تفسير سورة البقرة

تفسير الشافعي
تفسير سورة سورة البقرة من كتاب تفسير الشافعي .
لمؤلفه الشافعي . المتوفي سنة 204 هـ

٣- قال الشافعي : أخبرنا الثقة١٢ أن مجاهدا٣ كان يقول : الرعد ملَكٌ، والبرق أجنحة الملَكِ يَسُقْنَ السحاب٤. قال الشافعي : ما أشبه ما قال مجاهد بظاهر القرآن !
أخبرنا الثقة عن مجاهد أنه قال : ما سمعت بأحد ذهب البرق ببصره٥ كأنه ذهب إلى قول الله عز وجل :﴿ يَكَادُ اَلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ﴾. ( الأم : ١/٢٥٤. ون أحكام الشافعي ١/٩٨-٩٩. ومعرفة السنن والآثار : ٣/١١٠. )
ـــــــــــــــــ
١ - قال الإمام الحافظ أبو حاتم الرازي: إذا قال الشافعي: أخبرني الثقة عن ابن أبي ذئب فهو: ابن أبي فُدَيْك. وإذا قال: الثقة عن الليث بن سعد فهو: يحيى بن حسان. وإذا قال: الثقة عن الوليد بن كثير فهو: عُمَر بن سلمة. وإذا قال: الثقة فهو: مسلم بن خالد الزنجي. وإذا قال: الثقة عن صالح مولى التوأمة فهو: إبراهيم بن أبي يحيى.
وقال الربيع: إذا قال الشافعي: أخبرني من لا أتهم يريد: إبراهيم بن يحيى. وإذا قال: بعض أصحابنا يريد: أهل الحجاز، وفي رواية: يريد أصحاب مالك رحمه الله. الجرح والتعديل: ١/١٠٤. ومقدمة الرسالة ص: ٧٤. ون هامش الأم ١/٢٥٢..

٢ - مسلم بن خالد الزنجي المكي مولى بني مخزوم، عالم الحرم أبو خالد. عن: ابن أبي مليكة، والزهري، وعمرو. وعنه: الشافعي، ومسدد، والحميدي. وُثِّقَ. وضعفه أبو داود لكثرة غلطه، ت سنة: ١٨٠هـ. الكاشف: ٣/١٢١. ون التهذيب:
٨/١٥١. وقال في التقريب: فقيه صدوق كثير الأوهام. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٣٧١ فقال: بل ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد. فقد ضعفه أبو جعفر النفيلي، وأبو داود، وعلي بن المديني، والنسائي، والبخاري وقال: منكر الحديث، ذاهب الحديث. وأبو حاتم الرازي، وأبو زرع الرازي، وابن نمير، والبزار، والذهبي بعد أن ساق له عدة أحاديث وقال: هذه الأحاديث وأمثالها تُرَد بها قوة الرجل ويُضَعَّفْ. واختلف فيه قول ابن معين والدارقطني، فوثقاه مرة وضعفاه مرة أخرى. وقال ابن عدي: حسن الحديث وأرجو أنه لا بأس به. وقال ابن سعد: وكان كثير الحديث كثير الغلط والخطا في حديثه..

٣ - مجاهد بن جَبْر، أبو الحجاج مولى السائب بن أبي السائب المخزومي. عن: أبي هريرة، وابن عباس، وسعد. وعنه: قتادة، وابن عون، وسيف بن سليمان. وحديثه عن عائشة في البخاري ومسلم، وابن معين يقول: لم يسمعها. ت سنة: ١٠٤هـ، وقد رأى هاروت وماروت فكاد يتلف، إمام في القراءة والتفسير، حجة. الكاشف: ٣/١٠١. ون التهذيب: ٨/٤٨. وقال في التقريب: ثقة إمام في التفسير وفي العلم. .
٤ - رواه البيهقي في كتاب صلاة الاستسقاء باب: ما جاء في الرعد: ٣/٣٦٣..
٥ - رواه البيهقي في كتاب صلاة الاستسقاء باب: ما جاء في الرعد: ٣/٣٦٣..
٤- قال الشافعي رحمه الله تعالى : من ترك الصلاة المكتوبة ممن دخل في الإسلام، قيل له : لم لا تصلي ؟ فإن ذكر نسيانا قلنا : فصل إذا ذَكَرْت، وإن ذكر مرضا، قلنا : فصلِّ كيف أطقت، قائما أو قاعدا أومضطجعا أو مُومياً١. فإن قال : أنا أطيق الصلاة وأحسنها ولكن لا أصلي، وإن كانت عليَّ فرضاًً، قيل له : الصلاة عليك شيء لا يعمله عنك غيرك، ولا تكون إلا بعملك، فإن صليت وإلا استتبناك، فإن تبت وإلا قتلناك، فإن الصلاة أعظم من الزكاة. والحُجَّةُ فيما وصفتُ من أن أبا بكر رضي الله عنه قال : لو منعوني عقالاً٢ مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، لا تفرقوا بين ما جمع الله٣.
قال الشافعي : يذهب فيما أرى - والله تعالى أعلم - إلى قول الله تبارك وتعالى ﴿ وَأَقِيمُوا اَلصَّلَواةَ وَءَاتُوا اَلزَّكَواةَ ﴾. وأخبرنا أبو بكر : أنه إنما يقاتلهم على الصلاة والزكاة. ( الأم : ١/٢٥٥. ون معرفة السنن والآثار : ٣/١١٧ و ٦/٢٨٠-٢٨١. )
١ - وَمَا إليه يما وَمْأً: أشار، مثل أوما الليث: الإيماء أن تومئ برأسك أو بيدك كما يومئ المريض برأسه للركوع والسجود. وقد تقول العرب: أوما برأسه أي قال: لا. لسان العرب: ومأ..
٢ - عِقَالٌ: بكسر العين، ج عُقَلْ: الحبل الذي يعقل به البعير أي أن يضم رسغ يده إلى عضده، ويربطان معا بحبل. معجم لغة الفقهاء..
٣ - هو جزء من حديث رواه البخاري في أول الزكاة (٣٠)(ر١٣٣٥)، وفي باب: أخذ العناق (٣٩)(ر١٣٨٨)، وفي استتابة المرتدين والمعاندين (٩٢) باب: قتل من أبى قبول الفرائض (٣)(ر٦٥٢٦)، وفي الاعتصام بالكتاب والسنة (٩٩) باب: الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم (٢)(ر٦٨٥٥). ورواه مسلم في أول الإيمان باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله (٨)(ر٢٠). وأبو داود في أول الزكاة. والترمذي في الإيمان. والنسائي في تحريم الدم وفي الجهاد..
٥- قال الشافعي رحمه الله تعالى : وكل ما كان مأكولا من طائر أو دابة، فأن يُذبح أحبُّ إليَّ، وذلك سنَّتُه ودلالة الكتاب فيه، والبقرُ داخلةٌ في ذلك لقوله عز وجل :﴿ إِنَّ اَللهَ يَامُرُكُمُ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾ وحكايته فقال :﴿ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾١. إلا الإبل فقط فإنها تُنْحَر، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بَدَنَةًً٢. فَموضع النحر في الاختيار في السنة في اللَّبَّة٣، وموضع الذبح في الاختيار في السنة أسفل من اللَّّّحْيَيْنِ٤.
والذكاة في جميع ما ينحر ويذبح ما بين اللبة والحلق، فأيْنَ ذبح من ذلك أجزأه فيه ما يجزيه إذا وضع الذبح في موضعه. وإن نحر ما يذبح أوذبح ما ينحر، كرهته له، ولم أحَرِّمه عليه، وذلك أن النحر والذبح ذكاة كله، غير أني أحب أن يَضع كل شيء من ذلك موضعه لا يعدوه إلى غيره. ( الأم : ٢/٢٣٩. )
١ - البقرة: ٧١..
٢ - البدنة: ناقة أو بقرة تنحر بمكة قربانا. والهاء فيها للواحدة لا للتأنيث. مثل: قمحة وشعيرة. وتطلق على الذكر والأنثى، سمية بذلك لِسِمَنِهَا. ويقال بدن: إذا سمن، جمع بُدْنٌ وَبُدُنٌ وفي التنزيل العزيز: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اِللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ (الحج: ٣٦) القاموس الفقهي: البدنة.
والحديث رواه البخاري في الحج (٣٢) باب: التحميد والتسبيح والتكبير (٢٦)(ر١٤٧٦) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بَدَنَاتٍ بيده قياما، وذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة كبشين أملحين. ورواه البيهقي في الضحايا باب: الذبح في الغنم والبقر والفرس والطائر، والنحر في الإبل ٩/٢٧٩..

٣ - اللبة: الثُّغْرَةُ التي أسفل العنق، وهي موضع النحر. القاموس الفقهي: لَبَّ. وقال في اللسان: اللبة هي اللِّهْزِمَةُ التي فوق الصدر، وفيها تنحر الإبل. قال ابن سيده: وهو الصحيح عندي. اللسان: لَبَبَ..
٤ - اللَّحْيان: حائطا الفم وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان من داخل الفم من كل ذي لحي، قال ابن سيده: يكون للإنسان والدابة. اللسان: لحا..
٦- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا اَلشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ اَلشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ اَلنَّاسَ اَلسِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى اَلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنَ اَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ اَلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنَ اَحَدٍ اِلا بِإِذْنِ اِللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اِشْتَرَياهُ مَا لَهُ فِى اِلاَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان بن عيينة١، عن هشام بن عروة٢،
عن أبيه٣، عن عائشة أم المؤمنين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« يا عائشةُ أما علمت أن الله أفتاني٤ في أمر استفتيته فيه - وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث كذا وكذا يُخيَّل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن٥ - أتاني رجلان٦، فجلس أحدهما عند رجلي، والآخر عند رأسي، فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي : ما بال الرجل ؟ قال : مَطْبُوب٧. قال : ومن طَبَّهُ ؟ قال : لَبِيدُ بن أَعْصَمَ٨، قال : وفيم ؟ قال : في جُفِّ طَلْعَةٍ٩ ذَكَرٍ في مُشْطٍ١٠
ومُشَاقَةٍ١١ تحت رَعُونَةٍ أو رَعُوفَةٍ١٢ في بئر ذَرْوَانَ١٣. قال : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :« هذه التي أُورِيتُها كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين١٤، وكأن ماءها نُقَاعَةُ الحِنَّاء »١٥. قال : فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأُخْرِج. قالت عائشة : فقلت يا رسول الله فَهَلاَّ ؟ -قال سفيان : تعني تَنَشَّرْتَ١٦ – قالت : فقال :« أمَّا الله عز وجل فقد شفاني، وأكره أن أُثِيرَ١٧ على الناس منه شراً » قال : ولبيد بن أعصم من بني زُرَيْقٍ١٨ حليف اليهود١٩.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار٢٠ أنه سمع بَجَالَةَ٢١ يقول : كتب عُمَر : أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، فقتلنا ثلاث سَوَاحِر. وأخبرنَا أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها٢٢.
قال الشافعي : والسحر٢٣ اسم جامع لمعاني مختلفة. فيقال للساحر : صف السحر الذي تسحر به، فإن كان ما يسحر به كلام كفر صريح استتيب منه، فإن تاب وإلا قتل وأخذ ماله فيئا٢٤. وإن كان ما يسحر به كلاما لا يكون كفرا وكان غير معروف، ولم يضر به أحدا نهي عنه، فإن عاد عُزِّرَ٢٥. وإن كان يعمل عملا إذا عمله قتل المعمول به، وقال : عمدت قتله، قتل به قَوَداً٢٦، إلا أن يشاء أولياؤه أن يأخذوا ديته٢٧ حالة في ماله. وإن قال : إنما أعمل بهذا لأقتل، فيخطئ القتل ويصيب، وقد مات مما عملت به، ففيه الدية ولا قَوَد. وإن قال : قد سحرته سحرا مرض منه ولم يمت منه، أقسم أولياؤه لمات من ذلك العمل، وكانت لهم الدية ولا قَوَد لهم. ولا يغنم مال الساحر إلا في أن يكون السحر كفرا مصرحا. وأمْرُ عمر أن يقتل السُّحَّار عندنا – والله تعالى أعلم – إن كان السحر كما وصفنا شركا، وكذلك أمْرُ حفصة٢٨. ( الأم : ١/٢٥٦-٢٥٧. ون معرفة السنن والآثار : ٦/٢٧٥-٢٧٧. )
١ - سفيان بن عيينة، أبو محمد الهلالي مولاهم الكوفي الأعور، أحد الأعلام. عن: الزهري، وعمرو بن دينار. وعنه: أحمد، وعلي، والزعفراني. ومن شيوخه: الأعمش، وابن جريج. ثقة ثبت حافظ إمام. ت في رجب سنة: ١٩٨هـ. الكاشف: ١/٣٣٢ ون وفيات الأعيان: ٢/٣٩١. والتهذيب: ٣/٤٠٣. وقال في التقريب: ثقة حافظ فقيه إمام حجة، إلا أنه تغير حفظه بِأَخَرَةٍ وربما دلس لكن عن الثقات. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٥١ بقوله: قوله: «تغير حفظه بأخرة» لا يصحُّ، فقد رده الذهبي على من قاله بقوة، فقال: هذا منكر من القول ولا يصح ولا هو بمستقيم. (ون التعليق على تهذيب الكمال)..
٢ - هشام بن عروة، أبو المنذر، وقيل أبو عبد الله القرشي، أحد الأعلام. سمع عمه ابن الزبير، وأباه. وعنه شعبة، ومالك، والقطان. ت سنة: ١٤٦هـ. قال أبو حاتم: ثقة إمام في الحديث. الكاشف: ٣/٢١١. ون وفيات الأعيان: ٦/٨٠. والتهذيب: ٩/٥٦. وقال في التقريب: هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي ثقة فقيه ربما دلس. وتعقبه صاحب التحرير ٤/٤١ بقوله: قوله: «ربما دلس» كأنه أخذه من قول يعقوب بن شيبة: ( ثبت ثقة، لم ينكر عليه شيء إلا بعدما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده، والذي يرى أن هشاما يُسهِّل لأهل العراق أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمعه منه، فكان تسهله أنه أرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه) وذكر مثل ذلك ابن خراش عن مالك. على أن روايته عن أبيه في دواوين الإسلام، ومنها الصحيحان، فلا يعتد بهذا..
٣ - عروة بن الزبير، أبو عبد الله. عن أبويه، وخالته (يعني عائشة)، وعلي، وخلق. وعنه: بنوه عثمان وعبد الله وهشام ويحيى ومحمد، والزهري. قال ابن سعد: كان فقيها عالما كثير الحديث ثبتا مأمونا. وقال هشام: صام أبي الدهر، ومات وهو صائم، في موته أقوال منها سنة ٩٣هـ وسنة ٩٤هـ. الكاشف: ٢/٢٥٧. ون الطبقات الكبرى:
٥/١٧٨. والتهذيب: ٥/٥٤٥. وقال في التقريب: ثقة فقيه مشهور..

٤ - أفتاني: أخبرني..
٥ - قال ابن حجر: قال المازري: وقد قال بعض الناس: إن المراد بالحديث أنه كان صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطأهن، وهذا كثيرا ما يقع تخيله للإنسان في المنام، فلا يَبْعُدُ أن يخيل إليه في اليقظة. وقال عياض: يحتمل أن يكون المراد بالتخييل المذكور: أنه يظهر له من نشاطه ما ألفه من سابق عادته من الاقتدار على الوطء، فإذا دنا من المرأة فَتَرَ عن ذلك كما هو شأن المعقود. وقال المهلب: صون النبي صلى الله عليه وسلم من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده، فقد مضى في الصحيح أن شيطانا أراد أن يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه، فكذلك السحر ما ناله من ضرره ما يدخل نقصا على ما يتعلق بالتبليغ، بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض: من ضعف عن الكلام، أو عجز عن بعض الفعل، أو حدوث تخيل لا يستمر، بل يزول ويبطل الله كيد الشياطين. الفتح: كتاب الطب (٧٦) باب: السحر (٤٧) ١٠/٢٧٨-٢٧٩..
٦ - رجلان: أي ملكان في صورة رجلين. صحيح البخاري: ٣/١١٩٢..
٧ - مَطْبُوبٌ: أي مسحور، كَنَّوا بالطب عن السحر تفاؤلا بالبرء. والطِّبُّ والطُّبُّ: السحر. اللسان: طبب..
٨ - هو لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زُرَيْقٍ وكان منافقا. وقال ابن الجوزي: هذا يدل على أنه كان أسلم نفاقا وهو واضح، وقد حكى عياض في «الشفا» أنه كان أسلم، ويحتمل أن يكون قيل له يهودي لكونه كان من حلفائهم لا أنه كان على دينهم. وبنو زُرَيْقٍ بطن من الأنصار مشهور من الخزرج. فتح الباري: ١٠/٢٧٧..
٩ - جُفُّ طَلْعَةٍ: غِشَاء الطَّلْعِ إِذَا جَفَّ، وعمَّ بعضهم فقال: هو وعاء الطلع. اللسان: جفف..
١٠ - مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ: قال ابن الأثير: هو الشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند التسريح بالمشط: اللسان: مشط..
١١ - المَشْقُ: المَشْطُ، والمشق جذب الكتان في ممشقة حتى يخلص خالصه وتبقى مُشَاقَتُه. اللسان: مَشَقَ. وفي البخاري «في مُشْطٍ ومُشَاطَةٍ»..
١٢ - رَعُوفَة: لفظ منكر، والذي عليه أهل اللغة هو: راعوفة. وراعوفة البئر: صخرة تترك في أسفل البئر. ويقال: هو حجر يكون على رأس البئر يقوم عليه المستقي. وفيها لغتان: رَاعُوفَة وأُرْعُوفَةٌ بالضم، حكاهما أبو عبيد. الصحاح: رعف. وفي البخاري «تحت رَعوفة »..
١٣ - ذروان: بئر لبني زريق بالمدينة يقال لها ذروان. ن معجم البلدان..
١٤ - رؤوس الشياطين: أي شبيه لها لقبح منظره..
١٥ - قال ابن برِّي: والنُقاعة اسم ما أُنْقِع فيه الشيء، وكل ما ألقي في ماء فقد أُنْقِعَ. اللسان: نقع. ونقاعة الحناء: الحناء المختلطة بالماء..
١٦ - التنشير من النُشْرَةِ، وهي كالتعويذ والرُّقْيَة. قال الكِلابي: « فإذا نُشِّرَ المسفوع كان كأنما أنشط من عقال» أي يذهب عنه سريعا، وفي الحديث أنه قال: « فلعل طِبّا أصابه » يعني سحرا، ثم نشَّرَهُ ب ﴿قُلَ اَعُوذُ بِرَبِّ اِلنَّاسِ﴾ أي: رقاه. وكذلك إذا كتب له النُّشْرَة. الصحاح: نشر. وهو من كلام سفيان بن عيينة يشرح مراد عائشة رضي الله عنها بقولها: فهلا؟
وأخرج البخاري في الطب باب: هل يُسْتخرجُ السحر؟ وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طِبُّ، أو يُأَخَّذُ عن امرأته، أيُحَلُّ عنه أو يُنَشَّر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع الناس فلم يُنْهَ عنه.
قال ابن حجر: كذا أورد الترجمة بالاستفهام إشارة إلى الاختلاف، وصدر بما نقله عن سعيد بن المسيب من الجواز إشارة إلى ترجيحه. الفتح: كتاب الطب (٧٦) باب: هل يستخرج السحر (٤٩)(ر٥٧٦٥)..

١٧ - قال ابن حجر: قال النووي: خشي من إخراجه وإشاعته ضررا على المسلمين مِنْ تذكر السحر وتعلمه ونحو ذلك، وهو من باب: ترك المصلحة خوفا من المفسدة. الفتح: كتاب الطب، باب: السحر (ر٥٧٦٣)..
١٨ - بني زريق بن معاوية بن بكر بن هوازن، إحدى القبائل العربية. ن المقتضب من كتاب جمهرة النسب ص: ١٧٠..
١٩ - رواه البخاري في الطب (٧٩) باب: هل يستخرج السحر (٤٨)(ر٥٤٣٢) عن سفيان بنحوه وفي باب: السحر
(٤٦)(ر٥٤٣٠) وفي باب: السحر (٤٩)(ر٥٤٣٣). وفي الأدب (٨١) باب: قول الله تعالى ﴿إِنَّ اَللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالاِحْسَانِ﴾ (النحل: ٩٠) (٥٦)(ر٥٧١٦) وفي الدعوات (٨٣) باب: تكرير الدعاء (٥٧)(ر٦٠٢٨). ورواه مسلم في السلام (٣٩) باب: السحر (١٧)(ر٢١٨٩). ورواه الشافعي في المسند (ر١٣٠١)..

٢٠ - عمرو بن دينار أبو محمد مولى قريش، مكي إمام. عن: ابن عباس، وابن عمر، وجابر. وعنه: شعبة، والسفيانان، ومالك. ت سنة ١٢٦هـ في أولها عن ثمانين سنة. الكاشف: ٢/٣١٧. ون الطبقات الكبرى: ٥/٤٧٩. والتهذيب: ٦/١٤٠. وقال في التقريب: ثقة ثبت..
٢١ - بَجَالةُ بن عَبْدَةَ كاتب جَزْءِ بن معاوية. عن: ابن عوف وغيره. وعنه: قتادة، وعمرو بن دينار. الكاشف: ١/١٠٠. ون الطبقات الكبرى: ٧/١٣٠. والتهذيب: ١/٤٣٤. وقال في التقريب: ثقة..
٢٢ - رواه مالك في العقول (٤٣) باب: ما جاء في الغيلة والسحر (١٩)(ر١٤). والشافعي في المسند (ر١٣٠٢)..
٢٣ - قال الأزهري: السحر عمل تُقُرِّبَ فيه إلى الشيطان وبمعونة منه، كل ذلك الأمر كينونة للسحر. ومن السحر الأُخْذَة ُ التي تأخذ العين حتى يُظن أن الأمر كما يُرى وليس الأصل على ما يُرى. والسحر: الأُخْذة. وكل ما لَطُف مأخذه ودُقَّ فهو سحر. اللسان: سحر..
٢٤ - الفيء: الغنيمة. وفي قول العلماء: هو كل ما حصل للمسلمين من أموال الكفار بغير قتال (ابن حجر) القاموس الفقهي: فاء..
٢٥ - عزَّره: أدَّبهُ. والتعزير شرعا: تأديب على ذنب لا حد فيه، ولا كفارة غالبا. القاموس الفقهي: عزر..
٢٦ - القَوَدُ: القصاص. وأقَدْتُ القاتل بالقتيل: أي قتلته به. يقال: أقَادَه السُّلطان من أخيه. الصحاح: قود..
٢٧ - الدِّيَة: المال الواجب في إتلاف نفس الإنسان أو عضو كامل من أعضائه. معجم لغة الفقهاء..
٢٨ - هي حفصة أم المؤمنين بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما..
٧- قال الشافعي : والناسخ١ من القرآن : الأمر ينزله الله من بعد الأمر يخالفه، كما حول القبلة، قال ﴿ فَلَنُوَلِيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا ﴾٢ وقال :﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ مَا وَلّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ اَلتِى كَانُوا عَلَيْهَا ﴾٣ وأشباه له كثيرة في غير موضع.
قال : ولا ينسخ كتاب الله إلا كتابه لقول الله :﴿ مَا نَنسَخْ مِنَ ءايَةٍ اَوْ نُنسِهَا نَاتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ﴾ وقوله :﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا ءَايَةً مَّكَانَ ءَايَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ﴾٤ فأبان أن نسخ القرآن لا يكون إلا بقرآن مثله.
وأبان الله جل ثناؤه أنه فرض على رسوله اتباع أمره فقال :﴿ اَتَّبِعْ مَا أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ﴾٥ وشهد له باتباعه فقال جل ثناؤه :{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ
اِللَّهِ }٦ فأعلم خلقه أنه يهديهم إلى صراطه.
قال : فتقام سنة رسول الله مع كتاب الله جل ثناؤه مقام البيان عدد فرضه، كبيان ما أراد بما أنزل عاما، العَامَّ أراد به أو الخاص، وما أنزل فرضا وأدبا إباحة وإرشادا، إلا أن شيئا من سنة رسول الله يخالف كتاب الله في حال، لأن الله جل ثناؤه قد أعلم خلقه أن رسوله يهدي إلى صراط مستقيم صراط الله، ولا أن شيئا من سنن رسول الله ناسخ لكتاب الله، لأنه قد أعلم خلقه أنه إنما ينسخ القرآن بقرآن مثله، والسنة تبع للقرآن. ( اختلاف الحديث : ٤٨٣-٤٨٤. )
١ - قال الأصفهاني: النَّسْخُ: إزالة شيء بشيء يتعقبه... ونسخ الكتاب إزالة الحكم بحكم يتعقبه، قال تعالى: ﴿ مَا نَنسَخْ مِنَ ـايَةٍ اَوْ نُنسِهَا نَاتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا ﴾قيل معناه ما نزيل العمل بها أو نحذفها عن قلوب العباد، وقيل معناه ما نوجده وننزِّله من قولهم نسخت الكتاب، وما ننسأه أي نأخره فلم ننزِّله. المفردات: نسخ..
٢ - البقرة: ١٤٤..
٣ - البقرة: ١٤٢..
٤ - النحل: ١٠١..
٥ - الأنعام: ١٠٦..
٦ - الشورى: ٥٢-٥٣..
٨- قال الشافعي رحمه الله تعالى :﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا اَلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً ﴾ إلى قوله :﴿ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ قال الشافعي : المثابة في كلا م العرب : الموضع يثوب الناس إليه، ويثوبون : يعودون إليه بعد الذهاب منه. وقد يقال : ثاب إليه : اجتمع إليه. فالمثابة : تجمع الاجتماع. ويثوبون : يجتمعون إليه راجعين بعد ذهابهم منه ومبتدئين.
قال١ ورقة بن نوفل٢ يذكر البيت :
مَثَابا لأَفْنَاء٣ القَبَائِلِ كُلــِّهَا تَخُبُّ٤ إِلَيْهِ اليَعْمَلاَتُ٥ الذَّوَامِلُ٦
وقال خِدَاشُ بن زهير النصري٧ :
فَمَا بَرِحَتْ بَكْرُ٨ تَثُوبُ وَتَدَّعِي وَيَلْحَقُ مِنْهُمْ أَوَّلُونَ وَأُخَـــرُ
وقال الله عز وجل :﴿ أَوَلَمْ يَرَوَا اَنَّا جَعَلْنَا حَرَما ـامِنا وَيُتَخَطَّفُ اَلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمُ ﴾٩ يعني ـ والله أعلم ـ آمنا من صار إليه لا يتخطف اختطاف من حولهم. ( الأم : ٢/١٤٠-١٤١. ون أحكام الشافعي : ١/١١٩-١٢٠. ومعرفة السنن والآثار : ٤/١٦٥-١٦٧. )
١ - قوله: قال ورقة بن نوفل، كذا في نسخ الأم، ونسب الشافعي البيت لأبي طالب، ن اللسان: ثوب..
٢ - هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزة. ت نحو ١٢ قبل الهجرة. حكيم جاهلي من قريش، اعتزل الأوثان قبل الإسلام، وامتنع عن أكل ذبائحها، وتنصر. أدرك أوائل عصر النبوة، ولم يدرك الدعوة، وهو ابن عم خديجة رضي الله عنها. وفي الحديث عن أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ورقة فقال: « يبعث يوم القيامة أمة واحدة ». الأعلام: ٨/١٤. ون الاشتقاق: ١٦٤..
٣ - أفناء: أي أخلاط. ورجل من أفناء القبائل: أي لا يدرى من أي قبيلة هو. اللسان: فني..
٤ - الخَبَبُ: السرعة، وقد خبت الدابة تخب بالضم خبا وخببا وخبيبا. اللسان: خبب..
٥ - ج يعملة، واليَعْمَلَةُ: الناقة النجيبة المطبوعة على العمل. الصحاح: عمل..
٦ - الذميل: ضرب من سير الإبل. يسير ذميلا: أي سيرا سريعا لينا. وهي ناقة ذمول من نوق ذُمُلٍ. وجمع الذاملة من النوق: الذوامل. اللسان: ذمل.
ومعنى البيت: أن شتى القبائل تثوب إلى بيت الله الحرام بسرعة وشوق لمكانته في قلوبهم، والله أعلم..

