم، وذكر مكِّيٌّ عمود نار، قالوا: من لنا بالماء؟ / فأمر موسى بضرب الحَجَرِ، قالوا: من لنا ٢١ ب باللباس، فَأُعْطُوا ألاَّ يبلى لهم ثوبٌ، ولا يَخْلَقَ، ولا يَدْرَنَ، وأن تنمو صِغَارُهَا حَسَب نُمُوِّ الصبيانِ، والمَنُّ صَمْغَةٌ حُلْوَةٌ هذا قول فرقةٍ، وقيل: هو عسل، وقيل: شراب حُلْوٌ، وقيل: الذي ينزل اليوْمَ على الشجَر، وروي أنَّ المَنَّ كان ينزل عليهم من طُلُوع الفَجْر إلى طُلُوع الشمس كالثلج، فيأخذ منه الرجُلُ ما يكفيه ليومه، فإِنِ ادَّخَرَ، فسد عليه إِلا في يوم الجمعة فإِنهم كانوا يدَّخرون ليوم السبْتِ، فلا يفسد عليهم لأن يوم السبت يومُ عبادةٍ.
والسلوى طيرٌ بإِجماع المفسّرين، فقيل: هو السّمانى.
وقيل: طائر مثل السّمانى.
وقيل: طائر مثل الحمام تحشره عليهم الجَنُوب.
ص «١» : قال ابن عطيَّة: وغلط الهُذَلِيُّ «٢» في إِطلاقه السلوى على العَسَلِ حيث قال: [الطويل]
«٣» ت «٤» : قد نقل صاحبُ المختصر أنه يطلق على العَسَلِ لغةً فلا وجه
فظلَّل عليهم الغمامَ، قالوا: بِمَ نستصْبِحُ بالليل، فضَرَبَ لهم عمودَ نُورٍ في وَسَطَ مَحَلَّتهم، وذكر مكِّيٌّ عمود نار، قالوا: من لنا بالماء؟ / فأمر موسى بضرب الحَجَرِ، قالوا: من لنا ٢١ ب باللباس، فَأُعْطُوا ألاَّ يبلى لهم ثوبٌ، ولا يَخْلَقَ، ولا يَدْرَنَ، وأن تنمو صِغَارُهَا حَسَب نُمُوِّ الصبيانِ، والمَنُّ صَمْغَةٌ حُلْوَةٌ هذا قول فرقةٍ، وقيل: هو عسل، وقيل: شراب حُلْوٌ، وقيل: الذي ينزل اليوْمَ على الشجَر، وروي أنَّ المَنَّ كان ينزل عليهم من طُلُوع الفَجْر إلى طُلُوع الشمس كالثلج، فيأخذ منه الرجُلُ ما يكفيه ليومه، فإِنِ ادَّخَرَ، فسد عليه إِلا في يوم الجمعة فإِنهم كانوا يدَّخرون ليوم السبْتِ، فلا يفسد عليهم لأن يوم السبت يومُ عبادةٍ.
والسلوى طيرٌ بإِجماع المفسّرين، فقيل: هو السّمانى.
وقيل: طائر مثل السّمانى.
وقيل: طائر مثل الحمام تحشره عليهم الجَنُوب.
ص «١» : قال ابن عطيَّة: وغلط الهُذَلِيُّ «٢» في إِطلاقه السلوى على العَسَلِ حيث قال: [الطويل]
| وَقَاسَمَهَا بِاللَّهِ عَهْداً لأنْتُمُ | أَلَذُّ مِنَ السلوى إِذَا مَا نَشُورُهَا |
(١) «المجيد» ص (٢٥٩).
(٢) خويلد بن خالد بن محرّث، أبو ذؤيب، من بني هذيل بن مدركة، من «مضر» : شاعر فحل، مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، وسكن «المدينة»، واشترك في الغزو والفتوح. وعاش إلى أيام عثمان.
قال البغدادي: هو أشعر هذيل من غير مدافعة. وفد على النبي صلّى الله عليه وسلم ليلة وفاته، فأدركه وهو مسجّى، وشهد دفنه.
ينظر: «الأغاني» (٦/ ٥٦)، «الشعر والشعراء» (٢٥٢)، و «خزانة البغدادي» (١/ ٢٠٣)، و «الأعلام» (٢/ ٣٢٥).
(٣) البيت لأبي ذؤيب، وأنشده ابن منظور في «اللسان» لخالد بن زهير ينظر: «ديوان الهذليين» (١/ ١٥٨)، و «اللسان» (سلا)، و «البحر المحيط» (١/ ٣٦٤)، و «القرطبي» (١/ ٤٠٧)، و «الدر المصون» (١/ ٢٣٠)، و «روح المعاني» (١/ ٢٦٤).
(٤) لا زال الكلام للصفاقسي.
(٢) خويلد بن خالد بن محرّث، أبو ذؤيب، من بني هذيل بن مدركة، من «مضر» : شاعر فحل، مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، وسكن «المدينة»، واشترك في الغزو والفتوح. وعاش إلى أيام عثمان.
قال البغدادي: هو أشعر هذيل من غير مدافعة. وفد على النبي صلّى الله عليه وسلم ليلة وفاته، فأدركه وهو مسجّى، وشهد دفنه.
ينظر: «الأغاني» (٦/ ٥٦)، «الشعر والشعراء» (٢٥٢)، و «خزانة البغدادي» (١/ ٢٠٣)، و «الأعلام» (٢/ ٣٢٥).
(٣) البيت لأبي ذؤيب، وأنشده ابن منظور في «اللسان» لخالد بن زهير ينظر: «ديوان الهذليين» (١/ ١٥٨)، و «اللسان» (سلا)، و «البحر المحيط» (١/ ٣٦٤)، و «القرطبي» (١/ ٤٠٧)، و «الدر المصون» (١/ ٢٣٠)، و «روح المعاني» (١/ ٢٦٤).
(٤) لا زال الكلام للصفاقسي.
245
لتغليظه لأنَّ إِجماع المفسِّرين لا يمنع من إِطلاقِهِ لغةً بمعنى آخر في غير الآية. انتهى.
وقوله تعالى: كُلُوا... الآية: معناه: وقلنا: كلوا، فحذف اختصارا لدلالة الظاهر عليه، والطَّيِّبَاتُ، هنا جَمَعَتِ الحلال واللذيذ.
ص «١» : وقوله: وَما ظَلَمُونا: قدَّر ابن عطية قبل هذه الجملةِ محذوفًا، أي:
فَعَصوْا، وما ظَلَمُونا، وقدَّر غيره: فظَلَمُوا، ومَا ظَلَمُونَا، ولا حاجَة إِلى ذلك لأن ما تقدَّم عنهم من القبائِح يُغْنِي عنه. انتهى.
ت: وقول أبي حَيَّان: «لا حاجة إلى هذا التقدير... » إِلى آخره: يُرَدُّ بأن المحذوفاتِ في الكلام الفصيحِ هذا شأنها لا بد من دليل في اللفظ يدلُّ عليها إلا أنه يختلف ذلك في الوضوحِ والخفاءِ، فأما حذف ما لا دليل عليه، فإنه لا يجوز.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٨ الى ٦٠]
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩) وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠)
وقوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ.
الْقَرْيَةَ: المدينةُ سمِّيت بذلك لأنها تَقَرَّتْ، أي: اجتمعت ومنه: قَرَيْتُ المَاءَ في الحَوْضِ، أي: جمعته، والإِشارة بهذه إِلى بيت المقدس في قول الجمهور.
وقيل: إلى أريحا، وهي قريبٌ من بيت المَقْدِس، قال عمر بن شبّة «٢» : كانت
وقوله تعالى: كُلُوا... الآية: معناه: وقلنا: كلوا، فحذف اختصارا لدلالة الظاهر عليه، والطَّيِّبَاتُ، هنا جَمَعَتِ الحلال واللذيذ.
ص «١» : وقوله: وَما ظَلَمُونا: قدَّر ابن عطية قبل هذه الجملةِ محذوفًا، أي:
فَعَصوْا، وما ظَلَمُونا، وقدَّر غيره: فظَلَمُوا، ومَا ظَلَمُونَا، ولا حاجَة إِلى ذلك لأن ما تقدَّم عنهم من القبائِح يُغْنِي عنه. انتهى.
ت: وقول أبي حَيَّان: «لا حاجة إلى هذا التقدير... » إِلى آخره: يُرَدُّ بأن المحذوفاتِ في الكلام الفصيحِ هذا شأنها لا بد من دليل في اللفظ يدلُّ عليها إلا أنه يختلف ذلك في الوضوحِ والخفاءِ، فأما حذف ما لا دليل عليه، فإنه لا يجوز.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٨ الى ٦٠]
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩) وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠)
وقوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ.
الْقَرْيَةَ: المدينةُ سمِّيت بذلك لأنها تَقَرَّتْ، أي: اجتمعت ومنه: قَرَيْتُ المَاءَ في الحَوْضِ، أي: جمعته، والإِشارة بهذه إِلى بيت المقدس في قول الجمهور.
وقيل: إلى أريحا، وهي قريبٌ من بيت المَقْدِس، قال عمر بن شبّة «٢» : كانت
(١) «المجيد» (ص ٢٥٩).
(٢) عمر بن شبّة- واسمه زيد- بن عبيدة بن ريطة النميري، البصري، أبو زيد، شاعر، راوية، مؤرخ، حافظ للحديث، من أهل «البصرة». توفي ب «سمراء» سنة (٢٦٢) هـ، له تصانيف، منها: «كتاب الكتاب»، و «النسب»، و «أخبار بني نمير»، و «أخبار المدينة» جزء منه، و «تاريخ البصرة»، و «أمراء الكوفة»، و «أمراء البصرة»، و «أمراء المدينة»، و «أمراء مكة»، و «كتاب السلطان»، و «مقتل عثمان»، و «السقيفة»، و «جمهرة أشعار العرب»، و «الشعر والشعراء»، و «الأغاني».
ينظر: «الأعلام» (٥/ ٤٧- ٤٨)، و «تهذيب التهذيب» (٧/ ٤٦٠)، و «الوفيات» (١/ ٣٧٨). [.....]
(٢) عمر بن شبّة- واسمه زيد- بن عبيدة بن ريطة النميري، البصري، أبو زيد، شاعر، راوية، مؤرخ، حافظ للحديث، من أهل «البصرة». توفي ب «سمراء» سنة (٢٦٢) هـ، له تصانيف، منها: «كتاب الكتاب»، و «النسب»، و «أخبار بني نمير»، و «أخبار المدينة» جزء منه، و «تاريخ البصرة»، و «أمراء الكوفة»، و «أمراء البصرة»، و «أمراء المدينة»، و «أمراء مكة»، و «كتاب السلطان»، و «مقتل عثمان»، و «السقيفة»، و «جمهرة أشعار العرب»، و «الشعر والشعراء»، و «الأغاني».
ينظر: «الأعلام» (٥/ ٤٧- ٤٨)، و «تهذيب التهذيب» (٧/ ٤٦٠)، و «الوفيات» (١/ ٣٧٨). [.....]
246
قاعدةً، ومسْكنَ ملوكٍ، ولما خرج ذريةُ بني إِسرائيل من التِّيه، أُمِرُوا بدخول القرية المشار إِلَيْها، وأما الشيوخ، فماتوا فيه، وروي أن موسى وهارون عليهما السلام ماتا في التِّيه، وحكى الزجَّاج «١» عن بعضهم أنهما لم يكونا في التِّيه لأنه عَذَابٌ، والأول أكْثَرُ.
ت: لكن ظاهر قوله: فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [المائدة: ٢٥] يقوِّي ما حكاهُ الزجَّاج، وهكذا قال الإمام الفخر»
. انتهى.
وفَكُلُوا: إِباحة، وتقدَّم معنى الرَّغَد، وهي أرض مباركة عظيمة الغلّة، فلذلك قال: رَغَداً.
والْبابَ: قال مجاهد: هو باب في مدينة بَيْت المقدس يعرف إلى اليوم بباب حطّة «٣»، وسُجَّداً: قال ابن عبَّاس: معناه: ركوعاً «٤»، وقيل: متواضعين خضوعاً، والسجودُ يعم هذا كلَّه، وحِطَّة: فِعْلَةٌ من حَطَّ يَحُطُّ، ورفعه على خبر ابتداء «٥» كأنهم قالوا: سؤالُنَا حِطَّة لذنُوبِنَا، قال عكرمة و، غيره: أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا: «لا إِله إِلاَّ اللَّهُ» لتحطَّ بها ذنوبُهُمْ «٦»، وقال ابن عَبَّاس: قيل/ لهم: استغفروا، وقولوا ما يحطُّ ذنوبكم «٧».
ت: قال أحمد بن نصرٍ «٨» الدَّاوُودِيُّ في «تفسيره» :«وروي أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم سار
ت: لكن ظاهر قوله: فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [المائدة: ٢٥] يقوِّي ما حكاهُ الزجَّاج، وهكذا قال الإمام الفخر»
. انتهى.
وفَكُلُوا: إِباحة، وتقدَّم معنى الرَّغَد، وهي أرض مباركة عظيمة الغلّة، فلذلك قال: رَغَداً.
والْبابَ: قال مجاهد: هو باب في مدينة بَيْت المقدس يعرف إلى اليوم بباب حطّة «٣»، وسُجَّداً: قال ابن عبَّاس: معناه: ركوعاً «٤»، وقيل: متواضعين خضوعاً، والسجودُ يعم هذا كلَّه، وحِطَّة: فِعْلَةٌ من حَطَّ يَحُطُّ، ورفعه على خبر ابتداء «٥» كأنهم قالوا: سؤالُنَا حِطَّة لذنُوبِنَا، قال عكرمة و، غيره: أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا: «لا إِله إِلاَّ اللَّهُ» لتحطَّ بها ذنوبُهُمْ «٦»، وقال ابن عَبَّاس: قيل/ لهم: استغفروا، وقولوا ما يحطُّ ذنوبكم «٧».
ت: قال أحمد بن نصرٍ «٨» الدَّاوُودِيُّ في «تفسيره» :«وروي أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم سار
(١) ينظر: «معاني القرآن» (٢/ ١٦٥).
(٢) ينظر: «مفاتيح الغيب» (١١/ ١٥٩).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٣٣٩) برقم (١٠٠٤).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ٣٣٩) برقم (١٠٠٨)، والحاكم (٢/ ٢٦٢)، وصححه، ووافقه الذهبي، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٣٨)، وعزاه لوكيع، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم.
(٥) قال الزجاج: ولو قرىء «حطة» كان وجهها في العربية، كأنهم قيل لهم: قولوا: احطط عنا ذنوبنا حطة.
معاني القرآن (١/ ١٣٩).
وقد فات الزجاج أن إبراهيم بن أبي عبلة قرأها بالنصب، كما في «المحرر الوجيز» (١/ ١٥٠)، و «البحر المحيط» (١/ ٣٨٤)، و «الدر المصون» (١/ ٢٣٢)، و «الشواذ» لابن خالويه (ص ١٣).
(٦) أخرجه الطبري (١/ ٣٤٠) برقم (١٠١٦)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٣٨)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم. كلاهما عن عكرمة. وأخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (١/ ٤٧)، بلفظ: «لا إله إلّا الله».
(٧) أخرجه الطبري (١/ ٣٤١) برقم (١٠١٧)، بلفظ: «أمروا أن يستغفروا».
(٨) أحمد بن نصر، أبو حفص الداودي، فقيه مالكي. له كتاب «الأموال» في أحكام أموال المغانم والأراضي التي يتغلب عليها المسلمون.
ينظر: «الأعلام» (١/ ٢٦٤).
(٢) ينظر: «مفاتيح الغيب» (١١/ ١٥٩).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٣٣٩) برقم (١٠٠٤).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ٣٣٩) برقم (١٠٠٨)، والحاكم (٢/ ٢٦٢)، وصححه، ووافقه الذهبي، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٣٨)، وعزاه لوكيع، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم.
(٥) قال الزجاج: ولو قرىء «حطة» كان وجهها في العربية، كأنهم قيل لهم: قولوا: احطط عنا ذنوبنا حطة.
معاني القرآن (١/ ١٣٩).
وقد فات الزجاج أن إبراهيم بن أبي عبلة قرأها بالنصب، كما في «المحرر الوجيز» (١/ ١٥٠)، و «البحر المحيط» (١/ ٣٨٤)، و «الدر المصون» (١/ ٢٣٢)، و «الشواذ» لابن خالويه (ص ١٣).
(٦) أخرجه الطبري (١/ ٣٤٠) برقم (١٠١٦)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٣٨)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم. كلاهما عن عكرمة. وأخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (١/ ٤٧)، بلفظ: «لا إله إلّا الله».
(٧) أخرجه الطبري (١/ ٣٤١) برقم (١٠١٧)، بلفظ: «أمروا أن يستغفروا».
(٨) أحمد بن نصر، أبو حفص الداودي، فقيه مالكي. له كتاب «الأموال» في أحكام أموال المغانم والأراضي التي يتغلب عليها المسلمون.
ينظر: «الأعلام» (١/ ٢٦٤).
247
مَعَ أَصْحَابِهِ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: قُولُوا: نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، فَقَالُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ، إِنَّهَا للْحِطَّةُ الَّتِي عُرِضَتْ على بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَقُولُوهَا» انتهى.
وحكي عن ابن مَسْعود وغيره أنهم أمروا بالسُّجود، وأن يقولوا: حِطَّةٌ، فَدَخَلُوا يزْحفُونَ على أَسْتَاهِهِمْ، ويَقُولُونَ: حِنْطَةٌ حَبَّةٌ حَمْرَاءُ فِي شَعْرَةٍ، ويروى غير هذا من الألفاظ.
وقوله تعالى: وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ عِدَةٌ: المعنى: إِذا غُفِرَتِ الخطايا بدخولكم وقولِكُمْ، زِيدَ بعد ذلك لمن أحسن، وكان من بني إسرائيل من دخل كما أُمِرَ، وقال: لا إله إلا اللَّه، فقيل: هم المراد ب الْمُحْسِنِينَ هنا.
وقوله تعالى: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا... الآية.
روي أنهم لما جاءوا الباب، دخلوا من قبل أدبارهم القهقرى، وفي الحديث: أنهم دَخَلوا يَزْحَفُونَ على أَسْتَاهِهِمْ، وبدَّلوا، فقالوا: حَبَّة في شَعْرَة، وقيل: قالوا: حِنْطَة حبَّة حمراء في شَعْرة، وقيل: شعيرة، وحكى الطبريُّ أنهم قالوا: «هَطِّي شَمْقَاثَا أَزْبَه» وتفسيره ما تقدَّم وفي اختصار الطبريِّ، وعن مجاهد قال: أمر موسى قومَهُ أنْ يدخلوا الباب سُجَّداً، ويقولُوا: حِطَّة، وطؤطئ لهم البابُ ليسجدوا، فلم يسجدوا، ودخلوا على أدبارهم، وقالوا: حِنْطَة «١».
وذكر عزَّ وجلَّ فعل سلفهم تنبيها أنّ تكذيبهم لمحمّد صلّى الله عليه وسلم جَارٍ على طريق سلَفهم في خلافهم على أنبيائهم، واستخفافهم بهم، واستهزائهم بأمر ربِّهم. انتهى.
والرِّجْز العَذَابُ، قال ابن زيد وغيره: فبعث اللَّه على الذينَ بدَّلوا الطاعونَ، فأذهب منهم سبْعِينَ أَلْفاً، وقال ابن عبَّاس «٢» : أمات اللَّه منهم في ساعةٍ واحدةٍ نيِّفاً على عشرينَ ألفا.
واسْتَسْقى: معناه: طلب السُّقْيَا، وَعُرْفُ «استفعل» طلَبُ الشيءِ، وقد جاء في غير ذلك كقوله تعالى: وَاسْتَغْنَى اللَّهُ [التغابن: ٦]، وكان هذا الاستسقاءُ في فحْصِ التيه، فأمره اللَّه تعالى بضرب الحَجَر آيةً منه، وكان الحَجَرُ من جبل الطور على قدر رأس
وحكي عن ابن مَسْعود وغيره أنهم أمروا بالسُّجود، وأن يقولوا: حِطَّةٌ، فَدَخَلُوا يزْحفُونَ على أَسْتَاهِهِمْ، ويَقُولُونَ: حِنْطَةٌ حَبَّةٌ حَمْرَاءُ فِي شَعْرَةٍ، ويروى غير هذا من الألفاظ.
وقوله تعالى: وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ عِدَةٌ: المعنى: إِذا غُفِرَتِ الخطايا بدخولكم وقولِكُمْ، زِيدَ بعد ذلك لمن أحسن، وكان من بني إسرائيل من دخل كما أُمِرَ، وقال: لا إله إلا اللَّه، فقيل: هم المراد ب الْمُحْسِنِينَ هنا.
وقوله تعالى: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا... الآية.
روي أنهم لما جاءوا الباب، دخلوا من قبل أدبارهم القهقرى، وفي الحديث: أنهم دَخَلوا يَزْحَفُونَ على أَسْتَاهِهِمْ، وبدَّلوا، فقالوا: حَبَّة في شَعْرَة، وقيل: قالوا: حِنْطَة حبَّة حمراء في شَعْرة، وقيل: شعيرة، وحكى الطبريُّ أنهم قالوا: «هَطِّي شَمْقَاثَا أَزْبَه» وتفسيره ما تقدَّم وفي اختصار الطبريِّ، وعن مجاهد قال: أمر موسى قومَهُ أنْ يدخلوا الباب سُجَّداً، ويقولُوا: حِطَّة، وطؤطئ لهم البابُ ليسجدوا، فلم يسجدوا، ودخلوا على أدبارهم، وقالوا: حِنْطَة «١».
وذكر عزَّ وجلَّ فعل سلفهم تنبيها أنّ تكذيبهم لمحمّد صلّى الله عليه وسلم جَارٍ على طريق سلَفهم في خلافهم على أنبيائهم، واستخفافهم بهم، واستهزائهم بأمر ربِّهم. انتهى.
والرِّجْز العَذَابُ، قال ابن زيد وغيره: فبعث اللَّه على الذينَ بدَّلوا الطاعونَ، فأذهب منهم سبْعِينَ أَلْفاً، وقال ابن عبَّاس «٢» : أمات اللَّه منهم في ساعةٍ واحدةٍ نيِّفاً على عشرينَ ألفا.
واسْتَسْقى: معناه: طلب السُّقْيَا، وَعُرْفُ «استفعل» طلَبُ الشيءِ، وقد جاء في غير ذلك كقوله تعالى: وَاسْتَغْنَى اللَّهُ [التغابن: ٦]، وكان هذا الاستسقاءُ في فحْصِ التيه، فأمره اللَّه تعالى بضرب الحَجَر آيةً منه، وكان الحَجَرُ من جبل الطور على قدر رأس
(١) أخرجه الطبري (١/ ٣٤٤) برقم (١٠٢٨)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٣٩)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٤٥) برقم (١٠٤١) بنحوه. وذكره الماوردي في «التفسير» (١/ ١٢٧) بنحوه.
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٤٥) برقم (١٠٤١) بنحوه. وذكره الماوردي في «التفسير» (١/ ١٢٧) بنحوه.
248
الشاة، يلقى في كِسْر جُوَالِقَ «١»، ويرحل به، فإذا نزلُوا وضع في وَسَط محلَّتهم، وضربه موسى، وذكر أنهم لم يكونوا يحملون الحَجَر لكنَّهم كانوا يجدُونه في كلِّ مرحلة في منزلته من المرحَلَة الأولى، وهذا أعظم في الآية، ولا خلاف أنه كان حجراً مربَّعاً منْفَصِلاً تطَّرد من كلِّ جهة منه ثلاثُ عُيُونٍ، إِذا ضربه موسى، وإِذا استغنَوْا عن الماءِ، ورحَلُوا، جفَّت العيون، وفي الكلام حذفٌ تقديره: فضربه، فانفجرت، والانفجار: انصداع شيء عن شَيْء ومنه: الفَجْر، والانبجاس في الماء أقلُّ من الانفجار.
وأُناسٍ: اسم جمع، لا واحد له من لفظه، ومعناه هنا: كلُّ سِبْطٍ لأن الأسباط في بني إِسرائيل كالقبائل في العرب، وهم ذرِّية الاثْنَيْ عَشَرَ أولادُ يعقُوبَ عليه السلام.
وقوله سبحانه: كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ... الآية.
ت: رُوِّينَا من طريق أنس، بن مالك عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إنَّ اللَّهَ ليرضى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا» رواه مُسْلِمٌ، والترمذيُّ، والنسائِيُّ «٢». انتهى.
والمَشْرَبُ: موضع الشُّرْب، وكان لكلِّ سبطٍ عَيْنٌ من تلك العيون، لا يتعداها.
وَلا تَعْثَوْا: معناه: ولا تُفْرِطُوا في الْفَسَادِ.
ص «٣» : مُفْسِدِينَ: حالٌ مؤكِّدة لأن: «لاَ تَعْثَوْا» : معناه: / لا تفسدوا. ٢٢ ب انتهى.
وأُناسٍ: اسم جمع، لا واحد له من لفظه، ومعناه هنا: كلُّ سِبْطٍ لأن الأسباط في بني إِسرائيل كالقبائل في العرب، وهم ذرِّية الاثْنَيْ عَشَرَ أولادُ يعقُوبَ عليه السلام.
وقوله سبحانه: كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ... الآية.
