تفسير سورة سورة البقرة من كتاب التفسير الواضح
.
لمؤلفه
محمد محمود حجازي
.
ﰡ
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١ الى ٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢)المفردات:
لا رَيْبَ فِيهِ: لا شك في أنه من عند الله. هُدىً: هداية وإرشاد.
لِلْمُتَّقِينَ الذين أخذوا لأنفسهم وقاية من النار.
المعنى:
استفتاح عجيب لأول سورة من القرآن الكريم، وابتداء حيز الأفهام وزلزل العقول على بساطة تركيبه من حروف هجائية.
فقال جماعه بعد البحث وطول الفكر: هذا مما استأثر الله بعلمه فهو من المتشابه الذي نؤمن به على أنه من عند الله- والله أعلم- واعلم أنه أمر مفهوم عند النبي صلّى الله عليه وسلّم لأنه خوطب به، وهو أشبه ما يكون (بالشفرة) بين الله ورسوله وقال آخرون:
لا بد أن يكون لذكره معنى، والظاهر أنه إيماء إلى إقامة الحجة على العرب بعد أن تحداهم القرآن على أن يأتوا بمثله.
فكأنه يقول لهم: كيف تعجزون عن الإتيان بمثله؟! مع أنه كلام عربي من حروف هجائية ينطق بها كل أمى ومتعلم ومع هذا فقد عجزتم.
وذلك الذي نزل على محمد هو الكتاب الكامل في كل ما يتعلق به من معنى شريف وقصد نبيل وقصص فيه عبرة وعظة وتشريع صالح لكل زمان ومكان.
كتاب هذا حاله لا ينبغي من العاقل أن يشك في أنه من عند الله خصوصا وقد تحدى الله به العرب وهم أهل البيان واللسن تحداهم بأسلوب مثير: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فارجعوا إلى الحق وآمنوا به.
وقد وصفه الله بعد هذين الوصفين بوصف ثالث أنه مصدر هداية وإرشاد لمن أراد أن يأخذ الوقاية لنفسه من عذاب ربه، وإنما خصهم بالهداية لأنه لا يهتدى به إلا من تخطى عقله وقلبه حواجز المادة فآمن بالغيب- ما وراء المادة- وبعمل الخير. وآمن بالسفارة بين الله والخلق، وبالحياة الآخرة.
المتقون وجزاؤهم [سورة البقرة (٢) : الآيات ٣ الى ٥]
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)
المفردات:
الإيمان: هو التصديق الجازم المقترن بإذعان النفس وقبولها، وسلامة العمل.
بِالْغَيْبِ: ما غاب عنهم من حساب وجزاء وجنة ونار وغير ذلك. يُقِيمُونَ
وقد وصفه الله بعد هذين الوصفين بوصف ثالث أنه مصدر هداية وإرشاد لمن أراد أن يأخذ الوقاية لنفسه من عذاب ربه، وإنما خصهم بالهداية لأنه لا يهتدى به إلا من تخطى عقله وقلبه حواجز المادة فآمن بالغيب- ما وراء المادة- وبعمل الخير. وآمن بالسفارة بين الله والخلق، وبالحياة الآخرة.
المتقون وجزاؤهم [سورة البقرة (٢) : الآيات ٣ الى ٥]
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)
المفردات:
الإيمان: هو التصديق الجازم المقترن بإذعان النفس وقبولها، وسلامة العمل.
بِالْغَيْبِ: ما غاب عنهم من حساب وجزاء وجنة ونار وغير ذلك. يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ
إقامتها: الإتيان بها مقومة معتدلة كاملة، والمقصود استيفاء أركانها وشروطها. يُوقِنُونَ اليقين: هو الاعتقاد الذي لا يقبل الشك.
المعنى:
إن الله- سبحانه وتعالى- يكشف عن صفة المتقين الذين ينتفعون بالقرآن وهديه فيقول: هم الذين يؤمنون بالأمور الغيبية متى قام الدليل عليها، ولا يقفون عند الماديات والمحسوسات، يؤمنون بما وراء المادة، وهؤلاء يسهل عليهم فهم القرآن والانتفاع به لأن نور الإيمان شع في قلوبهم فامتلأت طاعة ورحمة، ولذا كان من صفاتهم إقامة الصلاة إذ هي مظهر الطاعة، وإقامة الصلاة: الإتيان بها كاملة مقومة بشروطها وآدابها فالصلاة عبادة بدنية وروحية لا عمل بدني فحسب. وإقامتها: عبارة عن استيفاء ناحيتي البدن والروح.
والإنفاق في سبيل الله من زكاة وصدقة مظهر من مظاهر الرحمة بالإنسان، وركن مهم جدّا من أركان الإسلام كالصلاة التي هي عماد الدين، فالزكاة أساس بناء المجتمع كما أن الصلاة أساس بناء الفرد.
وهم الذين يؤمنون بالله وما أنزل عليك، وما أنزل على من قبلك من الأنبياء والمرسلين، وآمنوا كذلك بالآخرة إيمانا يقينا لا شبهة فيه ولا شك.
ولا غرابة في أن يكون هؤلاء ذوى مكانة عالية عند الله يشار إليهم، متمكنين من هدايته، وأولئك البعيدون في مرتبة الكمال هم الفائزون في الدارين.
الكافرون وجزاؤهم [سورة البقرة (٢) : الآيات ٦ الى ٧]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧)
إقامتها: الإتيان بها مقومة معتدلة كاملة، والمقصود استيفاء أركانها وشروطها. يُوقِنُونَ اليقين: هو الاعتقاد الذي لا يقبل الشك.
المعنى:
إن الله- سبحانه وتعالى- يكشف عن صفة المتقين الذين ينتفعون بالقرآن وهديه فيقول: هم الذين يؤمنون بالأمور الغيبية متى قام الدليل عليها، ولا يقفون عند الماديات والمحسوسات، يؤمنون بما وراء المادة، وهؤلاء يسهل عليهم فهم القرآن والانتفاع به لأن نور الإيمان شع في قلوبهم فامتلأت طاعة ورحمة، ولذا كان من صفاتهم إقامة الصلاة إذ هي مظهر الطاعة، وإقامة الصلاة: الإتيان بها كاملة مقومة بشروطها وآدابها فالصلاة عبادة بدنية وروحية لا عمل بدني فحسب. وإقامتها: عبارة عن استيفاء ناحيتي البدن والروح.
والإنفاق في سبيل الله من زكاة وصدقة مظهر من مظاهر الرحمة بالإنسان، وركن مهم جدّا من أركان الإسلام كالصلاة التي هي عماد الدين، فالزكاة أساس بناء المجتمع كما أن الصلاة أساس بناء الفرد.
وهم الذين يؤمنون بالله وما أنزل عليك، وما أنزل على من قبلك من الأنبياء والمرسلين، وآمنوا كذلك بالآخرة إيمانا يقينا لا شبهة فيه ولا شك.
ولا غرابة في أن يكون هؤلاء ذوى مكانة عالية عند الله يشار إليهم، متمكنين من هدايته، وأولئك البعيدون في مرتبة الكمال هم الفائزون في الدارين.
الكافرون وجزاؤهم [سورة البقرة (٢) : الآيات ٦ الى ٧]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧)
15
المفردات:
أَأَنْذَرْتَهُمْ الإنذار: الإعلام مع التخويف. خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ: طبع عليها بالخاتم، وإنما يفعل هذا على الأبواب لمنع الدخول إليها، والمراد أغلقت قلوبهم فلا يدخلها إيمان ولا تصح. غِشاوَةٌ الغشاوة: الغطاء، والمقصود التعامي عن النظر إلى آيات الله.
المناسبة: ابتدأ الله هذه السورة بالكلام عن القرآن الكريم وموقف الناس منه، وذكر أنهم أنواع: فمنهم من آمن به وعمل صالحا وأولئك هم المفلحون، ومنهم من كفر واستكبر عن الحق قولا وعملا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
المعنى:
إن الذين كفروا بالله عنادا وجاهروا بتكذيب القرآن فهؤلاء يستوي عندهم الإنذار وعدمه إذ لا ينتفعون به ولا يتجهون إليه فلا نتأثر بهم ولا نأسى عليهم. فقلوبهم مغلقة لا يصل إليها النور الإلهى الممثل في الآيات، وأسماعهم لا يعرفها صوت الحق لأنها تنبو عنه، وأبصارهم لا تراه لأن عليها حجابا كثيفا هو حجاب التعامي عن آيات الله، أولئك لهم عذاب من نوع خاص ليس مألوفا: عذاب عظيم.
ولقد بين الله- سبحانه وتعالى- بهذه الآيات أنه إذا وجد في الناس من لا يؤمن بالقرآن فليس لتقصير في هدايته ولا لعيب فيه، وإنما العيب فيهم لا في الكتاب، والختم على قلوبهم وعلى سمعهم بسبب كفرهم بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥ من سورة النساء). ولقد صدق الله: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥ من سورة يوسف).
أَأَنْذَرْتَهُمْ الإنذار: الإعلام مع التخويف. خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ: طبع عليها بالخاتم، وإنما يفعل هذا على الأبواب لمنع الدخول إليها، والمراد أغلقت قلوبهم فلا يدخلها إيمان ولا تصح. غِشاوَةٌ الغشاوة: الغطاء، والمقصود التعامي عن النظر إلى آيات الله.
المناسبة: ابتدأ الله هذه السورة بالكلام عن القرآن الكريم وموقف الناس منه، وذكر أنهم أنواع: فمنهم من آمن به وعمل صالحا وأولئك هم المفلحون، ومنهم من كفر واستكبر عن الحق قولا وعملا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
المعنى:
إن الذين كفروا بالله عنادا وجاهروا بتكذيب القرآن فهؤلاء يستوي عندهم الإنذار وعدمه إذ لا ينتفعون به ولا يتجهون إليه فلا نتأثر بهم ولا نأسى عليهم. فقلوبهم مغلقة لا يصل إليها النور الإلهى الممثل في الآيات، وأسماعهم لا يعرفها صوت الحق لأنها تنبو عنه، وأبصارهم لا تراه لأن عليها حجابا كثيفا هو حجاب التعامي عن آيات الله، أولئك لهم عذاب من نوع خاص ليس مألوفا: عذاب عظيم.
ولقد بين الله- سبحانه وتعالى- بهذه الآيات أنه إذا وجد في الناس من لا يؤمن بالقرآن فليس لتقصير في هدايته ولا لعيب فيه، وإنما العيب فيهم لا في الكتاب، والختم على قلوبهم وعلى سمعهم بسبب كفرهم بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥ من سورة النساء). ولقد صدق الله: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥ من سورة يوسف).
16
ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﰇ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ
ﰈ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ
ﰉ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ
ﰊ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﰋ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ
ﰌ
ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ
ﰍ
ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ
ﰎ
ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ
ﰏ
المنافقون وصفاتهم [سورة البقرة (٢) : الآيات ٨ الى ١٦]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)
المفردات:
يُخادِعُونَ اللَّهَ الخداع: صرف الغير عما نقصده بحيلة، والمراد هنا إظهار الإسلام وإضمار الكفر. مَرَضٌ المرض: العلة، والمراد هنا: شك ونفاق
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)
المفردات:
يُخادِعُونَ اللَّهَ الخداع: صرف الغير عما نقصده بحيلة، والمراد هنا إظهار الإسلام وإضمار الكفر. مَرَضٌ المرض: العلة، والمراد هنا: شك ونفاق
17
السُّفَهاءُ: ضعفاء العقول، والمقصود هنا الجهلاء وضعفاء النفوس.
شَياطِينِهِمْ المراد: إخوانهم في الكفر. مُسْتَهْزِؤُنَ الاستهزاء: الاستخفاف والسخرية، وهو من اليهود بهذا المعنى، ومن الله بمعنى أنه لا يعبأ بهم لحقارتهم وسوء إدراكهم، أو بمعنى أنه سيجازيهم عليه. يَمُدُّهُمْ: يزيدهم. طُغْيانِهِمْ الطغيان: مجاوزة الحد. يَعْمَهُونَ العمه: ضلال البصيرة، والمراد: التحير والتردد. اشْتَرَوُا: استبدلوا.
المعنى:
الصنف الثالث من الناس هم المنافقون، وهؤلاء أشد خطرا على الإسلام من الكفار صراحة ولذا تكلم عليهم في ثلاث عشرة آية، وليس المراد بهم المنافقين المعاصرين للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقط بل كل من ينطبق عليه الوصف في كل عصر ووقت.
بعض الناس آمن بالله واليوم الآخر قولا باللسان فقط، وقلبه ملئ بالكفر والضلال، فيرد الله عليهم دعواهم وأنهم ليسوا بمؤمنين وإن تظاهروا به، ولا شك أنهم في إظهارهم الإيمان وإخفائهم الكفر في صورة المخادعين لله، ولأن الله- سبحانه- يعلم عنهم ذلك وأنهم ليسوا بمؤمنين، بل أشد ضررا من الكفار، ومع ذلك يأمر بإجراء أحكام الإسلام الظاهرة عليهم كأنه يخادعهم، وهكذا المسلمون حيث امتثلوا أمر الله فيهم كأنهم مخادعون لهم، فهذا كله من باب التشبيه والتمثيل.
وإلا فالله عالم بهم لا تجوز عليه مخادعتهم وقادر على إيقاف المسلمين على حالهم حتى لا ينخدعوا بهم، وليس خداعهم وعاقبته إلا وبالا عليهم، وما يشعرون بذلك لأن قلوبهم قد ملئت غيظا وحسدا وشكّا ونفاقا حتى عموا عن إدراك أبسط الأشياء، زادهم الله من هذه الأمراض، ولهم عذاب شديد مؤلم في الدنيا والآخرة.
والواقع أن المنافقين في كل زمان ودولة هم الخطر الداهم على أممهم والسهم الذي يصوب في ظهر وطنهم، وكثيرا ما لاقى النبي صلّى الله عليه وسلّم من النفاق والمنافقين.
والنفاق واليهودية شيئان متلازمان لأنه ينشأ عن جبن حقيقى ولؤم طبيعي، فالمنافق يلتوى مع الناس في أقواله وأفعاله، وكم للمنافق في المجتمعات من أضرار بالغة ومخادعات هادمة.
شَياطِينِهِمْ المراد: إخوانهم في الكفر. مُسْتَهْزِؤُنَ الاستهزاء: الاستخفاف والسخرية، وهو من اليهود بهذا المعنى، ومن الله بمعنى أنه لا يعبأ بهم لحقارتهم وسوء إدراكهم، أو بمعنى أنه سيجازيهم عليه. يَمُدُّهُمْ: يزيدهم. طُغْيانِهِمْ الطغيان: مجاوزة الحد. يَعْمَهُونَ العمه: ضلال البصيرة، والمراد: التحير والتردد. اشْتَرَوُا: استبدلوا.
المعنى:
الصنف الثالث من الناس هم المنافقون، وهؤلاء أشد خطرا على الإسلام من الكفار صراحة ولذا تكلم عليهم في ثلاث عشرة آية، وليس المراد بهم المنافقين المعاصرين للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقط بل كل من ينطبق عليه الوصف في كل عصر ووقت.
بعض الناس آمن بالله واليوم الآخر قولا باللسان فقط، وقلبه ملئ بالكفر والضلال، فيرد الله عليهم دعواهم وأنهم ليسوا بمؤمنين وإن تظاهروا به، ولا شك أنهم في إظهارهم الإيمان وإخفائهم الكفر في صورة المخادعين لله، ولأن الله- سبحانه- يعلم عنهم ذلك وأنهم ليسوا بمؤمنين، بل أشد ضررا من الكفار، ومع ذلك يأمر بإجراء أحكام الإسلام الظاهرة عليهم كأنه يخادعهم، وهكذا المسلمون حيث امتثلوا أمر الله فيهم كأنهم مخادعون لهم، فهذا كله من باب التشبيه والتمثيل.
وإلا فالله عالم بهم لا تجوز عليه مخادعتهم وقادر على إيقاف المسلمين على حالهم حتى لا ينخدعوا بهم، وليس خداعهم وعاقبته إلا وبالا عليهم، وما يشعرون بذلك لأن قلوبهم قد ملئت غيظا وحسدا وشكّا ونفاقا حتى عموا عن إدراك أبسط الأشياء، زادهم الله من هذه الأمراض، ولهم عذاب شديد مؤلم في الدنيا والآخرة.
والواقع أن المنافقين في كل زمان ودولة هم الخطر الداهم على أممهم والسهم الذي يصوب في ظهر وطنهم، وكثيرا ما لاقى النبي صلّى الله عليه وسلّم من النفاق والمنافقين.
والنفاق واليهودية شيئان متلازمان لأنه ينشأ عن جبن حقيقى ولؤم طبيعي، فالمنافق يلتوى مع الناس في أقواله وأفعاله، وكم للمنافق في المجتمعات من أضرار بالغة ومخادعات هادمة.
18
لو أن كل إنسان أظهر نفسه على حقيقته، وأدى واجبه دون أن يخادع أو يخاتل ودون أن يوقع الآخرين لتكون عندنا المجتمع الصالح والدولة العزيزة الجانب.
ومن صفاتهم أيضا أنه إذا قيل لهم: إن إثارتكم الفتن والتجسس لحساب الكفار وتأليب القبائل على المسلمين فساد، وأى فساد بعد الحرب وما تجره؟ فكفوا عن الفساد، قالوا: ليس الأمر كما زعمتم فإنما نحن مصلحون، لا نتعدى الصلاح إلى غيره أبدا، فرد الله عليهم بعبارة أبلغ في إسناد الفساد لهم وقصره عليهم، وأنهم كاذبون على أنفسهم في دعوى الإصلاح وأنه لا يتعداهم أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ولكن المنافقين لا يدركون المحسوس فلا يشعرون بحالهم. وما كان المسلمون يقفون معهم موقف الإنكار فقط، بل كانوا يدعونهم كذلك إلى الإيمان بشتى الوسائل.
فإذا قالوا لهم: ادخلوا في الإيمان كما دخل فيه غيركم من الناس أجابوا متهكمين منكرين: أنؤمن بالقرآن والنبي، كما آمن به ضعفاء الناس من العبيد والفقراء وضعفاء العقل من الأميين والجهلاء؟! وجهلوا أن ضعيف العقل من يرى طريق الخير والنور أمامه فلا يسلكه، فانظروا يا أيها المنافقون من أى نوع أنتم؟ ألا إنكم أنتم السفهاء وحدكم ليس عندكم إدراك صحيح للإيمان فتعلموا مقداره!!
وروى أن أبا بكر وعمر وعليّا- رضى الله عنهم أجمعين- توجهوا إلى ابن أبىّ وأصحابه من اليهود فلما رآهم ابن أبى قال لأصحابه: انظروا كيف أراد هؤلاء السفهاء عنكم بمعسول القول، فلما حضروا أخذ يمدحهم الواحد بعد الآخر في الدين والسبق فيه ثم قال لأصحابه بعد أن انصرف الصحابة: كيف رأيتمونى؟ فأثنوا عليه خيرا فنزلت الآية.
وليست تكرارا مع ما سبق بل السابق بيان مذهبهم وما استكن في نفوسهم جميعا من النفاق، وفي هذه الآية بيان موقف بعض المعاصرين للنبي صلّى الله عليه وسلّم مع المؤمنين ومع زعمائهم في اليهودية والفساد، الذين هم كالشياطين بل أشد، وإذا خلوا إلى بعضهم قالوا: إنا معكم، ولكنا نستهزئ بهم ونسخر بدينهم، فيرد الله عليهم زعمهم الباطل:
الله- سبحانه وتعالى- هو الذي يعبأ وسيجازيهم على فعلهم أيما جزاء، ويزيدهم في الطغيان والضلال حتى يصيروا مثلا في الوصول إلى أقصى درجات الحيرة والتخبط.
ومن صفاتهم أيضا أنه إذا قيل لهم: إن إثارتكم الفتن والتجسس لحساب الكفار وتأليب القبائل على المسلمين فساد، وأى فساد بعد الحرب وما تجره؟ فكفوا عن الفساد، قالوا: ليس الأمر كما زعمتم فإنما نحن مصلحون، لا نتعدى الصلاح إلى غيره أبدا، فرد الله عليهم بعبارة أبلغ في إسناد الفساد لهم وقصره عليهم، وأنهم كاذبون على أنفسهم في دعوى الإصلاح وأنه لا يتعداهم أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ولكن المنافقين لا يدركون المحسوس فلا يشعرون بحالهم. وما كان المسلمون يقفون معهم موقف الإنكار فقط، بل كانوا يدعونهم كذلك إلى الإيمان بشتى الوسائل.
فإذا قالوا لهم: ادخلوا في الإيمان كما دخل فيه غيركم من الناس أجابوا متهكمين منكرين: أنؤمن بالقرآن والنبي، كما آمن به ضعفاء الناس من العبيد والفقراء وضعفاء العقل من الأميين والجهلاء؟! وجهلوا أن ضعيف العقل من يرى طريق الخير والنور أمامه فلا يسلكه، فانظروا يا أيها المنافقون من أى نوع أنتم؟ ألا إنكم أنتم السفهاء وحدكم ليس عندكم إدراك صحيح للإيمان فتعلموا مقداره!!
وروى أن أبا بكر وعمر وعليّا- رضى الله عنهم أجمعين- توجهوا إلى ابن أبىّ وأصحابه من اليهود فلما رآهم ابن أبى قال لأصحابه: انظروا كيف أراد هؤلاء السفهاء عنكم بمعسول القول، فلما حضروا أخذ يمدحهم الواحد بعد الآخر في الدين والسبق فيه ثم قال لأصحابه بعد أن انصرف الصحابة: كيف رأيتمونى؟ فأثنوا عليه خيرا فنزلت الآية.
وليست تكرارا مع ما سبق بل السابق بيان مذهبهم وما استكن في نفوسهم جميعا من النفاق، وفي هذه الآية بيان موقف بعض المعاصرين للنبي صلّى الله عليه وسلّم مع المؤمنين ومع زعمائهم في اليهودية والفساد، الذين هم كالشياطين بل أشد، وإذا خلوا إلى بعضهم قالوا: إنا معكم، ولكنا نستهزئ بهم ونسخر بدينهم، فيرد الله عليهم زعمهم الباطل:
الله- سبحانه وتعالى- هو الذي يعبأ وسيجازيهم على فعلهم أيما جزاء، ويزيدهم في الطغيان والضلال حتى يصيروا مثلا في الوصول إلى أقصى درجات الحيرة والتخبط.
19
بعد هذا الوصف السابق أشار لهم بإشارة البعيد فقال: إن أولئك المنافقين بتركهم الطريق المستقيم والأدلة الظاهرة والواضحة على صحة هذا الدين- بتركهم هذا حسدا وبغيا- كأنهم دفعوا الهدى ثمنا للضلالة والخسارة في الدنيا والآخرة، وما ربحوا في هذا التجارة، وما أظهر خسارتهم في هذه الصفقة! وهكذا كان شأنهم دائما.
ضرب الأمثال لهم [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧ الى ٢٠]
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)
المفردات:
المثل: الصفة والقصة الغريبة، والمراد أن حالهم تناهت في الظهور والوضوح حتى أضحت كالمثل الذي لا ينكر. الصّيّب: المطر الكثير النازل. رَعْدٌ الرعد: هو صوت احتكاك الهواء. الْبَرْقُ: نور خاطف ينشأ من شرارة كهربائية: الصَّواعِقِ: جمع صاعقة، وهي: الرعد الشديد، وقيل: إنها من آثار الكهرباء في الجو ينشأ عنه احتراق بعض الأجسام.
ضرب الأمثال لهم [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧ الى ٢٠]
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)
المفردات:
المثل: الصفة والقصة الغريبة، والمراد أن حالهم تناهت في الظهور والوضوح حتى أضحت كالمثل الذي لا ينكر. الصّيّب: المطر الكثير النازل. رَعْدٌ الرعد: هو صوت احتكاك الهواء. الْبَرْقُ: نور خاطف ينشأ من شرارة كهربائية: الصَّواعِقِ: جمع صاعقة، وهي: الرعد الشديد، وقيل: إنها من آثار الكهرباء في الجو ينشأ عنه احتراق بعض الأجسام.
20
المعنى:
المثل الأول: المنافقون قوم أظهروا الإسلام زمنا قليلا فأمنوا على أنفسهم وأولادهم وأخفوا وراءهم الكفر والفساد، ولكنهم لم يلبثوا على ذلك حتى أظهر الله الحق، وبدا الصبح لذي عينين فأضحوا بعد أمنهم خائفين وصاروا متخبطين في ظلمة النفاق والفضيحة والعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، فحالهم هذه تشبه حال جماعة أوقدوا نارا لينتفعوا بها، فلما أوقدت النار وأبصروا ما حولهم زمنا يسيرا أطفأها الله وذهب بنورهم من أساسه وتركهم في ظلمة الليل وظلمة السحب المتراكمة وظلمة إطفاء النار فهم لا يبصرون.
ولا شك أن المنافقين صم عن الحق فلا يسمعون، وبكم فلا يتكلمون، وعمى عن الهدى فلا يبصرون. إذن فهم لا يرجعون أصلا عن حالهم فلا تأس عليهم ولا تحزن.
أردف الله المثل السابق بمثل آخر مستقل واضح ليظهر حالهم فلا تخفى على أبسط الناس فهما وإدراكا.
المعنى:
المثل الثاني: أنزل الله القرآن الكريم: وقد اعترى المنافقين شبهة واهية، وفي هذا القرآن وعد لمن آمن ووعيد لمن كفر، وفيه حجج بينات واضحات، وفيه آيات فاضحة لهم وكاشفة أستارهم كانت تنزل عليهم نزول الصاعقة أو أشد، وهم مع القرآن الكريم إذا نزلت آية فيها مغنم فرحوا وساروا مع المسلمين وإذا نزلت آية تطالبهم بالجهاد أو تكشف حالهم وقفوا وبهتوا.
فحالهم هذه تشبه حال قوم نزل عليهم مطر غزير من كل جانب، وكان يصاحبه صواعق تصم الآذان حتى أنهم يجعلون أنامل أصابعهم في آذانهم خوفا من الموت.
وأما برقه ونوره فكلما ظهر في الأفق فرحوا وساروا آمنين، وهم حريصون على ذلك، وإذا أظلم الأفق وانتهى البرق وقفوا حيارى مبهوتين.
والله محيط بهم قادر عليهم، ولو شاء لأذهب أسماعهم بقوة الرعد وأبصارهم بوميض البرق فهو القادر المختار.
المثل الأول: المنافقون قوم أظهروا الإسلام زمنا قليلا فأمنوا على أنفسهم وأولادهم وأخفوا وراءهم الكفر والفساد، ولكنهم لم يلبثوا على ذلك حتى أظهر الله الحق، وبدا الصبح لذي عينين فأضحوا بعد أمنهم خائفين وصاروا متخبطين في ظلمة النفاق والفضيحة والعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، فحالهم هذه تشبه حال جماعة أوقدوا نارا لينتفعوا بها، فلما أوقدت النار وأبصروا ما حولهم زمنا يسيرا أطفأها الله وذهب بنورهم من أساسه وتركهم في ظلمة الليل وظلمة السحب المتراكمة وظلمة إطفاء النار فهم لا يبصرون.
ولا شك أن المنافقين صم عن الحق فلا يسمعون، وبكم فلا يتكلمون، وعمى عن الهدى فلا يبصرون. إذن فهم لا يرجعون أصلا عن حالهم فلا تأس عليهم ولا تحزن.
أردف الله المثل السابق بمثل آخر مستقل واضح ليظهر حالهم فلا تخفى على أبسط الناس فهما وإدراكا.
المعنى:
المثل الثاني: أنزل الله القرآن الكريم: وقد اعترى المنافقين شبهة واهية، وفي هذا القرآن وعد لمن آمن ووعيد لمن كفر، وفيه حجج بينات واضحات، وفيه آيات فاضحة لهم وكاشفة أستارهم كانت تنزل عليهم نزول الصاعقة أو أشد، وهم مع القرآن الكريم إذا نزلت آية فيها مغنم فرحوا وساروا مع المسلمين وإذا نزلت آية تطالبهم بالجهاد أو تكشف حالهم وقفوا وبهتوا.
فحالهم هذه تشبه حال قوم نزل عليهم مطر غزير من كل جانب، وكان يصاحبه صواعق تصم الآذان حتى أنهم يجعلون أنامل أصابعهم في آذانهم خوفا من الموت.
وأما برقه ونوره فكلما ظهر في الأفق فرحوا وساروا آمنين، وهم حريصون على ذلك، وإذا أظلم الأفق وانتهى البرق وقفوا حيارى مبهوتين.
والله محيط بهم قادر عليهم، ولو شاء لأذهب أسماعهم بقوة الرعد وأبصارهم بوميض البرق فهو القادر المختار.
21
روائع التشبيه: في هذا المثل العظيم عيون البلاغة، وقوة التعبير الذي يقف عنده كل بليغ وأديب.
فيه تشبيه القرآن بالمطر إذ المطر يحيى موات الأرض. والقرآن يحيى موات النفوس، ومع القرآن شبهة واهية لا أساس لها كالظلمات العارضة مع المطر.
وفيه وعد ووعيد كالرعد قوة وشدة، وفيه حجج وآيات كالبرق وضوحا وجلاء، وفيه آيات كاشفة فاضحة كالصواعق أو أشد خطرا.
والظاهر- والله أعلم- أن المثل الأول للمنافقين الخلص، والثاني للمترددين تارة يظهر لهم وميض الإيمان ونوره وتارة يخبو، وقيل: هما لصنف واحد.
وحدة الإله. إعجاز القرآن. صدق الرسول [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١ الى ٢٤]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤)
فيه تشبيه القرآن بالمطر إذ المطر يحيى موات الأرض. والقرآن يحيى موات النفوس، ومع القرآن شبهة واهية لا أساس لها كالظلمات العارضة مع المطر.
وفيه وعد ووعيد كالرعد قوة وشدة، وفيه حجج وآيات كالبرق وضوحا وجلاء، وفيه آيات كاشفة فاضحة كالصواعق أو أشد خطرا.
والظاهر- والله أعلم- أن المثل الأول للمنافقين الخلص، والثاني للمترددين تارة يظهر لهم وميض الإيمان ونوره وتارة يخبو، وقيل: هما لصنف واحد.
وحدة الإله. إعجاز القرآن. صدق الرسول [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١ الى ٢٤]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤)
22
المفردات:
يا صوت يهتف به المنادى، ويكون لنداء البعيد أو الساهي أو الغافل لعظم المأمور به بعد النداء، والظاهر أنها استعملت هنا لهذا اعْبُدُوا رَبَّكُمُ: أطيعوه.
فِراشاً الفراش: ما يفرشه الإنسان، والمراد أنه مهدها للإقامة عليها. بِناءً:
مبنية محكمة. أَنْداداً: جمع ندّ وهو النظير. شُهَداءَكُمْ: جمع شهيد، وهو من يحضر معكم من الرؤساء، أو من يشهد لكم يوم القيامة.
المناسبة:
لما ذكر الله- سبحانه- القرآن وصفته، وبين أن الناس مع القرآن ثلاثة أنواع:
فمنهم المؤمن، والكافر، والمنافق، خاطبهم جميعا بوصف عام يأنسون به ليكون ذلك أدعى للامتثال ولما أثبت الوحدانية لله. ثنى ببيان إعجاز القرآن وفي ذلك إثبات صدق الرسول.
المعنى:
لقد أمر الله الناس بعبادته، والإقرار له بالربوبية والوحدانية، ونبذ الأصنام وما كانوا يعبدون، لأنه الرب الذي خلقهم، وخلق آباءهم من قبل فلا يليق بهم أن يتخذوا أندادا له.
ففي عبادتهم لله وحده تتحقق تقواهم التي يحبها الله لهم، إذ هو الذي جعل لهم الأرض ممهدة للإقامة عليها مع تحريكها ودورانها، وجعل السماء كالقبة تظلهم بالخير والبركة.
وهي كالبناء المحكم مع ما فيها من عوالم الأفلاك والأجرام لا يسقط منها جزء ولا يختل لها نظام، وأنزل من السماء ماء مباركا طيبا ينبت لنا به الكلأ والزرع.
ألست ترى معى أن الله وصف نفسه بما يدل على انفراده بالربوبية؟ فصفة الخلق والتكوين، والرزق، من الصفات المسلّم بأنها له وحده.
يا صوت يهتف به المنادى، ويكون لنداء البعيد أو الساهي أو الغافل لعظم المأمور به بعد النداء، والظاهر أنها استعملت هنا لهذا اعْبُدُوا رَبَّكُمُ: أطيعوه.
فِراشاً الفراش: ما يفرشه الإنسان، والمراد أنه مهدها للإقامة عليها. بِناءً:
مبنية محكمة. أَنْداداً: جمع ندّ وهو النظير. شُهَداءَكُمْ: جمع شهيد، وهو من يحضر معكم من الرؤساء، أو من يشهد لكم يوم القيامة.
المناسبة:
لما ذكر الله- سبحانه- القرآن وصفته، وبين أن الناس مع القرآن ثلاثة أنواع:
فمنهم المؤمن، والكافر، والمنافق، خاطبهم جميعا بوصف عام يأنسون به ليكون ذلك أدعى للامتثال ولما أثبت الوحدانية لله. ثنى ببيان إعجاز القرآن وفي ذلك إثبات صدق الرسول.
المعنى:
لقد أمر الله الناس بعبادته، والإقرار له بالربوبية والوحدانية، ونبذ الأصنام وما كانوا يعبدون، لأنه الرب الذي خلقهم، وخلق آباءهم من قبل فلا يليق بهم أن يتخذوا أندادا له.
ففي عبادتهم لله وحده تتحقق تقواهم التي يحبها الله لهم، إذ هو الذي جعل لهم الأرض ممهدة للإقامة عليها مع تحريكها ودورانها، وجعل السماء كالقبة تظلهم بالخير والبركة.
وهي كالبناء المحكم مع ما فيها من عوالم الأفلاك والأجرام لا يسقط منها جزء ولا يختل لها نظام، وأنزل من السماء ماء مباركا طيبا ينبت لنا به الكلأ والزرع.
ألست ترى معى أن الله وصف نفسه بما يدل على انفراده بالربوبية؟ فصفة الخلق والتكوين، والرزق، من الصفات المسلّم بأنها له وحده.
23
وإذا كان هذا شأن الرب- سبحانه- فاعبدوه، ولا تجعلوا له أندادا في العبادة، تعبدونهم وأنتم تعلمون أنه لا ندّ له يخلق شيئا مما ذكر، وها هي ذي مظاهر قدرته ودلائل وحدانيته تدل عليه.
وإن كنتم في شك من القرآن وأنه أنزل على عبدنا ورسولنا النبي الأمى محمد بن عبد الله فها هو ذا القرآن، فجدوا واجتهدوا واشحذوا عزائمكم، واجمعوا جموعكم، واستعينوا برؤسائكم وآلهتكم، وأتوا بسورة تماثله في البلاغة وسداد التشريع الصالح لكل زمان ومكان، والإخبار بالمغيبات إن كنتم صادقين في دعواكم أن القرآن من عند محمد وليس القرآن من عند الله، وكيف يعقل هذا؟ ومحمد بشر منكم أمى مثلكم لم يقرأ ولم يكتب، وأنتم مجتمعون وفيكم الشاعر والخطيب والبليغ والأديب، والقرآن كلام عربي من جنس ما تتكلمون به في خطبكم وأشعاركم بل كلامكم العادي، وقد تحداكم الله به وأنتم ومن يحضر معكم من جهابذة القول وأعلام البلاغة وفرسان البيان، فإن عجزتم- وأنتم لا شك عاجزون- فارجعوا إلى الحق وآمنوا بمحمد وبما أنزل عليه من القرآن، وفي ذلك وقاية لكم من النار التي وقودها الناس والحجارة التي أعدها الله للكافرين.
تحدى الله العرب أن يأتوا بسورة تماثله في البيان وقوة الأسلوب، ودقة التعبير وغير ذلك مما برع العرب فيه، أما النواحي السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية والقانونية فذلك شأن عال، ومنزلة رفيعة أثبتت الأيام أن القرآن فيه معجزة للعالم كله.
(بحث لعل) : أصل لعل للترجى، فإذا قلت لصديقك: لعلك تزورنى، كان المعنى أرجو وأطمع في زيارتك، وهنا لا تصح أن تكون كذلك لأن رجاء تقواهم لا يكون من القادر الذي في قبضته كل شيء وهو العليم الخبير.
ولكن لما خلق الله الخلق لعبادته وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «١» وقد أوضح لهم الطريقتين، وطلب منهم سلوك الطريق المستقيم مرارا كأنه في صورة الذي يرجو تقواهم وكأنها مرجوة له سبحانه... وهي تفيد كذلك التعليل.
وإن كنتم في شك من القرآن وأنه أنزل على عبدنا ورسولنا النبي الأمى محمد بن عبد الله فها هو ذا القرآن، فجدوا واجتهدوا واشحذوا عزائمكم، واجمعوا جموعكم، واستعينوا برؤسائكم وآلهتكم، وأتوا بسورة تماثله في البلاغة وسداد التشريع الصالح لكل زمان ومكان، والإخبار بالمغيبات إن كنتم صادقين في دعواكم أن القرآن من عند محمد وليس القرآن من عند الله، وكيف يعقل هذا؟ ومحمد بشر منكم أمى مثلكم لم يقرأ ولم يكتب، وأنتم مجتمعون وفيكم الشاعر والخطيب والبليغ والأديب، والقرآن كلام عربي من جنس ما تتكلمون به في خطبكم وأشعاركم بل كلامكم العادي، وقد تحداكم الله به وأنتم ومن يحضر معكم من جهابذة القول وأعلام البلاغة وفرسان البيان، فإن عجزتم- وأنتم لا شك عاجزون- فارجعوا إلى الحق وآمنوا بمحمد وبما أنزل عليه من القرآن، وفي ذلك وقاية لكم من النار التي وقودها الناس والحجارة التي أعدها الله للكافرين.
تحدى الله العرب أن يأتوا بسورة تماثله في البيان وقوة الأسلوب، ودقة التعبير وغير ذلك مما برع العرب فيه، أما النواحي السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية والقانونية فذلك شأن عال، ومنزلة رفيعة أثبتت الأيام أن القرآن فيه معجزة للعالم كله.
(بحث لعل) : أصل لعل للترجى، فإذا قلت لصديقك: لعلك تزورنى، كان المعنى أرجو وأطمع في زيارتك، وهنا لا تصح أن تكون كذلك لأن رجاء تقواهم لا يكون من القادر الذي في قبضته كل شيء وهو العليم الخبير.
ولكن لما خلق الله الخلق لعبادته وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «١» وقد أوضح لهم الطريقتين، وطلب منهم سلوك الطريق المستقيم مرارا كأنه في صورة الذي يرجو تقواهم وكأنها مرجوة له سبحانه... وهي تفيد كذلك التعليل.
(١) سورة الذاريات ٥٦.
24
من آمن بالقرآن وجزاؤهم [سورة البقرة (٢) : آية ٢٥]
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥)
المفردات:
مُتَشابِهاً: يشبه بعضه بعضا. الجنة: البستان، والمراد دار الخلود التي أعدت للمؤمنين.
المناسبة:
من عادة القرآن الكريم أنه إذا تعرض للكلام على من كفر وعصى أردف ذلك بالكلام على من آمن واتقى ليظهر الفرق جليا بينهما فيكون ذلك أدعى للامتثال.
المعنى:
بشّر يا محمد، أو: يا من تتأتى منه البشارة من العلماء والوعاظ، بشّر العاملين الذين آمنوا وعملوا صالحا أن لهم جنات فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيها أنهار جارية تحت الأشجار، فيها الثمار الشهية، كلما قدمت لهم ثمرة منها قالوا متعجبين: هذه الثمرة كالتي رأيناها في الدنيا، فإذا تذوقوها وأكلوها رأوا عجبا وأدركوا أنها تشبه ثمار الدنيا في الشكل والجنس فقط، أما في الذوق والطعم والحجم فهذا ما لم يروه أبدا، وأتوا به
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥)
المفردات:
مُتَشابِهاً: يشبه بعضه بعضا. الجنة: البستان، والمراد دار الخلود التي أعدت للمؤمنين.