٧ - خداش بن زهير من بني عامر بن صعصعة، شاعر جاهلي من أشراف بني عامر وشجعانهم. كان يلقب «بفارس الضحياء» ويقال بأن قريشا قتلت أباه في حرب فجار فهجاها، وشهد حنينا مع المشركين. قال أبو عمرو بن العلاء: هو أشعر من لبيد، وأبى الناس إلا تقدمة لبيد. الأعلام: ٢/٣٠٢..
٨ - بني بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضار، إحدى القبائل العربية. ن المقتضب ص: ٧٥..
٩ - العنكبوت: ٦٧..
٩- قال الشافعي : ففرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله فقال في كتابه :﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمُ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ اَلْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمُ إِنَّكَ أَنتَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ ﴾ وقال جل ثناؤه :﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِّنكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُم ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ اَلْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾١ وقال :﴿ لَقَدْ مَنَّ اَللَّهُ عَلَى اَلْمُومِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِّنَ اَنفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمُ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ اَلْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾٢ وقال جل ثناؤه :﴿ هُوَ اَلذِى بَعَثَ فِى اِلاُمِّيِّنَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمُ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ اَلْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾٣ وقال :﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ اَلْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ﴾٤ وقال :﴿ وَأَنزَلَ اَللَّهُ عَلَيْكَ اَلْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اَللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾٥ وقال :﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِى بُيُوتِكُنَّ مِنَ ـايَاتِ اِللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اَللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾٦.
فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت مَن أرضى مِن أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة سنة رسول الله. وهذا يشبه ما قال، والله أعلم.
لأن القرآن ذُكر وأُتْبِعَتْهُ الحكمة، وذَكَرَ الله مَنَّهُ على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يَجُزْ ـ والله أعلم ـ أن يقال الحكمة هاهنا إلا سُنة رسول الله. وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسوله، وحتَّم على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقول فَرْضٌ إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله لما وصفنا، من أن الله جعل الإيمان برسوله مقرونا بالإيمان به.
وسنة رسول الله مبينة عن الله معنى ما أراد، دليلا على خاصِّه وعامِّه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله. ( الرسالة : ٧٦-٧٩. ون أحكام الشافعي : ١/٢٨-٢٩. )
١ - البقرة: ١٥١..
٢ - آل عمران: ١٦٤..
٣ - الجمعة: ٢..
٤ - البقرة: ٢٣١..
٥ - النساء: ١١٣..
٦ - الأحزاب: ٣٤..
١٠- قال الشافعي : وفرض الله على اللسان القَوْلَ والتعبيرَ عن القلب بما عقد وأقر به، فقال في ذلك :﴿ قُولُوا ءَامَنَّا بِاللَّهِ ﴾ وقال :﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾١ فذلك ما فرض الله على اللسان من القول والتعبير عن القلب، وهو عمله. والفرض عليه من الإيمان. ( مناقب الشافعي : ١/٣٨٩. )
١ - البقرة: ٨٣..
١١- قال الشافعي : وسمى الطَّهُورَ والصلوات إيمانا في كتابه، وذلك حين صرف الله تعالى وجه نبيه صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، وأمره بالصلاة إلى الكعبة. وكان المسلمون قد صلوا إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا، فقالوا : يا رسول الله ! أرأيت صلاتنا التي كنا نصليها إلى بيت المقدس ما حالها وحالنا ؟ فأنزل الله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اَللَّهُ لِيُضِيعَ إِيـمَانَكُم إِنَّ اَللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ ١ فسمى الصلاة إيمانا. فمن لقي الله حافظا لصلواته، حافظا لجوارحه، مؤديا بكل جارحة من جوارحه ما أمر الله به وفرض عليها، لقي الله مستكمل الإيمان من أهل الجنة. ومن كان لشيء منها تاركا متعمدا مما أمر الله به لقي الله ناقص الإيمان. ( مناقب الشافعي : ١/٣٩٢. ون مناقب الإمام الشافعي : ١٢٣. و أحكام الشافعي : ١/٦٧. ومعرفة السنن والآثار : ١/٤٨٤. )
ـــــــــــــــــ
١٢- قال الشافعي : واعلموا أن الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان. ثم للإيمان أصل وفرع، فأصله ما إذا تركه العبد كفر، كالمعرفة والتصديق واعتقاد ما يجب من أحكام المكلفين كما بينا. وفرعه ما إذا تركه العبد لم يكفر، ولكن يعصي في ترك البعض، كالصلوات المفروضات وغيرها من الواجبات، وفي البعض يكون تاركا للأفضل كالنافلة من الصلوات وغيرها.
فالزيادة والنقصان إنما يحصل على هذه الطريقة في فروع الإيمان لا في أصله. لأن النقصان من الأصل كفر، ولا يكون فيه زيادة ولا نقصان، لأنه يجب عليه اعتقاد الجميع حتى يقع عليه اسم المؤمن. والإيمان شامل لجميع ذلك لقوله عز وجل :﴿ وَمَا كَانَ اَللَّهُ لِيُضِيعَ إِيـمَانَكُم ﴾٢ أي صلواتكم نحو بيت المقدس، فسمى الصلاة إيمانا. ( الكوكب الأزهر شرح الفقه الأكبر : ٢٨. )
١ - رواه البخاري بتمامه في الإيمان (٢) باب: الصلاة من الإيمان (٢٩)(ر٤٠) وفي التفسير (٦٨) باب: ﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ﴾ (١٤)(ر٤٢١٦). وأبو داود في السنة (٣٤) باب: الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه (١٦)(ر٤٢٨٠). والترمذي في التفسير (٤٤) باب: ومن سورة البقرة (٣)(ر٢٩٦٤). ون لُبَابُ النقول: ٢٩..
٢ - البقرة: ١٤٣..
١٣- قال الشافعي رحمه الله : أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم فَرْضَ القبلة بمكة، فكان يصلي في ناحية يستقبل منها البيت الحرام، وبيت المقدس ؛ فلما هاجر إلى المدينة استقبل بيت المقدس موليا عن البيت الحرام، ستة عشر شهرا، وهو يحب لو قضى الله إليه باستقبال البيت الحرام، لأن فيه مقام أبيه إبراهيم، وإسماعيل، وهو المثابة للناس والأمن، وإليه الحج، وهو المأمور به أن يطهَّر للطائفين والعاكفين والركع السجود، مع كراهية رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وافق اليهود.
فقال لجبريل عليه السلام :« لودِدْت أن ربي صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها » فأنزل الله عز وجل :﴿ وَلِلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللَّهِ ﴾١ يعني والله أعلم : فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه٢. فقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد أنا عبد مأمور مثلك، لا أملك شيئا، فسل الله. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يوجهه إلى البيت الحرام، وصعد جبريل عليه السلام إلى السماء، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يديم طَرْفَهُ إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل عليه السلام بما سأل، فأنزل الله عز وجل :﴿ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى اِلسَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ ﴾٣ إلى قوله :﴿ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِى ﴾٤.
في قوله :﴿ وَإِنَّ اَلذِينَ أُوتُوا اَلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ اَلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾٥ يقال : يجدون ـ في ما نزل عليهم ـ أن النبي الأمي من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام يخرج من الحرم، وتعود قبلته وصلاته مَخْرَجَهُ، يعني الحرم.
وفي قوله تعالى :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِيَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾٦ قيل في ذلك والله أعلم : لا تستقبل المسجد الحرام من المدينة إلا وأنتم مستدبرون بيت المقدس، وإن جئتم من جهة نجد اليمن ـ فكنتم تستقبلون البيت الحرام وبيت المقدس ـ استقبلتم المسجد الحرام. لا أن إرادتكم بيت المقدس، وإن اسقبلتموه باستقبال المسجد الحرام. ولأنتم كذلك تستقبلون ما دونه ووراءه ؛ لا إرادة أن يكون قبلة، ولكنه جهة قبلة.
وقيل :﴿ لِيَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾٧ في استقبال قبلة غيركم. وقيل : في تحويلكم عن قبلتكم التي كنتم عليها إلى غيرها، وهذا أشبه ما قيل فيها والله أعلم، لقول الله عز وجل :﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ مَا وَلّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهُمُ اَلتِى كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ إلى قوله تعالى : ﴿ مُّسْتَقِيمٍ ﴾٨ فأعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا حجة عليهم في التحويل، يعني : لا يتكلم في ذلك أحد بشيء، يريد الحجة، إلا الذين ظلموا منهم. لا أن لهم٩ حجة، لأن عليهم أن ينصرفوا١٠ عن قبلتهم إلى القبلة التي أمروا بها. ( أحكام الشافعي : ١/٦٤-٦٦. ون معرفة السنن والآثار : ١/٤٨٣. )
ــــــــــــ
١٤- قال الشافعي : ووجه الله رسوله للقبلة في الصلاة إلى بيت المقدس، فكانت القبلةَ التي لا يحل ـ قبل نسخها ـ استقبال غيرها، ثم نسخ الله قبلة بيت المقدس، ووجهه إلى البيت، فلا يحل لأحد استقبال بيت المقدس أبدا لمكتوبة، ولا يحل أن يستقبل غير البيت الحرام.
قال : وكل كان حقا في وقته، فكان التوجه إلى بيت المقدس ـ أيام وَجَّهَ الله إليه نبيه ـ حقا، ثم نسخه، فصار الحق في التوجه إلى البيت الحرام أبدا، لا يحل استقبال غيره في مكتوبة، إلا في بعض الخوف، أو نافلة في سفر١١، استدلالا بالكتاب والسنة.
وهكذا كل ما نسخ الله، ومعنى « نسخ » ترك فرضه : كان حقا في وقته، وتركه حقا إذا نسخه الله، فيكون من أدرك فرضه مطيعا به وبتركه، ومن لم يدرك فرضه مطيعا باتباع الفرض الناسخ له. قال الله لنبيه :﴿ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى اِلسَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾١٢.
فإن قال قائل : فأين الدلالة على أنهم حُوِّلُوا إلى قبلة بعد قبلة ؟ ففي قول الله١٣ :﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ مَا وَلّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهُمُ اَلتِى كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَّشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾١٤. مالك١٥، عن عبد الله بن دينار١٦، عن ابن عمر١٧ قال : بينما الناس بِقُبَاء١٨ في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال : إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام١٩، فاستداروا إلى الكعبة٢٠.
مالك، عن يحيى بن سعيد٢١، عن سعيد بن المُسيَّب٢٢ أنه كان يقول : صلى رسول الله ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس، ثم حُوِّلت القبلة قبل بَدْرٍ٢٣ بشهرين٢٤.
قال : والاستدلال بالكتاب في صلاة الخوف قول الله :﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا ﴾٢٥ وليس لمصلي المكتوبة أن يصلي راكبا إلا في خوف ولم يذكر الله أن يتوجه القبلة.
وروى ابن عمر عن رسول الله صلاة الخوف فقال في روايته : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها٢٦.
وصلى رسول الله النافلة في السفر على راحلته أين توجهت به. حفظ ذلك عنه جابر بن عبد الله٢٧ وأنس بن مالك٢٨ وغيرهما. وكان لا يصلي المكتوبة مسافرا إلا بالأرض متوجها للقبلة٢٩. ابن أبي فديك٣٠، عن ابن أبي ذئب٣١، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة٣٢، عن جابر بن عبد الله : أن النبي كان يصلي على راحلته متوجهة به قبل المشرق في غزوة بني أنمار٣٣. ( الرسالة : ١٢١-١٢٦. )
ـــــــــــ
١٥- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُو ﴾٣٤ ففرض عليهم حيث ما كانوا أن يولوا وجوههم شطره. و « شَطْرُهُ » جِهَتُه، في كلام العرب. إذا قلتَ : أقصد شطرَ كذا : معروف أنك تقول : أقصِد قصْد عَيْن كذا، يعني : قَصْدَ نَفْسِ كذا. وكذلك « تِلْقَاءهُ » : جهته، أي : أَسْتَقْبلُ تلقاءه وجهَتَهُ، وإن كلها معنى واحدٌ، وإن كانت بألفاظ مختلفة.
وقال خُفَافُ بن نُدْبَةَ٣٥ :
أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عَمْرا رَسُـولاً وَمَا تُغْنِي الرِّسَالَةُ شَطْرَ عَمْرِو
وقال سَاعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ٣٦ :
أَقُولُ لأُمِّ زِنْبَاعٍ : أَقِيــمِي صُدُورَ العِيسِ٣٧ شَطْرَ بَنِي تَمِيمِ٣٨
وقال لَقِيطٌ الإِيَادِيُّ٣٩ :
وَقَدْ أَظَلَّكم مِنْ شَطْرِ ثَغْرِكُمُ هَوْلٌ لَهُ ظُلَمٌ تَغْشَاكُمُ قِطَعَــا
وقال الشاعر٤٠ :
إِنَّ العَسِيرَ٤١ بِهَا دَاء مُخَامِرُهَا فَشَطْرَهَا بَصَرُ العَيْنَيْنِ مَسْحُـورُ
قال الشافعي : يريد : تلقاءها بصر العينين، ونَحْوَهَا : تلقاء جِهَتِها.
وهذا كله مع غيره من أشعارهم يبين أن شطر الشيء : قصدُ عينِ الشيء : إذا كان مُعَايَنا فبالصواب، وإذا كان مُغَيَّبا فبالاجتهاد بالتوجه إليه، وذلك أكثر ما يمكن فيه.
وقال الله :﴿ جَعَلَ لَكُمُ اَلنُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِى ظُلُمَاتِ اِلْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾٤٢ وقال :﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾٤٣. فخلق لهم العلامات، ونَصَبَ لهم المسجد الحرام، وأمرهم أن يتوجهوا إليه. وإنما توجُّهُهُم إليه بالعلامات التي خلق لهم، والعقولَ التي رَكَّبَهَا فيهم، التي استدلوا بها على معرفة العلامات. وكل هذا بيان ونعمة منه جل ثناؤه. ( الرسالة : ٣٤-٣٨ و ٥٠٢-٥٠٣ ون أحكام الشافعي ١/٦٨-. ٧٠ الأم : ٧/٢٧٧ و ١/٩٣ و ٧/٢٩٩.
ومعرفة السنن والآثار : ١/٤٨٤. )
١ - البقرة: ١١٥..
٢ - رواه البيهقي في السنن كتاب الصلاة باب: استبيان الخطا بعد الاجتهاد: ٢/١٣..
٣ - البقرة: ١٤٤..
٤ - البقرة: ١٥٠. وتمام الآيات في النص. والحديث في الدر المنثور: ٢/٣٤٣-٣٤٤..
٥ - البقرة: ١٤٤..
٦ - البقرة: ١٥٠..
٧ - البقرة: ١٥٠..
٨ - البقرة: ١٤٢. وتمام الآية:﴿قُل لِّلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَّشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾..
٩ - أي الذين ظلموا..
١٠ - أي الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه..
١١ - إذ رُخِّصَ للخائف والمتنفل في السفر أن يدعا التوجه قبل الكعبة، نزولا على حكم الضرورة التي اعتبرها الشارع، ولا يسمى هذا في الحقيقة استقبالا للقبلة المنسوخة، إذ هي وغيرها من سائر الجهات في ذلك سواء..
١٢ - البقرة: ١٤٤..
١٣ - هذا جواب السؤال، أي الدلالة: في هذه الآية المذكورة..
١٤ - البقرة: ١٤٢..
١٥ - مالك بن أنس الأصبحي، أبو عبد الله الإمام. عن: نافع، والزهري. وعنه: ابن مهدي، وابن القاسم، ومعن، وأبو مصعب. ولد سنة ٩٣هـ وت في ربيع الأول سنة ١٧٩هـ. الكاشف: ٣/٩٣. ون التهذيب: ٨/٦. وقال في التقريب: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي، أبو عبد الله المدني الفقيه إمام دار الهجرة، رأس المتقنين وكبير المتثبتين حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر..
١٦ - عبد الله بن دينار المدني. عن: مولاه ابن عمر، وأنس، وعدة. وعنه: موسى بن عقبة، ومالك، والسفيانان، وخلق. ت سنة ١٢٧هـ. الكاشف: ٢/٨٠. ون التهذيب: ٤/٣٨٦. وقال في التقريب: ثقة..
١٧ - عبد الله بن عمر، أبو عبد الرحمان العدوي، شهد الأحزاب والحديبية. عنه: بنوه، ونافع، وزيد بن أسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم :« إن عبد الله رجل صالح » وقال جابر: ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها إلا ابن عمر. قال ابن المسيب: مات وما أحد أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منه. ت سنة ٧٤هـ. الكاشف: ٢/١٠٨. ون الإصابة: ٤/١٨١. والطبقات الكبرى: ٤/١٤٢. والتهذيب: ٤/٤٠٧. وقال في التقريب: وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة. وكان من أشد الناس اتباعا للأثر..
١٨ - قباء: أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة..
١٩ - أي: إلى بيت المقدس الذي كان قبلتهم إذاك. والجملة تفسير من الراوي للتحول المذكور..
٢٠ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان: ١/٩٤ (ر٣٠٤). والشافعي في المسند (ر١٩١)..
٢١ - يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الإمام، أبو سعيد الأنصاري قاضي السفاح. عن: أنس، وابن المسيب. وعنه: مالك، والقطان. حافظ فقيه حجة. ت سنة: ١٤٣هـ. الكاشف: ٣/٢٤٣. ون التهذيب: ٩/٢٣٨. وقال في التقريب: أبو سعيد القاضي ثقة ثبت..
٢٢ - سعيد بن المسيب بن حزن الإمام، أبو محمد المخزومي. أحد الأعلام وسيد التابعين. عن: عمر، وعثمان، وسعد. وعنه: الزهري، وقتادة، ويحيى بن سعيد. ثقة حجة فقيه، رفيع الذكر، رأس في العلم والعمل. عاش تسعا وسبعين سنة، ت سنة: ٩٤هـ. الكاشف: ١/٣٢٦. ون الطبقات الكبرى: ٥/١١٩. و وفيات الأعيان: ٢/٣٧٥. والتهذيب: ٣/٢٧٢. وقال في التقريب: أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه..
٢٣ - أي قبل غزوة بدر الكبرى وكانت بدر موسما من مواسم الجاهلية يجتمع بها العرب، بها سوق وبين بدر والمدينة ثمانية بُرُدٍ وميلان. الطبقات الكبرى: ٢/١٣..
٢٤ - حديث ابن المسيب هذا حديث مرسل، ولكنه اعتضد بحديثين موصولين صحيحين: أولهما حديث البراء بن عازب، رواه البخاري في الإيمان (٢) باب: الصلاة من الإيمان (٢٩)(ر٤٠). ورواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (٥) باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة (٢)(ر٥٢٥). ورواه أصحاب السنن إلا أبا داود. ورواه أحمد في المسند والشافعي في المسند وابن سعد في الطبقات. ثانيهما: حديث ابن عباس رواه أحمد في المسند. وقال ابن حجر في الفتح: صحيح الإسناد ورواه ابن سعد في الطبقات وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار، ورجاله رجال الصحيح. ن الرسالة هامش ص: ١٢٥. من كلام شاكر بتصرف..
٢٥ - البقرة: ٢٣٩..
٢٦ - رواه البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا ﴾ (٤٦)(ر٤٢٦١) عن نافع عن ابن عمر. ورواه مالك في أول صلاة الخوف (١١)(ر٣) عن نافع عن ابن عمر. قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه الشافعي في المسند (ر٥٠٨)..
٢٧ - جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرم بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، يكنى أبا عبد الله وأبا عبد الرحامن وأبا محمد، أقوال. أحد المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه جماعة من الصحابة، وله ولأبيه صحبة. وفي الصحيح عنه أنه كان مع من شهد العقبة. الإصابة ١/٤٣٤. ون الكاشف: ١/١٣٠. والتهذيب: ٢/٧..
٢٨ - أنس بن مالك الصحابي، وله عن عدة من الصحابة. وعنه خلق جاوزوا المائة، ت سنة ٩٣هـ. الكاشف: ١/٩٢. ون الإصابة: ١/١٢٦. والتهذيب: ١/٣٩٠..
٢٩ - رواه البخاري في تقصير الصلاة (٢٤) باب: ينزل للمكتوبة (٩)(ر١٠٤٨) عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته نحو المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة. وفي باب: صلاة التطوع على الدواب (٧)(ر١٠٤٣) عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة.
ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب: جواز صلاة النافلة على الدابة (٤)(ر٧٠٢) عن أنس بن مالك. وروي ذلك عن ابن عمر، وعامر بن ربيعة كما في الصحيحين. ورواه أبو داود في الصلاة باب: التطوع على الراحلة، والشافعي في المسند..

٣٠ - محمد بن إسماعيل بن أبي فديك الديلي مولاهم. عن: سلمة بن وردان، وخلق. وعنه: سلمة بن شبيب، وعبد. صدوق. ت سنة مائتين. الكاشف: ٣/٩. ون الطبقات الكبرى: ٥/٤٣٧. والتهذيب: ٧/٥٣. وقال في التقريب: صدوق.
٣١ - محمد بن عبد الرحمان بن المغيرة بن أبي ذئب، أبو الحارث العامري، أحد الأعلام. عن: عكرمة، ونافع، والزهري. وعنه: معمر، وابن المبارك، وابن وهب، والقطان، وعلي بن جعب. وكان كبير الشأن ثقة. ت سنة: ١٥٩هـ. الكاشف: ٣/٥٢. ون التهذيب: ٧/٢٨٦. وقال في التقريب: ثقة فقيه فاضل..
٣٢ - عثمان بن عبد الله بن سراقة العدوي. عن: خاله ابن عمر، وجابر. وعنه: الزهري، وابن أبي ذئب، ت سنة: ١١٨هـ. الكاشف: ٢/٢٤٧. ون التهذيب: ٥/٤٩٣. وقال في التقريب ثقة..
٣٣ - لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة إلا البخاري وحده في كتاب المغازي (٦٧) باب: غزوة أنمار (٣١)(ر٣٩٠٩). ورواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وأحمد، والشافعي، عن جابر بن عبد الله من طرق أخرى بألفاظ مختلفة..
٣٤ - البقرة: ١٥٠..
٣٥ - خفاف بن عمير بن الحارث بن الشريد، واسمه عمرو بن رباح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم. وكان شاعرا، وهو الذي يقال له خفاف بن ندبة، وهي أمة بها يعرف، وهي ابنة الشيطان بن قيان بن سبية من بني الحارث بن كعب. ويقال إن ندبة كانت أمة سوداء. وشهد خفاف فتح مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معه لواء بني سليم الآخر. الطبقات الكبرى: ٤/٢٧٥. ون الإصابة: ٢/٢٣٦. والاشتقاق ص: ٣٠٩..
٣٦ - ساعدة الهذلي أبو عبد الله، قال أبو عمر: في صحبته نظر. الإصابة: ٣/٧. وقال ابن قتيبة في ترجمة أبي ذؤيب الهذلي: إن أبا ذؤيب كان راوية لساعدة بن جؤية الهذلي. الشعر والشعراء ص: ٣٣٠. والبيت الذي نسبه الشافعي هنا لساعدة بن جؤية ذكره صاحب اللسان ونسبه لأبي زنباع الجذامي، والشافعي أعرف الناس وأعلمهم بشعر هذيل. ن الرسالة هامش الصفحة: ٣٥..
٣٧ - العيس بالكسر الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة، واحدها أعيس، والأنثى عَيْسَاء بينة العَيَسِ. ويقال: هي كرائم الإبل. الصحاح: عيس..
٣٨ - بني تميم: بن جدي بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، إحدى القبائل العربية. المقتضب ص: ٧٥-٧٨. ون الاشتقاق ص: ٢٠١..
٣٩ - هو لقيط بن يعمر بن خارجة الإيادي، شاعر جاهلي فحل، من أهل الحيرة. كان يحسن الفارسية واتصل بكسرى « سابور » ذي الأكتاف، فكان من كتّابه والمطلعين على أسرار دولته ومن مقدمي تراجمته. الأعلام: ٥/٢٤٤. والشعر والشعراء ص: ٨٣..
٤٠ - لم يسم الشافعي هذا الشاعر. ون الاختلاف في نسبة البيت في الرسالة هامش الصفحة: ٣٥ وما بعدها..
٤١ - العسير: الناقة التي ركبت قبل تذليلها. وعسرت الناقة: رفعت ذنبها في عدوها. اللسان: عسر..
٤٢ - الأنعام: ٩٧..
٤٣ - النحل: ١٦..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤٤:١٣- قال الشافعي رحمه الله : أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم فَرْضَ القبلة بمكة، فكان يصلي في ناحية يستقبل منها البيت الحرام، وبيت المقدس ؛ فلما هاجر إلى المدينة استقبل بيت المقدس موليا عن البيت الحرام، ستة عشر شهرا، وهو يحب لو قضى الله إليه باستقبال البيت الحرام، لأن فيه مقام أبيه إبراهيم، وإسماعيل، وهو المثابة للناس والأمن، وإليه الحج، وهو المأمور به أن يطهَّر للطائفين والعاكفين والركع السجود، مع كراهية رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وافق اليهود.
فقال لجبريل عليه السلام :« لودِدْت أن ربي صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها » فأنزل الله عز وجل :﴿ وَلِلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللَّهِ ﴾١ يعني والله أعلم : فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه٢. فقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد أنا عبد مأمور مثلك، لا أملك شيئا، فسل الله. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يوجهه إلى البيت الحرام، وصعد جبريل عليه السلام إلى السماء، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يديم طَرْفَهُ إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل عليه السلام بما سأل، فأنزل الله عز وجل :﴿ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى اِلسَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ ﴾٣ إلى قوله :﴿ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِى ﴾٤.
في قوله :﴿ وَإِنَّ اَلذِينَ أُوتُوا اَلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ اَلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾٥ يقال : يجدون ـ في ما نزل عليهم ـ أن النبي الأمي من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام يخرج من الحرم، وتعود قبلته وصلاته مَخْرَجَهُ، يعني الحرم.
وفي قوله تعالى :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِيَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾٦ قيل في ذلك والله أعلم : لا تستقبل المسجد الحرام من المدينة إلا وأنتم مستدبرون بيت المقدس، وإن جئتم من جهة نجد اليمن ـ فكنتم تستقبلون البيت الحرام وبيت المقدس ـ استقبلتم المسجد الحرام. لا أن إرادتكم بيت المقدس، وإن اسقبلتموه باستقبال المسجد الحرام. ولأنتم كذلك تستقبلون ما دونه ووراءه ؛ لا إرادة أن يكون قبلة، ولكنه جهة قبلة.
وقيل :﴿ لِيَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾٧ في استقبال قبلة غيركم. وقيل : في تحويلكم عن قبلتكم التي كنتم عليها إلى غيرها، وهذا أشبه ما قيل فيها والله أعلم، لقول الله عز وجل :﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ مَا وَلّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهُمُ اَلتِى كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ مُّسْتَقِيمٍ ﴾٨ فأعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا حجة عليهم في التحويل، يعني : لا يتكلم في ذلك أحد بشيء، يريد الحجة، إلا الذين ظلموا منهم. لا أن لهم٩ حجة، لأن عليهم أن ينصرفوا١٠ عن قبلتهم إلى القبلة التي أمروا بها. ( أحكام الشافعي : ١/٦٤-٦٦. ون معرفة السنن والآثار : ١/٤٨٣. )
ــــــــــــ

١٤-
قال الشافعي : ووجه الله رسوله للقبلة في الصلاة إلى بيت المقدس، فكانت القبلةَ التي لا يحل ـ قبل نسخها ـ استقبال غيرها، ثم نسخ الله قبلة بيت المقدس، ووجهه إلى البيت، فلا يحل لأحد استقبال بيت المقدس أبدا لمكتوبة، ولا يحل أن يستقبل غير البيت الحرام.
قال : وكل كان حقا في وقته، فكان التوجه إلى بيت المقدس ـ أيام وَجَّهَ الله إليه نبيه ـ حقا، ثم نسخه، فصار الحق في التوجه إلى البيت الحرام أبدا، لا يحل استقبال غيره في مكتوبة، إلا في بعض الخوف، أو نافلة في سفر١١، استدلالا بالكتاب والسنة.
وهكذا كل ما نسخ الله، ومعنى « نسخ » ترك فرضه : كان حقا في وقته، وتركه حقا إذا نسخه الله، فيكون من أدرك فرضه مطيعا به وبتركه، ومن لم يدرك فرضه مطيعا باتباع الفرض الناسخ له. قال الله لنبيه :﴿ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى اِلسَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾١٢.
فإن قال قائل : فأين الدلالة على أنهم حُوِّلُوا إلى قبلة بعد قبلة ؟ ففي قول الله١٣ :﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ مَا وَلّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهُمُ اَلتِى كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَّشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾١٤. مالك١٥، عن عبد الله بن دينار١٦، عن ابن عمر١٧ قال : بينما الناس بِقُبَاء١٨ في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال : إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام١٩، فاستداروا إلى الكعبة٢٠.
مالك، عن يحيى بن سعيد٢١، عن سعيد بن المُسيَّب٢٢ أنه كان يقول : صلى رسول الله ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس، ثم حُوِّلت القبلة قبل بَدْرٍ٢٣ بشهرين٢٤.
قال : والاستدلال بالكتاب في صلاة الخوف قول الله :﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا ﴾٢٥ وليس لمصلي المكتوبة أن يصلي راكبا إلا في خوف ولم يذكر الله أن يتوجه القبلة.
وروى ابن عمر عن رسول الله صلاة الخوف فقال في روايته : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها٢٦.
وصلى رسول الله النافلة في السفر على راحلته أين توجهت به. حفظ ذلك عنه جابر بن عبد الله٢٧ وأنس بن مالك٢٨ وغيرهما. وكان لا يصلي المكتوبة مسافرا إلا بالأرض متوجها للقبلة٢٩. ابن أبي فديك٣٠، عن ابن أبي ذئب٣١، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة٣٢، عن جابر بن عبد الله : أن النبي كان يصلي على راحلته متوجهة به قبل المشرق في غزوة بني أنمار٣٣. ( الرسالة : ١٢١-١٢٦. )
ـــــــــــ

١٥-
قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُو ﴾٣٤ ففرض عليهم حيث ما كانوا أن يولوا وجوههم شطره. و « شَطْرُهُ » جِهَتُه، في كلام العرب. إذا قلتَ : أقصد شطرَ كذا : معروف أنك تقول : أقصِد قصْد عَيْن كذا، يعني : قَصْدَ نَفْسِ كذا. وكذلك « تِلْقَاءهُ » : جهته، أي : أَسْتَقْبلُ تلقاءه وجهَتَهُ، وإن كلها معنى واحدٌ، وإن كانت بألفاظ مختلفة.
وقال خُفَافُ بن نُدْبَةَ٣٥ :
أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عَمْرا رَسُـولاً وَمَا تُغْنِي الرِّسَالَةُ شَطْرَ عَمْرِو
وقال سَاعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ٣٦ :
أَقُولُ لأُمِّ زِنْبَاعٍ : أَقِيــمِي صُدُورَ العِيسِ٣٧ شَطْرَ بَنِي تَمِيمِ٣٨
وقال لَقِيطٌ الإِيَادِيُّ٣٩ :
وَقَدْ أَظَلَّكم مِنْ شَطْرِ ثَغْرِكُمُ هَوْلٌ لَهُ ظُلَمٌ تَغْشَاكُمُ قِطَعَــا
وقال الشاعر٤٠ :
إِنَّ العَسِيرَ٤١ بِهَا دَاء مُخَامِرُهَا فَشَطْرَهَا بَصَرُ العَيْنَيْنِ مَسْحُـورُ
قال الشافعي : يريد : تلقاءها بصر العينين، ونَحْوَهَا : تلقاء جِهَتِها.
وهذا كله مع غيره من أشعارهم يبين أن شطر الشيء : قصدُ عينِ الشيء : إذا كان مُعَايَنا فبالصواب، وإذا كان مُغَيَّبا فبالاجتهاد بالتوجه إليه، وذلك أكثر ما يمكن فيه.
وقال الله :﴿ جَعَلَ لَكُمُ اَلنُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِى ظُلُمَاتِ اِلْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾٤٢ وقال :﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾٤٣. فخلق لهم العلامات، ونَصَبَ لهم المسجد الحرام، وأمرهم أن يتوجهوا إليه. وإنما توجُّهُهُم إليه بالعلامات التي خلق لهم، والعقولَ التي رَكَّبَهَا فيهم، التي استدلوا بها على معرفة العلامات. وكل هذا بيان ونعمة منه جل ثناؤه. ( الرسالة : ٣٤-٣٨ و ٥٠٢-٥٠٣ ون أحكام الشافعي ١/٦٨-. ٧٠ الأم : ٧/٢٧٧ و ١/٩٣ و ٧/٢٩٩.
ومعرفة السنن والآثار : ١/٤٨٤. )
١ - البقرة: ١١٥..
٢ - رواه البيهقي في السنن كتاب الصلاة باب: استبيان الخطا بعد الاجتهاد: ٢/١٣..
٣ - البقرة: ١٤٤..
٤ - البقرة: ١٥٠. وتمام الآيات في النص. والحديث في الدر المنثور: ٢/٣٤٣-٣٤٤..
٥ - البقرة: ١٤٤..
٦ - البقرة: ١٥٠..
٧ - البقرة: ١٥٠..
٨ - البقرة: ١٤٢. وتمام الآية:﴿قُل لِّلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَّشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾..
٩ - أي الذين ظلموا..
١٠ - أي الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه..
١١ - إذ رُخِّصَ للخائف والمتنفل في السفر أن يدعا التوجه قبل الكعبة، نزولا على حكم الضرورة التي اعتبرها الشارع، ولا يسمى هذا في الحقيقة استقبالا للقبلة المنسوخة، إذ هي وغيرها من سائر الجهات في ذلك سواء..
١٢ - البقرة: ١٤٤..
١٣ - هذا جواب السؤال، أي الدلالة: في هذه الآية المذكورة..
١٤ - البقرة: ١٤٢..
١٥ - مالك بن أنس الأصبحي، أبو عبد الله الإمام. عن: نافع، والزهري. وعنه: ابن مهدي، وابن القاسم، ومعن، وأبو مصعب. ولد سنة ٩٣هـ وت في ربيع الأول سنة ١٧٩هـ. الكاشف: ٣/٩٣. ون التهذيب: ٨/٦. وقال في التقريب: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي، أبو عبد الله المدني الفقيه إمام دار الهجرة، رأس المتقنين وكبير المتثبتين حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر..
١٦ - عبد الله بن دينار المدني. عن: مولاه ابن عمر، وأنس، وعدة. وعنه: موسى بن عقبة، ومالك، والسفيانان، وخلق. ت سنة ١٢٧هـ. الكاشف: ٢/٨٠. ون التهذيب: ٤/٣٨٦. وقال في التقريب: ثقة..
١٧ - عبد الله بن عمر، أبو عبد الرحمان العدوي، شهد الأحزاب والحديبية. عنه: بنوه، ونافع، وزيد بن أسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم :« إن عبد الله رجل صالح » وقال جابر: ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها إلا ابن عمر. قال ابن المسيب: مات وما أحد أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منه. ت سنة ٧٤هـ. الكاشف: ٢/١٠٨. ون الإصابة: ٤/١٨١. والطبقات الكبرى: ٤/١٤٢. والتهذيب: ٤/٤٠٧. وقال في التقريب: وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة. وكان من أشد الناس اتباعا للأثر..
١٨ - قباء: أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة..
١٩ - أي: إلى بيت المقدس الذي كان قبلتهم إذاك. والجملة تفسير من الراوي للتحول المذكور..
٢٠ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان: ١/٩٤ (ر٣٠٤). والشافعي في المسند (ر١٩١)..
٢١ - يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الإمام، أبو سعيد الأنصاري قاضي السفاح. عن: أنس، وابن المسيب. وعنه: مالك، والقطان. حافظ فقيه حجة. ت سنة: ١٤٣هـ. الكاشف: ٣/٢٤٣. ون التهذيب: ٩/٢٣٨. وقال في التقريب: أبو سعيد القاضي ثقة ثبت..
٢٢ - سعيد بن المسيب بن حزن الإمام، أبو محمد المخزومي. أحد الأعلام وسيد التابعين. عن: عمر، وعثمان، وسعد. وعنه: الزهري، وقتادة، ويحيى بن سعيد. ثقة حجة فقيه، رفيع الذكر، رأس في العلم والعمل. عاش تسعا وسبعين سنة، ت سنة: ٩٤هـ. الكاشف: ١/٣٢٦. ون الطبقات الكبرى: ٥/١١٩. و وفيات الأعيان: ٢/٣٧٥. والتهذيب: ٣/٢٧٢. وقال في التقريب: أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه..
٢٣ - أي قبل غزوة بدر الكبرى وكانت بدر موسما من مواسم الجاهلية يجتمع بها العرب، بها سوق وبين بدر والمدينة ثمانية بُرُدٍ وميلان. الطبقات الكبرى: ٢/١٣..
٢٤ - حديث ابن المسيب هذا حديث مرسل، ولكنه اعتضد بحديثين موصولين صحيحين: أولهما حديث البراء بن عازب، رواه البخاري في الإيمان (٢) باب: الصلاة من الإيمان (٢٩)(ر٤٠). ورواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (٥) باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة (٢)(ر٥٢٥). ورواه أصحاب السنن إلا أبا داود. ورواه أحمد في المسند والشافعي في المسند وابن سعد في الطبقات. ثانيهما: حديث ابن عباس رواه أحمد في المسند. وقال ابن حجر في الفتح: صحيح الإسناد ورواه ابن سعد في الطبقات وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار، ورجاله رجال الصحيح. ن الرسالة هامش ص: ١٢٥. من كلام شاكر بتصرف..
٢٥ - البقرة: ٢٣٩..
٢٦ - رواه البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا ﴾ (٤٦)(ر٤٢٦١) عن نافع عن ابن عمر. ورواه مالك في أول صلاة الخوف (١١)(ر٣) عن نافع عن ابن عمر. قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه الشافعي في المسند (ر٥٠٨)..
٢٧ - جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرم بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، يكنى أبا عبد الله وأبا عبد الرحامن وأبا محمد، أقوال. أحد المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه جماعة من الصحابة، وله ولأبيه صحبة. وفي الصحيح عنه أنه كان مع من شهد العقبة. الإصابة ١/٤٣٤. ون الكاشف: ١/١٣٠. والتهذيب: ٢/٧..
٢٨ - أنس بن مالك الصحابي، وله عن عدة من الصحابة. وعنه خلق جاوزوا المائة، ت سنة ٩٣هـ. الكاشف: ١/٩٢. ون الإصابة: ١/١٢٦. والتهذيب: ١/٣٩٠..
٢٩ - رواه البخاري في تقصير الصلاة (٢٤) باب: ينزل للمكتوبة (٩)(ر١٠٤٨) عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته نحو المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة. وفي باب: صلاة التطوع على الدواب (٧)(ر١٠٤٣) عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة.
ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب: جواز صلاة النافلة على الدابة (٤)(ر٧٠٢) عن أنس بن مالك. وروي ذلك عن ابن عمر، وعامر بن ربيعة كما في الصحيحين. ورواه أبو داود في الصلاة باب: التطوع على الراحلة، والشافعي في المسند..