ت: رُوِّينَا من طريق أنس، بن مالك عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إنَّ اللَّهَ ليرضى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا» رواه مُسْلِمٌ، والترمذيُّ، والنسائِيُّ «٢». انتهى.
والمَشْرَبُ: موضع الشُّرْب، وكان لكلِّ سبطٍ عَيْنٌ من تلك العيون، لا يتعداها.
وَلا تَعْثَوْا: معناه: ولا تُفْرِطُوا في الْفَسَادِ.
ص «٣» : مُفْسِدِينَ: حالٌ مؤكِّدة لأن: «لاَ تَعْثَوْا» : معناه: / لا تفسدوا. ٢٢ ب انتهى.
(١) الجوالق والجوالق: وعاء من الأوعية معروف معرب.
ينظر: «لسان العرب» (٦٦٢).
(٢) أخرجه مسلم (٤/ ٢٠٩٥)، كتاب «الذكر والدعاء»، باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب، حديث (٨٩/ ٢٧٣٤)، والترمذي (٤/ ٢٦٥)، كتاب «الأطعمة»، باب ما جاء في الحمد على الطعام إذا فرغ منه، حديث (١٨١٦)، والنسائي في «الكبرى» (٤/ ٢٠٢) كتاب «الدعاء بعد الأكل»، باب ثواب الحمد لله، حديث (٦٨٩٩)، وأحمد (٣/ ١٠٠، ١١٧)، وأخرجه أيضا الترمذي في «الشمائل»، رقم (١٩٥)، والبغوي في «شرح السنة» (٣/ ٦٥- بتحقيقنا)، كلهم من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أنس مرفوعا. وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ولا نعرفه إلا من حديث زكريا بن أبي زائدة.
(٣) «المجيد» (ص ٢٧١).
ينظر: «لسان العرب» (٦٦٢).
(٢) أخرجه مسلم (٤/ ٢٠٩٥)، كتاب «الذكر والدعاء»، باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب، حديث (٨٩/ ٢٧٣٤)، والترمذي (٤/ ٢٦٥)، كتاب «الأطعمة»، باب ما جاء في الحمد على الطعام إذا فرغ منه، حديث (١٨١٦)، والنسائي في «الكبرى» (٤/ ٢٠٢) كتاب «الدعاء بعد الأكل»، باب ثواب الحمد لله، حديث (٦٨٩٩)، وأحمد (٣/ ١٠٠، ١١٧)، وأخرجه أيضا الترمذي في «الشمائل»، رقم (١٩٥)، والبغوي في «شرح السنة» (٣/ ٦٥- بتحقيقنا)، كلهم من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أنس مرفوعا. وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ولا نعرفه إلا من حديث زكريا بن أبي زائدة.
(٣) «المجيد» (ص ٢٧١).
249
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ
ﰼ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ
ﰽ
ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ
ﰾ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ
ﰿ
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦١ الى ٦٤]
وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤)وقوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ... الآيةَ: كان هذا القول منهم في التيه حينَ ملُّوا المَنَّ والسلوى، وتذكَّروا عيشهم الأول بمصْرَ، قال ابنُ عَبَّاس وأكثر المفسِّرين: الفُومُ: الحِنْطَة «١»، وقال قتادة، وعطاء: الفوم: جميع الحبوب التي يمكن أن تختبز «٢»، وقال الضحَّاك: الفوم: الثُّوم، وهي قراءة عبد اللَّه بن مسعود، وروي ذلك عن ابن عبَّاس «٣»، والثاء تُبْدَلُ من الفاءِ كما قالوا: مَغَاثِيرُ ومَغَافِير «٤».
ت: قال أحمد بن نصر الدَّاوُوديُّ: وهذا القولُ أشبه لما ذكر معه، أي: من العَدَسِ والبَصَلِ. انتهى.
وأَدْنى: قال عليُّ بن سليمان الأخْفَشُ «٥». مأخوذٌ من الدّنيء البيّن الدناءة بمعنى:
(١) أخرجه الطبري (١/ ٣٥٢) برقم (١٠٧٦) قال أحمد شاكر: «ابن كريب» ضعيف، وقد بين القول في ضعفه في «شرح المسند» (٢٥٧١). وأبوه كريب بن أبي مسلم «تابعي ثقة». اهـ.
وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٤١)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. [.....]
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٥١) برقم (١٠٧١) عن قتادة.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٤١) عن ابن عباس بنحوه، وعزاه لابن أبي حاتم. وذكره في موضع آخر عن ابن عباس بلفظ «قراءتي قراءة زيد، وأنا آخذ ببضعة عشر حرفا من قراءة ابن مسعود هذا أحدها: «من بقلها وقثائها وثومها» وعزاه في هذا الموضوع لابن أبي داود.
(٤) المغافير: صمغ شبيه بالناطف ينضحه العرفط والرمث. الواحد مغفور ومغثور.
ينظر: «لسان العرب» (٣٢٧٥).
(٥) علي بن سليمان بن الفضل، أبو المحاسن، المعروف ب «الأخفش الأصغر» : نحوي، من العلماء. من أهل بغداد، أقام ب «مصر» سنة (٢٨٧- ٣٠٠ هـ.)، وخرج إلى «حلب»، ثم عاد إلى «بغداد»، وتوفي بها وهو ابن ٨٠ سنة. له تصانيف، منها: «شرح سيبويه»، و «الأنواء»، و «المهذب»، وكان ابن الرومي مكثرا من هجوه. توفي سنة (٣١٥ هـ.).
انظر: «بغية الوعاة» (٣٣٨)، و «وفيات الأعيان» (١: ٣٣٢)، و «الأعلام» (٤/ ٢٩١).
وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٤١)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. [.....]
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٥١) برقم (١٠٧١) عن قتادة.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٤١) عن ابن عباس بنحوه، وعزاه لابن أبي حاتم. وذكره في موضع آخر عن ابن عباس بلفظ «قراءتي قراءة زيد، وأنا آخذ ببضعة عشر حرفا من قراءة ابن مسعود هذا أحدها: «من بقلها وقثائها وثومها» وعزاه في هذا الموضوع لابن أبي داود.
(٤) المغافير: صمغ شبيه بالناطف ينضحه العرفط والرمث. الواحد مغفور ومغثور.
ينظر: «لسان العرب» (٣٢٧٥).
(٥) علي بن سليمان بن الفضل، أبو المحاسن، المعروف ب «الأخفش الأصغر» : نحوي، من العلماء. من أهل بغداد، أقام ب «مصر» سنة (٢٨٧- ٣٠٠ هـ.)، وخرج إلى «حلب»، ثم عاد إلى «بغداد»، وتوفي بها وهو ابن ٨٠ سنة. له تصانيف، منها: «شرح سيبويه»، و «الأنواء»، و «المهذب»، وكان ابن الرومي مكثرا من هجوه. توفي سنة (٣١٥ هـ.).
انظر: «بغية الوعاة» (٣٣٨)، و «وفيات الأعيان» (١: ٣٣٢)، و «الأعلام» (٤/ ٢٩١).
250
الأَخَسِّ، إلا أنه خُفِّفَت همزته، وقال غيره: هو مأخوذ من الدُّون، أي: الأحط فأصله أَدْوَن، ومعنى الآية: أَتَسْتَبْدِلُونَ البَقْلَ، والْقِثَّاءَ، والفُومَ، وَالعَدَسَ، والبَصَلَ الَّتي هى أدنى بالمَنِّ والسلْوَى الذي هو خيرٌ.
وجمهور النَّاس يقرءون «مِصْراً» بالتنوين «١»، قال مجاهدٌ وغيره: أراد مِصْراً من الأمصار غير معيَّن «٢»، واستدلُّوا بما اقتضاه القرآن من أمرهم بدخول القرية، وبما تظاهَرَتْ به الرواياتُ أنهم سكنوا الشَّام بعد التيه، وقالت طائفة: أراد مِصْرَ فِرْعَونَ بعينها، واستدلوا بما في القرآن من أنَّ اللَّه أورَثَ بني إسْرائيل ديار آل فرعون وآثارهم، قال في «مختصر الطبريِّ» : وعلى أن المراد مصْر التي خرجُوا منها، فالمعنى: إنَّ الذي تطلُبُونَ كان في البَلَد الَّذي كان فيه عذابُكُم، واستعبادكم، وأسْركم، ثمَّ قال: والأظهر أنهم مُذْ خرجوا من مصْر، لم يرجعوا إليها، واللَّه أعلم. انتهى.
وقوله تعالى: فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ يقتضي أنه وكلهم إلى أنفسهم، ووَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ «٣» معناه: الزموها كما قالت العرب: ضربة لازب، وَباؤُ بِغَضَبٍ: معناه: مروا متحمِّلين له، قال الطبري: باءوا به، أي: رجعوا به، واحتملوه، ولا بد أن يوصل بَاءَ بخير أو بشرٍّ. انتهى.
وقوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ الأشارة ب ذلِكَ إلى ضرب الذلَّة وما بعدهُ، وقوله تعالى: بِغَيْرِ الْحَقِّ تعظيم
وجمهور النَّاس يقرءون «مِصْراً» بالتنوين «١»، قال مجاهدٌ وغيره: أراد مِصْراً من الأمصار غير معيَّن «٢»، واستدلُّوا بما اقتضاه القرآن من أمرهم بدخول القرية، وبما تظاهَرَتْ به الرواياتُ أنهم سكنوا الشَّام بعد التيه، وقالت طائفة: أراد مِصْرَ فِرْعَونَ بعينها، واستدلوا بما في القرآن من أنَّ اللَّه أورَثَ بني إسْرائيل ديار آل فرعون وآثارهم، قال في «مختصر الطبريِّ» : وعلى أن المراد مصْر التي خرجُوا منها، فالمعنى: إنَّ الذي تطلُبُونَ كان في البَلَد الَّذي كان فيه عذابُكُم، واستعبادكم، وأسْركم، ثمَّ قال: والأظهر أنهم مُذْ خرجوا من مصْر، لم يرجعوا إليها، واللَّه أعلم. انتهى.
وقوله تعالى: فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ يقتضي أنه وكلهم إلى أنفسهم، ووَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ «٣» معناه: الزموها كما قالت العرب: ضربة لازب، وَباؤُ بِغَضَبٍ: معناه: مروا متحمِّلين له، قال الطبري: باءوا به، أي: رجعوا به، واحتملوه، ولا بد أن يوصل بَاءَ بخير أو بشرٍّ. انتهى.
وقوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ الأشارة ب ذلِكَ إلى ضرب الذلَّة وما بعدهُ، وقوله تعالى: بِغَيْرِ الْحَقِّ تعظيم
(١) وقرأ «مصر» بغير تنوين في هذه الآية الأعمش، كما في مختصر الشواذ لابن خالويه (ص ١٤).
كما قرأ بها طلحة بن مصرف والحسن وأبان بن تغلب، وقيل: هي كذلك في مصحف أبي بن كعب ومصحف عبد الله وبعض مصحاف عثمان. كما في «البحر المحيط» (١/ ٣٩٦- ٣٩٧)، و «الدر المصون» (١/ ٢٤١).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٥٤) برقم (١٠٨٥) بلفظ: «مصرا من الأمصار، زعموا أنهم لم يرجعوا إلى مصر» اهـ.
(٣) قوله تعالى: الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ يعني: فقر النفس. قال السمين الحلبي: والمراد بها هنا الجزية والصغار. «عمدة الحفاظ» (٢/ ٢٣٩). وقال الحسن وقتادة: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ هي أنهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون، وقال عطاء بن السائب: هي الكستينج (لبس اليهود) وزي اليهودية، والْمَسْكَنَةُ: زي الفقر، فترى المثرى منهم يتباءس مخافة أن يضاعف عليه الجزية، ولا يوجد يهودي غني النفس.
ينظر: «الوسيط» (١/ ١٤٧)، و «الطبري» (٢/ ١٣٧)، و «البغوي» (١/ ٦٦)، و «ابن كثير» (١/ ١٠٢)، و «الدر المنثور» (١/ ٧٣).
كما قرأ بها طلحة بن مصرف والحسن وأبان بن تغلب، وقيل: هي كذلك في مصحف أبي بن كعب ومصحف عبد الله وبعض مصحاف عثمان. كما في «البحر المحيط» (١/ ٣٩٦- ٣٩٧)، و «الدر المصون» (١/ ٢٤١).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٥٤) برقم (١٠٨٥) بلفظ: «مصرا من الأمصار، زعموا أنهم لم يرجعوا إلى مصر» اهـ.
(٣) قوله تعالى: الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ يعني: فقر النفس. قال السمين الحلبي: والمراد بها هنا الجزية والصغار. «عمدة الحفاظ» (٢/ ٢٣٩). وقال الحسن وقتادة: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ هي أنهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون، وقال عطاء بن السائب: هي الكستينج (لبس اليهود) وزي اليهودية، والْمَسْكَنَةُ: زي الفقر، فترى المثرى منهم يتباءس مخافة أن يضاعف عليه الجزية، ولا يوجد يهودي غني النفس.
ينظر: «الوسيط» (١/ ١٤٧)، و «الطبري» (٢/ ١٣٧)، و «البغوي» (١/ ٦٦)، و «ابن كثير» (١/ ١٠٢)، و «الدر المنثور» (١/ ٧٣).
251
للشنعة «١»، والذَّنْب، ولم يجرم نبيٌّ قطُّ ما يوجبُ قتله، وإنما التسليطُ عليهم بالقَتْل كرامةٌ لهم، وزيادةٌ لهم في منازلهم صلى اللَّه عليهمْ كَمَثَلِ مَنْ يُقْتَلُ في سبيلِ اللَّهِ من المؤمنين، والباء في «بِمَا» باء السبب.
ويَعْتَدُونَ: معناه: يتجاوزون الحُدُود، والاعتداء هو تجاوُزُ الحدِّ.
وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ... الآية.
اختلف في المراد ب الَّذِينَ آمَنُوا في هذه الآية.
فقالت فرقة: الذين آمنوا هم المؤمنون حقّا بنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلم، وقوله: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ يكون فيهم بمعنى مَنْ ثَبَتَ ودَامَ، وفي سائر الفرق: بمعنى: مَنْ دخَلَ فيه، وقال السُّدِّيُّ: هم أهل الحنيفيَّة ممَّن لم يلحق محمّدا صلّى الله عليه وسلم، والذين هَادُوا، ومن عطف عليهم كذلك ممَّن لم يلحق محمّدا صلّى الله عليه وسلم، وَالَّذِينَ هادُوا هم اليهودُ، وسُمُّوا بذلك لقولهم:
هُدْنا إِلَيْكَ [الأعراف: ١٥٦]، أي: تبنا، وَالنَّصارى لفظةٌ مشتقَّة من/ النَّصْرِ.
قال ص «٢» : وَالصَّابِئِينَ: قرأ الأكثر بالهمز صَبَأَ النَّجْمُ، والسِّنُّ، إِذا خرج، أي: خَرَجُوا من دينٍ مشهورٍ إِلى غيره، وقرأ نافع «٣» بغير همز، فيحتمل أن يكون من المهموز المُسَهَّل، فيكون بمعنى الأول، ويحتمل أن يكون مِنْ صَبَا غيْرَ مهموزٍ، أي: مَالَ ومنه: [الهزج]
إلى هِنْدٍ صَبَا قَلْبِي... وهند مثلها يصبي «٤»
انتهى.
قال ع «٥» : والصّابئ في اللغة: من خرج من دين إلى دين.
وأما المشار إليهم في قوله تعالى: وَالصَّابِئِينَ فقال السديُّ: هم فرقة من أهل
ويَعْتَدُونَ: معناه: يتجاوزون الحُدُود، والاعتداء هو تجاوُزُ الحدِّ.
وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ... الآية.
اختلف في المراد ب الَّذِينَ آمَنُوا في هذه الآية.
فقالت فرقة: الذين آمنوا هم المؤمنون حقّا بنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلم، وقوله: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ يكون فيهم بمعنى مَنْ ثَبَتَ ودَامَ، وفي سائر الفرق: بمعنى: مَنْ دخَلَ فيه، وقال السُّدِّيُّ: هم أهل الحنيفيَّة ممَّن لم يلحق محمّدا صلّى الله عليه وسلم، والذين هَادُوا، ومن عطف عليهم كذلك ممَّن لم يلحق محمّدا صلّى الله عليه وسلم، وَالَّذِينَ هادُوا هم اليهودُ، وسُمُّوا بذلك لقولهم:
هُدْنا إِلَيْكَ [الأعراف: ١٥٦]، أي: تبنا، وَالنَّصارى لفظةٌ مشتقَّة من/ النَّصْرِ.
قال ص «٢» : وَالصَّابِئِينَ: قرأ الأكثر بالهمز صَبَأَ النَّجْمُ، والسِّنُّ، إِذا خرج، أي: خَرَجُوا من دينٍ مشهورٍ إِلى غيره، وقرأ نافع «٣» بغير همز، فيحتمل أن يكون من المهموز المُسَهَّل، فيكون بمعنى الأول، ويحتمل أن يكون مِنْ صَبَا غيْرَ مهموزٍ، أي: مَالَ ومنه: [الهزج]
إلى هِنْدٍ صَبَا قَلْبِي... وهند مثلها يصبي «٤»
انتهى.
قال ع «٥» : والصّابئ في اللغة: من خرج من دين إلى دين.
وأما المشار إليهم في قوله تعالى: وَالصَّابِئِينَ فقال السديُّ: هم فرقة من أهل
(١) الشّنعة: الاسم من الشناعة، وشنع الأمر أو الشيء شناعة وشنعا وشنعا وشنوعا: قبح.
ينظر: «لسان العرب» (٢٣٣٩).
(٢) «المجيد» (ص ٢٨٠).
(٣) ينظر: «السبعة» (١٥٧)، و «الحجة للقراء السبعة» (٢/ ٩٤)، و «حجة القراءات» (١٠٠)، و «شرح شعلة» (٢٦٥)، و «إتحاف فضلاء البشر» (١/ ٣٩٦).
(٤) البيت لزيد بن ضبة، وهي في «اللسان» صبا.
(٥) «المحرر الوجيز» (١/ ١٥٧).
ينظر: «لسان العرب» (٢٣٣٩).
(٢) «المجيد» (ص ٢٨٠).
(٣) ينظر: «السبعة» (١٥٧)، و «الحجة للقراء السبعة» (٢/ ٩٤)، و «حجة القراءات» (١٠٠)، و «شرح شعلة» (٢٦٥)، و «إتحاف فضلاء البشر» (١/ ٣٩٦).
(٤) البيت لزيد بن ضبة، وهي في «اللسان» صبا.
(٥) «المحرر الوجيز» (١/ ١٥٧).
252
الكتاب «١»، وقال مجاهد: هم قوم لا دِينَ لهم «٢»، وقال ابنُ جْرَيْج «٣» : هم قوم تركب دينهم بين اليهوديَّة والمجوسيَّة «٤»، وقال ابنُ زَيْد: هم قومٌ يقولون لا إله إلا اللَّه، وليس لهم عمل ولا كتابٌ كانوا بجزيرةِ المَوْصِلِ «٥»، وقال الحسنُ بْنُ أبي الحسن، وقتادة: هم قوم يعبدون الملائكةَ، ويصلُّون الخمْسَ إلى القبلة، ويقرءون الزَّبُور رَآهُمْ زيادُ بن أبي سفيان «٦»، فأراد وضع الجزْيَة عنْهم حتَّى عُرِّفَ أنهم يعبدون الملائكَةَ «٧».
وقوله تعالى: وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ... الآية: الطُّورَ: اسم الجبلِ الَّذي نُوجِيَ موسى عليه السلام عليه. قاله ابنُ عبَّاس «٨»، وقال مجاهدٌ وغيره: الطُّورَ: اسمٌ لكلِّ جبلٍ «٩»، وقصص هذه الآية أنَّ موسى عليه السلام، لما جاء إلى بني إسرائيل من عنْد اللَّه تعالى بالألواح، فيها التوراة، قال لهم: خُذُوهَا، والتزموها، فقَالُوا: لا، إِلاَّ أنْ يكلَّمنا اللَّهُ بهَا كما كلَّمك، فصُعِقُوا، ثم أُحْيُوا، فقال لهم: خُذُوها، فقالوا: لاَ، فأمر اللَّه الملائكَةَ، فاقتلعت جَبَلاً من جبالِ فِلَسْطِينَ «١٠» طولُه فَرْسَخٌ في مثله، وكذلك كان
وقوله تعالى: وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ... الآية: الطُّورَ: اسم الجبلِ الَّذي نُوجِيَ موسى عليه السلام عليه. قاله ابنُ عبَّاس «٨»، وقال مجاهدٌ وغيره: الطُّورَ: اسمٌ لكلِّ جبلٍ «٩»، وقصص هذه الآية أنَّ موسى عليه السلام، لما جاء إلى بني إسرائيل من عنْد اللَّه تعالى بالألواح، فيها التوراة، قال لهم: خُذُوهَا، والتزموها، فقَالُوا: لا، إِلاَّ أنْ يكلَّمنا اللَّهُ بهَا كما كلَّمك، فصُعِقُوا، ثم أُحْيُوا، فقال لهم: خُذُوها، فقالوا: لاَ، فأمر اللَّه الملائكَةَ، فاقتلعت جَبَلاً من جبالِ فِلَسْطِينَ «١٠» طولُه فَرْسَخٌ في مثله، وكذلك كان
(١) أخرجه الطبري (١/ ٣٦١) برقم (١١١٢)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٤٦)، وعزاه لوكيع.
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٦٠) برقم (١١٠١) بنحوه، وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» (١/ ٤٧)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٤٥)، وعزاه لوكيع، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم. [.....]
(٣) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي، مولاهم، أبو الوليد، وأبو خالد المكي، الفقيه، أحد الأعلام. عن ابن أبي مليكة، وعكرمة مرسلا، وعن طاوس مسألة، ومجاهد، ونافع، وخلق، وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري أكبر منه، والأوزاعي، والسفيانان، وخلق. قال أبو نعيم: مات سنة خمسين ومائة.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ١٢)، «تهذيب التهذيب» (٦/ ٤٠٢)، «تهذيب الكمال» (٢/ ١٧٨)، «الكاشف» (٢/ ٢١٠)، «الثقات» (٧/ ٩٣).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ٣٦٠) برقم (١١٠٧).
(٥) أخرجه الطبري (١/ ٣٦٠) برقم (١١٠٨).
(٦) زياد بن أبيه، وأبيه أبو سفيان، أمير من الدهاة، القادة الفاتحين، الولاة من أهل «الطائف» أدرك النبي صلّى الله عليه وسلم ولم يره، وأسلم في عهد أبي بكر، ولد في (اهـ.) قال الشعبي: ما رأيت أحدا أخطب من زياد، توفي في (٥٣ هـ.)
ينظر: «ميزان الاعتدال» (١: ٣٥٥)، «الأعلام» (٣/ ٥٣).
(٧) أخرجه الطبري (١/ ٣٦١) برقم (١١٠٩)، (١١١٠) عن الحسن وقتادة.
(٨) أخرجه الطبري (١/ ٣٦٦- ٣٦٧) برقم (١١٢٥).
(٩) أخرجه الطبري (١/ ٣٦٦) برقم (١١١٨)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٤٦)، وعزاه للفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(١٠) فلسطين: آخر كور «الشام» من ناحية «مصر»، قصبتها «بيت المقدس»، ومن مشهور مدنها «عسقلان»، -
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٦٠) برقم (١١٠١) بنحوه، وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» (١/ ٤٧)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٤٥)، وعزاه لوكيع، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم. [.....]
(٣) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي، مولاهم، أبو الوليد، وأبو خالد المكي، الفقيه، أحد الأعلام. عن ابن أبي مليكة، وعكرمة مرسلا، وعن طاوس مسألة، ومجاهد، ونافع، وخلق، وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري أكبر منه، والأوزاعي، والسفيانان، وخلق. قال أبو نعيم: مات سنة خمسين ومائة.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ١٢)، «تهذيب التهذيب» (٦/ ٤٠٢)، «تهذيب الكمال» (٢/ ١٧٨)، «الكاشف» (٢/ ٢١٠)، «الثقات» (٧/ ٩٣).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ٣٦٠) برقم (١١٠٧).
(٥) أخرجه الطبري (١/ ٣٦٠) برقم (١١٠٨).
(٦) زياد بن أبيه، وأبيه أبو سفيان، أمير من الدهاة، القادة الفاتحين، الولاة من أهل «الطائف» أدرك النبي صلّى الله عليه وسلم ولم يره، وأسلم في عهد أبي بكر، ولد في (اهـ.) قال الشعبي: ما رأيت أحدا أخطب من زياد، توفي في (٥٣ هـ.)
ينظر: «ميزان الاعتدال» (١: ٣٥٥)، «الأعلام» (٣/ ٥٣).
(٧) أخرجه الطبري (١/ ٣٦١) برقم (١١٠٩)، (١١١٠) عن الحسن وقتادة.
(٨) أخرجه الطبري (١/ ٣٦٦- ٣٦٧) برقم (١١٢٥).