المناسبة:
من عادة القرآن الكريم أنه إذا تعرض للكلام على من كفر وعصى أردف ذلك بالكلام على من آمن واتقى ليظهر الفرق جليا بينهما فيكون ذلك أدعى للامتثال.
المعنى:
بشّر يا محمد، أو: يا من تتأتى منه البشارة من العلماء والوعاظ، بشّر العاملين الذين آمنوا وعملوا صالحا أن لهم جنات فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيها أنهار جارية تحت الأشجار، فيها الثمار الشهية، كلما قدمت لهم ثمرة منها قالوا متعجبين: هذه الثمرة كالتي رأيناها في الدنيا، فإذا تذوقوها وأكلوها رأوا عجبا وأدركوا أنها تشبه ثمار الدنيا في الشكل والجنس فقط، أما في الذوق والطعم والحجم فهذا ما لم يروه أبدا، وأتوا به
متشابها ليأنسوا به ويقدموا على أكله لأن النفس للمألوف أميل، وفي الجنة حور مقصورات في الخيام، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، طاهرات مطهرات من كل دنس ورجس كالحيض والنفاس وشرور النفس والهوى، وهم في الجنة خالدون، ولا حرج على فضل الله، فهذا الكريم القادر أعده لعباده الصالحين، فتبارك الله أحسن الخالقين.
واعلم يا أخى أن نعيم الجنة غير محدود، وما أعد فيها فشيء تقصر العبارة عن وصفه، وإذا أراد بيان الحقيقة المادية عبر عنها بقوله: فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ.
الأمثال في القرآن وموقف الناس منها [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧)
المفردات:
لا يَسْتَحْيِي الاستحياء: تغير وانكسار يعترى الإنسان من خوف ما يعاب عليه فيؤدى إلى ترك الفعل، والمراد هنا أنه- سبحانه- لا يترك ضرب المثل.
واعلم يا أخى أن نعيم الجنة غير محدود، وما أعد فيها فشيء تقصر العبارة عن وصفه، وإذا أراد بيان الحقيقة المادية عبر عنها بقوله: فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ.
الأمثال في القرآن وموقف الناس منها [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧)
المفردات:
لا يَسْتَحْيِي الاستحياء: تغير وانكسار يعترى الإنسان من خوف ما يعاب عليه فيؤدى إلى ترك الفعل، والمراد هنا أنه- سبحانه- لا يترك ضرب المثل.
26
مَثَلًا يطلق على المثل ومنه التمثيل، وعلى القول السائر، وعلى النعت والصفة التي بلغت مبلغ المثل في الغرابة والشيوع، البعوضة: الناموسة (ينقضون) النقض:
الفسخ وفك الترتيب، وأصل الاستعمال في الحبل، ثم استعمل في العهد لأنه يشبهه.
ميثاق ميثاق العهد: توكيده، المراد العهد المؤكد، وهو ما أوصاهم به في الكتب السابقة من الإيمان بمحمد إذا ظهر.
سبب النزول:
روى أنه لما ضرب الله الأمثال بالذباب والعنكبوت ضحكوا وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله
وفي رواية أنهم قالوا: ما يستحيى رب محمد أن يضرب مثلا بالذبابة والعنكبوت، فنزل قوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مشاكلة لقولهم.
المعنى:
أن الله- سبحانه- لا يترك ضرب الأمثال بالبعوض أو أخس منه، فالمثل جعل لكشف المعنى وتوضيحه بما هو معروف مشاهد لا سبيل إلى إنكاره، فإن كان المضروب له المثل عظيما كالحق والإسلام ضرب مثله بالنور والضياء.
وإن كان ضعيفا حقيرا كالأصنام ضرب مثله بما يشبهه كالذباب والبعوض والعنكبوت، على أنه لا فرق عند الله بين البعوضة والجمل في الخلق والتقدير.
فأما المؤمنون، ففي قلوبهم نور يهديهم إلى التصديق بأن هذا كلام الله، وأما الكفار الجاحدون فهم في حيرة من أمرهم، وقصارى قولهم أن يقولوا متعجبين، ماذا يريد الله بهذا المثل؟ شأن المتخبط الذي لا يدرى. لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟ [سورة المدثر آية ٣١].
فأنت معى أن المثل ضل به كثير من الناس، واهتدى به كثير من الناس، ولا يضل به إلا الخارجون عن طاعة الله، الذين ينقضون ما عاهدوا الله عليه من الإيمان بمحمد
الفسخ وفك الترتيب، وأصل الاستعمال في الحبل، ثم استعمل في العهد لأنه يشبهه.
ميثاق ميثاق العهد: توكيده، المراد العهد المؤكد، وهو ما أوصاهم به في الكتب السابقة من الإيمان بمحمد إذا ظهر.
سبب النزول:
روى أنه لما ضرب الله الأمثال بالذباب والعنكبوت ضحكوا وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله
وفي رواية أنهم قالوا: ما يستحيى رب محمد أن يضرب مثلا بالذبابة والعنكبوت، فنزل قوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مشاكلة لقولهم.
المعنى:
أن الله- سبحانه- لا يترك ضرب الأمثال بالبعوض أو أخس منه، فالمثل جعل لكشف المعنى وتوضيحه بما هو معروف مشاهد لا سبيل إلى إنكاره، فإن كان المضروب له المثل عظيما كالحق والإسلام ضرب مثله بالنور والضياء.
وإن كان ضعيفا حقيرا كالأصنام ضرب مثله بما يشبهه كالذباب والبعوض والعنكبوت، على أنه لا فرق عند الله بين البعوضة والجمل في الخلق والتقدير.
فأما المؤمنون، ففي قلوبهم نور يهديهم إلى التصديق بأن هذا كلام الله، وأما الكفار الجاحدون فهم في حيرة من أمرهم، وقصارى قولهم أن يقولوا متعجبين، ماذا يريد الله بهذا المثل؟ شأن المتخبط الذي لا يدرى. لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟ [سورة المدثر آية ٣١].
فأنت معى أن المثل ضل به كثير من الناس، واهتدى به كثير من الناس، ولا يضل به إلا الخارجون عن طاعة الله، الذين ينقضون ما عاهدوا الله عليه من الإيمان بمحمد
27
والتصديق به، خصوصا بعد ظهور الحجة على صدقة، وأنه مكتوب عندهم في التوراة، فهؤلاء يفرقون بين الأنبياء فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، وقد أمر الله بوصل الإيمان بجميع الأنبياء، ولكن هؤلاء همهم الإفساد بين الناس. والتضليل في العقائد إبقاء على رئاسة كذابة وزخرف زائل، هؤلاء لا شك قد خسروا دنياهم بافتضاحهم وتخبطهم، وخسروا آخرتهم بغضب الله عليهم، وأى خسران بعد هذا؟!!
مظاهرة قدرة الله [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)
المفردات:
اسْتَوى إِلَى السَّماءِ: استواء يليق بجلاله لا يعلمه إلا هو بلا كيف ولا تمثيل، وقيل: قصد إلى السماء قصدا مستويا خاصا بها. فَسَوَّاهُنَّ: أتم خلقهن مستويات لا تشقق فيهن ولا عوج.
المعنى:
استتبع الحديث عن الكفار وموقفهم من القرآن وأمثاله أن يتعجب من حالهم التي تناهت في العجب فيقول ما معناه:
أى وجه لكم وأى سند لإنكاركم ربوبية الله؟! ولو خلّيتم وفطرتكم الصحيحة لعرفتم فيما بينكم وبين أنفسكم أن وجودكم هذا سببه فطرة الله، وأنه منّ عليكم بنعمة الوجود ووهب لكم عقلا، وكرمكم ولم يترككم هملا في الدنيا، بل جعل حدا لآجالكم، ثم إليه ترجعون ليجزي كلا منكم على ما قدمته يداه، ويحاسبكم على النعمة
مظاهرة قدرة الله [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)
المفردات:
اسْتَوى إِلَى السَّماءِ: استواء يليق بجلاله لا يعلمه إلا هو بلا كيف ولا تمثيل، وقيل: قصد إلى السماء قصدا مستويا خاصا بها. فَسَوَّاهُنَّ: أتم خلقهن مستويات لا تشقق فيهن ولا عوج.
المعنى:
استتبع الحديث عن الكفار وموقفهم من القرآن وأمثاله أن يتعجب من حالهم التي تناهت في العجب فيقول ما معناه:
أى وجه لكم وأى سند لإنكاركم ربوبية الله؟! ولو خلّيتم وفطرتكم الصحيحة لعرفتم فيما بينكم وبين أنفسكم أن وجودكم هذا سببه فطرة الله، وأنه منّ عليكم بنعمة الوجود ووهب لكم عقلا، وكرمكم ولم يترككم هملا في الدنيا، بل جعل حدا لآجالكم، ثم إليه ترجعون ليجزي كلا منكم على ما قدمته يداه، ويحاسبكم على النعمة
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ
ﰝ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ
ﰞ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ
ﰟ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ
ﰠ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ
ﰡ
التي أنعم بها عليكم. وعن ابن عباس قال: كنتم ترابا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة ثانية، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة أخرى رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ.
وها هي ذي الأرض بما فيها هو الذي خلقها ومكن لكم فيها، ففهمتم أسرارها ودقائقها حتى استخدمتم الذرة والأثير، وقد كان هذا كافيا لئلا تكفروا به، وهناك مظهر آخر من مظاهر القوة والعظمة اختص الله بمعرفة سره ودقائقه وهو هذه السموات السبع التي رفعها بقدرته، وعلم هو كنهها وحقيقتها، ومن ذا الذي يعلم المخلوق إلا خالقه؟! فمن الخير لنا ألا نفكر في السماء وطبيعتها، وكيف استوى إليها، بحثا يضيّع علينا روح الدين، بل نستشعر عظمة الخالق الذي رفع السماء وبسط الأرض!!
قصة خلق الإنسان وتكريمه بالخلافة وسجود الملائكة له [سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٤]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤)
وها هي ذي الأرض بما فيها هو الذي خلقها ومكن لكم فيها، ففهمتم أسرارها ودقائقها حتى استخدمتم الذرة والأثير، وقد كان هذا كافيا لئلا تكفروا به، وهناك مظهر آخر من مظاهر القوة والعظمة اختص الله بمعرفة سره ودقائقه وهو هذه السموات السبع التي رفعها بقدرته، وعلم هو كنهها وحقيقتها، ومن ذا الذي يعلم المخلوق إلا خالقه؟! فمن الخير لنا ألا نفكر في السماء وطبيعتها، وكيف استوى إليها، بحثا يضيّع علينا روح الدين، بل نستشعر عظمة الخالق الذي رفع السماء وبسط الأرض!!
قصة خلق الإنسان وتكريمه بالخلافة وسجود الملائكة له [سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٤]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤)
29
المفردات:
لِلْمَلائِكَةِ الملائكة: خلق الله أعلم بهم، وقيل: هم أجسام نورانية لا يأكلون ولا يشربون، دأبهم الطاعة ليلا ونهارا. خَلِيفَةً الخليفة: من يخلفك ويقوم مقامك.
يَسْفِكُ الدِّماءَ: يريقها. نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ أى: ننزهك عن كل نقص متلبسين بحمدك والثناء عليك. وَنُقَدِّسُ لَكَ: نعظمك. أَنْبِئُونِي: أخبرونى السجود: الخضوع والانقياد. إِبْلِيسَ: واحد من الجن، وقيل: أبوهم كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [سورة الكهف ٥٠]، وقيل- من الملائكة لظاهر الآية والأحسن أن الله أعلم بهؤلاء جميعا أَبى امتنع.
القصة لون من ألوان الأدب العالي، وهي في القرآن الكريم لمعان سامية لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وهذه القصة فيها مدى تكريم الله لآدم وبنيه باختياره خليفة، وتعلمه ما لا تعلمه الملائكة، أفيليق منهم أن يقفوا من الله ورسله موقف الكفر والعناد؟ ومن هنا ندرك سر المناسبة بين الآيات، ولا تنس ما فيها من التسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم حيث يرى موقف الملائكة الأطهار من الله- سبحانه وتعالى-.
المعنى:
واذكر يا محمد لقومك قصة خلق أبيهم آدم حيث قال الله للملائكة: إنى جاعل في الأرض خليفة يقوم بعمارتها وسكناها، ويقوم بعضهم بالزعامة والتوجيه وتنفيذ الأحكام حتى يعمر الكون، فقالت الملائكة: يا رب هذا الخليفة وبنوه تصدر أفعالهم عن إرادتهم واختيارهم، وهم لا يعلمون المصلحة الحقيقية لأن علمهم محدود، وقد خلقوا من طين فالمادة جزء منهم، ومن كان كذلك فهو إلى الخطأ أقرب فهو يفسد في الأرض.
وأنت يا رب تريد عمارتها فيا رب!! كيف تجعل فيها من يفسد فيها؟ [استفهام من لون التعليم لا الاعتراض] ونحن أولى لأن أعمالنا تسبيحك وتقديسك.
لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ فأجابهم المولى:
لِلْمَلائِكَةِ الملائكة: خلق الله أعلم بهم، وقيل: هم أجسام نورانية لا يأكلون ولا يشربون، دأبهم الطاعة ليلا ونهارا. خَلِيفَةً الخليفة: من يخلفك ويقوم مقامك.
يَسْفِكُ الدِّماءَ: يريقها. نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ أى: ننزهك عن كل نقص متلبسين بحمدك والثناء عليك. وَنُقَدِّسُ لَكَ: نعظمك. أَنْبِئُونِي: أخبرونى السجود: الخضوع والانقياد. إِبْلِيسَ: واحد من الجن، وقيل: أبوهم كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [سورة الكهف ٥٠]، وقيل- من الملائكة لظاهر الآية والأحسن أن الله أعلم بهؤلاء جميعا أَبى امتنع.
القصة لون من ألوان الأدب العالي، وهي في القرآن الكريم لمعان سامية لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وهذه القصة فيها مدى تكريم الله لآدم وبنيه باختياره خليفة، وتعلمه ما لا تعلمه الملائكة، أفيليق منهم أن يقفوا من الله ورسله موقف الكفر والعناد؟ ومن هنا ندرك سر المناسبة بين الآيات، ولا تنس ما فيها من التسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم حيث يرى موقف الملائكة الأطهار من الله- سبحانه وتعالى-.
المعنى:
واذكر يا محمد لقومك قصة خلق أبيهم آدم حيث قال الله للملائكة: إنى جاعل في الأرض خليفة يقوم بعمارتها وسكناها، ويقوم بعضهم بالزعامة والتوجيه وتنفيذ الأحكام حتى يعمر الكون، فقالت الملائكة: يا رب هذا الخليفة وبنوه تصدر أفعالهم عن إرادتهم واختيارهم، وهم لا يعلمون المصلحة الحقيقية لأن علمهم محدود، وقد خلقوا من طين فالمادة جزء منهم، ومن كان كذلك فهو إلى الخطأ أقرب فهو يفسد في الأرض.
وأنت يا رب تريد عمارتها فيا رب!! كيف تجعل فيها من يفسد فيها؟ [استفهام من لون التعليم لا الاعتراض] ونحن أولى لأن أعمالنا تسبيحك وتقديسك.
لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ فأجابهم المولى:
إنى أعلم ما لا تعلمون | إنى أعلم كيف تصلح الأرض وكيف تعمر ومن أصلح لعمارتها؟ |
غنى النفس ما استغنيت عنه | وفقر النفس ما عمرت شقاء |
وخالف النفس والشيطان واعصهما | وإن هما محّضاك النصح فاتّهم |
ولكن حكم القرآن على المشركين وبعض اليهود أنه إذا قيل لهم: اتبعوا ما أنزل الله
96
على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم فهو خير لكم وأجدى قالوا: لا، إنما نحن نتبع آباءنا وهم أعقل وأدرى بالدين. عجبا أيتبعون آباءهم ولو كانوا لا يعقلون شيئا من أمور الدين بل يتخبطون تخبط الأعمى ولا يهتدون إلى الصواب.
ومثل داعي الذين كفروا إلى الإسلام كمثل الذي يدعو سوائمه، فكل من الكفار والبهائم لا يعي شيئا مما يسمع، وإنما يشعر بجرس اللفظ ورنينه فقط، لأن الكفار قد ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، فليس عندهم استعداد للخير أبدا. والبهائم لا عقل لها تعى به.
ما يؤخذ من الآية:
١- لا يحل لمسلم أن يأخذ ما لا يتعلق به حق الغير أو يأخذه بغير وجه شرعي.
٢- يجب على المسلم أن يخالف الشيطان فإنه داع للشر والسوء والفحشاء.
٣- لا يصح للمسلم أن يقلد غيره تقليد الأعمى بل ينظر على قدر طاقته وقوته في أمور دينه.
ما تقدم من أول السورة يتعلق بالقرآن ومؤيديه ومعارضيه ومن هنا إلى أواخر الجزء الثاني في الأحكام الفرعية التي تعنى بتكوين الفرد المسلم والمجتمع الإسلامى.
يا أيها الذين اتصفتم بالإيمان، كلوا مما رزقناكم أكلا طيبا ما دمتم غير معتدين على أحد، فكل شيء حلال لكم، واشكروا الله- سبحانه- خالق هذه النعم.
هذا هو نظام الإسلام، قد جعلنا أمة وسطا تعنى بالجسم، فنأكل ما نشاء حلالا طيبا بلا إسراف ولا تقتير لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما رزقناكم (الآية: ٨٧ من سورة المائدة). وتعنى بالروح، فنغذيها بالشكر لله صاحب تلك النعم، فقد أباح الله لكم ثمرات الأرض وطيباتها إلا ما حرم.
وما حرم عليكم إلا الميتة فإنه بقي فيها دمها وقد يكون ملوثا بالأمراض كما هو الغالب، وحرم الدم المسفوح فإن النفوس الطيبة تأباه مع تلوثه بالجراثيم، وكذلك لحم الخنزير فإنه حيوان قذر لا يأكل إلا من القاذورات والنجاسات، والطب يؤيد خطره على الصحة، وما ذكر عليه غير اسمه- تعالى- عند الذبح فإنهم يذبحون في الجاهلية
ومثل داعي الذين كفروا إلى الإسلام كمثل الذي يدعو سوائمه، فكل من الكفار والبهائم لا يعي شيئا مما يسمع، وإنما يشعر بجرس اللفظ ورنينه فقط، لأن الكفار قد ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، فليس عندهم استعداد للخير أبدا. والبهائم لا عقل لها تعى به.
ما يؤخذ من الآية:
١- لا يحل لمسلم أن يأخذ ما لا يتعلق به حق الغير أو يأخذه بغير وجه شرعي.
٢- يجب على المسلم أن يخالف الشيطان فإنه داع للشر والسوء والفحشاء.
٣- لا يصح للمسلم أن يقلد غيره تقليد الأعمى بل ينظر على قدر طاقته وقوته في أمور دينه.
ما تقدم من أول السورة يتعلق بالقرآن ومؤيديه ومعارضيه ومن هنا إلى أواخر الجزء الثاني في الأحكام الفرعية التي تعنى بتكوين الفرد المسلم والمجتمع الإسلامى.
يا أيها الذين اتصفتم بالإيمان، كلوا مما رزقناكم أكلا طيبا ما دمتم غير معتدين على أحد، فكل شيء حلال لكم، واشكروا الله- سبحانه- خالق هذه النعم.
هذا هو نظام الإسلام، قد جعلنا أمة وسطا تعنى بالجسم، فنأكل ما نشاء حلالا طيبا بلا إسراف ولا تقتير لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما رزقناكم (الآية: ٨٧ من سورة المائدة). وتعنى بالروح، فنغذيها بالشكر لله صاحب تلك النعم، فقد أباح الله لكم ثمرات الأرض وطيباتها إلا ما حرم.
وما حرم عليكم إلا الميتة فإنه بقي فيها دمها وقد يكون ملوثا بالأمراض كما هو الغالب، وحرم الدم المسفوح فإن النفوس الطيبة تأباه مع تلوثه بالجراثيم، وكذلك لحم الخنزير فإنه حيوان قذر لا يأكل إلا من القاذورات والنجاسات، والطب يؤيد خطره على الصحة، وما ذكر عليه غير اسمه- تعالى- عند الذبح فإنهم يذبحون في الجاهلية
97
للأصنام ويقولون عند ذبحها: «باسم اللات والعزى»، ثم يضاف إلى هذا ما حرم في سورة المائدة، وكله محرم شرعا وذوقا وطبا لمصلحتنا، إلا من اضطر إلى أكل شيء من ذلك بأن لم يجد ما يبقى به رمقه فله أن يأكل ولا إثم عليه، بشرط ألا يكون طالبا المحرم لذاته، ولا باغيا، ولا متجاوزا الحد في سد جوعه فيأكل بقدر الضرورة فقط وبعض المفسرين على أنه يشترط فيه ألا يكون خارجا على المسلمين، ولا قاطع طريق لأن هذه رخصة لا تعطى للمعتدين فإذا نظرنا إلى أنه قد يهلك بسبب حرمانه تجاوزنا عن ذلك، والله غفور للزلة رحيم بعباده.
ما يستنبط من الآية:
كل ما في الأرض والبحر والجو من نبات وحيوان وسمك وطير حلال لنا إلا ما ذكر من المحرمات هنا وفي سورة المائدة وما نص عليه في كتب الفقه الإسلامى.
وللمضطر أن يأكل مما حرم قدر الضرورة.
موقف أهل الكتاب من القرآن والنبي [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧٤ الى ١٧٦]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦)
ما يستنبط من الآية:
كل ما في الأرض والبحر والجو من نبات وحيوان وسمك وطير حلال لنا إلا ما ذكر من المحرمات هنا وفي سورة المائدة وما نص عليه في كتب الفقه الإسلامى.
وللمضطر أن يأكل مما حرم قدر الضرورة.
موقف أهل الكتاب من القرآن والنبي [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧٤ الى ١٧٦]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦)
98
المفردات:
يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا: يبيعونه بثمن قليل. يُزَكِّيهِمْ: يطهرهم.
شِقاقٍ الشقاق: المخالفة.
هذا موقف آخر لأهل الكتاب وأحبارهم بالنسبة للقرآن والنبي، وما قبله كان الكلام عليهم وعلى المشركين حيث حرموا بعض الحلال، وابتدعوا في الدين رهبانية وتقشفا.
المعنى:
إن الذين يكتمون ما أنزل الله- الكتاب المنزل عليهم من وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم وبيان زمانه وغير ذلك مما يشهد بصدق نبوته وكمال رسالته، فعلوا هذا حرصا على رئاسة كاذبة وعرض زائل- تراهم باعوا الخير والهدى بثمن بخس قليل لا ينفع، أولئك البعيدون في الضلال لا يأكلون في بطونهم إلّا ما هو موجب لدخول النار. ومن شدة غضب الله عليهم أنه لا يكلمهم يوم القيامة، ولا يثنى عليهم بالخير كما يفعل مع أهل الجنة، وللكافرين عذاب شديد مؤلم في الدنيا والآخرة.
ثم أشار إليهم مرة ثانية دليلا على تمكنهم في الضلال فقد استبدلوا الضلالة بالهدى واستحقوا العذاب بدل المغفرة، فعجبا لهم وأى عجب لصبرهم على تعاطى موجبات دخول النار من غير مبالاة منهم!! ذلك العذاب الشديد الذي لحق بهم لأن الله نزل الكتاب بالحق، وأن الذين اختلفوا في كتب الله فقالوا: بعضهم حق وبعضهم باطل لفي خلاف بعيد عن الحق.
يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا: يبيعونه بثمن قليل. يُزَكِّيهِمْ: يطهرهم.
شِقاقٍ الشقاق: المخالفة.
هذا موقف آخر لأهل الكتاب وأحبارهم بالنسبة للقرآن والنبي، وما قبله كان الكلام عليهم وعلى المشركين حيث حرموا بعض الحلال، وابتدعوا في الدين رهبانية وتقشفا.
المعنى:
إن الذين يكتمون ما أنزل الله- الكتاب المنزل عليهم من وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم وبيان زمانه وغير ذلك مما يشهد بصدق نبوته وكمال رسالته، فعلوا هذا حرصا على رئاسة كاذبة وعرض زائل- تراهم باعوا الخير والهدى بثمن بخس قليل لا ينفع، أولئك البعيدون في الضلال لا يأكلون في بطونهم إلّا ما هو موجب لدخول النار. ومن شدة غضب الله عليهم أنه لا يكلمهم يوم القيامة، ولا يثنى عليهم بالخير كما يفعل مع أهل الجنة، وللكافرين عذاب شديد مؤلم في الدنيا والآخرة.
ثم أشار إليهم مرة ثانية دليلا على تمكنهم في الضلال فقد استبدلوا الضلالة بالهدى واستحقوا العذاب بدل المغفرة، فعجبا لهم وأى عجب لصبرهم على تعاطى موجبات دخول النار من غير مبالاة منهم!! ذلك العذاب الشديد الذي لحق بهم لأن الله نزل الكتاب بالحق، وأن الذين اختلفوا في كتب الله فقالوا: بعضهم حق وبعضهم باطل لفي خلاف بعيد عن الحق.
99
حقيقة البر [سورة البقرة (٢) : آية ١٧٧]
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧)
المفردات:
الْبِرَّ: اسم جامع للخير ولكل فعل مرض. الْيَتامى اليتيم: من لا والد له وهو محتاج. الْمَساكِينَ: صنف من الفقراء المحتاجين الذين سكنت نفوسهم للرضا بالقليل، فالمسكين له مال لا يكفيه، وأما الفقير فلا مال له فيعطى من باب أولى. ابْنَ السَّبِيلِ: ابن الطريق، وهو المسافر المحتاج. وَفِي الرِّقابِ:
أنفق المال في فك الرقاب من قيد الرق. الْبَأْساءِ من البؤس: وهو شدة الفقر.
الضَّرَّاءِ: ما يضر الإنسان من مرض أو فقد محبوب. حِينَ الْبَأْسِ: وقت شدة القتال.
المعنى:
كثر الكلام والجدال حول تحويل القبلة من أهل الأديان، حتى شغل المسلمون بها، وغلا كل فريق في التمسك بقبلته، فأراد الله- سبحانه وتعالى- أن يبين للناس كافة أن
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧)
المفردات:
الْبِرَّ: اسم جامع للخير ولكل فعل مرض. الْيَتامى اليتيم: من لا والد له وهو محتاج. الْمَساكِينَ: صنف من الفقراء المحتاجين الذين سكنت نفوسهم للرضا بالقليل، فالمسكين له مال لا يكفيه، وأما الفقير فلا مال له فيعطى من باب أولى. ابْنَ السَّبِيلِ: ابن الطريق، وهو المسافر المحتاج. وَفِي الرِّقابِ:
أنفق المال في فك الرقاب من قيد الرق. الْبَأْساءِ من البؤس: وهو شدة الفقر.
الضَّرَّاءِ: ما يضر الإنسان من مرض أو فقد محبوب. حِينَ الْبَأْسِ: وقت شدة القتال.
المعنى:
كثر الكلام والجدال حول تحويل القبلة من أهل الأديان، حتى شغل المسلمون بها، وغلا كل فريق في التمسك بقبلته، فأراد الله- سبحانه وتعالى- أن يبين للناس كافة أن
100
مجرد تولية الوجه قبلة مخصوصة ليس هو البر المقصود، وإنما البر شيء آخر ليس في تولية الوجه جهة المشرق والمغرب، إنما هو إيمان بالله ورسوله إيمانا قلبيا صادقا كاملا مقرونا بالعمل، إيمان تطمئن به القلوب وتهدأ به النفوس، إيمان يحول بين النفس ودواعي الشر ومزالق الشيطان، فإذا وقع في المحرم سارع إلى التوبة الصادقة.
فالبر: الإيمان الكامل بالله واليوم الآخر على أنه محل للجزاء والثواب، فيكون هذا أدعى للقرب من الرحمن والبعد عن الشيطان، والإيمان بالملائكة على أنهم خلق من خلق الله سفراء بينه وبين رسله حملة الوحى وسدنة العرش، دأبهم الطاعة، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
والإيمان بالكتاب المنزل سواء كان زبورا أو توراة أو إنجيلا أو قرآنا يؤمن بما فيه كله لا يؤمن بالبعض ويكفر بالبعض كما يفعل أهل الكتاب.
والإيمان بالنبيين جميعا لا فرق بين نبي ونبي.
هذا أساس الاعتقاد الصحيح والإيمان الكامل، ثم لا بد معه من عمل يهذب النفس ويقوى الروح ويربط المجتمع برباط الألفة والمحبة والاتحاد والتعاون، ولقد أشار القرآن الكريم إلى الأمور العملية فيما يأتى:
إيتاء المال المستحق مع حبه له كما قال ابن مسعود: «أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الروح الحلقوم قلت: لفلان كذا» نعم إيتاء المال مع حبه ذوى قرباه عصبا أو رحما لأنهم أحق من غيرهم ما داموا محتاجين: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» وآتى اليتامى الذين فقدوا آباءهم ولا عائل لهم إلا الله، وآتى المساكين، والفقراء من باب أولى، وأعطى ابن السبيل الذي انقطع به الطريق حتى كأنه لا أب له ولا أم إلا الطريق، وآتى السائلين الذين يسألون بدون إلحاف مع الحاجة إلى المال: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ أما من يتخذ السؤال حرفة ويجمع بسببه المال فلا يعطى، بل إن كان صغيرا أو قادرا على العمل ذكرا كان أو أنثى كان على الحكومة أن توجد له عملا، وبدل أن تعطيه قرشا ويظل فقيرا ساعده على إيجاد عمل له.
ومن البر العملي إنفاق المال في الرقاب الأسيرة بالرق أو الأسيرة بالحرب بأن يعين
فالبر: الإيمان الكامل بالله واليوم الآخر على أنه محل للجزاء والثواب، فيكون هذا أدعى للقرب من الرحمن والبعد عن الشيطان، والإيمان بالملائكة على أنهم خلق من خلق الله سفراء بينه وبين رسله حملة الوحى وسدنة العرش، دأبهم الطاعة، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
والإيمان بالكتاب المنزل سواء كان زبورا أو توراة أو إنجيلا أو قرآنا يؤمن بما فيه كله لا يؤمن بالبعض ويكفر بالبعض كما يفعل أهل الكتاب.
والإيمان بالنبيين جميعا لا فرق بين نبي ونبي.
هذا أساس الاعتقاد الصحيح والإيمان الكامل، ثم لا بد معه من عمل يهذب النفس ويقوى الروح ويربط المجتمع برباط الألفة والمحبة والاتحاد والتعاون، ولقد أشار القرآن الكريم إلى الأمور العملية فيما يأتى:
إيتاء المال المستحق مع حبه له كما قال ابن مسعود: «أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الروح الحلقوم قلت: لفلان كذا» نعم إيتاء المال مع حبه ذوى قرباه عصبا أو رحما لأنهم أحق من غيرهم ما داموا محتاجين: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» وآتى اليتامى الذين فقدوا آباءهم ولا عائل لهم إلا الله، وآتى المساكين، والفقراء من باب أولى، وأعطى ابن السبيل الذي انقطع به الطريق حتى كأنه لا أب له ولا أم إلا الطريق، وآتى السائلين الذين يسألون بدون إلحاف مع الحاجة إلى المال: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ أما من يتخذ السؤال حرفة ويجمع بسببه المال فلا يعطى، بل إن كان صغيرا أو قادرا على العمل ذكرا كان أو أنثى كان على الحكومة أن توجد له عملا، وبدل أن تعطيه قرشا ويظل فقيرا ساعده على إيجاد عمل له.
ومن البر العملي إنفاق المال في الرقاب الأسيرة بالرق أو الأسيرة بالحرب بأن يعين
101
من يريد الخلاص: بماله أو جاهه، فالدين شغوف جدّا بالحرية الكاملة لكل فرد، ولكل أمة.
ومنه إقامة الصلاة كاملة مقومة تامة الأركان والشروط مع الاستحضار القلبي الذي يبدأ بقولك: الله أكبر، وينتهى بالسلام.
ومنه البر والوفاء بالعهد فإنه من آيات الإيمان، وضده من آيات النفاق كما ورد:
«آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».
ونهاية الصفات وأعلى درجات البر والإيمان: الصبر: في البأساء والضراء وحين البأس، فالصبر نصف الإيمان، بل الدليل على الإيمان الكامل أن يصبر الإنسان ويحتسب أجره عند الله في الفقر وشدته، والضر وإصابته، وحين القتال وقوته، ولا شك أن هذه هي المواقف التي يظهر فيها الإيمان الكامل.
أولئك الموصوفون بما ذكرهم الصادقون في الإيمان، وأولئك البعيدون في درجة الكمال، هم المتقون عذاب الله الفائزون بثوابه.
حق الله في المال
الله- سبحانه وتعالى- جمع في هذه الآية صورتين للإنفاق: صورة فيها إعطاء لمال محددا معينا على كيفية مخصوصة، وهو ما يعبر عنه بالزكاة المقيدة وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ.
وصورة أخرى وهي إعطاء المال من غير تقييد ولا تحديد بل ترك تقييده وتحديده لحال الأمة، وهو ما عبر عنه: آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى ويسمى بالزكاة المطلقة، وفي هذا إشارة إلى أن المال يتعلق به حق معلوم، وآخر يترك للظروف وما تستدعيه الحال.
أليس هذا علاجا للأزمات النفسية التي بين الفقراء والأغنياء، أليس هو الدواء الناجع لبطر الأغنياء وشحهم بالمال؟ أليس معناه أن هناك حقا في يد الحاكم يفرضه على الأغنياء للفقراء حتى تهدأ نفوسهم وتسكن؟ أليس الدين بهذا قد حل المشكلة من ثلاثة عشر قرنا: المشكلة بين الرأسمالية والشيوعية!!
ومنه إقامة الصلاة كاملة مقومة تامة الأركان والشروط مع الاستحضار القلبي الذي يبدأ بقولك: الله أكبر، وينتهى بالسلام.
ومنه البر والوفاء بالعهد فإنه من آيات الإيمان، وضده من آيات النفاق كما ورد:
«آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».
ونهاية الصفات وأعلى درجات البر والإيمان: الصبر: في البأساء والضراء وحين البأس، فالصبر نصف الإيمان، بل الدليل على الإيمان الكامل أن يصبر الإنسان ويحتسب أجره عند الله في الفقر وشدته، والضر وإصابته، وحين القتال وقوته، ولا شك أن هذه هي المواقف التي يظهر فيها الإيمان الكامل.
أولئك الموصوفون بما ذكرهم الصادقون في الإيمان، وأولئك البعيدون في درجة الكمال، هم المتقون عذاب الله الفائزون بثوابه.
حق الله في المال
الله- سبحانه وتعالى- جمع في هذه الآية صورتين للإنفاق: صورة فيها إعطاء لمال محددا معينا على كيفية مخصوصة، وهو ما يعبر عنه بالزكاة المقيدة وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ.
وصورة أخرى وهي إعطاء المال من غير تقييد ولا تحديد بل ترك تقييده وتحديده لحال الأمة، وهو ما عبر عنه: آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى ويسمى بالزكاة المطلقة، وفي هذا إشارة إلى أن المال يتعلق به حق معلوم، وآخر يترك للظروف وما تستدعيه الحال.
أليس هذا علاجا للأزمات النفسية التي بين الفقراء والأغنياء، أليس هو الدواء الناجع لبطر الأغنياء وشحهم بالمال؟ أليس معناه أن هناك حقا في يد الحاكم يفرضه على الأغنياء للفقراء حتى تهدأ نفوسهم وتسكن؟ أليس الدين بهذا قد حل المشكلة من ثلاثة عشر قرنا: المشكلة بين الرأسمالية والشيوعية!!
102
ألا يا قوم والله لا خير إلا في هذا الدين فإنه دواء من حكيم عليم، في الرأسمالية عيوب لا تحصى، وفي الشيوعية عيوب لا تحصى، ولكن الحال الوسط والرأي المعتدل في الجمع بين الناحيتين بلا إفراط ولا تفريط كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [سورة آل عمران آية ١١٠].
القصاص وأثره [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧٨ الى ١٧٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)
المفردات:
الْقِصاصُ والقود: هو أن يفعل بالجانى مثل ما يفعل بالمجني عليه. فِي الْقَتْلى: بسبب القتلى. فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ: فمن عفى له من أخيه وهو ولى الدم شيء من العفو. فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ: فليكن اتباع للجاني بالمعروف من غير شطط. وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ: وتأدية من جهة الجاني إلى المجنى عليه من غير تعب ولا مماطلة.
سبب النزول:
كان بين حيين من العرب نزاع وقتال، وكان أحدهما يتطاول على الآخر فحلف ليقتلن الحر بالعبد والذكر بالأنثى، واحتكموا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فنزلت الآية.
القصاص وأثره [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧٨ الى ١٧٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)
المفردات:
الْقِصاصُ والقود: هو أن يفعل بالجانى مثل ما يفعل بالمجني عليه. فِي الْقَتْلى: بسبب القتلى. فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ: فمن عفى له من أخيه وهو ولى الدم شيء من العفو. فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ: فليكن اتباع للجاني بالمعروف من غير شطط. وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ: وتأدية من جهة الجاني إلى المجنى عليه من غير تعب ولا مماطلة.
سبب النزول:
كان بين حيين من العرب نزاع وقتال، وكان أحدهما يتطاول على الآخر فحلف ليقتلن الحر بالعبد والذكر بالأنثى، واحتكموا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فنزلت الآية.
103
المعنى:
يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم القصاص بسبب القتلى، يقتص من القاتل بمثل ما فعل مع ملاحظة الأوصاف، فيقتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى وقد بينت السنة أن الذكر يقتل بالأنثى، أما الحر بالعبد ففيه خلاف: فالشافعي ومالك أن الحر لا يقتل بالعبد أخذا بهذه الآية. ويقولون: إنها مفسرة لما أبهم في آية المائدة: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ «١» وعند أبي حنيفة هذه الآية منسوخة بآية المائدة، القصاص ثابت بين العبد والحر والذكر والأنثى بدليل
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم» «٢»
والجماعة تقتل بالواحد باتفاق «٣».
ويشترط في القصاص التوافق في الدين فلا يقتل المسلم بالكافر، وهذا الحكم عند ما يحتكمون إلى القاضي، وإلا فلوليّ الدم أن يعفو عن القصاص ويأخذ الدية أو يعفو عنهما معا، بل إذا عفا الولي عن بعض الدم للقاتل، أو عفا بعض الورثة عن القصاص سقط ووجبت الدية، وعندئذ يطالب بها بالمعروف من غير شدة ولا عنف، وعلى القاتل الأداء بالمعروف من غير مماطلة ولا تسويف.
وجواز القصاص والدية والعفو عن كليهما تخفيف من الله لنا ورحمة بنا، فمن اعتدى بعد ذلك بأن يطالب بالقصاص والدية. أو إذا طولب القاتل بالدية ماطل واعتدى. فلمن فعل هذا نوع من العذاب مؤلم غاية الألم.
ولكم في القصاص حياة عظيمة للجماعة، تشيع فيها الطمأنينة والهدوء والسكينة فكل شخص يعرف أنه إذا قتل غيره قتل فيه امتنع عن القتل، فيحيا القاتل والمقتول وهذا القصاص يمنع انتشار الفوضى والظلم في القتل، وهو سبب في منع الجرائم والحزازات، وحدّ للشر وسلّ للسخيمة.
وهذه العبارة أبلغ من قول العربي: (القتل أنفى للقتل) وأدل على المقصود وأظهر في الموضوع، وكل قصاص فيه حياة سامية، والقتل إذا كان فيه عدل كان أنفى للقتل، وإن كان فيه ظلم يكون أدعى للقتل.
يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم القصاص بسبب القتلى، يقتص من القاتل بمثل ما فعل مع ملاحظة الأوصاف، فيقتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى وقد بينت السنة أن الذكر يقتل بالأنثى، أما الحر بالعبد ففيه خلاف: فالشافعي ومالك أن الحر لا يقتل بالعبد أخذا بهذه الآية. ويقولون: إنها مفسرة لما أبهم في آية المائدة: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ «١» وعند أبي حنيفة هذه الآية منسوخة بآية المائدة، القصاص ثابت بين العبد والحر والذكر والأنثى بدليل
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم» «٢»
والجماعة تقتل بالواحد باتفاق «٣».
ويشترط في القصاص التوافق في الدين فلا يقتل المسلم بالكافر، وهذا الحكم عند ما يحتكمون إلى القاضي، وإلا فلوليّ الدم أن يعفو عن القصاص ويأخذ الدية أو يعفو عنهما معا، بل إذا عفا الولي عن بعض الدم للقاتل، أو عفا بعض الورثة عن القصاص سقط ووجبت الدية، وعندئذ يطالب بها بالمعروف من غير شدة ولا عنف، وعلى القاتل الأداء بالمعروف من غير مماطلة ولا تسويف.
وجواز القصاص والدية والعفو عن كليهما تخفيف من الله لنا ورحمة بنا، فمن اعتدى بعد ذلك بأن يطالب بالقصاص والدية. أو إذا طولب القاتل بالدية ماطل واعتدى. فلمن فعل هذا نوع من العذاب مؤلم غاية الألم.
ولكم في القصاص حياة عظيمة للجماعة، تشيع فيها الطمأنينة والهدوء والسكينة فكل شخص يعرف أنه إذا قتل غيره قتل فيه امتنع عن القتل، فيحيا القاتل والمقتول وهذا القصاص يمنع انتشار الفوضى والظلم في القتل، وهو سبب في منع الجرائم والحزازات، وحدّ للشر وسلّ للسخيمة.
وهذه العبارة أبلغ من قول العربي: (القتل أنفى للقتل) وأدل على المقصود وأظهر في الموضوع، وكل قصاص فيه حياة سامية، والقتل إذا كان فيه عدل كان أنفى للقتل، وإن كان فيه ظلم يكون أدعى للقتل.
(١) سورة المائدة آية ٤٥.
(٢) أخرجه الترمذي وغيره كتاب الوصايا باب لا وصية لوارث رقم ٢١٢٢ وقال حسن صحيح.
(٣) أخرجه البخاري كتاب الوصايا باب الوصايا ص ٢٧٣٨.
(٢) أخرجه الترمذي وغيره كتاب الوصايا باب لا وصية لوارث رقم ٢١٢٢ وقال حسن صحيح.
(٣) أخرجه البخاري كتاب الوصايا باب الوصايا ص ٢٧٣٨.
104
الوصية [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٨٠ الى ١٨٢]
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢)
المفردات:
الْوَصِيَّةُ: أن يوصى من أوشك على الموت ببعض ماله لأقاربه. بَدَّلَهُ:
غيّره. جَنَفاً: ميلا عن الحق والعدل. خَيْراً: المراد: المال الكثير كما فسرته السيدة عائشة.
المعنى:
فرض الله عليكم فيما فرض: إذا أشرف أحدكم على الموت، وقد ترك مالا كثيرا أن يوصى للوالدين والأقارب وصية عادلة، فلا يزيد على ثلث ماله.
ولا يفضل غنيا لغناه، ويعدل في الوصية فلا يميز أصلا إلا لضرورة كعجز عن الكسب أو اشتغال بالعلم، إذ عدم العدل يسبب البغضاء والنزاع بين الورثة، فمن غيّر الوصية بعد ما سمعها وشهد عليها فإنما ذنب هذا التغيير عليه، والله سميع لكل قول عليم بكل فعل، فاحذروا عقابه وارجوا ثوابه، فمن علم من موص ميلا عن الحق خطأ أو عمدا. فله أن يصلح بين الموصى والموصى له أو بين الورثة والموصى لهم بأن يجعل الوصية شرعية عادلة لا ظلم فيها، ولا ذنب عليه في ذلك والله غفور رحيم.
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢)
المفردات:
الْوَصِيَّةُ: أن يوصى من أوشك على الموت ببعض ماله لأقاربه. بَدَّلَهُ:
غيّره. جَنَفاً: ميلا عن الحق والعدل. خَيْراً: المراد: المال الكثير كما فسرته السيدة عائشة.
المعنى:
فرض الله عليكم فيما فرض: إذا أشرف أحدكم على الموت، وقد ترك مالا كثيرا أن يوصى للوالدين والأقارب وصية عادلة، فلا يزيد على ثلث ماله.
ولا يفضل غنيا لغناه، ويعدل في الوصية فلا يميز أصلا إلا لضرورة كعجز عن الكسب أو اشتغال بالعلم، إذ عدم العدل يسبب البغضاء والنزاع بين الورثة، فمن غيّر الوصية بعد ما سمعها وشهد عليها فإنما ذنب هذا التغيير عليه، والله سميع لكل قول عليم بكل فعل، فاحذروا عقابه وارجوا ثوابه، فمن علم من موص ميلا عن الحق خطأ أو عمدا. فله أن يصلح بين الموصى والموصى له أو بين الورثة والموصى لهم بأن يجعل الوصية شرعية عادلة لا ظلم فيها، ولا ذنب عليه في ذلك والله غفور رحيم.
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ
ﲶ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ
ﲷ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﲸ
ملاحظة:
هذه الآية منسوخة بآية المواريث
وبقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث»
بقي الأقارب غير الوارثين يستحب أن يوصى لهم من الثلث استئناسا بهذه الآية ولشمولها وتوكيدها،
ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه».
الصيام وفرضه [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٨٣ الى ١٨٥]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥)
هذه الآية منسوخة بآية المواريث
وبقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث»
بقي الأقارب غير الوارثين يستحب أن يوصى لهم من الثلث استئناسا بهذه الآية ولشمولها وتوكيدها،
ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه».
الصيام وفرضه [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٨٣ الى ١٨٥]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥)
106
المفردات:
الصِّيامُ في اللغة: الإمساك، وفي عرف الشرع: إمساك عن الأكل والشرب والجماع من الفجر إلى غروب الشمس احتسابا لوجه الله. يُطِيقُونَهُ لا يقال: هو يطيق حمل نواة أو ريشة وإنما هو يطيق حمل قنطارين من الحديد مثلا إذا كان يحملها بمشقة وشدة، فالذين يطيقون الصوم هم الذين يتحملونه بمشقة وجهد، ويؤيد هذا قراءة يطوقونه، وذلك كالكبير المسن والحامل والمرضع والعامل في العمل الشاق الشديد وهو مضطر إليه. لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ: لتعظموه وتشكروه.
المعنى:
الصيام رياضة روحية، وعمل سلبي للنفس، وتهيئة للتقوى بالمراقبة في السر والعلن، وتربية للإرادة، وتعويد للصبر وتحمل المشاق، ولذا قيل: الصوم نصف الصبر، وهو شاق على النفس حقيقة، شديد عليها أن تحرم مما في يدها، ولذا نرى القرآن الكريم يتلطف في الأمر منه.
إذ ناداهم بوصف الإيمان المقتضى للامتثال والمسارعة فيه، ثم قال: إنه فرض عليكم كما فرض على الذين من قبلكم من الأمم، فاقبلوه كما قبله غيركم، ثم هو مطهرة للنفس ومرضاة للرب فرضه عليكم لعلكم به تتقون الله، وهو أيام معدودات قلائل في العام شهر واحد:
«لو علمت أمتى ما في رمضان من الخير لتمنت أن يكون السنة كلها» «١».
وليس واجبا إلا على القادر والمستطيع الصحيح، وأما المسافر والمريض فلا حرج عليهما في الفطر لأن المرض والسفر مشقة والمشقة تجلب التيسير، وعليهما القضاء، ولم يحدد القرآن السفر ولا المرض لأن هذا يختلف باختلاف الأحوال، ولو علم الله خيرا في التحديد لحدد، ولكنه متروك لضميره ودينه.
وقيل: السفر الذي يصح فيه الفطر وقصر الصلاة قدر بحوالى ثمانين كيلو مترا.
ومن يتحمل الصوم بمشقة شديدة كالشيخ المسن والمريض مرضا مزمنا لهما الفطر وعليهما الفدية، وهي طعام المسكين يوما من القوت الغالب الشائع في البلد، والحامل
الصِّيامُ في اللغة: الإمساك، وفي عرف الشرع: إمساك عن الأكل والشرب والجماع من الفجر إلى غروب الشمس احتسابا لوجه الله. يُطِيقُونَهُ لا يقال: هو يطيق حمل نواة أو ريشة وإنما هو يطيق حمل قنطارين من الحديد مثلا إذا كان يحملها بمشقة وشدة، فالذين يطيقون الصوم هم الذين يتحملونه بمشقة وجهد، ويؤيد هذا قراءة يطوقونه، وذلك كالكبير المسن والحامل والمرضع والعامل في العمل الشاق الشديد وهو مضطر إليه. لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ: لتعظموه وتشكروه.
المعنى:
الصيام رياضة روحية، وعمل سلبي للنفس، وتهيئة للتقوى بالمراقبة في السر والعلن، وتربية للإرادة، وتعويد للصبر وتحمل المشاق، ولذا قيل: الصوم نصف الصبر، وهو شاق على النفس حقيقة، شديد عليها أن تحرم مما في يدها، ولذا نرى القرآن الكريم يتلطف في الأمر منه.
إذ ناداهم بوصف الإيمان المقتضى للامتثال والمسارعة فيه، ثم قال: إنه فرض عليكم كما فرض على الذين من قبلكم من الأمم، فاقبلوه كما قبله غيركم، ثم هو مطهرة للنفس ومرضاة للرب فرضه عليكم لعلكم به تتقون الله، وهو أيام معدودات قلائل في العام شهر واحد:
«لو علمت أمتى ما في رمضان من الخير لتمنت أن يكون السنة كلها» «١».
وليس واجبا إلا على القادر والمستطيع الصحيح، وأما المسافر والمريض فلا حرج عليهما في الفطر لأن المرض والسفر مشقة والمشقة تجلب التيسير، وعليهما القضاء، ولم يحدد القرآن السفر ولا المرض لأن هذا يختلف باختلاف الأحوال، ولو علم الله خيرا في التحديد لحدد، ولكنه متروك لضميره ودينه.
وقيل: السفر الذي يصح فيه الفطر وقصر الصلاة قدر بحوالى ثمانين كيلو مترا.
ومن يتحمل الصوم بمشقة شديدة كالشيخ المسن والمريض مرضا مزمنا لهما الفطر وعليهما الفدية، وهي طعام المسكين يوما من القوت الغالب الشائع في البلد، والحامل
(١) أخرجه أبو يعلى والطبراني وغيرهما مجمع الزوائد ٣/ ١٤١.
107
والمرضع إن خافتا على أولادهما فقط لهما الفطر، وعليهما القضاء والفدية، وإن خافتا على أنفسهما ولو مع أولادهما لهما الفطر، وعليهما الفدية أو القضاء.
فمن تطوع وأطعم أكثر من مسكين لليوم الواحد فهو خير له وأحسن.
وصيامكم أيها المتحملون للصوم بمشقة خير لكم إن كنتم تعلمون أن الصوم خير وأجدى.
ثم أراد القرآن أن يحببنا في الصوم أكثر فقال: هذه الأيام القليلة هي شهر رمضان، وهو شهر مبارك ميمون، فيه ابتدأ الله نزول القرآن الذي هو هدى للناس وآيات بينات واضحات لا غموض فيها من جملة ما هدى الله به وفرق بين الحق والباطل.
وبعضهم فسر نزول القرآن في شهر رمضان، وأنه أنزل في ليلة القدر المباركة التي هي خير من ألف شهر. بأن القرآن نزل إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، وليلة القدر في شهر رمضان.
أما وقد ظهر أن الصوم نعمة من الله وتكليف لمصلحة العباد، فمن حضر منكم الشهر وهو سليم معافى لا عذر له من سفر أو مرض فالواجب عليه الصيام، إذ هو ركن من أركان الدين، ثم أعاد الله الرخصة في الإفطار مرة ثانية خوفا من أن يفهم الناس بعد هذا الواجب الصريح: فَلْيَصُمْهُ أنه لا يجوز الفطر لعذر وخاصة بعد هذه المرغبات الكثيرة.
شرع لكم الرخصة في جواز الإفطار مع العذر الشرعي لأنه يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وما جعل عليكم في الدين من حرج، وأمركم بالقضاء والفدية لأنه يريد أن تكملوا عدة هذا الشهر، وإنما أباح الفطر مع الفدية أو القضاء، وعلمنا كيف نخرج من الحرج مع الوفاء، لنكبر الله ونعظمه ونشكره على تلك النعم، وفقنا الله للخير.
فمن تطوع وأطعم أكثر من مسكين لليوم الواحد فهو خير له وأحسن.
وصيامكم أيها المتحملون للصوم بمشقة خير لكم إن كنتم تعلمون أن الصوم خير وأجدى.
ثم أراد القرآن أن يحببنا في الصوم أكثر فقال: هذه الأيام القليلة هي شهر رمضان، وهو شهر مبارك ميمون، فيه ابتدأ الله نزول القرآن الذي هو هدى للناس وآيات بينات واضحات لا غموض فيها من جملة ما هدى الله به وفرق بين الحق والباطل.
وبعضهم فسر نزول القرآن في شهر رمضان، وأنه أنزل في ليلة القدر المباركة التي هي خير من ألف شهر. بأن القرآن نزل إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، وليلة القدر في شهر رمضان.
أما وقد ظهر أن الصوم نعمة من الله وتكليف لمصلحة العباد، فمن حضر منكم الشهر وهو سليم معافى لا عذر له من سفر أو مرض فالواجب عليه الصيام، إذ هو ركن من أركان الدين، ثم أعاد الله الرخصة في الإفطار مرة ثانية خوفا من أن يفهم الناس بعد هذا الواجب الصريح: فَلْيَصُمْهُ أنه لا يجوز الفطر لعذر وخاصة بعد هذه المرغبات الكثيرة.
شرع لكم الرخصة في جواز الإفطار مع العذر الشرعي لأنه يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وما جعل عليكم في الدين من حرج، وأمركم بالقضاء والفدية لأنه يريد أن تكملوا عدة هذا الشهر، وإنما أباح الفطر مع الفدية أو القضاء، وعلمنا كيف نخرج من الحرج مع الوفاء، لنكبر الله ونعظمه ونشكره على تلك النعم، وفقنا الله للخير.
108
بعض أحكام تتصل بالصيام [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٨٦ الى ١٨٧]
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)
المفردات:
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي: فليلبّوا دعوتي إياهم للإيمان. يَرْشُدُونَ: يهتدون.
الرَّفَثُ: الفحش من الكلام، أو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه، أطلق على الجماع لأنه لا يخلو منه غالبا. هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ: الزوجان كل منهما لباس للآخر لأنه يستر صاحبه كما يستر اللباس ويمنعه من الفجور. تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ:
تخونونها.
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)
المفردات:
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي: فليلبّوا دعوتي إياهم للإيمان. يَرْشُدُونَ: يهتدون.
الرَّفَثُ: الفحش من الكلام، أو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه، أطلق على الجماع لأنه لا يخلو منه غالبا. هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ: الزوجان كل منهما لباس للآخر لأنه يستر صاحبه كما يستر اللباس ويمنعه من الفجور. تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ:
تخونونها.
109
المعنى:
١-
روى أن أعرابيا سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم: أبعيد ربنا فنناديه أم قريب فنناجيه؟ فنزلت الآية.
ولا تنس الحكمة في وضعها بعد آيات الصوم..
سبب النزول:
وإذا سألك يا محمد عبادي عنى فإنى قريب منهم أعلم أعمالهم، وأرقب أحوالهم وهو تمثيل لحالة القرب: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ أجيب دعوة من دعاني مخلصا لي قد شفع دعاءه بالعمل الخالص لوجه الله.
وإذا كان الأمر كذلك فليلبوا دعوتي لهم بالإيمان بي، أجيب دعوتهم وأجازيهم على ذلك أحسن الجزاء لعلهم بهذا يهتدون إلى الخير النافع لهم.
٢-
روى أنهم كانوا في بدء الإسلام إذا أمسوا حل لهم الأكل والشرب والجماع إلى أن يصلوا العشاء أو يرقدوا، فإذا صلوها أو رقدوا حرم عليهم كل هذا، ثم إن عمر- رضى الله عنه- باشر زوجته بعد العشاء، وندم بعد ذلك ندما كثيرا، وأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بما حصل واعترف بالذنب، فنزلت الآية: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ.
أحل الله لكم في الليلة التي تصبحون فيها صائمين مباشرة نسائكم والاجتماع بهن، وقد سمى القرآن الجماع رفثا وخيانة لقبح ما حصل منهم قبل نزول الآية.
والحكمة في الترخيص بهذا أن النساء مخالطون للرجال مخالطة الثوب للجسد بل أشد، كل يستر صاحبه ويقيه من السوء، وقد علم الله أن صبركم عنهن مع أنهن كاللباس أمر عسير وشاق، وقد كنتم تخونون أنفسكم بمباشرتهن فتاب عليكم وعفا عنكم، فالآن جامعوهن ليلا، وكلوا واشربوا حتى يظهر لكم نور الفجر المعترض في الجو مع ظلام الليل فهو أشبه بالخيط الأبيض مع الخيط الأسود، ثم أتموا الصيام إلى دخول الليل.
ولا تباشروا نساءكم بالجماع أو اللمس مع الشهوة وأنتم معتكفون في المساجد فإن ذلك يبطل الاعتكاف، إذ في الاعتكاف لا فرق بين الليل والنهار.
تلك حدود الله ومحارمه التي تشبه الحدود الفاصلة فلا تقربوها فضلا عن تخطيها وانتهاك حرمتها.
١-
روى أن أعرابيا سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم: أبعيد ربنا فنناديه أم قريب فنناجيه؟ فنزلت الآية.
ولا تنس الحكمة في وضعها بعد آيات الصوم..
سبب النزول:
وإذا سألك يا محمد عبادي عنى فإنى قريب منهم أعلم أعمالهم، وأرقب أحوالهم وهو تمثيل لحالة القرب: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ أجيب دعوة من دعاني مخلصا لي قد شفع دعاءه بالعمل الخالص لوجه الله.
وإذا كان الأمر كذلك فليلبوا دعوتي لهم بالإيمان بي، أجيب دعوتهم وأجازيهم على ذلك أحسن الجزاء لعلهم بهذا يهتدون إلى الخير النافع لهم.
٢-
روى أنهم كانوا في بدء الإسلام إذا أمسوا حل لهم الأكل والشرب والجماع إلى أن يصلوا العشاء أو يرقدوا، فإذا صلوها أو رقدوا حرم عليهم كل هذا، ثم إن عمر- رضى الله عنه- باشر زوجته بعد العشاء، وندم بعد ذلك ندما كثيرا، وأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بما حصل واعترف بالذنب، فنزلت الآية: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ.
أحل الله لكم في الليلة التي تصبحون فيها صائمين مباشرة نسائكم والاجتماع بهن، وقد سمى القرآن الجماع رفثا وخيانة لقبح ما حصل منهم قبل نزول الآية.
والحكمة في الترخيص بهذا أن النساء مخالطون للرجال مخالطة الثوب للجسد بل أشد، كل يستر صاحبه ويقيه من السوء، وقد علم الله أن صبركم عنهن مع أنهن كاللباس أمر عسير وشاق، وقد كنتم تخونون أنفسكم بمباشرتهن فتاب عليكم وعفا عنكم، فالآن جامعوهن ليلا، وكلوا واشربوا حتى يظهر لكم نور الفجر المعترض في الجو مع ظلام الليل فهو أشبه بالخيط الأبيض مع الخيط الأسود، ثم أتموا الصيام إلى دخول الليل.
ولا تباشروا نساءكم بالجماع أو اللمس مع الشهوة وأنتم معتكفون في المساجد فإن ذلك يبطل الاعتكاف، إذ في الاعتكاف لا فرق بين الليل والنهار.
تلك حدود الله ومحارمه التي تشبه الحدود الفاصلة فلا تقربوها فضلا عن تخطيها وانتهاك حرمتها.
110
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا وإن لكل ملك حمى، وحمى الله محارمه، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» «١».
مثل ذلك البيان الفاصل يبين الله آياته للناس لعلهم بهذا يهتدون إلى طريق الخير والرشاد.
الرشوة وأكل أموال الناس بالباطل [سورة البقرة (٢) : آية ١٨٨]
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)
المفردات:
تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ: تلقوا بها إليهم. بِالْإِثْمِ: شهادة الزور واليمين الفاجرة أو ما هو أعم من ذلك.
المعنى:
نهانا الله أن نأكل أموال بعضنا بالباطل وبدون وجه حق، ونهانا أن نلقى بالأموال إلى الحكام مستعينين في ذلك بالدفاع الباطل، والرشوة التي تعطى لبعض أصحاب النفوس القذرة الحقيرة من الحكام ليصل صاحبها إلى غرضه.
ولا شك أن كثرة التقاضي بالباطل وشيوع الرشوة في الأمة مقبرة لها بل خطرها على الأمة أشد من اليهود.
وكيف يجوز لمسلم أن يأكل مال أخيه المسلم بالإثم والزور والبهتان والرشوة وهو يعلم أنه حرام ولا يأكل في بطنه إلا النار.
واعتبروا أيها الحكام والقضاة والمتخاصمون
بقول الرسول الأمين للمتخاصمين:
مثل ذلك البيان الفاصل يبين الله آياته للناس لعلهم بهذا يهتدون إلى طريق الخير والرشاد.
الرشوة وأكل أموال الناس بالباطل [سورة البقرة (٢) : آية ١٨٨]
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)
المفردات:
تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ: تلقوا بها إليهم. بِالْإِثْمِ: شهادة الزور واليمين الفاجرة أو ما هو أعم من ذلك.
المعنى:
نهانا الله أن نأكل أموال بعضنا بالباطل وبدون وجه حق، ونهانا أن نلقى بالأموال إلى الحكام مستعينين في ذلك بالدفاع الباطل، والرشوة التي تعطى لبعض أصحاب النفوس القذرة الحقيرة من الحكام ليصل صاحبها إلى غرضه.
ولا شك أن كثرة التقاضي بالباطل وشيوع الرشوة في الأمة مقبرة لها بل خطرها على الأمة أشد من اليهود.
وكيف يجوز لمسلم أن يأكل مال أخيه المسلم بالإثم والزور والبهتان والرشوة وهو يعلم أنه حرام ولا يأكل في بطنه إلا النار.
واعتبروا أيها الحكام والقضاة والمتخاصمون
بقول الرسول الأمين للمتخاصمين:
(١) أخرجه البخاري كتاب الايمان باب فضل من استبرأ لدينه رقم ٥٢.
«إنما أنا بشر مثلكم، وأنتم تختصمون الىّ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من الآخر فأقضى له على نحو ما سمعت فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنّ منه شيئا فإنما أقضى له قطعة من نار» »
فبكى المتخاصمان وقال كل واحد منهما: حقّى لصاحبي.
اختلاف أشكال القمر [سورة البقرة (٢) : آية ١٨٩]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩)
المفردات:
الْأَهِلَّةِ: جمع هلال، وهو القمر في بعض حالاته. مَواقِيتُ جمع ميقات، والوقت: هو الزمن المضروب لأمر من الأمور، كوقت الصلاة والصيام مثلا،
روى أنهم سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم عن العلة في أن القمر يبدو دقيقا كالخيط ثم لا يزال يكبر حتى يصير بدرا ثم يصغر حتى ينمحى
، وهذا سؤال وجه من بعض الصحابة للنبي صلّى الله عليه وسلّم وهو لا يليق لأن النبي لم يبعث معلما للرياضة والعلوم الكونية التي منها أسباب أطوار الهلال، على أن الطاقة العقلية التي كانت موجودة حينئذ تعتبر الكلام في مثل هذا الموضوع ضربا من الجنون، ولذلك أجيب السائل بما يصح أن يسأل عنه في هذا الموضوع تنبيها له وإرشادا. وليس معنى هذا أن الدين لا يحب البحث ولا العلم، فالله يقول: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (١٠١ سورة يونس). إلى غير ذلك من الآيات التي توجب النظر والفكر والتعليم. وإنما القرآن له مهمة جاء لها وهي تكوين الفرد المسلم ذاته وتكوين مشاعره وسلوكه وروابطه وبناء شخصيته وضميره ووجوده
فبكى المتخاصمان وقال كل واحد منهما: حقّى لصاحبي.
اختلاف أشكال القمر [سورة البقرة (٢) : آية ١٨٩]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩)
المفردات:
الْأَهِلَّةِ: جمع هلال، وهو القمر في بعض حالاته. مَواقِيتُ جمع ميقات، والوقت: هو الزمن المضروب لأمر من الأمور، كوقت الصلاة والصيام مثلا،
روى أنهم سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم عن العلة في أن القمر يبدو دقيقا كالخيط ثم لا يزال يكبر حتى يصير بدرا ثم يصغر حتى ينمحى
، وهذا سؤال وجه من بعض الصحابة للنبي صلّى الله عليه وسلّم وهو لا يليق لأن النبي لم يبعث معلما للرياضة والعلوم الكونية التي منها أسباب أطوار الهلال، على أن الطاقة العقلية التي كانت موجودة حينئذ تعتبر الكلام في مثل هذا الموضوع ضربا من الجنون، ولذلك أجيب السائل بما يصح أن يسأل عنه في هذا الموضوع تنبيها له وإرشادا. وليس معنى هذا أن الدين لا يحب البحث ولا العلم، فالله يقول: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (١٠١ سورة يونس). إلى غير ذلك من الآيات التي توجب النظر والفكر والتعليم. وإنما القرآن له مهمة جاء لها وهي تكوين الفرد المسلم ذاته وتكوين مشاعره وسلوكه وروابطه وبناء شخصيته وضميره ووجوده
(١) أخرجه البخاري وغيره كتاب الأحكام باب عن قضى له بحصر أخيه رقم ٧١٨١.
112
على أسس إسلامية سليمة، وتكوين المجتمع الإسلامى على دعائم قويمة، ومتى وجدا طالب المسلم بالنظر والعلم والبحث الدقيق، إذا فليس من مهمة القرآن الكلام في المسائل العلمية وإن أتى بنظريات علمية فهي عارضة ولا تتعارض مع العلم في شيء.
فمن سأل هذا السؤال كمن يأتى البيوت من ظهورها ولذا كان الجواب على طريقة الأسلوب الحكيم: قل لهم يا محمد: إنها معالم يؤقت بها الناس أعمالهم وتجارتهم ومزارعهم وعبادتهم من صوم وحج وعدة... إلخ.
والتوقيت بالسنة القمرية سهل في الحساب ومناسب للعرب، وقد كان أناس من الأنصار إذا أحرموا بالحج لم يدخلوا الدور من الباب فإن كان من أهل المدر نقب نقبا في ظهر بيته وإن كان من أهل الوبر دخل من خلف الخباء، فقيل لهم: ليس البر هذا، ولكن البر من اتقى الله وخاف عقابه، ثم أمرهم بأن يأتوا البيوت من أبوابها ويتقوا الله في كل شيء رجاء أن يكونوا من المفلحين.
فمن سأل هذا السؤال كمن يأتى البيوت من ظهورها ولذا كان الجواب على طريقة الأسلوب الحكيم: قل لهم يا محمد: إنها معالم يؤقت بها الناس أعمالهم وتجارتهم ومزارعهم وعبادتهم من صوم وحج وعدة... إلخ.
والتوقيت بالسنة القمرية سهل في الحساب ومناسب للعرب، وقد كان أناس من الأنصار إذا أحرموا بالحج لم يدخلوا الدور من الباب فإن كان من أهل المدر نقب نقبا في ظهر بيته وإن كان من أهل الوبر دخل من خلف الخباء، فقيل لهم: ليس البر هذا، ولكن البر من اتقى الله وخاف عقابه، ثم أمرهم بأن يأتوا البيوت من أبوابها ويتقوا الله في كل شيء رجاء أن يكونوا من المفلحين.
113
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ
ﲽ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ
ﲾ
ﭯﭰﭱﭲﭳﭴ
ﲿ
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ
ﳀ
ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ
ﳁ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ
ﳂ
القتال في سبيل الله [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩٠ الى ١٩٥]
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣) الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤)
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥)
المفردات:
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ القتال في سبيل الله: هو القتال لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه. ثَقِفْتُمُوهُمْ: وجدتموهم، وثقفه: أخذه وظفر به. الْفِتْنَةُ: مصدر [فتن الصائغ الذهب والفضة] : إذا أذابهما بالنار ليستخرج الصالح، ثم استعملت الفتنة في كل اختبار، وأشده الفتنة في الدين، والمراد بها: إيذاء الكفار للمسلمين في الحرم وتعذيبهم وإخراجهم من الوطن. التَّهْلُكَةِ: الهلاك.
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣) الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤)
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥)
المفردات:
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ القتال في سبيل الله: هو القتال لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه. ثَقِفْتُمُوهُمْ: وجدتموهم، وثقفه: أخذه وظفر به. الْفِتْنَةُ: مصدر [فتن الصائغ الذهب والفضة] : إذا أذابهما بالنار ليستخرج الصالح، ثم استعملت الفتنة في كل اختبار، وأشده الفتنة في الدين، والمراد بها: إيذاء الكفار للمسلمين في الحرم وتعذيبهم وإخراجهم من الوطن. التَّهْلُكَةِ: الهلاك.
114
سبب النزول:
نزلت الآية في صلح الحديبية، لما صد المشركون النبي صلّى الله عليه وسلّم عن البيت الحرام، وصالحوه على أن يرجع في عامه القابل، ويخلوا مكة له ثلاثة أيام للنسك والطواف.
فلما كان العام القابل تجهز النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا ألا تفي لهم قريش وأن تصدهم عن المسجد الحرام بالقوة ويقاتلوهم كما فعلوا في العام السابق، وكره الصحابة قتالهم في الحرم والأشهر الحرم فأنزل الله هذه الآية.
المعنى:
أيها المؤمنون: قاتلوا في سبيل الله فإنى أذنت لكم في قتال المشركين: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [سورة الحج الآية ٣٩]. فإنهم فتنوكم عن دينكم وأخرجوكم من دياركم، وقاتلوكم ونكثوا عهودهم، وقاتلوهم على أنه دفاع في سبيل الله للتمكن من عبادته في بيته، ولتربية هؤلاء المفتونين والمغرورين، ولا تعتدوا بالقتال فتبدأوهم، ولا تعتدوا في القتال بأن تقتلوا الصغار والعجزة والشيوخ أو من ألقى إليكم السلاح، إن الله لا يحب الخير للمعتدين فكيف بمن يعتدى في الحرم والأشهر الحرم؟
اقتلوهم إذا نشب القتال بينكم أينما أدركتموهم على أى حال كما سيأتى في الآية قريبا، وأخرجوهم من مكة حيث أخرجوكم، وظاهروا على إخراجكم، أليست فتنتهم إياكم في الحرم عن دينكم بالإيذاء والتعذيب ومصادرة الأموال والإخراج من الوطن أشد قبحا من القتال في الحرم؟! إذ لا بلاء أشد على نفس الحر من الإيذاء والاضطهاد لأجل عقيدة تمكنت في قلبه، واستحوذت على عقله ورأى السعادة في الدنيا والآخرة موقوفة عليها، وحقا: الفتنة أشد من القتل.
ثم استثنى القرآن الكريم من وجوب قتال هؤلاء المحاربين في كل زمان ومكان قتالهم في المسجد الحرام لأن من دخله كان آمنا، فإن قاتلوكم فقاتلوهم، ولا تستسلموا لهم أبدا فالشر بالشر والبادي أظلم، وكذلك جزاء الكافرين.
فإن انتهوا عن القتال وكفوا عنه، أو دخلوا في دين الله، فإن الله غفور لهم، رحيم يمحو من العبد ما سلف إذا هو تاب وأناب.
نزلت الآية في صلح الحديبية، لما صد المشركون النبي صلّى الله عليه وسلّم عن البيت الحرام، وصالحوه على أن يرجع في عامه القابل، ويخلوا مكة له ثلاثة أيام للنسك والطواف.
فلما كان العام القابل تجهز النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا ألا تفي لهم قريش وأن تصدهم عن المسجد الحرام بالقوة ويقاتلوهم كما فعلوا في العام السابق، وكره الصحابة قتالهم في الحرم والأشهر الحرم فأنزل الله هذه الآية.
المعنى:
أيها المؤمنون: قاتلوا في سبيل الله فإنى أذنت لكم في قتال المشركين: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [سورة الحج الآية ٣٩]. فإنهم فتنوكم عن دينكم وأخرجوكم من دياركم، وقاتلوكم ونكثوا عهودهم، وقاتلوهم على أنه دفاع في سبيل الله للتمكن من عبادته في بيته، ولتربية هؤلاء المفتونين والمغرورين، ولا تعتدوا بالقتال فتبدأوهم، ولا تعتدوا في القتال بأن تقتلوا الصغار والعجزة والشيوخ أو من ألقى إليكم السلاح، إن الله لا يحب الخير للمعتدين فكيف بمن يعتدى في الحرم والأشهر الحرم؟
اقتلوهم إذا نشب القتال بينكم أينما أدركتموهم على أى حال كما سيأتى في الآية قريبا، وأخرجوهم من مكة حيث أخرجوكم، وظاهروا على إخراجكم، أليست فتنتهم إياكم في الحرم عن دينكم بالإيذاء والتعذيب ومصادرة الأموال والإخراج من الوطن أشد قبحا من القتال في الحرم؟! إذ لا بلاء أشد على نفس الحر من الإيذاء والاضطهاد لأجل عقيدة تمكنت في قلبه، واستحوذت على عقله ورأى السعادة في الدنيا والآخرة موقوفة عليها، وحقا: الفتنة أشد من القتل.
ثم استثنى القرآن الكريم من وجوب قتال هؤلاء المحاربين في كل زمان ومكان قتالهم في المسجد الحرام لأن من دخله كان آمنا، فإن قاتلوكم فقاتلوهم، ولا تستسلموا لهم أبدا فالشر بالشر والبادي أظلم، وكذلك جزاء الكافرين.
فإن انتهوا عن القتال وكفوا عنه، أو دخلوا في دين الله، فإن الله غفور لهم، رحيم يمحو من العبد ما سلف إذا هو تاب وأناب.
115
فاقتلوهم إذا هم بدءوكم واعتدوا عليكم، واستمروا في قتالهم حتى لا تكون لهم قوة أصلا تمكنهم من أن يفتنوكم عن دينكم أو يفتنوا غيركم، واستمروا في قتالهم حتى يكون الدين خالصا لله لا دخل للشيطان فيه، وحتى يأمن المسلم في الحرم فيظهر دينه فيكون الدين لله فقط.
وقد كان الكفار بمكة في أمن وطمأنينة يقيمون الباطل ويعبدون الأصنام، والمسلمون مطرودون منها ومن بقي فهو خائف لا يظهر دينه ولا يجاهر به.
فإن انتهوا بعد هذا فلا اعتداء منكم إلا على من ظلم تأديبا لهم وإصلاحا. وذلك بإقامة الشرع وأحكامه فيهم.
ولقد وضح الله الحكمة في أمر المسلمين بالقتال في الأشهر الحرم بهذه الآية، وذلك أن المشركين قاتلوهم في ذي القعدة عام الحديبية، فقيل لهم عند خروجهم لعمرة القضاء وكراهيتهم القتال في الأشهر الحرم: الشهر الحرام بالشهر الحرام، وهتكه بهتكه، والقتال فيه كالقتال في السابق، والحرمات التي يجب المحافظة عليها واجب فيها القصاص والأخذ بالمثل، فالممنوع الحرب الهجومية والبدء بالقتال، أما الدفاع والأخذ بالثأر فليس ممنوعا.
فمن اعتدى عليكم بحرب أو غيره فجازوه بمثله، واعتدوا عليه اعتداء مماثلا، واتقوا الله ولا تظلموا، ولا تعتدوا، واعلموا أن الله مع المتقين بالمثوبة والتأييد والنصر: إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا (سورة الحج: ٣٨).
والقتال في سبيل الله يتوقف- كغيره- على المال، ولذلك أمرهم الله بالإنفاق في سبيله إذ الإنفاق في الحروب وسيلة النصر وطريق الفوز، واحذروا عدم الإنفاق فإنه مهلكة للأمة مضيعة للجماعة، ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى الهلاك بالإمساك وعدم الإنفاق، وكذلك الدخول في الحرب بغير بصيرة ولا استعداد، بل أنفقوا المال وأعدوا الرجال، وحصنوا أنفسكم بالعلم والخلق، وأبعدوا ضعفاء النفوس الذين يقبلون الرشوة ويبيعون الأمة والجيش لقاء مال زائل وعرض فان، فهؤلاء أشد خطرا من العدو، وأحسنوا كل شيء يتعلق بالحرب، واعلموا أن الله يحب المحسنين ويجازيهم أحسن الجزاء.
وقد كان الكفار بمكة في أمن وطمأنينة يقيمون الباطل ويعبدون الأصنام، والمسلمون مطرودون منها ومن بقي فهو خائف لا يظهر دينه ولا يجاهر به.
فإن انتهوا بعد هذا فلا اعتداء منكم إلا على من ظلم تأديبا لهم وإصلاحا. وذلك بإقامة الشرع وأحكامه فيهم.
ولقد وضح الله الحكمة في أمر المسلمين بالقتال في الأشهر الحرم بهذه الآية، وذلك أن المشركين قاتلوهم في ذي القعدة عام الحديبية، فقيل لهم عند خروجهم لعمرة القضاء وكراهيتهم القتال في الأشهر الحرم: الشهر الحرام بالشهر الحرام، وهتكه بهتكه، والقتال فيه كالقتال في السابق، والحرمات التي يجب المحافظة عليها واجب فيها القصاص والأخذ بالمثل، فالممنوع الحرب الهجومية والبدء بالقتال، أما الدفاع والأخذ بالثأر فليس ممنوعا.
فمن اعتدى عليكم بحرب أو غيره فجازوه بمثله، واعتدوا عليه اعتداء مماثلا، واتقوا الله ولا تظلموا، ولا تعتدوا، واعلموا أن الله مع المتقين بالمثوبة والتأييد والنصر: إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا (سورة الحج: ٣٨).
والقتال في سبيل الله يتوقف- كغيره- على المال، ولذلك أمرهم الله بالإنفاق في سبيله إذ الإنفاق في الحروب وسيلة النصر وطريق الفوز، واحذروا عدم الإنفاق فإنه مهلكة للأمة مضيعة للجماعة، ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى الهلاك بالإمساك وعدم الإنفاق، وكذلك الدخول في الحرب بغير بصيرة ولا استعداد، بل أنفقوا المال وأعدوا الرجال، وحصنوا أنفسكم بالعلم والخلق، وأبعدوا ضعفاء النفوس الذين يقبلون الرشوة ويبيعون الأمة والجيش لقاء مال زائل وعرض فان، فهؤلاء أشد خطرا من العدو، وأحسنوا كل شيء يتعلق بالحرب، واعلموا أن الله يحب المحسنين ويجازيهم أحسن الجزاء.
116
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠﰡ
ﳃ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ
ﳄ
يؤخذ من الآيات السابقة:
(أ) أن القتال في سبيل الله كان لرد العدوان وحماية الدعوة وحرية الدين.
(ب) شرع القتال الدفاعى لا الهجومى مع عدم الاعتداء على غير المقاتلين.
(ج) وظاهر الآيات السابقة وغيرها في القرآن أن القتال لم يكن لإكراه الناس على الدخول في الدين: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ.
أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (من سورة يونس ٩٩).
الحج وبعض أحكامه [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩٦ الى ١٩٧]
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧)
(أ) أن القتال في سبيل الله كان لرد العدوان وحماية الدعوة وحرية الدين.
(ب) شرع القتال الدفاعى لا الهجومى مع عدم الاعتداء على غير المقاتلين.