٣٠ - محمد بن إسماعيل بن أبي فديك الديلي مولاهم. عن: سلمة بن وردان، وخلق. وعنه: سلمة بن شبيب، وعبد. صدوق. ت سنة مائتين. الكاشف: ٣/٩. ون الطبقات الكبرى: ٥/٤٣٧. والتهذيب: ٧/٥٣. وقال في التقريب: صدوق.
٣١ - محمد بن عبد الرحمان بن المغيرة بن أبي ذئب، أبو الحارث العامري، أحد الأعلام. عن: عكرمة، ونافع، والزهري. وعنه: معمر، وابن المبارك، وابن وهب، والقطان، وعلي بن جعب. وكان كبير الشأن ثقة. ت سنة: ١٥٩هـ. الكاشف: ٣/٥٢. ون التهذيب: ٧/٢٨٦. وقال في التقريب: ثقة فقيه فاضل..
٣٢ - عثمان بن عبد الله بن سراقة العدوي. عن: خاله ابن عمر، وجابر. وعنه: الزهري، وابن أبي ذئب، ت سنة: ١١٨هـ. الكاشف: ٢/٢٤٧. ون التهذيب: ٥/٤٩٣. وقال في التقريب ثقة..
٣٣ - لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة إلا البخاري وحده في كتاب المغازي (٦٧) باب: غزوة أنمار (٣١)(ر٣٩٠٩). ورواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وأحمد، والشافعي، عن جابر بن عبد الله من طرق أخرى بألفاظ مختلفة..
٣٤ - البقرة: ١٥٠..
٣٥ - خفاف بن عمير بن الحارث بن الشريد، واسمه عمرو بن رباح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم. وكان شاعرا، وهو الذي يقال له خفاف بن ندبة، وهي أمة بها يعرف، وهي ابنة الشيطان بن قيان بن سبية من بني الحارث بن كعب. ويقال إن ندبة كانت أمة سوداء. وشهد خفاف فتح مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معه لواء بني سليم الآخر. الطبقات الكبرى: ٤/٢٧٥. ون الإصابة: ٢/٢٣٦. والاشتقاق ص: ٣٠٩..
٣٦ - ساعدة الهذلي أبو عبد الله، قال أبو عمر: في صحبته نظر. الإصابة: ٣/٧. وقال ابن قتيبة في ترجمة أبي ذؤيب الهذلي: إن أبا ذؤيب كان راوية لساعدة بن جؤية الهذلي. الشعر والشعراء ص: ٣٣٠. والبيت الذي نسبه الشافعي هنا لساعدة بن جؤية ذكره صاحب اللسان ونسبه لأبي زنباع الجذامي، والشافعي أعرف الناس وأعلمهم بشعر هذيل. ن الرسالة هامش الصفحة: ٣٥..
٣٧ - العيس بالكسر الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة، واحدها أعيس، والأنثى عَيْسَاء بينة العَيَسِ. ويقال: هي كرائم الإبل. الصحاح: عيس..
٣٨ - بني تميم: بن جدي بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، إحدى القبائل العربية. المقتضب ص: ٧٥-٧٨. ون الاشتقاق ص: ٢٠١..
٣٩ - هو لقيط بن يعمر بن خارجة الإيادي، شاعر جاهلي فحل، من أهل الحيرة. كان يحسن الفارسية واتصل بكسرى « سابور » ذي الأكتاف، فكان من كتّابه والمطلعين على أسرار دولته ومن مقدمي تراجمته. الأعلام: ٥/٢٤٤. والشعر والشعراء ص: ٨٣..
٤٠ - لم يسم الشافعي هذا الشاعر. ون الاختلاف في نسبة البيت في الرسالة هامش الصفحة: ٣٥ وما بعدها..
٤١ - العسير: الناقة التي ركبت قبل تذليلها. وعسرت الناقة: رفعت ذنبها في عدوها. اللسان: عسر..
٤٢ - الأنعام: ٩٧..
٤٣ - النحل: ١٦..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤٤:١٣- قال الشافعي رحمه الله : أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم فَرْضَ القبلة بمكة، فكان يصلي في ناحية يستقبل منها البيت الحرام، وبيت المقدس ؛ فلما هاجر إلى المدينة استقبل بيت المقدس موليا عن البيت الحرام، ستة عشر شهرا، وهو يحب لو قضى الله إليه باستقبال البيت الحرام، لأن فيه مقام أبيه إبراهيم، وإسماعيل، وهو المثابة للناس والأمن، وإليه الحج، وهو المأمور به أن يطهَّر للطائفين والعاكفين والركع السجود، مع كراهية رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وافق اليهود.
فقال لجبريل عليه السلام :« لودِدْت أن ربي صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها » فأنزل الله عز وجل :﴿ وَلِلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللَّهِ ﴾١ يعني والله أعلم : فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه٢. فقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد أنا عبد مأمور مثلك، لا أملك شيئا، فسل الله. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يوجهه إلى البيت الحرام، وصعد جبريل عليه السلام إلى السماء، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يديم طَرْفَهُ إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل عليه السلام بما سأل، فأنزل الله عز وجل :﴿ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى اِلسَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ ﴾٣ إلى قوله :﴿ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِى ﴾٤.
في قوله :﴿ وَإِنَّ اَلذِينَ أُوتُوا اَلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ اَلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾٥ يقال : يجدون ـ في ما نزل عليهم ـ أن النبي الأمي من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام يخرج من الحرم، وتعود قبلته وصلاته مَخْرَجَهُ، يعني الحرم.
وفي قوله تعالى :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِيَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾٦ قيل في ذلك والله أعلم : لا تستقبل المسجد الحرام من المدينة إلا وأنتم مستدبرون بيت المقدس، وإن جئتم من جهة نجد اليمن ـ فكنتم تستقبلون البيت الحرام وبيت المقدس ـ استقبلتم المسجد الحرام. لا أن إرادتكم بيت المقدس، وإن اسقبلتموه باستقبال المسجد الحرام. ولأنتم كذلك تستقبلون ما دونه ووراءه ؛ لا إرادة أن يكون قبلة، ولكنه جهة قبلة.
وقيل :﴿ لِيَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾٧ في استقبال قبلة غيركم. وقيل : في تحويلكم عن قبلتكم التي كنتم عليها إلى غيرها، وهذا أشبه ما قيل فيها والله أعلم، لقول الله عز وجل :﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ مَا وَلّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهُمُ اَلتِى كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ مُّسْتَقِيمٍ ﴾٨ فأعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا حجة عليهم في التحويل، يعني : لا يتكلم في ذلك أحد بشيء، يريد الحجة، إلا الذين ظلموا منهم. لا أن لهم٩ حجة، لأن عليهم أن ينصرفوا١٠ عن قبلتهم إلى القبلة التي أمروا بها. ( أحكام الشافعي : ١/٦٤-٦٦. ون معرفة السنن والآثار : ١/٤٨٣. )
ــــــــــــ

١٤-
قال الشافعي : ووجه الله رسوله للقبلة في الصلاة إلى بيت المقدس، فكانت القبلةَ التي لا يحل ـ قبل نسخها ـ استقبال غيرها، ثم نسخ الله قبلة بيت المقدس، ووجهه إلى البيت، فلا يحل لأحد استقبال بيت المقدس أبدا لمكتوبة، ولا يحل أن يستقبل غير البيت الحرام.
قال : وكل كان حقا في وقته، فكان التوجه إلى بيت المقدس ـ أيام وَجَّهَ الله إليه نبيه ـ حقا، ثم نسخه، فصار الحق في التوجه إلى البيت الحرام أبدا، لا يحل استقبال غيره في مكتوبة، إلا في بعض الخوف، أو نافلة في سفر١١، استدلالا بالكتاب والسنة.
وهكذا كل ما نسخ الله، ومعنى « نسخ » ترك فرضه : كان حقا في وقته، وتركه حقا إذا نسخه الله، فيكون من أدرك فرضه مطيعا به وبتركه، ومن لم يدرك فرضه مطيعا باتباع الفرض الناسخ له. قال الله لنبيه :﴿ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى اِلسَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾١٢.
فإن قال قائل : فأين الدلالة على أنهم حُوِّلُوا إلى قبلة بعد قبلة ؟ ففي قول الله١٣ :﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ مَا وَلّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهُمُ اَلتِى كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَّشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾١٤. مالك١٥، عن عبد الله بن دينار١٦، عن ابن عمر١٧ قال : بينما الناس بِقُبَاء١٨ في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال : إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام١٩، فاستداروا إلى الكعبة٢٠.
مالك، عن يحيى بن سعيد٢١، عن سعيد بن المُسيَّب٢٢ أنه كان يقول : صلى رسول الله ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس، ثم حُوِّلت القبلة قبل بَدْرٍ٢٣ بشهرين٢٤.
قال : والاستدلال بالكتاب في صلاة الخوف قول الله :﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا ﴾٢٥ وليس لمصلي المكتوبة أن يصلي راكبا إلا في خوف ولم يذكر الله أن يتوجه القبلة.
وروى ابن عمر عن رسول الله صلاة الخوف فقال في روايته : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها٢٦.
وصلى رسول الله النافلة في السفر على راحلته أين توجهت به. حفظ ذلك عنه جابر بن عبد الله٢٧ وأنس بن مالك٢٨ وغيرهما. وكان لا يصلي المكتوبة مسافرا إلا بالأرض متوجها للقبلة٢٩. ابن أبي فديك٣٠، عن ابن أبي ذئب٣١، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة٣٢، عن جابر بن عبد الله : أن النبي كان يصلي على راحلته متوجهة به قبل المشرق في غزوة بني أنمار٣٣. ( الرسالة : ١٢١-١٢٦. )
ـــــــــــ

١٥-
قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُو ﴾٣٤ ففرض عليهم حيث ما كانوا أن يولوا وجوههم شطره. و « شَطْرُهُ » جِهَتُه، في كلام العرب. إذا قلتَ : أقصد شطرَ كذا : معروف أنك تقول : أقصِد قصْد عَيْن كذا، يعني : قَصْدَ نَفْسِ كذا. وكذلك « تِلْقَاءهُ » : جهته، أي : أَسْتَقْبلُ تلقاءه وجهَتَهُ، وإن كلها معنى واحدٌ، وإن كانت بألفاظ مختلفة.
وقال خُفَافُ بن نُدْبَةَ٣٥ :
أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عَمْرا رَسُـولاً وَمَا تُغْنِي الرِّسَالَةُ شَطْرَ عَمْرِو
وقال سَاعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ٣٦ :
أَقُولُ لأُمِّ زِنْبَاعٍ : أَقِيــمِي صُدُورَ العِيسِ٣٧ شَطْرَ بَنِي تَمِيمِ٣٨
وقال لَقِيطٌ الإِيَادِيُّ٣٩ :
وَقَدْ أَظَلَّكم مِنْ شَطْرِ ثَغْرِكُمُ هَوْلٌ لَهُ ظُلَمٌ تَغْشَاكُمُ قِطَعَــا
وقال الشاعر٤٠ :
إِنَّ العَسِيرَ٤١ بِهَا دَاء مُخَامِرُهَا فَشَطْرَهَا بَصَرُ العَيْنَيْنِ مَسْحُـورُ
قال الشافعي : يريد : تلقاءها بصر العينين، ونَحْوَهَا : تلقاء جِهَتِها.
وهذا كله مع غيره من أشعارهم يبين أن شطر الشيء : قصدُ عينِ الشيء : إذا كان مُعَايَنا فبالصواب، وإذا كان مُغَيَّبا فبالاجتهاد بالتوجه إليه، وذلك أكثر ما يمكن فيه.
وقال الله :﴿ جَعَلَ لَكُمُ اَلنُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِى ظُلُمَاتِ اِلْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾٤٢ وقال :﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾٤٣. فخلق لهم العلامات، ونَصَبَ لهم المسجد الحرام، وأمرهم أن يتوجهوا إليه. وإنما توجُّهُهُم إليه بالعلامات التي خلق لهم، والعقولَ التي رَكَّبَهَا فيهم، التي استدلوا بها على معرفة العلامات. وكل هذا بيان ونعمة منه جل ثناؤه. ( الرسالة : ٣٤-٣٨ و ٥٠٢-٥٠٣ ون أحكام الشافعي ١/٦٨-. ٧٠ الأم : ٧/٢٧٧ و ١/٩٣ و ٧/٢٩٩.
ومعرفة السنن والآثار : ١/٤٨٤. )
١ - البقرة: ١١٥..
٢ - رواه البيهقي في السنن كتاب الصلاة باب: استبيان الخطا بعد الاجتهاد: ٢/١٣..
٣ - البقرة: ١٤٤..
٤ - البقرة: ١٥٠. وتمام الآيات في النص. والحديث في الدر المنثور: ٢/٣٤٣-٣٤٤..
٥ - البقرة: ١٤٤..
٦ - البقرة: ١٥٠..
٧ - البقرة: ١٥٠..
٨ - البقرة: ١٤٢. وتمام الآية:﴿قُل لِّلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَّشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾..
٩ - أي الذين ظلموا..
١٠ - أي الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه..
١١ - إذ رُخِّصَ للخائف والمتنفل في السفر أن يدعا التوجه قبل الكعبة، نزولا على حكم الضرورة التي اعتبرها الشارع، ولا يسمى هذا في الحقيقة استقبالا للقبلة المنسوخة، إذ هي وغيرها من سائر الجهات في ذلك سواء..
١٢ - البقرة: ١٤٤..
١٣ - هذا جواب السؤال، أي الدلالة: في هذه الآية المذكورة..
١٤ - البقرة: ١٤٢..
١٥ - مالك بن أنس الأصبحي، أبو عبد الله الإمام. عن: نافع، والزهري. وعنه: ابن مهدي، وابن القاسم، ومعن، وأبو مصعب. ولد سنة ٩٣هـ وت في ربيع الأول سنة ١٧٩هـ. الكاشف: ٣/٩٣. ون التهذيب: ٨/٦. وقال في التقريب: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي، أبو عبد الله المدني الفقيه إمام دار الهجرة، رأس المتقنين وكبير المتثبتين حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر..
١٦ - عبد الله بن دينار المدني. عن: مولاه ابن عمر، وأنس، وعدة. وعنه: موسى بن عقبة، ومالك، والسفيانان، وخلق. ت سنة ١٢٧هـ. الكاشف: ٢/٨٠. ون التهذيب: ٤/٣٨٦. وقال في التقريب: ثقة..
١٧ - عبد الله بن عمر، أبو عبد الرحمان العدوي، شهد الأحزاب والحديبية. عنه: بنوه، ونافع، وزيد بن أسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم :« إن عبد الله رجل صالح » وقال جابر: ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها إلا ابن عمر. قال ابن المسيب: مات وما أحد أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منه. ت سنة ٧٤هـ. الكاشف: ٢/١٠٨. ون الإصابة: ٤/١٨١. والطبقات الكبرى: ٤/١٤٢. والتهذيب: ٤/٤٠٧. وقال في التقريب: وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة. وكان من أشد الناس اتباعا للأثر..
١٨ - قباء: أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة..
١٩ - أي: إلى بيت المقدس الذي كان قبلتهم إذاك. والجملة تفسير من الراوي للتحول المذكور..
٢٠ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان: ١/٩٤ (ر٣٠٤). والشافعي في المسند (ر١٩١)..
٢١ - يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الإمام، أبو سعيد الأنصاري قاضي السفاح. عن: أنس، وابن المسيب. وعنه: مالك، والقطان. حافظ فقيه حجة. ت سنة: ١٤٣هـ. الكاشف: ٣/٢٤٣. ون التهذيب: ٩/٢٣٨. وقال في التقريب: أبو سعيد القاضي ثقة ثبت..
٢٢ - سعيد بن المسيب بن حزن الإمام، أبو محمد المخزومي. أحد الأعلام وسيد التابعين. عن: عمر، وعثمان، وسعد. وعنه: الزهري، وقتادة، ويحيى بن سعيد. ثقة حجة فقيه، رفيع الذكر، رأس في العلم والعمل. عاش تسعا وسبعين سنة، ت سنة: ٩٤هـ. الكاشف: ١/٣٢٦. ون الطبقات الكبرى: ٥/١١٩. و وفيات الأعيان: ٢/٣٧٥. والتهذيب: ٣/٢٧٢. وقال في التقريب: أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه..
٢٣ - أي قبل غزوة بدر الكبرى وكانت بدر موسما من مواسم الجاهلية يجتمع بها العرب، بها سوق وبين بدر والمدينة ثمانية بُرُدٍ وميلان. الطبقات الكبرى: ٢/١٣..
٢٤ - حديث ابن المسيب هذا حديث مرسل، ولكنه اعتضد بحديثين موصولين صحيحين: أولهما حديث البراء بن عازب، رواه البخاري في الإيمان (٢) باب: الصلاة من الإيمان (٢٩)(ر٤٠). ورواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (٥) باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة (٢)(ر٥٢٥). ورواه أصحاب السنن إلا أبا داود. ورواه أحمد في المسند والشافعي في المسند وابن سعد في الطبقات. ثانيهما: حديث ابن عباس رواه أحمد في المسند. وقال ابن حجر في الفتح: صحيح الإسناد ورواه ابن سعد في الطبقات وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار، ورجاله رجال الصحيح. ن الرسالة هامش ص: ١٢٥. من كلام شاكر بتصرف..
٢٥ - البقرة: ٢٣٩..
٢٦ - رواه البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا ﴾ (٤٦)(ر٤٢٦١) عن نافع عن ابن عمر. ورواه مالك في أول صلاة الخوف (١١)(ر٣) عن نافع عن ابن عمر. قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه الشافعي في المسند (ر٥٠٨)..
٢٧ - جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرم بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، يكنى أبا عبد الله وأبا عبد الرحامن وأبا محمد، أقوال. أحد المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه جماعة من الصحابة، وله ولأبيه صحبة. وفي الصحيح عنه أنه كان مع من شهد العقبة. الإصابة ١/٤٣٤. ون الكاشف: ١/١٣٠. والتهذيب: ٢/٧..
٢٨ - أنس بن مالك الصحابي، وله عن عدة من الصحابة. وعنه خلق جاوزوا المائة، ت سنة ٩٣هـ. الكاشف: ١/٩٢. ون الإصابة: ١/١٢٦. والتهذيب: ١/٣٩٠..
٢٩ - رواه البخاري في تقصير الصلاة (٢٤) باب: ينزل للمكتوبة (٩)(ر١٠٤٨) عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته نحو المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة. وفي باب: صلاة التطوع على الدواب (٧)(ر١٠٤٣) عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة.
ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب: جواز صلاة النافلة على الدابة (٤)(ر٧٠٢) عن أنس بن مالك. وروي ذلك عن ابن عمر، وعامر بن ربيعة كما في الصحيحين. ورواه أبو داود في الصلاة باب: التطوع على الراحلة، والشافعي في المسند..

٣٠ - محمد بن إسماعيل بن أبي فديك الديلي مولاهم. عن: سلمة بن وردان، وخلق. وعنه: سلمة بن شبيب، وعبد. صدوق. ت سنة مائتين. الكاشف: ٣/٩. ون الطبقات الكبرى: ٥/٤٣٧. والتهذيب: ٧/٥٣. وقال في التقريب: صدوق.
٣١ - محمد بن عبد الرحمان بن المغيرة بن أبي ذئب، أبو الحارث العامري، أحد الأعلام. عن: عكرمة، ونافع، والزهري. وعنه: معمر، وابن المبارك، وابن وهب، والقطان، وعلي بن جعب. وكان كبير الشأن ثقة. ت سنة: ١٥٩هـ. الكاشف: ٣/٥٢. ون التهذيب: ٧/٢٨٦. وقال في التقريب: ثقة فقيه فاضل..
٣٢ - عثمان بن عبد الله بن سراقة العدوي. عن: خاله ابن عمر، وجابر. وعنه: الزهري، وابن أبي ذئب، ت سنة: ١١٨هـ. الكاشف: ٢/٢٤٧. ون التهذيب: ٥/٤٩٣. وقال في التقريب ثقة..
٣٣ - لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة إلا البخاري وحده في كتاب المغازي (٦٧) باب: غزوة أنمار (٣١)(ر٣٩٠٩). ورواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وأحمد، والشافعي، عن جابر بن عبد الله من طرق أخرى بألفاظ مختلفة..
٣٤ - البقرة: ١٥٠..
٣٥ - خفاف بن عمير بن الحارث بن الشريد، واسمه عمرو بن رباح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم. وكان شاعرا، وهو الذي يقال له خفاف بن ندبة، وهي أمة بها يعرف، وهي ابنة الشيطان بن قيان بن سبية من بني الحارث بن كعب. ويقال إن ندبة كانت أمة سوداء. وشهد خفاف فتح مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معه لواء بني سليم الآخر. الطبقات الكبرى: ٤/٢٧٥. ون الإصابة: ٢/٢٣٦. والاشتقاق ص: ٣٠٩..
٣٦ - ساعدة الهذلي أبو عبد الله، قال أبو عمر: في صحبته نظر. الإصابة: ٣/٧. وقال ابن قتيبة في ترجمة أبي ذؤيب الهذلي: إن أبا ذؤيب كان راوية لساعدة بن جؤية الهذلي. الشعر والشعراء ص: ٣٣٠. والبيت الذي نسبه الشافعي هنا لساعدة بن جؤية ذكره صاحب اللسان ونسبه لأبي زنباع الجذامي، والشافعي أعرف الناس وأعلمهم بشعر هذيل. ن الرسالة هامش الصفحة: ٣٥..
٣٧ - العيس بالكسر الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة، واحدها أعيس، والأنثى عَيْسَاء بينة العَيَسِ. ويقال: هي كرائم الإبل. الصحاح: عيس..
٣٨ - بني تميم: بن جدي بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، إحدى القبائل العربية. المقتضب ص: ٧٥-٧٨. ون الاشتقاق ص: ٢٠١..
٣٩ - هو لقيط بن يعمر بن خارجة الإيادي، شاعر جاهلي فحل، من أهل الحيرة. كان يحسن الفارسية واتصل بكسرى « سابور » ذي الأكتاف، فكان من كتّابه والمطلعين على أسرار دولته ومن مقدمي تراجمته. الأعلام: ٥/٢٤٤. والشعر والشعراء ص: ٨٣..
٤٠ - لم يسم الشافعي هذا الشاعر. ون الاختلاف في نسبة البيت في الرسالة هامش الصفحة: ٣٥ وما بعدها..
٤١ - العسير: الناقة التي ركبت قبل تذليلها. وعسرت الناقة: رفعت ذنبها في عدوها. اللسان: عسر..
٤٢ - الأنعام: ٩٧..
٤٣ - النحل: ١٦..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤٤:١٣- قال الشافعي رحمه الله : أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم فَرْضَ القبلة بمكة، فكان يصلي في ناحية يستقبل منها البيت الحرام، وبيت المقدس ؛ فلما هاجر إلى المدينة استقبل بيت المقدس موليا عن البيت الحرام، ستة عشر شهرا، وهو يحب لو قضى الله إليه باستقبال البيت الحرام، لأن فيه مقام أبيه إبراهيم، وإسماعيل، وهو المثابة للناس والأمن، وإليه الحج، وهو المأمور به أن يطهَّر للطائفين والعاكفين والركع السجود، مع كراهية رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وافق اليهود.
فقال لجبريل عليه السلام :« لودِدْت أن ربي صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها » فأنزل الله عز وجل :﴿ وَلِلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللَّهِ ﴾١ يعني والله أعلم : فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه٢. فقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد أنا عبد مأمور مثلك، لا أملك شيئا، فسل الله. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يوجهه إلى البيت الحرام، وصعد جبريل عليه السلام إلى السماء، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يديم طَرْفَهُ إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل عليه السلام بما سأل، فأنزل الله عز وجل :﴿ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى اِلسَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ ﴾٣ إلى قوله :﴿ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِى ﴾٤.
في قوله :﴿ وَإِنَّ اَلذِينَ أُوتُوا اَلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ اَلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾٥ يقال : يجدون ـ في ما نزل عليهم ـ أن النبي الأمي من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام يخرج من الحرم، وتعود قبلته وصلاته مَخْرَجَهُ، يعني الحرم.
وفي قوله تعالى :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِيَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾٦ قيل في ذلك والله أعلم : لا تستقبل المسجد الحرام من المدينة إلا وأنتم مستدبرون بيت المقدس، وإن جئتم من جهة نجد اليمن ـ فكنتم تستقبلون البيت الحرام وبيت المقدس ـ استقبلتم المسجد الحرام. لا أن إرادتكم بيت المقدس، وإن اسقبلتموه باستقبال المسجد الحرام. ولأنتم كذلك تستقبلون ما دونه ووراءه ؛ لا إرادة أن يكون قبلة، ولكنه جهة قبلة.
وقيل :﴿ لِيَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾٧ في استقبال قبلة غيركم. وقيل : في تحويلكم عن قبلتكم التي كنتم عليها إلى غيرها، وهذا أشبه ما قيل فيها والله أعلم، لقول الله عز وجل :﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ مَا وَلّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهُمُ اَلتِى كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ مُّسْتَقِيمٍ ﴾٨ فأعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا حجة عليهم في التحويل، يعني : لا يتكلم في ذلك أحد بشيء، يريد الحجة، إلا الذين ظلموا منهم. لا أن لهم٩ حجة، لأن عليهم أن ينصرفوا١٠ عن قبلتهم إلى القبلة التي أمروا بها. ( أحكام الشافعي : ١/٦٤-٦٦. ون معرفة السنن والآثار : ١/٤٨٣. )
ــــــــــــ

١٤-
قال الشافعي : ووجه الله رسوله للقبلة في الصلاة إلى بيت المقدس، فكانت القبلةَ التي لا يحل ـ قبل نسخها ـ استقبال غيرها، ثم نسخ الله قبلة بيت المقدس، ووجهه إلى البيت، فلا يحل لأحد استقبال بيت المقدس أبدا لمكتوبة، ولا يحل أن يستقبل غير البيت الحرام.
قال : وكل كان حقا في وقته، فكان التوجه إلى بيت المقدس ـ أيام وَجَّهَ الله إليه نبيه ـ حقا، ثم نسخه، فصار الحق في التوجه إلى البيت الحرام أبدا، لا يحل استقبال غيره في مكتوبة، إلا في بعض الخوف، أو نافلة في سفر١١، استدلالا بالكتاب والسنة.
وهكذا كل ما نسخ الله، ومعنى « نسخ » ترك فرضه : كان حقا في وقته، وتركه حقا إذا نسخه الله، فيكون من أدرك فرضه مطيعا به وبتركه، ومن لم يدرك فرضه مطيعا باتباع الفرض الناسخ له. قال الله لنبيه :﴿ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى اِلسَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾١٢.
فإن قال قائل : فأين الدلالة على أنهم حُوِّلُوا إلى قبلة بعد قبلة ؟ ففي قول الله١٣ :﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ مَا وَلّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهُمُ اَلتِى كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَّشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾١٤. مالك١٥، عن عبد الله بن دينار١٦، عن ابن عمر١٧ قال : بينما الناس بِقُبَاء١٨ في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال : إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام١٩، فاستداروا إلى الكعبة٢٠.
مالك، عن يحيى بن سعيد٢١، عن سعيد بن المُسيَّب٢٢ أنه كان يقول : صلى رسول الله ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس، ثم حُوِّلت القبلة قبل بَدْرٍ٢٣ بشهرين٢٤.
قال : والاستدلال بالكتاب في صلاة الخوف قول الله :﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا ﴾٢٥ وليس لمصلي المكتوبة أن يصلي راكبا إلا في خوف ولم يذكر الله أن يتوجه القبلة.
وروى ابن عمر عن رسول الله صلاة الخوف فقال في روايته : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها٢٦.
وصلى رسول الله النافلة في السفر على راحلته أين توجهت به. حفظ ذلك عنه جابر بن عبد الله٢٧ وأنس بن مالك٢٨ وغيرهما. وكان لا يصلي المكتوبة مسافرا إلا بالأرض متوجها للقبلة٢٩. ابن أبي فديك٣٠، عن ابن أبي ذئب٣١، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة٣٢، عن جابر بن عبد الله : أن النبي كان يصلي على راحلته متوجهة به قبل المشرق في غزوة بني أنمار٣٣. ( الرسالة : ١٢١-١٢٦. )
ـــــــــــ