(٩) أخرجه الطبري (١/ ٣٦٦) برقم (١١١٨)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٤٦)، وعزاه للفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(١٠) فلسطين: آخر كور «الشام» من ناحية «مصر»، قصبتها «بيت المقدس»، ومن مشهور مدنها «عسقلان»، -
253
عسْكَرهم، فجعل عليهم مثْلَ الظُّلَّة، وأخرج اللَّه تعالى البَحْرَ من ورائهم، وأضرم نَاراً من بين أيديهم، فأحاط بهم غضبه، وقيل لهم: خذوها، وعليكُم الميثَاقُ، ولا تضيِّعوها، وإِلا سقط علَيْكم الجبَلُ، وأغرقكم البَحْر، وأحرقتكم النارُ، فَسَجَدُوا توبةً للَّه سبحانه، وأخذوا التوراةَ بالميثاقِ، قال الطبريُّ عن بعض العلماء: لو أخذوها أوَّلَ مرَّة، لم يكُنْ عليهم ميثاقٌ، وكانت سجدتهم على شِقٍّ لأنهم كانوا يرقبون الجَبَل خوْفاً، فلما رحمهم اللَّه سبحانه، قالوا: لا سجدَةَ أفضلُ من سَجْدة تقبَّلها اللَّه، ورَحِمَ بها، فأَمَرُّوا سجودَهم على شِقٍّ واحدٍ.
قال ع «١» : والذي لا يصحُّ سواه أن اللَّه تعالى اخترع وقْتَ سجودهم الإِيمان في قلوبهم، لا أنهم آمنوا كُرْهاً، وقلوبهم غيرُ مطمئنة، قال: وقد اختصرْتُ ما سرد في قصصِ هذه الآية، وقصدت أَصَحَّهُ الذي تقتضيه ألفاظُ الآية، وخلط بعْضُ الناس صَعْقَةَ هذه القصَّة بصَعْقة السبعين.
وبِقُوَّةٍ: قال ابن عباس: معناه: بجِدٍّ واجتهاد «٢».
وقال ابن زيد: معناه: بتصديق وتحقيق «٣».
وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ، أي: تدبُّروه واحْفَظُوا أوامره ووعيدَهُ، ولا تنسوه، ولا تضيِّعوه.
وقوله تعالى: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ... الآية: تولَّى: أصله الإِعراض والإِدبار عن الشيء بالجِسْمِ، ثم استعمل في الإعراض عن الأمورِ، والأديانِ، والمعتقداتِ اتِّساعاً ومجازاً، وتَوَلِّيهِمْ من بعد ذلك: إما بالمعاصِي، فكان فضل اللَّه بالتوبة والإِمهال إِلَيْها، وإما أن يكون تَوَلِّيهم بالكُفْر، فلم يعاجلْهم سبحانه بالهَلاَكِ لِيَكُونَ من ذرِّيَّتهم من يؤمن.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٥ الى ٦٦]
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦)
قال ع «١» : والذي لا يصحُّ سواه أن اللَّه تعالى اخترع وقْتَ سجودهم الإِيمان في قلوبهم، لا أنهم آمنوا كُرْهاً، وقلوبهم غيرُ مطمئنة، قال: وقد اختصرْتُ ما سرد في قصصِ هذه الآية، وقصدت أَصَحَّهُ الذي تقتضيه ألفاظُ الآية، وخلط بعْضُ الناس صَعْقَةَ هذه القصَّة بصَعْقة السبعين.
وبِقُوَّةٍ: قال ابن عباس: معناه: بجِدٍّ واجتهاد «٢».
وقال ابن زيد: معناه: بتصديق وتحقيق «٣».
وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ، أي: تدبُّروه واحْفَظُوا أوامره ووعيدَهُ، ولا تنسوه، ولا تضيِّعوه.
وقوله تعالى: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ... الآية: تولَّى: أصله الإِعراض والإِدبار عن الشيء بالجِسْمِ، ثم استعمل في الإعراض عن الأمورِ، والأديانِ، والمعتقداتِ اتِّساعاً ومجازاً، وتَوَلِّيهِمْ من بعد ذلك: إما بالمعاصِي، فكان فضل اللَّه بالتوبة والإِمهال إِلَيْها، وإما أن يكون تَوَلِّيهم بالكُفْر، فلم يعاجلْهم سبحانه بالهَلاَكِ لِيَكُونَ من ذرِّيَّتهم من يؤمن.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٥ الى ٦٦]
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦)
- و «الرملة»، و «غزة»، و «أرسوف»، و «قيسارية»، و «نابلس»، و «أريحا»، و «عمان» و «يافا»، و «بيت جبرين»، وهي أول أجناد «الشام»، أولها من ناحية الغرب «رفح» وآخرها «اللجون» من ناحية الغور.
ينظر: «مراصد الاطلاع» (٣/ ١٠٤٢).
(١) «المحرر الوجيز» (١/ ١٥٩).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٦٧) برقم (١١٣١) عن السدي، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٤٦) وعزاه لابن جرير.
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٣٦٨) برقم (١١٣٢) بلفظ: «خذوا الكتاب الذي جاء به موسى بصدق وبحق».
ينظر: «مراصد الاطلاع» (٣/ ١٠٤٢).
(١) «المحرر الوجيز» (١/ ١٥٩).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٦٧) برقم (١١٣١) عن السدي، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٤٦) وعزاه لابن جرير.
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٣٦٨) برقم (١١٣٢) بلفظ: «خذوا الكتاب الذي جاء به موسى بصدق وبحق».
254
وقوله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ... الآية: علمتمْ:
معناه: عرفتم، والسَّبْتُ مأْخوذٌ من السُّبُوت الَّذِي هو الراحةُ والدَّعَة، وإِما من السبت، وهو القَطْع لأن الأشياء فيه سَبَتَتْ وتمَّت خِلْقَتُها، وقصَّة اعتدائهم فيه/ أن الله عز وجلّ أمر ٢٣ ب موسى عليه السلام بيَوْمِ الجُمُعَةِ، وعرَّفه فَضْلَه، كما أمر به سائر الأنبياءِ صلواتُ اللَّه عَلَيْهِمْ، فذكر موسى ذلك لبني إِسرائيل عن اللَّه سبحانه، وأمرهم بالتشرُّع فيه، فأبوا وتعدَّوْه إلى يوم السَّبْت، فأوحى اللَّه إلى موسى أنْ دَعْهم، وما اختاروا من ذلك، وامتحنهم بأنْ أمرهم بترك العَمَل فيه، وحرَّم عليهم صَيْدَ الحِيتَانِ، وشدَّد عليهم المِحْنَة بأن كانت الحِيتَانُ تأتي يوم السبْتِ حتى تخرج إلى الأفنية، قاله الحسن بن أبي الحسن.
وقيل حتى تخرج خراطيمُهَا من الماء، وذلك إِما بإِلهامٍ من اللَّه تعالى، أو بأمر لا يعلَّل، وإما بأن ألهمها معنى الأَمَنَةِ التي في اليومِ، مع تكراره كما فَهِمَ حمام مَكَّة الأَمَنَةَ، وكان أمر بني إِسرائيل بِأَيْلَةَ «١» على البحْر، فَإِذا ذهب السَّبْت، ذهبت الحيتان، فلم تظهر إلى السبت الآخر، فبقُوا على ذلك زماناً حتى اشْتَهَوُا الحُوتَ، فعَمَدَ رجُلٌ يوم السبْتِ، فربط حوتاً بخزمة «٢»، وضرب له وَتِداً بالساحل، فلما ذهب السَّبْتُ، جاء، فأخذه، فسَمِع قومٌ بفعْلِهِ، فصنعوا مثْلَ ما صنع.
وقيل: بل حفر رجُلٌ في غير السَّبْت حَفِيراً يخرج إِلَيْه البحر، فإِذا كان يوم السبت، خرج الحوت، وحصل في الحفير، فإذا جزر البحر، ذهب الماء من طريق الحفير، وبقي الحوت، فجاء بعد السبت، فأخذه، ففعل قوم مثل فعله، وكثر ذلك حتى صادره يوم السبت علانيةً، وباعوه في الأسواقِ، فكان هذا من أعظم الاعتداء، وكانت من بني إِسرائيل فرقةٌ نهَتْ عن ذلك، فنجَتْ من العقوبة، وكانت منهم فرقةٌ لم تَعْصِ، ولم تَنْهَ، فقيل:
نجت مع الناهين، وقيل: هلَكَتْ مع العاصين.
وكُونُوا: لفظةُ أمر، وهو أمر التكوينِ كقوله تعالى لكُلِّ شَيْءٍ: كُنْ فَيَكُونُ [يس: ٨٢] قال ابن الحاجب «٣»
معناه: عرفتم، والسَّبْتُ مأْخوذٌ من السُّبُوت الَّذِي هو الراحةُ والدَّعَة، وإِما من السبت، وهو القَطْع لأن الأشياء فيه سَبَتَتْ وتمَّت خِلْقَتُها، وقصَّة اعتدائهم فيه/ أن الله عز وجلّ أمر ٢٣ ب موسى عليه السلام بيَوْمِ الجُمُعَةِ، وعرَّفه فَضْلَه، كما أمر به سائر الأنبياءِ صلواتُ اللَّه عَلَيْهِمْ، فذكر موسى ذلك لبني إِسرائيل عن اللَّه سبحانه، وأمرهم بالتشرُّع فيه، فأبوا وتعدَّوْه إلى يوم السَّبْت، فأوحى اللَّه إلى موسى أنْ دَعْهم، وما اختاروا من ذلك، وامتحنهم بأنْ أمرهم بترك العَمَل فيه، وحرَّم عليهم صَيْدَ الحِيتَانِ، وشدَّد عليهم المِحْنَة بأن كانت الحِيتَانُ تأتي يوم السبْتِ حتى تخرج إلى الأفنية، قاله الحسن بن أبي الحسن.
وقيل حتى تخرج خراطيمُهَا من الماء، وذلك إِما بإِلهامٍ من اللَّه تعالى، أو بأمر لا يعلَّل، وإما بأن ألهمها معنى الأَمَنَةِ التي في اليومِ، مع تكراره كما فَهِمَ حمام مَكَّة الأَمَنَةَ، وكان أمر بني إِسرائيل بِأَيْلَةَ «١» على البحْر، فَإِذا ذهب السَّبْت، ذهبت الحيتان، فلم تظهر إلى السبت الآخر، فبقُوا على ذلك زماناً حتى اشْتَهَوُا الحُوتَ، فعَمَدَ رجُلٌ يوم السبْتِ، فربط حوتاً بخزمة «٢»، وضرب له وَتِداً بالساحل، فلما ذهب السَّبْتُ، جاء، فأخذه، فسَمِع قومٌ بفعْلِهِ، فصنعوا مثْلَ ما صنع.
وقيل: بل حفر رجُلٌ في غير السَّبْت حَفِيراً يخرج إِلَيْه البحر، فإِذا كان يوم السبت، خرج الحوت، وحصل في الحفير، فإذا جزر البحر، ذهب الماء من طريق الحفير، وبقي الحوت، فجاء بعد السبت، فأخذه، ففعل قوم مثل فعله، وكثر ذلك حتى صادره يوم السبت علانيةً، وباعوه في الأسواقِ، فكان هذا من أعظم الاعتداء، وكانت من بني إِسرائيل فرقةٌ نهَتْ عن ذلك، فنجَتْ من العقوبة، وكانت منهم فرقةٌ لم تَعْصِ، ولم تَنْهَ، فقيل:
نجت مع الناهين، وقيل: هلَكَتْ مع العاصين.
وكُونُوا: لفظةُ أمر، وهو أمر التكوينِ كقوله تعالى لكُلِّ شَيْءٍ: كُنْ فَيَكُونُ [يس: ٨٢] قال ابن الحاجب «٣»
(١) أيلة: مدينة على ساحل بحر «القلزم» مما يلي «الشام». قيل: هي آخر الحجاز وأول «الشام». وهي مدينة اليهود، الذين اعتدوا في السبت. ينظر: «مراصد الاطلاع» (١/ ١٣٨).
(٢) الخزم: شجر له ليف تتخذ من لحائه الحبال، الواحدة خزمة.
ينظر: «لسان العرب» (١١٥٣). [.....]
(٣) عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، أبو عمرو، جمال الدين ابن الحاجب: فقيه مالكي، من كبار-
(٢) الخزم: شجر له ليف تتخذ من لحائه الحبال، الواحدة خزمة.
ينظر: «لسان العرب» (١١٥٣). [.....]
(٣) عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، أبو عمرو، جمال الدين ابن الحاجب: فقيه مالكي، من كبار-
255
في مختصره الكَبِيرِ المسمى ب «منتهى الوُصُولِ» «١» : صيغةُ: افعل، وما في معناها قد صَحَّ إِطلاقها بإزاء خمسةَ عَشَرَ محملاً.
الوجوبُ: أَقِمِ الصَّلاةَ [الإسراء: ٧٨] والنَّدْبُ: فَكاتِبُوهُمْ [النور: ٣٣].
والإِرشادُ: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ [البقرة: ٢٨٢] والإِباحةُ: فَاصْطادُوا [المائدة: ٢].
والتأديب: «كُلْ مِمَّا يَلِيكَ». والامتنانُ: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [الأنعام: ١٤٢].
والإِكرامُ: ادْخُلُوها بِسَلامٍ [ق: ٣٤] والتَّهديد: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [فصلت: ٤٠] والإِنذار: تَمَتَّعُوا [إبراهيم: ٣٠] والتسخيرُ: كُونُوا قِرَدَةً [الأعراف: ١٦٦] والإِهانة:
كُونُوا حِجارَةً [الإسراء: ٥٠] والتَّسويةُ: فَاصْبِرُوا أَوْ لاَ تَصْبِرُوا [الطور: ١٦] والدعاءُ:
اغْفِرْ لَنا [آل عمران: ١٤٧] والتمنِّي: [الطويل] :
... أَلاَ انجلي... «٢»
وكمالُ القدرة: كُنْ فَيَكُونُ [يس: ٨٢]. انتهى.
وزاد غيره كونها للتعجيزِ، أعني: صيغةَ «افعل».
قال ابن الحاجِبِ: وقد اتفق على أنها مجازٌ فيما عَدَا الوُجُوبَ والنَّدْبَ والإِباحةَ والتهديدَ، ثم الجمهورُ على أنها حقيقةٌ في الوجوب «٣». انتهى.
الوجوبُ: أَقِمِ الصَّلاةَ [الإسراء: ٧٨] والنَّدْبُ: فَكاتِبُوهُمْ [النور: ٣٣].
والإِرشادُ: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ [البقرة: ٢٨٢] والإِباحةُ: فَاصْطادُوا [المائدة: ٢].
والتأديب: «كُلْ مِمَّا يَلِيكَ». والامتنانُ: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [الأنعام: ١٤٢].
والإِكرامُ: ادْخُلُوها بِسَلامٍ [ق: ٣٤] والتَّهديد: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [فصلت: ٤٠] والإِنذار: تَمَتَّعُوا [إبراهيم: ٣٠] والتسخيرُ: كُونُوا قِرَدَةً [الأعراف: ١٦٦] والإِهانة:
كُونُوا حِجارَةً [الإسراء: ٥٠] والتَّسويةُ: فَاصْبِرُوا أَوْ لاَ تَصْبِرُوا [الطور: ١٦] والدعاءُ:
اغْفِرْ لَنا [آل عمران: ١٤٧] والتمنِّي: [الطويل] :
... أَلاَ انجلي... «٢»
وكمالُ القدرة: كُنْ فَيَكُونُ [يس: ٨٢]. انتهى.
وزاد غيره كونها للتعجيزِ، أعني: صيغةَ «افعل».
قال ابن الحاجِبِ: وقد اتفق على أنها مجازٌ فيما عَدَا الوُجُوبَ والنَّدْبَ والإِباحةَ والتهديدَ، ثم الجمهورُ على أنها حقيقةٌ في الوجوب «٣». انتهى.
- العلماء بالعربية، كردي الأصل. ولد في «أسنا» (من صعيد مصر) ونشأ في «القاهرة»، وسكن «دمشق»، وكان أبوه حاجبا، فعرف به، له تصانيف كثيرة منها: «الكافية» في النحو، و «الشافية» في الصرف. ولد سنة (٥٧٠ هـ.)، وتوفي سنة (٦٤٦ هـ.).
ينظر: «وفيات» (١: ٣١٤)، «الطالع السعيد» (١٨٨)، «مفتاح السعادة» (١: ١١٧)، «غاية النهاية» (١: ٥٠٨)، «الأعلام» (٤/ ٢١١).
(١) ينظر: «البرهان» (١/ ٢١٢)، «المحصول» (١/ ٢/ ٦٢)، «الأحكام» للآمدي (١/ ١٢٢)، «المستصفى» (١/ ٤٢٠)، «التمهيد» للأسنوي (٢٦٩)، «المنخول» (١٠٥)، «شرح العضد» (٢/ ٧٩)، «شرح الكوكب» (٢/ ٤١)، «المعتمد» (١/ ٥٧)، «التبصرة» (٢٧)، «كشف الأسرار» (١/ ١٠٧)، «حاشية البناني» (١/ ٣١٦)، «فواتح الرحموت» (١/ ٣٧٢)، «تيسير التحرير» (١/ ٣٥١)، «أصول السرخسي» (١/ ١٥)، «الوصول إلى الأصول» (١/ ١٣٣)، «تقريب الوصول» (٩٣)، «ميزان الأصول» (١/ ٢١٧).
(٢) البيت لامرىء القيس في ديوانه ص (١٨) و «الأزهية» ص (٢٧١) و «خزانة الأدب» (٢/ ٣٢٦، ٣٢٧) و «سرّ صناعة الإعراب» (٢/ ٥١٣)، و «لسان العرب» (١١/ ٣٦١) (شلل) و «المقاصد النحويّة» (٤/ ٣١٧) وبلا نسبة في «أوضح المسالك» (٤/ ٩٣) و «جواهر الأدب» ص (٧٨) و «رصف المباني» ص (٧٩) و «شرح الأشموني» (٢/ ٤٩٣).
(٣) ولطلب الفعل صيغ مختلفة نوردها فيما يلي:
ينظر: «وفيات» (١: ٣١٤)، «الطالع السعيد» (١٨٨)، «مفتاح السعادة» (١: ١١٧)، «غاية النهاية» (١: ٥٠٨)، «الأعلام» (٤/ ٢١١).
(١) ينظر: «البرهان» (١/ ٢١٢)، «المحصول» (١/ ٢/ ٦٢)، «الأحكام» للآمدي (١/ ١٢٢)، «المستصفى» (١/ ٤٢٠)، «التمهيد» للأسنوي (٢٦٩)، «المنخول» (١٠٥)، «شرح العضد» (٢/ ٧٩)، «شرح الكوكب» (٢/ ٤١)، «المعتمد» (١/ ٥٧)، «التبصرة» (٢٧)، «كشف الأسرار» (١/ ١٠٧)، «حاشية البناني» (١/ ٣١٦)، «فواتح الرحموت» (١/ ٣٧٢)، «تيسير التحرير» (١/ ٣٥١)، «أصول السرخسي» (١/ ١٥)، «الوصول إلى الأصول» (١/ ١٣٣)، «تقريب الوصول» (٩٣)، «ميزان الأصول» (١/ ٢١٧).
(٢) البيت لامرىء القيس في ديوانه ص (١٨) و «الأزهية» ص (٢٧١) و «خزانة الأدب» (٢/ ٣٢٦، ٣٢٧) و «سرّ صناعة الإعراب» (٢/ ٥١٣)، و «لسان العرب» (١١/ ٣٦١) (شلل) و «المقاصد النحويّة» (٤/ ٣١٧) وبلا نسبة في «أوضح المسالك» (٤/ ٩٣) و «جواهر الأدب» ص (٧٨) و «رصف المباني» ص (٧٩) و «شرح الأشموني» (٢/ ٤٩٣).
(٣) ولطلب الفعل صيغ مختلفة نوردها فيما يلي:
256
وخاسِئِينَ: معناه: مُبْعَدِينَ أذلاَّء صاغِرِينَ كما يقال للكَلْب، وللمطْرُود:
اخسأ، وروي في قصصهم أنَّ اللَّه تعالى مسخ العاصِينَ قردَةً في الليل، فأصبح الناجون
اخسأ، وروي في قصصهم أنَّ اللَّه تعالى مسخ العاصِينَ قردَةً في الليل، فأصبح الناجون
- ١- فعل الأمر: وذلك بصيغته المعروفة مثل قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [الحج: ٧٨].
٢- صيغة المضارع المقترن ب «لام الأمر» مثل قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: ١٨٥].
ومثل: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: ٢٩].
ومثل: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق: ٧].
٣- صيغة المصدر القائم مقام فعل الأمر: مثل قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ [المائدة: ٨٩].
ومثل قوله تعالى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ [محمد: ٤].
٤- جملة خبرية يراد بها الطلب: مثل قوله تعالى: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ [البقرة: ٢٣٣].
إذ ليس المراد من هذا النّصّ الإخبار عن حصول الإرضاع من الوالدات لأولادهن، وإنما المراد هو أمر الوالدات بإرضاع أولادهن، وطلب إيجاده منهن.
ومثل قوله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء: ١٤١].
فإن الظاهر من هذه الآية أنها للخبر، وإنما المراد بها أمر المؤمنين ألا يمكّنوا الكافرين من التّجبّر عليهم، والتّكبّر بأية صفة كانت.
ومثل قوله صلّى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشّيخان: «لا تنكح البكر حتّى تستأذن».
وقد اتّفق الأصوليون على أنّ صيغة الأمر تستعمل في مدلولات كثيرة، لكن لا تدلّ على واحد من هذه المدلولات بعينه إلا بقرينة، وهذه المدلولات هي كما ذكرها المصنف رحمه الله.
وقد اختلفت آراء العلماء في تعداد هذه الصّيغ زيادة، ونقصا، وسبب ذلك تداخل هذه الصّيغ مع بعضها، واختلاف وجهات النّظر في المعنى، وفي القرينة الّتي تحدّد وجه الاستعمال.
واتّسعت دائرة الاختلاف بين العلماء والأصوليين فيما يدلّ عليه الأمر حقيقة حيث إنّ دوران الأمر على أوجه كثيرة- كما سبق- لا يدلّ على أنّه حقيقة في كلّ منها.
فإذا ورد أمر من الأوامر في القرآن الكريم، أو في السّنّة النّبويّة، فهل يعتبر هذا الأمر دالّا على الوجوب؟
أم النّدب؟ أم الإباحة؟ أم لمعنى آخر؟
إن خصوصيّة التّعجيز، والتّحقير، والتّسخير... وغير هذه المعاني غير مستفاد من مجرّد صيغة الأمر، بل إنّما تفهم هذه المعاني من القرائن، وعليه فلا خلاف في أنّ صيغة الأمر ليست حقيقيّة في جميع الوجوه السّابقة.
وللعلماء آراء متعدّدة في دلالة الصيغة على الوجوب، أو على الندب، أو على غيرهما، فقد اتفق العلماء على أن صيغة الأمر لا تدلّ على أي معنى من المعاني المتقدمة إلا بقرينة، كما قلنا سابقا.
وقد اختلفوا فيما إذا تجرّدت هذه الصّيغة عن القرينة، فهل تدل على الوجوب؟ أم على النّدب؟ أم على الإباحة؟
المذهب الأوّل: وهو لجمهور العلماء حيث ذهبوا إلى أن صيغة «افعل» تدلّ على الوجوب حقيقة، -
٢- صيغة المضارع المقترن ب «لام الأمر» مثل قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: ١٨٥].
ومثل: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: ٢٩].
ومثل: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق: ٧].
٣- صيغة المصدر القائم مقام فعل الأمر: مثل قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ [المائدة: ٨٩].
ومثل قوله تعالى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ [محمد: ٤].
٤- جملة خبرية يراد بها الطلب: مثل قوله تعالى: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ [البقرة: ٢٣٣].
إذ ليس المراد من هذا النّصّ الإخبار عن حصول الإرضاع من الوالدات لأولادهن، وإنما المراد هو أمر الوالدات بإرضاع أولادهن، وطلب إيجاده منهن.
ومثل قوله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء: ١٤١].
فإن الظاهر من هذه الآية أنها للخبر، وإنما المراد بها أمر المؤمنين ألا يمكّنوا الكافرين من التّجبّر عليهم، والتّكبّر بأية صفة كانت.
ومثل قوله صلّى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشّيخان: «لا تنكح البكر حتّى تستأذن».
وقد اتّفق الأصوليون على أنّ صيغة الأمر تستعمل في مدلولات كثيرة، لكن لا تدلّ على واحد من هذه المدلولات بعينه إلا بقرينة، وهذه المدلولات هي كما ذكرها المصنف رحمه الله.
وقد اختلفت آراء العلماء في تعداد هذه الصّيغ زيادة، ونقصا، وسبب ذلك تداخل هذه الصّيغ مع بعضها، واختلاف وجهات النّظر في المعنى، وفي القرينة الّتي تحدّد وجه الاستعمال.
واتّسعت دائرة الاختلاف بين العلماء والأصوليين فيما يدلّ عليه الأمر حقيقة حيث إنّ دوران الأمر على أوجه كثيرة- كما سبق- لا يدلّ على أنّه حقيقة في كلّ منها.
فإذا ورد أمر من الأوامر في القرآن الكريم، أو في السّنّة النّبويّة، فهل يعتبر هذا الأمر دالّا على الوجوب؟
أم النّدب؟ أم الإباحة؟ أم لمعنى آخر؟
إن خصوصيّة التّعجيز، والتّحقير، والتّسخير... وغير هذه المعاني غير مستفاد من مجرّد صيغة الأمر، بل إنّما تفهم هذه المعاني من القرائن، وعليه فلا خلاف في أنّ صيغة الأمر ليست حقيقيّة في جميع الوجوه السّابقة.