(ج) وظاهر الآيات السابقة وغيرها في القرآن أن القتال لم يكن لإكراه الناس على الدخول في الدين: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ.
أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (من سورة يونس ٩٩).
الحج وبعض أحكامه [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩٦ الى ١٩٧]
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧)
117
المفردات:
رَفَثَ: المراد به الجماع. فُسُوقَ الفسوق: العصيان والخروج عن طاعة الله. جِدالَ: مجادلة ومماطلة وخصام.
المعنى:
الحج هو المؤتمر الإسلامى العام الذي يعقد كلّ عام في مكة المكرمة محط أنظار المسلمين وقبلتهم، يعقد في أشهر معلومة، ويأتى إليه الناس من كل فج عميق رجالا وركبانا متجردين عن الدنيا ومظاهرها، حتى لا يعرف أمير من حقير، فيتذكر الناس الآخرة وموقف الحشر فيها، وهو بحق من مفاخر الإسلام وقد فرص سنة ست من الهجرة.
وفي هذه الآيات بعض أحكام نسردها والباقي في كتب الفقه والسنة، وقد أمرنا الله بإتمام الحج والعمرة كاملين بشروطهما وآدابهما متغلبين على العقبات التي تصادفنا، قاصدين عملنا هذا رضا الله ورسوله لا للرياء ولا لأغراض الدنيا، وأما أصل الوجوب ففي قوله- تعالى- في سورة آل عمران: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.
وهنا بعض أحكامه المأخوذة من الآيات:
١- لو منع الحاج من إتمام الحج والعمرة فواجب عليه إذا أراد التحلل ما تيسر من الهدى بأن يذبح ناقة أو بقرة أو شاة سليمة، فإن لم يجد ما يذبح قوّم الحيوان واشترى بقيمته طعاما وتصدق به، فإن لم يجد صام عن كل مدّ من الطعام يوما.
٢- الدخول في الحج أو العمرة يكون بالإحرام ولبس غير المخيط، والخروج منهما وما يعبر عنه بالإحلال يكون بحلق الرأس أو التقصير، فقوله- تعالى-:
وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ خطاب للمحصرين الذين يريدون التحلل فنهوا عنه قبل بلوغ الهدى مكان ذبحه وهو مكان الإحصار عند الشافعى.
رَفَثَ: المراد به الجماع. فُسُوقَ الفسوق: العصيان والخروج عن طاعة الله. جِدالَ: مجادلة ومماطلة وخصام.
المعنى:
الحج هو المؤتمر الإسلامى العام الذي يعقد كلّ عام في مكة المكرمة محط أنظار المسلمين وقبلتهم، يعقد في أشهر معلومة، ويأتى إليه الناس من كل فج عميق رجالا وركبانا متجردين عن الدنيا ومظاهرها، حتى لا يعرف أمير من حقير، فيتذكر الناس الآخرة وموقف الحشر فيها، وهو بحق من مفاخر الإسلام وقد فرص سنة ست من الهجرة.
وفي هذه الآيات بعض أحكام نسردها والباقي في كتب الفقه والسنة، وقد أمرنا الله بإتمام الحج والعمرة كاملين بشروطهما وآدابهما متغلبين على العقبات التي تصادفنا، قاصدين عملنا هذا رضا الله ورسوله لا للرياء ولا لأغراض الدنيا، وأما أصل الوجوب ففي قوله- تعالى- في سورة آل عمران: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.
وهنا بعض أحكامه المأخوذة من الآيات:
١- لو منع الحاج من إتمام الحج والعمرة فواجب عليه إذا أراد التحلل ما تيسر من الهدى بأن يذبح ناقة أو بقرة أو شاة سليمة، فإن لم يجد ما يذبح قوّم الحيوان واشترى بقيمته طعاما وتصدق به، فإن لم يجد صام عن كل مدّ من الطعام يوما.
٢- الدخول في الحج أو العمرة يكون بالإحرام ولبس غير المخيط، والخروج منهما وما يعبر عنه بالإحلال يكون بحلق الرأس أو التقصير، فقوله- تعالى-:
وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ خطاب للمحصرين الذين يريدون التحلل فنهوا عنه قبل بلوغ الهدى مكان ذبحه وهو مكان الإحصار عند الشافعى.
118
٣- لا يصح في الحج الحلق أو التقصير وقتل الهوام، فإذا كان الحاج مريضا ينفعه الحلق، أو به أذى من رأسه من قمل وغيره فله أن يحلق، وعليه فدية صيام ثلاثة أيام أو صدقة هي إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة، وهذه الفدية تجب كذلك في تقليم الأظافر والقبلة والطيب والدهن... إلخ، ما هو مفصل في كتب الفقه.
٤- فإذا أمنتم العدو والحصار فمن تمتع بسبب فراغه من أعمال العمرة يعنى أنه أتمها وتحلل وبقي متمتعا إلى زمن الحج ليحرم من مكة فعليه ما تيسر من الهدى لأنه أحرم بالحج من غير الميقات، فيذبح الهدى، وأقله شاة سليمة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله بالفعل، ويصح الصوم إذا شرع في الرجوع، تلك عشرة كاملة.
ذلك التمتع بإنهاء أعمال العمرة ثم الإحرام بالحج تخفيف ورخصة للذين حضروا من الآفاق البعيدة دون أهل الحرم لأن الغريب يتحمل المشاق في السفر إلى الحج وحده، ثم السفر إلى العمرة وحدها، واتقوا الله بالمحافظة على أمره، واعلموا أن الله شديد العقاب، ولك في أداء الحج والعمرة ثلاث صور.
(أ) التمتع: أن يحرم بالحج من مكة.
(ب) الإفراد: أن يحرم بالحج وحده ثم بالعمرة بعد انتهائه.
(ج) القران أن يحرم بهما أو يحرم بالعمرة ثم يدخل الحج عليها أو بالعكس، والله أعلم بأفضلها، والمهم الإخلاص.
٥- هذه الفريضة لها أيام معلومة: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، فنية الحج لا تصح إلا في هذا الوقت، وأعماله تنتهي في أيام التشريق الثلاثة.
٦- فمن أوجب على نفسه الحج وجب أن يبتعد عن الجماع ومقدماته، والكلام فيه فإنه رفث، ويبتعد عن الفسوق والخروج عن طاعة الله بفعل أى شيء محرم كالصيد والطيب والزينة ولبس المخيط، والتنابز بالألقاب، والجدال، والمراء والخصام كل ذلك محرم على الحاج لأن الشرع يريد منه أن يتجرد عن الدنيا ومظاهرها، وأن يكون إنسانا كاملا خاصة هنا، وأما الجماع وما حوله فلا يليق به لأنه في طاعة، ولذا يفسد الحج لو فعل الجماع قبل الوقوف بعرفة. وأما غيره من المحرمات فيجبر بدم.
٤- فإذا أمنتم العدو والحصار فمن تمتع بسبب فراغه من أعمال العمرة يعنى أنه أتمها وتحلل وبقي متمتعا إلى زمن الحج ليحرم من مكة فعليه ما تيسر من الهدى لأنه أحرم بالحج من غير الميقات، فيذبح الهدى، وأقله شاة سليمة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله بالفعل، ويصح الصوم إذا شرع في الرجوع، تلك عشرة كاملة.
ذلك التمتع بإنهاء أعمال العمرة ثم الإحرام بالحج تخفيف ورخصة للذين حضروا من الآفاق البعيدة دون أهل الحرم لأن الغريب يتحمل المشاق في السفر إلى الحج وحده، ثم السفر إلى العمرة وحدها، واتقوا الله بالمحافظة على أمره، واعلموا أن الله شديد العقاب، ولك في أداء الحج والعمرة ثلاث صور.
(أ) التمتع: أن يحرم بالحج من مكة.
(ب) الإفراد: أن يحرم بالحج وحده ثم بالعمرة بعد انتهائه.
(ج) القران أن يحرم بهما أو يحرم بالعمرة ثم يدخل الحج عليها أو بالعكس، والله أعلم بأفضلها، والمهم الإخلاص.
٥- هذه الفريضة لها أيام معلومة: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، فنية الحج لا تصح إلا في هذا الوقت، وأعماله تنتهي في أيام التشريق الثلاثة.
٦- فمن أوجب على نفسه الحج وجب أن يبتعد عن الجماع ومقدماته، والكلام فيه فإنه رفث، ويبتعد عن الفسوق والخروج عن طاعة الله بفعل أى شيء محرم كالصيد والطيب والزينة ولبس المخيط، والتنابز بالألقاب، والجدال، والمراء والخصام كل ذلك محرم على الحاج لأن الشرع يريد منه أن يتجرد عن الدنيا ومظاهرها، وأن يكون إنسانا كاملا خاصة هنا، وأما الجماع وما حوله فلا يليق به لأنه في طاعة، ولذا يفسد الحج لو فعل الجماع قبل الوقوف بعرفة. وأما غيره من المحرمات فيجبر بدم.
119
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ
ﳅ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ
ﳆ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ
ﳇ
ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﳈ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ
ﳉ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ
ﳊ
وما تفعلوا من خير فالله يعلمه ويجازى به، وتزودوا بالأعمال الصالحة التي تنفعكم فإن خير الزاد التقوى، واتقوا الله يا أولى الألباب.
بعض أحكام الحج [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩٨ الى ٢٠٣]
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢)
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣)
بعض أحكام الحج [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩٨ الى ٢٠٣]
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢)
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣)
120
المفردات:
أَفَضْتُمْ يقال: أفضت الماء: إذا دفعته بكثرة، ثم استعمل في الإفاضة من المكان، والمراد الدفع منه بكثرة، أصله: أفضتم أنفسكم. الْمَشْعَرِ الْحَرامِ:
جبل بالمزدلفة يقف عليه الإمام يسمى قزحا، وسمى مشعرا لأنه معلم للعبادة ووصف بالحرام لحرمته. قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ: أديتموها، والمناسك: أعمال الحج.
خَلاقٍ: نصيب. حَسَنَةً: توفيقا وصحة وكفافا في الرزق. أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ: أيام التشريق. تُحْشَرُونَ: تجمعون يوم القيامة للحساب.
المعنى:
بعد أن بيّن الله- سبحانه- أن الزاد زاد التقوى، وأن أولى العقول هم الذين يتزودون ليوم الحساب ويخافون الله، أشار إلى أن الحج لا يمتنع معه البحث عن الرزق والتجارة كما فهم الناس، فليس عليكم حرج ولا جناح في أن تطلبوا الرزق الحلال من طريق البيع والشراء والكراء.
سئل ابن عمر: إنا نكري (الرواحل للحجاج) فهل لنا من حج؟ فقال: سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم مثل هذا السؤال فلم يجب حتى نزلت تلك الآية، فدعا النبي صلّى الله عليه وسلّم السائل وقال له: «أنتم حجاج»
أى: لا يضر البيع، والشراء، وإنما الممنوع الحج للتجارة والانتفاع، أما إذا كان الحج لله والتجارة تأتى عرضا فلا مانع.
الوقوف بعرفة أهم ركن في الحج
لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الحج عرفة» «١»
ولأنه وقف في حجة الوداع على عرفات بعد صلاة الظهر إلى أن غربت الشمس
وقال ما معناه: «خذوا عنّى مناسككم» «٢».
فإذا أفضتم من عرفات مندفعين كالسيل بعد الوقوف بها فاذكروا الله بعد المبيت بمزدلفة بالتلبية والتهليل والدعاء عند الجبل الذي يقف عليه الإمام وهو المسمى بالمشعر الحرام،
فقد روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: لما صلّى الفجر بالمزدلفة ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام فدعا وكبر وهلل ولم يزل واقفا حتى أسفر جدّا
، أى: دخل السفر وهو بياض النهار.
أَفَضْتُمْ يقال: أفضت الماء: إذا دفعته بكثرة، ثم استعمل في الإفاضة من المكان، والمراد الدفع منه بكثرة، أصله: أفضتم أنفسكم. الْمَشْعَرِ الْحَرامِ:
جبل بالمزدلفة يقف عليه الإمام يسمى قزحا، وسمى مشعرا لأنه معلم للعبادة ووصف بالحرام لحرمته. قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ: أديتموها، والمناسك: أعمال الحج.
خَلاقٍ: نصيب. حَسَنَةً: توفيقا وصحة وكفافا في الرزق. أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ: أيام التشريق. تُحْشَرُونَ: تجمعون يوم القيامة للحساب.
المعنى:
بعد أن بيّن الله- سبحانه- أن الزاد زاد التقوى، وأن أولى العقول هم الذين يتزودون ليوم الحساب ويخافون الله، أشار إلى أن الحج لا يمتنع معه البحث عن الرزق والتجارة كما فهم الناس، فليس عليكم حرج ولا جناح في أن تطلبوا الرزق الحلال من طريق البيع والشراء والكراء.
سئل ابن عمر: إنا نكري (الرواحل للحجاج) فهل لنا من حج؟ فقال: سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم مثل هذا السؤال فلم يجب حتى نزلت تلك الآية، فدعا النبي صلّى الله عليه وسلّم السائل وقال له: «أنتم حجاج»
أى: لا يضر البيع، والشراء، وإنما الممنوع الحج للتجارة والانتفاع، أما إذا كان الحج لله والتجارة تأتى عرضا فلا مانع.
الوقوف بعرفة أهم ركن في الحج
لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الحج عرفة» «١»
ولأنه وقف في حجة الوداع على عرفات بعد صلاة الظهر إلى أن غربت الشمس
وقال ما معناه: «خذوا عنّى مناسككم» «٢».
فإذا أفضتم من عرفات مندفعين كالسيل بعد الوقوف بها فاذكروا الله بعد المبيت بمزدلفة بالتلبية والتهليل والدعاء عند الجبل الذي يقف عليه الإمام وهو المسمى بالمشعر الحرام،
فقد روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: لما صلّى الفجر بالمزدلفة ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام فدعا وكبر وهلل ولم يزل واقفا حتى أسفر جدّا
، أى: دخل السفر وهو بياض النهار.
(١) رواه أحمد ٤/ ٣١٠ وأصحاب السنن وغيرهم.
(٢) رواه مسلم كتاب الحج حديث رقم ١٢٩٧.
(٢) رواه مسلم كتاب الحج حديث رقم ١٢٩٧.
121
واذكروا الله ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة وعلمكم كيف تذكرونه، وإن كنتم من قبل الهدى لمن الضالين الذين لا يعرفون كيف يذكرونه.
- كانت قريش وبعض القبائل يقفون في الجاهلية بمزدلفة ترفعا عن الوقوف بعرفة مع الناس فأمر الله نبيه أن يأتى المسلمون جميعا عرفات، ثم يقفون بها ويفيضون منها إبطالا لما كانت قريش تفعله. ثم إذا باتوا بالمزدلفة أمرهم أن يفيضوا منها جميعا لا فرق بين قبيلة وقبيلة، واستغفروا الله إن الله غفور رحيم.
فإذا أديتم مناسك الحج وقمتم بها فاذكروا الله ذكرا حسنا كما كنتم تذكرون آباءكم في الجاهلية، أو اذكروه أشد من ذكر آبائكم.
ومن الناس من يدعو الله لأمر دنيوى فقط، وهذا لا نصيب له في الآخرة، ومنهم من يدعو الله أن يؤتيه في الدنيا رزقا حلالا وصحة وفي الآخرة ثوابا، وأن يجنبه الأعمال التي تؤدى إلى النار، أولئك حزب الله لهم نصيب كبير بما كسبوا والله سريع الحساب.
واذكروا الله في أيام التشريق الثلاثة وهللوا وكبروا عقب الصلاة وعند رمى الجمار، عن عمر- رضى الله عنه- (أنه كان يكبر في فسطاطه بمنى فيكبر من حوله حتى يكبر الناس في الطريق).
فمن تعجل ورمى في يومين من أيام التشريق الجمرات فلا إثم عليه ومن تأخر ورمى في الأيام الثلاثة فلا إثم عليه وإن كان أفضل.
المفردات:
وُسْعَها الوسع: ما تسعه قدرة الإنسان من غير حرج ولا عسر.
إِصْراً: حملا ثقيلا يشق علينا. الطاقة: مالا يدخل في مكنة الإنسان وطوقه، وما يطاق هو ما يمكن أن يأتيه ولو بمشقة.
الربط:
بدأ الله السورة بالكلام على القرآن والمؤمنين وأراد- سبحانه وتعالى- أن يختمها بالكلام عليهم ويبين حالهم ودعاءهم.
المعنى:
صدّق الرسول والمؤمنون بالذي أنزل إليهم من ربهم خصوصا ما في هذه السورة الكريمة من الآيات والأحكام. وما ذكر عن الرسل الكرام.
- كانت قريش وبعض القبائل يقفون في الجاهلية بمزدلفة ترفعا عن الوقوف بعرفة مع الناس فأمر الله نبيه أن يأتى المسلمون جميعا عرفات، ثم يقفون بها ويفيضون منها إبطالا لما كانت قريش تفعله. ثم إذا باتوا بالمزدلفة أمرهم أن يفيضوا منها جميعا لا فرق بين قبيلة وقبيلة، واستغفروا الله إن الله غفور رحيم.
فإذا أديتم مناسك الحج وقمتم بها فاذكروا الله ذكرا حسنا كما كنتم تذكرون آباءكم في الجاهلية، أو اذكروه أشد من ذكر آبائكم.
ومن الناس من يدعو الله لأمر دنيوى فقط، وهذا لا نصيب له في الآخرة، ومنهم من يدعو الله أن يؤتيه في الدنيا رزقا حلالا وصحة وفي الآخرة ثوابا، وأن يجنبه الأعمال التي تؤدى إلى النار، أولئك حزب الله لهم نصيب كبير بما كسبوا والله سريع الحساب.
واذكروا الله في أيام التشريق الثلاثة وهللوا وكبروا عقب الصلاة وعند رمى الجمار، عن عمر- رضى الله عنه- (أنه كان يكبر في فسطاطه بمنى فيكبر من حوله حتى يكبر الناس في الطريق).
فمن تعجل ورمى في يومين من أيام التشريق الجمرات فلا إثم عليه ومن تأخر ورمى في الأيام الثلاثة فلا إثم عليه وإن كان أفضل.
ذلك التخفيف ونفى الإثم لمن اتقى الله | واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون وتحاسبون. |
الأم مدرسة إذا أعددتها | أعددت شعبا طيب الأعراق |
(١) سورة النساء آية رقم ٣٤.
144
بعض أحكام الطلاق [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٢٩ الى ٢٣٠]
الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠)
المفردات:
تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ أى: إرسال لهن بدون رجعة. حُدُودَ اللَّهِ: أحكامه وقوانينه. تَعْتَدُوها: تجاوزوها.
المعنى:
كان الرجل قبل نزول هذه الآية يطلق امرأته فإذا قاربت انتهاء العدة راجعها، وهكذا فلا هو يمسكها بالمعروف ولا هو يطلقها بالمعروف فنزلت هذه الآية قطعا لهذه الفوضى، وحدّا لحرية الرجعة والطلاق، وأنت تراها مخصصة لقوله- تعالى-:
وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ على معنى عدد الطلاق الذي تصح فيه الرجعة مرتان، أى: اثنتان، وبعدها إمساك لها بالمعروف والمعاشرة الحسنة، أو تسريح لها بإحسان، بمعنى أن تتركها حتى تتم العدة من الطلقة الثانية ولا تراجعها، وقيل: المراد من التسريح
الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠)
المفردات:
تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ أى: إرسال لهن بدون رجعة. حُدُودَ اللَّهِ: أحكامه وقوانينه. تَعْتَدُوها: تجاوزوها.
المعنى:
كان الرجل قبل نزول هذه الآية يطلق امرأته فإذا قاربت انتهاء العدة راجعها، وهكذا فلا هو يمسكها بالمعروف ولا هو يطلقها بالمعروف فنزلت هذه الآية قطعا لهذه الفوضى، وحدّا لحرية الرجعة والطلاق، وأنت تراها مخصصة لقوله- تعالى-:
وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ على معنى عدد الطلاق الذي تصح فيه الرجعة مرتان، أى: اثنتان، وبعدها إمساك لها بالمعروف والمعاشرة الحسنة، أو تسريح لها بإحسان، بمعنى أن تتركها حتى تتم العدة من الطلقة الثانية ولا تراجعها، وقيل: المراد من التسريح
145
الطلقة الثالثة،
فقد سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أين الطلقة الثالثة؟ فقال: أو تسريح بإحسان»
ولأن التسريح من ألفاظ الطلاق، والإحسان في الآية المقصود منه أن ينفحها بجزء من المال جبرا لخاطرها، وهو ما يسمى بالمتعة عند بعض الفقهاء.
ومن آداب الطلاق حرصا على مصلحة الزوجة وحدا لطغيان الرجل أن يطلقها في الطهر لا في الحيض، وأن يكون مرة بعد مرة لا دفعة واحدة، ولعل هذا هو السر في التعبير بقوله: مرتان لا اثنتان.
وهل الطلاق الثلاث يقع طلقة واحدة أم ثلاثا؟
الظاهر الذي عليه النظم الكريم من قوله: مرتان، أن الطلاق الثلاث يقع طلقة واحدة،
ولحديث ابن عباس: «كان الطلاق على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخلافة أبى بكر وصدر من خلافة عمر: الطلاق الثلاث واحدة
. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضينا عليهم، فأمضاه عليهم».
والجمهور على أنه ثلاث كما رأى عمر الفاروق، وذهب طائفة من العلماء إلى أنه واحدة خلافا للجمهور.
فلقد شدد عمر ومن بعده من جمهور العلماء على الناس لما استباحوا الطلاق ورجع كثير من العلماء إلى الرأى الأول (قبل رأى عمر) أخذا بظاهر الآية وتخفيفا على الناس في مسألة الطلاق وفرارا من المحلل أو الوقوع في المحظور.
ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أعطيتموه للمرأة في الصداق شيئا بحال من الأحوال في نظير الطلاق إلا في حالة ما إذا خفتم ألا تقام حدود الله في الحياة الزوجية، فإن خفتم ألا تقام حدود الله وأحكامه فإن كان السبب من الزوج والبغض منه لا تتفق وروح الإسلام ولا تقام حدود الله بينها فله أن يسرحها بإحسان وليس له أن يأخذ منها شيئا بل عليه النفقة، وليعلم أنه ارتكب إثما إذ إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق، ولم يشرع إلا للضرورة القصوى.
وإن كان من قبلها كأن أبغضته لا تستطيع معه الصبر وخافت أن يقع منها نشوز ومخالفة لأمر الله وحكمه فلا جناح عليها أن تفتدى نفسها منه بإعطائه شيئا من المال الذي دفعه صداقا، ولا جناح عليه أن يأخذه لأن السبب منها.
فقد سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أين الطلقة الثالثة؟ فقال: أو تسريح بإحسان»
ولأن التسريح من ألفاظ الطلاق، والإحسان في الآية المقصود منه أن ينفحها بجزء من المال جبرا لخاطرها، وهو ما يسمى بالمتعة عند بعض الفقهاء.
ومن آداب الطلاق حرصا على مصلحة الزوجة وحدا لطغيان الرجل أن يطلقها في الطهر لا في الحيض، وأن يكون مرة بعد مرة لا دفعة واحدة، ولعل هذا هو السر في التعبير بقوله: مرتان لا اثنتان.
وهل الطلاق الثلاث يقع طلقة واحدة أم ثلاثا؟
الظاهر الذي عليه النظم الكريم من قوله: مرتان، أن الطلاق الثلاث يقع طلقة واحدة،
ولحديث ابن عباس: «كان الطلاق على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخلافة أبى بكر وصدر من خلافة عمر: الطلاق الثلاث واحدة
. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضينا عليهم، فأمضاه عليهم».
والجمهور على أنه ثلاث كما رأى عمر الفاروق، وذهب طائفة من العلماء إلى أنه واحدة خلافا للجمهور.
فلقد شدد عمر ومن بعده من جمهور العلماء على الناس لما استباحوا الطلاق ورجع كثير من العلماء إلى الرأى الأول (قبل رأى عمر) أخذا بظاهر الآية وتخفيفا على الناس في مسألة الطلاق وفرارا من المحلل أو الوقوع في المحظور.
ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أعطيتموه للمرأة في الصداق شيئا بحال من الأحوال في نظير الطلاق إلا في حالة ما إذا خفتم ألا تقام حدود الله في الحياة الزوجية، فإن خفتم ألا تقام حدود الله وأحكامه فإن كان السبب من الزوج والبغض منه لا تتفق وروح الإسلام ولا تقام حدود الله بينها فله أن يسرحها بإحسان وليس له أن يأخذ منها شيئا بل عليه النفقة، وليعلم أنه ارتكب إثما إذ إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق، ولم يشرع إلا للضرورة القصوى.
وإن كان من قبلها كأن أبغضته لا تستطيع معه الصبر وخافت أن يقع منها نشوز ومخالفة لأمر الله وحكمه فلا جناح عليها أن تفتدى نفسها منه بإعطائه شيئا من المال الذي دفعه صداقا، ولا جناح عليه أن يأخذه لأن السبب منها.
146
وهذا ما يسمى بالخلع في كتب الفقه الإسلامى.
روى البخاري عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن جميلة بنت عبد الله بن سلول كانت امرأة ثابت بن قيس بن شماس فأتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: لا أطيق زوجي بغضا، وأكره الكفر بعد الإسلام (أى: كفر نعمة العشير وخيانته في فراشه) فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أتردين عليه حديقته؟» (كان أصدقها حديقة) قالت: نعم.. قال للزوج:
اقبل الحديقة وطلقها «١» : تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
ومن أحكام الخلع أنه لا تصح الرجعة بعده إلا بأمر الزوجة بخلاف الطلاق الرجعى.
أما الطلاق البائن بينونة كبرى وهو المشار إليه بقوله- تعالى- فَإِنْ طَلَّقَها، أى:
بعد الطلقتين السابقتين واختار تسريحها فلا يحل له أبدا حتى تتزوج من آخر زواجا شرعيا صحيحا غير محدود بزمن ولا مشروط فيه أى شرط يضر العقد، وحتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها، فإن طلقها الزوج الثاني، وانقضت المدة فلا مانع من الرجوع إلى الزوج الأول إن ظنا أنهما يقيمان حدود الله وما أمر به من المعاشرة الحسنة، وانظر إلى إطلاق حدود الله على المعاشرة الطيبة الخالية من السوء والنشوز.
وهذه حدود الله يظهرها بأجلى بيان وأحسن عرض ولا يعقلها إلا العالمون، نعم لا يعقل سرها إلا العقلاء الفاهمون فقديما كنا نسمع نقدا شديدا لأحكام الدين في الزواج والطلاق، فما بال الغربيين رجعوا اليوم وشرعوا الطلاق ورأوه ضرورة لبناء الأسرة وكيان الأمة؟؟
أمن الدين بل من العقل أن تبقى امرأة رأيت سلوكها معوجا ولم يمكنك إقامة الدليل على ذلك؟ ماذا تفعل لو لم تجد الطلاق مشروعا؟ ألا أيها القوم تعقلوا فتلك حدود الله بينها لقوم يعقلون، ولا يضر الدين الإسلامى إساءة استعمالنا هذا الحق في الطلاق!!
روى البخاري عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن جميلة بنت عبد الله بن سلول كانت امرأة ثابت بن قيس بن شماس فأتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: لا أطيق زوجي بغضا، وأكره الكفر بعد الإسلام (أى: كفر نعمة العشير وخيانته في فراشه) فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أتردين عليه حديقته؟» (كان أصدقها حديقة) قالت: نعم.. قال للزوج:
اقبل الحديقة وطلقها «١» : تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
ومن أحكام الخلع أنه لا تصح الرجعة بعده إلا بأمر الزوجة بخلاف الطلاق الرجعى.
أما الطلاق البائن بينونة كبرى وهو المشار إليه بقوله- تعالى- فَإِنْ طَلَّقَها، أى:
بعد الطلقتين السابقتين واختار تسريحها فلا يحل له أبدا حتى تتزوج من آخر زواجا شرعيا صحيحا غير محدود بزمن ولا مشروط فيه أى شرط يضر العقد، وحتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها، فإن طلقها الزوج الثاني، وانقضت المدة فلا مانع من الرجوع إلى الزوج الأول إن ظنا أنهما يقيمان حدود الله وما أمر به من المعاشرة الحسنة، وانظر إلى إطلاق حدود الله على المعاشرة الطيبة الخالية من السوء والنشوز.
وهذه حدود الله يظهرها بأجلى بيان وأحسن عرض ولا يعقلها إلا العالمون، نعم لا يعقل سرها إلا العقلاء الفاهمون فقديما كنا نسمع نقدا شديدا لأحكام الدين في الزواج والطلاق، فما بال الغربيين رجعوا اليوم وشرعوا الطلاق ورأوه ضرورة لبناء الأسرة وكيان الأمة؟؟
أمن الدين بل من العقل أن تبقى امرأة رأيت سلوكها معوجا ولم يمكنك إقامة الدليل على ذلك؟ ماذا تفعل لو لم تجد الطلاق مشروعا؟ ألا أيها القوم تعقلوا فتلك حدود الله بينها لقوم يعقلون، ولا يضر الدين الإسلامى إساءة استعمالنا هذا الحق في الطلاق!!
(١) كتاب الطلاق باب الخلع حديث رقم ٥٢٧٣.
147
آداب الطلاق ومعاملة المطلقة [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٣١ الى ٢٣٢]
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢٣٢)
المفردات:
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ: قاربن انقضاء عدتهن. ضِراراً أى: يقصد الإضرار بها.
الْحِكْمَةِ: السنة الشريفة، وقيل: هي الإصابة في القول والعمل.
تَعْضُلُوهُنَّ العضل: الحبس والتضيق والمنع.
المعنى:
يقول المولى- جل شأنه- ما معناه: وإذا طلقتم النساء وقاربن انتهاء العدة فالواجب عليكم أحد أمرين: إما إمساك لها بالمعروف، أى: تراجعها لعصمتك بالمعروف وعدم الإيذاء، أو فراق بمعروف من غير إلحاق ضرر بالمطلقة، ولا تراجعوهن لقصد إلحاق
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢٣٢)
المفردات:
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ: قاربن انقضاء عدتهن. ضِراراً أى: يقصد الإضرار بها.
الْحِكْمَةِ: السنة الشريفة، وقيل: هي الإصابة في القول والعمل.
تَعْضُلُوهُنَّ العضل: الحبس والتضيق والمنع.
المعنى:
يقول المولى- جل شأنه- ما معناه: وإذا طلقتم النساء وقاربن انتهاء العدة فالواجب عليكم أحد أمرين: إما إمساك لها بالمعروف، أى: تراجعها لعصمتك بالمعروف وعدم الإيذاء، أو فراق بمعروف من غير إلحاق ضرر بالمطلقة، ولا تراجعوهن لقصد إلحاق
148
الضرر بهن والإيذاء لهن لتلجئوهن إلى الفدية ودفع المال لكم، ولا شك أن هذا اعتداء منكم عليهن، ومن يفعل هذا الفعل المنهي عنه بأى أسلوب وعلى أى شكل فقد ظلم نفسه وعرضها لعذاب الله وغضبه.
ولا تتكاسلوا في امتثال أمر الله- سبحانه- وجدّوا في العمل بآيات الله فإنكم إن تكاسلتم ولم تمتثلوا أمر الله كنتم كمن يستهزئ بالله وأمره، واذكروا نعم الله عليكم التي لا تحصى وأهمها الإسلام وكتابه المحكم الآيات وهدى رسوله خاتم الأنبياء، فإنهما الدستور الذي يبنى لكم الأسرة على أحسن نظام وأكمله، والدواء الناجع لكل داء، واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء تفعلونه أو تعزمون عليه عليم فمجازيكم عليه.
لا يليق بكم جميعا أيها الأولياء والحكام والأزواج، ومن له شأن أن يمنع المرأة المطلقة إذا انتهت عدتها من أن تنكح زوجها السابق أو زوجا آخر إذا حصل التراضي بينهما والتوافق، وفي قوله: بينهما إشارة إلى أن الرجل يخطب المرأة إلى نفسها ولا يصح منعها من الزواج إذا تراضوا بالمعروف شرعا وعرفا بأن لم يكن هناك محرم ولا محظور شرعا، وكانت الكفاءة بين الزوجين ومهر المثل. وعندي أن المهر والتغالى فيه لا يصلح سببا للمنع، ورب فقير كريم الخلق شريف النسب خير من غنىّ سيّئ الخلق كثير المال، وذلك الذي تقدم من الأحكام والحدود يؤمن به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فهم الذين يتقبلونه قولا حسنا ويمتثلونه. ذلكم أزكى لكم وأطهر من دنس الوقوع في المحرم، وهو أزكى نظام وأطهره فإن عدم منع النساء من الزواج أزكى وأطهر للأعراض والبيوت وأنمى للشرف والكمال، والله يعلم كل هذا فامتثلوا أمره والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
ولا تتكاسلوا في امتثال أمر الله- سبحانه- وجدّوا في العمل بآيات الله فإنكم إن تكاسلتم ولم تمتثلوا أمر الله كنتم كمن يستهزئ بالله وأمره، واذكروا نعم الله عليكم التي لا تحصى وأهمها الإسلام وكتابه المحكم الآيات وهدى رسوله خاتم الأنبياء، فإنهما الدستور الذي يبنى لكم الأسرة على أحسن نظام وأكمله، والدواء الناجع لكل داء، واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء تفعلونه أو تعزمون عليه عليم فمجازيكم عليه.
لا يليق بكم جميعا أيها الأولياء والحكام والأزواج، ومن له شأن أن يمنع المرأة المطلقة إذا انتهت عدتها من أن تنكح زوجها السابق أو زوجا آخر إذا حصل التراضي بينهما والتوافق، وفي قوله: بينهما إشارة إلى أن الرجل يخطب المرأة إلى نفسها ولا يصح منعها من الزواج إذا تراضوا بالمعروف شرعا وعرفا بأن لم يكن هناك محرم ولا محظور شرعا، وكانت الكفاءة بين الزوجين ومهر المثل. وعندي أن المهر والتغالى فيه لا يصلح سببا للمنع، ورب فقير كريم الخلق شريف النسب خير من غنىّ سيّئ الخلق كثير المال، وذلك الذي تقدم من الأحكام والحدود يؤمن به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فهم الذين يتقبلونه قولا حسنا ويمتثلونه. ذلكم أزكى لكم وأطهر من دنس الوقوع في المحرم، وهو أزكى نظام وأطهره فإن عدم منع النساء من الزواج أزكى وأطهر للأعراض والبيوت وأنمى للشرف والكمال، والله يعلم كل هذا فامتثلوا أمره والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
149
بعض أحكام الرضاع [سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٣]
وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣)
المفردات:
حَوْلَيْنِ الحول: العام والسنة. وُسْعَها: جهدها وطاقتها.
فِصالًا: فطاما لأنه يفصل الولد عن أمه. وَتَشاوُرٍ: مشاورة.
مناسبة الآيات:
شرع في أحكام الرضاع بعد أحكام الطلاق، وكلاهما من الأحكام المتعلقة بالبيوت والعائلات.
المعنى:
والوالدات المطلقات- لأن الكلام فيهن- يرضعن أولادهن إرضاعا على سبيل الندب أو الوجوب إن امتنع الطفل عن الرضاع من غيرها أو لم يجد الوالد من يرضع لفقر أو لغيره، وهن بهذا الوصف أدعى للامتثال، يرضعن أولادهن عامين كاملين وذلك لمن أراد إتمام الرضاع للطفل.
وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣)
المفردات:
حَوْلَيْنِ الحول: العام والسنة. وُسْعَها: جهدها وطاقتها.
فِصالًا: فطاما لأنه يفصل الولد عن أمه. وَتَشاوُرٍ: مشاورة.
مناسبة الآيات:
شرع في أحكام الرضاع بعد أحكام الطلاق، وكلاهما من الأحكام المتعلقة بالبيوت والعائلات.
المعنى:
والوالدات المطلقات- لأن الكلام فيهن- يرضعن أولادهن إرضاعا على سبيل الندب أو الوجوب إن امتنع الطفل عن الرضاع من غيرها أو لم يجد الوالد من يرضع لفقر أو لغيره، وهن بهذا الوصف أدعى للامتثال، يرضعن أولادهن عامين كاملين وذلك لمن أراد إتمام الرضاع للطفل.
150
ويجب على الوالد الذي ينسب إليه الابن وعنده غريزة حب الولد أن يرزقهن ويكسوهن أجرة لهن على الإرضاع. واستئجار الأم غير جائز ما دامت في النكاح أو العدة ويجوز عند الشافعى- رضى الله عنه- مطلقا، وتقدير الأجرة موكول لظروف كل من الوالد والمرضعة حسب اليسار والفقر.
ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ولا تضار الوالدة بسبب ولدها بأن تمنع من الرزق والكسوة أو يؤخذ منها ولدها قهرا، أو تكره على إرضاعه، ولا يضار والده بأن يطلب منه ما ليس في طاقته من رزق أو كسوة، أو تستغل الأم عاطفة الأبوة فتفرط في شأن الولد وغير ذلك من المعاكسات، والمراد: لا يحصل ضرر منها بسبب الولد.
وعلى الوارث الذي يرث الأب مثل ذلك من النفقة والكسوة، وقيل: تؤخذ النفقة من مال الصبى فهو الوارث لأبيه، فإذا لم يكن له مال تؤخذ ممن يرث الطفل لو مات، وعلى كل فاللفظ يحتمل هذا.
مدة الرضاع الكاملة حولان، فإذا أراد الوالد والمرضعة فطاما له دون الحولين برضاهما وتشاورهما في مصلحة الطفل فلا إثم عليهما في ذلك حيث اقتضت المصلحة العامة هذا.
وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم من المراضع الأجنبيات بسبب حمل أو مرض أمّ أو عدم اتفاق فلا جناح عليكم ولا إثم، بشرط أن تسلم المرضعة أجرها بالمعروف، فإن ذلك أدعى للغاية والمحافظة على الولد، وهذا خطاب للأب والأم على سبيل التغليب للإشارة إلى أنه من الذوق والأدب أن تكون الأم مشتركة مع الأب ومستشارة في الاسترضاع لأنه ولدها، واتقوا الله في كل شيء خصوصا الأحكام المذكورة واعلموا أن الله بما تعملون خبير وبصير فمجازيكم على أعمالكم.
ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ولا تضار الوالدة بسبب ولدها بأن تمنع من الرزق والكسوة أو يؤخذ منها ولدها قهرا، أو تكره على إرضاعه، ولا يضار والده بأن يطلب منه ما ليس في طاقته من رزق أو كسوة، أو تستغل الأم عاطفة الأبوة فتفرط في شأن الولد وغير ذلك من المعاكسات، والمراد: لا يحصل ضرر منها بسبب الولد.
وعلى الوارث الذي يرث الأب مثل ذلك من النفقة والكسوة، وقيل: تؤخذ النفقة من مال الصبى فهو الوارث لأبيه، فإذا لم يكن له مال تؤخذ ممن يرث الطفل لو مات، وعلى كل فاللفظ يحتمل هذا.
مدة الرضاع الكاملة حولان، فإذا أراد الوالد والمرضعة فطاما له دون الحولين برضاهما وتشاورهما في مصلحة الطفل فلا إثم عليهما في ذلك حيث اقتضت المصلحة العامة هذا.
وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم من المراضع الأجنبيات بسبب حمل أو مرض أمّ أو عدم اتفاق فلا جناح عليكم ولا إثم، بشرط أن تسلم المرضعة أجرها بالمعروف، فإن ذلك أدعى للغاية والمحافظة على الولد، وهذا خطاب للأب والأم على سبيل التغليب للإشارة إلى أنه من الذوق والأدب أن تكون الأم مشتركة مع الأب ومستشارة في الاسترضاع لأنه ولدها، واتقوا الله في كل شيء خصوصا الأحكام المذكورة واعلموا أن الله بما تعملون خبير وبصير فمجازيكم على أعمالكم.