١٥-
قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُو ﴾٣٤ ففرض عليهم حيث ما كانوا أن يولوا وجوههم شطره. و « شَطْرُهُ » جِهَتُه، في كلام العرب. إذا قلتَ : أقصد شطرَ كذا : معروف أنك تقول : أقصِد قصْد عَيْن كذا، يعني : قَصْدَ نَفْسِ كذا. وكذلك « تِلْقَاءهُ » : جهته، أي : أَسْتَقْبلُ تلقاءه وجهَتَهُ، وإن كلها معنى واحدٌ، وإن كانت بألفاظ مختلفة.
وقال خُفَافُ بن نُدْبَةَ٣٥ :
أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عَمْرا رَسُـولاً وَمَا تُغْنِي الرِّسَالَةُ شَطْرَ عَمْرِو
وقال سَاعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ٣٦ :
أَقُولُ لأُمِّ زِنْبَاعٍ : أَقِيــمِي صُدُورَ العِيسِ٣٧ شَطْرَ بَنِي تَمِيمِ٣٨
وقال لَقِيطٌ الإِيَادِيُّ٣٩ :
وَقَدْ أَظَلَّكم مِنْ شَطْرِ ثَغْرِكُمُ هَوْلٌ لَهُ ظُلَمٌ تَغْشَاكُمُ قِطَعَــا
وقال الشاعر٤٠ :
إِنَّ العَسِيرَ٤١ بِهَا دَاء مُخَامِرُهَا فَشَطْرَهَا بَصَرُ العَيْنَيْنِ مَسْحُـورُ
قال الشافعي : يريد : تلقاءها بصر العينين، ونَحْوَهَا : تلقاء جِهَتِها.
وهذا كله مع غيره من أشعارهم يبين أن شطر الشيء : قصدُ عينِ الشيء : إذا كان مُعَايَنا فبالصواب، وإذا كان مُغَيَّبا فبالاجتهاد بالتوجه إليه، وذلك أكثر ما يمكن فيه.
وقال الله :﴿ جَعَلَ لَكُمُ اَلنُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِى ظُلُمَاتِ اِلْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾٤٢ وقال :﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾٤٣. فخلق لهم العلامات، ونَصَبَ لهم المسجد الحرام، وأمرهم أن يتوجهوا إليه. وإنما توجُّهُهُم إليه بالعلامات التي خلق لهم، والعقولَ التي رَكَّبَهَا فيهم، التي استدلوا بها على معرفة العلامات. وكل هذا بيان ونعمة منه جل ثناؤه. ( الرسالة : ٣٤-٣٨ و ٥٠٢-٥٠٣ ون أحكام الشافعي ١/٦٨-. ٧٠ الأم : ٧/٢٧٧ و ١/٩٣ و ٧/٢٩٩.
ومعرفة السنن والآثار : ١/٤٨٤. )
١ - البقرة: ١١٥..
٢ - رواه البيهقي في السنن كتاب الصلاة باب: استبيان الخطا بعد الاجتهاد: ٢/١٣..
٣ - البقرة: ١٤٤..
٤ - البقرة: ١٥٠. وتمام الآيات في النص. والحديث في الدر المنثور: ٢/٣٤٣-٣٤٤..
٥ - البقرة: ١٤٤..
٦ - البقرة: ١٥٠..
٧ - البقرة: ١٥٠..
٨ - البقرة: ١٤٢. وتمام الآية:﴿قُل لِّلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَّشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾..
٩ - أي الذين ظلموا..
١٠ - أي الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه..
١١ - إذ رُخِّصَ للخائف والمتنفل في السفر أن يدعا التوجه قبل الكعبة، نزولا على حكم الضرورة التي اعتبرها الشارع، ولا يسمى هذا في الحقيقة استقبالا للقبلة المنسوخة، إذ هي وغيرها من سائر الجهات في ذلك سواء..
١٢ - البقرة: ١٤٤..
١٣ - هذا جواب السؤال، أي الدلالة: في هذه الآية المذكورة..
١٤ - البقرة: ١٤٢..
١٥ - مالك بن أنس الأصبحي، أبو عبد الله الإمام. عن: نافع، والزهري. وعنه: ابن مهدي، وابن القاسم، ومعن، وأبو مصعب. ولد سنة ٩٣هـ وت في ربيع الأول سنة ١٧٩هـ. الكاشف: ٣/٩٣. ون التهذيب: ٨/٦. وقال في التقريب: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي، أبو عبد الله المدني الفقيه إمام دار الهجرة، رأس المتقنين وكبير المتثبتين حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر..
١٦ - عبد الله بن دينار المدني. عن: مولاه ابن عمر، وأنس، وعدة. وعنه: موسى بن عقبة، ومالك، والسفيانان، وخلق. ت سنة ١٢٧هـ. الكاشف: ٢/٨٠. ون التهذيب: ٤/٣٨٦. وقال في التقريب: ثقة..
١٧ - عبد الله بن عمر، أبو عبد الرحمان العدوي، شهد الأحزاب والحديبية. عنه: بنوه، ونافع، وزيد بن أسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم :« إن عبد الله رجل صالح » وقال جابر: ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها إلا ابن عمر. قال ابن المسيب: مات وما أحد أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منه. ت سنة ٧٤هـ. الكاشف: ٢/١٠٨. ون الإصابة: ٤/١٨١. والطبقات الكبرى: ٤/١٤٢. والتهذيب: ٤/٤٠٧. وقال في التقريب: وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة. وكان من أشد الناس اتباعا للأثر..
١٨ - قباء: أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة..
١٩ - أي: إلى بيت المقدس الذي كان قبلتهم إذاك. والجملة تفسير من الراوي للتحول المذكور..
٢٠ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان: ١/٩٤ (ر٣٠٤). والشافعي في المسند (ر١٩١)..
٢١ - يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الإمام، أبو سعيد الأنصاري قاضي السفاح. عن: أنس، وابن المسيب. وعنه: مالك، والقطان. حافظ فقيه حجة. ت سنة: ١٤٣هـ. الكاشف: ٣/٢٤٣. ون التهذيب: ٩/٢٣٨. وقال في التقريب: أبو سعيد القاضي ثقة ثبت..
٢٢ - سعيد بن المسيب بن حزن الإمام، أبو محمد المخزومي. أحد الأعلام وسيد التابعين. عن: عمر، وعثمان، وسعد. وعنه: الزهري، وقتادة، ويحيى بن سعيد. ثقة حجة فقيه، رفيع الذكر، رأس في العلم والعمل. عاش تسعا وسبعين سنة، ت سنة: ٩٤هـ. الكاشف: ١/٣٢٦. ون الطبقات الكبرى: ٥/١١٩. و وفيات الأعيان: ٢/٣٧٥. والتهذيب: ٣/٢٧٢. وقال في التقريب: أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه..
٢٣ - أي قبل غزوة بدر الكبرى وكانت بدر موسما من مواسم الجاهلية يجتمع بها العرب، بها سوق وبين بدر والمدينة ثمانية بُرُدٍ وميلان. الطبقات الكبرى: ٢/١٣..
٢٤ - حديث ابن المسيب هذا حديث مرسل، ولكنه اعتضد بحديثين موصولين صحيحين: أولهما حديث البراء بن عازب، رواه البخاري في الإيمان (٢) باب: الصلاة من الإيمان (٢٩)(ر٤٠). ورواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (٥) باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة (٢)(ر٥٢٥). ورواه أصحاب السنن إلا أبا داود. ورواه أحمد في المسند والشافعي في المسند وابن سعد في الطبقات. ثانيهما: حديث ابن عباس رواه أحمد في المسند. وقال ابن حجر في الفتح: صحيح الإسناد ورواه ابن سعد في الطبقات وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار، ورجاله رجال الصحيح. ن الرسالة هامش ص: ١٢٥. من كلام شاكر بتصرف..
٢٥ - البقرة: ٢٣٩..
٢٦ - رواه البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا ﴾ (٤٦)(ر٤٢٦١) عن نافع عن ابن عمر. ورواه مالك في أول صلاة الخوف (١١)(ر٣) عن نافع عن ابن عمر. قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه الشافعي في المسند (ر٥٠٨)..
٢٧ - جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرم بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، يكنى أبا عبد الله وأبا عبد الرحامن وأبا محمد، أقوال. أحد المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه جماعة من الصحابة، وله ولأبيه صحبة. وفي الصحيح عنه أنه كان مع من شهد العقبة. الإصابة ١/٤٣٤. ون الكاشف: ١/١٣٠. والتهذيب: ٢/٧..
٢٨ - أنس بن مالك الصحابي، وله عن عدة من الصحابة. وعنه خلق جاوزوا المائة، ت سنة ٩٣هـ. الكاشف: ١/٩٢. ون الإصابة: ١/١٢٦. والتهذيب: ١/٣٩٠..
٢٩ - رواه البخاري في تقصير الصلاة (٢٤) باب: ينزل للمكتوبة (٩)(ر١٠٤٨) عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته نحو المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة. وفي باب: صلاة التطوع على الدواب (٧)(ر١٠٤٣) عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة.
ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب: جواز صلاة النافلة على الدابة (٤)(ر٧٠٢) عن أنس بن مالك. وروي ذلك عن ابن عمر، وعامر بن ربيعة كما في الصحيحين. ورواه أبو داود في الصلاة باب: التطوع على الراحلة، والشافعي في المسند..

٣٠ - محمد بن إسماعيل بن أبي فديك الديلي مولاهم. عن: سلمة بن وردان، وخلق. وعنه: سلمة بن شبيب، وعبد. صدوق. ت سنة مائتين. الكاشف: ٣/٩. ون الطبقات الكبرى: ٥/٤٣٧. والتهذيب: ٧/٥٣. وقال في التقريب: صدوق.
٣١ - محمد بن عبد الرحمان بن المغيرة بن أبي ذئب، أبو الحارث العامري، أحد الأعلام. عن: عكرمة، ونافع، والزهري. وعنه: معمر، وابن المبارك، وابن وهب، والقطان، وعلي بن جعب. وكان كبير الشأن ثقة. ت سنة: ١٥٩هـ. الكاشف: ٣/٥٢. ون التهذيب: ٧/٢٨٦. وقال في التقريب: ثقة فقيه فاضل..
٣٢ - عثمان بن عبد الله بن سراقة العدوي. عن: خاله ابن عمر، وجابر. وعنه: الزهري، وابن أبي ذئب، ت سنة: ١١٨هـ. الكاشف: ٢/٢٤٧. ون التهذيب: ٥/٤٩٣. وقال في التقريب ثقة..
٣٣ - لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة إلا البخاري وحده في كتاب المغازي (٦٧) باب: غزوة أنمار (٣١)(ر٣٩٠٩). ورواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وأحمد، والشافعي، عن جابر بن عبد الله من طرق أخرى بألفاظ مختلفة..
٣٤ - البقرة: ١٥٠..
٣٥ - خفاف بن عمير بن الحارث بن الشريد، واسمه عمرو بن رباح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم. وكان شاعرا، وهو الذي يقال له خفاف بن ندبة، وهي أمة بها يعرف، وهي ابنة الشيطان بن قيان بن سبية من بني الحارث بن كعب. ويقال إن ندبة كانت أمة سوداء. وشهد خفاف فتح مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معه لواء بني سليم الآخر. الطبقات الكبرى: ٤/٢٧٥. ون الإصابة: ٢/٢٣٦. والاشتقاق ص: ٣٠٩..
٣٦ - ساعدة الهذلي أبو عبد الله، قال أبو عمر: في صحبته نظر. الإصابة: ٣/٧. وقال ابن قتيبة في ترجمة أبي ذؤيب الهذلي: إن أبا ذؤيب كان راوية لساعدة بن جؤية الهذلي. الشعر والشعراء ص: ٣٣٠. والبيت الذي نسبه الشافعي هنا لساعدة بن جؤية ذكره صاحب اللسان ونسبه لأبي زنباع الجذامي، والشافعي أعرف الناس وأعلمهم بشعر هذيل. ن الرسالة هامش الصفحة: ٣٥..
٣٧ - العيس بالكسر الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة، واحدها أعيس، والأنثى عَيْسَاء بينة العَيَسِ. ويقال: هي كرائم الإبل. الصحاح: عيس..
٣٨ - بني تميم: بن جدي بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، إحدى القبائل العربية. المقتضب ص: ٧٥-٧٨. ون الاشتقاق ص: ٢٠١..
٣٩ - هو لقيط بن يعمر بن خارجة الإيادي، شاعر جاهلي فحل، من أهل الحيرة. كان يحسن الفارسية واتصل بكسرى « سابور » ذي الأكتاف، فكان من كتّابه والمطلعين على أسرار دولته ومن مقدمي تراجمته. الأعلام: ٥/٢٤٤. والشعر والشعراء ص: ٨٣..
٤٠ - لم يسم الشافعي هذا الشاعر. ون الاختلاف في نسبة البيت في الرسالة هامش الصفحة: ٣٥ وما بعدها..
٤١ - العسير: الناقة التي ركبت قبل تذليلها. وعسرت الناقة: رفعت ذنبها في عدوها. اللسان: عسر..
٤٢ - الأنعام: ٩٧..
٤٣ - النحل: ١٦..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤٤:١٣- قال الشافعي رحمه الله : أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم فَرْضَ القبلة بمكة، فكان يصلي في ناحية يستقبل منها البيت الحرام، وبيت المقدس ؛ فلما هاجر إلى المدينة استقبل بيت المقدس موليا عن البيت الحرام، ستة عشر شهرا، وهو يحب لو قضى الله إليه باستقبال البيت الحرام، لأن فيه مقام أبيه إبراهيم، وإسماعيل، وهو المثابة للناس والأمن، وإليه الحج، وهو المأمور به أن يطهَّر للطائفين والعاكفين والركع السجود، مع كراهية رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وافق اليهود.
فقال لجبريل عليه السلام :« لودِدْت أن ربي صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها » فأنزل الله عز وجل :﴿ وَلِلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللَّهِ ﴾١ يعني والله أعلم : فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه٢. فقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد أنا عبد مأمور مثلك، لا أملك شيئا، فسل الله. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يوجهه إلى البيت الحرام، وصعد جبريل عليه السلام إلى السماء، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يديم طَرْفَهُ إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل عليه السلام بما سأل، فأنزل الله عز وجل :﴿ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى اِلسَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ ﴾٣ إلى قوله :﴿ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِى ﴾٤.
في قوله :﴿ وَإِنَّ اَلذِينَ أُوتُوا اَلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ اَلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾٥ يقال : يجدون ـ في ما نزل عليهم ـ أن النبي الأمي من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام يخرج من الحرم، وتعود قبلته وصلاته مَخْرَجَهُ، يعني الحرم.
وفي قوله تعالى :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِيَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾٦ قيل في ذلك والله أعلم : لا تستقبل المسجد الحرام من المدينة إلا وأنتم مستدبرون بيت المقدس، وإن جئتم من جهة نجد اليمن ـ فكنتم تستقبلون البيت الحرام وبيت المقدس ـ استقبلتم المسجد الحرام. لا أن إرادتكم بيت المقدس، وإن اسقبلتموه باستقبال المسجد الحرام. ولأنتم كذلك تستقبلون ما دونه ووراءه ؛ لا إرادة أن يكون قبلة، ولكنه جهة قبلة.
وقيل :﴿ لِيَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾٧ في استقبال قبلة غيركم. وقيل : في تحويلكم عن قبلتكم التي كنتم عليها إلى غيرها، وهذا أشبه ما قيل فيها والله أعلم، لقول الله عز وجل :﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ مَا وَلّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهُمُ اَلتِى كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ مُّسْتَقِيمٍ ﴾٨ فأعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا حجة عليهم في التحويل، يعني : لا يتكلم في ذلك أحد بشيء، يريد الحجة، إلا الذين ظلموا منهم. لا أن لهم٩ حجة، لأن عليهم أن ينصرفوا١٠ عن قبلتهم إلى القبلة التي أمروا بها. ( أحكام الشافعي : ١/٦٤-٦٦. ون معرفة السنن والآثار : ١/٤٨٣. )
ــــــــــــ

١٤-
قال الشافعي : ووجه الله رسوله للقبلة في الصلاة إلى بيت المقدس، فكانت القبلةَ التي لا يحل ـ قبل نسخها ـ استقبال غيرها، ثم نسخ الله قبلة بيت المقدس، ووجهه إلى البيت، فلا يحل لأحد استقبال بيت المقدس أبدا لمكتوبة، ولا يحل أن يستقبل غير البيت الحرام.
قال : وكل كان حقا في وقته، فكان التوجه إلى بيت المقدس ـ أيام وَجَّهَ الله إليه نبيه ـ حقا، ثم نسخه، فصار الحق في التوجه إلى البيت الحرام أبدا، لا يحل استقبال غيره في مكتوبة، إلا في بعض الخوف، أو نافلة في سفر١١، استدلالا بالكتاب والسنة.
وهكذا كل ما نسخ الله، ومعنى « نسخ » ترك فرضه : كان حقا في وقته، وتركه حقا إذا نسخه الله، فيكون من أدرك فرضه مطيعا به وبتركه، ومن لم يدرك فرضه مطيعا باتباع الفرض الناسخ له. قال الله لنبيه :﴿ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى اِلسَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾١٢.
فإن قال قائل : فأين الدلالة على أنهم حُوِّلُوا إلى قبلة بعد قبلة ؟ ففي قول الله١٣ :﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ مَا وَلّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهُمُ اَلتِى كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَّشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾١٤. مالك١٥، عن عبد الله بن دينار١٦، عن ابن عمر١٧ قال : بينما الناس بِقُبَاء١٨ في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال : إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام١٩، فاستداروا إلى الكعبة٢٠.
مالك، عن يحيى بن سعيد٢١، عن سعيد بن المُسيَّب٢٢ أنه كان يقول : صلى رسول الله ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس، ثم حُوِّلت القبلة قبل بَدْرٍ٢٣ بشهرين٢٤.
قال : والاستدلال بالكتاب في صلاة الخوف قول الله :﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا ﴾٢٥ وليس لمصلي المكتوبة أن يصلي راكبا إلا في خوف ولم يذكر الله أن يتوجه القبلة.
وروى ابن عمر عن رسول الله صلاة الخوف فقال في روايته : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها٢٦.
وصلى رسول الله النافلة في السفر على راحلته أين توجهت به. حفظ ذلك عنه جابر بن عبد الله٢٧ وأنس بن مالك٢٨ وغيرهما. وكان لا يصلي المكتوبة مسافرا إلا بالأرض متوجها للقبلة٢٩. ابن أبي فديك٣٠، عن ابن أبي ذئب٣١، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة٣٢، عن جابر بن عبد الله : أن النبي كان يصلي على راحلته متوجهة به قبل المشرق في غزوة بني أنمار٣٣. ( الرسالة : ١٢١-١٢٦. )
ـــــــــــ

١٥-
قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُو ﴾٣٤ ففرض عليهم حيث ما كانوا أن يولوا وجوههم شطره. و « شَطْرُهُ » جِهَتُه، في كلام العرب. إذا قلتَ : أقصد شطرَ كذا : معروف أنك تقول : أقصِد قصْد عَيْن كذا، يعني : قَصْدَ نَفْسِ كذا. وكذلك « تِلْقَاءهُ » : جهته، أي : أَسْتَقْبلُ تلقاءه وجهَتَهُ، وإن كلها معنى واحدٌ، وإن كانت بألفاظ مختلفة.
وقال خُفَافُ بن نُدْبَةَ٣٥ :
أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عَمْرا رَسُـولاً وَمَا تُغْنِي الرِّسَالَةُ شَطْرَ عَمْرِو
وقال سَاعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ٣٦ :
أَقُولُ لأُمِّ زِنْبَاعٍ : أَقِيــمِي صُدُورَ العِيسِ٣٧ شَطْرَ بَنِي تَمِيمِ٣٨
وقال لَقِيطٌ الإِيَادِيُّ٣٩ :
وَقَدْ أَظَلَّكم مِنْ شَطْرِ ثَغْرِكُمُ هَوْلٌ لَهُ ظُلَمٌ تَغْشَاكُمُ قِطَعَــا
وقال الشاعر٤٠ :
إِنَّ العَسِيرَ٤١ بِهَا دَاء مُخَامِرُهَا فَشَطْرَهَا بَصَرُ العَيْنَيْنِ مَسْحُـورُ
قال الشافعي : يريد : تلقاءها بصر العينين، ونَحْوَهَا : تلقاء جِهَتِها.
وهذا كله مع غيره من أشعارهم يبين أن شطر الشيء : قصدُ عينِ الشيء : إذا كان مُعَايَنا فبالصواب، وإذا كان مُغَيَّبا فبالاجتهاد بالتوجه إليه، وذلك أكثر ما يمكن فيه.
وقال الله :﴿ جَعَلَ لَكُمُ اَلنُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِى ظُلُمَاتِ اِلْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾٤٢ وقال :﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾٤٣. فخلق لهم العلامات، ونَصَبَ لهم المسجد الحرام، وأمرهم أن يتوجهوا إليه. وإنما توجُّهُهُم إليه بالعلامات التي خلق لهم، والعقولَ التي رَكَّبَهَا فيهم، التي استدلوا بها على معرفة العلامات. وكل هذا بيان ونعمة منه جل ثناؤه. ( الرسالة : ٣٤-٣٨ و ٥٠٢-٥٠٣ ون أحكام الشافعي ١/٦٨-. ٧٠ الأم : ٧/٢٧٧ و ١/٩٣ و ٧/٢٩٩.
ومعرفة السنن والآثار : ١/٤٨٤. )
١ - البقرة: ١١٥..
٢ - رواه البيهقي في السنن كتاب الصلاة باب: استبيان الخطا بعد الاجتهاد: ٢/١٣..
٣ - البقرة: ١٤٤..
٤ - البقرة: ١٥٠. وتمام الآيات في النص. والحديث في الدر المنثور: ٢/٣٤٣-٣٤٤..
٥ - البقرة: ١٤٤..
٦ - البقرة: ١٥٠..
٧ - البقرة: ١٥٠..
٨ - البقرة: ١٤٢. وتمام الآية:﴿قُل لِّلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَّشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾..
٩ - أي الذين ظلموا..
١٠ - أي الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه..
١١ - إذ رُخِّصَ للخائف والمتنفل في السفر أن يدعا التوجه قبل الكعبة، نزولا على حكم الضرورة التي اعتبرها الشارع، ولا يسمى هذا في الحقيقة استقبالا للقبلة المنسوخة، إذ هي وغيرها من سائر الجهات في ذلك سواء..
١٢ - البقرة: ١٤٤..
١٣ - هذا جواب السؤال، أي الدلالة: في هذه الآية المذكورة..
١٤ - البقرة: ١٤٢..
١٥ - مالك بن أنس الأصبحي، أبو عبد الله الإمام. عن: نافع، والزهري. وعنه: ابن مهدي، وابن القاسم، ومعن، وأبو مصعب. ولد سنة ٩٣هـ وت في ربيع الأول سنة ١٧٩هـ. الكاشف: ٣/٩٣. ون التهذيب: ٨/٦. وقال في التقريب: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي، أبو عبد الله المدني الفقيه إمام دار الهجرة، رأس المتقنين وكبير المتثبتين حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر..
١٦ - عبد الله بن دينار المدني. عن: مولاه ابن عمر، وأنس، وعدة. وعنه: موسى بن عقبة، ومالك، والسفيانان، وخلق. ت سنة ١٢٧هـ. الكاشف: ٢/٨٠. ون التهذيب: ٤/٣٨٦. وقال في التقريب: ثقة..
١٧ - عبد الله بن عمر، أبو عبد الرحمان العدوي، شهد الأحزاب والحديبية. عنه: بنوه، ونافع، وزيد بن أسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم :« إن عبد الله رجل صالح » وقال جابر: ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها إلا ابن عمر. قال ابن المسيب: مات وما أحد أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منه. ت سنة ٧٤هـ. الكاشف: ٢/١٠٨. ون الإصابة: ٤/١٨١. والطبقات الكبرى: ٤/١٤٢. والتهذيب: ٤/٤٠٧. وقال في التقريب: وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة. وكان من أشد الناس اتباعا للأثر..
١٨ - قباء: أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة..
١٩ - أي: إلى بيت المقدس الذي كان قبلتهم إذاك. والجملة تفسير من الراوي للتحول المذكور..
٢٠ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان: ١/٩٤ (ر٣٠٤). والشافعي في المسند (ر١٩١)..
٢١ - يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الإمام، أبو سعيد الأنصاري قاضي السفاح. عن: أنس، وابن المسيب. وعنه: مالك، والقطان. حافظ فقيه حجة. ت سنة: ١٤٣هـ. الكاشف: ٣/٢٤٣. ون التهذيب: ٩/٢٣٨. وقال في التقريب: أبو سعيد القاضي ثقة ثبت..
٢٢ - سعيد بن المسيب بن حزن الإمام، أبو محمد المخزومي. أحد الأعلام وسيد التابعين. عن: عمر، وعثمان، وسعد. وعنه: الزهري، وقتادة، ويحيى بن سعيد. ثقة حجة فقيه، رفيع الذكر، رأس في العلم والعمل. عاش تسعا وسبعين سنة، ت سنة: ٩٤هـ. الكاشف: ١/٣٢٦. ون الطبقات الكبرى: ٥/١١٩. و وفيات الأعيان: ٢/٣٧٥. والتهذيب: ٣/٢٧٢. وقال في التقريب: أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه..
٢٣ - أي قبل غزوة بدر الكبرى وكانت بدر موسما من مواسم الجاهلية يجتمع بها العرب، بها سوق وبين بدر والمدينة ثمانية بُرُدٍ وميلان. الطبقات الكبرى: ٢/١٣..
٢٤ - حديث ابن المسيب هذا حديث مرسل، ولكنه اعتضد بحديثين موصولين صحيحين: أولهما حديث البراء بن عازب، رواه البخاري في الإيمان (٢) باب: الصلاة من الإيمان (٢٩)(ر٤٠). ورواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (٥) باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة (٢)(ر٥٢٥). ورواه أصحاب السنن إلا أبا داود. ورواه أحمد في المسند والشافعي في المسند وابن سعد في الطبقات. ثانيهما: حديث ابن عباس رواه أحمد في المسند. وقال ابن حجر في الفتح: صحيح الإسناد ورواه ابن سعد في الطبقات وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار، ورجاله رجال الصحيح. ن الرسالة هامش ص: ١٢٥. من كلام شاكر بتصرف..
٢٥ - البقرة: ٢٣٩..
٢٦ - رواه البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا ﴾ (٤٦)(ر٤٢٦١) عن نافع عن ابن عمر. ورواه مالك في أول صلاة الخوف (١١)(ر٣) عن نافع عن ابن عمر. قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه الشافعي في المسند (ر٥٠٨)..
٢٧ - جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرم بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، يكنى أبا عبد الله وأبا عبد الرحامن وأبا محمد، أقوال. أحد المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه جماعة من الصحابة، وله ولأبيه صحبة. وفي الصحيح عنه أنه كان مع من شهد العقبة. الإصابة ١/٤٣٤. ون الكاشف: ١/١٣٠. والتهذيب: ٢/٧..
٢٨ - أنس بن مالك الصحابي، وله عن عدة من الصحابة. وعنه خلق جاوزوا المائة، ت سنة ٩٣هـ. الكاشف: ١/٩٢. ون الإصابة: ١/١٢٦. والتهذيب: ١/٣٩٠..
٢٩ - رواه البخاري في تقصير الصلاة (٢٤) باب: ينزل للمكتوبة (٩)(ر١٠٤٨) عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته نحو المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة. وفي باب: صلاة التطوع على الدواب (٧)(ر١٠٤٣) عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة.
ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب: جواز صلاة النافلة على الدابة (٤)(ر٧٠٢) عن أنس بن مالك. وروي ذلك عن ابن عمر، وعامر بن ربيعة كما في الصحيحين. ورواه أبو داود في الصلاة باب: التطوع على الراحلة، والشافعي في المسند..

٣٠ - محمد بن إسماعيل بن أبي فديك الديلي مولاهم. عن: سلمة بن وردان، وخلق. وعنه: سلمة بن شبيب، وعبد. صدوق. ت سنة مائتين. الكاشف: ٣/٩. ون الطبقات الكبرى: ٥/٤٣٧. والتهذيب: ٧/٥٣. وقال في التقريب: صدوق.
٣١ - محمد بن عبد الرحمان بن المغيرة بن أبي ذئب، أبو الحارث العامري، أحد الأعلام. عن: عكرمة، ونافع، والزهري. وعنه: معمر، وابن المبارك، وابن وهب، والقطان، وعلي بن جعب. وكان كبير الشأن ثقة. ت سنة: ١٥٩هـ. الكاشف: ٣/٥٢. ون التهذيب: ٧/٢٨٦. وقال في التقريب: ثقة فقيه فاضل..
٣٢ - عثمان بن عبد الله بن سراقة العدوي. عن: خاله ابن عمر، وجابر. وعنه: الزهري، وابن أبي ذئب، ت سنة: ١١٨هـ. الكاشف: ٢/٢٤٧. ون التهذيب: ٥/٤٩٣. وقال في التقريب ثقة..
٣٣ - لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة إلا البخاري وحده في كتاب المغازي (٦٧) باب: غزوة أنمار (٣١)(ر٣٩٠٩). ورواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وأحمد، والشافعي، عن جابر بن عبد الله من طرق أخرى بألفاظ مختلفة..
٣٤ - البقرة: ١٥٠..
٣٥ - خفاف بن عمير بن الحارث بن الشريد، واسمه عمرو بن رباح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم. وكان شاعرا، وهو الذي يقال له خفاف بن ندبة، وهي أمة بها يعرف، وهي ابنة الشيطان بن قيان بن سبية من بني الحارث بن كعب. ويقال إن ندبة كانت أمة سوداء. وشهد خفاف فتح مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معه لواء بني سليم الآخر. الطبقات الكبرى: ٤/٢٧٥. ون الإصابة: ٢/٢٣٦. والاشتقاق ص: ٣٠٩..
٣٦ - ساعدة الهذلي أبو عبد الله، قال أبو عمر: في صحبته نظر. الإصابة: ٣/٧. وقال ابن قتيبة في ترجمة أبي ذؤيب الهذلي: إن أبا ذؤيب كان راوية لساعدة بن جؤية الهذلي. الشعر والشعراء ص: ٣٣٠. والبيت الذي نسبه الشافعي هنا لساعدة بن جؤية ذكره صاحب اللسان ونسبه لأبي زنباع الجذامي، والشافعي أعرف الناس وأعلمهم بشعر هذيل. ن الرسالة هامش الصفحة: ٣٥..
٣٧ - العيس بالكسر الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة، واحدها أعيس، والأنثى عَيْسَاء بينة العَيَسِ. ويقال: هي كرائم الإبل. الصحاح: عيس..
٣٨ - بني تميم: بن جدي بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، إحدى القبائل العربية. المقتضب ص: ٧٥-٧٨. ون الاشتقاق ص: ٢٠١..
٣٩ - هو لقيط بن يعمر بن خارجة الإيادي، شاعر جاهلي فحل، من أهل الحيرة. كان يحسن الفارسية واتصل بكسرى « سابور » ذي الأكتاف، فكان من كتّابه والمطلعين على أسرار دولته ومن مقدمي تراجمته. الأعلام: ٥/٢٤٤. والشعر والشعراء ص: ٨٣..
٤٠ - لم يسم الشافعي هذا الشاعر. ون الاختلاف في نسبة البيت في الرسالة هامش الصفحة: ٣٥ وما بعدها..
٤١ - العسير: الناقة التي ركبت قبل تذليلها. وعسرت الناقة: رفعت ذنبها في عدوها. اللسان: عسر..
٤٢ - الأنعام: ٩٧..
٤٣ - النحل: ١٦..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤٤:١٣- قال الشافعي رحمه الله : أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم فَرْضَ القبلة بمكة، فكان يصلي في ناحية يستقبل منها البيت الحرام، وبيت المقدس ؛ فلما هاجر إلى المدينة استقبل بيت المقدس موليا عن البيت الحرام، ستة عشر شهرا، وهو يحب لو قضى الله إليه باستقبال البيت الحرام، لأن فيه مقام أبيه إبراهيم، وإسماعيل، وهو المثابة للناس والأمن، وإليه الحج، وهو المأمور به أن يطهَّر للطائفين والعاكفين والركع السجود، مع كراهية رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وافق اليهود.
فقال لجبريل عليه السلام :« لودِدْت أن ربي صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها » فأنزل الله عز وجل :﴿ وَلِلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللَّهِ ﴾١ يعني والله أعلم : فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه٢. فقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد أنا عبد مأمور مثلك، لا أملك شيئا، فسل الله. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يوجهه إلى البيت الحرام، وصعد جبريل عليه السلام إلى السماء، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يديم طَرْفَهُ إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل عليه السلام بما سأل، فأنزل الله عز وجل :﴿ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى اِلسَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ ﴾٣ إلى قوله :﴿ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِى ﴾٤.
في قوله :﴿ وَإِنَّ اَلذِينَ أُوتُوا اَلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ اَلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾٥ يقال : يجدون ـ في ما نزل عليهم ـ أن النبي الأمي من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام يخرج من الحرم، وتعود قبلته وصلاته مَخْرَجَهُ، يعني الحرم.
وفي قوله تعالى :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِيَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾٦ قيل في ذلك والله أعلم : لا تستقبل المسجد الحرام من المدينة إلا وأنتم مستدبرون بيت المقدس، وإن جئتم من جهة نجد اليمن ـ فكنتم تستقبلون البيت الحرام وبيت المقدس ـ استقبلتم المسجد الحرام. لا أن إرادتكم بيت المقدس، وإن اسقبلتموه باستقبال المسجد الحرام. ولأنتم كذلك تستقبلون ما دونه ووراءه ؛ لا إرادة أن يكون قبلة، ولكنه جهة قبلة.
وقيل :﴿ لِيَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾٧ في استقبال قبلة غيركم. وقيل : في تحويلكم عن قبلتكم التي كنتم عليها إلى غيرها، وهذا أشبه ما قيل فيها والله أعلم، لقول الله عز وجل :﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ مَا وَلّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهُمُ اَلتِى كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ مُّسْتَقِيمٍ ﴾٨ فأعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا حجة عليهم في التحويل، يعني : لا يتكلم في ذلك أحد بشيء، يريد الحجة، إلا الذين ظلموا منهم. لا أن لهم٩ حجة، لأن عليهم أن ينصرفوا١٠ عن قبلتهم إلى القبلة التي أمروا بها. ( أحكام الشافعي : ١/٦٤-٦٦. ون معرفة السنن والآثار : ١/٤٨٣. )
ــــــــــــ