وللعلماء آراء متعدّدة في دلالة الصيغة على الوجوب، أو على الندب، أو على غيرهما، فقد اتفق العلماء على أن صيغة الأمر لا تدلّ على أي معنى من المعاني المتقدمة إلا بقرينة، كما قلنا سابقا.
وقد اختلفوا فيما إذا تجرّدت هذه الصّيغة عن القرينة، فهل تدل على الوجوب؟ أم على النّدب؟ أم على الإباحة؟
المذهب الأوّل: وهو لجمهور العلماء حيث ذهبوا إلى أن صيغة «افعل» تدلّ على الوجوب حقيقة، -
257
إلى مساجِدِهِمْ، ومجتمعاتِهِمْ، فلم يروا أحداً من الهالكينَ، فقالوا: إِن للنَّاس لشأناً، ففتحوا عليهم الأبوابَ لما كانت مغْلَقة باللَّيْل، فوجدوهم قردَةً يعرفون الرجُلَ والمرأة.
وقيل: إن الناجينَ كانُوا قد قسموا بينهم وبين العاصين القريَةَ بجِدَارٍ تَبَرِّياً منهم، فأصبحوا، ولم تفتحْ مدينةُ الهالكين، فتسوَّروا عليهم الجدارَ، فإِذَا هم قردةٌ يثبُ بعضهم ٢٤ أعلى بعض/.
وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وثبت أنَّ المُسُوخَ لا تنسل، ولا تأكل، ولا تشرَبُ، ولا تعيشُ أكثَرَ من ثلاثة أيام «١»، ووقع في كتاب مسلم عنه صلّى الله عليه وسلم «أنّ أمّة من الأمم فقدت، وأراها
وقيل: إن الناجينَ كانُوا قد قسموا بينهم وبين العاصين القريَةَ بجِدَارٍ تَبَرِّياً منهم، فأصبحوا، ولم تفتحْ مدينةُ الهالكين، فتسوَّروا عليهم الجدارَ، فإِذَا هم قردةٌ يثبُ بعضهم ٢٤ أعلى بعض/.
وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وثبت أنَّ المُسُوخَ لا تنسل، ولا تأكل، ولا تشرَبُ، ولا تعيشُ أكثَرَ من ثلاثة أيام «١»، ووقع في كتاب مسلم عنه صلّى الله عليه وسلم «أنّ أمّة من الأمم فقدت، وأراها
- مجازا فيما سواه، أي: في النّدب والإباحة، وسائر المعاني المستعملة فيها الصيغة، وهذا مذهب الشافعي، واختاره ابن الحاجب في «المختصر»، والبيضاويّ في «المنهاج».
المذهب الثّاني: ويعزى لأبي هاشم الجبّائي، وهو وجه عند الشافعية حيث ذهبوا إلى أن صيغة الأمر حقيقة في الندب، مجاز فيما سواه.
المذهب الثّالث: يرى أن صيغة الأمر حقيقة في الإباحة، وهو التخيير بين الفعل والتّرك، فهي لا تدلّ إلا على الجواز حقيقة لأنه هو المتيقن، فعند خلوّه عن القرينة يكون حقيقته في الإباحة، مجازا فيما سواها.
المذهب الرّابع: ويعزى للماتريديّ حيث يرى أن صيغة الأمر حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب، وهو الطّلب لأن كلا من الوجوب والندب طلب، ويزاد قيد الجزم في جانب الوجوب لأنه الطلب الجازم، والندب غير جازم.
المذهب الخامس: وفيه تكون صيغة الأمر مشتركة بين الوجوب والنّدب اشتراكا لفظيّا.
المذهب السّادس: يرى أن صيغة الأمر مشتركة بين الوجوب، والنّدب، والإباحة.
المذهب السّابع: يرى أن صيغة الأمر حقيقة في القدر المشترك بين هذه الأنواع الثلاثة، وهو الإذن. نصّ عليه أبو عمرو بن الحاجب.
المذهب الثّامن: وإليه ذهب القاضي أبو بكر الباقلاني، والغزالي، والآمديّ حيث كانوا يتوقّفون عن القول بأن الصيغة تدلّ على الوجوب، أو على الندب لأن الصيغة استعملت في الوجوب تارة، وفي النّدب أخرى، فقالوا بالتوقّف.
قال الآمديّ: ومنهم من توقّف، وهو مذهب الأشعري (رحمه الله تعالى) ومن تبعه من أصحابه كالقاضي أبي بكر، والغزالي، وغيرهما، وهو الأصح.
المذهب التّاسع: يرى أن صيغة الأمر مشتركة بين الوجوب، والندب، والإباحة، والإرشاد، والتهديد.
وقيل: صيغة الأمر مشتركة بين الوجوب، والنّدب، والتحريم، والكراهة، والإباحة فهي مشتركة بين الأحكام الخمسة، ووجهة دلالة الصيغة على التحريم والكراهة فإنها تستعمل في التّهديد، وهو يستلزم ترك الفعل المهدّد عليه، وهو إما محرم، أو مكروه.
ينظر: «الإحكام» للآمدي (٢/ ٩)، و «التيسير شرح التحرير» (٢/ ٤٩).
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ١٤٧) وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.
المذهب الثّاني: ويعزى لأبي هاشم الجبّائي، وهو وجه عند الشافعية حيث ذهبوا إلى أن صيغة الأمر حقيقة في الندب، مجاز فيما سواه.
المذهب الثّالث: يرى أن صيغة الأمر حقيقة في الإباحة، وهو التخيير بين الفعل والتّرك، فهي لا تدلّ إلا على الجواز حقيقة لأنه هو المتيقن، فعند خلوّه عن القرينة يكون حقيقته في الإباحة، مجازا فيما سواها.
المذهب الرّابع: ويعزى للماتريديّ حيث يرى أن صيغة الأمر حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب، وهو الطّلب لأن كلا من الوجوب والندب طلب، ويزاد قيد الجزم في جانب الوجوب لأنه الطلب الجازم، والندب غير جازم.
المذهب الخامس: وفيه تكون صيغة الأمر مشتركة بين الوجوب والنّدب اشتراكا لفظيّا.
المذهب السّادس: يرى أن صيغة الأمر مشتركة بين الوجوب، والنّدب، والإباحة.
المذهب السّابع: يرى أن صيغة الأمر حقيقة في القدر المشترك بين هذه الأنواع الثلاثة، وهو الإذن. نصّ عليه أبو عمرو بن الحاجب.
المذهب الثّامن: وإليه ذهب القاضي أبو بكر الباقلاني، والغزالي، والآمديّ حيث كانوا يتوقّفون عن القول بأن الصيغة تدلّ على الوجوب، أو على الندب لأن الصيغة استعملت في الوجوب تارة، وفي النّدب أخرى، فقالوا بالتوقّف.
قال الآمديّ: ومنهم من توقّف، وهو مذهب الأشعري (رحمه الله تعالى) ومن تبعه من أصحابه كالقاضي أبي بكر، والغزالي، وغيرهما، وهو الأصح.
المذهب التّاسع: يرى أن صيغة الأمر مشتركة بين الوجوب، والندب، والإباحة، والإرشاد، والتهديد.
وقيل: صيغة الأمر مشتركة بين الوجوب، والنّدب، والتحريم، والكراهة، والإباحة فهي مشتركة بين الأحكام الخمسة، ووجهة دلالة الصيغة على التحريم والكراهة فإنها تستعمل في التّهديد، وهو يستلزم ترك الفعل المهدّد عليه، وهو إما محرم، أو مكروه.
ينظر: «الإحكام» للآمدي (٢/ ٩)، و «التيسير شرح التحرير» (٢/ ٤٩).
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ١٤٧) وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.
258
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ
ﱂ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ
ﱃ
ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ
ﱄ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﱅ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ
ﱆ
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ
ﱇ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ
ﱈ
الفأر»، وظاهر هذا أنَّ المسوخ تنسل، فإن كان أراد هذا، فهو ظنّ منه صلّى الله عليه وسلم في أمر لا مَدْخَلَ له في التبليغِ، ثم أوحي إِلَيْه بعد ذلك أنَّ المسوخ لا تنسل ونظير ما قلناه نزوله صلّى الله عليه وسلم على مياهِ بَدْرٍ وأمره باطراح تذكير النخل، وقد قال صلّى الله عليه وسلم: إذا أخبرتكم عنِ اللَّهِ تعالى، فهو كما أخبرتكم، وإذا أخبرتكم برأْيِي في أمور الدنيا، فإنما أنا بشر مثلكم، والضمير في فَجَعَلْناها يَحتَمِلُ عوده على المسخة والعقوبة، ويحتمل علَى الأُمَّة الَّتِي مُسِخَتْ، ويحتمل على القِرَدَةِ، ويحتمل على القرية إِذ معنى الكلام يقتضيها، والنَّكال:
الزجر بالعقاب، ولِما بَيْنَ يَدَيْها. قال السُّدِّيُّ: ما بين يَدَيِ المسخة مَا قَبْلَهَا من ذنوب القَوْم، وما خَلْفها لمن يذنب بعدها مثل تلك الذنوب «١»، وقال غيره: ما بين يدَيْها من حضرها من الناجين، وما خلفها، أي: لمن يجيءُ بعدها «٢»، وقال ابن عبَّاس: لما بين يديها وما خلْفَها من القرى «٣».
وَمَوْعِظَةً: من الاتعاظ، والازدجار، ولِلْمُتَّقِينَ: معناه: الذين نَهَوْا وَنَجَوْا، وقالتْ فرقةٌ: معناه: لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلم، واللفظ يَعُمُّ كُلَّ مُتَّقٍ من كلِّ أُمَّةٍ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٧ الى ٧٣]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣)
وقوله تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ... الآية: المراد تذكيرهم بنقْضِ سلفهم للميثاقِ، وسبب هذه القصَّة على ما روي أن رجلاً من بني إسرائيل أَسَنّ، وكان له مالٌ، فاستبطأ ابن أخيه موته، وقيل: أخوه، وقيل: ابنا عمه، وقيل: ورثةٌ غيْرُ معيَّنين، فقتله ليرثه، وألقاه في سبط آخر غير سبطه ليأخذ ديته، ويلطّخهم بدمه.
الزجر بالعقاب، ولِما بَيْنَ يَدَيْها. قال السُّدِّيُّ: ما بين يَدَيِ المسخة مَا قَبْلَهَا من ذنوب القَوْم، وما خَلْفها لمن يذنب بعدها مثل تلك الذنوب «١»، وقال غيره: ما بين يدَيْها من حضرها من الناجين، وما خلفها، أي: لمن يجيءُ بعدها «٢»، وقال ابن عبَّاس: لما بين يديها وما خلْفَها من القرى «٣».
وَمَوْعِظَةً: من الاتعاظ، والازدجار، ولِلْمُتَّقِينَ: معناه: الذين نَهَوْا وَنَجَوْا، وقالتْ فرقةٌ: معناه: لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلم، واللفظ يَعُمُّ كُلَّ مُتَّقٍ من كلِّ أُمَّةٍ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٧ الى ٧٣]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣)
وقوله تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ... الآية: المراد تذكيرهم بنقْضِ سلفهم للميثاقِ، وسبب هذه القصَّة على ما روي أن رجلاً من بني إسرائيل أَسَنّ، وكان له مالٌ، فاستبطأ ابن أخيه موته، وقيل: أخوه، وقيل: ابنا عمه، وقيل: ورثةٌ غيْرُ معيَّنين، فقتله ليرثه، وألقاه في سبط آخر غير سبطه ليأخذ ديته، ويلطّخهم بدمه.
(١) ذكره ابن عطية في «التفسير» (١/ ١٦١)، والماوردي (١/ ١٣٦).
(٢) ذكره ابن عطية في «التفسير» (١/ ١٦١).
(٣) ذكره ابن عطية (١/ ١٦١)، وقد رجح هذا الخبر الذي رواه ابن عباس.
(٢) ذكره ابن عطية في «التفسير» (١/ ١٦١).
(٣) ذكره ابن عطية (١/ ١٦١)، وقد رجح هذا الخبر الذي رواه ابن عباس.
259
وقيل: كانت بنو إسرائيل في قريتين متجاورتين، فألقاهُ إِلى باب إِحدى القريتَيْن، وهي التي لم يُقْتَلْ فيها، ثم جعل يطلبه هو وسبطه حتى وجده قتيلاً، فتعلَّق بالسبط، أوْ بسكَّان المدينة التي وجد القتيل عندها، فأنكروا قتله، فوقع بين بني إسرائيل في ذلك لحاء «١» حتى دخلوا في السِّلاح، فقال أهل النهى، منهم: أَنَقْتَتِلُ ورسُولُ اللَّهِ معنا، فذهبوا إلى موسى عليه السلام، فقصُّوا علَيْهِ القصَّة، وسألوهُ البيانَ، فأوحى اللَّه تعالى إِليه أن يذبحوا بقرةً، فيُضْرَبُ القتيل ببعضها، فيحيى ويُخْبِرُ بقاتله، فقال لهم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً، فكان جوابهم أنْ قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً وهذا القول منهم ظاهره فسادُ اعتقادٍ مِمَّنْ قاله، ولا يصحُّ إيمان من يقول لِنبيٍّ قد ظهرتْ معجزته، وقال: إن اللَّه يأمرُ بكذا: أنتخذُنَا هُزُواً، ولو قال ذلك اليوم أحد عن بعض أقوال النبيّ صلّى الله عليه وسلم، لوجب تكفيره.
وذهب قوم إلى أنَّ ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء، وقول موسى عليه السلام: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:
أحدهما: الاستعاذةُ من الجهل في أن يخبر عن اللَّه تعالى مستهزئاً.
والآخر: من الجهل كما جهلوا في قولهم.
٢٤ ب وقوله تعالى: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ/... الآيةَ: هذا تعنيتٌ منهم، وقلَّةُ طواعية، ولو امتثلوا الأمر، فاستعرضوا بقرةً فذبحُوها، لَقَضَوْا ما أمروا به، ولكن شدَّدوا، فشَدَّدَ اللَّهُ علَيْهم قاله ابن عَبَّاسٍ وغيره «٢».
والفارض: المسنَّة الهَرِمَة، والبِكْر من البقر: التي لم تلدْ من الصغر، ورفعت «عَوَانٌ» على خبر ابتداءِ مضمرٍ، تقديره: هي عَوَانٌ، والعَوَانُ التي قد وَلَدَتْ مرَّةً بعد مرّة.
قال م: قال الجَوْهَرِيُّ «٣» : والعَوَانُ: النَّصَفُ في سِنِّها من كل شيْء، والجمعُ عون. انتهى.
وذهب قوم إلى أنَّ ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء، وقول موسى عليه السلام: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:
أحدهما: الاستعاذةُ من الجهل في أن يخبر عن اللَّه تعالى مستهزئاً.
والآخر: من الجهل كما جهلوا في قولهم.
٢٤ ب وقوله تعالى: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ/... الآيةَ: هذا تعنيتٌ منهم، وقلَّةُ طواعية، ولو امتثلوا الأمر، فاستعرضوا بقرةً فذبحُوها، لَقَضَوْا ما أمروا به، ولكن شدَّدوا، فشَدَّدَ اللَّهُ علَيْهم قاله ابن عَبَّاسٍ وغيره «٢».
والفارض: المسنَّة الهَرِمَة، والبِكْر من البقر: التي لم تلدْ من الصغر، ورفعت «عَوَانٌ» على خبر ابتداءِ مضمرٍ، تقديره: هي عَوَانٌ، والعَوَانُ التي قد وَلَدَتْ مرَّةً بعد مرّة.
قال م: قال الجَوْهَرِيُّ «٣» : والعَوَانُ: النَّصَفُ في سِنِّها من كل شيْء، والجمعُ عون. انتهى.
(١) اللّحاء- ممدود-: الملاحاة كالسّباب، ولاحى الرّجل وملاحاة ولحاء: شاتمه. ولاحيته ملاحاة ولحاء:
إذا نازعته. ينظر: «لسان العرب» (٤٠١٥).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٨٩) برقم (١٢٣٩)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٥١)، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم. كلاهما عن ابن عباس.
(٣) إسماعيل بن حماد الجوهري، كان من أعاجيب الزمان ذكاء، وفطنة، وعلما، كان إماما في اللغة والأدب، قرأ على ابن علي الفارسي، والسيرافي. له: «الصحاح»، و «مقدمة في النحو»، مات سنة ٣٩٣ هـ.
ينظر: «البغية» (١/ ٤٤٦، ٤٤٧). [.....]
إذا نازعته. ينظر: «لسان العرب» (٤٠١٥).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٨٩) برقم (١٢٣٩)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٥١)، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم. كلاهما عن ابن عباس.
(٣) إسماعيل بن حماد الجوهري، كان من أعاجيب الزمان ذكاء، وفطنة، وعلما، كان إماما في اللغة والأدب، قرأ على ابن علي الفارسي، والسيرافي. له: «الصحاح»، و «مقدمة في النحو»، مات سنة ٣٩٣ هـ.
ينظر: «البغية» (١/ ٤٤٦، ٤٤٧). [.....]
260
ت: قال الشيخُ زين الدين عبد الرحيم بن حُسَيْنٍ العَراقيُّ «١» في نظمه لغريب القُرآن جمع أبي حيان: [الرجز]
وكل ما نقلته عن العِرَاقِيِّ منظوماً، فمن أرجوزته هذه.
وقوله: فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ تجديدٌ للأمر، وتأكيدٌ وتنبيهٌ على ترك التعنُّت، فما تركوه. قال ابنُ زَيْد: وجمهورُ الناسِ في قوله: صَفْراءُ أنَّها كانت كلُّها صفراء، وفي «مختصر الطبريِّ» : فاقِعٌ لَوْنُها أي: صافٍ لونُها. انتهى.
والفقوعُ مختصٌّ بالصفرة كما خُصَّ أحمر بقانئ، وأسْوَدُ بحالِك، وأبْيَضُ بناصِع، وأخْضَرُ بناضِرٍ، قال ابن عبَّاس وغيره: الصفرة تسر النفْسَ، وسأَلُوا بعد هذا كلِّه عن ما هي سؤال متحيِّرين، قد أحسُّوا مقْتَ المعصية «٢».
وفي استثنائهمْ في هذا السؤالِ الأخيرِ إنابةٌ مَّا، وانقيادٌ، ودليلُ ندمٍ وحِرْصٌ على موافقة الأمر. ورُوِيَ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: «لَوْلاَ مَا استثنوا، مَا اهتدوا إليها أبدا» «٣».
| معنى «عَوَانٌ» نَصَفٌ بَيْنَ الصِّغَرْ | وَبَيْنَ مَا قَدْ بَلَغَتْ سِنَّ الْكِبَرْ |
وقوله: فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ تجديدٌ للأمر، وتأكيدٌ وتنبيهٌ على ترك التعنُّت، فما تركوه. قال ابنُ زَيْد: وجمهورُ الناسِ في قوله: صَفْراءُ أنَّها كانت كلُّها صفراء، وفي «مختصر الطبريِّ» : فاقِعٌ لَوْنُها أي: صافٍ لونُها. انتهى.
والفقوعُ مختصٌّ بالصفرة كما خُصَّ أحمر بقانئ، وأسْوَدُ بحالِك، وأبْيَضُ بناصِع، وأخْضَرُ بناضِرٍ، قال ابن عبَّاس وغيره: الصفرة تسر النفْسَ، وسأَلُوا بعد هذا كلِّه عن ما هي سؤال متحيِّرين، قد أحسُّوا مقْتَ المعصية «٢».
وفي استثنائهمْ في هذا السؤالِ الأخيرِ إنابةٌ مَّا، وانقيادٌ، ودليلُ ندمٍ وحِرْصٌ على موافقة الأمر. ورُوِيَ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: «لَوْلاَ مَا استثنوا، مَا اهتدوا إليها أبدا» «٣».
(١) عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم، محدث الديار المصرية، ذو التصانيف المفيدة، زين الدين أبو الفضل، العراقي الأصل، الكردي. ولد سنة (٧٢٥)، أحب الحديث، وسمع كثيرا، وولع بتخريج أحاديث «الإحياء»، ورافق الزيلعي الحنفي، وكان مفرط الذكاء، أكثر الرحلة والسماع، أخذ عنه الهيثمي، وغيره كابن حجر وبرهان الدين الحلبي، صنف «ألفية الحديث» وعمل نكتا على ابن الصلاح، وشرع في تكملة شرح الترمذي تذييلا على ابن سيد الناس. ت (٨٠٦).
ينظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (٤/ ٢٩)، «الضوء اللامع» (٤/ ١٧١)، «إنباء الغمر» (٥/ ١٧٠).
(٢) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١٦٣).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١/ ٢٢٣)، رقم (٧٢٧)، والبزار (٣/ ٤٠- كشف)، رقم (٢١٨٨)، وابن مردويه كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ١١١)، كلهم من طريق عباد بن منصور، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لولا أن بني إسرائيل قالوا: وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ [البقرة: ٧٠] لما أعطوا، ولكن استثنوا» وقال البزار: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد.
وقال الهيثمي في «المجمع» (٦/ ٣١٩) : رواه البزار، وفيه عباد بن منصور، وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات.
وقال ابن كثير: وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ١٥٠)، وعزاه إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه.
وللحديث شاهد مرسل عن عكرمة.
ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ١٥٠)، وعزاه إلى سعيد بن منصور، والفريابي، وابن المنذر.
ينظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (٤/ ٢٩)، «الضوء اللامع» (٤/ ١٧١)، «إنباء الغمر» (٥/ ١٧٠).
(٢) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١٦٣).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١/ ٢٢٣)، رقم (٧٢٧)، والبزار (٣/ ٤٠- كشف)، رقم (٢١٨٨)، وابن مردويه كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ١١١)، كلهم من طريق عباد بن منصور، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لولا أن بني إسرائيل قالوا: وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ [البقرة: ٧٠] لما أعطوا، ولكن استثنوا» وقال البزار: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد.
وقال الهيثمي في «المجمع» (٦/ ٣١٩) : رواه البزار، وفيه عباد بن منصور، وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات.
وقال ابن كثير: وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ١٥٠)، وعزاه إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه.
وللحديث شاهد مرسل عن عكرمة.
ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ١٥٠)، وعزاه إلى سعيد بن منصور، والفريابي، وابن المنذر.
261
وقوله: لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ، أي: غير مذللة بالعمل والرياضة، وتُثِيرُ الْأَرْضَ معناه: بالحراثة، وهي عند قوم جملةٌ في موضعِ رفعٍ على صفة البقرة، أي: لا ذلول مثيرة، وقال قوم: «تُثِيرُ» فعلٌ مستأنفٌ والمعنى إيجاب الحرث، وأنها كانت تحرُثُ، ولا تسقي، ومُسَلَّمَةٌ: بناء مبالغة من السلامة قال ابن عبَّاس وغيره: معناه: من العيوب «١»، وقال مجاهد: معناه: من الشّيات والألوان «٢»، وقيل: من العمل «٣».
ولا شِيَةَ فِيها، أي: لا خلاف في لونها هي صفراء كلُّها قاله ابن زيد وغيره، والمُوَشَّى المختلِطُ الألوان، ومنه: وَشْيُ الثَّوْب: تزينه بالألوان، والثَّوْرُ الأَشْيَهُ الذي فيه بلقة يقال: فرس أَبْلَقُ، وكبش أَخْرَجُ، وتَيْسٌ أَبْرَق، وكَلْبٌ أبقع، وثور أشبه كل ذلك بمعنى البلقة.
وهذه الأوصاف في البقرة سببها أنهم شدَّدوا، فشدَّد اللَّه عليهم، ودينُ اللَّه يُسْر، والتعمُّق في سؤال الأنبياء مذمومٌ، وقصَّة وجود هذه البقرة على ما روي أنَّ رجلاً من بني إِسرائيل ولد له ابنٌ، وكانت له عِجْلَةٌ، فأرسلها في غيضة «٤»، وقال: اللهم، إني قد استودعتُكَ هذه العِجْلَةَ لهذا الصبيِّ، ومات الرجُلُ، فلما كبر الصبيُّ، قالت له أمه: إِن أباك كان قد استودع اللَّه عِجْلَةً لكَ، فاذهب، فخذْها، فلما رأَتْه البقَرَة، جاءت إلَيْه حتى أخذ بقرنَيْها، وكانت مستوحشةً، فجعل يقودها نحو أمه، فلقيه بنو إسرائيل، ووجدوا بقرته على الصِّفَة التي أمروا بها، فلمَّا وجدت البقرة، ساموا صاحبها، فاشتطّ عليهم، فأتوا به موسى ٢٥ أعليه السلام وقالوا له: إِن هذا اشتطَّ علينا، فقال لهم موسى: أرضُوهُ في مِلْكِه. / فاشتروها منه بوزنها مرّة قاله عبيدة السّلمانيّ «٥»،
ولا شِيَةَ فِيها، أي: لا خلاف في لونها هي صفراء كلُّها قاله ابن زيد وغيره، والمُوَشَّى المختلِطُ الألوان، ومنه: وَشْيُ الثَّوْب: تزينه بالألوان، والثَّوْرُ الأَشْيَهُ الذي فيه بلقة يقال: فرس أَبْلَقُ، وكبش أَخْرَجُ، وتَيْسٌ أَبْرَق، وكَلْبٌ أبقع، وثور أشبه كل ذلك بمعنى البلقة.