151
عدة المتوفى عنها زوجها [سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٤]
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤)
المفردات:
يَذَرُونَ: يتركون. بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ: انقضت عدتهن.
المعنى:
العدة في الشرع الشريف جعلت لبراءة الرحم، أو للحداد على الزوج ولذلك جعلت عدة المطلقة ثلاثة أقراء، أما المتوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرا ما لم تكن حاملا فعدتها بوضع الحمل ولو بعد الوفاة بيوم أو ساعة، والرأى عند الأحناف أن عدة الحامل أبعد الأجلين للحداد على الزوج، والشرع لم يندب الحداد على غير الزوج من أخ أو قريب أكثر من ثلاثة أيام.
وفي الوفاة لا فرق بين الصغيرة والكبيرة والمدخول بها وغير المدخول بها لأن العدة للحداد وبراءة الرحم تبعا، فإذا انتهت العدة وانقضت أيامها فلا جناح عليكم أيها الأولياء والمشرفون على النساء فيما فعلن في أنفسهن من الزينة والخروج من البيت والتعرض لخطبة الرجال بالمعروف شرعا، أى: من غير مخالفة للشرع، والله بما تعلمون خبير وبصير.
ويؤخذ من هذه الآية حيث نفى الحرج عن الأولياء والحكام فيما لو فعلت النساء شيئا بالمعروف الشرعي: أن الحكام والأولياء وكل من له شأن مؤاخذ ومعاقب على خروج النساء وتهتكها وفعلها على المعروف شرعا فإن ذلك مما يقوض الأمة ويفنى الجماعة.
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤)
المفردات:
يَذَرُونَ: يتركون. بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ: انقضت عدتهن.
المعنى:
العدة في الشرع الشريف جعلت لبراءة الرحم، أو للحداد على الزوج ولذلك جعلت عدة المطلقة ثلاثة أقراء، أما المتوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرا ما لم تكن حاملا فعدتها بوضع الحمل ولو بعد الوفاة بيوم أو ساعة، والرأى عند الأحناف أن عدة الحامل أبعد الأجلين للحداد على الزوج، والشرع لم يندب الحداد على غير الزوج من أخ أو قريب أكثر من ثلاثة أيام.
وفي الوفاة لا فرق بين الصغيرة والكبيرة والمدخول بها وغير المدخول بها لأن العدة للحداد وبراءة الرحم تبعا، فإذا انتهت العدة وانقضت أيامها فلا جناح عليكم أيها الأولياء والمشرفون على النساء فيما فعلن في أنفسهن من الزينة والخروج من البيت والتعرض لخطبة الرجال بالمعروف شرعا، أى: من غير مخالفة للشرع، والله بما تعلمون خبير وبصير.
ويؤخذ من هذه الآية حيث نفى الحرج عن الأولياء والحكام فيما لو فعلت النساء شيئا بالمعروف الشرعي: أن الحكام والأولياء وكل من له شأن مؤاخذ ومعاقب على خروج النساء وتهتكها وفعلها على المعروف شرعا فإن ذلك مما يقوض الأمة ويفنى الجماعة.
ألا ترى إلى قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ [الأحزاب ٥٩] حيث أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك ولم يأمر النساء، وهذا مما يؤيد أننا- نحن الرجال- مؤاخذون بعمل نسائنا.
خطبة المتوفى زوجها وآدابها [سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٥]
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥)
المفردات:
عَرَّضْتُمْ التعريض: أن تفهم المخاطب المقصود بلفظ لم يوضع له وهذا المقصود يحتمله الكلام على بعد بقرينة. خِطْبَةِ الخطبة: من الخطاب، أو الخطب: وهو الشأن العظيم، وهي طلب الرجل المرأة للزواج بالوسيلة المعروفة بين الناس.
أَكْنَنْتُمْ الإكنان: الإضمار في النفس. سِرًّا: نكاحا. وَلا تَعْزِمُوا العزم: القصد الجازم، والنهى عن العزم نهى عن الفعل من باب أولى، والمراد:
لا تقربوا عقد عقدة النكاح.
المعنى:
المرأة المطلقة طلاقا رجعيا لا يصح مطلقا التعريض لها بالخطبة لأنها في عصمة زوجها ما دامت في العدة، أما المرأة المتوفى عنها زوجها- ويقاس عليها المطلقة طلاقا بائنا-
خطبة المتوفى زوجها وآدابها [سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٥]
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥)
المفردات:
عَرَّضْتُمْ التعريض: أن تفهم المخاطب المقصود بلفظ لم يوضع له وهذا المقصود يحتمله الكلام على بعد بقرينة. خِطْبَةِ الخطبة: من الخطاب، أو الخطب: وهو الشأن العظيم، وهي طلب الرجل المرأة للزواج بالوسيلة المعروفة بين الناس.
أَكْنَنْتُمْ الإكنان: الإضمار في النفس. سِرًّا: نكاحا. وَلا تَعْزِمُوا العزم: القصد الجازم، والنهى عن العزم نهى عن الفعل من باب أولى، والمراد:
لا تقربوا عقد عقدة النكاح.
المعنى:
المرأة المطلقة طلاقا رجعيا لا يصح مطلقا التعريض لها بالخطبة لأنها في عصمة زوجها ما دامت في العدة، أما المرأة المتوفى عنها زوجها- ويقاس عليها المطلقة طلاقا بائنا-
153
فقد أباح الشرع الشريف أن يعرّض الرجل لها بأمر الزواج تعريضا لا صراحة فيه، أو يضمر في نفسه أمر زواجه بها لأن هذا أمر طبيعي في النفس ولذلك قرنه الله بما يبين وجه الرخصة حيث قال: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ في أنفسكم وضمائركم ويشق عليكم أن تتموا مثل هذا فاذكروهن، ولكن لا تواعدوهن النكاح صراحة، فهو مما يضر ولا يليق بكم أدبيّا وذوقيّا في حال من الأحوال إلا في حالة أن تقولوا قولا معروفا غير منكر شرعا، وهو ما يعهد مثله بين الناس المهذبين من القول العف والإشارة الخفية كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم مع أم سلمة بعد وفاة زوجها حيث ذكر لها منزلته عند الله.
ولا تعزموا على عقدة النكاح حتى يبلغ المكتوب أجله، فقد كتب الله وفرض على المرأة العدة لزوجها أربعة أشهر وعشرا، واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم من السر وأخفى فاحذروه، واعلموا أن الله غفور رحيم لما فرط منكم من الذنب، حليم لا يعجل بالعقوبة.
ما يؤخذ من الآية:
(أ) لا يصح التصريح بالزواج للمعتدة.
(ب) حرام العقد عليها قبل استيفاء العدة مراعاة لحقوق الزوجية ولطهارة الرحم.
ولا تعزموا على عقدة النكاح حتى يبلغ المكتوب أجله، فقد كتب الله وفرض على المرأة العدة لزوجها أربعة أشهر وعشرا، واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم من السر وأخفى فاحذروه، واعلموا أن الله غفور رحيم لما فرط منكم من الذنب، حليم لا يعجل بالعقوبة.
ما يؤخذ من الآية:
(أ) لا يصح التصريح بالزواج للمعتدة.
(ب) حرام العقد عليها قبل استيفاء العدة مراعاة لحقوق الزوجية ولطهارة الرحم.
154
المطلقة قبل الدخول وما يجب لها [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٣٦ الى ٢٣٧]
لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧)
المفردات:
الجناح: الإثم، والمراد: لا شيء عليكم. تَمَسُّوهُنَّ: تجامعوهن.
تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً أى: فرضا وهو المهر. الْمُوسِعِ: الغنى.
الْمُقْتِرِ: الفقير. قَدَرُهُ: مقداره.
سبب النزول:
روى أنها نزلت في رجل من الأنصار تزوج امرأة ولم يسم لها صداقا ثم طلقها قبل أن يمسها، فنزلت هذه الآية، فقال له النبي: «أمتعها ولو بقلنسوتك».
المعنى:
أيها الأزواج إن طلقتم النساء قبل الدخول بهن وقبل أن تحددوا لهن صداقا فلا شيء
لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧)
المفردات:
الجناح: الإثم، والمراد: لا شيء عليكم. تَمَسُّوهُنَّ: تجامعوهن.
تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً أى: فرضا وهو المهر. الْمُوسِعِ: الغنى.
الْمُقْتِرِ: الفقير. قَدَرُهُ: مقداره.
سبب النزول:
روى أنها نزلت في رجل من الأنصار تزوج امرأة ولم يسم لها صداقا ثم طلقها قبل أن يمسها، فنزلت هذه الآية، فقال له النبي: «أمتعها ولو بقلنسوتك».
المعنى:
أيها الأزواج إن طلقتم النساء قبل الدخول بهن وقبل أن تحددوا لهن صداقا فلا شيء
عليكم من الصداق ومهر المثل، ولكن يجب عليكم المتعة: وهي عطاء يعطيه الزوج للمطلقة جبرا لخاطرها، أما مقدارها فيرجع إلى حالة الزوج من غنى وفقر، والمتعة عند بعض الفقهاء حق واجب للمرأة التي يجب لها شيء من الصداق، وتستحب لسائر المطلقات بالوجه الذي يحسن في الشرع والمروءة، وهذا الحق على الذين يحسنون المعاملة.
وإذا طلقت المرأة قبل الدخول بها وقد سمى لها صداق فيجب لها نصفه تأخذه في كل حال إلا أن تعفو المطلقات أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو الولي، وعفوكم أقرب للتقوى وقيل المراد: إلا أن يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو الزوج، والمراد بعفوه: أن يتنازل عن نصف الصداق الذي أعطاه للزوجة قبل الدخول بها عند العقد.
ولا تنسوا الفضل بينكم بالإحسان والمعاملة الطيبة، وأن العفو خير لكم جميعا والله بما تعملون بصير فيجازى كلا على حسب نيته وعمله.
المحافظة على الصلاة [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٣٨ الى ٢٣٩]
حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (٢٣٨) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٢٣٩)
المفردات:
حافِظُوا: داوموا عليها بإتقان. الْوُسْطى: المتوسطة، أو الفضلى، والمراد بها: صلاة العصر على الأصح. قانِتِينَ: ذاكرين الله في القيام مداومين على الضراعة والخشوع.
المعنى:
الصلاة عماد الدين والركن العملي الأول الذي يكرر في اليوم خمس مرات لما لها من الأثر
وإذا طلقت المرأة قبل الدخول بها وقد سمى لها صداق فيجب لها نصفه تأخذه في كل حال إلا أن تعفو المطلقات أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو الولي، وعفوكم أقرب للتقوى وقيل المراد: إلا أن يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو الزوج، والمراد بعفوه: أن يتنازل عن نصف الصداق الذي أعطاه للزوجة قبل الدخول بها عند العقد.
ولا تنسوا الفضل بينكم بالإحسان والمعاملة الطيبة، وأن العفو خير لكم جميعا والله بما تعملون بصير فيجازى كلا على حسب نيته وعمله.
المحافظة على الصلاة [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٣٨ الى ٢٣٩]
حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (٢٣٨) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٢٣٩)
المفردات:
حافِظُوا: داوموا عليها بإتقان. الْوُسْطى: المتوسطة، أو الفضلى، والمراد بها: صلاة العصر على الأصح. قانِتِينَ: ذاكرين الله في القيام مداومين على الضراعة والخشوع.
المعنى:
الصلاة عماد الدين والركن العملي الأول الذي يكرر في اليوم خمس مرات لما لها من الأثر
الفعال في تطهير النفس، وهي كالبئر يغتسل منه المصلى خمس مرات في اليوم والليلة فهل يبقى عليه من درن؟
ولهذا كله أمرنا بالمحافظة عليها، ووضعها بين الأحكام التي تتعلق بالبيوت والأسر إشارة إلى أنه يجب ألا تشغلنا البيوت وما فيها ولا أنفسنا عن الصلاة، وللإشارة إلى أن الصلاة والاتصال بالله مما يصفى الروح ويزيل كدرتها التي كثيرا ما تكون سببا في أزمات تقع في الأسرة وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ حافظوا على الصلاة مطلقا تحفظكم من كل هم وغم وتحفظكم من الفحشاء والمنكر خاصة الصلاة الوسطى وهي العصر
لقوله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب: «شغلونا عن الصلاة الوسطى: صلاة العصر».
ووقت صلاة العصر كما يقولون وقت وسط بين وقتى الظهر والمغرب فهي متوسطة بهذا المعنى. وقوموا لله خاشعين ذاكرين لله دون سواه.
وللإشارة إلى خطر الصلاة وأنه لا يصح لمسلم أن يتركها لعذر قيل ما معناه:
لا عذر في ترك الصلاة حتى في حال الخوف على النفس أو المال أو العرض، بل صلوا على أى كيفية راكبين أو ماشين سائرين أو واقفين على أى وضع كان، فإذا زال الخوف فاذكروا الله في الصلاة كما علمكم ما لم تكونوا تعلمونه من فريضة وكيفية الصلاة في حال الأمن والخوف.
حق المتوفى عنها زوجها [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٤٠ الى ٢٤٢]
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠) وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢)
ولهذا كله أمرنا بالمحافظة عليها، ووضعها بين الأحكام التي تتعلق بالبيوت والأسر إشارة إلى أنه يجب ألا تشغلنا البيوت وما فيها ولا أنفسنا عن الصلاة، وللإشارة إلى أن الصلاة والاتصال بالله مما يصفى الروح ويزيل كدرتها التي كثيرا ما تكون سببا في أزمات تقع في الأسرة وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ حافظوا على الصلاة مطلقا تحفظكم من كل هم وغم وتحفظكم من الفحشاء والمنكر خاصة الصلاة الوسطى وهي العصر
لقوله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب: «شغلونا عن الصلاة الوسطى: صلاة العصر».
ووقت صلاة العصر كما يقولون وقت وسط بين وقتى الظهر والمغرب فهي متوسطة بهذا المعنى. وقوموا لله خاشعين ذاكرين لله دون سواه.
وللإشارة إلى خطر الصلاة وأنه لا يصح لمسلم أن يتركها لعذر قيل ما معناه:
لا عذر في ترك الصلاة حتى في حال الخوف على النفس أو المال أو العرض، بل صلوا على أى كيفية راكبين أو ماشين سائرين أو واقفين على أى وضع كان، فإذا زال الخوف فاذكروا الله في الصلاة كما علمكم ما لم تكونوا تعلمونه من فريضة وكيفية الصلاة في حال الأمن والخوف.
حق المتوفى عنها زوجها [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٤٠ الى ٢٤٢]
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠) وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢)
المعنى:
والذين يشرفون منكم على الموت ويتركون أزواجا يجب عليهم أن يوصوا وصية لأزواجهم متاعا مستمرا إلى نهاية الحول، على معنى أنه يجب على الورثة من باب الأدب والذوق ألا يخرجوا المتوفى عنها زوجها قبل مضى السنة، وعلى ذلك فلها سنة ينفق عليها من مال زوجها المتوفى، فإن خرجت بعد مضى العدة من نفسها فلا جناح عليكم يا أيها الورثة فيما تفعله في نفسها من الخروج والزينة ما دام لا يتنافى مع الشرع، والله عزيز لا يغالب، حكيم في كل أمر.
وللمطلقات مطلقا المتعة، وهي ما اتفق عليه الزوجان على حسب قدرتهما، فإن اختلفا قدرها القاضي، وهذا حكم يشمل المطلقات المدخول بهن وغير المدخول بهن.
وإن اختلف من حيث الوجوب والندب وهذا حق على المتقين لله، مثل ذلك البيان السابق يبين الله لكم آياته المحكمة التي تدفعنا إلى الخير في الدنيا والآخرة لعلنا نتدبر ونتعقل.
كيف تحيا الأمم [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٤٣ الى ٢٤٥]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥)
والذين يشرفون منكم على الموت ويتركون أزواجا يجب عليهم أن يوصوا وصية لأزواجهم متاعا مستمرا إلى نهاية الحول، على معنى أنه يجب على الورثة من باب الأدب والذوق ألا يخرجوا المتوفى عنها زوجها قبل مضى السنة، وعلى ذلك فلها سنة ينفق عليها من مال زوجها المتوفى، فإن خرجت بعد مضى العدة من نفسها فلا جناح عليكم يا أيها الورثة فيما تفعله في نفسها من الخروج والزينة ما دام لا يتنافى مع الشرع، والله عزيز لا يغالب، حكيم في كل أمر.
وللمطلقات مطلقا المتعة، وهي ما اتفق عليه الزوجان على حسب قدرتهما، فإن اختلفا قدرها القاضي، وهذا حكم يشمل المطلقات المدخول بهن وغير المدخول بهن.
وإن اختلف من حيث الوجوب والندب وهذا حق على المتقين لله، مثل ذلك البيان السابق يبين الله لكم آياته المحكمة التي تدفعنا إلى الخير في الدنيا والآخرة لعلنا نتدبر ونتعقل.
كيف تحيا الأمم [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٤٣ الى ٢٤٥]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥)
158
المفردات:
أَلَمْ تَرَ: استفهام تعجيب وتشويق إذ الاستفهام الحقيقي محال على الله.
حَذَرَ الْمَوْتِ: خوفه. يُقْرِضُ اللَّهَ المراد: يتصدق لوجه الله. فَيُضاعِفَهُ لَهُ: يضيف له مثله ومثله.
المعنى:
ألم ينته علمك إلى الذين خرجوا من ديارهم وأوطانهم لما لحقهم العدو وحاربهم؟
خرجوا وهم كثرة تعد بالألوف حذر الموت وهوله، ما دفعهم إلى هذا إلا الجبن والخور وعدم الإيمان بالله ورسله، ولما خرجوا فارين قال لهم: موتوا، حيث مكن للعدو منهم فأذلهم، وما كان تمكين العدو فيهم إلا بسبب جبنهم، ولقد أذاقهم العدو العذاب وأحسوا بخطئهم الفاحش فكان هذا داعيا إلى تكتلهم وإقبالهم على قتال عدوهم متعاونين باذلين النفس والنفيس، فهم قد ماتوا زمنا ثم أحياهم الله، وهكذا سنة الله في الأمم ولن تجد لسنة الله تبديلا.
إن الله لذو فضل على الناس بابتلائهم بالعدو والشدائد التي تصهرهم وتميز الطيب من الخبيث منهم فحقّا «الحوادث تخلق الرجال» والحوادث تخلق الأمم، ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله على ذلك بل يعدون هذا نقمة عليهم.
وتشير الآية الكريمة إلى أن موت الأمم غالبا له سببان: الجبن وضعف العزيمة.
والثاني: البخل وعدم الإنفاق، ولذلك قرن الله- سبحانه وتعالى- الآية السابقة بقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ولقد رغب الله في الإنفاق، إذ عبر بالقرض عن الإنفاق، من يقرض الله الذي له خزائن السموات والأرض والذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، يضاعف له في ثوابه أضعافا كثيرة لا يعلم عددها إلا الله ومن أصدق من الله حديثا.
والله- سبحانه- يوسع في الرزق لمن يشاء مهما أنفق في سبيل الله، ويضيق في الرزق على من يشاء مهما أمسك عن الإنفاق فأمر المال والدنيا في يده وإليه المرجع والمآب، فاعملوا أيها المؤمنون فسيرى الله عملكم ورسوله وستردون إلى عالم الغيب والشهادة.
أَلَمْ تَرَ: استفهام تعجيب وتشويق إذ الاستفهام الحقيقي محال على الله.
حَذَرَ الْمَوْتِ: خوفه. يُقْرِضُ اللَّهَ المراد: يتصدق لوجه الله. فَيُضاعِفَهُ لَهُ: يضيف له مثله ومثله.
المعنى:
ألم ينته علمك إلى الذين خرجوا من ديارهم وأوطانهم لما لحقهم العدو وحاربهم؟
خرجوا وهم كثرة تعد بالألوف حذر الموت وهوله، ما دفعهم إلى هذا إلا الجبن والخور وعدم الإيمان بالله ورسله، ولما خرجوا فارين قال لهم: موتوا، حيث مكن للعدو منهم فأذلهم، وما كان تمكين العدو فيهم إلا بسبب جبنهم، ولقد أذاقهم العدو العذاب وأحسوا بخطئهم الفاحش فكان هذا داعيا إلى تكتلهم وإقبالهم على قتال عدوهم متعاونين باذلين النفس والنفيس، فهم قد ماتوا زمنا ثم أحياهم الله، وهكذا سنة الله في الأمم ولن تجد لسنة الله تبديلا.
إن الله لذو فضل على الناس بابتلائهم بالعدو والشدائد التي تصهرهم وتميز الطيب من الخبيث منهم فحقّا «الحوادث تخلق الرجال» والحوادث تخلق الأمم، ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله على ذلك بل يعدون هذا نقمة عليهم.
وتشير الآية الكريمة إلى أن موت الأمم غالبا له سببان: الجبن وضعف العزيمة.
والثاني: البخل وعدم الإنفاق، ولذلك قرن الله- سبحانه وتعالى- الآية السابقة بقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ولقد رغب الله في الإنفاق، إذ عبر بالقرض عن الإنفاق، من يقرض الله الذي له خزائن السموات والأرض والذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، يضاعف له في ثوابه أضعافا كثيرة لا يعلم عددها إلا الله ومن أصدق من الله حديثا.
والله- سبحانه- يوسع في الرزق لمن يشاء مهما أنفق في سبيل الله، ويضيق في الرزق على من يشاء مهما أمسك عن الإنفاق فأمر المال والدنيا في يده وإليه المرجع والمآب، فاعملوا أيها المؤمنون فسيرى الله عملكم ورسوله وستردون إلى عالم الغيب والشهادة.
159
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ
ﳵ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ
ﳶ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ
ﳷ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ
ﳸ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ
ﳹ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ
ﳺ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ
ﳻ
قصة طالوت وجالوت [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٤٦ الى ٢٥٢]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠)
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠)
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢)
160
المفردات:
أَلَمْ تَرَ: تركيب فيه استفهام ونفى، وترجمته: يجب أن ينتهى علمك إلى الملأ. الْمَلَإِ: اسم للجماعة من الناس، كالقوم والرهط، سموا بذلك لأنهم
أَلَمْ تَرَ: تركيب فيه استفهام ونفى، وترجمته: يجب أن ينتهى علمك إلى الملأ. الْمَلَإِ: اسم للجماعة من الناس، كالقوم والرهط، سموا بذلك لأنهم
161
يملؤون العيون رهبة إذا اجتمعوا. اصْطَفاهُ: اختاره. بَسْطَةً: سعة.
التَّابُوتُ: الصندوق المحفوظ فيه التوراة،
ويروى أنه مصنوع من خشب مموه بالذهب
. سَكِينَةٌ: فيه شيء تسكن به قلوبكم وتطمئن له. بَقِيَّةٌ الظاهر أنها قطع الألواح وعصا موسى وعمامة هارون. فَلَمَّا فَصَلَ أى: انفصل بهم عن البلد. مُبْتَلِيكُمْ: ممتحنكم. يَطْعَمْهُ: يذقه.
المعنى:
ألم ينته علمك إلى القوم من بنى إسرائيل؟ وقد وجدوا بعد موسى- عليه السلام- حين قالوا لنبيهم، ولم يسمه القرآن، وقيل: إنه (صمويل) حين قالوا له: اختر لنا قائدا يقود زمامنا، ولا شك أن طرد العدو من البلاد قتال في سبيل الله.
ولكن نبيهم قد عرفهم معرفة المجرب الحكيم، فقال لهم: يا قوم أتوقع منكم عملا يخالف أقوالكم، والزمان كفيل بتصديق نظريتى أو تكذيبها، قالوا ردا عليه: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله؟ أى شيء دهانا واستقر عندنا حتى لا نقاتل في سبيل الله؟ وهذا هو مقتضى القتال حاصل فقد أخرجنا من ديارنا وأموالنا ومنعنا من أبنائنا.
فلما فرض عليهم القتال كما طلبوا لم تكن الحوادث قد عركتهم ولم تكن نفوسهم طاهرة صادقة، ولم تكن أرواحهم قد ملئت بالنور والإيمان كما فهم فيهم نبيهم، ولذا تولوا وأعرضوا إلا قليلا منهم، وانتحلوا المعاذير وعللوا أنفسهم بالتعاليل. وهكذا الأمم الميتة، والله عليم بالظالمين لأنفسهم بتركهم الجهاد في سبيل الله دفاعا عن وطنهم وردّا لحقهم المغصوب.
وهذا تفصيل لما وقع بين النبي- عليه السلام- وبين قومه حين طلبوا منه ملكا عليهم.
وقال لهم نبيهم: إن الله قد اختار لكم طالوت ملكا وقائدا فانظر إلى الأمم الضعيفة التي لم تشب بعد عن طوق الصبيان في التفكير فهي تشغل نفسها بالعرض عن الجوهر والشكل عن الموضوع أين هذا من الصحابة الأجلاء- رضى الله عنهم أجمعين- وقد
التَّابُوتُ: الصندوق المحفوظ فيه التوراة،
ويروى أنه مصنوع من خشب مموه بالذهب
. سَكِينَةٌ: فيه شيء تسكن به قلوبكم وتطمئن له. بَقِيَّةٌ الظاهر أنها قطع الألواح وعصا موسى وعمامة هارون. فَلَمَّا فَصَلَ أى: انفصل بهم عن البلد. مُبْتَلِيكُمْ: ممتحنكم. يَطْعَمْهُ: يذقه.
المعنى:
ألم ينته علمك إلى القوم من بنى إسرائيل؟ وقد وجدوا بعد موسى- عليه السلام- حين قالوا لنبيهم، ولم يسمه القرآن، وقيل: إنه (صمويل) حين قالوا له: اختر لنا قائدا يقود زمامنا، ولا شك أن طرد العدو من البلاد قتال في سبيل الله.
ولكن نبيهم قد عرفهم معرفة المجرب الحكيم، فقال لهم: يا قوم أتوقع منكم عملا يخالف أقوالكم، والزمان كفيل بتصديق نظريتى أو تكذيبها، قالوا ردا عليه: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله؟ أى شيء دهانا واستقر عندنا حتى لا نقاتل في سبيل الله؟ وهذا هو مقتضى القتال حاصل فقد أخرجنا من ديارنا وأموالنا ومنعنا من أبنائنا.
فلما فرض عليهم القتال كما طلبوا لم تكن الحوادث قد عركتهم ولم تكن نفوسهم طاهرة صادقة، ولم تكن أرواحهم قد ملئت بالنور والإيمان كما فهم فيهم نبيهم، ولذا تولوا وأعرضوا إلا قليلا منهم، وانتحلوا المعاذير وعللوا أنفسهم بالتعاليل. وهكذا الأمم الميتة، والله عليم بالظالمين لأنفسهم بتركهم الجهاد في سبيل الله دفاعا عن وطنهم وردّا لحقهم المغصوب.
وهذا تفصيل لما وقع بين النبي- عليه السلام- وبين قومه حين طلبوا منه ملكا عليهم.
وقال لهم نبيهم: إن الله قد اختار لكم طالوت ملكا وقائدا فانظر إلى الأمم الضعيفة التي لم تشب بعد عن طوق الصبيان في التفكير فهي تشغل نفسها بالعرض عن الجوهر والشكل عن الموضوع أين هذا من الصحابة الأجلاء- رضى الله عنهم أجمعين- وقد
162
أمر عليهم أسامة بن زيد وهو شاب حدث، وفي الجيش أبو بكر وعمر وعلى وغيرهم!! ألا حيّا الله البطولة والرجولة!! وها نحن الآن نشغل أنفسنا برئيس الوزراء شغلا أكثر من شغلنا بأنفسنا ولا علينا بعد هذا شيء أقام الغاصب في بلادنا قرنا أم قرنين!! بماذا رد هؤلاء القوم على نبيهم؟ قالوا متعجبين لقصور عقولهم: كيف يكون ملكا علينا؟ ونحن أحق بالملك والرياسة منه إذ فينا الملك قديما، وطالوت فقير ليس غنيّا.
كأنهم فهموا أن الملك حق يورث وأن الغنى شرط أساسى فيه، فقال لهم نبيهم: إن الله قد اختاره واصطفاه وما عليكم إلا الامتثال فالله لا يختار إلا ما فيه الخير لكم وقد زاده الله بسطة في العلم حتى يكون واسع الإدراك نافذ البصيرة، وبسطة في الجسم حتى يقوى على القيادة وأعمال الحرب وحتى يكون مهابا يملأ العين والنظر، والله- سبحانه- يؤتى ملكه من يشاء فلا اعتراض عليه وهو أعلم بخلقه من يستحق ومن لا يستحق.
لم يقتنع القوم بما ساق لهم نبيهم من الحكمة في اختيار طالوت ملكا عليهم وظلوا معاندين، فأوحى الله إليه أن يسوق دليلا ماديا على صحة ملكه وقيادته، وآية ملكه أن يأتيكم التابوت- وقد كان له شأن في بنى إسرائيل عظيم ولما فرطوا أخذ منهم زمنا ثم جعل لهم نبيهم عودته في بيت طالوت دليلا من الله على صحة الملك- وفيه سر تسكن إليه نفوسكم وتطمئن إليه ضمائركم، خاصة عند ما تحملونه في القتال وفيه بقية مما ترك موسى وهارون، وسيأتى محمولا من الملائكة تشريفا وتكريما له، أفلا يدل كل هذا على أن الله اختار طالوت قائدا لكم ولكنهم اليهود قديما وحديثا هكذا يفعلون!! إن في ذلك القصص لعبرة وعظة وأى عبرة وعظة؟!! وفيه آية لكم أيها المخاطبون في عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث يقص عليكم هذا القصص وهو نبي عربي أمى لم يقرأ ولم يكتب فمن أين له هذا؟! وإذا علمت ما تقدم فلما انفصل طالوت بالجنود أراد أن يختبرهم بشيء ليعلم صدق نيتهم في القتال وهكذا القائد الحكيم إذ ظن في جنده ظنّا فاختبرهم ليقف على حالهم.
فقال لهم: إن الله مختبركم- وهو الأعلم بكم- بنهر يعترضنا في الطريق، فمن شرب منه فليس من أتباعى وأشياعى، ومن لم يتذوقه فإنه من حزبى وأنصارى إلا من
كأنهم فهموا أن الملك حق يورث وأن الغنى شرط أساسى فيه، فقال لهم نبيهم: إن الله قد اختاره واصطفاه وما عليكم إلا الامتثال فالله لا يختار إلا ما فيه الخير لكم وقد زاده الله بسطة في العلم حتى يكون واسع الإدراك نافذ البصيرة، وبسطة في الجسم حتى يقوى على القيادة وأعمال الحرب وحتى يكون مهابا يملأ العين والنظر، والله- سبحانه- يؤتى ملكه من يشاء فلا اعتراض عليه وهو أعلم بخلقه من يستحق ومن لا يستحق.
لم يقتنع القوم بما ساق لهم نبيهم من الحكمة في اختيار طالوت ملكا عليهم وظلوا معاندين، فأوحى الله إليه أن يسوق دليلا ماديا على صحة ملكه وقيادته، وآية ملكه أن يأتيكم التابوت- وقد كان له شأن في بنى إسرائيل عظيم ولما فرطوا أخذ منهم زمنا ثم جعل لهم نبيهم عودته في بيت طالوت دليلا من الله على صحة الملك- وفيه سر تسكن إليه نفوسكم وتطمئن إليه ضمائركم، خاصة عند ما تحملونه في القتال وفيه بقية مما ترك موسى وهارون، وسيأتى محمولا من الملائكة تشريفا وتكريما له، أفلا يدل كل هذا على أن الله اختار طالوت قائدا لكم ولكنهم اليهود قديما وحديثا هكذا يفعلون!! إن في ذلك القصص لعبرة وعظة وأى عبرة وعظة؟!! وفيه آية لكم أيها المخاطبون في عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث يقص عليكم هذا القصص وهو نبي عربي أمى لم يقرأ ولم يكتب فمن أين له هذا؟! وإذا علمت ما تقدم فلما انفصل طالوت بالجنود أراد أن يختبرهم بشيء ليعلم صدق نيتهم في القتال وهكذا القائد الحكيم إذ ظن في جنده ظنّا فاختبرهم ليقف على حالهم.
فقال لهم: إن الله مختبركم- وهو الأعلم بكم- بنهر يعترضنا في الطريق، فمن شرب منه فليس من أتباعى وأشياعى، ومن لم يتذوقه فإنه من حزبى وأنصارى إلا من
163
اغترف غرفة بيده، فكانت نتيجة الاختبار أن شربوا منه جميعا إلا قليلا منهم (إن الكرام قليل). وهكذا من يحكم عقله في هواه ويؤمن بالله، فئة قليلة العدد كثيرة الإيمان والخطر، فأنت ترى أن مراتب الناس ثلاثة: منهم من شرب وعب بفمه، ومنهم من لم يتذوقه أصلا، ومنهم من اغترف بيده غرفة.
فلما جاوز النهر هو والذين معه من المؤمنين الصادقين (أما غيرهم فقد استهواهم الماء العذب فأخذوا يشربون ويطربون ثم لحقوا بهم آخر الأمر).
قال بعض الجيش ممن شرب لما رأى جند الأعداء وكثرة عددهم وتفوقهم: لا قدرة لنا اليوم ولا طاقة بمحاربة الأعداء ومناضلتهم فضلا عن التغلب عليهم، وقال المؤمنون الذين يظنون أنهم ملاقو الله فمجازيهم على أعمالهم الذين ينتظرون إحدى الحسنيين: إما شهادة في سبيل الله، وإما نصر على الكافرين، فإن عاشوا عاشوا آمنين وإن ماتوا ماتوا شهداء مكرمين.
قالوا: لا تغرنكم أيها القوم كثرتهم، فكثيرا ما غلبت فئة قليلة العدد فئة كثيرة العدد غلبت بقوة إيمانها وإرادة ربها، وإذنه والله مع الصابرين بالتأكيد والمعونة وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا.
ولما ظهر طالوت ومن معه من المؤمنين لجالوت وجنوده وشاهدوا أمامهم من العدد والعدد وحانت ساعة الالتجاء إلى الله حقيقة حيث تتلاشى قوة البشر قالوا: ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. وهنا تجلت عظمة الله وقدرته بأجلى مظهر حتى يعتبر الناس ويتعظوا.
هزمت الفئة القليلة الفئة الكثيرة بإذن الله وإرادته وقتل داود (وكان فتى في الجيش قويّا جلدا) جالوت، وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء من العلوم إنه على كل شيء قدير.
والحرب سنّة طبيعية في الخلق من يوم أن اقتتل ابني آدم وهي على ما فيها من ضرر وخطر لا تخلو من نفع وخير إذ لولا أن الله يدفع الناس بعضهم ببعض، ويسلط جماعة على جماعة لفسدت الأرض وعمت الفوضى، وانتشر الظلم وهدّمت أماكن العبادة التي يذكر فيها اسم الله، ولكن الله ذو فضل على الناس جميعا حيث يسلط على الظالم من يبيده ويهلكه، فإذا نبت ظالم آخر أرسل له من يفتك به، وهكذا ينصر الله رسله بالغيب.
تلك آيات الله نتلوها عليك يا محمد دالة على صدقك وأنك رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين، والله أعلم.
فلما جاوز النهر هو والذين معه من المؤمنين الصادقين (أما غيرهم فقد استهواهم الماء العذب فأخذوا يشربون ويطربون ثم لحقوا بهم آخر الأمر).
قال بعض الجيش ممن شرب لما رأى جند الأعداء وكثرة عددهم وتفوقهم: لا قدرة لنا اليوم ولا طاقة بمحاربة الأعداء ومناضلتهم فضلا عن التغلب عليهم، وقال المؤمنون الذين يظنون أنهم ملاقو الله فمجازيهم على أعمالهم الذين ينتظرون إحدى الحسنيين: إما شهادة في سبيل الله، وإما نصر على الكافرين، فإن عاشوا عاشوا آمنين وإن ماتوا ماتوا شهداء مكرمين.
قالوا: لا تغرنكم أيها القوم كثرتهم، فكثيرا ما غلبت فئة قليلة العدد فئة كثيرة العدد غلبت بقوة إيمانها وإرادة ربها، وإذنه والله مع الصابرين بالتأكيد والمعونة وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا.
ولما ظهر طالوت ومن معه من المؤمنين لجالوت وجنوده وشاهدوا أمامهم من العدد والعدد وحانت ساعة الالتجاء إلى الله حقيقة حيث تتلاشى قوة البشر قالوا: ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. وهنا تجلت عظمة الله وقدرته بأجلى مظهر حتى يعتبر الناس ويتعظوا.
هزمت الفئة القليلة الفئة الكثيرة بإذن الله وإرادته وقتل داود (وكان فتى في الجيش قويّا جلدا) جالوت، وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء من العلوم إنه على كل شيء قدير.
والحرب سنّة طبيعية في الخلق من يوم أن اقتتل ابني آدم وهي على ما فيها من ضرر وخطر لا تخلو من نفع وخير إذ لولا أن الله يدفع الناس بعضهم ببعض، ويسلط جماعة على جماعة لفسدت الأرض وعمت الفوضى، وانتشر الظلم وهدّمت أماكن العبادة التي يذكر فيها اسم الله، ولكن الله ذو فضل على الناس جميعا حيث يسلط على الظالم من يبيده ويهلكه، فإذا نبت ظالم آخر أرسل له من يفتك به، وهكذا ينصر الله رسله بالغيب.
تلك آيات الله نتلوها عليك يا محمد دالة على صدقك وأنك رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين، والله أعلم.
164
درجات الأنبياء وطبيعة الناس في اتباعهم [سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٣]
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (٢٥٣)
المفردات:
الْبَيِّناتِ: الآيات الواضحات الدالات على رسالته. وَأَيَّدْناهُ: قويناه.
بِرُوحِ الْقُدُسِ: هو جبريل- عليه السلام- وقيل: المراد روحه، على معنى:
وأيدناه بالروح المقدسة، أى: الطاهرة.
ضرب الله الأمثال وقص بعض القصص وختم ذلك بقوله- تعالى-: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ.
ثم استأنف كلاما جديدا يظهر به فضل النبي صلّى الله عليه وسلّم على الأنبياء مع تسليته ببيان طبائع الناس في اتباع الأنبياء قديما وحديثا.
المعنى:
أشار القرآن الكريم إلى من تقدم الكلام عليهم من الرسل الكرام بإشارة البعيد لعلو مكانتهم وسمو درجتهم، وقد فضل بعضهم على بعض بتخصيصه بمفخرة ليست لغيره.
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (٢٥٣)
المفردات:
الْبَيِّناتِ: الآيات الواضحات الدالات على رسالته. وَأَيَّدْناهُ: قويناه.
بِرُوحِ الْقُدُسِ: هو جبريل- عليه السلام- وقيل: المراد روحه، على معنى:
وأيدناه بالروح المقدسة، أى: الطاهرة.
ضرب الله الأمثال وقص بعض القصص وختم ذلك بقوله- تعالى-: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ.
ثم استأنف كلاما جديدا يظهر به فضل النبي صلّى الله عليه وسلّم على الأنبياء مع تسليته ببيان طبائع الناس في اتباع الأنبياء قديما وحديثا.
المعنى:
أشار القرآن الكريم إلى من تقدم الكلام عليهم من الرسل الكرام بإشارة البعيد لعلو مكانتهم وسمو درجتهم، وقد فضل بعضهم على بعض بتخصيصه بمفخرة ليست لغيره.
165
منهم من شرفه بالكلام مشافهة كموسى- عليه السلام-: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [سورة النساء آية ١٦٤]. وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [سورة الأعراف آية ١٤٣].
ورفع بعض الأنبياء على من عداه درجات في الفضل والشرف- الله أعلم بها- وآتى الله عيسى ابن مريم الآيات الواضحات: كتكليمه في المهد وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وأيده بروح القدس جبريل مع روحه الطاهرة ونفسه الصافية.