١٤-
قال الشافعي : ووجه الله رسوله للقبلة في الصلاة إلى بيت المقدس، فكانت القبلةَ التي لا يحل ـ قبل نسخها ـ استقبال غيرها، ثم نسخ الله قبلة بيت المقدس، ووجهه إلى البيت، فلا يحل لأحد استقبال بيت المقدس أبدا لمكتوبة، ولا يحل أن يستقبل غير البيت الحرام.
قال : وكل كان حقا في وقته، فكان التوجه إلى بيت المقدس ـ أيام وَجَّهَ الله إليه نبيه ـ حقا، ثم نسخه، فصار الحق في التوجه إلى البيت الحرام أبدا، لا يحل استقبال غيره في مكتوبة، إلا في بعض الخوف، أو نافلة في سفر١١، استدلالا بالكتاب والسنة.
وهكذا كل ما نسخ الله، ومعنى « نسخ » ترك فرضه : كان حقا في وقته، وتركه حقا إذا نسخه الله، فيكون من أدرك فرضه مطيعا به وبتركه، ومن لم يدرك فرضه مطيعا باتباع الفرض الناسخ له. قال الله لنبيه :﴿ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى اِلسَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾١٢.
فإن قال قائل : فأين الدلالة على أنهم حُوِّلُوا إلى قبلة بعد قبلة ؟ ففي قول الله١٣ :﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ مَا وَلّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهُمُ اَلتِى كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَّشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾١٤. مالك١٥، عن عبد الله بن دينار١٦، عن ابن عمر١٧ قال : بينما الناس بِقُبَاء١٨ في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال : إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام١٩، فاستداروا إلى الكعبة٢٠.
مالك، عن يحيى بن سعيد٢١، عن سعيد بن المُسيَّب٢٢ أنه كان يقول : صلى رسول الله ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس، ثم حُوِّلت القبلة قبل بَدْرٍ٢٣ بشهرين٢٤.
قال : والاستدلال بالكتاب في صلاة الخوف قول الله :﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا ﴾٢٥ وليس لمصلي المكتوبة أن يصلي راكبا إلا في خوف ولم يذكر الله أن يتوجه القبلة.
وروى ابن عمر عن رسول الله صلاة الخوف فقال في روايته : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها٢٦.
وصلى رسول الله النافلة في السفر على راحلته أين توجهت به. حفظ ذلك عنه جابر بن عبد الله٢٧ وأنس بن مالك٢٨ وغيرهما. وكان لا يصلي المكتوبة مسافرا إلا بالأرض متوجها للقبلة٢٩. ابن أبي فديك٣٠، عن ابن أبي ذئب٣١، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة٣٢، عن جابر بن عبد الله : أن النبي كان يصلي على راحلته متوجهة به قبل المشرق في غزوة بني أنمار٣٣. ( الرسالة : ١٢١-١٢٦. )
ـــــــــــ

١٥-
قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُو ﴾٣٤ ففرض عليهم حيث ما كانوا أن يولوا وجوههم شطره. و « شَطْرُهُ » جِهَتُه، في كلام العرب. إذا قلتَ : أقصد شطرَ كذا : معروف أنك تقول : أقصِد قصْد عَيْن كذا، يعني : قَصْدَ نَفْسِ كذا. وكذلك « تِلْقَاءهُ » : جهته، أي : أَسْتَقْبلُ تلقاءه وجهَتَهُ، وإن كلها معنى واحدٌ، وإن كانت بألفاظ مختلفة.
وقال خُفَافُ بن نُدْبَةَ٣٥ :
أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عَمْرا رَسُـولاً وَمَا تُغْنِي الرِّسَالَةُ شَطْرَ عَمْرِو
وقال سَاعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ٣٦ :
أَقُولُ لأُمِّ زِنْبَاعٍ : أَقِيــمِي صُدُورَ العِيسِ٣٧ شَطْرَ بَنِي تَمِيمِ٣٨
وقال لَقِيطٌ الإِيَادِيُّ٣٩ :
وَقَدْ أَظَلَّكم مِنْ شَطْرِ ثَغْرِكُمُ هَوْلٌ لَهُ ظُلَمٌ تَغْشَاكُمُ قِطَعَــا
وقال الشاعر٤٠ :
إِنَّ العَسِيرَ٤١ بِهَا دَاء مُخَامِرُهَا فَشَطْرَهَا بَصَرُ العَيْنَيْنِ مَسْحُـورُ
قال الشافعي : يريد : تلقاءها بصر العينين، ونَحْوَهَا : تلقاء جِهَتِها.
وهذا كله مع غيره من أشعارهم يبين أن شطر الشيء : قصدُ عينِ الشيء : إذا كان مُعَايَنا فبالصواب، وإذا كان مُغَيَّبا فبالاجتهاد بالتوجه إليه، وذلك أكثر ما يمكن فيه.
وقال الله :﴿ جَعَلَ لَكُمُ اَلنُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِى ظُلُمَاتِ اِلْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾٤٢ وقال :﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾٤٣. فخلق لهم العلامات، ونَصَبَ لهم المسجد الحرام، وأمرهم أن يتوجهوا إليه. وإنما توجُّهُهُم إليه بالعلامات التي خلق لهم، والعقولَ التي رَكَّبَهَا فيهم، التي استدلوا بها على معرفة العلامات. وكل هذا بيان ونعمة منه جل ثناؤه. ( الرسالة : ٣٤-٣٨ و ٥٠٢-٥٠٣ ون أحكام الشافعي ١/٦٨-. ٧٠ الأم : ٧/٢٧٧ و ١/٩٣ و ٧/٢٩٩.
ومعرفة السنن والآثار : ١/٤٨٤. )
١ - البقرة: ١١٥..
٢ - رواه البيهقي في السنن كتاب الصلاة باب: استبيان الخطا بعد الاجتهاد: ٢/١٣..
٣ - البقرة: ١٤٤..
٤ - البقرة: ١٥٠. وتمام الآيات في النص. والحديث في الدر المنثور: ٢/٣٤٣-٣٤٤..
٥ - البقرة: ١٤٤..
٦ - البقرة: ١٥٠..
٧ - البقرة: ١٥٠..
٨ - البقرة: ١٤٢. وتمام الآية:﴿قُل لِّلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَّشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾..
٩ - أي الذين ظلموا..
١٠ - أي الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه..
١١ - إذ رُخِّصَ للخائف والمتنفل في السفر أن يدعا التوجه قبل الكعبة، نزولا على حكم الضرورة التي اعتبرها الشارع، ولا يسمى هذا في الحقيقة استقبالا للقبلة المنسوخة، إذ هي وغيرها من سائر الجهات في ذلك سواء..
١٢ - البقرة: ١٤٤..
١٣ - هذا جواب السؤال، أي الدلالة: في هذه الآية المذكورة..
١٤ - البقرة: ١٤٢..
١٥ - مالك بن أنس الأصبحي، أبو عبد الله الإمام. عن: نافع، والزهري. وعنه: ابن مهدي، وابن القاسم، ومعن، وأبو مصعب. ولد سنة ٩٣هـ وت في ربيع الأول سنة ١٧٩هـ. الكاشف: ٣/٩٣. ون التهذيب: ٨/٦. وقال في التقريب: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي، أبو عبد الله المدني الفقيه إمام دار الهجرة، رأس المتقنين وكبير المتثبتين حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر..
١٦ - عبد الله بن دينار المدني. عن: مولاه ابن عمر، وأنس، وعدة. وعنه: موسى بن عقبة، ومالك، والسفيانان، وخلق. ت سنة ١٢٧هـ. الكاشف: ٢/٨٠. ون التهذيب: ٤/٣٨٦. وقال في التقريب: ثقة..
١٧ - عبد الله بن عمر، أبو عبد الرحمان العدوي، شهد الأحزاب والحديبية. عنه: بنوه، ونافع، وزيد بن أسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم :« إن عبد الله رجل صالح » وقال جابر: ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها إلا ابن عمر. قال ابن المسيب: مات وما أحد أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منه. ت سنة ٧٤هـ. الكاشف: ٢/١٠٨. ون الإصابة: ٤/١٨١. والطبقات الكبرى: ٤/١٤٢. والتهذيب: ٤/٤٠٧. وقال في التقريب: وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة. وكان من أشد الناس اتباعا للأثر..
١٨ - قباء: أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة..
١٩ - أي: إلى بيت المقدس الذي كان قبلتهم إذاك. والجملة تفسير من الراوي للتحول المذكور..
٢٠ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان: ١/٩٤ (ر٣٠٤). والشافعي في المسند (ر١٩١)..
٢١ - يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الإمام، أبو سعيد الأنصاري قاضي السفاح. عن: أنس، وابن المسيب. وعنه: مالك، والقطان. حافظ فقيه حجة. ت سنة: ١٤٣هـ. الكاشف: ٣/٢٤٣. ون التهذيب: ٩/٢٣٨. وقال في التقريب: أبو سعيد القاضي ثقة ثبت..
٢٢ - سعيد بن المسيب بن حزن الإمام، أبو محمد المخزومي. أحد الأعلام وسيد التابعين. عن: عمر، وعثمان، وسعد. وعنه: الزهري، وقتادة، ويحيى بن سعيد. ثقة حجة فقيه، رفيع الذكر، رأس في العلم والعمل. عاش تسعا وسبعين سنة، ت سنة: ٩٤هـ. الكاشف: ١/٣٢٦. ون الطبقات الكبرى: ٥/١١٩. و وفيات الأعيان: ٢/٣٧٥. والتهذيب: ٣/٢٧٢. وقال في التقريب: أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه..
٢٣ - أي قبل غزوة بدر الكبرى وكانت بدر موسما من مواسم الجاهلية يجتمع بها العرب، بها سوق وبين بدر والمدينة ثمانية بُرُدٍ وميلان. الطبقات الكبرى: ٢/١٣..
٢٤ - حديث ابن المسيب هذا حديث مرسل، ولكنه اعتضد بحديثين موصولين صحيحين: أولهما حديث البراء بن عازب، رواه البخاري في الإيمان (٢) باب: الصلاة من الإيمان (٢٩)(ر٤٠). ورواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (٥) باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة (٢)(ر٥٢٥). ورواه أصحاب السنن إلا أبا داود. ورواه أحمد في المسند والشافعي في المسند وابن سعد في الطبقات. ثانيهما: حديث ابن عباس رواه أحمد في المسند. وقال ابن حجر في الفتح: صحيح الإسناد ورواه ابن سعد في الطبقات وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار، ورجاله رجال الصحيح. ن الرسالة هامش ص: ١٢٥. من كلام شاكر بتصرف..
٢٥ - البقرة: ٢٣٩..
٢٦ - رواه البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا ﴾ (٤٦)(ر٤٢٦١) عن نافع عن ابن عمر. ورواه مالك في أول صلاة الخوف (١١)(ر٣) عن نافع عن ابن عمر. قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه الشافعي في المسند (ر٥٠٨)..
٢٧ - جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرم بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، يكنى أبا عبد الله وأبا عبد الرحامن وأبا محمد، أقوال. أحد المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه جماعة من الصحابة، وله ولأبيه صحبة. وفي الصحيح عنه أنه كان مع من شهد العقبة. الإصابة ١/٤٣٤. ون الكاشف: ١/١٣٠. والتهذيب: ٢/٧..
٢٨ - أنس بن مالك الصحابي، وله عن عدة من الصحابة. وعنه خلق جاوزوا المائة، ت سنة ٩٣هـ. الكاشف: ١/٩٢. ون الإصابة: ١/١٢٦. والتهذيب: ١/٣٩٠..
٢٩ - رواه البخاري في تقصير الصلاة (٢٤) باب: ينزل للمكتوبة (٩)(ر١٠٤٨) عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته نحو المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة. وفي باب: صلاة التطوع على الدواب (٧)(ر١٠٤٣) عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة.
ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب: جواز صلاة النافلة على الدابة (٤)(ر٧٠٢) عن أنس بن مالك. وروي ذلك عن ابن عمر، وعامر بن ربيعة كما في الصحيحين. ورواه أبو داود في الصلاة باب: التطوع على الراحلة، والشافعي في المسند..

٣٠ - محمد بن إسماعيل بن أبي فديك الديلي مولاهم. عن: سلمة بن وردان، وخلق. وعنه: سلمة بن شبيب، وعبد. صدوق. ت سنة مائتين. الكاشف: ٣/٩. ون الطبقات الكبرى: ٥/٤٣٧. والتهذيب: ٧/٥٣. وقال في التقريب: صدوق.
٣١ - محمد بن عبد الرحمان بن المغيرة بن أبي ذئب، أبو الحارث العامري، أحد الأعلام. عن: عكرمة، ونافع، والزهري. وعنه: معمر، وابن المبارك، وابن وهب، والقطان، وعلي بن جعب. وكان كبير الشأن ثقة. ت سنة: ١٥٩هـ. الكاشف: ٣/٥٢. ون التهذيب: ٧/٢٨٦. وقال في التقريب: ثقة فقيه فاضل..
٣٢ - عثمان بن عبد الله بن سراقة العدوي. عن: خاله ابن عمر، وجابر. وعنه: الزهري، وابن أبي ذئب، ت سنة: ١١٨هـ. الكاشف: ٢/٢٤٧. ون التهذيب: ٥/٤٩٣. وقال في التقريب ثقة..
٣٣ - لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة إلا البخاري وحده في كتاب المغازي (٦٧) باب: غزوة أنمار (٣١)(ر٣٩٠٩). ورواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وأحمد، والشافعي، عن جابر بن عبد الله من طرق أخرى بألفاظ مختلفة..
٣٤ - البقرة: ١٥٠..
٣٥ - خفاف بن عمير بن الحارث بن الشريد، واسمه عمرو بن رباح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم. وكان شاعرا، وهو الذي يقال له خفاف بن ندبة، وهي أمة بها يعرف، وهي ابنة الشيطان بن قيان بن سبية من بني الحارث بن كعب. ويقال إن ندبة كانت أمة سوداء. وشهد خفاف فتح مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معه لواء بني سليم الآخر. الطبقات الكبرى: ٤/٢٧٥. ون الإصابة: ٢/٢٣٦. والاشتقاق ص: ٣٠٩..
٣٦ - ساعدة الهذلي أبو عبد الله، قال أبو عمر: في صحبته نظر. الإصابة: ٣/٧. وقال ابن قتيبة في ترجمة أبي ذؤيب الهذلي: إن أبا ذؤيب كان راوية لساعدة بن جؤية الهذلي. الشعر والشعراء ص: ٣٣٠. والبيت الذي نسبه الشافعي هنا لساعدة بن جؤية ذكره صاحب اللسان ونسبه لأبي زنباع الجذامي، والشافعي أعرف الناس وأعلمهم بشعر هذيل. ن الرسالة هامش الصفحة: ٣٥..
٣٧ - العيس بالكسر الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة، واحدها أعيس، والأنثى عَيْسَاء بينة العَيَسِ. ويقال: هي كرائم الإبل. الصحاح: عيس..
٣٨ - بني تميم: بن جدي بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، إحدى القبائل العربية. المقتضب ص: ٧٥-٧٨. ون الاشتقاق ص: ٢٠١..
٣٩ - هو لقيط بن يعمر بن خارجة الإيادي، شاعر جاهلي فحل، من أهل الحيرة. كان يحسن الفارسية واتصل بكسرى « سابور » ذي الأكتاف، فكان من كتّابه والمطلعين على أسرار دولته ومن مقدمي تراجمته. الأعلام: ٥/٢٤٤. والشعر والشعراء ص: ٨٣..
٤٠ - لم يسم الشافعي هذا الشاعر. ون الاختلاف في نسبة البيت في الرسالة هامش الصفحة: ٣٥ وما بعدها..
٤١ - العسير: الناقة التي ركبت قبل تذليلها. وعسرت الناقة: رفعت ذنبها في عدوها. اللسان: عسر..
٤٢ - الأنعام: ٩٧..
٤٣ - النحل: ١٦..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤٤:١٣- قال الشافعي رحمه الله : أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم فَرْضَ القبلة بمكة، فكان يصلي في ناحية يستقبل منها البيت الحرام، وبيت المقدس ؛ فلما هاجر إلى المدينة استقبل بيت المقدس موليا عن البيت الحرام، ستة عشر شهرا، وهو يحب لو قضى الله إليه باستقبال البيت الحرام، لأن فيه مقام أبيه إبراهيم، وإسماعيل، وهو المثابة للناس والأمن، وإليه الحج، وهو المأمور به أن يطهَّر للطائفين والعاكفين والركع السجود، مع كراهية رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وافق اليهود.
فقال لجبريل عليه السلام :« لودِدْت أن ربي صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها » فأنزل الله عز وجل :﴿ وَلِلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللَّهِ ﴾١ يعني والله أعلم : فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه٢. فقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد أنا عبد مأمور مثلك، لا أملك شيئا، فسل الله. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يوجهه إلى البيت الحرام، وصعد جبريل عليه السلام إلى السماء، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يديم طَرْفَهُ إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل عليه السلام بما سأل، فأنزل الله عز وجل :﴿ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى اِلسَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ ﴾٣ إلى قوله :﴿ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِى ﴾٤.
في قوله :﴿ وَإِنَّ اَلذِينَ أُوتُوا اَلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ اَلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾٥ يقال : يجدون ـ في ما نزل عليهم ـ أن النبي الأمي من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام يخرج من الحرم، وتعود قبلته وصلاته مَخْرَجَهُ، يعني الحرم.
وفي قوله تعالى :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِيَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾٦ قيل في ذلك والله أعلم : لا تستقبل المسجد الحرام من المدينة إلا وأنتم مستدبرون بيت المقدس، وإن جئتم من جهة نجد اليمن ـ فكنتم تستقبلون البيت الحرام وبيت المقدس ـ استقبلتم المسجد الحرام. لا أن إرادتكم بيت المقدس، وإن اسقبلتموه باستقبال المسجد الحرام. ولأنتم كذلك تستقبلون ما دونه ووراءه ؛ لا إرادة أن يكون قبلة، ولكنه جهة قبلة.
وقيل :﴿ لِيَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾٧ في استقبال قبلة غيركم. وقيل : في تحويلكم عن قبلتكم التي كنتم عليها إلى غيرها، وهذا أشبه ما قيل فيها والله أعلم، لقول الله عز وجل :﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ مَا وَلّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهُمُ اَلتِى كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ مُّسْتَقِيمٍ ﴾٨ فأعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا حجة عليهم في التحويل، يعني : لا يتكلم في ذلك أحد بشيء، يريد الحجة، إلا الذين ظلموا منهم. لا أن لهم٩ حجة، لأن عليهم أن ينصرفوا١٠ عن قبلتهم إلى القبلة التي أمروا بها. ( أحكام الشافعي : ١/٦٤-٦٦. ون معرفة السنن والآثار : ١/٤٨٣. )
ــــــــــــ

١٤-
قال الشافعي : ووجه الله رسوله للقبلة في الصلاة إلى بيت المقدس، فكانت القبلةَ التي لا يحل ـ قبل نسخها ـ استقبال غيرها، ثم نسخ الله قبلة بيت المقدس، ووجهه إلى البيت، فلا يحل لأحد استقبال بيت المقدس أبدا لمكتوبة، ولا يحل أن يستقبل غير البيت الحرام.
قال : وكل كان حقا في وقته، فكان التوجه إلى بيت المقدس ـ أيام وَجَّهَ الله إليه نبيه ـ حقا، ثم نسخه، فصار الحق في التوجه إلى البيت الحرام أبدا، لا يحل استقبال غيره في مكتوبة، إلا في بعض الخوف، أو نافلة في سفر١١، استدلالا بالكتاب والسنة.
وهكذا كل ما نسخ الله، ومعنى « نسخ » ترك فرضه : كان حقا في وقته، وتركه حقا إذا نسخه الله، فيكون من أدرك فرضه مطيعا به وبتركه، ومن لم يدرك فرضه مطيعا باتباع الفرض الناسخ له. قال الله لنبيه :﴿ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى اِلسَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾١٢.
فإن قال قائل : فأين الدلالة على أنهم حُوِّلُوا إلى قبلة بعد قبلة ؟ ففي قول الله١٣ :﴿ سَيَقُولُ اَلسُّفَهَاء مِنَ اَلنَّاسِ مَا وَلّـاهُمْ عَن قِبْلَتِهُمُ اَلتِى كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَّشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾١٤. مالك١٥، عن عبد الله بن دينار١٦، عن ابن عمر١٧ قال : بينما الناس بِقُبَاء١٨ في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال : إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام١٩، فاستداروا إلى الكعبة٢٠.
مالك، عن يحيى بن سعيد٢١، عن سعيد بن المُسيَّب٢٢ أنه كان يقول : صلى رسول الله ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس، ثم حُوِّلت القبلة قبل بَدْرٍ٢٣ بشهرين٢٤.
قال : والاستدلال بالكتاب في صلاة الخوف قول الله :﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا ﴾٢٥ وليس لمصلي المكتوبة أن يصلي راكبا إلا في خوف ولم يذكر الله أن يتوجه القبلة.
وروى ابن عمر عن رسول الله صلاة الخوف فقال في روايته : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها٢٦.
وصلى رسول الله النافلة في السفر على راحلته أين توجهت به. حفظ ذلك عنه جابر بن عبد الله٢٧ وأنس بن مالك٢٨ وغيرهما. وكان لا يصلي المكتوبة مسافرا إلا بالأرض متوجها للقبلة٢٩. ابن أبي فديك٣٠، عن ابن أبي ذئب٣١، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة٣٢، عن جابر بن عبد الله : أن النبي كان يصلي على راحلته متوجهة به قبل المشرق في غزوة بني أنمار٣٣. ( الرسالة : ١٢١-١٢٦. )
ـــــــــــ

١٥-
قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُو ﴾٣٤ ففرض عليهم حيث ما كانوا أن يولوا وجوههم شطره. و « شَطْرُهُ » جِهَتُه، في كلام العرب. إذا قلتَ : أقصد شطرَ كذا : معروف أنك تقول : أقصِد قصْد عَيْن كذا، يعني : قَصْدَ نَفْسِ كذا. وكذلك « تِلْقَاءهُ » : جهته، أي : أَسْتَقْبلُ تلقاءه وجهَتَهُ، وإن كلها معنى واحدٌ، وإن كانت بألفاظ مختلفة.
وقال خُفَافُ بن نُدْبَةَ٣٥ :
أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عَمْرا رَسُـولاً وَمَا تُغْنِي الرِّسَالَةُ شَطْرَ عَمْرِو
وقال سَاعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ٣٦ :
أَقُولُ لأُمِّ زِنْبَاعٍ : أَقِيــمِي صُدُورَ العِيسِ٣٧ شَطْرَ بَنِي تَمِيمِ٣٨
وقال لَقِيطٌ الإِيَادِيُّ٣٩ :
وَقَدْ أَظَلَّكم مِنْ شَطْرِ ثَغْرِكُمُ هَوْلٌ لَهُ ظُلَمٌ تَغْشَاكُمُ قِطَعَــا
وقال الشاعر٤٠ :
إِنَّ العَسِيرَ٤١ بِهَا دَاء مُخَامِرُهَا فَشَطْرَهَا بَصَرُ العَيْنَيْنِ مَسْحُـورُ
قال الشافعي : يريد : تلقاءها بصر العينين، ونَحْوَهَا : تلقاء جِهَتِها.
وهذا كله مع غيره من أشعارهم يبين أن شطر الشيء : قصدُ عينِ الشيء : إذا كان مُعَايَنا فبالصواب، وإذا كان مُغَيَّبا فبالاجتهاد بالتوجه إليه، وذلك أكثر ما يمكن فيه.
وقال الله :﴿ جَعَلَ لَكُمُ اَلنُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِى ظُلُمَاتِ اِلْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾٤٢ وقال :﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾٤٣. فخلق لهم العلامات، ونَصَبَ لهم المسجد الحرام، وأمرهم أن يتوجهوا إليه. وإنما توجُّهُهُم إليه بالعلامات التي خلق لهم، والعقولَ التي رَكَّبَهَا فيهم، التي استدلوا بها على معرفة العلامات. وكل هذا بيان ونعمة منه جل ثناؤه. ( الرسالة : ٣٤-٣٨ و ٥٠٢-٥٠٣ ون أحكام الشافعي ١/٦٨-. ٧٠ الأم : ٧/٢٧٧ و ١/٩٣ و ٧/٢٩٩.
ومعرفة السنن والآثار : ١/٤٨٤. )
١ - البقرة: ١١٥..
٢ - رواه البيهقي في السنن كتاب الصلاة باب: استبيان الخطا بعد الاجتهاد: ٢/١٣..
٣ - البقرة: ١٤٤..
٤ - البقرة: ١٥٠. وتمام الآيات في النص. والحديث في الدر المنثور: ٢/٣٤٣-٣٤٤..
٥ - البقرة: ١٤٤..
٦ - البقرة: ١٥٠..
٧ - البقرة: ١٥٠..
٨ - البقرة: ١٤٢. وتمام الآية:﴿قُل لِّلهِ اِلْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَنْ يَّشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾..
٩ - أي الذين ظلموا..
١٠ - أي الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه..
١١ - إذ رُخِّصَ للخائف والمتنفل في السفر أن يدعا التوجه قبل الكعبة، نزولا على حكم الضرورة التي اعتبرها الشارع، ولا يسمى هذا في الحقيقة استقبالا للقبلة المنسوخة، إذ هي وغيرها من سائر الجهات في ذلك سواء..
١٢ - البقرة: ١٤٤..
١٣ - هذا جواب السؤال، أي الدلالة: في هذه الآية المذكورة..
١٤ - البقرة: ١٤٢..
١٥ - مالك بن أنس الأصبحي، أبو عبد الله الإمام. عن: نافع، والزهري. وعنه: ابن مهدي، وابن القاسم، ومعن، وأبو مصعب. ولد سنة ٩٣هـ وت في ربيع الأول سنة ١٧٩هـ. الكاشف: ٣/٩٣. ون التهذيب: ٨/٦. وقال في التقريب: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي، أبو عبد الله المدني الفقيه إمام دار الهجرة، رأس المتقنين وكبير المتثبتين حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر..
١٦ - عبد الله بن دينار المدني. عن: مولاه ابن عمر، وأنس، وعدة. وعنه: موسى بن عقبة، ومالك، والسفيانان، وخلق. ت سنة ١٢٧هـ. الكاشف: ٢/٨٠. ون التهذيب: ٤/٣٨٦. وقال في التقريب: ثقة..
١٧ - عبد الله بن عمر، أبو عبد الرحمان العدوي، شهد الأحزاب والحديبية. عنه: بنوه، ونافع، وزيد بن أسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم :« إن عبد الله رجل صالح » وقال جابر: ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها إلا ابن عمر. قال ابن المسيب: مات وما أحد أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منه. ت سنة ٧٤هـ. الكاشف: ٢/١٠٨. ون الإصابة: ٤/١٨١. والطبقات الكبرى: ٤/١٤٢. والتهذيب: ٤/٤٠٧. وقال في التقريب: وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة. وكان من أشد الناس اتباعا للأثر..
١٨ - قباء: أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة..
١٩ - أي: إلى بيت المقدس الذي كان قبلتهم إذاك. والجملة تفسير من الراوي للتحول المذكور..
٢٠ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان: ١/٩٤ (ر٣٠٤). والشافعي في المسند (ر١٩١)..
٢١ - يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الإمام، أبو سعيد الأنصاري قاضي السفاح. عن: أنس، وابن المسيب. وعنه: مالك، والقطان. حافظ فقيه حجة. ت سنة: ١٤٣هـ. الكاشف: ٣/٢٤٣. ون التهذيب: ٩/٢٣٨. وقال في التقريب: أبو سعيد القاضي ثقة ثبت..
٢٢ - سعيد بن المسيب بن حزن الإمام، أبو محمد المخزومي. أحد الأعلام وسيد التابعين. عن: عمر، وعثمان، وسعد. وعنه: الزهري، وقتادة، ويحيى بن سعيد. ثقة حجة فقيه، رفيع الذكر، رأس في العلم والعمل. عاش تسعا وسبعين سنة، ت سنة: ٩٤هـ. الكاشف: ١/٣٢٦. ون الطبقات الكبرى: ٥/١١٩. و وفيات الأعيان: ٢/٣٧٥. والتهذيب: ٣/٢٧٢. وقال في التقريب: أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه..
٢٣ - أي قبل غزوة بدر الكبرى وكانت بدر موسما من مواسم الجاهلية يجتمع بها العرب، بها سوق وبين بدر والمدينة ثمانية بُرُدٍ وميلان. الطبقات الكبرى: ٢/١٣..
٢٤ - حديث ابن المسيب هذا حديث مرسل، ولكنه اعتضد بحديثين موصولين صحيحين: أولهما حديث البراء بن عازب، رواه البخاري في الإيمان (٢) باب: الصلاة من الإيمان (٢٩)(ر٤٠). ورواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (٥) باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة (٢)(ر٥٢٥). ورواه أصحاب السنن إلا أبا داود. ورواه أحمد في المسند والشافعي في المسند وابن سعد في الطبقات. ثانيهما: حديث ابن عباس رواه أحمد في المسند. وقال ابن حجر في الفتح: صحيح الإسناد ورواه ابن سعد في الطبقات وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار، ورجاله رجال الصحيح. ن الرسالة هامش ص: ١٢٥. من كلام شاكر بتصرف..
٢٥ - البقرة: ٢٣٩..
٢٦ - رواه البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا ﴾ (٤٦)(ر٤٢٦١) عن نافع عن ابن عمر. ورواه مالك في أول صلاة الخوف (١١)(ر٣) عن نافع عن ابن عمر. قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه الشافعي في المسند (ر٥٠٨)..
٢٧ - جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرم بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، يكنى أبا عبد الله وأبا عبد الرحامن وأبا محمد، أقوال. أحد المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه جماعة من الصحابة، وله ولأبيه صحبة. وفي الصحيح عنه أنه كان مع من شهد العقبة. الإصابة ١/٤٣٤. ون الكاشف: ١/١٣٠. والتهذيب: ٢/٧..
٢٨ - أنس بن مالك الصحابي، وله عن عدة من الصحابة. وعنه خلق جاوزوا المائة، ت سنة ٩٣هـ. الكاشف: ١/٩٢. ون الإصابة: ١/١٢٦. والتهذيب: ١/٣٩٠..
٢٩ - رواه البخاري في تقصير الصلاة (٢٤) باب: ينزل للمكتوبة (٩)(ر١٠٤٨) عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته نحو المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة. وفي باب: صلاة التطوع على الدواب (٧)(ر١٠٤٣) عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة.
ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (٦) باب: جواز صلاة النافلة على الدابة (٤)(ر٧٠٢) عن أنس بن مالك. وروي ذلك عن ابن عمر، وعامر بن ربيعة كما في الصحيحين. ورواه أبو داود في الصلاة باب: التطوع على الراحلة، والشافعي في المسند..