وهذه الأوصاف في البقرة سببها أنهم شدَّدوا، فشدَّد اللَّه عليهم، ودينُ اللَّه يُسْر، والتعمُّق في سؤال الأنبياء مذمومٌ، وقصَّة وجود هذه البقرة على ما روي أنَّ رجلاً من بني إِسرائيل ولد له ابنٌ، وكانت له عِجْلَةٌ، فأرسلها في غيضة «٤»، وقال: اللهم، إني قد استودعتُكَ هذه العِجْلَةَ لهذا الصبيِّ، ومات الرجُلُ، فلما كبر الصبيُّ، قالت له أمه: إِن أباك كان قد استودع اللَّه عِجْلَةً لكَ، فاذهب، فخذْها، فلما رأَتْه البقَرَة، جاءت إلَيْه حتى أخذ بقرنَيْها، وكانت مستوحشةً، فجعل يقودها نحو أمه، فلقيه بنو إسرائيل، ووجدوا بقرته على الصِّفَة التي أمروا بها، فلمَّا وجدت البقرة، ساموا صاحبها، فاشتطّ عليهم، فأتوا به موسى ٢٥ أعليه السلام وقالوا له: إِن هذا اشتطَّ علينا، فقال لهم موسى: أرضُوهُ في مِلْكِه. / فاشتروها منه بوزنها مرّة قاله عبيدة السّلمانيّ «٥»،
(١) أخرجه الطبري (١/ ٣٩٤- ٣٩٥) برقم (١٢٦٢- ١٢٦٣- ١٢٦٤)، عن قتادة وأبي العالية، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٥٢) عن أبي العالية، وعزاه لابن جرير.
(٢) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١٩٤).
(٣) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١٦٤).
(٤) الغيضة: الأجمة، وهي مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر. ينظر: «لسان العرب» (٣٣٢٧).
(٥) أخرجه الطبري (١/ ٣٩٨) برقم (١٢٩٠) عن عبيدة السلماني من طريق محمد بن سيرين. كما أخرجه عبد الرزاق في التفسير (١/ ٤٩).
وهو عبيدة بن عمرو السّلماني، قبيلة من «مراد». مات النبي صلّى الله عليه وسلم وهو في الطريق. عن علي، وابن مسعود. وعنه الشعبي، والنخعي، وابن سيرين. قال ابن عيينة: كان يوازي شريحا في القضاء والعلم.
قال أبو مسهر: مات سنة اثنتين وسبعين. وقال الترمذي: سنة ثلاث.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٢٠٧)، «طبقات ابن سعد» (٦/ ٩٣)، «سير أعلام النبلاء» (٤/ ٤٠)، «العبر» (١/ ٧٩)، و «التقريب» (١/ ٥٤٧).
(٢) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١٩٤).
(٣) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١٦٤).
(٤) الغيضة: الأجمة، وهي مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر. ينظر: «لسان العرب» (٣٣٢٧).
(٥) أخرجه الطبري (١/ ٣٩٨) برقم (١٢٩٠) عن عبيدة السلماني من طريق محمد بن سيرين. كما أخرجه عبد الرزاق في التفسير (١/ ٤٩).
وهو عبيدة بن عمرو السّلماني، قبيلة من «مراد». مات النبي صلّى الله عليه وسلم وهو في الطريق. عن علي، وابن مسعود. وعنه الشعبي، والنخعي، وابن سيرين. قال ابن عيينة: كان يوازي شريحا في القضاء والعلم.
قال أبو مسهر: مات سنة اثنتين وسبعين. وقال الترمذي: سنة ثلاث.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٢٠٧)، «طبقات ابن سعد» (٦/ ٩٣)، «سير أعلام النبلاء» (٤/ ٤٠)، «العبر» (١/ ٧٩)، و «التقريب» (١/ ٥٤٧).
262
وقيل: بوزنها مرتَيْنِ «١». وقيل: بوزنها عشْرَ مرَّات «٢»، وقال مجاهد: كانت لرجل يبَرُّ أمه، وأخذت منه بملء جلدها دنانير «٣».
والْآنَ: مبنيٌّ على الفتح «٤»، معناه: هذا الوقت، وهو عبارة عما بين الماضي والمستقبل، وجِئْتَ بِالْحَقِّ: معناه عن من جعلهم عُصَاةً: بيَّنْتَ لنا غاية البيانِ، وهذه الآية تعطي أن الذَّبْح أصل في البقر، وإن نحرت أَجْزَأَ.
وقوله تعالى: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ: عبارة عن تثبُّطهم في ذَبْحِها، وقلَّة مبادرتهم إلى أمر اللَّه تعالى، وقال محمَّد بن كَعْب القُرَظِيُّ: كان ذلك منهم لغلاء البقرة «٥»، وقيل: كان
والْآنَ: مبنيٌّ على الفتح «٤»، معناه: هذا الوقت، وهو عبارة عما بين الماضي والمستقبل، وجِئْتَ بِالْحَقِّ: معناه عن من جعلهم عُصَاةً: بيَّنْتَ لنا غاية البيانِ، وهذه الآية تعطي أن الذَّبْح أصل في البقر، وإن نحرت أَجْزَأَ.
وقوله تعالى: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ: عبارة عن تثبُّطهم في ذَبْحِها، وقلَّة مبادرتهم إلى أمر اللَّه تعالى، وقال محمَّد بن كَعْب القُرَظِيُّ: كان ذلك منهم لغلاء البقرة «٥»، وقيل: كان
(١) ذكره ابن عطية الأندلسي (١/ ١٦٤)، ولم يذكر له سندا.
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٩٨) برقم (١٢٨٢) عن السدي.
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٣٩٨) برقم (١٢٨٤) بلفظ: «كانت البقرة لرجل يبر أمه، فرزقه الله أن جعل تلك البقرة له، فباعها بملء جلدها ذهبا». عن مجاهد. اهـ.
(٤) واختلف في علّة بنائه، فقال الزجاج: «لأنّه تضمّن معنى الإشارة لأنّ معنى أفعل الآن أي: هذا الوقت». وقيل: لأنه أشبه الحرف في لزوم لفظ واحد، من حيث إنه لا يثنّى ولا يجمع ولا يصغّر.
وقيل: لأنه تضمّن معنى حرف التعريف وهو الألف واللام كأمس، وهذه الألف واللام زائدة فيه بدليل بنائه ولم يعهد معرّف بأل إلّا معربا، ولزمت فيه الألف واللام كما لزمت في «الذي» و «التي» وبابهما، ويعزى هذا للفارسي. وهو مردود بأنّ التضمين اختصار، فكيف يختصر الشيء، ثم يؤتى بمثل لفظه.
وهو لازم للظرفيّة ولا يتصرّف غالبا، وقد وقع مبتدأ في قوله- عليه السلام-: «فهو يهوي في قعرها الآن حين انتهى» فالآن مبتدأ، وبني على الفتح لما تقدّم، و «حين» خبره، بني لإضافته إلى غير متمكّن، ومجرورا في قوله:
أإلى الآن لا يبين ارعواء...
وادعى بعضهم إعرابه مستدلا بقوله:
يريد: «من الآن» فجرّه بالكسرة، وهذا يحتمل أن يكون بني على الكسر. وزعم الفراء أنه منقول من فعل ماض، وأن أصله آن بمعنى حان فدخلت عليه أل زائدة واستصحب بناؤه على الفتح، وجعله مثل قولهم: «ما رأيته مذ شبّ إلى دبّ» وقوله عليه السلام: «وأنهاكم عن قيل وقال»، وردّ عليه بأنّ أل لا تدخل على المنقول من فعل ماض، وبأنه كان ينبغي أن يجوز إعرابه كنظائره، وعنه قول آخر أنّ أصله «أوان» فحذفت الألف ثم قلبت الواو ألفا، فعلى هذا ألفه عن واو، وقد أدخله الراغب في باب «أين» فتكون ألفه عن ياء، والصواب الأول.
ينظر: «الدر المصون» (١/ ٢٦٠، ٢٦١).
(٥) أخرجه الطبري (١/ ٣٩٧) برقم (١٢٧٩) بلفظ: «من كثرة قيمتها» قال العلامة أحمد شاكر: «وفيه أبو معشر بن عبد الرحمن السندي المدني، وهو ضعيف». ، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٥٢)، وعزاه لابن جرير، وذكره الشوكاني في «تفسيره» (١/ ١٦٣).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٣٩٨) برقم (١٢٨٢) عن السدي.
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٣٩٨) برقم (١٢٨٤) بلفظ: «كانت البقرة لرجل يبر أمه، فرزقه الله أن جعل تلك البقرة له، فباعها بملء جلدها ذهبا». عن مجاهد. اهـ.
(٤) واختلف في علّة بنائه، فقال الزجاج: «لأنّه تضمّن معنى الإشارة لأنّ معنى أفعل الآن أي: هذا الوقت». وقيل: لأنه أشبه الحرف في لزوم لفظ واحد، من حيث إنه لا يثنّى ولا يجمع ولا يصغّر.
وقيل: لأنه تضمّن معنى حرف التعريف وهو الألف واللام كأمس، وهذه الألف واللام زائدة فيه بدليل بنائه ولم يعهد معرّف بأل إلّا معربا، ولزمت فيه الألف واللام كما لزمت في «الذي» و «التي» وبابهما، ويعزى هذا للفارسي. وهو مردود بأنّ التضمين اختصار، فكيف يختصر الشيء، ثم يؤتى بمثل لفظه.
وهو لازم للظرفيّة ولا يتصرّف غالبا، وقد وقع مبتدأ في قوله- عليه السلام-: «فهو يهوي في قعرها الآن حين انتهى» فالآن مبتدأ، وبني على الفتح لما تقدّم، و «حين» خبره، بني لإضافته إلى غير متمكّن، ومجرورا في قوله:
أإلى الآن لا يبين ارعواء...
وادعى بعضهم إعرابه مستدلا بقوله:
| كأنّهما ملآن لم يتغيّرا | وقد مرّ للدارين من بعدنا عصر |
ينظر: «الدر المصون» (١/ ٢٦٠، ٢٦١).
(٥) أخرجه الطبري (١/ ٣٩٧) برقم (١٢٧٩) بلفظ: «من كثرة قيمتها» قال العلامة أحمد شاكر: «وفيه أبو معشر بن عبد الرحمن السندي المدني، وهو ضعيف». ، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٥٢)، وعزاه لابن جرير، وذكره الشوكاني في «تفسيره» (١/ ١٦٣).
263
ذلك خوف الفضيحة في أمر القاتل «١».
وفَادَّارَأْتُمْ: معناه: تدافعتم قتل القتيل، وفِيها، أي: في النَّفْس.
وقوله تعالى: اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها
: آية من اللَّه تعالى على يدَيْ موسى عليه السلام أن أمرهم أن يضربوا ببعض البقرة القتيلَ، فيحيى ويخبر بقاتله، فقيل: ضربوه، وقيل: ضربوا قبره لأن ابن عباس ذكر أنَّ أمر القتيل وقع قَبْل جواز البَحْر، وأنهم داموا في طلب البقرة أربعين سنَةً.
وقوله تعالى: كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى...
الآيةَ: في هذه الآية حض على العبرة، ودلالةٌ على البعث في الآخرة، وظاهرها أنها خطاب لبني إسرائيل حينئذ، حكي لمحمّد صلّى الله عليه وسلم، ليعتبر به إلى يوم القيامة.
وذهب الطبريُّ إلى أنها خطاب لمعاصري محمّد صلّى الله عليه وسلم، وأنها مقطوعة من قوله:
اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها
، وروي أن هذا القتيل لما حَيِيَ، وأخبر بقاتله، عاد ميتا كما كان.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤) أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥)
وقوله تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ... الآية: أي: صلبت وجفَّت، وهي عبارة عن خلوِّها من الإنابة والإذعان لآيات اللَّه تعالى، قال قتادة وغيره: المراد قلوب بني إسرائيل جميعاً في معاصيهم، وما ركبوه بعد ذلك «٢»، و «أَوْ» : لا يصحُّ أن تكون هنا للشكِّ، فقيل: هي بمعنى «الواو»، وقيل: للإضراب، وقيل: للإبهام، وقيل غير ذلك «٣».
وفَادَّارَأْتُمْ: معناه: تدافعتم قتل القتيل، وفِيها، أي: في النَّفْس.
وقوله تعالى: اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها
: آية من اللَّه تعالى على يدَيْ موسى عليه السلام أن أمرهم أن يضربوا ببعض البقرة القتيلَ، فيحيى ويخبر بقاتله، فقيل: ضربوه، وقيل: ضربوا قبره لأن ابن عباس ذكر أنَّ أمر القتيل وقع قَبْل جواز البَحْر، وأنهم داموا في طلب البقرة أربعين سنَةً.
وقوله تعالى: كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى...
الآيةَ: في هذه الآية حض على العبرة، ودلالةٌ على البعث في الآخرة، وظاهرها أنها خطاب لبني إسرائيل حينئذ، حكي لمحمّد صلّى الله عليه وسلم، ليعتبر به إلى يوم القيامة.
وذهب الطبريُّ إلى أنها خطاب لمعاصري محمّد صلّى الله عليه وسلم، وأنها مقطوعة من قوله:
اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها
، وروي أن هذا القتيل لما حَيِيَ، وأخبر بقاتله، عاد ميتا كما كان.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤) أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥)
وقوله تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ... الآية: أي: صلبت وجفَّت، وهي عبارة عن خلوِّها من الإنابة والإذعان لآيات اللَّه تعالى، قال قتادة وغيره: المراد قلوب بني إسرائيل جميعاً في معاصيهم، وما ركبوه بعد ذلك «٢»، و «أَوْ» : لا يصحُّ أن تكون هنا للشكِّ، فقيل: هي بمعنى «الواو»، وقيل: للإضراب، وقيل: للإبهام، وقيل غير ذلك «٣».
(١) أخرجه الطبري (١/ ٣٩٩) برقم (١٢٩٢) عن وهب بن منبه كان يقول: «إن القوم إذ أمروا بذبح البقرة، إنما قالوا لموسى «أتتخذونا هزوا» لعلمهم بأنهم سيفتضحون إذا ذبحت، فحادوا عن ذبحها»، وذكره ابن عطية في تفسيره (١/ ١٦٥)، والقرطبي (١/ ٣٨٧)، عن وهب بن منبه. [.....]
(٢) ذكره ابن عطية الأندلسي في تفسيره (١/ ١٦٦) عن أبي العالية وقتادة.
(٣) في «أو» خمسة أقوال:
أظهرها: أنها للتفصيل بمعنى أنّ النّاظرين في حال هؤلاء منهم من يشبّههم بحال المستوقد الذي هذه صفته، ومنهم من يشبّههم بأصحاب صيّب هذه صفته.
الثاني: أنها للإبهام، أي: إن الله أبهم على عباده تشبيههم بهؤلاء أو بهؤلاء.
(٢) ذكره ابن عطية الأندلسي في تفسيره (١/ ١٦٦) عن أبي العالية وقتادة.
(٣) في «أو» خمسة أقوال:
أظهرها: أنها للتفصيل بمعنى أنّ النّاظرين في حال هؤلاء منهم من يشبّههم بحال المستوقد الذي هذه صفته، ومنهم من يشبّههم بأصحاب صيّب هذه صفته.
الثاني: أنها للإبهام، أي: إن الله أبهم على عباده تشبيههم بهؤلاء أو بهؤلاء.
264
وقوله تعالى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ... الآية: معذرةٌ للحجارة، وتفضيلٌ لها على قلوبهم، قال قتادة: عذر اللَّه تعالى الحجارة، ولم يعذِر شقيَّ بني آدم «١».
ت: وروى البَزَّار عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «أَرْبَعَةٌ مِنَ الشَّقَاءِ: جُمُودُ العَيْنِ، وَقَسَاوَةُ القَلْبِ، وَطُولُ الأَمَلِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا» «٢». انتهى من «الكوكب الدّرّيّ» لأبي
ت: وروى البَزَّار عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «أَرْبَعَةٌ مِنَ الشَّقَاءِ: جُمُودُ العَيْنِ، وَقَسَاوَةُ القَلْبِ، وَطُولُ الأَمَلِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا» «٢». انتهى من «الكوكب الدّرّيّ» لأبي
- الثالث: أنها للشّكّ، بمعنى أن الناظر يشكّ في تشبيههم.
الرابع: أنها للإباحة.
الخامس: أنها للتخيير، أي: أبيح للناس أن يشبّهوهم بكذا أو بكذا، وخيّروا في ذلك. وزاد الكوفيون فيها معنيين آخرين:
أحدهما: كونها بمعنى الواو، وأنشدوا: [البسيط]
والثاني: كونها بمعنى بل، وأنشدوا: [الطويل]
أي: بل أنت.
ينظر: «الدر المصون» (١/ ١٣٤- ١٣٥).
(١) أخرجه الطبري (١/ ٤٠٨) برقم (١٣٢٣)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٥٦)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير.
(٢) أخرجه البزار (٣٢٣٠- كشف)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (٣/ ١٢٥) من طريق هانىء بن المتوكل عن عبد الله بن سليمان عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس مرفوعا.
وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ففيه هانىء بن المتوكل. قال ابن حبان:
كثرت المناكير في روايته، لا يجوز الاحتجاج به. وقال ابن الجوزي: وعبد الله بن سليمان مجهول.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠/ ٢٢٩)، وقال: رواه البزار، وفيه هانىء بن المتوكل، وهو ضعيف.
وتعقب السيوطي ابن الجوزي في «اللآلئ» (٢/ ٣١٢) بما لا طائل تحته، فقال: أورده في «الميزان» في ترجمة هانىء، وقال: حديث منكر. اهـ.
والحديث ذكره الحافظ في «اللسان» (٦/ ١٨٦- ١٨٧) وقال: أورده البزار في مسنده، وقال:
عبد الله بن سليمان روى أحاديث لم يتابع عليها. وأما هانىء فقال ابن القطان: لا يعرف حاله. كذا قال. وقال أبو حاتم الرازي: أدركته ولم أكتب عنه. اهـ. وللحديث طريق آخر:
أخرجه ابن عدي في «الكامل» (٣/ ١٠٩٩)، وأبو نعيم في «تاريخ أصبهان» (١/ ٢٤٦)، (٢/ ٣٢٣)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (٣/ ١٢٥) كلهم من طريق سليمان بن عمرو النخعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس مرفوعا.
وقال ابن عدي: هذا الحديث وضعه سليمان على إسحاق.
وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أبو داود النخعي، قال أحمد ويحيى: كان يضع الأحاديث، قال ابن عدي: وضع هذا على إسحاق. وللحديث طريق ثالث:
أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٦/ ١٧٥) من طريق الحسن بن عثمان: ثنا أبو سعيد المازني، ثنا-
الرابع: أنها للإباحة.
الخامس: أنها للتخيير، أي: أبيح للناس أن يشبّهوهم بكذا أو بكذا، وخيّروا في ذلك. وزاد الكوفيون فيها معنيين آخرين:
أحدهما: كونها بمعنى الواو، وأنشدوا: [البسيط]
| جاء الخلافة أو كانت له قدرا | كما أتى ربّه موسى على قدر |
| بدت مثل قرن الشمس في رونق الضّحى | وصورتها أو أنت في العين أملح |
ينظر: «الدر المصون» (١/ ١٣٤- ١٣٥).
(١) أخرجه الطبري (١/ ٤٠٨) برقم (١٣٢٣)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٥٦)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير.
(٢) أخرجه البزار (٣٢٣٠- كشف)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (٣/ ١٢٥) من طريق هانىء بن المتوكل عن عبد الله بن سليمان عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس مرفوعا.
وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ففيه هانىء بن المتوكل. قال ابن حبان:
كثرت المناكير في روايته، لا يجوز الاحتجاج به. وقال ابن الجوزي: وعبد الله بن سليمان مجهول.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠/ ٢٢٩)، وقال: رواه البزار، وفيه هانىء بن المتوكل، وهو ضعيف.
وتعقب السيوطي ابن الجوزي في «اللآلئ» (٢/ ٣١٢) بما لا طائل تحته، فقال: أورده في «الميزان» في ترجمة هانىء، وقال: حديث منكر. اهـ.
والحديث ذكره الحافظ في «اللسان» (٦/ ١٨٦- ١٨٧) وقال: أورده البزار في مسنده، وقال:
عبد الله بن سليمان روى أحاديث لم يتابع عليها. وأما هانىء فقال ابن القطان: لا يعرف حاله. كذا قال. وقال أبو حاتم الرازي: أدركته ولم أكتب عنه. اهـ. وللحديث طريق آخر:
أخرجه ابن عدي في «الكامل» (٣/ ١٠٩٩)، وأبو نعيم في «تاريخ أصبهان» (١/ ٢٤٦)، (٢/ ٣٢٣)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (٣/ ١٢٥) كلهم من طريق سليمان بن عمرو النخعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس مرفوعا.
وقال ابن عدي: هذا الحديث وضعه سليمان على إسحاق.
وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أبو داود النخعي، قال أحمد ويحيى: كان يضع الأحاديث، قال ابن عدي: وضع هذا على إسحاق. وللحديث طريق ثالث:
أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٦/ ١٧٥) من طريق الحسن بن عثمان: ثنا أبو سعيد المازني، ثنا-
265
العباس أحمد بن سَعْد التُّجِيبِيِّ، قال الغَزَّاليُّ في «المِنْهَاج» : واعلم أن أول الذنب قسوةٌ، وآخره، والعياذ باللَّه، شؤمٌ وشِقْوَةٌ، وسوادُ القلْب يكون من الذنوب، وعلامةُ سواد القلب ألاَّ تجد للذنوب مفزعاً، ولا للطاعات موقعاً، ولا للموعظة منجعاً. انتهى.
وقيل في هبوط الحجارة: تفيُّؤ ظلالها، وقيل: إن اللَّه تعالى يخلُقُ في بعض الأحجار خشيةً وحياةً، يهبط بها من عُلْوٍ تواضعاً، وقال مجاهد: ما تردى حجرٌ من رأسِ جبلٍ، ولا تَفَجَّرَ نهر من حَجَر، ولا خَرَج ماء منه، إلا من خشية الله عز وجلّ نزل بذلك القرآن «١»، وقال مثله ابْنُ جُرَيْجٍ «٢».
وقوله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ... الآية: الخطاب للمؤمنين من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلم وذلك أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلف والجوار ٢٥ ب الذي كان بينهم، ومعنى هذا الخطابِ التقرير/ على أمر فيه بُعْد إذ قد سلف لأسلاف هؤلاء اليهودِ أفاعيلُ سوءٍ، وهؤلاء على ذلك السَّنَن.
وتحريفُ الشيء: إِمالته من حالٍ إلى حال، وذهب ابن عبَّاس إلى أن تحريفهم وتبديلهم إِنما هو بالتأويل، ولفْظُ التوراة باق «٣»، وذهب جماعة من العلماء إلى أنهم بدَّلوا ألفاظاً من تلقائهم، وأنَّ ذلك ممكن في التوراة لأنهم استحفظوها، وغير ممكن في القرآن لأن اللَّه تعالى ضَمِنَ حفظه.
قلْتُ: وعن ابن إسحاق أن المراد ب «الفريقِ» هنا طائفةٌ من السبعين الذين سمعوا كلامَ اللَّه مع موسى. انتهى من «مختصر الطبريِّ» وهذا يحتاج إلى سند صحيح.
وقيل في هبوط الحجارة: تفيُّؤ ظلالها، وقيل: إن اللَّه تعالى يخلُقُ في بعض الأحجار خشيةً وحياةً، يهبط بها من عُلْوٍ تواضعاً، وقال مجاهد: ما تردى حجرٌ من رأسِ جبلٍ، ولا تَفَجَّرَ نهر من حَجَر، ولا خَرَج ماء منه، إلا من خشية الله عز وجلّ نزل بذلك القرآن «١»، وقال مثله ابْنُ جُرَيْجٍ «٢».
وقوله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ... الآية: الخطاب للمؤمنين من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلم وذلك أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلف والجوار ٢٥ ب الذي كان بينهم، ومعنى هذا الخطابِ التقرير/ على أمر فيه بُعْد إذ قد سلف لأسلاف هؤلاء اليهودِ أفاعيلُ سوءٍ، وهؤلاء على ذلك السَّنَن.
وتحريفُ الشيء: إِمالته من حالٍ إلى حال، وذهب ابن عبَّاس إلى أن تحريفهم وتبديلهم إِنما هو بالتأويل، ولفْظُ التوراة باق «٣»، وذهب جماعة من العلماء إلى أنهم بدَّلوا ألفاظاً من تلقائهم، وأنَّ ذلك ممكن في التوراة لأنهم استحفظوها، وغير ممكن في القرآن لأن اللَّه تعالى ضَمِنَ حفظه.
قلْتُ: وعن ابن إسحاق أن المراد ب «الفريقِ» هنا طائفةٌ من السبعين الذين سمعوا كلامَ اللَّه مع موسى. انتهى من «مختصر الطبريِّ» وهذا يحتاج إلى سند صحيح.
- حجاج بن منهال عن صالح المري عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا.
وقال أبو نعيم: تفرد برفعه متصلا عن صالح حجاج.
وهذا الشاهد ذكره السيوطي في «اللآلئ» (٢/ ٣١٣)، ولم يتكلم عليه.
وقال ابن عراق في «تنزيه الشريعة» (٢/ ٣٠١) قلت: فيه مضعفون. اهـ.