وإنما خص عيسى- عليه السلام- بهذه الأوصاف لاختلاف اليهود والنصارى فيه، فاليهود حطت من شأنه واتهمته واتهمت أمه، والنصارى رفعته إلى درجة الألوهية، فقيل ردا عليهم ولبيان أنهم فرّطوا وأفرطوا: عيسى ابن مريم مرّ بأدوار الطفولة والحمل وغيره يأكل ويشرب، أفيليق أن يكون إلها؟، ولكنه مؤيد من عند الله بالآيات الواضحات وروح القدس ولذا تكلّم في المهد إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا [سورة المائدة آية ١١٠] فهو نبىّ مرسل كريم على الله فلا يليق بكم أيها اليهود أن تنالوا منه وتحطوا من شأنه.
أما من رفعه إلى درجات الفضل فالظاهر أنه محمد صلّى الله عليه وسلّم لعموم رسالته وأنه أرسل رحمة للعالمين وخاتم الأنبياء والمرسلين وأن معجزته القرآن،
ولقوله صلّى الله عليه وسلّم «بعثت إلى الأحمر والأسود، وجعلت لي الأرض مسجدا، وتربتها طهورا، ونصرت بالرعب من مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، وأعطيت الشفاعة».
والذي يؤيد هذا أن القرآن خاطب أمم الأنبياء ولم يكن هناك إلا أمة اليهود والنصارى والمسلمين فهذا موسى نبي اليهود، وهذا عيسى، وبقي الفرد العلم الذي لا يحتاج إلى ما يعيّنه والذي رفعه الله درجات ودرجات ولا حرج على فضل الله.
ولو شاء الله عدم قتال الذين جاءوا من بعد الرسل من بعد ما جاءتهم البينات والمعجزات ما اقتتلوا، ولكن لم يشأ عدم اقتتالهم لأنه خلق الإنسان وكرّمه بالعقل والإدراك، وكل إنسان يختلف عن الآخر، ولم يجعل قبول الدين ومبادئه بالطبيعة والفطرة من غير تفكير ونظر، وإلا لكان الناس أمة واحدة كلهم مؤمنون أو كلهم كافرون، ولهذا اختلفوا اختلافا بينا في قبول الدين، فمنهم من آمن ومنهم من كفر.
ورفع بعض الأنبياء على من عداه درجات في الفضل والشرف- الله أعلم بها- وآتى الله عيسى ابن مريم الآيات الواضحات: كتكليمه في المهد وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وأيده بروح القدس جبريل مع روحه الطاهرة ونفسه الصافية.
وإنما خص عيسى- عليه السلام- بهذه الأوصاف لاختلاف اليهود والنصارى فيه، فاليهود حطت من شأنه واتهمته واتهمت أمه، والنصارى رفعته إلى درجة الألوهية، فقيل ردا عليهم ولبيان أنهم فرّطوا وأفرطوا: عيسى ابن مريم مرّ بأدوار الطفولة والحمل وغيره يأكل ويشرب، أفيليق أن يكون إلها؟، ولكنه مؤيد من عند الله بالآيات الواضحات وروح القدس ولذا تكلّم في المهد إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا [سورة المائدة آية ١١٠] فهو نبىّ مرسل كريم على الله فلا يليق بكم أيها اليهود أن تنالوا منه وتحطوا من شأنه.
أما من رفعه إلى درجات الفضل فالظاهر أنه محمد صلّى الله عليه وسلّم لعموم رسالته وأنه أرسل رحمة للعالمين وخاتم الأنبياء والمرسلين وأن معجزته القرآن،
ولقوله صلّى الله عليه وسلّم «بعثت إلى الأحمر والأسود، وجعلت لي الأرض مسجدا، وتربتها طهورا، ونصرت بالرعب من مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، وأعطيت الشفاعة».
والذي يؤيد هذا أن القرآن خاطب أمم الأنبياء ولم يكن هناك إلا أمة اليهود والنصارى والمسلمين فهذا موسى نبي اليهود، وهذا عيسى، وبقي الفرد العلم الذي لا يحتاج إلى ما يعيّنه والذي رفعه الله درجات ودرجات ولا حرج على فضل الله.
ولو شاء الله عدم قتال الذين جاءوا من بعد الرسل من بعد ما جاءتهم البينات والمعجزات ما اقتتلوا، ولكن لم يشأ عدم اقتتالهم لأنه خلق الإنسان وكرّمه بالعقل والإدراك، وكل إنسان يختلف عن الآخر، ولم يجعل قبول الدين ومبادئه بالطبيعة والفطرة من غير تفكير ونظر، وإلا لكان الناس أمة واحدة كلهم مؤمنون أو كلهم كافرون، ولهذا اختلفوا اختلافا بينا في قبول الدين، فمنهم من آمن ومنهم من كفر.
166
فاقتضت الحكمة الإلهية مشيئة اقتتالهم فاقتتلوا بما ركب فيهم من دواعي الاختلاف والشقاق.
ولو شاء عدم قتالهم بعد اختلاف ميولهم ونزعاتهم ما اقتتلوا، ولكن الله يفعل ما يريد ويحكم بما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، وهو على كل شيء قدير وهو العزيز الحكيم.
وقد اختلف اليهود واقتتلوا، وكذلك النصارى، وها هم المسلمون بعد أن كانوا يدا واحدة أصبحوا فرقا متنازعين متقاتلين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [سورة النساء آية ٥٩].
في الحث على الإنفاق [سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)
المفردات:
(بيع) البيع المراد به: الكسب بأى نوع من أنواع المبادلة والمعاوضة. خُلَّةٌ الخلة: الصداقة والمحبة، والمراد لازمها من الكسب كالصلة والهدية والوصية.
شَفاعَةٌ الشفاعة: المراد لازمها من الكسب.
المعنى:
سبق أن تعرض القرآن الكريم للإنفاق بأسلوب فيه لطف كثير وبلاغة لقوم يؤثر فيهم
ولو شاء عدم قتالهم بعد اختلاف ميولهم ونزعاتهم ما اقتتلوا، ولكن الله يفعل ما يريد ويحكم بما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، وهو على كل شيء قدير وهو العزيز الحكيم.
وقد اختلف اليهود واقتتلوا، وكذلك النصارى، وها هم المسلمون بعد أن كانوا يدا واحدة أصبحوا فرقا متنازعين متقاتلين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [سورة النساء آية ٥٩].
في الحث على الإنفاق [سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)
المفردات:
(بيع) البيع المراد به: الكسب بأى نوع من أنواع المبادلة والمعاوضة. خُلَّةٌ الخلة: الصداقة والمحبة، والمراد لازمها من الكسب كالصلة والهدية والوصية.
شَفاعَةٌ الشفاعة: المراد لازمها من الكسب.
المعنى:
سبق أن تعرض القرآن الكريم للإنفاق بأسلوب فيه لطف كثير وبلاغة لقوم يؤثر فيهم
167
أمثال هذا الكلام مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً «١» وهناك من يفعل الخير خوفا من عقابه وطلبا لثوابه، فهؤلاء خوطبوا بتلك الآية وأمثالها.
يا أيها الذين آمنوا واتصفوا بهذا الوصف العالي وهو الإيمان: بادروا إلى الإنفاق في سبيل الله مما تناله أيديكم ابتغاء مرضاة الله وطلبا لرضوانه، وأنتم الآن في فسحة من العمل وغدا سيأتى يوم لا تتمكنون فيه من الإنفاق أصلا مع أنه مطلوب إذ لا بيع في ذلك اليوم ولا شراء ولا كسب بأى نوع من أنواع المبادلة، ولا يوجد ما يناله الإنسان من الصداقة والخلة والشفاعة، فهذا هو يوم الجزاء والثواب والعقاب يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، يوم يظهر فيه فقر العباد إلى الواحد القهار والكافرون نعمة الله الجاحدون حقوق المال المشروعة هم الظالمون لأنفسهم فقط، هم الذين يمهدون للأفكار السامّة والمذاهب الهدامة حتى تغزو الشرق المسلم، ألم يقل الرسول صلّى الله عليه وسلّم
«حصنوا أموالكم بالزكاة» «٢»
ولا حصن لها أقوى من أن يعرف الفقير أن له حقّا معلوما في مال الغنى.
والمراد الإنفاق الواجب بدليل الوعيد الشديد، والدين يطالب بإنفاق القليل مما جعلكم مستخلفين فيه، فإنه ما آل إليكم إلا بعد أن خرج من يد غيركم أساءوا التصرف فيه ولم يحصنوه، فكانوا كافرين بنعمة الله ظالمين لأنفسهم.
أمن الحكمة أن يرى الأغنياء الأمة وقد تكاتفت عليها الأعداء الثلاثة من فقر وجهل ومرض، ثم هم يبذّرون المال ذات اليمين وذات اليسار في الخارج وعلى موائد القمار وفي الليالى الحمراء ويعرف الجميع هذا؟ ثم يقول الناس: إنهم يحاربون الأفكار الهدامة كالشيوعية وغيرها.
لا يا قوم إن أسلحة الحرب لهؤلاء الأعداء هي القوانين الإسلامية والحدود الشرعية، والإنفاق في سبيل الله أمضى سلاحا وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ «٣».
يا أيها الذين آمنوا واتصفوا بهذا الوصف العالي وهو الإيمان: بادروا إلى الإنفاق في سبيل الله مما تناله أيديكم ابتغاء مرضاة الله وطلبا لرضوانه، وأنتم الآن في فسحة من العمل وغدا سيأتى يوم لا تتمكنون فيه من الإنفاق أصلا مع أنه مطلوب إذ لا بيع في ذلك اليوم ولا شراء ولا كسب بأى نوع من أنواع المبادلة، ولا يوجد ما يناله الإنسان من الصداقة والخلة والشفاعة، فهذا هو يوم الجزاء والثواب والعقاب يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، يوم يظهر فيه فقر العباد إلى الواحد القهار والكافرون نعمة الله الجاحدون حقوق المال المشروعة هم الظالمون لأنفسهم فقط، هم الذين يمهدون للأفكار السامّة والمذاهب الهدامة حتى تغزو الشرق المسلم، ألم يقل الرسول صلّى الله عليه وسلّم
«حصنوا أموالكم بالزكاة» «٢»
ولا حصن لها أقوى من أن يعرف الفقير أن له حقّا معلوما في مال الغنى.
والمراد الإنفاق الواجب بدليل الوعيد الشديد، والدين يطالب بإنفاق القليل مما جعلكم مستخلفين فيه، فإنه ما آل إليكم إلا بعد أن خرج من يد غيركم أساءوا التصرف فيه ولم يحصنوه، فكانوا كافرين بنعمة الله ظالمين لأنفسهم.
أمن الحكمة أن يرى الأغنياء الأمة وقد تكاتفت عليها الأعداء الثلاثة من فقر وجهل ومرض، ثم هم يبذّرون المال ذات اليمين وذات اليسار في الخارج وعلى موائد القمار وفي الليالى الحمراء ويعرف الجميع هذا؟ ثم يقول الناس: إنهم يحاربون الأفكار الهدامة كالشيوعية وغيرها.
لا يا قوم إن أسلحة الحرب لهؤلاء الأعداء هي القوانين الإسلامية والحدود الشرعية، والإنفاق في سبيل الله أمضى سلاحا وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ «٣».
(١) سورة البقرة آية ٢٤٥.
(٢) رواه البيهقي في السنن الكبرى ٣/ ٣٨٢.
(٣) سورة البقرة آية ٢٧٢. [.....]
(٢) رواه البيهقي في السنن الكبرى ٣/ ٣٨٢.
(٣) سورة البقرة آية ٢٧٢. [.....]
168
آية الكرسي [سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٥]
اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥)
المفردات:
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: لا معبود بحق في الوجود إلا هو. الْحَيُّ: ذو الحياة وهي مبدأ الشعور والإدراك والنمو والحركة، والمراد هنا بالحياة مبدأ العلم والإرادة والقدرة. الْقَيُّومُ: دائم القيام بتدبير خلقه وحفظهم ورعايتهم. سِنَةٌ السنة:
ما يتقدم النوم من الفتور. نَوْمٌ النوم: حالة تعرض للحيوان تمنع من الحس والشعور. كُرْسِيُّهُ الكرسي: ما يجلس عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد.
يَؤُدُهُ: يثقله ويشق عليه.
المعنى:
الله لا إله يعبد بحق في الوجود إلا هو، إذ الإله الحق هو الذي يعبد بحق وهو واحد، والآلهة التي تعبد بغير حق كثيرة جدّا، فالله منفرد بالألوهية موصوف بالحياة الأبدية، واجب الوجود، الحىّ الذي لا يموت، القائم بذاته على تدبير خلقه، المخالف لهم في كل صفاتهم مما يعترى الحوادث، لا تغلبه ولا تستولى عليه سنة ولا نوم، مالك الملك
اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥)
المفردات:
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: لا معبود بحق في الوجود إلا هو. الْحَيُّ: ذو الحياة وهي مبدأ الشعور والإدراك والنمو والحركة، والمراد هنا بالحياة مبدأ العلم والإرادة والقدرة. الْقَيُّومُ: دائم القيام بتدبير خلقه وحفظهم ورعايتهم. سِنَةٌ السنة:
ما يتقدم النوم من الفتور. نَوْمٌ النوم: حالة تعرض للحيوان تمنع من الحس والشعور. كُرْسِيُّهُ الكرسي: ما يجلس عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد.
يَؤُدُهُ: يثقله ويشق عليه.
المعنى:
الله لا إله يعبد بحق في الوجود إلا هو، إذ الإله الحق هو الذي يعبد بحق وهو واحد، والآلهة التي تعبد بغير حق كثيرة جدّا، فالله منفرد بالألوهية موصوف بالحياة الأبدية، واجب الوجود، الحىّ الذي لا يموت، القائم بذاته على تدبير خلقه، المخالف لهم في كل صفاتهم مما يعترى الحوادث، لا تغلبه ولا تستولى عليه سنة ولا نوم، مالك الملك
والملكوت ذو العرش والجبروت، له ما في السموات والأرض، ذو البطش الشديد، فعال لما يريد، يوم يأتى لا تكلم نفس إلا بإذنه، من ذا الذي يشفع عنده إلا بأمره، فعال لما يريد، يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه، من ذا الذي يشفع عنده إلا بأمره، والمناعة؟ العالم وحده بالخفيات يعلم الكليات والجزئيات، ولا يطلع على علمه أحدا إلا من شاء، ولا يحيط بعلمه أحد إلا بما شاء،
ولقد صدق الخضر- عليه السلام- فيما روى عنه إذ قال لموسى- عليه السلام- حيث نقر العصفور في البحر: «ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر».
واسع الملك والقدرة، والأرض جميعا في قبضته والسموات مطويات بيمينه، فلا الكرسي ولا القبضة ولا اليمين وإنما هو تصوير وتمثيل لعظمته، وقدرته، وتمام ملكه وسعة علمه، سبحانه وتعالى!! لا يشغله شأن عن شأن ولا يشق عليه أمر دون أمر، متعال عن الأوهام والظنون القاهر لا يغلب، العظيم لا تحيط به الأفهام والعقول، جل شأنه لا يعرف كنهه إلا هو- سبحانه وتعالى- وهذه آية الكرسي وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة،
روى عن على بن أبى طالب: سمعت نبيكم صلّى الله عليه وسلّم على أعواد المنبر وهو يقول: من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ولا يواظب عليها إلا صدّيق أو عابد، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله.
الدخول في الدين والولاية على الناس [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٥٦ الى ٢٥٧]
لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧)
ولقد صدق الخضر- عليه السلام- فيما روى عنه إذ قال لموسى- عليه السلام- حيث نقر العصفور في البحر: «ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر».
واسع الملك والقدرة، والأرض جميعا في قبضته والسموات مطويات بيمينه، فلا الكرسي ولا القبضة ولا اليمين وإنما هو تصوير وتمثيل لعظمته، وقدرته، وتمام ملكه وسعة علمه، سبحانه وتعالى!! لا يشغله شأن عن شأن ولا يشق عليه أمر دون أمر، متعال عن الأوهام والظنون القاهر لا يغلب، العظيم لا تحيط به الأفهام والعقول، جل شأنه لا يعرف كنهه إلا هو- سبحانه وتعالى- وهذه آية الكرسي وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة،
روى عن على بن أبى طالب: سمعت نبيكم صلّى الله عليه وسلّم على أعواد المنبر وهو يقول: من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ولا يواظب عليها إلا صدّيق أو عابد، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله.
الدخول في الدين والولاية على الناس [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٥٦ الى ٢٥٧]
لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧)
170
المفردات:
لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ: لا جبر ولا إلجاء على الدخول في الدين. الرُّشْدُ:
رشد يرشد رشدا إذا بلغ ما يجب، والرّشد: الهدى، ومثله الرشاد مستعمل في الخير، وضده الغىّ، يقال: غوى يغوى: إذا ضل في معتقد أو رأى. بِالطَّاغُوتِ من الطغيان: مجاوزة الحد في الشيء، ويطلق على الشيطان، وعلى كل ما يعبد من دون الله لأنه أساس الطغيان ومجاوزة الحد. بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى العروة من الدلو والكوز: المقبض، ومن الشجر: الملتف، والوثقى: مؤنث الأوثق، وهو ما يعول الناس عليه عند المحل والأقرب أن يراد بالعروة الوثقى الشجر الملتف فهي التي لا ينقطع مددها عند القحط والجدب. لَا انْفِصامَ لَها: لا انقطاع لها. وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا: يتولى أمورهم بالرعاية والعناية.
سبب النزول:
روى أن أبا الحصين من بنى سالم بن عوف كان له ابنان فتنصرا قبل مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم قدما إلى المدينة فلزمهما أبوهما وقال: لا أدعكما حتى تسلما، فاختصما إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال أبوهما: أيدخل بعضى النار وأنا أنظر؟ فنزلت الآية، فخلّى سبيلهما.
المعنى:
بعد ذكر هذه الصفات الجليلة التي لا تكون إلا لله الواحد الأحد والنعوت الموجبة للإيمان به وحده، لا يصح أن يكون هناك إلجاء وقسر على الدخول في الدين أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩ من سورة يونس)، الآن حصحص الحق وظهر، وتبين الرشد من الغي ووضح، فلا إكراه ولا إلجاء لأن الإيمان اعتقاد قلبي ولا سبيل لأحد على قلوب الناس وقد وضحت الآيات الدالات على صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم فيما يدعيه عن ربه، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فقولهم: إن الإسلام قام بالسيف دعوى باطلة إذ المسلمون قبل الهجرة كانوا يخفون صلاتهم ولا يقدرون على مجاهرة الكفار، وقد نزلت هذه الآية بعد الهجرة بثلاث سنين تقريبا وهي تثبت أنه لا إكراه في الدين.
لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ: لا جبر ولا إلجاء على الدخول في الدين. الرُّشْدُ:
رشد يرشد رشدا إذا بلغ ما يجب، والرّشد: الهدى، ومثله الرشاد مستعمل في الخير، وضده الغىّ، يقال: غوى يغوى: إذا ضل في معتقد أو رأى. بِالطَّاغُوتِ من الطغيان: مجاوزة الحد في الشيء، ويطلق على الشيطان، وعلى كل ما يعبد من دون الله لأنه أساس الطغيان ومجاوزة الحد. بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى العروة من الدلو والكوز: المقبض، ومن الشجر: الملتف، والوثقى: مؤنث الأوثق، وهو ما يعول الناس عليه عند المحل والأقرب أن يراد بالعروة الوثقى الشجر الملتف فهي التي لا ينقطع مددها عند القحط والجدب. لَا انْفِصامَ لَها: لا انقطاع لها. وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا: يتولى أمورهم بالرعاية والعناية.
سبب النزول:
روى أن أبا الحصين من بنى سالم بن عوف كان له ابنان فتنصرا قبل مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم قدما إلى المدينة فلزمهما أبوهما وقال: لا أدعكما حتى تسلما، فاختصما إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال أبوهما: أيدخل بعضى النار وأنا أنظر؟ فنزلت الآية، فخلّى سبيلهما.
المعنى:
بعد ذكر هذه الصفات الجليلة التي لا تكون إلا لله الواحد الأحد والنعوت الموجبة للإيمان به وحده، لا يصح أن يكون هناك إلجاء وقسر على الدخول في الدين أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩ من سورة يونس)، الآن حصحص الحق وظهر، وتبين الرشد من الغي ووضح، فلا إكراه ولا إلجاء لأن الإيمان اعتقاد قلبي ولا سبيل لأحد على قلوب الناس وقد وضحت الآيات الدالات على صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم فيما يدعيه عن ربه، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فقولهم: إن الإسلام قام بالسيف دعوى باطلة إذ المسلمون قبل الهجرة كانوا يخفون صلاتهم ولا يقدرون على مجاهرة الكفار، وقد نزلت هذه الآية بعد الهجرة بثلاث سنين تقريبا وهي تثبت أنه لا إكراه في الدين.
171
وما حصل من الحرب فهو من النوع الدفاعى حتى يكف المشركون عن فتنة المسلمين ويتركوا الناس أحرارا، ولذلك رضى المسلمون بإظهار الإسلام أو دفع الجزية وفتح مصر وبعض البلاد بالسيف كان لإيصال حجة الإسلام إلى الشعب بدون إكراه بدليل قبول الجزية أو الدخول في الإسلام فمن يكفر بالأصنام وكل ما يعبد من دون الله ويؤمن بالله الواجب الوجود فقد بالغ في التمسك بالعروة الوثقى المأمون انقطاعها، فكأنه يقول: إن المبالغ في التمسك بهذا الحق والرشد كمن يأوى بإبله إلى ذلك الشجر الملتف الكثير الذي لا ينقطع مدده ولا يفنى غذاؤه والإيمان بالله مما ينطق به اللسان ويعتقده القلب، ولذا كان تذييل الآية: سميع بالأقوال، عليم بالمعتقدات والأفعال.
الله ولى الذين آمنوا يتولى أمورهم ويهديهم طريقهم، ولا ولى لهم ولا سلطان لأحد على اعتقادهم إلا المولى- جل شأنه- فهو يرشدهم إلى الصراط المستقيم ويخرجهم من ظلمات الشك والشبهة إلى نور العلم والمعرفة واليقين والذين كفروا بالله ورسوله أولياؤهم الطاغوت، فإن مس قلوبهم شيء من نور اليقين والتوفيق أسرع الشيطان وما يعبدونه- إن كان حيا أو سدنته وخدمه إن كان صنما- أسرعوا جميعا إلى إزالة النور والحق وإخراج الكفار من النور إلى ظلمات الكفر والنفاق والشك والضلال، أولئك الذين بعدوا جدا في الضلال وأولئك أصحاب النار الملازمون لها هم فيها خالدون.
من غرور الكافرين بالله أو قصة نمرود [سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٨]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨)
الله ولى الذين آمنوا يتولى أمورهم ويهديهم طريقهم، ولا ولى لهم ولا سلطان لأحد على اعتقادهم إلا المولى- جل شأنه- فهو يرشدهم إلى الصراط المستقيم ويخرجهم من ظلمات الشك والشبهة إلى نور العلم والمعرفة واليقين والذين كفروا بالله ورسوله أولياؤهم الطاغوت، فإن مس قلوبهم شيء من نور اليقين والتوفيق أسرع الشيطان وما يعبدونه- إن كان حيا أو سدنته وخدمه إن كان صنما- أسرعوا جميعا إلى إزالة النور والحق وإخراج الكفار من النور إلى ظلمات الكفر والنفاق والشك والضلال، أولئك الذين بعدوا جدا في الضلال وأولئك أصحاب النار الملازمون لها هم فيها خالدون.
من غرور الكافرين بالله أو قصة نمرود [سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٨]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨)
172
المفردات:
أَلَمْ تَرَ: تركيب فيه استفهام ونفى، والمعنى: يجب أن ينتهى علمك إلى الذي حاج فإن أمره من الظهور بحيث لا يخفى على أحد من المخاطبين. فَبُهِتَ: تحير ودهش.
المعنى:
الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات، وهاك بعض القصص التي تثبت ذلك بوضوح.
ألم ينته علمك أيها المخاطب إلى الذي أعطاه الله الملك فلم يحسن الشكر بل أبطرته النعمة وجعلته يطغى وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ «١» فما كان سببا في الطاعة جعل سببا في المعصية، هذا نمرود اتخذ الطاغوت وليّا وحاج إبراهيم- عليه السلام- في ربه حيث قال له: من ربك الذي تدعو إليه؟ قال إبراهيم: ربي الذي يفيض على الخلق نعمة الحياة والموت فهو الذي يحيى ويميت، أى: ينشئ الحياة والموت، فما كان منه إلا أن قال: أنا أحيى بعض الخلق بالعفو عنهم وأميت البعض الآخر بالقتل وأحضر رجلين عفا عن أحدهما وقتل الآخر، وهذا كلام لا يعبأ به ولا يلتفت إليه، إذ المراد إنشاء الحياة وتكوينها لا التسبب فيها، لذا مثل له بمثال أوضح وأظهر فقال: ربي أبدع الكون ونظمه وجعل الشمس تشرق من المشرق وتغرب من المغرب فأت بها أنت أيها المغرور المدعى من المغرب إن كنت قادرا على ذلك؟ فغلبه إبراهيم وأسكته حتى بهت والله لا يهدى الظالمين لأنفسهم إلى طريق الخير أبدا لأنهم لم يتخذوا الله وليّا، وهذه من الآيات على وجود الله.
أَلَمْ تَرَ: تركيب فيه استفهام ونفى، والمعنى: يجب أن ينتهى علمك إلى الذي حاج فإن أمره من الظهور بحيث لا يخفى على أحد من المخاطبين. فَبُهِتَ: تحير ودهش.
المعنى:
الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات، وهاك بعض القصص التي تثبت ذلك بوضوح.
ألم ينته علمك أيها المخاطب إلى الذي أعطاه الله الملك فلم يحسن الشكر بل أبطرته النعمة وجعلته يطغى وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ «١» فما كان سببا في الطاعة جعل سببا في المعصية، هذا نمرود اتخذ الطاغوت وليّا وحاج إبراهيم- عليه السلام- في ربه حيث قال له: من ربك الذي تدعو إليه؟ قال إبراهيم: ربي الذي يفيض على الخلق نعمة الحياة والموت فهو الذي يحيى ويميت، أى: ينشئ الحياة والموت، فما كان منه إلا أن قال: أنا أحيى بعض الخلق بالعفو عنهم وأميت البعض الآخر بالقتل وأحضر رجلين عفا عن أحدهما وقتل الآخر، وهذا كلام لا يعبأ به ولا يلتفت إليه، إذ المراد إنشاء الحياة وتكوينها لا التسبب فيها، لذا مثل له بمثال أوضح وأظهر فقال: ربي أبدع الكون ونظمه وجعل الشمس تشرق من المشرق وتغرب من المغرب فأت بها أنت أيها المغرور المدعى من المغرب إن كنت قادرا على ذلك؟ فغلبه إبراهيم وأسكته حتى بهت والله لا يهدى الظالمين لأنفسهم إلى طريق الخير أبدا لأنهم لم يتخذوا الله وليّا، وهذه من الآيات على وجود الله.
(١) سورة الواقعة آية ٨٢.
173
قصة العزير وحماره [سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٩]
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩)
المفردات:
قَرْيَةٍ القرية: الضيعة، وفيها معنى الاجتماع. خاوِيَةٌ: خالية، أو ساقطة. والعروش: السقوف. أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها: استبعاد منه للإحياء بعد الموت، والمراد بالإحياء: عمارتها بالبناء والسكان، وبموتها خرابها. لَمْ يَتَسَنَّهْ: لم يتغير. نُنْشِزُها: نرفع بعضها إلى بعض ونردها إلى أماكنها من الجسد.
المعنى:
قصة أخرى تثبت كيف يتولى الله بعض الخلق فيهديه إلى الطريق المستقيم.
أو رأيت إلى الذي مر على قرية وهي خالية من السكان قد سقطت حيطانها على عروشها ولم يبق بها أثر لحياة.
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩)
المفردات:
قَرْيَةٍ القرية: الضيعة، وفيها معنى الاجتماع. خاوِيَةٌ: خالية، أو ساقطة. والعروش: السقوف. أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها: استبعاد منه للإحياء بعد الموت، والمراد بالإحياء: عمارتها بالبناء والسكان، وبموتها خرابها. لَمْ يَتَسَنَّهْ: لم يتغير. نُنْشِزُها: نرفع بعضها إلى بعض ونردها إلى أماكنها من الجسد.
المعنى:
قصة أخرى تثبت كيف يتولى الله بعض الخلق فيهديه إلى الطريق المستقيم.
أو رأيت إلى الذي مر على قرية وهي خالية من السكان قد سقطت حيطانها على عروشها ولم يبق بها أثر لحياة.
قال: مستبعدا عمارتها بعد خرابها مستعظما قدرة الله متشوقا لعمارتها: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها ولما دخل القرية وهي خالية من سكانها وقال ما قال وكانت أشجارها قد أثمرت تينا وعنبا ربط حماره وأكل من ثمرها ونام.
لما حصل منه هذا أماته الله مائة عام ثم رد له الحياة وبعثه على سبيل السرعة والسهولة حتى كأنه كان نائما ثم استيقظ، قيل له: كم وقتا لبثته؟ وإنما سئل هذا السؤال ليظهر عجزه عن إحاطته بشئونه تعالى.
قال: لبثت يوما أو بعض يوم بناء على التقريب وتقليل المدة، فقيل له: ما لبثت هذا القدر بل لبثت مائة عام، فانظر لترى دلائل قدرتنا: انظر إلى طعامك وشرابك الذي بقي مائة عام لم يتغير ولم يفسد مع سرعة فساد أمثاله، وانظر إلى حمارك كيف نخرت عظامه وتقطعت أوصاله لترى كيف تطاول الزمن عليك وعليه وأنت نائم، فعلنا ما فعلناه لتعاين ما استبعدته من الإحياء، ولنجعلك آية دالة على تمام قدرتنا على البعث يوم القيامة: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ. «١»
وانظر إلى عظام الحمار لتشاهد كيفية الإحياء في غيرك، فها هي العظام نرفع بعضها إلى بعض ونردها إلى أماكنها من الجسد فنركبها تركيبا وثيقا محكما، ثم نكسوها لحما طريا يسترها كما يستر الثوب الجسد، فلما تبين له أن الله على كل شيء قدير قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير.
وهذا المثال من آيات الله الدالة على البعث [سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٠]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)
لما حصل منه هذا أماته الله مائة عام ثم رد له الحياة وبعثه على سبيل السرعة والسهولة حتى كأنه كان نائما ثم استيقظ، قيل له: كم وقتا لبثته؟ وإنما سئل هذا السؤال ليظهر عجزه عن إحاطته بشئونه تعالى.
قال: لبثت يوما أو بعض يوم بناء على التقريب وتقليل المدة، فقيل له: ما لبثت هذا القدر بل لبثت مائة عام، فانظر لترى دلائل قدرتنا: انظر إلى طعامك وشرابك الذي بقي مائة عام لم يتغير ولم يفسد مع سرعة فساد أمثاله، وانظر إلى حمارك كيف نخرت عظامه وتقطعت أوصاله لترى كيف تطاول الزمن عليك وعليه وأنت نائم، فعلنا ما فعلناه لتعاين ما استبعدته من الإحياء، ولنجعلك آية دالة على تمام قدرتنا على البعث يوم القيامة: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ. «١»
وانظر إلى عظام الحمار لتشاهد كيفية الإحياء في غيرك، فها هي العظام نرفع بعضها إلى بعض ونردها إلى أماكنها من الجسد فنركبها تركيبا وثيقا محكما، ثم نكسوها لحما طريا يسترها كما يستر الثوب الجسد، فلما تبين له أن الله على كل شيء قدير قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير.
وهذا المثال من آيات الله الدالة على البعث [سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٠]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)
(١) سورة الروم آية رقم ٢٨.
175
المفردات:
بَلى: حرف يجاب به فَصُرْهُنَّ: أملهنّ إليك واضممهن.
المعنى:
مثال ثان لولاية الله للمؤمنين ولهدايتهم إلى الطريق المستقيم، وهو من الآيات الدالات على البعث، وإنما ذكر في القرآن مثالان للبعث ومثال لوجود الله لأن منكري البعث أكثر من منكري وجود الله.
واذكر وقت قول إبراهيم: رب أرنى كيف تحيى الموتى وقد تأدب مع مولاه أدبا يليق به حيث بدأ سؤاله برب الذي يشعر بالعناية والتربية لخلقه، قال- تعالى- له وهو أعلم به: ألم يوح إليك ولم تؤمن بذلك؟ قال إبراهيم مجيبا: يا ربي قد أوحيت إلىّ وآمنت بذلك ولكن تاقت نفسي وتطلعت لأن تقف على كيفية الإحياء للموتى ليطمئن قلبي بمشاهدة العيان مع الوثوق والإيمان، ولا غرابة في ذلك فكلنا يؤمن بالأثير وعمله في نقل الأخبار والصور، وكثير منا لا يعرف كيفية ذلك وتتوق نفسه للمعرفة.
وفي رد الله عليه بقوله: أو لم تؤمن؟ إشارة إلى أن الإنسان لا يكلف بأكثر من الإيمان بأخبار الغيب الصادرة عن المولى- جل شأنه- في ذاته وصفاته ويوم القيامة وغيره.
قال تعالى: فخذ يا إبراهيم أربعة من الطير فأملهن إليك وضمهن وقطعهن قطعا ثم اجعل عل كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك ساعيات كما كانت، وهكذا يحيى الله الموتى، واعلم أن الله عزيز حكيم. هذا رأى الجمهور في الآية، وقد رأى بعضهم رأيا رجحه تفسير المنار، والظاهر- والله أعلم- أنه المناسب بطلب إبراهيم، وها هو الرأى:
خذ أربعة من الطير فأملهن إليك (والطير شديد النفور من الإنسان) حتى يأنسن بك ويمتثلن أمرك، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا، أى: واحدا من الطير ثم ادعهن يأتينك ساعيات ممتثلات بمجرد الدعوة، وهكذا يحيى الله الموتى فيقول: كونوا أحياء فيكونوا. فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فصلت ١١] إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [سورة يس آية ٨٢].
بَلى: حرف يجاب به فَصُرْهُنَّ: أملهنّ إليك واضممهن.
المعنى:
مثال ثان لولاية الله للمؤمنين ولهدايتهم إلى الطريق المستقيم، وهو من الآيات الدالات على البعث، وإنما ذكر في القرآن مثالان للبعث ومثال لوجود الله لأن منكري البعث أكثر من منكري وجود الله.
واذكر وقت قول إبراهيم: رب أرنى كيف تحيى الموتى وقد تأدب مع مولاه أدبا يليق به حيث بدأ سؤاله برب الذي يشعر بالعناية والتربية لخلقه، قال- تعالى- له وهو أعلم به: ألم يوح إليك ولم تؤمن بذلك؟ قال إبراهيم مجيبا: يا ربي قد أوحيت إلىّ وآمنت بذلك ولكن تاقت نفسي وتطلعت لأن تقف على كيفية الإحياء للموتى ليطمئن قلبي بمشاهدة العيان مع الوثوق والإيمان، ولا غرابة في ذلك فكلنا يؤمن بالأثير وعمله في نقل الأخبار والصور، وكثير منا لا يعرف كيفية ذلك وتتوق نفسه للمعرفة.
وفي رد الله عليه بقوله: أو لم تؤمن؟ إشارة إلى أن الإنسان لا يكلف بأكثر من الإيمان بأخبار الغيب الصادرة عن المولى- جل شأنه- في ذاته وصفاته ويوم القيامة وغيره.
قال تعالى: فخذ يا إبراهيم أربعة من الطير فأملهن إليك وضمهن وقطعهن قطعا ثم اجعل عل كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك ساعيات كما كانت، وهكذا يحيى الله الموتى، واعلم أن الله عزيز حكيم. هذا رأى الجمهور في الآية، وقد رأى بعضهم رأيا رجحه تفسير المنار، والظاهر- والله أعلم- أنه المناسب بطلب إبراهيم، وها هو الرأى:
خذ أربعة من الطير فأملهن إليك (والطير شديد النفور من الإنسان) حتى يأنسن بك ويمتثلن أمرك، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا، أى: واحدا من الطير ثم ادعهن يأتينك ساعيات ممتثلات بمجرد الدعوة، وهكذا يحيى الله الموتى فيقول: كونوا أحياء فيكونوا. فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فصلت ١١] إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [سورة يس آية ٨٢].
176
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ
ﴄ
ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﴅ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ
ﴆ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ
ﴇ
الإنفاق في سبيل الله وآدابه وشروطه [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦١ الى ٢٦٤]
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤)
المفردات:
بِالْمَنِّ: هو أن يعتدى على من أحسن إليه ويريه أنه أوجب بإحسانه حقّا عليه. الْأَذى: أن يتطاول عليه بسبب إنعامه. قَوْلٌ مَعْرُوفٌ: رد جميل تقبله القلوب ولا تنكره. رِئاءَ النَّاسِ: رياء لهم، يفعل الفعل لأجل أن يروه فيحمدوه. صَفْوانٍ: حجر أملس. وابِلٌ: مطر شديد. صَلْداً:
أملس ليس عليه تراب.
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤)
المفردات:
بِالْمَنِّ: هو أن يعتدى على من أحسن إليه ويريه أنه أوجب بإحسانه حقّا عليه. الْأَذى: أن يتطاول عليه بسبب إنعامه. قَوْلٌ مَعْرُوفٌ: رد جميل تقبله القلوب ولا تنكره. رِئاءَ النَّاسِ: رياء لهم، يفعل الفعل لأجل أن يروه فيحمدوه. صَفْوانٍ: حجر أملس. وابِلٌ: مطر شديد. صَلْداً:
أملس ليس عليه تراب.
177
الإنفاق في سبيل الله ركن أساسى من أسس الدين ودعامة من دعائم الدولة، فما بخلت أمة بمالها إلا حاق بها الذل والاستعباد، وسلط الله عليها الأعداء من كل جانب يتكاثرون عليها كما تتكاثر الأكلة الجياع على المائدة.
والإنفاق في سبيل الله واجبا كان أو مندوبا. ما دام في وجوه الخير ومحاربة الجهل والفقر والمرض ونشر الدين وخدمة العلم، فهو مما يطلبه الدين ويحث عليه الشرع، ولذا ترى القرآن الكريم قد تكلم عنه في عدة مواضع وحث عليه بأساليب شتى وضرب الأمثال ورغّب ورهّب وبيّن ووضّح.
المعنى:
مثل نفقة الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ولإعلاء كلمته وإسعاد الوطن وأهله كمثل حبة أنبتت سبع سيقان في كل ساق سنبلة في كل سنبلة مائة حبة، وذلك يكون في أخصب أرض وأجود تربة وأحسن بذر، ولا غرابة في ذلك، فهذا القمح والأرز تنبت الحبة فيه هذا القدر.
وهذا تصوير وتمثيل للأضعاف والإضافة في الزيادة والأجر يضاعف هذه المضاعفة أو أكثر منها لمن يشاء إذ هو الواسع الفضل الغنى الكريم العليم بكل شيء.
الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله وهذا جزاؤهم في الدنيا والآخرة إنما يستحقون ذلك بشرط ألا يتبعوا ما أنفقوا منّا على الفقير بأن يعتدّ عليه بما فعل به وألا يتبعوا ما أنفقوا بالأذى والضرر فلا يتطاول عليه المنفق ويطلب جزاء عمله.
وعدم المن والأذى مطلوب منك أيها المنفق وقت الصدقة وبعدها وإذا حرم عليك بعد الصدقة فوقتها من باب أولى، وهذا هو السر في التعبير بثم.
هؤلاء المنفقون في سبيل الله الذين لم يمتنّوا ولم يؤذوا أحدا لهم أجرهم الكامل عند ربهم ولا هم يحزنون وقت أن يحزن البخيل ويندم على إمساكه رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [سورة المنافقون آية ١٠].