٣٠ - محمد بن إسماعيل بن أبي فديك الديلي مولاهم. عن: سلمة بن وردان، وخلق. وعنه: سلمة بن شبيب، وعبد. صدوق. ت سنة مائتين. الكاشف: ٣/٩. ون الطبقات الكبرى: ٥/٤٣٧. والتهذيب: ٧/٥٣. وقال في التقريب: صدوق.
٣١ - محمد بن عبد الرحمان بن المغيرة بن أبي ذئب، أبو الحارث العامري، أحد الأعلام. عن: عكرمة، ونافع، والزهري. وعنه: معمر، وابن المبارك، وابن وهب، والقطان، وعلي بن جعب. وكان كبير الشأن ثقة. ت سنة: ١٥٩هـ. الكاشف: ٣/٥٢. ون التهذيب: ٧/٢٨٦. وقال في التقريب: ثقة فقيه فاضل..
٣٢ - عثمان بن عبد الله بن سراقة العدوي. عن: خاله ابن عمر، وجابر. وعنه: الزهري، وابن أبي ذئب، ت سنة: ١١٨هـ. الكاشف: ٢/٢٤٧. ون التهذيب: ٥/٤٩٣. وقال في التقريب ثقة..
٣٣ - لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة إلا البخاري وحده في كتاب المغازي (٦٧) باب: غزوة أنمار (٣١)(ر٣٩٠٩). ورواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وأحمد، والشافعي، عن جابر بن عبد الله من طرق أخرى بألفاظ مختلفة..
٣٤ - البقرة: ١٥٠..
٣٥ - خفاف بن عمير بن الحارث بن الشريد، واسمه عمرو بن رباح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم. وكان شاعرا، وهو الذي يقال له خفاف بن ندبة، وهي أمة بها يعرف، وهي ابنة الشيطان بن قيان بن سبية من بني الحارث بن كعب. ويقال إن ندبة كانت أمة سوداء. وشهد خفاف فتح مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معه لواء بني سليم الآخر. الطبقات الكبرى: ٤/٢٧٥. ون الإصابة: ٢/٢٣٦. والاشتقاق ص: ٣٠٩..
٣٦ - ساعدة الهذلي أبو عبد الله، قال أبو عمر: في صحبته نظر. الإصابة: ٣/٧. وقال ابن قتيبة في ترجمة أبي ذؤيب الهذلي: إن أبا ذؤيب كان راوية لساعدة بن جؤية الهذلي. الشعر والشعراء ص: ٣٣٠. والبيت الذي نسبه الشافعي هنا لساعدة بن جؤية ذكره صاحب اللسان ونسبه لأبي زنباع الجذامي، والشافعي أعرف الناس وأعلمهم بشعر هذيل. ن الرسالة هامش الصفحة: ٣٥..
٣٧ - العيس بالكسر الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة، واحدها أعيس، والأنثى عَيْسَاء بينة العَيَسِ. ويقال: هي كرائم الإبل. الصحاح: عيس..
٣٨ - بني تميم: بن جدي بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، إحدى القبائل العربية. المقتضب ص: ٧٥-٧٨. ون الاشتقاق ص: ٢٠١..
٣٩ - هو لقيط بن يعمر بن خارجة الإيادي، شاعر جاهلي فحل، من أهل الحيرة. كان يحسن الفارسية واتصل بكسرى « سابور » ذي الأكتاف، فكان من كتّابه والمطلعين على أسرار دولته ومن مقدمي تراجمته. الأعلام: ٥/٢٤٤. والشعر والشعراء ص: ٨٣..
٤٠ - لم يسم الشافعي هذا الشاعر. ون الاختلاف في نسبة البيت في الرسالة هامش الصفحة: ٣٥ وما بعدها..
٤١ - العسير: الناقة التي ركبت قبل تذليلها. وعسرت الناقة: رفعت ذنبها في عدوها. اللسان: عسر..
٤٢ - الأنعام: ٩٧..
٤٣ - النحل: ١٦..

١٦- سئل الشافعي عن قول الله عز وجل :﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْءٍ مِّنَ اَلْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ اَلاَمْوَالِ وَالاَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ اِلصَّابِرِينَ ﴾ قال : الخوف : خوف الصدور ؛ والجوع : جوع شهر رمضان ؛ ونقص من الأموال : الزكوات ؛ والأنفس : الأمراض، والثمرات : الصدقات، وبشر الصابرين على أدائها. ( أحكام الشافعي ١/٣٩. )
ــــــــــــ
١٧- قال الشافعي :﴿ إِنَّ فِى خَلْقِ اِلسَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَاخْتِلَافِ اِليْلِ وَالنَّهارِ ﴾ إلى قوله :﴿ لأَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ كل ذلك دليل على أن الله واحد، لا شريك له. ( مناقب الشافعي : ١/٤٠٠. ون مناقب الإمام الشافعي ص : ١٠٢. )
١٨- قال الشافعي في قوله تعالى :﴿ فَمَنُ اَضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ ﴾ معناه : من كان مضطرا، ولا يكون موصوفا بصفة البغي، ولا بصفة العدوان البتة. فأكل ( فلا إثم عليه ). ( مناقب الإمام الشافعي ص : ١٧٥-١٧٦. )
١٩- قال الشافعي : ويقال : إن اليهود قالت : البر في استقبال المغرب، وقالت النصارى : البر في استقبال المشرق بكل حال. فأنزل الله عز وجل فيهم :﴿ لَّيْسَ اَلْبِرُّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ اَلْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ ﴾ يعني ـ والله أعلم ـ وأنتم مشركون، لأن البر لا يكتب لمشرك. ( أحكام الشافعي : ١/٦٧. ون لباب النقول ص : ٣٣. )
ــــــــــــــــــــــــــــــ
٢٠- قال الشافعي : وقد حمد الله جل ثناؤه على إعطاء المال والطعام في وجوه الخير، وأمر بهما فقال :﴿ وَءَاتَى اَلْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى اِلْقُرْبى وَالْيَتَامى وَالْمَسَاكِينَ ﴾ وقال :﴿ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا ﴾١ وقال :﴿ وَلا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا اِلا كُتِبَ لَهُمْ ﴾٢ وقال :﴿ اِن تُبْدُوا اَلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ ﴾٣ وقال :﴿ لَن تَنَالُوا اَلْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾٤ فإذا جاز هذا للأجنبيين وذوي القربى، فلا أقرب من الولد، وذلك أن الرجل إذا أعطى ماله قرابته غير ولده أو أجنبيا، فقد منعه ولده، وقطع ملكه عن نفسه. فإذا كان محمودا على هذا كان محمودا أن يعطيه بعض ولده دون بعض، ومنع بعضهم ما أخرج من ماله أقل من منعهم كلهم. ويستحب له أن يسوي بينهم لئلا يُقَصِّرَ واحد منهم في بِرِّهِ، فإن القَرَابَةَ تُنَفِّسُ٥ بعضُهَا بَعْضًا ما لم تنفس البعادة، قال الربيع يريد البُعَدَاء٦. ( اختلاف الحديث ص : ٥١٩. ون مناقب الشافعي : ١/٣٤٧-٣٤٨. )
١ - الإنسان: ٨..
٢ - التوبة: ١٢١..
٣ - البقرة: ٢٧١..
٤ - آل عمران: ٩٢..
٥ - نفس الله عنه كربته أي فرجها، وفي الحديث: من نَفَّسَ عن مؤمن كُربة نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة، معناه: من فَرَّجَ عن مؤمن كربة في الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. اللسان: نفس..
٦ - البعداء: قال ابن الأثير: هم الأجانب الذين لا قرابة بيننا وبينهم. اللسان: بعد. وفهم منه أن البعادة ضد القرابة..
٢١- قال الشافعي : إن الإسلام نزل وبعض العرب يطلب بعضا بدماء وجراح، فنزل فيهم :﴿ يَاا يُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ َالْقِصَاصُ فِى اِلْقَتْلَى ﴾ إلى قوله :﴿ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ الآية. والآية التي بعدها.
أخبرنا معاذ بن موسى١، عن بُكَيْر بن معروف٢، عن مقاتل بن حيان٣، قال معاذ : قال مقاتل : أخذت هذا التفسير عن نَفَرٍ حفظ معاذ منهم : مجاهدا، والحسن٤، والضحاك بن مزاحم٥، قال في قوله :﴿ فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنَ اَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء اِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ الآية٦. قال : كان كتب على أهل التوراة أنه من قتل نفسا بغير نفس حُقَّ له أن يقاد بها، ولا يعفى عنه، ولا تقبل منه الدية. وفرض على أهل الإنجيل أن يعفى عنه ولا يقتل. ورخص لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء عفا. فذلك قوله عز وجل :﴿ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ﴾٧ يقول : الدية تخفيف من الله إذ جعل الدية ولا يقتل. ثم قال :﴿ فَمَنِ اِعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُو عَذَابٌ اَلِيمٌ ﴾٨ يقول : من قتل بعد أخذه الدية فله عذاب أليم. وقال في قوله :﴿ وَلَكُمْ فِى اِلْقِصَاصِ حَيَواةٌ يَاأُوْلِى اِلاَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾٩ يقول : لكم في القصاص حياة ينتهي بعضكم عن بعض أن يصيب مخافة أن يقتل١٠.
أخبرنا سفيان بن عيينة قال : حدثنا عمرو بن دينار قال : سمعت مجاهدا يقول : سمعت ابن عباس يقول : كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية، فقال الله عز وجل لهذه الأمة :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ َالْقِصَاصُ فِى اِلْقَتْلَى اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالاُنثى بِالاُنثى فَمَنْ عُفِىَ لَهُو مِنَ اَخِيهِ شَىْءٌ ﴾١١ قال : العفو : أن تقبل الدية في العمد ﴿ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء اِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ﴾١٢ مما كتب على من كان قبلكم ﴿ فَمَنِ اِعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُو عَذَابٌ اَلِيمٌ ﴾١٣١٤.
قال الشافعي : وما قال ابن عباس في هذا كما قال والله سبحانه وتعالى أعلم. وكذلك ما قال مقاتل١٥. لأن الله عز وجل إذ ذكر القصاص، ثم قال :﴿ فَمَنْ عُفِىَ لَهُو مِنَ اَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء اِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾١٦ لم يَجُزْ ـ والله أعلم ـ أن يقال : إن عَفَى بأن صُولِحَ على أخذ الدية، لأن العفو ترك حق بلا عِوَضٍ، فلم يَجُز إلا أن يكون إن عفى عن القتل، فإذا عفا لم يكن إليه سبيل، وصار للعافي القَتْلَ مالٌ في مال القاتل، وهو دية قتيله، فيتبعه بمعروف ويؤدي إليه القاتل بإحسان. فلو كان إذا عفا عن القاتل لم يكن له شيء، لم يكن للعافي يتبعه، ولا على القاتل شيء يؤديه بإحسان.
قال : وقد جاءت السنة مع بيان القرآن في مثل معنى القرآن. أخبرنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري١٧، عن أبي شريح الكعبي١٨،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« إن الله عز وجل حرم مكة ولم يحرمها الناس، فلا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يَعْضِدُ١٩ بها شجرا، فإن ارتخص أحد فقال : أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس، وإنما أحلت لي ساعة من النهار. ثم هي حرام كحرمتها بالأمس. ثم إنكم يا خُزَاعَةُ٢٠ قد قتلتم هذا القتيل من هُذَيْلٍ٢١، وأنا والله عَاقِلُهُ. فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خِيَرَتَيْنِ : إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل٢٢ »٢٣.
قال الشافعي : وأنزل الله جل ثناؤه :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانا فَلا يُسْرِف فِّى اِلْقَتْلِ ﴾٢٤ فيقال : ـ والله تعالى أعلم ـ في قوله :﴿ فَلا يُسْرِف فِّى اِلْقَتْلِ ﴾ لا يقتل غير قاتله.
قال الشافعي : في قوله تبارك وتعالى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ َالْقِصَاصُ فِى اِلْقَتْلَى ﴾٢٥ إنها خاصَّة في الحَيَّيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَ مُقَاتِلُ بن حيان وغيره ممن حكيت قوله في غير هذا الموضع٢٦.
ثم أدبها أن يقتل الحر بالحر إذا قتله، والأنثى بالأنثى إذا قتلتها، ولا يقتل غير قاتلها إبطالا، لأن يجاوز القاتل إلى غيره إذا كان المقتول أفضل من القاتل كما وصفت، ليس أنه لا يقتل ذكر بالأنثى إذا كانا حرين مسلمين، ولا أنه لا يقتل حر بعبد من هذه الجهة، إنما يترك قتله من جهة غيرها. وإذا كانت هكذا أشبه أن تكون لا تدل على أن لا يكون يقتل اثنان بواحد إذا كانا قاتلين.
قال الشافعي : وهي عامة في أن الله عز ذكره أوجب بها القصاص إذا تكافا دَمَانِ، وإنما يتكافئان بالحرية والإسلام. وعلى كل ما وصفت من عموم الآية وخصوصها دلالة من كتاب أو سنة أو إجماع.
قال الشافعي : فأيُّما رجل قتل قتيلا، فوليُّ المقتول بالخيار : إن شاء قتل القاتل، وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء عفا عنه بلا دية. ( الأم : ٦/٨-١٠. ون الأم : ٧/٣١٩. وأحكام الشافعي : ١/٢٧٥-٢٨٠. ومعرفة السنن والآثار : ٦/١٤١-١٤٢. )
ــــــــــــ
٢٢- قال الشافعي : فإن قال قائل : أرأيت قول الله عز وجل :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ َالْقِصَاصُ فِى اِلْقَتْلَى اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ ﴾٢٧ هل فيه دلالة على أن لا يقتل حران بحر، ولا رجل بامرأة ؟ قيل له : لم نعلم مخالفا في أن الرجل يقتل بالمرأة، فإذا لم يختلف أحد في هذا ففيه دلالة على أن الآية خاصة. فإن قال قائل : فيم نزلت ؟ قيل : أخبرنا معاذ بن موسى، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان قال : قال مقاتل : أخذت هذا التفسير من نَفَرٍ حَفظ منهم : مجاهد، والضحاك، والحسن، قالوا في قوله تعالى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ َالْقِصَاصُ فِى اِلْقَتْلَى ﴾٢٨ الآية قال : كان بدء ذلك في حَيَّيْنِ من العرب اقتتلوا قبل الإسلام بقليل، وكان لأحد الحيين فضل على الآخر، فأقسموا بالله ليقتلن بالأنثى الذكر، وبالعبد منهم الحر، فلما نزلت هذه الآية رضوا وسلموا٢٩.
قال الشافعي : وما أشبه ما قالوا من هذا بما قالوا، لأن الله عز وجل إنما ألزم كل مذنب ذنبه، ولم يجعل جُرْمَ أحد على غيره فقال :﴿ اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ ﴾ إذا كان ـ والله أعلم ـ قاتلا له، ﴿ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ﴾ إذا كان قاتلا له، ﴿ وَالاُنثى بِالاُنثى ﴾ إذا كانت قاتلة لها. لا أن يُقتل بأحدٍ ممن لم يقتله لفضل المقتول على القاتل. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم :« أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله »٣٠.
قال الشافعي : وما وصَفْتُ من أني لم أعلم مخالفا في أن يقتل الرجل بالمرأة دليل على أن لو كانت هذه الآية غير خاصة كما قال من وصَفْتُ قوله من أهل التفسير، لم يقتل ذكر بأنثى، ولم يجعل عوام من حفِظْتُ عنه من أهل العلم لا نَعْلَمُ لهم مُخَالِفًا لهذا معناها ولم يقتل الذكر بالأنثى. ( الأم : ٦/٢٤. ون الأم : ٢/١٦٠. وأحكام الشافعي : ١/٢٧١-٢٧٢. ومعرفة السنن والآثار : ٦/١٧٢-١٧٤. )
ـــــــــــ
٢٣- قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى :﴿ يَاا يُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ َالْقِصَاصُ فِى اِلْقَتْلَى ﴾٣١ الآية. قال الشافعي : فكان ظاهر الآية ـ والله أعلم ـ أن القصاص إنما كتب على البالغين المكتوب عليهم القصاص، لأنهم المخاطبون بالفرائض إذا قتلوا المؤمنين بابتداء الآية. وقوله :﴿ فَمَنْ عُفِىَ لَهُو مِنَ اَخِيهِ شَىْءٌ ﴾٣٢ لأنه جعل الأخوة بين المؤمنين، فقال :﴿ إِنَّمَا اَلْمُومِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾٣٣ وقطع ذلك بين المؤمنين والكافرين. ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل ظاهر الآية.
قال الشافعي : وسمعت عددا من أهل المغازي، وبلغني عن عدد منهم أنه كان في خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح :« لا يقتل مؤمن بكافر »٣٤ وبلغني عن عمران بن حصين٣٥ رضي الله تعالى عنه أنه روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ٣٦.
أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن أبي حسين٣٧، عن مجاهد وعطاء٣٨، وأحسب طاوسا٣٩ والحسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة عام الفتح٤٠ :« لا يقتل مؤمن بكافر »٤١.
أخبرنا سفيان بن عيينة، عن مُطَرِّف٤٢، عن الشعبي٤٣، عن أبي جُحَيْفَةَ٤٤ قال : سألت عليا رضي الله عنه : هل عندكم من النبي صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن ؟ فقال : لا والذي خَلَقَ الحَبَّةَ٤٥ وَبَرَا النَّسَمَةَ٤٦، إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن، وما في الصحيفة. قلت : وما في الصحيفة ؟ فقال : العَقْلُ، وفَكَاكُ٤٧ الأَسِير، ولا يقتل مؤمن بكافر٤٨.
قال الشافعي : ولا يقتل مؤمن عبد ولا حر ولا امرأة بكافر في حال أبدا، وكل من وصف الإيمان من أعجمي، وأبْكَم يعقِل، ويُشِيرُ بالإيمان، ويُصَلِّي، فقتل كافرا فلا قود عليه، وعليه ديَّتُهُ في ماله حالة : وسواء أكثر القتل في الكفار أو لم يكثر، وسواء قتل كافرا على مال يأخذه منه أو على غير مال، لا يحل ـ والله أعلم ـ قتل مؤمن بكافر بحال في قطع طريق ولا غيره.
قال الشافعي : وإذا قتل المؤمن الكافر عُزِّرَ وَحُبِسَ، ولا يبلغ بتعزيره في قتل ولا غيره حدٌّ، ولا يبلغ بحبسه سنة، ولكن حبس يبتلى به، وهو ضرب من التعزير.
قال الشافعي : وإذا قتل الكافر المؤمن قُتل به، ذميا٤٩ كان القاتل، أو حَرْبِيا٥٠، أو مُسْتَأْمِنًا٥١. وإذا أباح الله عز وجل دم المؤمن بقتل المؤمن، كان دم الكافر بقتل المؤمن أولى أن يباح. وفيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالة على ما ذكرت، قوله :« من اعْتَبَطَ٥٢ مسلما بقتل فهو به قود »٥٣ فهذه جامعة لكل من قتل. ( الأم : ٦/٣٧-٣٨. ون الأم : ٧/٣٣١. أحكام الشافعي : ١/٢٧٢-٢٧٣. )
١ - معاذ بن موسى الجعفري. عن: بكير بن معروف. وعنه: الشافعي الذي أخرج له في المسند. ن موسوعة رجال الكتب التسعة: ٣/٥٧٤..
٢ - بكير بن معروف الأسدي الخراساني، عن: مقاتل بن حيان، وأبي الزبير، ويحيى بن سعيد الأنصاري. وعنه: الوليد بن مسلم، ومروان بن محمد، وعبدان. قال أحمد: ما أرى به بأسا، وقال مرة: ذاهب الحديث. وقال ابن المبارك: رمي به. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به وليس حديثه بالمنكر جدا، ووثقه بعضهم، ت سنة: ١٩٣هـ. الكاشف: ١/١١٧. ون التهذيب: ١/٥١٨. وقال في التقريب: صدوق فيه لين.
٣ - مقاتل بن حيان البلخي، أبو بسطام البلخي الخزاز. عن: مجاهد، وعروة، والضحاك. وعنه: علقمة بن مرثد، وهو أكبر منه، وإبراهيم بن أدهم، وابن المبارك. ثقة عالم صالح. الكاشف: ٣/١٥٤. ون التهذيب: ٨/٣١٩. وقال في التقريب: صدوق فاضل، أخطا الأزدي في زعمه أن وكيعا كذبه، وإنما كذب الذي بعده. (ويعني به: مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني)..
٤ - الحسن بن أبي الحسن البصري الإمام، أبو سعيد مولى زيد بن ثابت، وقيل: مولى جميل بن قطبة، وقيل: غير ذلك. وأبوه يسار من سبي ميسان، أعتقته الربيع بنت النضر. ولد الحسن زمن عمر، سمع وشهد الدار ابن أربع عشرة سنة. وروى عن: عمران بن حصين، وأبي موسى، وابن عباس، وجندب. وعنه: ابن عوف، ويونس، وأمم. كان كبير الشأن رفيع الذكر رأسا في العلم والعمل. ت في رجب سنة عشر ومائة. الكاشف: ١/١٧٥. ون الطبقات الكبرى: ٧/١٥٦. ووفيات الأعيان: ٢/٢٩. والتهذيب: ٢/٢٤٦. وقال في التقريب: ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرا ويدلس. وتَعَقَّبَه صاحب التحرير ١/٢٧٠ فقال: ينبغي التنبه أن تدليس الحسن قادح إذا كان عن صحابي، أما إذا كان عن تابعي فلا. ولابد من هذا القيد..
٥ - الضحاك بن مزاحم الهلالي الخرساني. عن: أبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وأنس، وطاوس. وعنه: علي بن الحكم البناني، وقرة بن خالد، ومقاتل بن حيان. وثقه أحمد وابن معين. ت سنة: ١٠٥هـ. الكاشف: ٢/٣٦. ون التهذيب: ٤/٨٠. وقال في التقريب: صدوق كثير الإرسال..
٦ - البقرة: ١٧٨. وتمامها: ﴿ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اِعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُو عَذَابٌ اَلِيمٌ ﴾..
٧ - البقرة: ١٧٨..
٨ - البقرة: ١٧٨..
٩ - البقرة: ١٧٩..
١٠ - رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الجنايات باب: الخيار في القصاص ٨/٥١. والشافعي في المسند (ر١٣٣٨)..
١١ - البقرة: ١٧٨..
١٢ - البقرة: ١٧٨..
١٣ - البقرة: ١٧٨..
١٤ - رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الجنايات باب: الخيار في القصاص ٨/٥١. ورواه الشافعي في المسند (ر١٣٣٩)..
١٥ - هنا زيادة في بعض النسخ ونصها: « وتقصي مقاتل فيه أكثر من تقصي ابن عباس، والتنزيل يدل على ما قال مقاتل، لأن الله عز وجل إلخ » انتهى. كتبه مصححه..
١٦ - البقرة: ١٧٨..
١٧ - سعيد بن أبي سعيد كيسان، أبو سعيد المَقْبُرِي. عن: أبيه، وأبي هريرة، وعائشة. وعنه: الليث، ومالك. قال أحمد: ليس به بأس. ت سنة ١٢٣هـ وقيل ١٢٥هـ. الكاشف: ١/٣١٥. ون التهذيب: ٣/٣٢٩. وقال في التقريب: ثقة..
١٨ - أبو شريح الخزاعي الكعبي الصحابي. عنه: نافع بن جبير، والمقبري. ت سنة: ٦٨هـ. الكاشف: ٣/٣٢٤. ون الإصابة: ٧/٢٠٤. و الطبقات الكبرى: ٤/٢٩٥. والتهذيب: ١٠/١٤١. وقال في التقريب: صحابي..
١٩ - قال الخليل: العَضْدُ: قطع الشجرة بالمعضد، وهو سيف ممتهن في قطع الشجر. والعاضد: القاطع. وفي الحديث في مدينة الرسول « لا يعضد شجرها » معجم مقاييس اللغة: عضد..
٢٠ - واشتقاق خزاعة من قولهم: انخزع القوم عن القوم إذا انقطعوا عنهم وفارقوهم، وذلك أنهم انخزعوا عن جماعة الأسْد أيام سيل العرم لما أن صاروا إلى الحجاز، فافترقوا بالحجاز فصار قوم إلى عمان وآخرون إلى الشام. الاشتقاق ص: ٤٦٨..
٢١ - قبيلة هذيل إحدى القبائل العربية. واشتقاق هذيل من الهذل وهو الاضطراب. الاشتقاق ص: ١٧٦..
٢٢ - العقل: الدِّيَةُ. قال الأصمعي: وإنما سميت بذلك لأن الإبل كانت تعقل بفناء ولي المقتول، ثم كثر استعمالهم هذا الحرف حتى قالوا: عقلت المقتول. إذا أعطيت ديته دراهم أو دنانير. الصحاح: عقل..
٢٣ - رواه الترمذي في الديات (١٣) باب: ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو (١٣)(ر١٤٠٦) من طريق يحيى بن سعيد. قال أبو موسى: هذا حديث حسن صحيح.
ورواه أحمد في مسند القبائل من طريق يحيى بن سعيد. قال شاكر: إسناده صحيح.
والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الجنايات باب: الخيار في القصاص ٨/٥٢. والشافعي في المسند (ر١٣٤٠)..

٢٤ - الإسراء: ٣٣..
٢٥ - البقرة: ١٧٨..
٢٦ - رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الجنايات باب: إيجاب القصاص على القاتل دون غيره ٨/٢٦، عن مقاتل بن حيان في قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ َالْقِصَاصُ فِى اِلْقَتْلَى﴾ الآية قال: بُدُوُّ ذلك في حيين من أحياء العرب اقتتلوا قبل الإسلام بقليل ثم أسلموا ولبعضهم على بعض خماشات وقتل فطلبوها في الإسلام، وكان لأحد الحيين فضل على الآخر، فأقسموا بالله ليقتلن الذكر بالأنثى منهم وبالعبد الحر منهم، فلما نزلت هذه الآية رضوا وسلموا..
٢٧ - البقرة: ١٧٨..
٢٨ - البقرة: ١٧٨. وتمامها ﴿ اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالاُنثى بِالاُنثى فَمَنْ عُفِىَ لَهُو مِنَ اَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء اِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اِعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُو عَذَابٌ اَلِيمٌ﴾..
٢٩ - سبق تخريجه في النص السابق.
٣٠ - بقية الحديث: «... أو طلب بدم في الجاهلية من أهل الإسلام، أو بصر عينيه ما لم تبصرا » رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الجنايات باب: إيجاب القصاص على القاتل دون غيره ٨/٢٦. عن أبي شريح الخزاعي. ورواه في نفس الباب بصيغة « أعدى الناس »..
٣١ - البقرة: ١٧٨..
٣٢ - البقرة: ١٧٨..
٣٣ - الحجرات: ١٠..
٣٤ - ن: تخريجه في الصفحة الموالية..
٣٥ - عمران بن حصين الخزاعي، أبو نجيد. أسلم مع أبي هريرة. عنه: مطرف بن الشخير، وأخوه، وجماعة. بعثه عمر إلى البصرة ليفقههم، وكانت الملائكة تسلم عليه، ت سنة: ٥٢هـ. الكاشف: ٢/٣٣٥. ون الإصابة: ٤/٧٠٥. و الطبقات الكبرى: ٤/٢٨٧. والتهذيب: ٢/٢٣٤. وقال في التقريب: أسلم عام خيبر وصحب، وكان فاضلا، وقضى بالكوفة..
٣٦ - قال الشافعي رحمه الله: وهذا عام عند أهل المغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم به في خطبة يوم الفتح وهو يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا من حديث عمرو بن شعيب وحديث عمران بن حصين. ن السنن الكبرى: كتاب الجنايات باب: فيمن لا قصاص بينه باختلاف الدينين ٨/٢٩..
٣٧ - عمر بن سعيد بن أبي حسين النوفلي. عن: طاوس، وعطاء. وعنه: يحيى القطان، وروح، وخلق. الكاشف: ٢/٣٠٢. ون الطبقات الكبرى: ٥/٤٨٦. والتهذيب: ٦/٥٨. وقال في التقريب ثقة..
٣٨ - عطاء بن أبي رباح أسلم، أبو محمد القرشي مولاهم المكي، أحد الأعلام. عن: عائشة، وأبي هريرة. عنه: الأوزاعي، وابن جريج، وأبو حنيفة، والليث. عاش ثمانين سنة. ت سنة: ١١٤هـ وقيل ١١٥هـ. الكاشف: ٢/٢٦٠. ون الطبقات الكبرى: ٥/٤٦٧. ووفيات الأعيان: ٣/٢٦١. والتهذيب: ٥/٥٦٧. وقال في التقريب: ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال. وقيل: إنه تغير بأَخَرَةٍ، ولم يكثر ذلك منه. وتعقبه صاحب التحرير ٣/١٣ بقوله: قلنا قد أرسل عن جماعة من أبرزهم: أسامة بن زيد، وأوس بن الصامت، ورافع بن خديج، وزيد بن خالد الجهني، وعبد الله بن عمر، وعتاب بن أسيد، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعنبسة بن أبي سفيان، والفضل بن العباس، وكعب الأحبار، ويعلى بن أمية، وأبو بكر الصديق، وأبو سعيد الخذري، وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأم كرز الكعبية، وأم هانئ بنت أبي طالب. أما قوله: « تغير بأخرة » فإنه لو لم يذكره لكان أحسن، إذ لا نعلم أحدا روى عنه بعد تغيره إن صح أنه تغير، وتغيره رده الذهبي في السِّيَرْ، ولم يذكره أحد ممن ألف في المختلطين..
٣٩ - طاوس بن كيسان، أبو عبد الرحمن اليماني من أبناء الفرس، وقيل: اسمه ذكوان فَلُقِّب، فقال ابن معين: لأنه كان طاوس القرآن. عن: أبي هريرة، وابن عباس، وعائشة. وعنه: الزهري، وسليمان التميمي، وعبد الله ابنه. قال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا مثله. ت بمكة سنة: ١٠٦هـ. الكاشف: ٢/٤٠. ون الطبقات الكبرى: ٥/٥٣٧. والتهذيب: ٤/١٠٠. وقال في التقريب: ثقة فقيه فاضل..
٤٠ - أي فتح مكة وكان في شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ن الطبقات الكبرى: ٢/١٣٤..
٤١ - رواه الشافعي مرسلا في المسند (ر١٣٦٠و١٣٦١). ورواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الجنايات باب: فيمن لا قصاص بينه باختلاف الدينين ٨/٢٩..
٤٢ - مطرف بن طريف الكوفي. عن: عبد الرحمن بن أبي ليلى، والشعبي. وعنه: عنبر، وابن فضيل. ثقة إمام عابد، ت سنة ١٤٣هـ. الكاشف: ٣/١٣١. ون التهذيب: ٨/٢٠٤. وقال في التقريب: ثقة فاضل..
٤٣ - عامر بن شراحيل، أبو عمرو الشعبي، أحد الأعلام. ولد زمان عمر، وسمع عليا، وأبا هريرة، والمغيرة. وعنه: منصور، وحصين، وبنان، وابن عوف. قال: أدركت خمسمائة من الصحابة، وقال: ما كتبت سوداء في بيضاء ولا حدثت بحديث إلا حفظته. وقال مكحول: ما رأيت أفقه من الشعبي. وقال آخر: الشعبي في زمانه كابن عباس في زمانه. ت سنة: ثلاث أو أربع ومائة. الكاشف: ٢/٥٢. ون الطبقات الكبرى: ٢/٢٤٦. والتهذيب: ٤/١٥٦. وقال في التقريب: ثقة مشهور فقيه فاضل..
٤٤ - وهب بن عبد الله أبو جُحَيْفَةَ السُّوائي الصحابي. عنه: ابنه عون، وأبو إسحاق، وابن أبي خالد. ت سنة ٧٤هـ. الكاشف: ٣/٢٣٣. ون الإصابة: ٦/٦٢٦. والتهذيب: ٩/١٨٠. وقال في التقريب: صحابي مشهور..
٤٥ - فلق: الفلق: الشق. وفي الحديث يا فالق الحب والنوى، أي الذي يشق حبة الطعام ونوى التمر للإنبات. وفي حديث علي عليه السلام: والذي فلق الحبة وبرا النسمة، وكثيرا ما كان يقسم بها. اللسان: فلق..
٤٦ - برأ: أي خلق. والبارئ: الخالق. اللسان: برا ـ النَّسَمة: النفس والروح. وكل دابة في جوفها روح فهي نسمة. وبرا النسمة أي خلق ذات الروح. اللسان: نسم..
٤٧ - فك الأسير فكا وفَكَاكة: فصله من الأسر. والفِكاك والفَكاك ما فُكَّ به. اللسان: فكك..
٤٨ - رواه البخاري في العلم (٣) باب: كتابة العلم (٣٩)(ر١١١) وفي الجهاد (٦٠) باب: فكاك الأسير (١٦٨)(ر٢٨٨٢). والترمذي في الديات (١٣) باب: لا يقتل مسلم بكافر (١٦)(ر١٤١٢). وابن ماجة في الديات (٢١) باب: لا يقتل مسلم بكافر (٢١)(ر٢٦٥٨). والدارمي في الديات (١٥) باب: لا يقتل مسلم بكافر (٥) (ر٢٢٦٧).
والشافعي في المسند (١٣٥٨-١٣٥٩)..