يقصد رحمه الله صالح المري ويزيد الرقاشي. وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٧/ ٤٠٧) رقم (١٠٧٨٣) عن محمد بن واسع من قوله.
(١) أخرجه الطبري (١/ ٤٠٨) برقم (١٣٢١)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٥٦)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير.
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٤٠٨) برقم (١٣٢٦)، وذكره القرطبي (١/ ٣٩٥).
(٣) ذكره ابن عطية (١/ ١٦٨).
وقال أبو نعيم: تفرد برفعه متصلا عن صالح حجاج.
وهذا الشاهد ذكره السيوطي في «اللآلئ» (٢/ ٣١٣)، ولم يتكلم عليه.
وقال ابن عراق في «تنزيه الشريعة» (٢/ ٣٠١) قلت: فيه مضعفون. اهـ.
يقصد رحمه الله صالح المري ويزيد الرقاشي. وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٧/ ٤٠٧) رقم (١٠٧٨٣) عن محمد بن واسع من قوله.
(١) أخرجه الطبري (١/ ٤٠٨) برقم (١٣٢١)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٥٦)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير.
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٤٠٨) برقم (١٣٢٦)، وذكره القرطبي (١/ ٣٩٥).
(٣) ذكره ابن عطية (١/ ١٦٨).
266
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٧٦ الى ٧٨]
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٧٦) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٧) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨)وقوله تعالى: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا... الآية: المعنى: وهم أيضاً، إذا لُقُوا يفعلون هذا، فكيف يُطْمَع في إيمانهم، ويحتمل أن يكون هذا الكلام مستأنَفاً فيه كشف سرائرهم ورد في التفسير أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: «لاَ يَدْخُلَنَّ عَلَيْنَا قَصَبَةَ «١» المَدِينَةِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ»، فقال كَعْبُ بن الأشْرَفِ وأشباهه: اذهبوا وتحسَّسوا أخبارَ من آمَنَ بمحمَّد، وقولوا لهم: آمنا، واكفروا إِذا رجعتم، فنزلتْ هذه الآية، وقال ابن عبَّاس: نزلَتْ في المنافقين من اليهود «٢»، وروي عنه أيضاً أنها نزلَتْ في قومٍ من اليهود، قالوا لبعض المؤمنين: نحن نؤمن أنه نبيٌّ، ولكن ليس إلَيْنا، وإنما هو إليكم خاصّة، فلما دخلوا، قال بعضهم: لم تُقِرُّونَ بنبوءته «٣»، وقال أبو العالية وقتادةُ: إِن بعض اليهود تكلَّم بما في التوراة من صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلم فقال لهم كفرةُ الأحبار: أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أي: عرَّفكم من صفة محمَّد صلّى الله عليه وسلم «٤».
ولِيُحَاجُّوكُمْ: من الحجة، وعِنْدَ رَبِّكُمْ: معناه: في الآخرة.
وقول تعالى: أَفَلا تَعْقِلُونَ: قيل: هو من قول الأحبار لَلأتباعِ، وقيل: هو خطابٌ من اللَّه تعالى للمؤمنين، أي: أفلا تعقلون أن بني إِسرائيل لا يؤمنون، وهم بهذه الأحوال.
وأُمِّيُّونَ هنا: عبارةٌ عن عامَّة اليهود، وجهلتهم، أي: أنهم لا يطمع في إيمانهم لما غمرهم من الضَّلاَل، والأُمِّيُّ في اللغة: الذي لا يكتب ولا يقرأ في كتابٍ نُسِبَ إلى الأُمِّ إِما لأنه بحالِ أمِّه من عَدَمِ الكتب، لا بحال أبيه إذ النساء ليس من شغلهن الكَتْبُ قاله الطبريُّ وإما لأنه بحال ولدته أمه فيها، لم ينتقل عنها.
والْكِتابَ: التوراة.
(١) قصبة البلد: مدينته، وقيل: معظمه، والقصبة: جوف الحصن، يبنى فيه بناء هو أوسطه، والقصبة:
القرية. وقصبة القرية: وسطها.
ينظر: «لسان العرب» (٣٦٤١).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٤١٣) برقم (١٣٣٩)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٥٧)، وعزاه لابن جرير.
وذكره ابن عطية الأندلسي في «التفسير» (١/ ١٦٨).
(٣) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٦٨).
(٤) ذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٥٨)، وعزاه لعبد بن حميد.
القرية. وقصبة القرية: وسطها.
ينظر: «لسان العرب» (٣٦٤١).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٤١٣) برقم (١٣٣٩)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٥٧)، وعزاه لابن جرير.
وذكره ابن عطية الأندلسي في «التفسير» (١/ ١٦٨).
(٣) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٦٨).
(٤) ذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٥٨)، وعزاه لعبد بن حميد.
والأَمَانِيُّ: جمع أُمْنِيَّة، واختلف في معنى أَمانِيَّ، فقالت طائفة: هي هاهنا من:
تمنَّى الرجل، إذا ترجى، فمعناه أن منهم من لا يكْتُب ولا يقرأ، وإنما يقول بظنِّه شيئاً سمعه، فيتمنى أنه من الكتاب.
وقال آخرون: هي من تمنى إذا تلا، ومنه قول الشاعر: [الطويل]
تمنى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلِهِ... وَآخِرَهُ لاقى حِمَامَ المَقْادِرِ «١»
فمعنى الآية: أنهم لا يَعْلَمُون الكتاب إِلاَّ سماع شيْءٍ يتلى، لا عِلْمَ لهم بصحَّته.
وقال الطبريُّ: هي من تَمَنَّى الرجُلِ، إذا حدَّث بحديث مختلَقٍ كذبٍ، أي: لا يعلمون الكتاب إِلا سماعَ أشياء مختلَقَةٍ من أحبارهم، يظنُّونها من الكتاب.
ص «٢» : وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ: «إن» : نافية بمعنى «ما». انتهى.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٧٩ الى ٨٢]
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩) وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٠) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢)
وقوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ... الآية.
٢٦ أقال الخليلُ: «الوَيْلُ» : شِدَّةُ الشر، وهو مصدر، / لا فِعْلَ له، ويجمع على وَيْلاَتٍ، والأحسن فيه إِذا انفصل: الرفْعُ لأنه يقتضي الوقُوعَ، ويصحُّ النصب على معنى الدُّعَاء، أي: ألزمه اللَّه وَيْلاً، ووَيْلٌ ووَيْحٌ ووَيْسٌ تتقاربُ في المعنى، وقد فرق بينها قوم.
وروى سفيانُ، وعطاءُ بنُ يَسارٍ أن الوَيْلَ في هذه الآية وادٍ يجري بفناءِ جهنَّم من صديد أهل النار «٣».
تمنَّى الرجل، إذا ترجى، فمعناه أن منهم من لا يكْتُب ولا يقرأ، وإنما يقول بظنِّه شيئاً سمعه، فيتمنى أنه من الكتاب.
وقال آخرون: هي من تمنى إذا تلا، ومنه قول الشاعر: [الطويل]
تمنى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلِهِ... وَآخِرَهُ لاقى حِمَامَ المَقْادِرِ «١»
فمعنى الآية: أنهم لا يَعْلَمُون الكتاب إِلاَّ سماع شيْءٍ يتلى، لا عِلْمَ لهم بصحَّته.
وقال الطبريُّ: هي من تَمَنَّى الرجُلِ، إذا حدَّث بحديث مختلَقٍ كذبٍ، أي: لا يعلمون الكتاب إِلا سماعَ أشياء مختلَقَةٍ من أحبارهم، يظنُّونها من الكتاب.
ص «٢» : وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ: «إن» : نافية بمعنى «ما». انتهى.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٧٩ الى ٨٢]
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩) وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٠) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢)
وقوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ... الآية.
٢٦ أقال الخليلُ: «الوَيْلُ» : شِدَّةُ الشر، وهو مصدر، / لا فِعْلَ له، ويجمع على وَيْلاَتٍ، والأحسن فيه إِذا انفصل: الرفْعُ لأنه يقتضي الوقُوعَ، ويصحُّ النصب على معنى الدُّعَاء، أي: ألزمه اللَّه وَيْلاً، ووَيْلٌ ووَيْحٌ ووَيْسٌ تتقاربُ في المعنى، وقد فرق بينها قوم.
وروى سفيانُ، وعطاءُ بنُ يَسارٍ أن الوَيْلَ في هذه الآية وادٍ يجري بفناءِ جهنَّم من صديد أهل النار «٣».
(١) البيت من شواهد «المحرر الوجيز» (١/ ١٦٩) و «البحر المحيط» (١/ ٤٣٦)، و «الدر المصون» (١/ ٢٦٩). [.....]
(٢) «المجيد» ص ٣٠٨.
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٤٢٣) برقم (١٣٩٩) بلفظ «واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لا نماعت من شدة حره»، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٥٩)، وعزاه لابن مبارك في «الزهد»، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «البعث».
(٢) «المجيد» ص ٣٠٨.
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٤٢٣) برقم (١٣٩٩) بلفظ «واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لا نماعت من شدة حره»، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٥٩)، وعزاه لابن مبارك في «الزهد»، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «البعث».
268
وروى أبو سعيد الخدريّ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم «أنه وادٍ في جهنَّم بيْن جبَلَيْنِ يَهْوِي فيه الهاوِي أربعِينَ خَرِيفاً» «١».
وروى عثمانُ بن عفّان عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم «أنه جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ النَّار» «٢»، والذين يكْتُبُونَ:
هم الأحبار والرؤساء.
وبِأَيْدِيهِمْ قال ابن السَّرَّاج «٣» : هي كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم، والذي بدّلوه هو صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلم ليستديمُوا رياستهم ومكاسبهم، وذكر السُّدِّيُّ أنهم كانوا يكتبون كتبا يبدّلون فيها صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلم ويبيعونَهَا من الأَعراب، ويبثُّونها في أتباعهم، ويقولون هي من عبد اللَّه «٤»، والثَّمَنُ: قيل: عَرَضُ الدنيا، وقيل: الرُّشَا والمآكل التي كانت لهم، ويَكْسِبُونَ معناه: من المعاصي، وقيل: من المال الذي تضمنه ذكر الثَّمَن.
وقوله تعالى: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً... الآية: روى ابن زَيْد وغيره أنَّ سببها أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قَالَ لِلْيَهُودِ: «مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ، ثمّ تخلفونا أنتم،
وروى عثمانُ بن عفّان عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم «أنه جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ النَّار» «٢»، والذين يكْتُبُونَ:
هم الأحبار والرؤساء.
وبِأَيْدِيهِمْ قال ابن السَّرَّاج «٣» : هي كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم، والذي بدّلوه هو صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلم ليستديمُوا رياستهم ومكاسبهم، وذكر السُّدِّيُّ أنهم كانوا يكتبون كتبا يبدّلون فيها صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلم ويبيعونَهَا من الأَعراب، ويبثُّونها في أتباعهم، ويقولون هي من عبد اللَّه «٤»، والثَّمَنُ: قيل: عَرَضُ الدنيا، وقيل: الرُّشَا والمآكل التي كانت لهم، ويَكْسِبُونَ معناه: من المعاصي، وقيل: من المال الذي تضمنه ذكر الثَّمَن.
وقوله تعالى: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً... الآية: روى ابن زَيْد وغيره أنَّ سببها أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قَالَ لِلْيَهُودِ: «مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ، ثمّ تخلفونا أنتم،
(١) أخرجه الترمذي (٥/ ٣٢٠) كتاب «تفسير القرآن»، باب سورة الأنبياء، حديث (٣١٦٤)، وأحمد (٣/ ٧٥)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» رقم (٩٢٤)، وأبو يعلى (٢/ ٥٢٣) رقم (١٣٨٣)، وابن حبان (٢٦١٠- موارد)، والطبري (٢٩/ ١٥٥)، والحاكم (٤/ ٥٩٦)، ونعيم بن حماد في «زوائده» على «الزهد» لابن المبارك رقم (٣٣٤)، والبيهقي في «البعث والنشور» (ص ٢٧١) رقم (٤٦٤) من طرق عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري مرفوعا.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي قلت: وسنده ضعيف لضعف دراج كما هو معروف، وبعضهم يقبل حديثه عن أبي الهيثم.
قال الحافظ في «التقريب» (١/ ٢٣٥) : دراج صدوق في حديثه عن أبي الهيثم، ضعيف.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ١٥٩)، وزاد نسبته إلى هناد، وابن أبي الدنيا في «صفة النار»، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (١/ ٤٢٢) عن عثمان.
(٣) محمد بن السري بن سهل، أبو بكر: أحد أئمة الأدب والعربية. من أهل «بغداد»، كان يلثغ بالراء فيجعلها غينا. ويقال: ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله. مات شابا. وكان عارفا بالموسيقى. من كتبه: «الأصول» في النحو، و «شرح كتاب سيبويه»، و «الشعر والشعراء»، و «الخط والهجاء»، و «المواصلات والمذكرات في الأخبار». توفي في سنة ٣١٦ هـ.
ينظر: «بغية الوعاة» (٤٤)، و «طبقات النحويين واللغويين» (١٢٢)، و «نزهة الألباء» (٣١٣)، و «الأعلام» (٦/ ١٣٦).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ٤٢٢) برقم (١٣٩١)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٦٦٠)، وعزاه لابن أبي حاتم.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي قلت: وسنده ضعيف لضعف دراج كما هو معروف، وبعضهم يقبل حديثه عن أبي الهيثم.
قال الحافظ في «التقريب» (١/ ٢٣٥) : دراج صدوق في حديثه عن أبي الهيثم، ضعيف.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ١٥٩)، وزاد نسبته إلى هناد، وابن أبي الدنيا في «صفة النار»، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (١/ ٤٢٢) عن عثمان.
(٣) محمد بن السري بن سهل، أبو بكر: أحد أئمة الأدب والعربية. من أهل «بغداد»، كان يلثغ بالراء فيجعلها غينا. ويقال: ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله. مات شابا. وكان عارفا بالموسيقى. من كتبه: «الأصول» في النحو، و «شرح كتاب سيبويه»، و «الشعر والشعراء»، و «الخط والهجاء»، و «المواصلات والمذكرات في الأخبار». توفي في سنة ٣١٦ هـ.
ينظر: «بغية الوعاة» (٤٤)، و «طبقات النحويين واللغويين» (١٢٢)، و «نزهة الألباء» (٣١٣)، و «الأعلام» (٦/ ١٣٦).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ٤٢٢) برقم (١٣٩١)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٦٦٠)، وعزاه لابن أبي حاتم.
269
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ
ﱒ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ
ﱓ
ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ
ﱔ
فَقَالَ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّا لاَ نَخْلُفُكُمْ» فنزلَتْ هذه الآية «١».
قال أهل التفسير: العهد في هذه الآية: الميثاقُ والموعد، و «بلى» رد بعد النفْيِ بمنزلة «نَعَمْ» بعد الإِيجاب «٢»، وقالت طائفة: السيئة هنا الشرك كقوله تعالى: وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ [النمل: ٩٠] والخَطِيئاتُ: كبائر الذنوب، قال الحسن بن أبي الحسن، والسُّدِّيُّ: كل ما توعد اللَّه عليه بالنار، فهي الخطيئة المحيطَةُ «٣»، والخلودُ في هذه الآية على الإِطلاق والتأبيد في الكُفَّار، ومستعار بمعنى الطُّول في العُصَاة، وإِن علم انقطاعه.
قال محمَّد بن عبد اللَّه اللَّخْمِيُّ في مختصره للطبريِّ: أجمعتِ الأمَّة على تخليد مَنْ مات كافراً، وتظاهرت الرواياتُ الصحيحةُ عن الرسول صلّى الله عليه وسلم والسلفِ الصالح، بأن عصاة أهل التوحيد لا يخلَّدون في النار، ونطق القرآن ب إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: ١١٦] لكن من خاف على لَحْمه ودَمِه، اجتنب كل ما جاء فيه الوعيدُ، ولم يتجاسَرْ على المعاصي اتكالا على ما يرى لنفسه من التوحيد، فقد كان السلف وخيار الأمة يخافُون سلْب الإِيمان على أنفسهم، ويخافون النفاقَ عليها، وقد تظاهرتْ بذلك عنهم الأخبار. انتهى.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا... الآية: يدلُّ هذا التقسيم على أن قوله تعالى:
بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً... الآية في الكفار، لا في العصاة ويدل على ذلك أيضاً قوله:
وَأَحاطَتْ لأن العاصي مؤمنٌ، فلم تحط به خطيئاته ويدل على ذلك أيضاً أن الردَّ كان على كُفَّارٍ ادَّعَوْا أنَّ النَّارَ لا تَمَسُّهم إلا أياماً معدودةً، فهم المراد بالخلود، والله أعلم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٣ الى ٨٥]
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥)
قال أهل التفسير: العهد في هذه الآية: الميثاقُ والموعد، و «بلى» رد بعد النفْيِ بمنزلة «نَعَمْ» بعد الإِيجاب «٢»، وقالت طائفة: السيئة هنا الشرك كقوله تعالى: وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ [النمل: ٩٠] والخَطِيئاتُ: كبائر الذنوب، قال الحسن بن أبي الحسن، والسُّدِّيُّ: كل ما توعد اللَّه عليه بالنار، فهي الخطيئة المحيطَةُ «٣»، والخلودُ في هذه الآية على الإِطلاق والتأبيد في الكُفَّار، ومستعار بمعنى الطُّول في العُصَاة، وإِن علم انقطاعه.
قال محمَّد بن عبد اللَّه اللَّخْمِيُّ في مختصره للطبريِّ: أجمعتِ الأمَّة على تخليد مَنْ مات كافراً، وتظاهرت الرواياتُ الصحيحةُ عن الرسول صلّى الله عليه وسلم والسلفِ الصالح، بأن عصاة أهل التوحيد لا يخلَّدون في النار، ونطق القرآن ب إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: ١١٦] لكن من خاف على لَحْمه ودَمِه، اجتنب كل ما جاء فيه الوعيدُ، ولم يتجاسَرْ على المعاصي اتكالا على ما يرى لنفسه من التوحيد، فقد كان السلف وخيار الأمة يخافُون سلْب الإِيمان على أنفسهم، ويخافون النفاقَ عليها، وقد تظاهرتْ بذلك عنهم الأخبار. انتهى.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا... الآية: يدلُّ هذا التقسيم على أن قوله تعالى:
بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً... الآية في الكفار، لا في العصاة ويدل على ذلك أيضاً قوله:
وَأَحاطَتْ لأن العاصي مؤمنٌ، فلم تحط به خطيئاته ويدل على ذلك أيضاً أن الردَّ كان على كُفَّارٍ ادَّعَوْا أنَّ النَّارَ لا تَمَسُّهم إلا أياماً معدودةً، فهم المراد بالخلود، والله أعلم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٣ الى ٨٥]
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥)
(١) أخرجه الطبري (١/ ٤٢٦) برقم (١٤٦٢). وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٦٣)، وعزاه لابن جرير.
(٢) ينظر: «مغني اللبيب» ص ١١٣، ص ٣٤٦، ص ٣٤٨.
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٤٣٠) برقم (١٤٣٨) عن الحسن، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٦٤)، وعزاه لوكيع.
(٢) ينظر: «مغني اللبيب» ص ١١٣، ص ٣٤٦، ص ٣٤٨.
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٤٣٠) برقم (١٤٣٨) عن الحسن، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٦٤)، وعزاه لوكيع.
270
وقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ... الآية: أخذ اللَّه سبحانه الميثاق عليهم على لسان موسى- عليه السلام- وغيره من أنبيائهم، وأخْذ الميثاق قولٌ، فالمعنى:
قلنا لهم: لاَ تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ... الآية، قال سيبوَيْهِ: «لا تعبدون: متلق لقسم» والمعنى: وإذ استحلفناهم، واللَّهِ/ لا تعبدونَ إلاَّ اللَّه، وفي الإحسان تدخل أنواع برّ ٢٦ ب الوالدين كلُّها، واليُتْم في بَنِي آدمَ: فَقْدُ الأب، وفي البهائم فقد الأمّ، وقال صلّى الله عليه وسلم: «لاَ يُتْمَ بَعْدَ بُلُوغٍ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لاَ شَيْءَ لَهُ»، وقيل: هو الذي له بُلْغَةٌ، والآية تتضمَّن الرأفة باليتامى، وحيطة أموالهم، والحضّ على الصدقة، والمواساة، وتفقُّد المساكين.
وقوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً: أمر عطف على ما تضمَّنه لاَ تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وما بعده، وقرأ حمزة والكسَائِيُّ «١» :«حَسَناً» بفتح الحاء والسين، قال الأخفش «٢» :
وهما بمعنى واحدٍ، وقال الزجَّاج «٣» وغيره: بل المعنى في القراءة الثانية، وقولوا «قَوْلاً حَسَناً» بفتح الحاء والسين، أو قولاً ذا حُسْن بضم الحاء وسكون السين في الأولى قال ابن عبَّاس: معنى الكلام قولُوا للنَّاس: لا إله إلا اللَّه، ومُرُوهم بها «٤»، وقال ابن جُرَيْجٍ:
قولوا لهم حُسْناً في الإعلام بما في كتابكم من صفة محمَّد صلّى الله عليه وسلم «٥»، وقال سفيان الثّوريّ «٦» :
قلنا لهم: لاَ تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ... الآية، قال سيبوَيْهِ: «لا تعبدون: متلق لقسم» والمعنى: وإذ استحلفناهم، واللَّهِ/ لا تعبدونَ إلاَّ اللَّه، وفي الإحسان تدخل أنواع برّ ٢٦ ب الوالدين كلُّها، واليُتْم في بَنِي آدمَ: فَقْدُ الأب، وفي البهائم فقد الأمّ، وقال صلّى الله عليه وسلم: «لاَ يُتْمَ بَعْدَ بُلُوغٍ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لاَ شَيْءَ لَهُ»، وقيل: هو الذي له بُلْغَةٌ، والآية تتضمَّن الرأفة باليتامى، وحيطة أموالهم، والحضّ على الصدقة، والمواساة، وتفقُّد المساكين.
وقوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً: أمر عطف على ما تضمَّنه لاَ تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وما بعده، وقرأ حمزة والكسَائِيُّ «١» :«حَسَناً» بفتح الحاء والسين، قال الأخفش «٢» :
وهما بمعنى واحدٍ، وقال الزجَّاج «٣» وغيره: بل المعنى في القراءة الثانية، وقولوا «قَوْلاً حَسَناً» بفتح الحاء والسين، أو قولاً ذا حُسْن بضم الحاء وسكون السين في الأولى قال ابن عبَّاس: معنى الكلام قولُوا للنَّاس: لا إله إلا اللَّه، ومُرُوهم بها «٤»، وقال ابن جُرَيْجٍ:
قولوا لهم حُسْناً في الإعلام بما في كتابكم من صفة محمَّد صلّى الله عليه وسلم «٥»، وقال سفيان الثّوريّ «٦» :
(١) ينظر: «العنوان»، (٧٠)، و «حجة القراءات» (١٠٣)، و «الحجة» (٢/ ١٢٦)، و «شرح الطيبة» (٤/ ٤٤)، و «شرح شعلة» (٢٦٧)، و «إتحاف» (١/ ٤٠١)، و «معاني القراءات» للأزهري (١/ ١٦٠).
والكسائي هو: علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء، الكوفي، أبو الحسن الكسائي: إمام في اللغة والنحو والقراءة. من تصانيفه: «معاني القرآن»، و «المصادر»، و «الحروف»، و «القراءات»، و «النوادر»، و «المتشابه في القرآن»، و «ما يلحن فيه العوام». توفي ب «الري» في «العراق» سنة ١٨٩ هـ.
ينظر: «ابن خلكان» (١/ ٣٣٠)، «تاريخ بغداد» (١١/ ٤٠٣)، «الأعلام» (٤/ ٢٨٣).
(٢) «معاني القرآن» (١/ ٣٠٨)، و «المحتسب» (٢/ ٣٦٣).
(٣) «معاني القرآن» (١/ ١٦٤).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ٤٣٢) برقم (١٤٥٠) من طريق سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس. وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٦٥)، وعزاه لابن جرير.
(٥) ذكره ابن عطية في تفسيره (١/ ١٧٣) عن ابن جريج. [.....]
(٦) سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهب بن منقذ بن نصر بن الحكم بن الحارث بن مالك بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أدّ بن طابخة على الصحيح، وقيل: من ثور همدان، الثوري، أبو عبد الله الكوفي، أحد الأئمة الأعلام، كان من الفضلاء، وكان لا يسمع شيئا إلّا حفظه، كان متقنا ضابطا زاهدا ورعا. ولد سنة سبع وسبعين، وتوفي ب «البصرة» سنة ١٦١ هـ. -
والكسائي هو: علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء، الكوفي، أبو الحسن الكسائي: إمام في اللغة والنحو والقراءة. من تصانيفه: «معاني القرآن»، و «المصادر»، و «الحروف»، و «القراءات»، و «النوادر»، و «المتشابه في القرآن»، و «ما يلحن فيه العوام». توفي ب «الري» في «العراق» سنة ١٨٩ هـ.
ينظر: «ابن خلكان» (١/ ٣٣٠)، «تاريخ بغداد» (١١/ ٤٠٣)، «الأعلام» (٤/ ٢٨٣).
(٢) «معاني القرآن» (١/ ٣٠٨)، و «المحتسب» (٢/ ٣٦٣).