كلام جميل تهدأ به نفس السائل وتردّ به، ومغفرة لإساءته في الإلحاف، خير للسائل والمسئول من صدقة يتبعها أذى وضرر إذ الصدقة شرعت لتقريب الناس بعضهم من بعض
والإنفاق في سبيل الله واجبا كان أو مندوبا. ما دام في وجوه الخير ومحاربة الجهل والفقر والمرض ونشر الدين وخدمة العلم، فهو مما يطلبه الدين ويحث عليه الشرع، ولذا ترى القرآن الكريم قد تكلم عنه في عدة مواضع وحث عليه بأساليب شتى وضرب الأمثال ورغّب ورهّب وبيّن ووضّح.
المعنى:
مثل نفقة الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ولإعلاء كلمته وإسعاد الوطن وأهله كمثل حبة أنبتت سبع سيقان في كل ساق سنبلة في كل سنبلة مائة حبة، وذلك يكون في أخصب أرض وأجود تربة وأحسن بذر، ولا غرابة في ذلك، فهذا القمح والأرز تنبت الحبة فيه هذا القدر.
وهذا تصوير وتمثيل للأضعاف والإضافة في الزيادة والأجر يضاعف هذه المضاعفة أو أكثر منها لمن يشاء إذ هو الواسع الفضل الغنى الكريم العليم بكل شيء.
الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله وهذا جزاؤهم في الدنيا والآخرة إنما يستحقون ذلك بشرط ألا يتبعوا ما أنفقوا منّا على الفقير بأن يعتدّ عليه بما فعل به وألا يتبعوا ما أنفقوا بالأذى والضرر فلا يتطاول عليه المنفق ويطلب جزاء عمله.
وعدم المن والأذى مطلوب منك أيها المنفق وقت الصدقة وبعدها وإذا حرم عليك بعد الصدقة فوقتها من باب أولى، وهذا هو السر في التعبير بثم.
هؤلاء المنفقون في سبيل الله الذين لم يمتنّوا ولم يؤذوا أحدا لهم أجرهم الكامل عند ربهم ولا هم يحزنون وقت أن يحزن البخيل ويندم على إمساكه رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [سورة المنافقون آية ١٠].
كلام جميل تهدأ به نفس السائل وتردّ به، ومغفرة لإساءته في الإلحاف، خير للسائل والمسئول من صدقة يتبعها أذى وضرر إذ الصدقة شرعت لتقريب الناس بعضهم من بعض
178
وتخفيف حدة الحسد والحقد بين الطبقات، والمن والأذى يخرجها عن وضعها الصحيح، والله واسع الفضل غنى لا يحتاج إلى عطاء الغنى، بل أوجبها تأكيدا للصلة وجلبا للمحبة والتعاطف، حليم لا يعاجل بالعقوبة لمن يستحقها.
والمن والأذى طبيعة في النفوس وغريزة في بنى الإنسان ولذا حرمهما الله بأن شرط في النفقة الشرعية خلوّها من المن والأذى وبيّن أن العدول عن الصدقة التي يتبعها أذى إلى قول معروف خير من تلك الصدقة.
ثم بعد هذا كله خاطب المؤمنين بوصف الإيمان ليكون ذلك أدعى للقبول والامتثال، وحرم عليهم المن والرياء صراحة فقال: يا أيها الذين آمنوا لا تحبطوا ثواب صدقاتكم بالمن والأذى.
فإنكم إن فعلتم ذلك كنتم كمن ينفق ماله للرياء والسمعة، والمرائى يظهر للناس أنه يريد وجه الله، وفي الواقع هو يريد وجه الناس ليقال عنه: إنه كريم وجواد وغير ذلك من أغراض الدنيا، ولذا وصفه الله بقوله: لا يؤمن بالله واليوم الآخر.
فمثل الذي يمن ويؤذى والذي يرائى كمثل حجر أصم عليه تراب وقد نزل عليه مطر شديد فذهب التراب وبقي الحجر أملس، وهكذا الذي يمن أو يرائى يلبس ثوبا غير ثوبه ثم لا يلبث أن ينكشف أمره ويتهتك ستره فيكون ما تلبس به كالتراب على الصفوان يذهب به الوابل فلا يبقى من أثره شيء.
فالذي يمن أو يرائى مذموم في الدنيا من الناس أجمعين. وأما في الآخرة فلا ثواب إلا للمخلصين الذين ينفقون ابتغاء مرضاة الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منّا ولا رياء، والله لا يهدى القوم الكافرين.
والمن والأذى طبيعة في النفوس وغريزة في بنى الإنسان ولذا حرمهما الله بأن شرط في النفقة الشرعية خلوّها من المن والأذى وبيّن أن العدول عن الصدقة التي يتبعها أذى إلى قول معروف خير من تلك الصدقة.
ثم بعد هذا كله خاطب المؤمنين بوصف الإيمان ليكون ذلك أدعى للقبول والامتثال، وحرم عليهم المن والرياء صراحة فقال: يا أيها الذين آمنوا لا تحبطوا ثواب صدقاتكم بالمن والأذى.
أفسدت بالمن ما أسديت من حسن | ليس الكريم إذا أسدى بمنّان |
فمثل الذي يمن ويؤذى والذي يرائى كمثل حجر أصم عليه تراب وقد نزل عليه مطر شديد فذهب التراب وبقي الحجر أملس، وهكذا الذي يمن أو يرائى يلبس ثوبا غير ثوبه ثم لا يلبث أن ينكشف أمره ويتهتك ستره فيكون ما تلبس به كالتراب على الصفوان يذهب به الوابل فلا يبقى من أثره شيء.
ثوب الرياء يشف عما تحته | فإذا اكتسيت به فإنك عار |
179
مثل من ينفق للرحمن والذي ينفق للشيطان [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦٥ الى ٢٦٦]
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦)
المفردات:
وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى: تثبيت أنفسهم وتمكينهم، وقيل: تصديقا مبتدأ من عند أنفسهم. جَنَّةٍ الجنة: البستان، وهي قطعة أرض تنبت فيها الأشجار حتى تغطيها ففيها معنى الاستتار. وابِلٌ: مطر كثير غزير. ضِعْفَيْنِ الضعف:
المثل. فَطَلٌّ الطل: المطر الخفيف. أَيَوَدُّ الهمزة فيه للإنكار، ويود بمعنى يحب ويتمنى. وَأَعْنابٍ الأعناب: ثمر شجر الكرم. إِعْصارٌ: ريح عاصفة تستدير في الأرض بشدة ثم ترتفع إلى السماء حاملة الغبار. نارٌ المراد: ريح فيها برد شديد وسموم يحرق الشجر.
المعنى:
ما تقدم في الذي ينفق مع المن والإيذاء أو السمعة والرياء، وما هنا أمثلة للذي ينفق في سبيل الله أو سبيل الشيطان.
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦)
المفردات:
وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى: تثبيت أنفسهم وتمكينهم، وقيل: تصديقا مبتدأ من عند أنفسهم. جَنَّةٍ الجنة: البستان، وهي قطعة أرض تنبت فيها الأشجار حتى تغطيها ففيها معنى الاستتار. وابِلٌ: مطر كثير غزير. ضِعْفَيْنِ الضعف:
المثل. فَطَلٌّ الطل: المطر الخفيف. أَيَوَدُّ الهمزة فيه للإنكار، ويود بمعنى يحب ويتمنى. وَأَعْنابٍ الأعناب: ثمر شجر الكرم. إِعْصارٌ: ريح عاصفة تستدير في الأرض بشدة ثم ترتفع إلى السماء حاملة الغبار. نارٌ المراد: ريح فيها برد شديد وسموم يحرق الشجر.
المعنى:
ما تقدم في الذي ينفق مع المن والإيذاء أو السمعة والرياء، وما هنا أمثلة للذي ينفق في سبيل الله أو سبيل الشيطان.
180
مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء رضا الله وطلبا لمغفرته وتثبيتا لأنفسهم وتمكينا لها على فعل الخير، فإن المال شقيق الروح، وإنفاقه شاق وعسير على النفس، فإذا أنفقت بعض المال لله عودت نفسك على فعل الخير وثبّتّ بعضها، أما البعض الآخر فيثبت بالجهاد بالنفس في سبيل الله كما قال- تعالى- في سورة الحجرات: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [سورة الحجرات آية ١٥].
مثلهم كبستان ذي أشجار ملتفة قد كست الأرض، وهو بمكان مرتفع متمتع بالشمس والهواء ينزل عليه المطر الغزير فيثمر ضعفين من ثمر أمثاله، وإذا نزل عليه مطر بسيط أثمر وذلك لجودة تربته ونقاء منبته.
والمعنى في هذا التمثيل: أن المنفق لله وفي سبيله ويقصد تثبيت نفسه على الخير كالجنة الجيدة التربة العظيمة الخصب، فهو يجود بقدر سعته وما في يده فإن أصابه خير كثير أنفق كثيرا وإن أصابه قليل أنفق على قدر سعته، فخيره دائم وبره لا ينقطع كالبستان يثمر مطلقا إذا نزل عليه مطر كثير أو قليل.
أما المثل الثاني: فهو لمن ينفق على عكس الأول وينفق في سبيل الشيطان ومرضاة لنفسه وهواه.
أيها المنفق لغير الله: أتود أن يكون لك جنة فيها النخيل والأعناب والزرع ومن كل صنف ولون تجرى من تحت جذورها الأنهار، لك فيها من كل الثمرات التي تشتهيها وأنت رجل كبير مسن قد أدركتك الشيخوخة وأصابك ضعف الكبر ولك ذرية من ذكور وإناث ضعفاء وصغار لا يقدرون على الكسب وتصريف أمورهم، وليس لك ولهم غير تلك الجنة، فأصابها بأمر الله ريح شديد وسموم كالنار أو أشد، أحرق الشجر وأباد الثمر وأنت في أشد الحاجة إلى نتيجة عملك وجدك في شبابك؟؟! فمن يرضى بهذا المصير الذي ينتظر كل من ينفق للرياء أو يتبع ما أنفقه بالمن والأذى.
إن من ينفق في سبيل الشيطان يظن أنه سينتفع بنفقته، كلا إنه كهذا المسن صاحب تلك الجنة، يأتى يوم القيامة فلا يجد لعمله إلا الحسرة والندامة.
مثلهم كبستان ذي أشجار ملتفة قد كست الأرض، وهو بمكان مرتفع متمتع بالشمس والهواء ينزل عليه المطر الغزير فيثمر ضعفين من ثمر أمثاله، وإذا نزل عليه مطر بسيط أثمر وذلك لجودة تربته ونقاء منبته.
والمعنى في هذا التمثيل: أن المنفق لله وفي سبيله ويقصد تثبيت نفسه على الخير كالجنة الجيدة التربة العظيمة الخصب، فهو يجود بقدر سعته وما في يده فإن أصابه خير كثير أنفق كثيرا وإن أصابه قليل أنفق على قدر سعته، فخيره دائم وبره لا ينقطع كالبستان يثمر مطلقا إذا نزل عليه مطر كثير أو قليل.
أما المثل الثاني: فهو لمن ينفق على عكس الأول وينفق في سبيل الشيطان ومرضاة لنفسه وهواه.
أيها المنفق لغير الله: أتود أن يكون لك جنة فيها النخيل والأعناب والزرع ومن كل صنف ولون تجرى من تحت جذورها الأنهار، لك فيها من كل الثمرات التي تشتهيها وأنت رجل كبير مسن قد أدركتك الشيخوخة وأصابك ضعف الكبر ولك ذرية من ذكور وإناث ضعفاء وصغار لا يقدرون على الكسب وتصريف أمورهم، وليس لك ولهم غير تلك الجنة، فأصابها بأمر الله ريح شديد وسموم كالنار أو أشد، أحرق الشجر وأباد الثمر وأنت في أشد الحاجة إلى نتيجة عملك وجدك في شبابك؟؟! فمن يرضى بهذا المصير الذي ينتظر كل من ينفق للرياء أو يتبع ما أنفقه بالمن والأذى.
إن من ينفق في سبيل الشيطان يظن أنه سينتفع بنفقته، كلا إنه كهذا المسن صاحب تلك الجنة، يأتى يوم القيامة فلا يجد لعمله إلا الحسرة والندامة.
181
مثل ذلك البيان الواضح يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون وتتعظون بهذه الأمثال والمواعظ.
نوع ما ينفق منه ووصفه [سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧)
المفردات:
طَيِّباتِ الطيب: المراد هنا الجيد الحسن. تَيَمَّمُوا: تقصدوا.
الْخَبِيثَ: الرديء. تُغْمِضُوا: تتساهلوا، من أغمض عينه عن الشيء حتى لا يرى عيبه.
المعنى:
يبين الله- سبحانه وتعالى- وصف ما ينفق منه وبيان نوعه فيفتتح الكلام بهذا النداء الذي يهز القلوب ويلفت الأنظار: يا من اتصفتم بالإيمان أنفقوا الطيب الجيد ولا تقصدوا إلى الخبيث الرديء فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، ولا تجعلوا لله ما تكرهون.
وقد ورد في سبب نزول الآية ما يؤيد هذا المعنى: روى أن بعضهم كان يقصد إلى الحشف من التمر فيتصدق به فنزلت الآية، والمعنى: أنفقوا من جياد أموالكم ولا تقصدوا الخبيث فتجعلوا صدقتكم منه خاصة دون الجيّد، فهو نهى عن تعمد الصدقة من الخبيث دون الطيب لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [سورة آل عمران آية ٩٢].
نوع ما ينفق منه ووصفه [سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧)
المفردات:
طَيِّباتِ الطيب: المراد هنا الجيد الحسن. تَيَمَّمُوا: تقصدوا.
الْخَبِيثَ: الرديء. تُغْمِضُوا: تتساهلوا، من أغمض عينه عن الشيء حتى لا يرى عيبه.
المعنى:
يبين الله- سبحانه وتعالى- وصف ما ينفق منه وبيان نوعه فيفتتح الكلام بهذا النداء الذي يهز القلوب ويلفت الأنظار: يا من اتصفتم بالإيمان أنفقوا الطيب الجيد ولا تقصدوا إلى الخبيث الرديء فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، ولا تجعلوا لله ما تكرهون.
وقد ورد في سبب نزول الآية ما يؤيد هذا المعنى: روى أن بعضهم كان يقصد إلى الحشف من التمر فيتصدق به فنزلت الآية، والمعنى: أنفقوا من جياد أموالكم ولا تقصدوا الخبيث فتجعلوا صدقتكم منه خاصة دون الجيّد، فهو نهى عن تعمد الصدقة من الخبيث دون الطيب لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [سورة آل عمران آية ٩٢].
وأما نوع ما ينفق منه فهو بعض ما يجنيه المرء من عمله وجده كالتجارة والصناعة والكسب الحلال بأى نوع كان، وبعض ما يخرج من الأرض من غلات الحبوب والزروع والمعادن والركاز (وهو دفين الجاهلين) والإنفاق هنا الظاهر أنه عام يشمل الزكاة والصدقة.
الشيطان والإنفاق [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦٨ الى ٢٦٩]
الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩)
المفردات:
بِالْفَحْشاءِ: البخل، والعرب تسمى البخيل فاحشا. وَفَضْلًا: رزقا وجاها في الدنيا. الْحِكْمَةَ: العلم النافع الصحيح. الْأَلْبابِ: العقول الراجحة الموفقة.
المعنى:
الشيطان عدونا من قديم أخرج أبانا آدم من الجنة وأقسم قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فالشيطان بما يوسوس للناس ويزين لهم أن الصدقة والإنفاق في سبيل الله يورث الفقر والحاجة (الجود يفقر والإقدام قتّال) يعدنا بالفقر ويأمرنا بالبخل، والله- سبحانه وتعالى- بما أودع في بعض الناس من الميل إلى التخلق بالخلق الكامل والإنفاق على الناس وبما يأمرنا به من النفقة في الكتب المنزلة يعدنا مغفرة بسبب الإنفاق فقد جعله كفارة لكثير من الذنوب، ويعدنا به فضلا لأن صاحبه يفضل غيره ويأسر قلبه ويشترى حبه له، والفضل: المال والخير، ولا شك أن المال المنفق يخلفه الله على صاحبه وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سورة سبأ آية ٣٩].
الشيطان والإنفاق [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦٨ الى ٢٦٩]
الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩)
المفردات:
بِالْفَحْشاءِ: البخل، والعرب تسمى البخيل فاحشا. وَفَضْلًا: رزقا وجاها في الدنيا. الْحِكْمَةَ: العلم النافع الصحيح. الْأَلْبابِ: العقول الراجحة الموفقة.
المعنى:
الشيطان عدونا من قديم أخرج أبانا آدم من الجنة وأقسم قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فالشيطان بما يوسوس للناس ويزين لهم أن الصدقة والإنفاق في سبيل الله يورث الفقر والحاجة (الجود يفقر والإقدام قتّال) يعدنا بالفقر ويأمرنا بالبخل، والله- سبحانه وتعالى- بما أودع في بعض الناس من الميل إلى التخلق بالخلق الكامل والإنفاق على الناس وبما يأمرنا به من النفقة في الكتب المنزلة يعدنا مغفرة بسبب الإنفاق فقد جعله كفارة لكثير من الذنوب، ويعدنا به فضلا لأن صاحبه يفضل غيره ويأسر قلبه ويشترى حبه له، والفضل: المال والخير، ولا شك أن المال المنفق يخلفه الله على صاحبه وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سورة سبأ آية ٣٩].
وفي الصحيحين: «ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان، يقول أحدهما:
اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا»
ولا غرابة فالله واسع الفضل بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء.
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للشيطان لمّة (خطرة تقع في القلب) وللملك لمّة، فأما لمّة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان» «١»، ثم قرأ الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ
يؤتى الله الحكمة والعلم الصحيح النافع- وعلى الأخص فهم القرآن والدين- من يشاء من عباده الذين يحبهم ويتولاهم بعنايته ورعايته، ومن يؤت الحكمة بهذا المعنى فقد أوتى خيرا كثيرا، وأى خير في الدنيا والآخرة بعد توفيق الله وهدايته في فهم الأمور على حقيقتها وإدراك الأشياء على وضعها الصحيح؟ وإنما يتذكر هذا أولو الألباب.
بعض أحكام الإنفاق [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٧٠ الى ٢٧١]
وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١)
المفردات:
مِنْ نَذْرٍ النذر: التزام الطاعة قربة لله تعالى. فَنِعِمَّا هِيَ الأصل: فنعم ما هي، بمعنى فنعم شيئا إبداؤها.
اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا»
ولا غرابة فالله واسع الفضل بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء.
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للشيطان لمّة (خطرة تقع في القلب) وللملك لمّة، فأما لمّة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان» «١»، ثم قرأ الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ
يؤتى الله الحكمة والعلم الصحيح النافع- وعلى الأخص فهم القرآن والدين- من يشاء من عباده الذين يحبهم ويتولاهم بعنايته ورعايته، ومن يؤت الحكمة بهذا المعنى فقد أوتى خيرا كثيرا، وأى خير في الدنيا والآخرة بعد توفيق الله وهدايته في فهم الأمور على حقيقتها وإدراك الأشياء على وضعها الصحيح؟ وإنما يتذكر هذا أولو الألباب.
بعض أحكام الإنفاق [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٧٠ الى ٢٧١]
وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١)
المفردات:
مِنْ نَذْرٍ النذر: التزام الطاعة قربة لله تعالى. فَنِعِمَّا هِيَ الأصل: فنعم ما هي، بمعنى فنعم شيئا إبداؤها.
(١) أخرجه البخاري كتاب الزكاة باب قول الله [فأما من أعطى واقضى] حديث رقم ١٤٤٢.
184
المعنى:
وما أنفقتم من نفقة سواء كانت لله أو للرياء والسمعة أو أتبعت بمنّ وأذى أو لم تتبع، أو نذرتم من نذر قربة لله أو نذر لجاج وغضب، فالأول: هو التزام الطاعة قربة لله، كقولك: لله علىّ أن أصوم أو أتصدق مثلا بشرط أو بغير شرط، والثاني:
كقولك: إن كلمت فلانا فعلى كذا أو كذا، والأول يجب الوفاء به، وفي الثاني خلاف، قيل: يكفّر عنه كفارة يمين أو يفعل ما التزمه.
كل هذا الله عالم به مجاز عليه إن خيرا فخير وإن شرّا فشر، وما للظالمين من أنصار ينصرونهم يوم القيامة، والمراد بهم هنا الذين بخلوا بالمال ولم يتصدقوا.
إن تظهروا الصدقات ويعلم بها الناس فنعم ما فعلتم، وإن تخفوها وتكتموها وتعطوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم.
والخلاصة هنا: أن إبداء الصدقة الواجبة خير بلا شك من إخفائها خصوصا في هذا الزمان فإن الناس يحتاجون إلى مرشدين عمليين يتقدمون الصفوف ويفعلون الخير قدوة للناس، وأما المندوبة فإخفاؤها وإعطاؤها الفقراء بهذا القيد خير لأن ذلك أدعى لعدم الرياء وأحفظ لكرامة الفقير، فإن كان لجهة عامة أو لمشروع خيرى فلا بأس من إعلانها ليكون ذلك أدعى للتسابق في الخير.
والله بما تعملون خبير وبصير فهو يعرف السّر وأخفى فحاذروه واخشوا عقابه، وذلك لأن أمراض الرياء والنفقة لغير الله أمور قلبية لا يطلع عليها إلّا الله.
وما أنفقتم من نفقة سواء كانت لله أو للرياء والسمعة أو أتبعت بمنّ وأذى أو لم تتبع، أو نذرتم من نذر قربة لله أو نذر لجاج وغضب، فالأول: هو التزام الطاعة قربة لله، كقولك: لله علىّ أن أصوم أو أتصدق مثلا بشرط أو بغير شرط، والثاني:
كقولك: إن كلمت فلانا فعلى كذا أو كذا، والأول يجب الوفاء به، وفي الثاني خلاف، قيل: يكفّر عنه كفارة يمين أو يفعل ما التزمه.
كل هذا الله عالم به مجاز عليه إن خيرا فخير وإن شرّا فشر، وما للظالمين من أنصار ينصرونهم يوم القيامة، والمراد بهم هنا الذين بخلوا بالمال ولم يتصدقوا.
إن تظهروا الصدقات ويعلم بها الناس فنعم ما فعلتم، وإن تخفوها وتكتموها وتعطوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم.
والخلاصة هنا: أن إبداء الصدقة الواجبة خير بلا شك من إخفائها خصوصا في هذا الزمان فإن الناس يحتاجون إلى مرشدين عمليين يتقدمون الصفوف ويفعلون الخير قدوة للناس، وأما المندوبة فإخفاؤها وإعطاؤها الفقراء بهذا القيد خير لأن ذلك أدعى لعدم الرياء وأحفظ لكرامة الفقير، فإن كان لجهة عامة أو لمشروع خيرى فلا بأس من إعلانها ليكون ذلك أدعى للتسابق في الخير.
والله بما تعملون خبير وبصير فهو يعرف السّر وأخفى فحاذروه واخشوا عقابه، وذلك لأن أمراض الرياء والنفقة لغير الله أمور قلبية لا يطلع عليها إلّا الله.
185
لمن تعطى الصدقة وبعض أحكامها [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٧٢ الى ٢٧٤]
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤)
المفردات:
هُداهُمْ: هدايتهم إلى الإسلام. أُحْصِرُوا أى: حبسوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله. ضَرْباً فِي الْأَرْضِ أى: سيرا فيها. التَّعَفُّفِ أى: العفة.
بِسِيماهُمْ السيما: العلامة. إِلْحافاً: بالإلحاح.
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤)
المفردات:
هُداهُمْ: هدايتهم إلى الإسلام. أُحْصِرُوا أى: حبسوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله. ضَرْباً فِي الْأَرْضِ أى: سيرا فيها. التَّعَفُّفِ أى: العفة.
بِسِيماهُمْ السيما: العلامة. إِلْحافاً: بالإلحاح.
186
المعنى:
قد أطلق الله في الآية السابقة إيتاء الصدقة للفقراء مسلمين وغير مسلمين، وقد أرشدنا الله في هذه الآية إلى عدم التحرج في إعطاء غير المسلمين بحجة عدم الاهتداء إلى الدين فإن الهداية من الله، والشفقة تقتضي إعطاء الإنسان المحتاج مطلقا بقطع النظر عن دينه.
وقد ذكروا في أسباب النزول روايات كثيرة كلها تدور حول هذا،
فعن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأمرنا بألا نتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية.
وإذا كان الله يخاطب النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: ليس عليك هدايتهم ولكن الله يهدى من يشاء إلى دينه فالمسلمون من باب أولى.
ولا يصح أن يكون الباعث على الإنفاق الرغبة في دخول الناس في الإسلام وإنما الباعث عليه هو أن الإنفاق لنا وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ نعم هو لنا في الدنيا إذ لا ينكر أحد ما للإنفاق من الأثر البين في جذب القلوب وسلّم السخائم والأحقاد ونشر الأمن والطمأنينة ومنع السرقة وقطع الأفكار السامة والمبادئ الهدامة، وأما في الآخرة فجزاؤه يوفى إلينا، ولا يصح أن يكون الإنفاق إلا في الخير ابتغاء وجه الله لا وجه الدنيا والشيطان، وعلى ذلك فلا منّ ولا إيذاء لأنك ما فعلت لأحد شيئا وإنما قدمت لنفسك ما ينفعها ولا رياء ولا سمعة حيث تقصد وجه الله.
وما تنفقوا من مال قل أو كثر يوف إليكم أجره في الآخرة وأنتم لا تظلمون شيئا فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبّة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين [سورة الأنبياء آية ٤٧].
علم مما مر أن الإنفاق يكون للفقراء عامة ولا حرج على من ينفق على غير المسلم، ثم بين هنا أحق الناس بالصدقة وهم الفقراء بأوصافهم.
الصفة الأولى:
الذين أحصروا في سبيل الله، أى: منعوا أنفسهم من الكسب وحبسوها على الجهاد في سبيل الله. نزلت هذه الآية في أهل الصفة وهم فقراء المهاجرين الذين هاجروا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتركوا مالهم وكان عددهم حوالى أربعمائة رجل.
قد أطلق الله في الآية السابقة إيتاء الصدقة للفقراء مسلمين وغير مسلمين، وقد أرشدنا الله في هذه الآية إلى عدم التحرج في إعطاء غير المسلمين بحجة عدم الاهتداء إلى الدين فإن الهداية من الله، والشفقة تقتضي إعطاء الإنسان المحتاج مطلقا بقطع النظر عن دينه.
وقد ذكروا في أسباب النزول روايات كثيرة كلها تدور حول هذا،
فعن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأمرنا بألا نتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية.
وإذا كان الله يخاطب النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: ليس عليك هدايتهم ولكن الله يهدى من يشاء إلى دينه فالمسلمون من باب أولى.
ولا يصح أن يكون الباعث على الإنفاق الرغبة في دخول الناس في الإسلام وإنما الباعث عليه هو أن الإنفاق لنا وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ نعم هو لنا في الدنيا إذ لا ينكر أحد ما للإنفاق من الأثر البين في جذب القلوب وسلّم السخائم والأحقاد ونشر الأمن والطمأنينة ومنع السرقة وقطع الأفكار السامة والمبادئ الهدامة، وأما في الآخرة فجزاؤه يوفى إلينا، ولا يصح أن يكون الإنفاق إلا في الخير ابتغاء وجه الله لا وجه الدنيا والشيطان، وعلى ذلك فلا منّ ولا إيذاء لأنك ما فعلت لأحد شيئا وإنما قدمت لنفسك ما ينفعها ولا رياء ولا سمعة حيث تقصد وجه الله.
وما تنفقوا من مال قل أو كثر يوف إليكم أجره في الآخرة وأنتم لا تظلمون شيئا فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبّة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين [سورة الأنبياء آية ٤٧].
علم مما مر أن الإنفاق يكون للفقراء عامة ولا حرج على من ينفق على غير المسلم، ثم بين هنا أحق الناس بالصدقة وهم الفقراء بأوصافهم.
الصفة الأولى:
الذين أحصروا في سبيل الله، أى: منعوا أنفسهم من الكسب وحبسوها على الجهاد في سبيل الله. نزلت هذه الآية في أهل الصفة وهم فقراء المهاجرين الذين هاجروا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتركوا مالهم وكان عددهم حوالى أربعمائة رجل.
187
ولم يكن لهم مأوى فكانوا يأكلون عند النبي صلّى الله عليه وسلّم وعند غيره ثم يبيتون في المسجد تحت جزء مسقوف يقال له الصّفّة، وقد كان عملهم الجهاد وحفظ القرآن الكريم والخروج مع السرايا التي يرسلها النبي صلّى الله عليه وسلّم وهكذا من يشاكلهم ممن حبس نفسه على الجهاد في سبيل الله، فالجنود وطلبة العلم بشرط أن لا يمكنهم الكسب ممن يدخل تحت هذا.
الصفة الثانية:
لا يستطيعون سفرا ولا سيرا في الأرض للتجارة والكسب وذلك بأن يكونوا ممنوعين لعجز أو كبر أو ضرورة.
الصفة الثالثة:
يحسبهم الذي يجهل حالهم أغنياء من عفتهم وصبرهم وقناعتهم فعندهم عزة المؤمنين وتوكل المتوكلين.
الصفة الرابعة:
تعرفهم بسيماهم وعلامتهم، فعلامتهم الضمور والنحول والضعف ورثاثة الثياب، وفي الواقع هذا متروك لفراسة المؤمن، فرب فقير له مظهر وغنّى رث الثياب لحوف في السؤال.
الصفة الخامسة:
لا يسألون الناس أصلا، أو لا يسألون الناس ملحين وملحفين، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف، اقرءوا إن شئتم قوله- تعالى-: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً والسؤال في الإسلام محرم إلا لضرورة،
عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «المسألة لا تحل إلا لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع» «١».
وما تنفقوا من خير قل أو كثر فإن الله به عليم ومجاز عليه.
ويشير القرآن الكريم في آخر آية في الإنفاق إلى عموم الأحوال والأزمنة في الصدقة فبين أن الذين يتصدقون بأموالهم ليلا أو نهارا، سرّا أو علانية هؤلاء لهم الأجر الكامل عند ربهم الذي ربّاهم وتعهدهم في بطون الأرحام، ولا خوف عليهم أصلا في الدنيا ولا في الآخرة ولا هم يحزنون أبدا، وهكذا كل من سار بسيرة القرآن واهتدى بهديه أولئك هم المفلحون.
الصفة الثانية:
لا يستطيعون سفرا ولا سيرا في الأرض للتجارة والكسب وذلك بأن يكونوا ممنوعين لعجز أو كبر أو ضرورة.
الصفة الثالثة:
يحسبهم الذي يجهل حالهم أغنياء من عفتهم وصبرهم وقناعتهم فعندهم عزة المؤمنين وتوكل المتوكلين.
الصفة الرابعة:
تعرفهم بسيماهم وعلامتهم، فعلامتهم الضمور والنحول والضعف ورثاثة الثياب، وفي الواقع هذا متروك لفراسة المؤمن، فرب فقير له مظهر وغنّى رث الثياب لحوف في السؤال.
الصفة الخامسة:
لا يسألون الناس أصلا، أو لا يسألون الناس ملحين وملحفين، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف، اقرءوا إن شئتم قوله- تعالى-: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً والسؤال في الإسلام محرم إلا لضرورة،
عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «المسألة لا تحل إلا لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع» «١».
وما تنفقوا من خير قل أو كثر فإن الله به عليم ومجاز عليه.
ويشير القرآن الكريم في آخر آية في الإنفاق إلى عموم الأحوال والأزمنة في الصدقة فبين أن الذين يتصدقون بأموالهم ليلا أو نهارا، سرّا أو علانية هؤلاء لهم الأجر الكامل عند ربهم الذي ربّاهم وتعهدهم في بطون الأرحام، ولا خوف عليهم أصلا في الدنيا ولا في الآخرة ولا هم يحزنون أبدا، وهكذا كل من سار بسيرة القرآن واهتدى بهديه أولئك هم المفلحون.
(١) أخرجه البخاري كتاب التفسير باب [لا يسألون الناس إلحافا] حديث رقم ٤٥٣٩.
188
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ
ﴒ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ
ﴓ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﴔ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ
ﴕ
ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ
ﴖ
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ
ﴗ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ
ﴘ
الرّبا وخطره على صاحبه وعلى الأمة [سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٧٥ الى ٢٨١]
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩)
وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١)
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩)
وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١)
189
المفردات:
يَأْكُلُونَ: يأخذون، وعبر بالأكل عن الأخذ لأنه الغرض الأساسى منه، واللباس والانتفاع والنفقة داخلة فيه، وللإشارة إلى أن ما يأخذ لا يرجع أصلا.
الرِّبا في اللغة: الزيادة، وفي عرف الشرع يطلق على مال يؤخذ بلا عوض ولا وجه شرعي. يَتَخَبَّطُهُ الخبط: السير على غير هدى وبصيرة، ومنه قيل:
خبط عشواء. الْمَسِّ: الجنون والصرع. مَوْعِظَةٌ أى: وعظ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا: ينقصه ويذهب ببركته. وَيُرْبِي: يزيد ويبارك. أَثِيمٍ: مصرّ على الإثم ومبالغ فيه. ذَرُوا: اتركوا. فَأْذَنُوا: فاعلموا، من أذن بالشيء:
علم به. فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ: فانتظار إلى يسر ورخاء.
المناسبة:
ما تقدم كان في ذكر النفقة والمنفقين بالليل والنهار وفي السر والعلن ينفقون لوجه الله ولتثبيت أنفسهم على الإيمان فهم ينفقون المال بغير عوض ولا منفعة دنيوية.
وفي الآية هنا الكلام على المرابين الذين يستحلون مال الغير بغير حق ولا عوض، فالمناسبة بينهما التضاد، ولا غرابة فالضد أقرب خطورا بالبال.
المعنى:
الذين يأخذون الربا ويستحلونه من غير وجه شرعي ويأكلون أموال الناس بالباطل قد أذلتهم الدنيا وسخرهم حب المال وركبهم الشيطان والهوى، فتراهم في حركاتهم وسكناتهم وقيامهم وقعودهم يتخبطون خبط عشواء كالصرعى الذين مسهم الجن، وإنما خص القيام لأنه أبرز مظاهر النشاط في العمل ولقد جاء التعبير القرآنى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ موافقا لاعتقادهم وأنهم كانوا يؤمنون بالجن وتأثيره على الإنسان.
والعرب قديما ينسبون كل ما استعصى عليهم فهمه وإدراك سره إلى الجن، فلا غرابة
يَأْكُلُونَ: يأخذون، وعبر بالأكل عن الأخذ لأنه الغرض الأساسى منه، واللباس والانتفاع والنفقة داخلة فيه، وللإشارة إلى أن ما يأخذ لا يرجع أصلا.
الرِّبا في اللغة: الزيادة، وفي عرف الشرع يطلق على مال يؤخذ بلا عوض ولا وجه شرعي. يَتَخَبَّطُهُ الخبط: السير على غير هدى وبصيرة، ومنه قيل:
خبط عشواء. الْمَسِّ: الجنون والصرع. مَوْعِظَةٌ أى: وعظ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا: ينقصه ويذهب ببركته. وَيُرْبِي: يزيد ويبارك. أَثِيمٍ: مصرّ على الإثم ومبالغ فيه. ذَرُوا: اتركوا. فَأْذَنُوا: فاعلموا، من أذن بالشيء:
علم به. فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ: فانتظار إلى يسر ورخاء.
المناسبة:
ما تقدم كان في ذكر النفقة والمنفقين بالليل والنهار وفي السر والعلن ينفقون لوجه الله ولتثبيت أنفسهم على الإيمان فهم ينفقون المال بغير عوض ولا منفعة دنيوية.
وفي الآية هنا الكلام على المرابين الذين يستحلون مال الغير بغير حق ولا عوض، فالمناسبة بينهما التضاد، ولا غرابة فالضد أقرب خطورا بالبال.
المعنى:
الذين يأخذون الربا ويستحلونه من غير وجه شرعي ويأكلون أموال الناس بالباطل قد أذلتهم الدنيا وسخرهم حب المال وركبهم الشيطان والهوى، فتراهم في حركاتهم وسكناتهم وقيامهم وقعودهم يتخبطون خبط عشواء كالصرعى الذين مسهم الجن، وإنما خص القيام لأنه أبرز مظاهر النشاط في العمل ولقد جاء التعبير القرآنى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ موافقا لاعتقادهم وأنهم كانوا يؤمنون بالجن وتأثيره على الإنسان.
والعرب قديما ينسبون كل ما استعصى عليهم فهمه وإدراك سره إلى الجن، فلا غرابة
190
في أن يأتى القرآن موافقا لفهمهم، لأن المقصود تصوير آكل الربا بأبشع صورة وأقبح منظر.
ولقد درج جمهور المفسرين على أن المراد أن آكل الربا يقوم يوم القيامة يتخبط كالذي مسه الجن استنادا إلى روايات كثيرة وردت في وصف قيامه يوم القيامة، ولعل آكل الربا يبعث يوم القيامة على الحالة التي كان عليها في الدنيا فنجمع بين الرأيين.
وذلك الذي كان يفعله المشركون في الجاهلية من أكل الربا بسبب أنهم يستحلونه ويجعلونه كالبيع والشراء، فكما يجوز لك أن تبيع الشيء الذي قيمته قرش بقرشين! فلم لا يجوز أن تأخذ درهما في وقت العسرة والشدة وتدفع في وقت الرخاء درهمين؟
ولقد بالغوا في هذا حتى جعلوا البيع كالربا.
وقد أحل الله البيع إذ فيه معاوضة وسلعة قد يرتفع ثمنها في المستقبل وما زيد في الثمن إنما هو في مقابلة شيء ستنتفع به في الأكل أو اللبس أو غيرهما.
وحرم الربا إذ لا معاوضة فيه، والزيادة ليست في مقابلة شيء، بل كانوا إذا حل الدين فإن دفع المدين وإلا أجل الدائن في نظير زيادة الدين، فأخذ هذه الزيادة ظلم وأى ظلم واستحلالها كفر وإثم.
فمن جاءه وعظ من ربه يتضمن تحريم الربا لمصلحة الأمة والجماعة فانتهى عما كان يفعله، فله ما سلف أخذه في الجاهلية وأمره يوم القيامة إلى الله، والله يحاسبه على ما أخذه بعد التحريم أما قبله فقد عفا عنه.
ومن عاد إلى أكل الربا بعد تحريمه ووقف على ضرره فأولئك البعيدون في الضلال والظلم أصحاب النار الملازمون لها هم فيها ماكثون مكثا الله أعلم به.
وكيف تقعون في الربا وخطره وتبتعدون عن الصدقة وبرها، والربا يمحقه الله فلا بركة فيه ولا زيادة، فالمال وإن زاد بسببه ونما في الظاهر فهو إلى قل وضياع، والواقع الذي نشاهده شاهد على ذلك، أليس المرابى مبغوضا من الله والناس أجمعين؟! فلا أحد يعاونه ولا إنسان يعطف عليه بل الكل حاسد شامت يتربص به الدوائر، وهذا كله مما يساعد على ضياع المال ونقصانه.
ولقد درج جمهور المفسرين على أن المراد أن آكل الربا يقوم يوم القيامة يتخبط كالذي مسه الجن استنادا إلى روايات كثيرة وردت في وصف قيامه يوم القيامة، ولعل آكل الربا يبعث يوم القيامة على الحالة التي كان عليها في الدنيا فنجمع بين الرأيين.
وذلك الذي كان يفعله المشركون في الجاهلية من أكل الربا بسبب أنهم يستحلونه ويجعلونه كالبيع والشراء، فكما يجوز لك أن تبيع الشيء الذي قيمته قرش بقرشين! فلم لا يجوز أن تأخذ درهما في وقت العسرة والشدة وتدفع في وقت الرخاء درهمين؟
ولقد بالغوا في هذا حتى جعلوا البيع كالربا.