٤٩ - الذِّمِّيُّ: هو المعاهد الذي أعطي عهدا يأمن به على ماله وعرضه ودينه. وأهل الذمة: المعاهدون من أهل الكتاب ومن جرى مجراهم. ن القاموس الفقهي..
٥٠ - الحربيُّ: عند المالكية من دخل بلادنا محاربا. ودار الحرب عند الشافعية: بلاد الكفار الذين لا صلح لهم مع المسلمين. ن القاموس الفقهي..
٥١ - استأمن إليه: استجاره وطلب حمايته. يقال استأمن الحربي: استجار ودخل دار الإسلام مستأمنا. ن القاموس الفقهي..
٥٢ - اعتبط قتله: أي قتله ظلما لا عن قصاص. اللسان: عبط..
٥٣ - رواه الشافعي في المسند (١٣٣٦) عن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من اعتبط مؤمنا بقتل فهو قود يده إلا أن يرضى ولي المقتول، فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه، ولا يقبل منه صرف ولا عدل ».
ورواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الزكاة باب: كيف فرض الصدقة ٤/٨٩. وفي كتاب الجنايات باب: إيجاب القصاص في العمد ٨/٢٥. ورواه النسائي في القسامة باب: ذكر حديث عمرو بن حزم واختلاف الناقلين له (٤٦-٤٧) (ر٤٨٦٨). ورواه في كنز العمال (ر ٣٩٨٣٣ و ٣٩٨٣٥)..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧٨:٢١- قال الشافعي : إن الإسلام نزل وبعض العرب يطلب بعضا بدماء وجراح، فنزل فيهم :﴿ يَاا يُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ َالْقِصَاصُ فِى اِلْقَتْلَى ﴾ إلى قوله :﴿ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ الآية. والآية التي بعدها.
أخبرنا معاذ بن موسى١، عن بُكَيْر بن معروف٢، عن مقاتل بن حيان٣، قال معاذ : قال مقاتل : أخذت هذا التفسير عن نَفَرٍ حفظ معاذ منهم : مجاهدا، والحسن٤، والضحاك بن مزاحم٥، قال في قوله :﴿ فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنَ اَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء اِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ الآية٦. قال : كان كتب على أهل التوراة أنه من قتل نفسا بغير نفس حُقَّ له أن يقاد بها، ولا يعفى عنه، ولا تقبل منه الدية. وفرض على أهل الإنجيل أن يعفى عنه ولا يقتل. ورخص لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء عفا. فذلك قوله عز وجل :﴿ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ﴾٧ يقول : الدية تخفيف من الله إذ جعل الدية ولا يقتل. ثم قال :﴿ فَمَنِ اِعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُو عَذَابٌ اَلِيمٌ ﴾٨ يقول : من قتل بعد أخذه الدية فله عذاب أليم. وقال في قوله :﴿ وَلَكُمْ فِى اِلْقِصَاصِ حَيَواةٌ يَاأُوْلِى اِلاَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾٩ يقول : لكم في القصاص حياة ينتهي بعضكم عن بعض أن يصيب مخافة أن يقتل١٠.
أخبرنا سفيان بن عيينة قال : حدثنا عمرو بن دينار قال : سمعت مجاهدا يقول : سمعت ابن عباس يقول : كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية، فقال الله عز وجل لهذه الأمة :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ َالْقِصَاصُ فِى اِلْقَتْلَى اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالاُنثى بِالاُنثى فَمَنْ عُفِىَ لَهُو مِنَ اَخِيهِ شَىْءٌ ﴾١١ قال : العفو : أن تقبل الدية في العمد ﴿ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء اِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ﴾١٢ مما كتب على من كان قبلكم ﴿ فَمَنِ اِعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُو عَذَابٌ اَلِيمٌ ﴾١٣١٤.
قال الشافعي : وما قال ابن عباس في هذا كما قال والله سبحانه وتعالى أعلم. وكذلك ما قال مقاتل١٥. لأن الله عز وجل إذ ذكر القصاص، ثم قال :﴿ فَمَنْ عُفِىَ لَهُو مِنَ اَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء اِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾١٦ لم يَجُزْ ـ والله أعلم ـ أن يقال : إن عَفَى بأن صُولِحَ على أخذ الدية، لأن العفو ترك حق بلا عِوَضٍ، فلم يَجُز إلا أن يكون إن عفى عن القتل، فإذا عفا لم يكن إليه سبيل، وصار للعافي القَتْلَ مالٌ في مال القاتل، وهو دية قتيله، فيتبعه بمعروف ويؤدي إليه القاتل بإحسان. فلو كان إذا عفا عن القاتل لم يكن له شيء، لم يكن للعافي يتبعه، ولا على القاتل شيء يؤديه بإحسان.
قال : وقد جاءت السنة مع بيان القرآن في مثل معنى القرآن. أخبرنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري١٧، عن أبي شريح الكعبي١٨،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« إن الله عز وجل حرم مكة ولم يحرمها الناس، فلا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يَعْضِدُ١٩ بها شجرا، فإن ارتخص أحد فقال : أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس، وإنما أحلت لي ساعة من النهار. ثم هي حرام كحرمتها بالأمس. ثم إنكم يا خُزَاعَةُ٢٠ قد قتلتم هذا القتيل من هُذَيْلٍ٢١، وأنا والله عَاقِلُهُ. فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خِيَرَتَيْنِ : إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل٢٢ »٢٣.
قال الشافعي : وأنزل الله جل ثناؤه :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانا فَلا يُسْرِف فِّى اِلْقَتْلِ ﴾٢٤ فيقال : ـ والله تعالى أعلم ـ في قوله :﴿ فَلا يُسْرِف فِّى اِلْقَتْلِ ﴾ لا يقتل غير قاتله.
قال الشافعي : في قوله تبارك وتعالى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ َالْقِصَاصُ فِى اِلْقَتْلَى ﴾٢٥ إنها خاصَّة في الحَيَّيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَ مُقَاتِلُ بن حيان وغيره ممن حكيت قوله في غير هذا الموضع٢٦.
ثم أدبها أن يقتل الحر بالحر إذا قتله، والأنثى بالأنثى إذا قتلتها، ولا يقتل غير قاتلها إبطالا، لأن يجاوز القاتل إلى غيره إذا كان المقتول أفضل من القاتل كما وصفت، ليس أنه لا يقتل ذكر بالأنثى إذا كانا حرين مسلمين، ولا أنه لا يقتل حر بعبد من هذه الجهة، إنما يترك قتله من جهة غيرها. وإذا كانت هكذا أشبه أن تكون لا تدل على أن لا يكون يقتل اثنان بواحد إذا كانا قاتلين.
قال الشافعي : وهي عامة في أن الله عز ذكره أوجب بها القصاص إذا تكافا دَمَانِ، وإنما يتكافئان بالحرية والإسلام. وعلى كل ما وصفت من عموم الآية وخصوصها دلالة من كتاب أو سنة أو إجماع.
قال الشافعي : فأيُّما رجل قتل قتيلا، فوليُّ المقتول بالخيار : إن شاء قتل القاتل، وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء عفا عنه بلا دية. ( الأم : ٦/٨-١٠. ون الأم : ٧/٣١٩. وأحكام الشافعي : ١/٢٧٥-٢٨٠. ومعرفة السنن والآثار : ٦/١٤١-١٤٢. )
ــــــــــــ

٢٢-
قال الشافعي : فإن قال قائل : أرأيت قول الله عز وجل :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ َالْقِصَاصُ فِى اِلْقَتْلَى اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ ﴾٢٧ هل فيه دلالة على أن لا يقتل حران بحر، ولا رجل بامرأة ؟ قيل له : لم نعلم مخالفا في أن الرجل يقتل بالمرأة، فإذا لم يختلف أحد في هذا ففيه دلالة على أن الآية خاصة. فإن قال قائل : فيم نزلت ؟ قيل : أخبرنا معاذ بن موسى، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان قال : قال مقاتل : أخذت هذا التفسير من نَفَرٍ حَفظ منهم : مجاهد، والضحاك، والحسن، قالوا في قوله تعالى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ َالْقِصَاصُ فِى اِلْقَتْلَى ﴾٢٨ الآية قال : كان بدء ذلك في حَيَّيْنِ من العرب اقتتلوا قبل الإسلام بقليل، وكان لأحد الحيين فضل على الآخر، فأقسموا بالله ليقتلن بالأنثى الذكر، وبالعبد منهم الحر، فلما نزلت هذه الآية رضوا وسلموا٢٩.
قال الشافعي : وما أشبه ما قالوا من هذا بما قالوا، لأن الله عز وجل إنما ألزم كل مذنب ذنبه، ولم يجعل جُرْمَ أحد على غيره فقال :﴿ اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ ﴾ إذا كان ـ والله أعلم ـ قاتلا له، ﴿ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ﴾ إذا كان قاتلا له، ﴿ وَالاُنثى بِالاُنثى ﴾ إذا كانت قاتلة لها. لا أن يُقتل بأحدٍ ممن لم يقتله لفضل المقتول على القاتل. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم :« أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله »٣٠.
قال الشافعي : وما وصَفْتُ من أني لم أعلم مخالفا في أن يقتل الرجل بالمرأة دليل على أن لو كانت هذه الآية غير خاصة كما قال من وصَفْتُ قوله من أهل التفسير، لم يقتل ذكر بأنثى، ولم يجعل عوام من حفِظْتُ عنه من أهل العلم لا نَعْلَمُ لهم مُخَالِفًا لهذا معناها ولم يقتل الذكر بالأنثى. ( الأم : ٦/٢٤. ون الأم : ٢/١٦٠. وأحكام الشافعي : ١/٢٧١-٢٧٢. ومعرفة السنن والآثار : ٦/١٧٢-١٧٤. )
ـــــــــــ

٢٣-
قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى :﴿ يَاا يُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ َالْقِصَاصُ فِى اِلْقَتْلَى ﴾٣١ الآية. قال الشافعي : فكان ظاهر الآية ـ والله أعلم ـ أن القصاص إنما كتب على البالغين المكتوب عليهم القصاص، لأنهم المخاطبون بالفرائض إذا قتلوا المؤمنين بابتداء الآية. وقوله :﴿ فَمَنْ عُفِىَ لَهُو مِنَ اَخِيهِ شَىْءٌ ﴾٣٢ لأنه جعل الأخوة بين المؤمنين، فقال :﴿ إِنَّمَا اَلْمُومِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾٣٣ وقطع ذلك بين المؤمنين والكافرين. ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل ظاهر الآية.
قال الشافعي : وسمعت عددا من أهل المغازي، وبلغني عن عدد منهم أنه كان في خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح :« لا يقتل مؤمن بكافر »٣٤ وبلغني عن عمران بن حصين٣٥ رضي الله تعالى عنه أنه روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ٣٦.
أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن أبي حسين٣٧، عن مجاهد وعطاء٣٨، وأحسب طاوسا٣٩ والحسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة عام الفتح٤٠ :« لا يقتل مؤمن بكافر »٤١.
أخبرنا سفيان بن عيينة، عن مُطَرِّف٤٢، عن الشعبي٤٣، عن أبي جُحَيْفَةَ٤٤ قال : سألت عليا رضي الله عنه : هل عندكم من النبي صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن ؟ فقال : لا والذي خَلَقَ الحَبَّةَ٤٥ وَبَرَا النَّسَمَةَ٤٦، إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن، وما في الصحيفة. قلت : وما في الصحيفة ؟ فقال : العَقْلُ، وفَكَاكُ٤٧ الأَسِير، ولا يقتل مؤمن بكافر٤٨.
قال الشافعي : ولا يقتل مؤمن عبد ولا حر ولا امرأة بكافر في حال أبدا، وكل من وصف الإيمان من أعجمي، وأبْكَم يعقِل، ويُشِيرُ بالإيمان، ويُصَلِّي، فقتل كافرا فلا قود عليه، وعليه ديَّتُهُ في ماله حالة : وسواء أكثر القتل في الكفار أو لم يكثر، وسواء قتل كافرا على مال يأخذه منه أو على غير مال، لا يحل ـ والله أعلم ـ قتل مؤمن بكافر بحال في قطع طريق ولا غيره.
قال الشافعي : وإذا قتل المؤمن الكافر عُزِّرَ وَحُبِسَ، ولا يبلغ بتعزيره في قتل ولا غيره حدٌّ، ولا يبلغ بحبسه سنة، ولكن حبس يبتلى به، وهو ضرب من التعزير.
قال الشافعي : وإذا قتل الكافر المؤمن قُتل به، ذميا٤٩ كان القاتل، أو حَرْبِيا٥٠، أو مُسْتَأْمِنًا٥١. وإذا أباح الله عز وجل دم المؤمن بقتل المؤمن، كان دم الكافر بقتل المؤمن أولى أن يباح. وفيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالة على ما ذكرت، قوله :« من اعْتَبَطَ٥٢ مسلما بقتل فهو به قود »٥٣ فهذه جامعة لكل من قتل. ( الأم : ٦/٣٧-٣٨. ون الأم : ٧/٣٣١. أحكام الشافعي : ١/٢٧٢-٢٧٣. )
١ - معاذ بن موسى الجعفري. عن: بكير بن معروف. وعنه: الشافعي الذي أخرج له في المسند. ن موسوعة رجال الكتب التسعة: ٣/٥٧٤..
٢ - بكير بن معروف الأسدي الخراساني، عن: مقاتل بن حيان، وأبي الزبير، ويحيى بن سعيد الأنصاري. وعنه: الوليد بن مسلم، ومروان بن محمد، وعبدان. قال أحمد: ما أرى به بأسا، وقال مرة: ذاهب الحديث. وقال ابن المبارك: رمي به. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به وليس حديثه بالمنكر جدا، ووثقه بعضهم، ت سنة: ١٩٣هـ. الكاشف: ١/١١٧. ون التهذيب: ١/٥١٨. وقال في التقريب: صدوق فيه لين.
٣ - مقاتل بن حيان البلخي، أبو بسطام البلخي الخزاز. عن: مجاهد، وعروة، والضحاك. وعنه: علقمة بن مرثد، وهو أكبر منه، وإبراهيم بن أدهم، وابن المبارك. ثقة عالم صالح. الكاشف: ٣/١٥٤. ون التهذيب: ٨/٣١٩. وقال في التقريب: صدوق فاضل، أخطا الأزدي في زعمه أن وكيعا كذبه، وإنما كذب الذي بعده. (ويعني به: مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني)..
٤ - الحسن بن أبي الحسن البصري الإمام، أبو سعيد مولى زيد بن ثابت، وقيل: مولى جميل بن قطبة، وقيل: غير ذلك. وأبوه يسار من سبي ميسان، أعتقته الربيع بنت النضر. ولد الحسن زمن عمر، سمع وشهد الدار ابن أربع عشرة سنة. وروى عن: عمران بن حصين، وأبي موسى، وابن عباس، وجندب. وعنه: ابن عوف، ويونس، وأمم. كان كبير الشأن رفيع الذكر رأسا في العلم والعمل. ت في رجب سنة عشر ومائة. الكاشف: ١/١٧٥. ون الطبقات الكبرى: ٧/١٥٦. ووفيات الأعيان: ٢/٢٩. والتهذيب: ٢/٢٤٦. وقال في التقريب: ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرا ويدلس. وتَعَقَّبَه صاحب التحرير ١/٢٧٠ فقال: ينبغي التنبه أن تدليس الحسن قادح إذا كان عن صحابي، أما إذا كان عن تابعي فلا. ولابد من هذا القيد..
٥ - الضحاك بن مزاحم الهلالي الخرساني. عن: أبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وأنس، وطاوس. وعنه: علي بن الحكم البناني، وقرة بن خالد، ومقاتل بن حيان. وثقه أحمد وابن معين. ت سنة: ١٠٥هـ. الكاشف: ٢/٣٦. ون التهذيب: ٤/٨٠. وقال في التقريب: صدوق كثير الإرسال..
٦ - البقرة: ١٧٨. وتمامها: ﴿ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اِعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُو عَذَابٌ اَلِيمٌ ﴾..
٧ - البقرة: ١٧٨..
٨ - البقرة: ١٧٨..
٩ - البقرة: ١٧٩..
١٠ - رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الجنايات باب: الخيار في القصاص ٨/٥١. والشافعي في المسند (ر١٣٣٨)..
١١ - البقرة: ١٧٨..
١٢ - البقرة: ١٧٨..
١٣ - البقرة: ١٧٨..
١٤ - رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الجنايات باب: الخيار في القصاص ٨/٥١. ورواه الشافعي في المسند (ر١٣٣٩)..
١٥ - هنا زيادة في بعض النسخ ونصها: « وتقصي مقاتل فيه أكثر من تقصي ابن عباس، والتنزيل يدل على ما قال مقاتل، لأن الله عز وجل إلخ » انتهى. كتبه مصححه..
١٦ - البقرة: ١٧٨..
١٧ - سعيد بن أبي سعيد كيسان، أبو سعيد المَقْبُرِي. عن: أبيه، وأبي هريرة، وعائشة. وعنه: الليث، ومالك. قال أحمد: ليس به بأس. ت سنة ١٢٣هـ وقيل ١٢٥هـ. الكاشف: ١/٣١٥. ون التهذيب: ٣/٣٢٩. وقال في التقريب: ثقة..
١٨ - أبو شريح الخزاعي الكعبي الصحابي. عنه: نافع بن جبير، والمقبري. ت سنة: ٦٨هـ. الكاشف: ٣/٣٢٤. ون الإصابة: ٧/٢٠٤. و الطبقات الكبرى: ٤/٢٩٥. والتهذيب: ١٠/١٤١. وقال في التقريب: صحابي..
١٩ - قال الخليل: العَضْدُ: قطع الشجرة بالمعضد، وهو سيف ممتهن في قطع الشجر. والعاضد: القاطع. وفي الحديث في مدينة الرسول « لا يعضد شجرها » معجم مقاييس اللغة: عضد..
٢٠ - واشتقاق خزاعة من قولهم: انخزع القوم عن القوم إذا انقطعوا عنهم وفارقوهم، وذلك أنهم انخزعوا عن جماعة الأسْد أيام سيل العرم لما أن صاروا إلى الحجاز، فافترقوا بالحجاز فصار قوم إلى عمان وآخرون إلى الشام. الاشتقاق ص: ٤٦٨..
٢١ - قبيلة هذيل إحدى القبائل العربية. واشتقاق هذيل من الهذل وهو الاضطراب. الاشتقاق ص: ١٧٦..
٢٢ - العقل: الدِّيَةُ. قال الأصمعي: وإنما سميت بذلك لأن الإبل كانت تعقل بفناء ولي المقتول، ثم كثر استعمالهم هذا الحرف حتى قالوا: عقلت المقتول. إذا أعطيت ديته دراهم أو دنانير. الصحاح: عقل..
٢٣ - رواه الترمذي في الديات (١٣) باب: ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو (١٣)(ر١٤٠٦) من طريق يحيى بن سعيد. قال أبو موسى: هذا حديث حسن صحيح.
ورواه أحمد في مسند القبائل من طريق يحيى بن سعيد. قال شاكر: إسناده صحيح.
والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الجنايات باب: الخيار في القصاص ٨/٥٢. والشافعي في المسند (ر١٣٤٠)..

٢٤ - الإسراء: ٣٣..
٢٥ - البقرة: ١٧٨..
٢٦ - رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الجنايات باب: إيجاب القصاص على القاتل دون غيره ٨/٢٦، عن مقاتل بن حيان في قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ َالْقِصَاصُ فِى اِلْقَتْلَى﴾ الآية قال: بُدُوُّ ذلك في حيين من أحياء العرب اقتتلوا قبل الإسلام بقليل ثم أسلموا ولبعضهم على بعض خماشات وقتل فطلبوها في الإسلام، وكان لأحد الحيين فضل على الآخر، فأقسموا بالله ليقتلن الذكر بالأنثى منهم وبالعبد الحر منهم، فلما نزلت هذه الآية رضوا وسلموا..
٢٧ - البقرة: ١٧٨..
٢٨ - البقرة: ١٧٨. وتمامها ﴿ اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالاُنثى بِالاُنثى فَمَنْ عُفِىَ لَهُو مِنَ اَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء اِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اِعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُو عَذَابٌ اَلِيمٌ﴾..
٢٩ - سبق تخريجه في النص السابق.
٣٠ - بقية الحديث: «... أو طلب بدم في الجاهلية من أهل الإسلام، أو بصر عينيه ما لم تبصرا » رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الجنايات باب: إيجاب القصاص على القاتل دون غيره ٨/٢٦. عن أبي شريح الخزاعي. ورواه في نفس الباب بصيغة « أعدى الناس »..
٣١ - البقرة: ١٧٨..
٣٢ - البقرة: ١٧٨..
٣٣ - الحجرات: ١٠..
٣٤ - ن: تخريجه في الصفحة الموالية..
٣٥ - عمران بن حصين الخزاعي، أبو نجيد. أسلم مع أبي هريرة. عنه: مطرف بن الشخير، وأخوه، وجماعة. بعثه عمر إلى البصرة ليفقههم، وكانت الملائكة تسلم عليه، ت سنة: ٥٢هـ. الكاشف: ٢/٣٣٥. ون الإصابة: ٤/٧٠٥. و الطبقات الكبرى: ٤/٢٨٧. والتهذيب: ٢/٢٣٤. وقال في التقريب: أسلم عام خيبر وصحب، وكان فاضلا، وقضى بالكوفة..
٣٦ - قال الشافعي رحمه الله: وهذا عام عند أهل المغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم به في خطبة يوم الفتح وهو يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا من حديث عمرو بن شعيب وحديث عمران بن حصين. ن السنن الكبرى: كتاب الجنايات باب: فيمن لا قصاص بينه باختلاف الدينين ٨/٢٩..
٣٧ - عمر بن سعيد بن أبي حسين النوفلي. عن: طاوس، وعطاء. وعنه: يحيى القطان، وروح، وخلق. الكاشف: ٢/٣٠٢. ون الطبقات الكبرى: ٥/٤٨٦. والتهذيب: ٦/٥٨. وقال في التقريب ثقة..
٣٨ - عطاء بن أبي رباح أسلم، أبو محمد القرشي مولاهم المكي، أحد الأعلام. عن: عائشة، وأبي هريرة. عنه: الأوزاعي، وابن جريج، وأبو حنيفة، والليث. عاش ثمانين سنة. ت سنة: ١١٤هـ وقيل ١١٥هـ. الكاشف: ٢/٢٦٠. ون الطبقات الكبرى: ٥/٤٦٧. ووفيات الأعيان: ٣/٢٦١. والتهذيب: ٥/٥٦٧. وقال في التقريب: ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال. وقيل: إنه تغير بأَخَرَةٍ، ولم يكثر ذلك منه. وتعقبه صاحب التحرير ٣/١٣ بقوله: قلنا قد أرسل عن جماعة من أبرزهم: أسامة بن زيد، وأوس بن الصامت، ورافع بن خديج، وزيد بن خالد الجهني، وعبد الله بن عمر، وعتاب بن أسيد، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعنبسة بن أبي سفيان، والفضل بن العباس، وكعب الأحبار، ويعلى بن أمية، وأبو بكر الصديق، وأبو سعيد الخذري، وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأم كرز الكعبية، وأم هانئ بنت أبي طالب. أما قوله: « تغير بأخرة » فإنه لو لم يذكره لكان أحسن، إذ لا نعلم أحدا روى عنه بعد تغيره إن صح أنه تغير، وتغيره رده الذهبي في السِّيَرْ، ولم يذكره أحد ممن ألف في المختلطين..
٣٩ - طاوس بن كيسان، أبو عبد الرحمن اليماني من أبناء الفرس، وقيل: اسمه ذكوان فَلُقِّب، فقال ابن معين: لأنه كان طاوس القرآن. عن: أبي هريرة، وابن عباس، وعائشة. وعنه: الزهري، وسليمان التميمي، وعبد الله ابنه. قال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا مثله. ت بمكة سنة: ١٠٦هـ. الكاشف: ٢/٤٠. ون الطبقات الكبرى: ٥/٥٣٧. والتهذيب: ٤/١٠٠. وقال في التقريب: ثقة فقيه فاضل..
٤٠ - أي فتح مكة وكان في شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ن الطبقات الكبرى: ٢/١٣٤..
٤١ - رواه الشافعي مرسلا في المسند (ر١٣٦٠و١٣٦١). ورواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الجنايات باب: فيمن لا قصاص بينه باختلاف الدينين ٨/٢٩..
٤٢ - مطرف بن طريف الكوفي. عن: عبد الرحمن بن أبي ليلى، والشعبي. وعنه: عنبر، وابن فضيل. ثقة إمام عابد، ت سنة ١٤٣هـ. الكاشف: ٣/١٣١. ون التهذيب: ٨/٢٠٤. وقال في التقريب: ثقة فاضل..
٤٣ - عامر بن شراحيل، أبو عمرو الشعبي، أحد الأعلام. ولد زمان عمر، وسمع عليا، وأبا هريرة، والمغيرة. وعنه: منصور، وحصين، وبنان، وابن عوف. قال: أدركت خمسمائة من الصحابة، وقال: ما كتبت سوداء في بيضاء ولا حدثت بحديث إلا حفظته. وقال مكحول: ما رأيت أفقه من الشعبي. وقال آخر: الشعبي في زمانه كابن عباس في زمانه. ت سنة: ثلاث أو أربع ومائة. الكاشف: ٢/٥٢. ون الطبقات الكبرى: ٢/٢٤٦. والتهذيب: ٤/١٥٦. وقال في التقريب: ثقة مشهور فقيه فاضل..
٤٤ - وهب بن عبد الله أبو جُحَيْفَةَ السُّوائي الصحابي. عنه: ابنه عون، وأبو إسحاق، وابن أبي خالد. ت سنة ٧٤هـ. الكاشف: ٣/٢٣٣. ون الإصابة: ٦/٦٢٦. والتهذيب: ٩/١٨٠. وقال في التقريب: صحابي مشهور..
٤٥ - فلق: الفلق: الشق. وفي الحديث يا فالق الحب والنوى، أي الذي يشق حبة الطعام ونوى التمر للإنبات. وفي حديث علي عليه السلام: والذي فلق الحبة وبرا النسمة، وكثيرا ما كان يقسم بها. اللسان: فلق..
٤٦ - برأ: أي خلق. والبارئ: الخالق. اللسان: برا ـ النَّسَمة: النفس والروح. وكل دابة في جوفها روح فهي نسمة. وبرا النسمة أي خلق ذات الروح. اللسان: نسم..
٤٧ - فك الأسير فكا وفَكَاكة: فصله من الأسر. والفِكاك والفَكاك ما فُكَّ به. اللسان: فكك..
٤٨ - رواه البخاري في العلم (٣) باب: كتابة العلم (٣٩)(ر١١١) وفي الجهاد (٦٠) باب: فكاك الأسير (١٦٨)(ر٢٨٨٢). والترمذي في الديات (١٣) باب: لا يقتل مسلم بكافر (١٦)(ر١٤١٢). وابن ماجة في الديات (٢١) باب: لا يقتل مسلم بكافر (٢١)(ر٢٦٥٨). والدارمي في الديات (١٥) باب: لا يقتل مسلم بكافر (٥) (ر٢٢٦٧).
والشافعي في المسند (١٣٥٨-١٣٥٩)..

٤٩ - الذِّمِّيُّ: هو المعاهد الذي أعطي عهدا يأمن به على ماله وعرضه ودينه. وأهل الذمة: المعاهدون من أهل الكتاب ومن جرى مجراهم. ن القاموس الفقهي..
٥٠ - الحربيُّ: عند المالكية من دخل بلادنا محاربا. ودار الحرب عند الشافعية: بلاد الكفار الذين لا صلح لهم مع المسلمين. ن القاموس الفقهي..
٥١ - استأمن إليه: استجاره وطلب حمايته. يقال استأمن الحربي: استجار ودخل دار الإسلام مستأمنا. ن القاموس الفقهي..
٥٢ - اعتبط قتله: أي قتله ظلما لا عن قصاص. اللسان: عبط..
٥٣ - رواه الشافعي في المسند (١٣٣٦) عن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من اعتبط مؤمنا بقتل فهو قود يده إلا أن يرضى ولي المقتول، فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه، ولا يقبل منه صرف ولا عدل ».
ورواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الزكاة باب: كيف فرض الصدقة ٤/٨٩. وفي كتاب الجنايات باب: إيجاب القصاص في العمد ٨/٢٥. ورواه النسائي في القسامة باب: ذكر حديث عمرو بن حزم واختلاف الناقلين له (٤٦-٤٧) (ر٤٨٦٨). ورواه في كنز العمال (ر ٣٩٨٣٣ و ٣٩٨٣٥)..