(٣) «معاني القرآن» (١/ ١٦٤).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ٤٣٢) برقم (١٤٥٠) من طريق سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس. وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٦٥)، وعزاه لابن جرير.
(٥) ذكره ابن عطية في تفسيره (١/ ١٧٣) عن ابن جريج. [.....]
(٦) سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهب بن منقذ بن نصر بن الحكم بن الحارث بن مالك بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أدّ بن طابخة على الصحيح، وقيل: من ثور همدان، الثوري، أبو عبد الله الكوفي، أحد الأئمة الأعلام، كان من الفضلاء، وكان لا يسمع شيئا إلّا حفظه، كان متقنا ضابطا زاهدا ورعا. ولد سنة سبع وسبعين، وتوفي ب «البصرة» سنة ١٦١ هـ. -
271
معناه: مروهم بالمَعْروف، وانهوهم عن المُنْكَر «١»، وقال أبو العالية: قولوا لهم الطيبَ من القول، وحاورُوهم بأحسن ما تُحِبُّونَ أن تحاوروا به «٢»، وهذا حضٌّ على مكارم الأخلاق، وزكاتُهم هي التي كانوا يَضعُونها، وتنزل النار على ما تقبّل منها، دون ما لم يتقبل.
٢٧ أوقوله تعالى: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ... الآية: خطابٌ لمعاصري النبيِّ صلّى الله عليه وسلم أسند إليهم تولّي أسلافهم إِذ هم كلُّهم بتلك السبيل، قال نحوه ابنُ عَبَّاس وغيره «٣». والمراد بالقليلِ المستثنى جميعُ مؤمنيهم قديماً من أسلافهم، وحديثاً كابن سَلاَمٍ وغيره، والقِلَّة على هذا هي في عدد الأشخاصِ، ويحتمل أن تكون القِلَّة في الإِيمان، والأول أقوى.
ص «٤» : إِلَّا قَلِيلًا: منصوب على الاستثناء، وهو الأفصح لأنه استثناءٌ من موجب، وروي عن أبي عَمرو «٥» :«إلاَّ قَلِيلٌ» بالرفع، ووجَّهه ابن عطية على بدل قليل من ضمير: «تَوَلَّيتُمْ» على أن معنى «تَوَلَّيْتُم» النفي، أي: لم يف بالميثاق إلا قليل، ورد بمنع النحويِّين البدل من الموجب لأن البدل يحل محلَّ المبدل منه، فلو قلْت: قام إلا زيد، لم يجز لأن «إِلاَّ» لا تدخل في الموجب، وتأويله الإِيجاب بالنفْي يلزم في كل موجب باعتبار نفي ضده أو نقيضه فيجوز إِذَنْ: «قَامَ القَوْمُ إلاَّ زَيْدٌ» على تأويل: «لَمْ يَجْلِسُوا إِلاَّ زَيْدٌ» ولم تبن العَرَب على ذلك كلامها، وإِنما أجازوا: «قام القَوْمُ إِلاَّ زَيْدٌ» بالرفع على الصفة، وقد عقد سيبوَيْه «٦» لذلك بابا في كتابه. انتهى.
ودِماءَكُمْ: جمع دَمٍ، وهو اسمٌ منقوصٌ. أصله «دَمَيٌ» وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ
٢٧ أوقوله تعالى: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ... الآية: خطابٌ لمعاصري النبيِّ صلّى الله عليه وسلم أسند إليهم تولّي أسلافهم إِذ هم كلُّهم بتلك السبيل، قال نحوه ابنُ عَبَّاس وغيره «٣». والمراد بالقليلِ المستثنى جميعُ مؤمنيهم قديماً من أسلافهم، وحديثاً كابن سَلاَمٍ وغيره، والقِلَّة على هذا هي في عدد الأشخاصِ، ويحتمل أن تكون القِلَّة في الإِيمان، والأول أقوى.
ص «٤» : إِلَّا قَلِيلًا: منصوب على الاستثناء، وهو الأفصح لأنه استثناءٌ من موجب، وروي عن أبي عَمرو «٥» :«إلاَّ قَلِيلٌ» بالرفع، ووجَّهه ابن عطية على بدل قليل من ضمير: «تَوَلَّيتُمْ» على أن معنى «تَوَلَّيْتُم» النفي، أي: لم يف بالميثاق إلا قليل، ورد بمنع النحويِّين البدل من الموجب لأن البدل يحل محلَّ المبدل منه، فلو قلْت: قام إلا زيد، لم يجز لأن «إِلاَّ» لا تدخل في الموجب، وتأويله الإِيجاب بالنفْي يلزم في كل موجب باعتبار نفي ضده أو نقيضه فيجوز إِذَنْ: «قَامَ القَوْمُ إلاَّ زَيْدٌ» على تأويل: «لَمْ يَجْلِسُوا إِلاَّ زَيْدٌ» ولم تبن العَرَب على ذلك كلامها، وإِنما أجازوا: «قام القَوْمُ إِلاَّ زَيْدٌ» بالرفع على الصفة، وقد عقد سيبوَيْه «٦» لذلك بابا في كتابه. انتهى.
ودِماءَكُمْ: جمع دَمٍ، وهو اسمٌ منقوصٌ. أصله «دَمَيٌ» وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ
- ينظر: «الخلاصة» (١/ ٣٩٦) (٢٥٨٤)، «ابن سعد» (٦/ ٢٥٧- ٢٦٠)، و «الحلية» (٦/ ٣٥٦- ٤٩٣)، و (٧/ ٣- ١٤١).
(١) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ١٧٣) عن سفيان الثوري.
(٢) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ١٧٣) عن أبي العالية.
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٤٣٨) برقم (١٤٦٥) بلفظ: «أي تركتم ذلك كله»، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٦٥)، وعزاه لابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٤) «المجيد» ص ٣١٩.
(٥) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٧٣)، و «البحر المحيط» (١/ ٤٥٥)، و «الدر المصون» (١/ ٢٨٠)، و «حاشية الشيخ زادة على البيضاوي» (١/ ٣٤٥).
وهو زيان (وقيل غير ذلك) أبو عمرو بن العلاء، البصري، أحد القراء السبعة، قرأ على سعيد بن جبير، وشيبة بن نصاح، وعاصم بن أبي النجود، روى القراءة عنه عرضا وسماعا حسين بن علي الجعفي، وخارجة بن مصعب، مات سنة ١٥٤ هـ.
ينظر: «غاية النهاية» (١/ ٢٨٨)، و «طبقات الزبيدي» (ص ٣٥).
(٦) ينظر: «الكتاب» (٢/ ٣٣٠- ٣٣١).
(١) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ١٧٣) عن سفيان الثوري.
(٢) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ١٧٣) عن أبي العالية.
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٤٣٨) برقم (١٤٦٥) بلفظ: «أي تركتم ذلك كله»، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٦٥)، وعزاه لابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٤) «المجيد» ص ٣١٩.
(٥) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٧٣)، و «البحر المحيط» (١/ ٤٥٥)، و «الدر المصون» (١/ ٢٨٠)، و «حاشية الشيخ زادة على البيضاوي» (١/ ٣٤٥).
وهو زيان (وقيل غير ذلك) أبو عمرو بن العلاء، البصري، أحد القراء السبعة، قرأ على سعيد بن جبير، وشيبة بن نصاح، وعاصم بن أبي النجود، روى القراءة عنه عرضا وسماعا حسين بن علي الجعفي، وخارجة بن مصعب، مات سنة ١٥٤ هـ.
ينظر: «غاية النهاية» (١/ ٢٨٨)، و «طبقات الزبيدي» (ص ٣٥).
(٦) ينظر: «الكتاب» (٢/ ٣٣٠- ٣٣١).
272
: معناه: ولا ينفي بعضكم بعضاً بالفتنة والبغْي، وكذلك حكم كلّ جماعة تخاطب بهذا اللفظ في القول.
وقوله تعالى: ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ، أي: خَلفَاً بعد سَلَف، أن هذا الميثاق أخذ عليكم، وقوله: وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ قيل: الخطابُ يُرادُ به من سلف منهم، والمعنى: وأنتم شهود، أي: حُضور أخْذ الميثاق والإِقرار.
وقيل: المراد: من كان في مدة محمّد صلّى الله عليه وسلم والمعنى: وأنتم شهداء، أي: بيِّنةَ أن الميثاق أخذ على أسلافكم، فمنْ بعدهم منْكُمْ.
وقوله تعالى: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ... الآية: هؤُلاءِ دالَّةٌ على أن المخاطبة للحاضرين لا تحتمل ردًّا إلى الأسلاف، قيل: تقدير الكلام: / يا هؤلاء، فحذف ٢٧ ب حرف النداء، ولا يحسن حذفه عند سيبوَيْه «١»، مع المبهمات.
وقال الأستاذ الأَجَلُّ أبو الحسن بن أحمد «٢»...
وقوله تعالى: ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ، أي: خَلفَاً بعد سَلَف، أن هذا الميثاق أخذ عليكم، وقوله: وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ قيل: الخطابُ يُرادُ به من سلف منهم، والمعنى: وأنتم شهود، أي: حُضور أخْذ الميثاق والإِقرار.
وقيل: المراد: من كان في مدة محمّد صلّى الله عليه وسلم والمعنى: وأنتم شهداء، أي: بيِّنةَ أن الميثاق أخذ على أسلافكم، فمنْ بعدهم منْكُمْ.
وقوله تعالى: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ... الآية: هؤُلاءِ دالَّةٌ على أن المخاطبة للحاضرين لا تحتمل ردًّا إلى الأسلاف، قيل: تقدير الكلام: / يا هؤلاء، فحذف ٢٧ ب حرف النداء، ولا يحسن حذفه عند سيبوَيْه «١»، مع المبهمات.
وقال الأستاذ الأَجَلُّ أبو الحسن بن أحمد «٢»...
(١) إلى مذهب سيبويه والبصريين أشار ابن مالك بقوله: [الرجز]
أي: ذاك التعرّي من حرف النداء يكون مع اسم الجنس، واسم الإشارة- كما في الآية- قليلا، وهو مذهب الكوفيين، وأما من منع الحذف معهما- وهم البصريون وسيبويه- فهم محجوجون بما روي من أشعار العرب مما لا يمكن ردّه، فمما ورد في اسم الإشارة قوله: [الطويل]
وقوله: [البسيط]
وقوله: [الخفيف]
وجعل منه قوله تعالى: ثُمَّ أَنْتُمْ- هؤُلاءِ- تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة: ٨٥].
واعلم أن هذا الحذف مع اسم الجنس واسم الإشارة مقيس مطرد عند الكوفيين، وأما مذهب البصريين وسيبويه فشاذ أو ضرورة كما أشار المصنف إليه بمنع سيبويه الحذف.
(٢) قال أبو حيان: وهو أبو الحسن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري، من أهل بلدنا «غرناطة»، يعرف بابن الباذش، وهو والد الإمام أبي جعفر أحمد مؤلف كتاب «الإقناع» في القراءات، وله اختيارات في النحو، حدث بكتاب سيبويه عن الوزير أبي بكر محمد بن هشام المصحفي، وعلق عنه في النحو على كتاب «الجمل» و «الإيضاح»، ومسائل من «كتاب سيبويه».
وقال السيوطي: وفي «تاريخ غرناطة» : أوحد في زمانه إتقانا ومعرفة، وتفرّدا بعلم العربيّة، ومشاركة في غيرها. حسن الخطّ، كبير الفضل، مشاركا في الحديث، عالما بأسماء رجاله ونقلته، مع الدين والفضل-
| وذاك في اسم الجنس والمشار له | قلّ، ومن يمنعه فانصر عاذله |
| إذا هملت عيني لها قال صاحبي | بمثلك- هذا- لوعة وغرام |
| إنّ الألى وصفوا قومي لهم فبهم | هذا- اعتصم، تلق من عاداك مخذولا |
| ذا، أرعواء، فليس بعد اشتعال الر | رأس شيبا إلى الصّبا من سبيل |
واعلم أن هذا الحذف مع اسم الجنس واسم الإشارة مقيس مطرد عند الكوفيين، وأما مذهب البصريين وسيبويه فشاذ أو ضرورة كما أشار المصنف إليه بمنع سيبويه الحذف.
(٢) قال أبو حيان: وهو أبو الحسن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري، من أهل بلدنا «غرناطة»، يعرف بابن الباذش، وهو والد الإمام أبي جعفر أحمد مؤلف كتاب «الإقناع» في القراءات، وله اختيارات في النحو، حدث بكتاب سيبويه عن الوزير أبي بكر محمد بن هشام المصحفي، وعلق عنه في النحو على كتاب «الجمل» و «الإيضاح»، ومسائل من «كتاب سيبويه».
وقال السيوطي: وفي «تاريخ غرناطة» : أوحد في زمانه إتقانا ومعرفة، وتفرّدا بعلم العربيّة، ومشاركة في غيرها. حسن الخطّ، كبير الفضل، مشاركا في الحديث، عالما بأسماء رجاله ونقلته، مع الدين والفضل-
273
٢٨ أشيخنا «١» : هؤُلاءِ: رفع بالابتداء، وأَنْتُمْ: خبر، وتَقْتُلُونَ، حال بها تَمَّ المعنى، وهي المقصود.
ص «٢» : قال الشيخ أبو حَيَّان: ما نقله ابن عطية عن شيخه أبي الحسن بن البَادْش من جعله هؤُلاءِ مبتدأ، وأَنْتُمْ خبر مقدَّم، لا أدري ما العلَّة في ذلك، وفي عدوله عن جعل أَنْتُمْ مبتدأ، وهؤُلاءِ الخبر، إلى عكسه. انتهى.
ت: قيل: العلة في ذلك دخولُ هاء التنبيه عليه لاختصاصها بأول الكلام ويدلُّ على ذلك قولهم: «هَأَنَذَا قَائِماً»، ولم يقولوا: «أَنَا هَذَا قَائِماً»، قال معناه ابنُ هِشَامٍ «٣»، ف «قَائِماً»، في المثال المتقدِّم نصب على الحال. انتهى.
وهذه الآية خطابٌ لقُرَيْظة، والنضير، وبني قَيْنُقَاع، وذلك أن النَّضِيرَ وقُرَيْظة حَالَفَت الأوسَ، وبني قَيْنُقَاع حالفتِ الخزرج، فكانوا إِذا وقعتِ الحربُ بين بني قَيْلَة، ذهبت كل طائفة من بني إسرائيل مع أحلافها، فقتل بعضهم بعضاً، وأخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، وكانوا مع ذلك يفدي بعضهم أسرى بعض اتباعا لحكم التوراة، وهم قد خالَفُوها بالقتَالِ، والإِخراج.
والديارُ: مباني الإِقامة، وقال الخليلُ: «مَحَلَّةِ القَوْمِ: دَارُهُمْ».
ومعنى تَظاهَرُونَ: تتعاونون، والْعُدْوانِ: تجاوز الحدود، والظلم.
ص «٢» : قال الشيخ أبو حَيَّان: ما نقله ابن عطية عن شيخه أبي الحسن بن البَادْش من جعله هؤُلاءِ مبتدأ، وأَنْتُمْ خبر مقدَّم، لا أدري ما العلَّة في ذلك، وفي عدوله عن جعل أَنْتُمْ مبتدأ، وهؤُلاءِ الخبر، إلى عكسه. انتهى.
ت: قيل: العلة في ذلك دخولُ هاء التنبيه عليه لاختصاصها بأول الكلام ويدلُّ على ذلك قولهم: «هَأَنَذَا قَائِماً»، ولم يقولوا: «أَنَا هَذَا قَائِماً»، قال معناه ابنُ هِشَامٍ «٣»، ف «قَائِماً»، في المثال المتقدِّم نصب على الحال. انتهى.
وهذه الآية خطابٌ لقُرَيْظة، والنضير، وبني قَيْنُقَاع، وذلك أن النَّضِيرَ وقُرَيْظة حَالَفَت الأوسَ، وبني قَيْنُقَاع حالفتِ الخزرج، فكانوا إِذا وقعتِ الحربُ بين بني قَيْلَة، ذهبت كل طائفة من بني إسرائيل مع أحلافها، فقتل بعضهم بعضاً، وأخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، وكانوا مع ذلك يفدي بعضهم أسرى بعض اتباعا لحكم التوراة، وهم قد خالَفُوها بالقتَالِ، والإِخراج.
والديارُ: مباني الإِقامة، وقال الخليلُ: «مَحَلَّةِ القَوْمِ: دَارُهُمْ».
ومعنى تَظاهَرُونَ: تتعاونون، والْعُدْوانِ: تجاوز الحدود، والظلم.
- والزّهد والانقباض عن أهل الدنيا، قرأ على نعم الخلف وغيره. وحدّث عن القاضي عياض وغيره، وأمّ بجامع «غرناطة».
وصنّف: شرح «كتاب سيبويه»، و «المقتضب» وشرح «أصول ابن السّراج»، وشرح «الإيضاح»، وشرح «الجمل»، وشرح «الكافي» للنحاس. توفي سنة ثمان وعشرين وخمسمائة.
ينظر: «البحر المحيط» (١/ ٤٥٨)، و «بغية الوعاة» (٢/ ١٤٢- ١٤٣).
(١) هذا من كلام ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ١٧٤).
(٢) «المجيد» ص ٣٢٢.
(٣) عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن يوسف، أبو محمد، جمال الدين، ابن هشام، من أئمة العربية، قال ابن خلدون: ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر ب «مصر» عالم بالعربية يقال له: «ابن هشام»، أنحى من سيبويه. من تصانيفه: «مغني اللبيب عن كتب الأعاريب- ط» و «عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب»، و «الجامع الصغير»، و «الجامع الكبير»، وغيرها، وتوفي سنة ٥٦٧ هـ.
ب «مصر».
ينظر: «الأعلام» (٤/ ١٤٧)، «الدرر الكامنة» (٢/ ٣٠٨)، «النجوم الزاهرة» (١٠/ ٣٣٦). [.....]
وصنّف: شرح «كتاب سيبويه»، و «المقتضب» وشرح «أصول ابن السّراج»، وشرح «الإيضاح»، وشرح «الجمل»، وشرح «الكافي» للنحاس. توفي سنة ثمان وعشرين وخمسمائة.
ينظر: «البحر المحيط» (١/ ٤٥٨)، و «بغية الوعاة» (٢/ ١٤٢- ١٤٣).
(١) هذا من كلام ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ١٧٤).
(٢) «المجيد» ص ٣٢٢.
(٣) عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن يوسف، أبو محمد، جمال الدين، ابن هشام، من أئمة العربية، قال ابن خلدون: ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر ب «مصر» عالم بالعربية يقال له: «ابن هشام»، أنحى من سيبويه. من تصانيفه: «مغني اللبيب عن كتب الأعاريب- ط» و «عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب»، و «الجامع الصغير»، و «الجامع الكبير»، وغيرها، وتوفي سنة ٥٦٧ هـ.
ب «مصر».
ينظر: «الأعلام» (٤/ ١٤٧)، «الدرر الكامنة» (٢/ ٣٠٨)، «النجوم الزاهرة» (١٠/ ٣٣٦). [.....]
274
وقرأ حمزة «١» :«أسرى تفدوهم»، وأُسارى: جمع أَسِيرٍ، مأخوذ من الأَسْر، وهو الشَّدُّ، ثم كثر استعماله حتى لزم، وإن لم يكنْ ثَمَّ رَبْطٌ ولا شَدٌّ، وأَسِيرٌ: فَعِيلِ:
بمعنى مفعول، وتُفادُوهُمْ: معناه في اللغة: تطلقونهم بعد أن تأخذوا عنهم شيئاً، وقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: يقال: فدى، إِذا أعطى مالاً، وأخذ رجلاً، وفادى، إِذا أعطى رجلاً، وأخذ رجُلاً فتُفْدُوهم: معناه بالمالِ، وتُفَادُوهم، أي: مفادات الأسير بالأسير. انتهى.
ت: وفي الحديث من قوْل العَبَّاس رضي اللَّه عنه: «فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وعَقِيلاً»، وظاهره لا فَرْق بينهما.
وقوله تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ... الآية: والذي آمنوا به فداءُ الأسارى، والذي كَفَرُوا به قتْلُ بعضهم بعضاً، وإِخراجُهُمْ من ديارهم، وهذا توبيخٌ لهم وبيانٌ لقبح فعلهم، والخِزْيُ: الفضيحة، والعقوبة، فقيل: خزيهم: ضرْبُ الجزية عليهم غابَر الدهر، وقيل: قتل قريظة، وإِجلاءُ النضير، وقيل: الخزْيُ الذي تتوعَّد به الأمة من الناس هو غلبة العدوّ.
والدُّنْيا: مأخوذةٌ من دَنَا يدْنُو، وأصل الياء فيها واوٌ، ولكن أبدلتْ فرقاً بين الأسماء والصفات، وأَشَدِّ الْعَذابِ: الخلودُ في جهنم.
وقوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ قرأ نافعٌ، وابن كَثِير «٢» بياءٍ على ذِكْر الغائب، فالخطاب بالآية لأمة محمّد صلّى الله عليه وسلم والآية واعظةٌ لهم بالمعنى، إذ اللَّه تعالى بالمرصاد لكل كافر وعاص.
وقرأ الباقون بتاء على الخطاب لمن تقدَّم ذكره في الآية قبل هذا وهو قوله:
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ... الآية، وهو الأظهر، ويحتمل أن يكون لأمة محمّد صلّى الله عليه وسلم فقد رُوِيَ أنَّ عمر بن الخَطَّاب- رضي اللَّه عنه- قال: «إِنَّ بنِي إِسرائيل قد مضَوْا، وأنتم الذين تُعْنَوْنَ بهذا، يا أمة محمّد يريد هذا، وما يجري مجراه «٣» /.
بمعنى مفعول، وتُفادُوهُمْ: معناه في اللغة: تطلقونهم بعد أن تأخذوا عنهم شيئاً، وقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: يقال: فدى، إِذا أعطى مالاً، وأخذ رجلاً، وفادى، إِذا أعطى رجلاً، وأخذ رجُلاً فتُفْدُوهم: معناه بالمالِ، وتُفَادُوهم، أي: مفادات الأسير بالأسير. انتهى.
ت: وفي الحديث من قوْل العَبَّاس رضي اللَّه عنه: «فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وعَقِيلاً»، وظاهره لا فَرْق بينهما.
وقوله تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ... الآية: والذي آمنوا به فداءُ الأسارى، والذي كَفَرُوا به قتْلُ بعضهم بعضاً، وإِخراجُهُمْ من ديارهم، وهذا توبيخٌ لهم وبيانٌ لقبح فعلهم، والخِزْيُ: الفضيحة، والعقوبة، فقيل: خزيهم: ضرْبُ الجزية عليهم غابَر الدهر، وقيل: قتل قريظة، وإِجلاءُ النضير، وقيل: الخزْيُ الذي تتوعَّد به الأمة من الناس هو غلبة العدوّ.
والدُّنْيا: مأخوذةٌ من دَنَا يدْنُو، وأصل الياء فيها واوٌ، ولكن أبدلتْ فرقاً بين الأسماء والصفات، وأَشَدِّ الْعَذابِ: الخلودُ في جهنم.
وقوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ قرأ نافعٌ، وابن كَثِير «٢» بياءٍ على ذِكْر الغائب، فالخطاب بالآية لأمة محمّد صلّى الله عليه وسلم والآية واعظةٌ لهم بالمعنى، إذ اللَّه تعالى بالمرصاد لكل كافر وعاص.
وقرأ الباقون بتاء على الخطاب لمن تقدَّم ذكره في الآية قبل هذا وهو قوله:
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ... الآية، وهو الأظهر، ويحتمل أن يكون لأمة محمّد صلّى الله عليه وسلم فقد رُوِيَ أنَّ عمر بن الخَطَّاب- رضي اللَّه عنه- قال: «إِنَّ بنِي إِسرائيل قد مضَوْا، وأنتم الذين تُعْنَوْنَ بهذا، يا أمة محمّد يريد هذا، وما يجري مجراه «٣» /.
(١) وقرأ الجماعة غير حمزة «أسارى»، وقرأ هو أسرى، وقرىء «أسارى» بفتح الهمزة.
ينظر: «الحجة للقراء السبعة» (٢/ ١٤٣)، و «حجة القراءات» (١٠٤)، و «العنوان» (٧٠)، و «إتحاف» (١/ ٤٠٢)، و «شرح الطيبة» (٤/ ٤٥)، و «شرح شعلة» (٢٦٨)، و «البحر المحيط» (١/ ٤٥٩).
(٢) ينظر: «حجة القراءات» (١٠٥)، وشرح «طيبة النشر»، (٤/ ٤٠)، وشرح «شعلة» (٢٦٦)، و «إتحاف فضلاء البشر» (١/ ٤٠٣).
(٣) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٧٦).
ينظر: «الحجة للقراء السبعة» (٢/ ١٤٣)، و «حجة القراءات» (١٠٤)، و «العنوان» (٧٠)، و «إتحاف» (١/ ٤٠٢)، و «شرح الطيبة» (٤/ ٤٥)، و «شرح شعلة» (٢٦٨)، و «البحر المحيط» (١/ ٤٥٩).
(٢) ينظر: «حجة القراءات» (١٠٥)، وشرح «طيبة النشر»، (٤/ ٤٠)، وشرح «شعلة» (٢٦٦)، و «إتحاف فضلاء البشر» (١/ ٤٠٣).
(٣) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٧٦).