وقد أحل الله البيع إذ فيه معاوضة وسلعة قد يرتفع ثمنها في المستقبل وما زيد في الثمن إنما هو في مقابلة شيء ستنتفع به في الأكل أو اللبس أو غيرهما.
وحرم الربا إذ لا معاوضة فيه، والزيادة ليست في مقابلة شيء، بل كانوا إذا حل الدين فإن دفع المدين وإلا أجل الدائن في نظير زيادة الدين، فأخذ هذه الزيادة ظلم وأى ظلم واستحلالها كفر وإثم.
فمن جاءه وعظ من ربه يتضمن تحريم الربا لمصلحة الأمة والجماعة فانتهى عما كان يفعله، فله ما سلف أخذه في الجاهلية وأمره يوم القيامة إلى الله، والله يحاسبه على ما أخذه بعد التحريم أما قبله فقد عفا عنه.
ومن عاد إلى أكل الربا بعد تحريمه ووقف على ضرره فأولئك البعيدون في الضلال والظلم أصحاب النار الملازمون لها هم فيها ماكثون مكثا الله أعلم به.
وكيف تقعون في الربا وخطره وتبتعدون عن الصدقة وبرها، والربا يمحقه الله فلا بركة فيه ولا زيادة، فالمال وإن زاد بسببه ونما في الظاهر فهو إلى قل وضياع، والواقع الذي نشاهده شاهد على ذلك، أليس المرابى مبغوضا من الله والناس أجمعين؟! فلا أحد يعاونه ولا إنسان يعطف عليه بل الكل حاسد شامت يتربص به الدوائر، وهذا كله مما يساعد على ضياع المال ونقصانه.
191
وأما الصدقة فالله ينميها ويبارك فيها، وما نقصت زكاة من مال قط، والمتصدق محبوب عند الله والناس أجمعين، فلا حسد ولا بغضاء ولا سرقة ولا إكراه ولا إيذاء، وهذا كله مما يساعد على الزيادة والنمو في المال يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ والله لا يرضى عن المستحل للربا والمقيم على الإثم المبالغ فيه.
شأن القرآن إذا ذكر بعض المعاندين الظالمين الذين يفعلون فعل الكفار الآثمين، أن يعقب بذكر المؤمنين العاملين حتى يظهر الفرق واضحا فيكون ذلك أدعى للامتثال وأقرب للقبول ولذا يقول الله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة... الآية والمعنى.
«إن الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا صالحا يقيهم من عذاب النار، خصوصا إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فإن الأعمال الصالحة مطهرة للنفس ومرضاة للرب ومجلبة لمحبة العبد في الدنيا، هؤلاء لهم أجرهم الكامل عند من رباهم وتعهدهم وأنشأهم من العدم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون أبدا».
ثم بعد هذا التمهيد القيم الذي أظهر الله فيه آكل الربا بتلك الصورة الفظيعة وجزاءه في الدنيا والآخرة وما استتبع ذلك من ذكر المؤمنين الصالحين وجزائهم ناسب أن يأمر أمرا صريحا بترك الربا فيقول: يا أيها الذين اتصفتم بالإيمان الذي يتنافى مع الربا والتعامل به.
فالإيمان والإسلام سلام ورحمة وعطف وصلة، أما الربا فجشع واستغلال ونصب واحتيال ومعاملة دنيئة تتنافى مع أخوة الإنسانية مطلقا.
يا أيها الذين آمنوا خذوا لأنفسكم الوقاية من عذاب الله وذروا ما بقي لكم من الربا حالا، أى: اقطعوا المعاملة به فورا، فضلا عن إنشاء المعاملة من جديد إن كنتم مؤمنين، وإلا فلستم مؤمنين كاملين لأنه لا إيمان مع المعاصي خصوصا الربا فإن لم تفعلوا ما أمرتم به فاعلموا واستيقنوا بحرب من الله ورسوله، أما حرب الله فغضبه وانتقامه، وما الآفات الزراعية والاضرار التي تصيبنا في هذه الأيام إلا من أكل الربا واستحلاله، وأما حرب رسوله والمؤمنين فمناصبتهم العداء واعتبارهم خارجين على الشرع وأحكامه.
روى أن هذه الآية نزلت في ثقيف كان لها ربا على قوم من قريش فطالبوهم به فأبوا واختصموا إلى والى مكة عتّاب بن أسيد، فنزلت الآية وكتب بها الرسول صلّى الله عليه وسلّم إليهم، فلما علمت ثقيف بذلك قالت: لا طاقة لنا بحرب الله ورسوله.
شأن القرآن إذا ذكر بعض المعاندين الظالمين الذين يفعلون فعل الكفار الآثمين، أن يعقب بذكر المؤمنين العاملين حتى يظهر الفرق واضحا فيكون ذلك أدعى للامتثال وأقرب للقبول ولذا يقول الله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة... الآية والمعنى.
«إن الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا صالحا يقيهم من عذاب النار، خصوصا إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فإن الأعمال الصالحة مطهرة للنفس ومرضاة للرب ومجلبة لمحبة العبد في الدنيا، هؤلاء لهم أجرهم الكامل عند من رباهم وتعهدهم وأنشأهم من العدم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون أبدا».
ثم بعد هذا التمهيد القيم الذي أظهر الله فيه آكل الربا بتلك الصورة الفظيعة وجزاءه في الدنيا والآخرة وما استتبع ذلك من ذكر المؤمنين الصالحين وجزائهم ناسب أن يأمر أمرا صريحا بترك الربا فيقول: يا أيها الذين اتصفتم بالإيمان الذي يتنافى مع الربا والتعامل به.
فالإيمان والإسلام سلام ورحمة وعطف وصلة، أما الربا فجشع واستغلال ونصب واحتيال ومعاملة دنيئة تتنافى مع أخوة الإنسانية مطلقا.
يا أيها الذين آمنوا خذوا لأنفسكم الوقاية من عذاب الله وذروا ما بقي لكم من الربا حالا، أى: اقطعوا المعاملة به فورا، فضلا عن إنشاء المعاملة من جديد إن كنتم مؤمنين، وإلا فلستم مؤمنين كاملين لأنه لا إيمان مع المعاصي خصوصا الربا فإن لم تفعلوا ما أمرتم به فاعلموا واستيقنوا بحرب من الله ورسوله، أما حرب الله فغضبه وانتقامه، وما الآفات الزراعية والاضرار التي تصيبنا في هذه الأيام إلا من أكل الربا واستحلاله، وأما حرب رسوله والمؤمنين فمناصبتهم العداء واعتبارهم خارجين على الشرع وأحكامه.
روى أن هذه الآية نزلت في ثقيف كان لها ربا على قوم من قريش فطالبوهم به فأبوا واختصموا إلى والى مكة عتّاب بن أسيد، فنزلت الآية وكتب بها الرسول صلّى الله عليه وسلّم إليهم، فلما علمت ثقيف بذلك قالت: لا طاقة لنا بحرب الله ورسوله.
192
وإن أقلعتم عن التعامل بالربا ورجعتم إلى الله فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون أحدا بأخذ الربا ولا تظلمون بنقص أموالكم.. وإن تعاملتم مع فقير معسر فانتظار منكم إلى يسر ورخاء عسى الله أن يفرج عليكم جميعا
«فمن نفّس عن مؤمن كربة نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» «١» حديث شريف
، وأن تتصدقوا بالتأجيل أو بترك الدّين أو بعضه فهو خير لكم وأحسن.
واتقوا يوما تتركون فيه الدنيا وزخارفها ومشاغلها وترجعون إلى الله فيشغل بالكم وتفكيركم، في هذا اليوم العصيب توفى كل نفس ما كسبت من خير أو شر وتوضع الموازين فلا تظلم نفس شيئا.
الربا نوعان:
ربا النسيئة: أى التأخير في أجل الدفع والزيادة في الدين كما كان يحصل في الجاهلية إذا حل الدين فإما أن تدفع وإما أن تؤجل ويزيد الدين.
وربا الفضل: هو الزيادة المشروطة للدائن بغير مقابل كما إذا أقرض محمد عليا مائة جنيه على أن يدفع على له في العام القادم مائة وعشرين، ومثل النقدين في ذلك المطعومات من قمح وشعير وذرة ودخن وتمر وملح،
عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء» «٢»
وفي حديث عبادة بن الصامت: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد» «٣».
الحكمة في تحريم الربا:
الدين الإسلامى دين تعاطف وتراحم وبر وخير وعون ومساعدة وأخوة صادقة في الله، يحافظ على الصلات بين الناس، وأن تحل المروءات محل القوانين لهذا أوجب الصدقة والتعاطف من القوى على الضعيف والرحمة من الغنى على الفقير والمعاملة بالحسنى، وحرم الربا والإيذاء بأى نوع من أنواعه كما حرم انتهاز الفرصة واستغلال الحاجة.
«فمن نفّس عن مؤمن كربة نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» «١» حديث شريف
، وأن تتصدقوا بالتأجيل أو بترك الدّين أو بعضه فهو خير لكم وأحسن.
واتقوا يوما تتركون فيه الدنيا وزخارفها ومشاغلها وترجعون إلى الله فيشغل بالكم وتفكيركم، في هذا اليوم العصيب توفى كل نفس ما كسبت من خير أو شر وتوضع الموازين فلا تظلم نفس شيئا.
الربا نوعان:
ربا النسيئة: أى التأخير في أجل الدفع والزيادة في الدين كما كان يحصل في الجاهلية إذا حل الدين فإما أن تدفع وإما أن تؤجل ويزيد الدين.
وربا الفضل: هو الزيادة المشروطة للدائن بغير مقابل كما إذا أقرض محمد عليا مائة جنيه على أن يدفع على له في العام القادم مائة وعشرين، ومثل النقدين في ذلك المطعومات من قمح وشعير وذرة ودخن وتمر وملح،
عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء» «٢»
وفي حديث عبادة بن الصامت: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد» «٣».
الحكمة في تحريم الربا:
الدين الإسلامى دين تعاطف وتراحم وبر وخير وعون ومساعدة وأخوة صادقة في الله، يحافظ على الصلات بين الناس، وأن تحل المروءات محل القوانين لهذا أوجب الصدقة والتعاطف من القوى على الضعيف والرحمة من الغنى على الفقير والمعاملة بالحسنى، وحرم الربا والإيذاء بأى نوع من أنواعه كما حرم انتهاز الفرصة واستغلال الحاجة.
(١) أخرجه مسلم في كتاب الذكر حديث رقم ٢٦٩٩.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب المساقاة حديث رقم ١٥٨٧.
(٣) أخرجه مسلم في كتاب المساقاة حديث رقم ١٥٨٧.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب المساقاة حديث رقم ١٥٨٧.
(٣) أخرجه مسلم في كتاب المساقاة حديث رقم ١٥٨٧.
193
وقد جعل الله النقدين أو ما يقوم مقامها كأوراق البنكنوت لتقويم السلع، ولم يخلقهما للاستغلال عن طريق الحاجة فإن هذا يؤدى إلى تكديس الثروة بسبب الربا في أيدى جماعة من الأمة، وفي هذا خسران الأمة والمجتمع، ومثل النقدين في ذلك المطعومات الأساسية التي ذكرناها، والتعامل بالربا يقطع الصلة بين الناس ويوجد الحقد والحسد ويولد البغضاء في النفوس وغير ذلك مما يجعل الناس تتعامل مع بعضها كالذئاب الجائعة كلّ ينتهز الفرصة ويتربّص بأخيه الدائرة وفي هذا هلاك الأمة بلا شك... وكيف تجيز لنفسك أن تستولى على مال الغير بغير حقّ شرعي وهذا هو عين الظلم لنفسك وما شاع الربا في قوم إلا عمّهم الفقر ونزلت عليهم الآفات وحبسوا القطر ومنعوا من الخير وقانا الله شره فهو صفة اليهود وعملهم.
أليس كل من تعامل بالربا ذهبت ماليته وضاعت فهو عاجز عن سداد الدين فكيف يسدده هو والربح.
أيليق بنا كأمة إسلامة أن نبيح الربا وروسيا تحرمه؟؟
أليس كل من تعامل بالربا ذهبت ماليته وضاعت فهو عاجز عن سداد الدين فكيف يسدده هو والربح.
أيليق بنا كأمة إسلامة أن نبيح الربا وروسيا تحرمه؟؟
194
آية الدّين والسر في طولها ووضوحها [سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢)
المفردات:
تَدايَنْتُمْ: داين بعضكم بعضا، أى: تعاملتم بدين مؤجل. بِدَيْنٍ الدين: هو المال الذي يكون في الذمة. أَجَلٍ: هو الوقت المضروب لانتهاء شيء. (مسمّى) والمسمى: المعلوم بيوم أو شهر أو سنة ويدخل في الدين المؤجل القرض والسلم وبيع الأعيان إلى أجل. بِالْعَدْلِ: بالحق في كتابته لا يزيد في المال والأجل ولا ينقص. وَلا يَأْبَ: يمتنع: وَلْيُمْلِلِ الإملال والإملاء واحد.
لا يَبْخَسْ: لا ينقص. سَفِيهاً: ناقص العقل مبذرا. ضَعِيفاً: صبيا أو شيخا مسنّا. وَلا تَسْئَمُوا: لا تملوا وتضجروا. أَقْسَطُ: أعدل.
وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ: أثبت لها وأعون على إقامتها. وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا: أقرب إلى انتفاء ريبكم في الدّين وأجله. فُسُوقٌ بِكُمْ: خروج عن الطاعة.
المناسبة:
لما ذكر الإنفاق وجزاءه والربا وخطره ناسب أن يذكر التعامل بالدّين المؤجل
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢)
المفردات:
تَدايَنْتُمْ: داين بعضكم بعضا، أى: تعاملتم بدين مؤجل. بِدَيْنٍ الدين: هو المال الذي يكون في الذمة. أَجَلٍ: هو الوقت المضروب لانتهاء شيء. (مسمّى) والمسمى: المعلوم بيوم أو شهر أو سنة ويدخل في الدين المؤجل القرض والسلم وبيع الأعيان إلى أجل. بِالْعَدْلِ: بالحق في كتابته لا يزيد في المال والأجل ولا ينقص. وَلا يَأْبَ: يمتنع: وَلْيُمْلِلِ الإملال والإملاء واحد.
لا يَبْخَسْ: لا ينقص. سَفِيهاً: ناقص العقل مبذرا. ضَعِيفاً: صبيا أو شيخا مسنّا. وَلا تَسْئَمُوا: لا تملوا وتضجروا. أَقْسَطُ: أعدل.
وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ: أثبت لها وأعون على إقامتها. وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا: أقرب إلى انتفاء ريبكم في الدّين وأجله. فُسُوقٌ بِكُمْ: خروج عن الطاعة.
المناسبة:
لما ذكر الإنفاق وجزاءه والربا وخطره ناسب أن يذكر التعامل بالدّين المؤجل
195
وحفظه بالكتابة والشهود، ففي الصدقة والإنفاق منتهى الرحمة، وفي الربا كامل القسوة والغلظة. وفي أحكام الدين والتجارة نهاية العدل والحكمة، والدين قد أمرنا ببذل المال حيث ينبغي البذل، وبترك الزيادة في المال إذا كان فيه ربا، ثم أمرنا هنا بحفظ المال وتوثيقه في البيع والشراء والقرض والتجارة، ومن هنا نعلم أن الإسلام دين ودولة، وحكم وحكمة فبينا هو يهدينا إلى الإنفاق يحرم علينا الربا، ثم يرشدنا في البيع والشراء حتى لا يضيع مال ولا يحصل شقاق ونزاع ولا غرابة إنه صراط الله العزيز الحكيم.
وليس ديننا دين رهبنة وفقر، وقناعة وذل، بل هو دين علم وعمل وجد واجتهاد، وغنى وعزة حتى يتحقق قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً «١».
فقانون الإسلام أن تجمع المال وتنميه، ولكن من طريق الحلال، وتحافظ عليه وتستوثق له بالكتابة والشهود، ولعل ذلك هو السر في طول الآية ووضوحها وتكرار أحكامها حتى يفهم أحكامها العامة والخاصة.
وهاك أحكامها:
١- يا من اتصفتم بالإيمان ودخلتم في الإسلام: إذا تعاملتم بالدّين المؤجل في الذمة بيعا أو سلما أو قرضا فاكتبوه وقيدوه فذلك خير لكم وأجدى، والأمر هنا للإرشاد والندب.
٢- وليكن فيكم كاتب للديون عادل في كتابته، لا يميل ولا يحيد عن الحق فهو القاضي بين الدائن والمدين ولتحقق عدالته يشترط أن يكون عالما بشروط الكتابة ملما بأصولها.
٣- لا يصح أن يمتنع كاتب عن الكتابة ما دام يمكنه ذلك وليكتب كتابة كما علمه الله فلا يزيد ولا ينقص ولا يضر أحدا، والكتابة نعمة من الله عليه فمن الشكر عليها أن لا يمتنع عنها ما دام قد أخذ أجره بالعدل والرحمة.
٤- والذي يملى الكاتب من عليه الحق، أى: المدين ليكون إملاؤه حجة عليه، وليتّق الله ربه في الإملاء، وقد جمع بين الاسم الجليل والنعت الجميل للمبالغة في التحذير ولا ينقص من الحق الذي عليه شيئا عند الإملاء، وأنت ترى أن الكاتب أمر
وليس ديننا دين رهبنة وفقر، وقناعة وذل، بل هو دين علم وعمل وجد واجتهاد، وغنى وعزة حتى يتحقق قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً «١».
فقانون الإسلام أن تجمع المال وتنميه، ولكن من طريق الحلال، وتحافظ عليه وتستوثق له بالكتابة والشهود، ولعل ذلك هو السر في طول الآية ووضوحها وتكرار أحكامها حتى يفهم أحكامها العامة والخاصة.
وهاك أحكامها:
١- يا من اتصفتم بالإيمان ودخلتم في الإسلام: إذا تعاملتم بالدّين المؤجل في الذمة بيعا أو سلما أو قرضا فاكتبوه وقيدوه فذلك خير لكم وأجدى، والأمر هنا للإرشاد والندب.
٢- وليكن فيكم كاتب للديون عادل في كتابته، لا يميل ولا يحيد عن الحق فهو القاضي بين الدائن والمدين ولتحقق عدالته يشترط أن يكون عالما بشروط الكتابة ملما بأصولها.
٣- لا يصح أن يمتنع كاتب عن الكتابة ما دام يمكنه ذلك وليكتب كتابة كما علمه الله فلا يزيد ولا ينقص ولا يضر أحدا، والكتابة نعمة من الله عليه فمن الشكر عليها أن لا يمتنع عنها ما دام قد أخذ أجره بالعدل والرحمة.
٤- والذي يملى الكاتب من عليه الحق، أى: المدين ليكون إملاؤه حجة عليه، وليتّق الله ربه في الإملاء، وقد جمع بين الاسم الجليل والنعت الجميل للمبالغة في التحذير ولا ينقص من الحق الذي عليه شيئا عند الإملاء، وأنت ترى أن الكاتب أمر
(١) سورة البقرة آية رقم ١٤٣.
196
بالعدل فلا يزيد ولا ينقص، ومن عليه الحق نهى عن النقص فقط لأن هذا هو الذي ينتظر منه.
٥- فإن كان الذي عليه الحق سفيها لا يحسن التصرف في ماله لنقص عقله أو تبذيره أو كان ضعيفا لصغر سنه أو شيخوخته أو لا يستطيع الإملاء لجهله أو لكنة في لسانه فالذي يملى على الكاتب هو وليه الذي يلي أموره من قيّم أو وكيل أو مترجم يملى بالعدل والإنصاف.
٦- واستشهدوا شهيدين من رجالكم ممن حضروا ذلك بشرط البلوغ والعقل والإسلام والحرية.
٧- فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون شهادتهم لدينهم وعدالتهم وإنما جعل الشرع المرأتين بمنزلة رجل واحد خوف أن تخطئ إحداهما فتذكرها الثانية لقلة ضبط النساء للأمور المالية وقلة عنايتهن بمثل ذلك لأن المرأة جبلت على الاشتغال بالمنزل والبيئة المنزلية وتربية الأولاد فكان تذكرها للمعاملات قليلا وهذا حكم غالبى والأحكام الشرعية تنظر للمجموع.
٨- ولا يأب الشهود إذا ما دعوا للشهادة فإن كتمانها معصية وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ إذ بالشهادة العادلة تتضح الحقوق ويمنع الظلم والجور، والأحسن أن يكون النهى شاملا لأدائها وتحملها.
٩- والدّين مهما كان صغيرا أو كبيرا لا تملوا من كتابته حتى يقطع النزاع والشقاق.
١٠- ذلك البيان السابق الشامل لجميع الأحكام أعدل في الحكم وأحرى بإقامة العدل بين المتعاملين، وأقوم للشهادة وأعون على إقامتها على وجهها وأقرب لانتفاء الريبة والشك.
١١- ما تقدم في المبايعات المؤجلة وفي الديون والسلم، أما في التجارة الحاضرة التي يأخذ المشترى ما اشترى والبائع الثمن فلا ضرورة للكتابة وليس عليكم جناح ألا تكتبوها إذ لا شك ولا نسيان يخاف منه، وفي نفى الجناح إشارة إلى استحباب ضبط
٥- فإن كان الذي عليه الحق سفيها لا يحسن التصرف في ماله لنقص عقله أو تبذيره أو كان ضعيفا لصغر سنه أو شيخوخته أو لا يستطيع الإملاء لجهله أو لكنة في لسانه فالذي يملى على الكاتب هو وليه الذي يلي أموره من قيّم أو وكيل أو مترجم يملى بالعدل والإنصاف.
٦- واستشهدوا شهيدين من رجالكم ممن حضروا ذلك بشرط البلوغ والعقل والإسلام والحرية.
٧- فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون شهادتهم لدينهم وعدالتهم وإنما جعل الشرع المرأتين بمنزلة رجل واحد خوف أن تخطئ إحداهما فتذكرها الثانية لقلة ضبط النساء للأمور المالية وقلة عنايتهن بمثل ذلك لأن المرأة جبلت على الاشتغال بالمنزل والبيئة المنزلية وتربية الأولاد فكان تذكرها للمعاملات قليلا وهذا حكم غالبى والأحكام الشرعية تنظر للمجموع.
٨- ولا يأب الشهود إذا ما دعوا للشهادة فإن كتمانها معصية وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ إذ بالشهادة العادلة تتضح الحقوق ويمنع الظلم والجور، والأحسن أن يكون النهى شاملا لأدائها وتحملها.
٩- والدّين مهما كان صغيرا أو كبيرا لا تملوا من كتابته حتى يقطع النزاع والشقاق.
١٠- ذلك البيان السابق الشامل لجميع الأحكام أعدل في الحكم وأحرى بإقامة العدل بين المتعاملين، وأقوم للشهادة وأعون على إقامتها على وجهها وأقرب لانتفاء الريبة والشك.
١١- ما تقدم في المبايعات المؤجلة وفي الديون والسلم، أما في التجارة الحاضرة التي يأخذ المشترى ما اشترى والبائع الثمن فلا ضرورة للكتابة وليس عليكم جناح ألا تكتبوها إذ لا شك ولا نسيان يخاف منه، وفي نفى الجناح إشارة إلى استحباب ضبط
197
الإنسان لماله وإحصائه للداخل والخارج، انظر: أرقى النظم التجارية يأتى بها القرآن من أربعة عشر قرنا.
١٢- وأشهدوا إذا تبايعتم في التجارة الحاضرة والشهود تكفى في مثل ذلك.
١٣- لا ينبغي لكاتب أو شاهد أن يضر أحدا من المتعاملين بزيادة أو نقص ولا يليق بكم أيها المتعاملون أن تضروا كاتبا أو شهيدا بأى نوع من أنواع الضرر، إذ الدّين الإسلامى دين سلام وأمن ورحمة وعدل.
وإن تفعلوا ما نهيتم عنه فإنه خروج بكم عن الطاعة وحدود الإيمان.
١٤- واتقوا الله في جميع ما أمركم به ونهاكم عنه، والله يعلمكم ما به تحفظون أنفسكم وأموالكم وتقوون رابطتكم، فشرعه شرع الحكيم الخبير العليم البصير.
جواز الرهن [سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٣]
وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣)
المفردات:
فَرِهانٌ جمع رهن. وهو احتباس العين وثيقة بالحق ليستوفى الحق من ثمنها عند تعذر أخذه من الغريم.
هذا تقييد للأمر بالكتابة السابق.
١٢- وأشهدوا إذا تبايعتم في التجارة الحاضرة والشهود تكفى في مثل ذلك.
١٣- لا ينبغي لكاتب أو شاهد أن يضر أحدا من المتعاملين بزيادة أو نقص ولا يليق بكم أيها المتعاملون أن تضروا كاتبا أو شهيدا بأى نوع من أنواع الضرر، إذ الدّين الإسلامى دين سلام وأمن ورحمة وعدل.
وإن تفعلوا ما نهيتم عنه فإنه خروج بكم عن الطاعة وحدود الإيمان.
١٤- واتقوا الله في جميع ما أمركم به ونهاكم عنه، والله يعلمكم ما به تحفظون أنفسكم وأموالكم وتقوون رابطتكم، فشرعه شرع الحكيم الخبير العليم البصير.
جواز الرهن [سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٣]
وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣)
المفردات:
فَرِهانٌ جمع رهن. وهو احتباس العين وثيقة بالحق ليستوفى الحق من ثمنها عند تعذر أخذه من الغريم.
هذا تقييد للأمر بالكتابة السابق.
المعنى:
وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا كاتبا يكتب، أو لم تجدوا أدوات الكتابة فرهان مقبوضة للدائن يستوثق بها حتى يصل إليه حقه، هذا الرهن يقوم مقام الكتابة وكونهم في السفر لجواز عدم الكتابة، وفي الحضر ثابت بالسنة فقد رهن النبي صلّى الله عليه وسلّم درعه عند يهودي ومات عنها.
فإن اتفق أن أحدكم ائتمن آخر على شيء فعلى المؤتمن أن يؤدى الأمانة كاملة في ميعادها، وليتق الله ربه فلا يخون في الأمانة فالله هو الشاهد الرقيب عليه وكفى به شاهدا.
ولا تكتموا الشهادة فإن كتمان الشهادة وشهادة الزور من الكبائر، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، وخص القلب بالذكر لأنه أمير الجسد متى صلح صلح الجسد كله.
وكل ما تقدم من أعمال إيجابية كتأدية الأمانة والوفاء بالعهد، أو سلبية ككتم الشهادة، فالله به عليم وبصير يجازى عليه.
إحاطة علمه وتمام ملكه وقدرته [سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٤]
لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤)
المناسبة:
تقدم الكثير من الأحكام خصوصا الأحكام القريبة المتعلقة بالدين والشهادة وختمت الآية السابقة بقوله وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ فناسب أن يذكر شواهد علمه والأدلة عليه إذ مالك الشيء وخالقه لا بد أن يعلمه أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ.
وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا كاتبا يكتب، أو لم تجدوا أدوات الكتابة فرهان مقبوضة للدائن يستوثق بها حتى يصل إليه حقه، هذا الرهن يقوم مقام الكتابة وكونهم في السفر لجواز عدم الكتابة، وفي الحضر ثابت بالسنة فقد رهن النبي صلّى الله عليه وسلّم درعه عند يهودي ومات عنها.
فإن اتفق أن أحدكم ائتمن آخر على شيء فعلى المؤتمن أن يؤدى الأمانة كاملة في ميعادها، وليتق الله ربه فلا يخون في الأمانة فالله هو الشاهد الرقيب عليه وكفى به شاهدا.
ولا تكتموا الشهادة فإن كتمان الشهادة وشهادة الزور من الكبائر، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، وخص القلب بالذكر لأنه أمير الجسد متى صلح صلح الجسد كله.
وكل ما تقدم من أعمال إيجابية كتأدية الأمانة والوفاء بالعهد، أو سلبية ككتم الشهادة، فالله به عليم وبصير يجازى عليه.
إحاطة علمه وتمام ملكه وقدرته [سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٤]
لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤)
المناسبة:
تقدم الكثير من الأحكام خصوصا الأحكام القريبة المتعلقة بالدين والشهادة وختمت الآية السابقة بقوله وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ فناسب أن يذكر شواهد علمه والأدلة عليه إذ مالك الشيء وخالقه لا بد أن يعلمه أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ.
199
المعنى:
لله ما في السموات والأرض ملكا وخلقا وتصريفا وعلما، فهو العليم بكل شيء، وإن تظهروا ما استقر في نفوسكم وثبت من الخلق الكامن والداء الباطن أو تكتموه وتخفوه فالله محاسبكم عليه ومجازيكم به إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وهو يغفر لمن يشاء ذنبه بتوفيقه إلى التوبة والعمل الصالح الذي يمحو السيئة.
ويعذب من يشاء لأنه لم يعمل خيرا يكفر عنه سيئاته ولم يتب إلى الله، والله على كل شيء أراده قدير.
روي أن هذه الآية حين نزلت اشتد ذلك على الصحابة- رضى الله عنهم- فأتوا النبي وقالوا: يا رسول الله: كلفنا من الأعمال ما نطيق كالصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزل الله هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتريدون أن تقولوا: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير» ونزلت الآية التي بعدها. «١»
من هذه الرواية فهم بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها حيث فهم أن ما في نفوسكم هو الوساوس والخواطر التي لا يتأتى للإنسان دفعها.
والظاهر من النظم الكريم أن ما في نفوسكم أى: ما استقر في نفوسكم من الخلق الراسخ الثابت كالحب والبغض وكتمان الشهادة وقصد الخير والسوء.. إلخ.
أما الهواتف والخواطر فإن استرسلت فيها حسبت عليك وكانت من أعمالك وإن شغلت نفسك بغيرها وطردتها لم تحسب عليك، وهي في أولها مما لا يمكن دفعه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والآية الآتية ليست ناسخة ولكنها موضحة، أما قول الصحابة- رضى الله عنهم- فتأويله أنهم الأطهار الأبرار الذين يريدون أن يتطهروا من الإثم ومقدماته بل كل شيء يتعلق به، ولذا قالوا: حسنات الأبرار سيئات المقربين، فرضي الله عنهم أجمعين.
لله ما في السموات والأرض ملكا وخلقا وتصريفا وعلما، فهو العليم بكل شيء، وإن تظهروا ما استقر في نفوسكم وثبت من الخلق الكامن والداء الباطن أو تكتموه وتخفوه فالله محاسبكم عليه ومجازيكم به إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وهو يغفر لمن يشاء ذنبه بتوفيقه إلى التوبة والعمل الصالح الذي يمحو السيئة.
ويعذب من يشاء لأنه لم يعمل خيرا يكفر عنه سيئاته ولم يتب إلى الله، والله على كل شيء أراده قدير.
روي أن هذه الآية حين نزلت اشتد ذلك على الصحابة- رضى الله عنهم- فأتوا النبي وقالوا: يا رسول الله: كلفنا من الأعمال ما نطيق كالصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزل الله هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتريدون أن تقولوا: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير» ونزلت الآية التي بعدها. «١»
من هذه الرواية فهم بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها حيث فهم أن ما في نفوسكم هو الوساوس والخواطر التي لا يتأتى للإنسان دفعها.
والظاهر من النظم الكريم أن ما في نفوسكم أى: ما استقر في نفوسكم من الخلق الراسخ الثابت كالحب والبغض وكتمان الشهادة وقصد الخير والسوء.. إلخ.
أما الهواتف والخواطر فإن استرسلت فيها حسبت عليك وكانت من أعمالك وإن شغلت نفسك بغيرها وطردتها لم تحسب عليك، وهي في أولها مما لا يمكن دفعه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والآية الآتية ليست ناسخة ولكنها موضحة، أما قول الصحابة- رضى الله عنهم- فتأويله أنهم الأطهار الأبرار الذين يريدون أن يتطهروا من الإثم ومقدماته بل كل شيء يتعلق به، ولذا قالوا: حسنات الأبرار سيئات المقربين، فرضي الله عنهم أجمعين.
(١) أخرجه مسلم في كتاب الايمان باب تجاوز الله تعالى عن حديث النفس ٢/ ١٤٤.
200
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٨٥ الى ٢٨٦]
آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٨٦)المفردات:
وُسْعَها الوسع: ما تسعه قدرة الإنسان من غير حرج ولا عسر.
إِصْراً: حملا ثقيلا يشق علينا. الطاقة: مالا يدخل في مكنة الإنسان وطوقه، وما يطاق هو ما يمكن أن يأتيه ولو بمشقة.
الربط:
بدأ الله السورة بالكلام على القرآن والمؤمنين وأراد- سبحانه وتعالى- أن يختمها بالكلام عليهم ويبين حالهم ودعاءهم.
المعنى:
صدّق الرسول والمؤمنون بالذي أنزل إليهم من ربهم خصوصا ما في هذه السورة الكريمة من الآيات والأحكام. وما ذكر عن الرسل الكرام.
201
كل آمن بالله الواحد الأحد الفرد الصمد وملائكته الكرام على أنهم السفرة البررة بين الله وبين رسله، قاموا بتبليغ ما أنزل على الأنبياء من كتبه- جل شأنه- وآمن الكل بالرسل الكرام، لا نفرق نحن المؤمنين بين رسله، إذ كل الأنبياء المرسلين سواء في الرسالة والتشريع لا يختلف واحد عن واحد باعتبار تقدمه في الزمن أو تأخره أو كثرة أتباعه أو قلتهم مع إيمانهم بأن الله فضل بعض الرسل على بعض (في غير الرسالة والتشريع) كما سبق في قوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ وهذه مزية أتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم يؤمنون بكل الأنبياء لا يفرقون بين الأنبياء.
آمنوا بما ذكر وقالوا: سمعنا وأطعنا، أى: بلّغنا فسمعنا القول سماع وعى وقبول وأطعنا ما أمرنا به طاعة إذعان وانقياد معتقدين أن كل أمر ونهى إنما هو لخيرى الدنيا والآخرة.
ويسألون الله- تعالى- أن يغفر لهم ما عساهم يقعون فيه فيعوقهم عن الرقى في مدارج الكمال ومعارج الإيمان فهم يقولون: غفرانك ربنا وإليك المصير.
روى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما نزلت عليه هذه الآية قال له جبريل: «إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه» فسأل إلى آخر السورة. «١»
لا يكلف الله أحدا فوق طاقته بل أقل من طاقته، وهذا من لطف الله بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم. وهذه الآية هي الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة- رضى الله عنهم- والموضحة لقوله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ «٢» أى: هو وإن حاسب وسأل ولكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه وما في وسعه.
لكل نفس ما كسبت من خير، وما اكتسبت من شر فعليها وزرها، ويظهر لي- والله أعلم- أن السر في التعبير في جانب الخير (كسبت) وفي جانب الشر (اكتسبت) أن الخير لا يحتاج إلى عمل وجهد كثير ولا كذلك الشر فإنه يحتاج إلى تعمل ومخالفة للطبيعة.
علمنا الله هذا الدعاء لندعو به:
آمنوا بما ذكر وقالوا: سمعنا وأطعنا، أى: بلّغنا فسمعنا القول سماع وعى وقبول وأطعنا ما أمرنا به طاعة إذعان وانقياد معتقدين أن كل أمر ونهى إنما هو لخيرى الدنيا والآخرة.
ويسألون الله- تعالى- أن يغفر لهم ما عساهم يقعون فيه فيعوقهم عن الرقى في مدارج الكمال ومعارج الإيمان فهم يقولون: غفرانك ربنا وإليك المصير.
روى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما نزلت عليه هذه الآية قال له جبريل: «إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه» فسأل إلى آخر السورة. «١»
لا يكلف الله أحدا فوق طاقته بل أقل من طاقته، وهذا من لطف الله بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم. وهذه الآية هي الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة- رضى الله عنهم- والموضحة لقوله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ «٢» أى: هو وإن حاسب وسأل ولكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه وما في وسعه.
لكل نفس ما كسبت من خير، وما اكتسبت من شر فعليها وزرها، ويظهر لي- والله أعلم- أن السر في التعبير في جانب الخير (كسبت) وفي جانب الشر (اكتسبت) أن الخير لا يحتاج إلى عمل وجهد كثير ولا كذلك الشر فإنه يحتاج إلى تعمل ومخالفة للطبيعة.
علمنا الله هذا الدعاء لندعو به:
(١) أخرجه ابن جرير.
(٢) سورة البقرة آية ٢٨٤.
(٢) سورة البقرة آية ٢٨٤.
202
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، فتركنا ما ينبغي فعله أو فعلنا ما ينبغي تركه، والنسيان ينشأ من عدم العناية بالشيء والاهتمام به، والخطأ ينشأ من التساهل وعدم الاحتياط.
والله علمنا أن ندعوه ألا يؤاخذنا بالنسيان والخطأ، وهذا يذكرنا بما ينبغي من العناية والاحتياط والتفكير والتذكر لعلنا نسلم من الخطأ والنسيان، وإن وقع بعد ذلك منا شيء غفره لنا،
عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». «١»
كانت الأمم السابقة لعنادهم وعتوهم تكاليفهم شاقة، فتوبتهم بقتل التائب، وإزالة النجاسة بقطع موضعها وهكذا.
فعلمنا الله أن ندعوه بألا يكلفنا بالأعمال الشاقة والأعباء الثقيلة وإن أطقناها كما فعل مع الأمم السابقة فنبينا نبي الرحمة وشرعه السهل السمح وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. «٢»
ربنا ولا تحملنا ما لا قدرة لنا عليه من العقوبة والفتن، واعف عنا فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا، واغفر لنا فيما بيننا وبين عبادك فلا تطلعهم على عيوبنا وأعمالنا القبيحة، وارحمنا بأن توفقنا حتى لا نقع في ذنب آخر،
روى مسلم عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: قال الله: نعم «٣».
وعن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: قال الله: قد فعلت «٤».
أنت يا رب متولى أمورنا وناصرنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا ولا حول ولا قوة إلا بك، فانصرنا على القوم الكافرين آمين يا رب.
والله علمنا أن ندعوه ألا يؤاخذنا بالنسيان والخطأ، وهذا يذكرنا بما ينبغي من العناية والاحتياط والتفكير والتذكر لعلنا نسلم من الخطأ والنسيان، وإن وقع بعد ذلك منا شيء غفره لنا،
عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». «١»
كانت الأمم السابقة لعنادهم وعتوهم تكاليفهم شاقة، فتوبتهم بقتل التائب، وإزالة النجاسة بقطع موضعها وهكذا.
فعلمنا الله أن ندعوه بألا يكلفنا بالأعمال الشاقة والأعباء الثقيلة وإن أطقناها كما فعل مع الأمم السابقة فنبينا نبي الرحمة وشرعه السهل السمح وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. «٢»
ربنا ولا تحملنا ما لا قدرة لنا عليه من العقوبة والفتن، واعف عنا فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا، واغفر لنا فيما بيننا وبين عبادك فلا تطلعهم على عيوبنا وأعمالنا القبيحة، وارحمنا بأن توفقنا حتى لا نقع في ذنب آخر،
روى مسلم عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: قال الله: نعم «٣».
وعن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: قال الله: قد فعلت «٤».
أنت يا رب متولى أمورنا وناصرنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا ولا حول ولا قوة إلا بك، فانصرنا على القوم الكافرين آمين يا رب.
(١) أخرجه ابن ماجة في كتاب الطلاق باب طلاق المكره والناسي ٢٠٤٥.
(٢) سورة الحج آية ٧٨.
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب تجاوز الله تعالى عن حديث النفس ٢/ ١٤٤. [.....]
(٤) أخرجه مسلم في كتاب الايمان باب تجاوز الله تعالى عن حديث النفس ٢/ ١٤٥.
(٢) سورة الحج آية ٧٨.
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب تجاوز الله تعالى عن حديث النفس ٢/ ١٤٤. [.....]
(٤) أخرجه مسلم في كتاب الايمان باب تجاوز الله تعالى عن حديث النفس ٢/ ١٤٥.
203