275
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٦ الى ٨٨]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨)وقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ... الآية: جعل اللَّه ترك الآخرةِ، وأخْذَ الدنيا عوضاً عنها، مع قدرتهم على التمسُّك بالآخرة- بمنزلة من أخذها، ثم باعها بالدنيا، فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ، في الآخرة، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ لا في الدنيا، ولا في الآخرة.
ص «١» : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ: «اللام» في «لَقَدْ» : يحتمل أن تكون توكيداً، ويحتمل أن تكون جواب قسم، وموسى هو المفعول الأول، والكتاب الثانِي، وعكس السّهيليّ.
ومَرْيَمَ: معناه في السُّرْيانية: الخَادَم، وسميت به أمُّ عيسى، فصار علما عليها.
انتهى.
والْكِتابَ: التوراةُ.
وَقَفَّيْنا: مأخوذ من القَفَا تقول: قَفَيْتُ فُلاَناً بِفُلاَنٍ، إِذا جئْتَ به من قبل قَفَاه، ومنه: قَفَا يَقْفُو، إِذا اتبع، وكلُّ رسول جاء بعد موسى، فإِنما جاء بإِثبات التوراة، والأمر بلزومها إلى عيسَى- عليهم السلام-.
والْبَيِّناتِ: الحججُ التي أعطاها اللَّه عيسى.
وقيل: هي آياته من إحياء، وإبراء، وخَلْق طَيْرٍ، وقيل: هي الإِنجيل، والآية تعم ذلك.
وَأَيَّدْناهُ: معناه: قويْناه، والأَيْدُ القوة.
قال ابن عبَّاس: رُوح القدس: هو الاسم الذي كان يُحْيِي به الموتى «٢»، وقال ابن زِيْد: هو الإِنجيل كما سمَّى اللَّه تعالَى القرآن رُوحاً «٣»، وقال السُّدِّيُّ، والضّحّاك،
(١) «المجيد» (ص ٣٣١).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٤٤٩) برقم (١٤٩٤)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٦٧).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٤٤٩) برقم (١٤٩٣) عن ابن زيد.
(٢) أخرجه الطبري (١/ ٤٤٩) برقم (١٤٩٤)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٦٧).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٤٤٩) برقم (١٤٩٣) عن ابن زيد.
276
والربيع، وقتادة: بِرُوحِ الْقُدُسِ: جبريلُ- عليه السلام «١» - وهذا أصحُّ الأقوال، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم لِحَسَّان: «اهج قُرَيْشاً، وَرُوحُ القُدُسِ مَعكَ» «٢» ومرةً قال له: «وجبريل معك»، وفَكُلَّما: ظرف والعامل فيه: اسْتَكْبَرْتُمْ، وظاهر الكلامِ الاستفهامُ، ومعناه التوبيخُ روي أن بني إِسرائيل كانوا يقتلون في اليومِ ثلاثمائة نبيٍّ، ثم تقوم سوقُهم آخر النهار، وروي سبعين نبيًّا، ثم تقومُ سوق بَقْلِهِمْ آخر النهار.
والهوى أكثر ما يستعمل فيما ليس بحقٍّ، وهو في هذه الآية من ذلك لأنهم إنما كانوا يَهْوَوْنَ الشهوات، ومعنى: قُلُوبُنا غُلْفٌ، أي: عليها غشاوات، فهي لا تفقه، قاله ابن عبَّاس. ثم بيَّن تعالى سبب نُفُورهم عن الإِيمان إِنما هو أنهم لُعِنُوا بما تقدَّم من كفرِهِم واجترامهم، وهذا هو الجزاء على الذنْبِ بذنْب أعظم منه، واللعن: الإبعاد والطرد.
وفَقَلِيلًا: نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، تقديره: فإِيماناً قَلِيلاً مَّا يؤمنون، والضمير في «يؤمنون» لحاضري محمّد صلّى الله عليه وسلم منْهُمْ ومَا في قوله: مَّا يُؤْمِنُونَ زائدةٌ موكّدة «٣».
والهوى أكثر ما يستعمل فيما ليس بحقٍّ، وهو في هذه الآية من ذلك لأنهم إنما كانوا يَهْوَوْنَ الشهوات، ومعنى: قُلُوبُنا غُلْفٌ، أي: عليها غشاوات، فهي لا تفقه، قاله ابن عبَّاس. ثم بيَّن تعالى سبب نُفُورهم عن الإِيمان إِنما هو أنهم لُعِنُوا بما تقدَّم من كفرِهِم واجترامهم، وهذا هو الجزاء على الذنْبِ بذنْب أعظم منه، واللعن: الإبعاد والطرد.
وفَقَلِيلًا: نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، تقديره: فإِيماناً قَلِيلاً مَّا يؤمنون، والضمير في «يؤمنون» لحاضري محمّد صلّى الله عليه وسلم منْهُمْ ومَا في قوله: مَّا يُؤْمِنُونَ زائدةٌ موكّدة «٣».
(١) أخرجه الطبري (١/ ٤٤٨) بأرقام (١٤٨٨- ١٤٨٩- ١٤٩٠- ١٤٩١) عن قتادة، والسدي، والضحاك، والربيع.
(٢) أخرجه البخاري (٦/ ٣٥١) كتاب «بدء الخلق»، باب ذكر الملائكة، حديث (٣٢١٣)، (٧/ ٤٨٠) كتاب «المغازي»، باب مرجع النبي صلّى الله عليه وسلم من الأحزاب، حديث (٤١٢٣، ٤١٢٤)، (١٠/ ٥٦٢) كتاب «الأدب»، باب هجاء المشركين، حديث (٦١٥٣)، ومسلم (٤/ ١٩٣٣) كتاب «فضائل الصحابة»، باب فضائل حسابن بن ثابت، حديث (١٥٣/ ٢٤٨٦)، وأحمد (٤/ ٢٩٩، ٣٠٢)، وابن حبان (٧١٤٦)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤/ ٢٩٨)، والبيهقي (١٠/ ٢٣٧)، والطبراني في «الكبير» (٣٥٨٨، ٣٥٨٩، ٣٥٩٠) كلهم من طريق عدي بن ثابت عن البراء بن عازب به.
(٣) قال السمين الحلبي: في نصب «قليلا» ستة أوجه:
أحدها وهو الأظهر: أنه نعت لمصدر محذوف أي: فإيمانا قليلا يؤمنون.
الثاني: أنه حال من ضمير ذلك المصدر المحذوف أي: فيؤمنونه أي الإيمان في حال قلّته، وقد تقدّم أنه مذهب سيبويه وتقدّم تقريره.
الثالث: أنه صفة لزمان محذوف، أي: فزمانا قليلا يؤمنون، وهو كقوله: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ.
الرابع: أنه على إسقاط الخافض والأصل: فبقليل يؤمنون، فلمّا حذف حرف الجرّ انتصب، ويعزى لأبي عبيدة.
الخامس: أن يكون حالا من فاعل «يؤمنون»، أي فجمعا قليلا يؤمنون أي المؤمن فيهم قليل، قال معناه ابن عباس وقتادة. إلا أن المهدوي قال: «ذهب قتادة إلى أنّ المعنى: فقليل منهم من يؤمن»، وأنكره النحويون، وقالوا: لو كان كذلك للزم رفع «قليل». قلت: لا يلزم الرفع مع القول بالمعنى الذي ذهب إليه قتادة لما تقدّم من أنّ نصبه على الحال واف بهذا المعنى. و «ما» على هذه الأقوال كلها مزيدة للتأكيد. -
(٢) أخرجه البخاري (٦/ ٣٥١) كتاب «بدء الخلق»، باب ذكر الملائكة، حديث (٣٢١٣)، (٧/ ٤٨٠) كتاب «المغازي»، باب مرجع النبي صلّى الله عليه وسلم من الأحزاب، حديث (٤١٢٣، ٤١٢٤)، (١٠/ ٥٦٢) كتاب «الأدب»، باب هجاء المشركين، حديث (٦١٥٣)، ومسلم (٤/ ١٩٣٣) كتاب «فضائل الصحابة»، باب فضائل حسابن بن ثابت، حديث (١٥٣/ ٢٤٨٦)، وأحمد (٤/ ٢٩٩، ٣٠٢)، وابن حبان (٧١٤٦)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤/ ٢٩٨)، والبيهقي (١٠/ ٢٣٧)، والطبراني في «الكبير» (٣٥٨٨، ٣٥٨٩، ٣٥٩٠) كلهم من طريق عدي بن ثابت عن البراء بن عازب به.
(٣) قال السمين الحلبي: في نصب «قليلا» ستة أوجه:
أحدها وهو الأظهر: أنه نعت لمصدر محذوف أي: فإيمانا قليلا يؤمنون.
الثاني: أنه حال من ضمير ذلك المصدر المحذوف أي: فيؤمنونه أي الإيمان في حال قلّته، وقد تقدّم أنه مذهب سيبويه وتقدّم تقريره.
الثالث: أنه صفة لزمان محذوف، أي: فزمانا قليلا يؤمنون، وهو كقوله: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ.
الرابع: أنه على إسقاط الخافض والأصل: فبقليل يؤمنون، فلمّا حذف حرف الجرّ انتصب، ويعزى لأبي عبيدة.
الخامس: أن يكون حالا من فاعل «يؤمنون»، أي فجمعا قليلا يؤمنون أي المؤمن فيهم قليل، قال معناه ابن عباس وقتادة. إلا أن المهدوي قال: «ذهب قتادة إلى أنّ المعنى: فقليل منهم من يؤمن»، وأنكره النحويون، وقالوا: لو كان كذلك للزم رفع «قليل». قلت: لا يلزم الرفع مع القول بالمعنى الذي ذهب إليه قتادة لما تقدّم من أنّ نصبه على الحال واف بهذا المعنى. و «ما» على هذه الأقوال كلها مزيدة للتأكيد. -
277
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٩ الى ٩١]
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١)وقوله تعالى: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ... الآية الكتاب: القرآن، ومُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ: يعني التوراة، ويَسْتَفْتِحُونَ معناه أن بني إِسرائيل كانوا قبل مَبْعَثِ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد علموا خروجه بما علموا عنْدَهُمْ من صفته، وذكر وقته، وظنُّوا أنه منهم، فكانوا إذا حاربوا الأوْسَ والخَزْرجَ، فغلبتهم العَرَبُ، قالوا لهم: لو قد خرج النبيُّ الذي أظلَّ وقتُهُ، لقاتلْنَاكُم معه، واستنصرنا عليكم به، ويَسْتَفْتِحُونَ: معناه يستنصرون، قال أحمد بن نصر الداوديّ: ومنه: «عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالفَتْحِ»، أي: بالنصر. انتهى.
وروى أبو بكر/ محمد بن حُسَيْنٍ الاْجُرِّيُّ «١» عن ابن عبَّاس، قال: كانت يهود خيبر
- السادس: أن تكون «ما» نافية أي: فما يؤمنون قليلا ولا كثيرا، ومثله: قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ [السجدة: ٩]، قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ [النمل: ٦٢]، وهذا قوي من جهة المعنى، وإنما يضعف شيئا من جهة تقدّم ما في حيّزها عليها، قاله أبو البقاء، وإليه ذهب ابن الأنباري، إلا أنّ تقديم ما في حيزها عليها لم يجزه البصريون، وأجازه الكوفيون. قال أبو البقاء: «ولا يجوز أن تكون «ما» مصدرية، لأن «قليلا» يبقى بلا ناصب». يعني أنّك إذا جعلتها مصدرية كان ما بعدها صلتها، ويكون المصدر مرفوعا ب «قليلا» على أنه فاعل به فأين الناصب له؟ وهذا بخلاف قوله: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ
[الذاريات: ١٧] فإنّ «ما» هناك يجوز أن تكون مصدرية لأنّ «قليلا» منصوب ب كان. وقال الزمخشري:
«ويجوز أن تكون القلّة بمعنى العدم».
قال أبو حيان: «وما ذهب إليه من أنّ «قليلا» يراد به النفي فصحيح، لكن في غير هذا التركيب»، أعني قوله تعالى: فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ [البقرة: ٨٨] لأنّ «قليلا» انتصب بالفعل المثبت فصار نظير «قمت قليلا» أي: قمت قياما قليلا، ولا يذهب ذاهب إلى أنّك إذا أتيت بفعل مثبت وجعلت «قليلا» منصوبا نعتا لمصدر ذلك الفعل يكون المعنى في المثبت الواقع على صفة أو هيئة انتفاء ذلك المثبت رأسا وعدم وقوعه بالكليّة، وإنما الذي نقل النحويون: أنّه قد يراد بالقلة النفي المحض في قولهم: «أقلّ رجل يقول ذلك، وقلّما يقوم زيد»، وإذا تقرّر هذا فحمل القلة على النفي المحض هنا ليس بصحيح» انتهى. قلت:
ما قاله أبو القاسم الزمخشري- رحمه الله- من أنّ معنى التقليل هنا النفي قد قال به الواحديّ قبله، فإنه قال: «أي: لا قليلا ولا كثيرا، كما تقول: قلّما يفعل كذا، أي: ما يفعله أصلا».
ينظر: «الدر المصون» (١/ ٢٩٧).
(١) محمد بن الحسين بن عبد الله، أبو بكر الآجري: فقيه شافعي، محدث، نسبته إلى «آجر» (من قرى-
[الذاريات: ١٧] فإنّ «ما» هناك يجوز أن تكون مصدرية لأنّ «قليلا» منصوب ب كان. وقال الزمخشري:
«ويجوز أن تكون القلّة بمعنى العدم».
قال أبو حيان: «وما ذهب إليه من أنّ «قليلا» يراد به النفي فصحيح، لكن في غير هذا التركيب»، أعني قوله تعالى: فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ [البقرة: ٨٨] لأنّ «قليلا» انتصب بالفعل المثبت فصار نظير «قمت قليلا» أي: قمت قياما قليلا، ولا يذهب ذاهب إلى أنّك إذا أتيت بفعل مثبت وجعلت «قليلا» منصوبا نعتا لمصدر ذلك الفعل يكون المعنى في المثبت الواقع على صفة أو هيئة انتفاء ذلك المثبت رأسا وعدم وقوعه بالكليّة، وإنما الذي نقل النحويون: أنّه قد يراد بالقلة النفي المحض في قولهم: «أقلّ رجل يقول ذلك، وقلّما يقوم زيد»، وإذا تقرّر هذا فحمل القلة على النفي المحض هنا ليس بصحيح» انتهى. قلت:
ما قاله أبو القاسم الزمخشري- رحمه الله- من أنّ معنى التقليل هنا النفي قد قال به الواحديّ قبله، فإنه قال: «أي: لا قليلا ولا كثيرا، كما تقول: قلّما يفعل كذا، أي: ما يفعله أصلا».
ينظر: «الدر المصون» (١/ ٢٩٧).
(١) محمد بن الحسين بن عبد الله، أبو بكر الآجري: فقيه شافعي، محدث، نسبته إلى «آجر» (من قرى-
278
يُقَاتِلُونَ غَطَفَانَ، فكُلَّمَا التقوا، هزمت اليهودَ، فَعَاذَ اليهودُ يوماً بالدعاء، فقالوا: اللهم، إِنا نسألكَ بحَقِّ محمَّدٍ النبيِّ الأُمِّيِّ الذي وعدتَّنَا أن تخرجَهُ لَنَا في آخر الزمان إِلاَّ نَصَرْتَنا علَيْهم، فكانوا إِذا التقوا، دعوا بهذا الدعاء، فهزموا غطفان، فلما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم كَفَرُوا به، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ، وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، والاستفتاحُ: الاستنصار، ووقع ليهود المدينة نحو هذا مع الأنصار قُبَيْل الإِسلام «١». انتهى من تأليف حسن بن عليِّ بن عبد المَلْكِ الرّهونيِّ المعروفِ بابْنِ القَطَّان، وهو كتابٌ نفيسٌ جِدًّا ألَّفه في معجزات النبيّ صلّى الله عليه وسلم وآيات نبوءته.
وروي أن قريظة والنضير وجميعَ يَهُودِ الحجازِ في ذلك الوقْتِ كانوا يستفتحون على سائر العرب، وبسبب خروج النبيِّ المنتظر، كانت نقلتهم إلى الحجاز، وسُكْناهم به، فإِنهم كانوا علموا صُقع «٢» المَبْعَث، وما عرفوا هو محمّد صلّى الله عليه وسلم وشرعه ويظهر في هذه الآية العنادُ منهم، وأن كفرهم كان مع معرفة ومعاندة وفَلَعْنَةُ اللَّهِ إبعاده لهم، وخزيهم لذلك.
وبئس: أصله «بَئِسَ»، سُهِّلت الهمزة، ونقلت حركتها إلى الباء، و «مَا» عند سيبويه «٣» : فَاعِلَةٌ ب «بِئْسَ» والتقدير: بِئْسَ الذي اشتروا به أنفسُهُمْ.
وروي أن قريظة والنضير وجميعَ يَهُودِ الحجازِ في ذلك الوقْتِ كانوا يستفتحون على سائر العرب، وبسبب خروج النبيِّ المنتظر، كانت نقلتهم إلى الحجاز، وسُكْناهم به، فإِنهم كانوا علموا صُقع «٢» المَبْعَث، وما عرفوا هو محمّد صلّى الله عليه وسلم وشرعه ويظهر في هذه الآية العنادُ منهم، وأن كفرهم كان مع معرفة ومعاندة وفَلَعْنَةُ اللَّهِ إبعاده لهم، وخزيهم لذلك.
وبئس: أصله «بَئِسَ»، سُهِّلت الهمزة، ونقلت حركتها إلى الباء، و «مَا» عند سيبويه «٣» : فَاعِلَةٌ ب «بِئْسَ» والتقدير: بِئْسَ الذي اشتروا به أنفسُهُمْ.
- «بغداد» ) ولد فيها، وحدث ب «بغداد» قبل سنة ٣٣٠، ثم انتقل إلى «مكة»، فتنسك وتوفي فيها ٣٦٠ هـ، له تصانيف كثيرة، منها: «أخبار عمر بن عبد العزيز»، و «أخلاق حملة القرآن».
ينظر: «الأعلام» (٦/ ٩٧)، «وفيات الأعيان» (١: ٤٨٨)، و «الرسالة المستطرفة» (٣٢)، و «صفة الصفوة» (٢/ ٢٦٥)، و «النجوم الزاهرة» (٤/ ٦٠).
(١) أخرجه الحاكم (٢/ ٢٦٣) وقال الذهبي: عبد الملك متروك هالك.
(٢) الصّقع:
ينظر: «لسان العرب» (٢٤٧٢). [.....]
(٣) ذهب الفراء إلى أنها مع «بئس» شيء واحد ركّب تركيب «حبّذا»، نقله ابن عطية، ونقل عنه المهدوي أنه يجوّز أن تكون «ما» مع بئس بمنزلة كلّما، فظاهر هذين النقلين أنها لا محلّ لها. وذهب الجمهور إلى أنّ لها محلا، ثم اختلفوا: محلّها رفع أو نصب؟ فذهب الأخفش إلى أنها في محلّ نصب على التمييز والجملة بعدها في محلّ نصب صفة لها، وفاعل بئس مضمر تفسّره «ما»، والمخصوص بالذمّ هو قوله:
«أن يكفروا» لأنه في تأويل مصدر، والتقدير: بئس هو شيئا اشتروا به كفرهم، وفيه قال الفارسي في أحد قوليه، واختاره الزمخشري، ويجوز على هذا أن يكون المخصوص بالذمّ محذوفا، و «اشتروا» صفة له في محلّ رفع تقديره: بئس شيئا شيء أو كفر اشتروا به، كقوله: [الطويل] لنعم الفتى أضحى بأكناف حائل أي: فتى أضحى، و «أن يكفروا» بدل من ذلك المحذوف، أو خبر مبتدأ محذوف أي: هو أن يكفروا.
وذهب الكسائي إلى أنّ «ما» منصوبة المحلّ أيضا، لكنه قدّر بعدها «ما» أخرى موصولة بمعنى الذي، وجعل الجملة من قوله: «اشتروا» صلتها، و «ما» هذه الموصولة هي المخصوص بالذمّ، والتقدير: بئس-
ينظر: «الأعلام» (٦/ ٩٧)، «وفيات الأعيان» (١: ٤٨٨)، و «الرسالة المستطرفة» (٣٢)، و «صفة الصفوة» (٢/ ٢٦٥)، و «النجوم الزاهرة» (٤/ ٦٠).
(١) أخرجه الحاكم (٢/ ٢٦٣) وقال الذهبي: عبد الملك متروك هالك.
(٢) الصّقع:
| ناحية الأرض والبيت | وفلان من أهل هذا الصقع، أي من أهل هذه الناحية. |
(٣) ذهب الفراء إلى أنها مع «بئس» شيء واحد ركّب تركيب «حبّذا»، نقله ابن عطية، ونقل عنه المهدوي أنه يجوّز أن تكون «ما» مع بئس بمنزلة كلّما، فظاهر هذين النقلين أنها لا محلّ لها. وذهب الجمهور إلى أنّ لها محلا، ثم اختلفوا: محلّها رفع أو نصب؟ فذهب الأخفش إلى أنها في محلّ نصب على التمييز والجملة بعدها في محلّ نصب صفة لها، وفاعل بئس مضمر تفسّره «ما»، والمخصوص بالذمّ هو قوله:
«أن يكفروا» لأنه في تأويل مصدر، والتقدير: بئس هو شيئا اشتروا به كفرهم، وفيه قال الفارسي في أحد قوليه، واختاره الزمخشري، ويجوز على هذا أن يكون المخصوص بالذمّ محذوفا، و «اشتروا» صفة له في محلّ رفع تقديره: بئس شيئا شيء أو كفر اشتروا به، كقوله: [الطويل] لنعم الفتى أضحى بأكناف حائل أي: فتى أضحى، و «أن يكفروا» بدل من ذلك المحذوف، أو خبر مبتدأ محذوف أي: هو أن يكفروا.
وذهب الكسائي إلى أنّ «ما» منصوبة المحلّ أيضا، لكنه قدّر بعدها «ما» أخرى موصولة بمعنى الذي، وجعل الجملة من قوله: «اشتروا» صلتها، و «ما» هذه الموصولة هي المخصوص بالذمّ، والتقدير: بئس-
279
واشْتَرَوْا: بمعنى: باعوا.
وبِما أَنْزَلَ اللَّهُ، يعني به القرآن، ويحتمل التوراة، ويحتمل أن يراد الجميع من توراة، وإِنجيل، وقرآن لأن الكفر بالبعض يستلزمُ الكفر بالكلِّ، ومِنْ فَضْلِهِ، يعني:
من النبوءة والرسالة، ومَنْ يَشاءُ، يعني به محمّدا صلّى الله عليه وسلم لأنهم حَسَدوه لما لم يكن منهم، وكان من العرب، ويدخل في المعنى عيسى صلّى الله عليه وسلم لأنهم كفروا به بَغْياً، واللَّه قد تفضَّل عليه.
وفَباؤُ: معناه: مَضَوْا متحمِّلين لما يذكر أنهم بَاءُوا به.
وقال البخاريّ: قال قتادة: فَباؤُ: معناه: انقلبوا «١». انتهى.
وبِما أَنْزَلَ اللَّهُ، يعني به القرآن، ويحتمل التوراة، ويحتمل أن يراد الجميع من توراة، وإِنجيل، وقرآن لأن الكفر بالبعض يستلزمُ الكفر بالكلِّ، ومِنْ فَضْلِهِ، يعني:
من النبوءة والرسالة، ومَنْ يَشاءُ، يعني به محمّدا صلّى الله عليه وسلم لأنهم حَسَدوه لما لم يكن منهم، وكان من العرب، ويدخل في المعنى عيسى صلّى الله عليه وسلم لأنهم كفروا به بَغْياً، واللَّه قد تفضَّل عليه.
وفَباؤُ: معناه: مَضَوْا متحمِّلين لما يذكر أنهم بَاءُوا به.
وقال البخاريّ: قال قتادة: فَباؤُ: معناه: انقلبوا «١». انتهى.
- شيئا الذي اشتروا به أنفسهم، فلا محلّ ل «اشتروا» على هذا، ويكون «أن يكفروا» على هذا القول خبرا لمبتدأ محذوف كما تقدّم، فتلخّص في الجملة الواقعة بعد «ما» على القول بنصبها ثلاثة أقوال، أحدها:
أنها صفة لها فتكون في محلّ نصب أو صلة ل «ما» المحذوفة فلا محلّ لها أو صفة للمخصوص بالذم فتكون في محلّ رفع.
وذهب سيبويه إلى أنّ موضعها رفع على أنّها فاعل بئس، فقال سيبويه: هي معرفة تامة، التقدير: بئس الشيء، والمخصوص بالذمّ على هذا محذوف أي شيء اشتروا به أنفسهم، وعزي هذا القول أيضا للكسائي. وذهب الفراء والكسائي أيضا إلى أنّ «ما»
أنها صفة لها فتكون في محلّ نصب أو صلة ل «ما» المحذوفة فلا محلّ لها أو صفة للمخصوص بالذم فتكون في محلّ رفع.
وذهب سيبويه إلى أنّ موضعها رفع على أنّها فاعل بئس، فقال سيبويه: هي معرفة تامة، التقدير: بئس الشيء، والمخصوص بالذمّ على هذا محذوف أي شيء اشتروا به أنفسهم، وعزي هذا القول أيضا للكسائي. وذهب الفراء والكسائي أيضا إلى أنّ «ما»