٢٤- قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُم إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا اِلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالاَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى اَلْمُتَّقِينَ فَمَن بَدَّلَهُو بَعْدَمَا سَمِعَهُو ﴾ الآية. قال الشافعي : وكان فرضا في كتاب الله تعالى على من ترك خيرا، والخير : المال، أن يوصي لوالديه وأقربيه. ثم زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة، واختلفوا في الأقربين الغير الوارثين. فأكثر من لقيت من أهل العلم ممن حفظت عنه قال : الوصايا منسوخة، لأنه إنما أمر بها إذا كانت، إنما يورث بها، فلما قسم الله تعالى ذكرُهُ المواريث كانت تطوعا.
قال الشافعي : وهذا ـ إن شاء الله تعالى ـ كله كما قالوا. فإن قال قائل : ما دَلَّ على ما وصفت ؟ قيل له : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَلأَِبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا اَلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُِمِّهِ اِلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُِمِّهِ السُّدُسُ ﴾١. أخبرنا ابن عيينة عن سليمان الأحول٢ عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« لا وصية لوارث »٣. وما وصفت من أن الوصية للوارث منسوخة بآي المواريث، وأن لا وصية لوارث مما لا أعرف فيه عن أحد ممن لقيت خلافا.
قال الشافعي : وإذا كانت الوصايا لمن أمر الله تعالى ذكره بالوصية منسوخة بآي المواريث، وكانت السنة تدل على أنها لا تجوز لوارث، وتدل على أنها تجوز لغير قرابة٤، دل ذلك على نسخ الوصايا للورثة، وأشبه أن يدل على نسخ الوصايا لغيرهم.
قال : ودل على أن الوصايا للوالدين وغيرهما ممن يرث بكل حال إذا كان في معنى غير وارث، فالوصية له جائزة. ومن قبل أنها إنما بطلت وصيته إذا كان وارثا، فإذا لم يكن وارثا فليس بمبطل للوصية.
وإذا كان المُوصي يتناول من شاء بوصيته، كان ولده دون قرابته إذا كانوا غير ورثة، في معنى من لا يرث ولهم حق القرابة وصلة الرحم. فإن قال قائل : فأين الدلالة على أن الوصية لغير ذي الرحم جائزة ؟ قيل له ـ إن شاء الله ـ حديث عمران بن حصين : أن رجُلا أَعْتَقَ ستَّةَ مَمْلُوكِينَ لهُ ليس له مال غيرهم، فجزأهم٥ النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء، فأعتق اثنين وأرقَّ٦ أربعة٧. والمعتق عَرَبيٌّ، وإنما كانت العرب تملك من لا قرابة بينها وبينه، فلو لم تجز الوصية إلا لذي قرابة لم تجز للمملوكين، وقد أجازها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ( الأم : ٤/٩٨-٩٩. ون الأم : ٤/١١٢-١١٣. و أحكام الشافعي : ١/١٤٩-١٥١. والرسالة : ١٣٧-١٤٥. )
١ - النساء: ١١..
٢ - سليمان بن أبي مسلم الأحول المكي. عن: أبي سلمة، وطاوس. وعنه: شعبة، وابن عيينة. الكاشف: ١/٣٥٢. ون التهذيب: ٣/٥٠٣. وقال في التقريب: ثقة ثقة..
٣ - رواه الترمذي في الوصايا (٢٧) باب: ما جاء لا وصية لوارث (٥)(ر٢١٢٠) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي في الوصايا (٣٠) باب: إبطال الوصية للوارث (٥)(ر٣٦٤٣ و ٣٦٥٤). وابن ماجة في الوصايا (٢٢) باب: لا وصية لوارث (٦)(ر٢٧١٣) و (ر٢٧١٤) ونصه: « إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث ». قال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح. والشافعي في المسند (ر٣٦٤) و (ر١٦٨٨)..
٤ - قال الشافعي: إلا أن طاوسا وقليلا معه قالوا: نسخت الوصية للوالدين، وثبتت للقرابة غير الوارثين، فمن أوصى لغير قرابة لم يجز. واحتج عليهم الشافعي بحديث عمران بن حصين في قضية المملوكين الستة كما هو وارد في النص. ون الرسالة ص: ١٤٣..
٥ - فجزأهم: أي قسمهم..
٦ - أرق أربعة: أي أبقى حكم الرق على أربعة..
٧ - رواه مسلم في الأيْمان (٢٧) باب: من أعتق شِرْكًا له في عبدٍ (١٢)(ر١٦٦٨). وأبو داود في العتق (١٠) باب: فيمن أعتق عبيدا له لم يبلغهم الثلث (ر٣٩٥٨) و (ر٣٩٦١). والترمذي في الأحكام (١٢) باب: ما جاء فيمن يعتق مماليكه (٢٧) (ر١٣٦٤) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي في الجنائز. وابن ماجة في الأحكام. ورواه أحمد، والبيهقي، والشافعي في مسنده (ر١٢٣٣)..
٢٥- قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى اَلذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ﴾ ثم أبان أن هذه الأيام : شهر رمضان بقوله تعالى : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ اَلذِى أُنزِلَ فِيهِ اِلْقُرْءَانُ ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾. وكان بينا في كتاب الله عز وجل أنه لا يجب صومٌ إلا صوم شهر رمضان. وكان علم شهر رمضان ـ عند من خوطب باللسان ـ أنه الذي بين شعبان وشوال.
قال : فلمَّا أَعْلَمَ الله الناس : أن فرض الصوم عليهم شهر رمضان، وكانت الأعاجم١ تعد الشهور بالأيام، لا بالأهِلَّة، وتذهب : إلى أن الحساب ـ إذا عدت الشهور بالأهلة ـ يختلف.
فأبان الله تعالى : أن الأهلة هي المواقيت للناس والحج ؛ وذكر الشهور فقال :﴿ إِنَّ عِدَّةَ اَلشُّهُورِ عِندَ اَللَّهِ اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اِللَّهِ ﴾٢ فدل على أن الشهور للأهلة، إذ جعلها المواقيت، لا ما ذهبت إليه الأعاجم : من العدد بغير الأهلة.
ثم بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، على ما أنزل الله عز وجل : وبيَّن : أَنَّ الشَّهرَ : تِسْعٌ وعِشرُون٣، يعني أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين. وذلك أنهم قد يكونون يعلمون أن الشهر يكون ثلاثين، فأعلمهم أنه قد يكون تسعا وعشرين وأعلمهم أن ذلك للأهلة. ( أحكام الشافعي : ١/١٠٥-١٠٦. ون الرسالة ص : ٢٧-٢٨. وص : ١٥٧-١٥٨. ومعرفة السنن والآثار : ٣/٣٤٢. )
ــــــــــــ
٢٦- قال الشافعي : وفرض الله تعالى الصوم فقال :﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اَخَرَ وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ ﴾٤ قيل : يطيقونه : كانوا يطيقونه ثم عجزوا عنه، فعليهم في كل يوم طعام مسكين. ( اختلاف الحديث : ٥٦١. ون أحكام الشافعي : ١/١٠٨. )
ــــــــــــ
٢٧- قال الشافعي : وصوم شهر رمضان واجب على كل بالغ من رجل وامرأة وعبدٍ ؛ ومن احتلم من الغلمان، أو أسلم من الكفار، بعد أيام من شهر رمضان، فإنهما يستقبلان الصوم ولا قضاء عليهما فيما مضى. وأحِبُّ للصَّائِمِ أن يُنَزِّهَ صيامه عن اللَّغَطِ٥ القبيح والمشاتمة٦، وإن شُوتِمَ أن يقول : إني صائم للخبر في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم٧ قال : والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم ويقدر على الكفارة٨، يتصدق عن كل يوم بمد٩ من حِنْطَةٍ١٠. وروي عن ابن عباس في قوله عز وجل :﴿ وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ ﴾ قال : المرأة الهِمُّ١١ والشيخ الكبير الهِمُّ يفطران ويطعمان لكل يوم مسكينا١٢.
قال الشافعي : وغيره من المفسرين يقرؤونها١٣ :﴿ يُطِيقُونَهُ ﴾١٤، وكذلك نقرأها، ونزعم أنها نزلت حين نزل فرض الصوم ثُمَّ نُسِخَ١٥ ذلك. قال : وآخر الآية يدل على هذا المعنى، لأن الله عز وجل قال :﴿ فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا ﴾١٦ فزاد على مسكين ﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ﴾١٧ ثم قال :﴿ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمُ ﴾١٨.
قال : فلا يَأمر بالصيام من لا يطيقه، ثم بين فقال :﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾١٩ وإلى هذا نذهب وهو أشبه بظاهر القرآن. ( مختصر المزني : ٥٨-٥٩. )
ـــــــــــــــ
٢٨- قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه في فرض الصوم :﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ اَلذِى أُنزِلَ فِيهِ اِلْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ اَلْهُدى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اَخَرَ ﴾٢٠ فكان بينا في الآية أنه فرض عليهم عِدَّة فجعل لهم أن يفطروا فيها مرضى ومسافرين ويُحْصُوا حتى يكملوا العدة، وأخبر أنه أراد بهم اليُسر.
قال الشافعي : وكان قول الله :﴿ وَمَن كَانَ مَرِيضًا اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اَخَرَ ﴾٢١ يحتمل معنيين : أحدهما : أن لا يجعل عليهم صوم شهر رمضان مرضى ولا مسافرين، ويجعل عليهم عددا إذا مضى المرض والسفر من أيام أخر. ويحتمل أن يكون إنما أمرهم بالفطر في هاتين الحالتين على الرخصة إن شاؤوا لئلا يُحرَجُوا إن فعلوا.
وكان فرض الصوم والأمر بالفطر في المرض والسفر في آية واحدة، ولم أعلم مخالفا أن كل آية إنما أنزلت متتابعة لا متفرقة، وقد تنزل الآيتان في السورة متفرقتين فأما آية فلا. لأن معنى الآية : أنها كلام واحد غير منقطع يستأنف بعده غيره، فلم يختلفوا كما وصفت أن آية لم تنزل إلا معا لا مفترقة. فدلت سنة رسول الله على أن أمر الله المريض والمسافر بالفطر إرخاصا لهما لئلا يحرجا إن فعلا، لأنهما يجزيهما أن يصوما في تينك الحالتين شهر رمضان، لأن الفطر في السفر لو كان غير رخصة لمن أراد الفطر فيه لم يصم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا مالك، عن الزهري٢٢، عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة٢٣، عن ابن عباس : أن رسول الله خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكَدِيدَ٢٤ ثم أفطر فأفطر الناس معه. وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ٢٥.
أخبرنا عبدُ العزيز بن محمد٢٦، عن عُمَارَةَ بن غَزِيَّة٢٧،
عن محمد بن عبد الرحمان٢٨، أن عبد الله بن سعد بن معاذ٢٩ قال : قال جابر بن عبد الله : كنا مع رسول الله زمان غزوة تبوك٣٠، ورسول الله يسير بعد أن أضحى، إذا هو بجماعة في ظل شجرة فقال :« من هذه الجماعة ؟ » قالوا : رجل صائم أجْهَدَهُ الصوم، أو كلمة نحو هذه، فقال رسول الله :« ليس من البر٣١ أن تصوموا في السفر٣٢ »٣٣.
أخبرنا سفيان عن الزهري عن صفوان بن عبد الله٣٤ عن أمِّ الدَّرْدَاء٣٥ عن كعب بن عاصم الأشعري٣٦ أن رسول الله قال للصائم في السفر :« ليس من البر أن تصوموا في السفر »٣٧.
أخبرنا مالك، عن سُمَيٍّ مولى أبي بكر٣٨، عن أبي بكر بن عبد الرحمن٣٩، عن بعض أصحاب رسول الله : أن النبي أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال :« تقووا للعدو ». قال أبو بكر : قال الذي حدثني : لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بالعَرْجِ٤٠ يصب فوق رأسه الماء من العطش أو من الحر، فقيل يا رسول الله ! إن طائفة من الناس قد صاموا حين صُمت، فلما كان رسول الله بالكديد، دعا بقدح فشرب، فأفطر الناس٤١.
أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن جعفر بن محمد٤٢، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ كُرَاعَ الغَمِيمِ٤٣، فصام الناس معه. فقيل له : يا رسول الله ! إن الناس قد شق عليهم الصيام، فدعا بقدح من ماء ـ بعد العصر ـ فشرب والناس ينظرون، فأفطر بعض الناس وصام بعضهم، فبلغه أن أناسا قد صاموا فقال :
« أولئك العصاة »٤٤. وفي حديث الثقة غير الدراوردي، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر : فخرج رسول الله عام الفتح في رمضان إلى مكة، فصام، وأمر الناس أن يفطروا وقال :« تقووا بعددكم على عدوكم » فقيل له : إن الناس أبوا أن يفطروا حين صمت، فدعا بقدح من ماء فشربه. ثم ساق الحديث.
أخبرنا الثقة، عن حميد٤٥، عن أنس بن مالك قال :« سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنا الصائم ومنَّا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم »٤٦.
أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنَّ حمزةَ بن عمرٍو الأسلمي٤٧ قال : يا رسول الله ! أصوم في السفر ؟ ـ وكان كثير الصيام ـ فقال رسول الله :« إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر »٤٨.
قال الشافعي رحمه الله : فقال قائل من أهل الحديث : ما تقول في صوم شهر رمضان، والواجب غيره، والتطوع في السفر والمرض ؟ قلت : أحب صوم شهر رمضان في السفر والمرض، إن لم يكن يجهد المريض ويزيد في مرضه، والمسافر، فيخاف منه المرض، فلهما معا الرخصة فيه. ( اختلاف الحديث : ٤٩٢-٤٩٣. ون أحكام الشافعي ١/١٠٦-١٠٨. ومعرفة السنن والآثار : ٣/٣٨٨-٣٩٣. )
ـــــــــــــ
٢٩- قال الشافعي رحمه الله تعالى : من أفطر أياما من رمضان، من عذر مرض، أو سفر، قضاهن في أي وقت ما شاء، في ذي الحجة أو غيرها، وبينه وبين أن يأتي عليه رمضان آخر متفرقات أو مجتمعات، وذلك أن الله عز وجل يقول :﴿ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اَخَرَ ﴾٤٩ ولم يذكرهن متتابعات.
وقد بلغنا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :« إذا أحصيت العدة فصمهن كيف شئت »٥٠. قال : وصوم كفارة اليمين متتابع٥١، والله أعلم.
فإن مرض، أو سافر المفطر، فلم يصح، ولم يقدر حتى يأتي عليه رمضان آخر، قضاهن، ولا كفارة. وإن فرط وهو يمكنه أن يصوم حتى يأتي رمضان آخر، صام الرمضان الذي جاء عليه، وقضاهن، وكفر عن كل يوم بمد حنطة.
قال الشافعي : والحامل والمرضع إذا أطاقتا الصوم، ولم تخافا على ولديهما لم تفطرا، فإن خافتا على ولديهما أفطرتا، وتصدقتا عن كل يوم بمد حنطة٥٢، وصامتا إذا أمنتا على ولديهما.
قال الشافعي : وإن كانتا لا تقدران على الصوم، فهذا مثل المرض أفطرتا، وقضتا بلا كفارة. إنما تكفران بالأثر، وأنهما لم تفطرا لأنفسهما، إنما أفطرتا لغيرهما، فذلك فرق بينهما وبين المريض لا يُكَفِّرْ. والشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ويقدر على الكفارة يتصدق عن كل يوم بمد حنطة، خبرا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ٥٣، وقياسا على من لم يُطِقِ الحج أن يحج عنه غيره، وليس عمل غيره عنه عمل نفسه، كما ليس الكفارة كعمله.
قال الشافعي : والحال التي يترك بها الكبير الصوم، أن يكون يجهده الجهد غير المحتمل، وكذلك المريض والحامل. ( الأم : ٢/١٠٣-١٠٤. ون الأم : ٧/٦٦ ومختصر المزني ص : ٢٩٣. )
ــــــــــ
٣٠- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى في سياق شهر رمضان :﴿ وَلِتُكْمِلُوا اَلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اَللَّهَ عَلَى مَا هَدياكُمْ ﴾٥٤. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه ـ يعني الهلال ـ فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين »٥٥.
قال الشافعي : وإذا صام الناس شهر رمضان برؤية، أو شاهدين عدلين على رؤية، ثم صاموا ثلاثين يوما، ثم غم عليهم الهلال، أفطروا ولم يريدوا شهودا.
قال : وإن صاموا تسعة وعشرين يوما، ثم غم عليهم، لم يكن لهم أن يفطروا حتى يكملوا ثلاثين، أو يشهد شاهدان عدلان برؤيته ليلة ثلاثين.
قال الشافعي : يقبل فيه شاهدان عدلان في جماعة الناس، ومنفردين، ولا يقبل على الفطر أقل من شاهدين عدلين، ولا في مقطع حقٍّ، لأن الله تعالى أمر بشاهدين، وشرط العدل في الشهود.
أخبرنا إبراهيم بن محمد٥٦، عن إسحاق بن عبد الله٥٧، عن عمر بن عبد العزيز٥٨ : أنه كان لا يجيز في الفطر إلا شاهدين٥٩. ( الأم : ١/٢٢٩. )
ـــــــــــــ
٣١- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى في شهر رمضان :﴿ وَلِتُكْمِلُوا اَلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اَللَّهَ عَلَى مَا هَدياكُمْ ﴾٦
١ - أعاجم أو عجم كل من كان من غير العرب، واحده عجمي وأعجمي. معجم لغة الفقهاء..
٢ - التوبة: ٣٦..
٣ - أخرجه مسلم في الصيام (١٣) باب: الشهر يكون تسعا وعشرين (٤)(ر١٠٨٣ و ١٠٨٤ و ١٠٨٥).
وأخرجه أبو داود في الصوم (٨)باب: الشهر يكون تسعا وعشرين (٤)(ر٢٣٢٠).
وأخرجه الترمذي في الصوم (٥) باب: ما جاء أن الشهر يكون تسعا وعشرين (٦)(ر٦٨٩ و ٦٩٠).
وأخرجه ابن ماجة في الصيام (٢٢) باب: (١٤-١٥)(ر٢١٣٠ و ٢١٣١ و ٢١٣٢).
والشافعي في المسند (ر٧٢٠)..

٤ - البقرة: ١٨٤..
٥ - اللغْط واللغَط: الأصوات المبهمة المختلطة والْجَلَبَةُ لا تفهم، صوت وضجة لا يفهم معناه. اللسان لغط. واللغط القبيح الكلام الذي لا خير فيه ولا طائل من تحته..
٦ - الشتم: السب. والمشاتمة المسابَّة. الصحاح: شتم..
٧ - أخرجه البخاري في الصوم (٣٦) باب: هل يقول إني صائم إذا شتم (٩) (ر١٨٠٥).
وأخرجه مسلم في الصيام (١٣) باب: حفظ اللسان للصائم (٢٩)(ر١١٥١)..

٨ - الكفارة ما يستغفر به الآثم من صدقة، وصوم، ونحو ذلك. وقد حددت الشريعة أنواعا من الكفارة منها: كفارة اليمين، وكفارة الصوم، وكفارة لترك بعض مناسك الحج. القاموس الفقهي..
٩ - الْمُدُّ: مكيال، وهو رطْل وثلث عند أهل الحجاز والشافعي، ورطلان عند أهل العراق وأبي حنيفة، والصاع أربعة أمداد. اللسان: مدد..
١٠ - الحنطة: الْبُرُّ، والجمع حِنَطٌ. الصحاح: حنط..
١١ - هكذا في جميع النسخ ( كتبه مصححه ). والهِمُّ بالكسر الشيخ الفاني، والمرأة هِمَّةٌ. الصحاح: همم..
١٢ - رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الصيام باب: الحامل والمرضع بلفظ مغاير: ٤/٢٣٠..
١٣ - قال ابن جرير: فإن قراءة كافة المسلمين: ﴿وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُو﴾، وعلى ذلك خطوط مصاحيفهم. وهي القراءة التي لا يجوز لأحد من أهل الإسلام خلافها، لنقل جميعهم تصويب ذلك قرنا عن قرن. وكان ابن عباس يقرؤها في ما روي عنه: ﴿ وَعَلَى اَلذِينَ يُطَوَّقُونَهُ﴾ ن تفسير الطبري ٢/١٣٨. وقال ابن جني: ومن ذلك قراءة ابن عباس بخلاف، وعائشة رحمهما الله، وسعيد بن المسيب، وطاوس بخلاف، وسعيد بن جبير، ومجاهد بخلاف، وعكرمة، وأيوب السختياني، وعطاء: ﴿يُطَوَّقُونَهُ﴾. وقرا ﴿يَطَّوَّقُونَهُ﴾على معنى: يتطوقونه، مجاهد. ورويت عن ابن عباس، وعن عكرمة. وقرا ﴿يَطَّيَّقُونَهُ﴾ ابن عباس بخلاف، وكذلك مجاهد وعكرمة. وقرا ﴿يُطَيِّقُونَهُ﴾ ابن عباس بخلاف. المحتسَب: ١/٢٠٦..
١٤ - البقرة: ١٨٤. وطاق يطوق طوقا، وأطاق يطيق إطاقة وطاقة كما يقال: طاع يطوع طوعا وأطاع يطيع إطاعة وطاعة. والطوق والطاقة وهو في طوقي أي في وسعي. اللسان: طوق..
١٥ - متفق عليه من حديث سلمة قال: لما نزلت ﴿ وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُو فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ﴾ كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها. اللؤلؤ والمرجان كتاب الصيام (١٣) باب: نسخ قوله تعالى ﴿ وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُو فِدْيَةُ ﴾ بقوله ﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (ر٧٠٢). ون أقوال المفسرين حول الآية في تفسير الطبري ٢/١٣٨-١٤٢..
١٦ - البقرة: ١٨٤..
١٧ - البقرة: ١٨٤..
١٨ - البقرة: ١٨٤..
١٩ - البقرة: ١٨٥..
٢٠ - البقرة: ١٨٥..
٢١ - البقرة: ١٨٥..
٢٢ - محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري أبو بكر، أحد الأعلام. عن: ابن عمر، وأنس، وسهل، وابن المسيب. وحديثه عن أبي هريرة في الترمذي، وعن رافع بن خديج في النسائي وذلك مرسل. وعنه: يونس، وعقيل، ومعمر، والزبيدي، وشعيب، ومالك، وابن عيينة. قال ابن المديني: له نحو ألفي حديث. وقال أبو داود: أسند أكثر من ألف، وحديثه ألفان ومائتا حديث نصفها مسندة. ت في رمضان سنة ١٢٤هـ. الكاشف: ٣/٧٨. ون وفيات الأعيان: ٤/١٧٧. والتهذيب: ٧/٤٢٠. وقال في التقريب: فقيه حافظ متفق على جلالته وإتقانه..
٢٣ - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الفقيه الأعمى. عن: عائشة، وأبي هريرة، وابن عباس. وعنه: الزهري، وأبو الزناد، وصالح بن كيسان. وهو معلم عمر بن عبد العزيز، وكان من بحور العلم. ت سنة: ٩٨هـ. الكاشف: ٢/٢٢٢. ون الطبقات الكبرى: ٥/٢٥٠. والتهذيب: ٥/٣٨٥. وقال في التقريب: ثقة فقيه ثبت..
٢٤ - الكديد: ماء بين الحرمين شرفهما الله تعالى. القاموس المحيط: الكد..
٢٥ - أخرجه البخاري في المغازي (٦٧) باب: غزوة الفتح في رمضان (٤٥)(ر٤٠٢٦ و ٤٠٢٧).
وأخرجه مسلم في الصيام (١٣) باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر (١٥) (ر١١١٣).
ومالك في الصيام، والدارمي في الصوم، والبيهقي في الصيام، والشافعي في المسند (ر٧١٧)..

٢٦ - عبد العزيز بن محمد الدراوردي أبو محمد. عن: صفوان بن سليم، وزيد بن أسلم. وعنه: ابن حجر، ويعقوب الدورقي. قال ابن معين: هو أحب إلي من فليح. وقال أبو زرعة: سيء الحفظ. ت سنة ١٨٧هـ. الكاشف: ٢/١٩٥. ون التهذيب: ٥/٢٥٤. وقال في التقريب: صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ. قال النسائي حديثه عن عبيد الله العمري منكر. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٣٧١ فقال: بل ثقة، وثقه مالك، وابن معين، ويعقوب بن سفيان، وابن سعد، والعجلي، وذكره ابن حبان في «الثقات». وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال في موضع آخر ليس به بأس. وقال أبو زرعة: سيئ الحفظ فربما حدث من حفظه الشيء فيخطئ، ولكنه فضله في موضع آخر على فليح بن سليمان وابن أبي الزناد. وكتاب الدراوردي صحيح كما قال الإمام أحمد وغيره، لكنه كان يغلط في أحاديث عبد الله بن عمر العمري الضعيف، فيجعلها عن عبيد الله بن عمر الثقة، ومن أجل هذا الأمر تكلم فيه من تكلم، فيلاحظ هذا. وباقي حديثه صحيح..
٢٧ - عمارة بن غزية المازني. عن: أنس، وأبي صالح، وعباد بن تميم. وعنه: وهيب، والدراوردي، وعدة. ت سنة: ١٤٠هـ. الكاشف: ٢/٢٩٥. ون التهذيب: ٦/٢٧. وقال في التقريب: لا بأس به، وروايته عن أنس مرسلة. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٦٥ فقال: بل ثقة، فقد وثقه أحمد بن حنبل، وأبو زرعة الرازي، وابن سعد، والعجلي، والدارقطني. وقال ابن معين والنسائي: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: ما بحديثه بأس، كان صدوقا. وذكره ابن حبان، وابن شاهين في «الثقات». ولا نعلم فيه جرحا سوى تضعيف ابن حزم له، وهو شبه لا شيء، فلا يعتد به..
٢٨ - سبقت ترجمته وهو محمد بن عبد الرحمان بن المغيرة بن أبي ذئب أبو الحارث العامري..
٢٩ - عبد الله بن سعد بن معاد الأشهلي، ابن سيد الأوس. ذكر العدوي في النسب أن له صحبة، ولا عقب له. واستدركه الجياني وتبعه ابن فتحون، وابن الأثير. الإصابة: ٤/١١٢..
٣٠ - غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك في رجب سنة تسع من مُهَاجَرِه. الطبقات الكبرى: ٢/١٦٥..
٣١ - أي: ليس من الطاعة والعبادة التي ترضي الله عز وجل..
٣٢ - أي: إذا بلغ الصائم هذا المبلغ من المشقة والضرر..
٣٣ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان كتاب الصيام (١٣) باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية إذا كان سفره مرحلتين فأكثر (١٥)(ر٦٨١). وأبو داود، والنسائي، والدارمي، والبيهقي، كلهم في الصيام، والشافعي في المسند (ر٧١٨)..
٣٤ - صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف. عن: جده، وعلي، وأبي الدرداء. وعنه: الزهري، وأبو الزبير. وُثِّق. الكاشف: ٢/٢٩. ون التهذيب: ٤/٥٣. وقال في التقريب ثقة..
٣٥ - أم الدرداء الصغرى جُهيمة، ويقال: جهيمة بنت حيي الأوصابية الحمرية. عن: زوجها، وسلمان، وعبادة. وعنها: مكحول، ويونس بن مسيرة، وزيد بن أسلم. فقيهة كبيرة القدر، بقيت إلى بعد الثمانين الكاشف: ٣/٤٣٣. ون التهذيب: ١٠/٥١٨. وقال في التقريب ثقة فقيهة..
٣٦ - كعب بن عاصم الأشعري صحابي. عنه: أم الدرداء في الصيام. الكاشف: ٢/٣٩٩. ون الإصابة: ٥/٥٩٧. والتهذيب: ٦/٥٧٥. وقال في التقريب: صحابي..
٣٧ - رواه ابن ماجة في الصيام (٧) باب: ما جاء في الإفطار في السفر (١١)(ر١٦٦٤). والدارمي في الصوم (٤) باب: الصوم في السفر (١٥)(ر١٦٦٢ و ١٦٦٣). وأحمد في مسنده من حديث كعب بن عاصم الأشعري. قال شاكر: إسناده صحيح. والبيهقي في: السنن الكبرى كتاب الصيام باب: تأكيد الفطر في السفر إذا كان يجهده الصوم: ٤/٢٤٢. والشافعي في المسند (ر٧١٩)..
٣٨ - سُمَي. عن: مولاه أبي بكر بن عبد الرحمن، وابن المسيب. وعنه: مالك، وورق، وورقاء بن عمر. قتل يوم قديد سنة ١٣٠هـ. الكاشف: ١/٣٥٦. ون التهذيب: ٣/٥٢٤. وقال في التقريب: ثقة..
٣٩ - أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، أحد الفقهاء السبعة. عن: أبي هريرة، وعائشة. وعنه: بنوه، والزهري. ولد زمن عمر، وكُفَّ بآخره، ويسمى الراهب، شريف نبيل، ت سنة: ١٩٢هـ. الكاشف: ٣/٣٠٠. ون التهذيب: ١٠/٣٤. وقال في التقريب: ثقة فقيه عابد..
٤٠ - العرج: قرية جامعة على نحو ثلاث مراحل من المدينة. الموطا ص: ٢٦٢..
٤١ - أخرجه أبو داود في الصوم (٨) باب: الصائم يصب عليه الماء من العطش (٢٧) (ر٢٣٦٥). ومالك في الصيام (١٨) باب: ما جاء في الصيام في السفر (٧) (ر٢٢). وأحمد في المسند من حديث بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال شاكر: إسناده صحيح. والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الصيام باب: تأكيد الفطر في السفر إذا كان يريد لقاء العدو: ٤/٢٤٢. والشافعي في المسند (ر٧١٦)..
٤٢ - جعفر بن محمد الصادق أبو عبد الله، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. فكان يقول: ولدني الصديق مرتين. سمع أباه، والقاسم، وعطاء. وعنه: شعبة، والقطان، وقال: في نفسي منه شيء. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حنيفة: ما رأيت أفقه منه، وقد دخلني له من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور. ت سنة: ١٤٨هـ. وله ثمان وستون سنة الكاشف: ١/١٣٩. ون وفيات الأعيان: ١/٣٢٧. والتهذيب: ٢/٦٨. وقال في التقريب: صدوق فقيه إمام..
٤٣ - كراع الغميم: الكراع ما سال من أنف الجبل، وكراع كل شيء طرفه، وهو عند جبل أسود بطرف وادي الغميم وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال. صحيح مسلم ٢/٧٨٤..
٤٤ - أخرجه مسلم في الصيام (١٣) باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر (١٥)(ر١١١٤).
وأخرجه الترمذي في الصوم (٥) باب: ما جاء في كراهية الصوم في السفر (١٨)(ر٧١٠).
وأخرجه النسائي في الصيام (٢٢) باب: ذكر اسم الرجل (٤٩)(ر٢٢٦٢) والبيهقي في الصيام، والشافعي في المسند (ر٧١٢)..

٤٥ - حُميد بن تبر الطويل، أبو عبيدة البصري، مولى طلحة الطلحات الخزاعي، ويقال: الدارمي. عن: أنس، والحسن. وعنه: شعبة، والقطان. وكان طوله في يديه. مات وهو قائم يصلي سنة ١٤٢هـ. وثقوه، يدلس عن أنس. الكاشف: ١/٢١٣. ون التهذيب: ٢/٤٥١. وقال في التقريب: ثقة مدلس. وتعقبه صاحب التحرير ١/٣٢٦. فقال: قوله: «مدلس» على الإطلاق فيه نظر، وإنما وصف بالتدليس في روايته عن أنس، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث إلا أنه ربما دلس عن أنس. ولفظ «ربما» يدل على التقليل، وهذا صحيح، فقد صرح بسماعه من أنس بشيء كثير، وفي «صحيح البخاري» جملة وافرة من ذلك، وبعض ما دلسه عن أنس إنما سمعه من ثابت البناني ـ وهو ثقة ـ فيكون حديثه عن أنس صحيحا سواء صرح بسماعه منه أو لم يصرح، طالما تبين أن الواسطة فيها ـ وهو ثابت البناني ـ ثقة. وقد تتبعنا جملة أحاديث رواها حميد عن أنس بالعنعنة في «مسند أبي يعلى» والكثير منها مخرج في «الصحيح»، وقد صرح فيها بالتحديث عن أنس. فمن يجهل ذلك يضعفها بالتدليس..
٤٦ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان كتاب الصيام (١٣) باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر (١٥) (ر٦٨٢). ورواه أبو داود ومالك، وأحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٧١٠)..
٤٧ - حمزة بن عمرو الأسلمي له صحبة. عنه: إبنه محمد، وسليمان بن بشار. بشر الصديق بوقعة أجنادين. ت سنة ٦١هـ. الكاشف: ١/٢١١. ون التهذيب: ٢/٤٤٤. والإصابة: ٢/٢١٥. والطبقات الكبرى: ٤/٣١٥..
٤٨ - رواه البخاري في الصيام (٣٦) باب: الصوم في السفر والإفطار (٣٣) (ر١٨٤١).
ورواه مسلم في الصيام (١٣) باب: التخيير في الصوم والفطر في السفر (١٧) (ر١١٢١).
ورواه أصحاب السنن، ومالك، وأحمد، والدارمي، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٧٠٩)..

٤٩ - البقرة: ١٨٤..
٥٠ - لم أجده بنصه، ورواه البيهقي بنحوه مرسلا عن رافع بن خُديج، وموقوفا عن معاد بن جبل ولفظه: « أحص العدة وصم كيف شئت » السنن الكبرى: كتاب الصيام باب: قضاء شهر رمضان: ٤/٢٥٨..
٥١ - في نسخة سراج الدين البلقيني هنا ما نصه: « قال شيخنا شيخ الإسلام: ما ذكره الشافعي هنا من أن صوم كفارة اليمين متتابع هو أحد قوليه، والقول الآخر أنه لا يجب التتابع في كفارة اليمين، وهو مشهور معتمد في الفتوى » انتهى. كتبه مصححه..
٥٢ - روى مالك في الصيام (١٨) باب: فدية من أفطر في رمضان من علة (١٩) (ر٥٢) أنه بلغه: أن عبد الله بن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها واشتد عليها الصيام؟ قال: تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة بمد النبي صلى الله عليه وسلم. قال مالك: وأهل العلم يرون عليها القضاء كما قال الله عز وجل: ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اَخَرَ﴾ ويرون ذلك مرضا من الأمراض مع الخوف على ولدها.
وروى أبو داود في الصوم (٨) باب: نسخ قوله تعالى: ﴿وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُو فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ﴾ (٢)(ر٢٣١٧) أن ابن عباس قال: أثبتت للحبلى والمرضع..

٥٣ - روى مالك في نفس الكتاب والباب (ر٥١) أنه بلغه: أن أنس بن مالك كبر حتى كان لا يقدر على الصيام فكان يفتدي. قال مالك: ولا أرى ذلك واجبا، وأحب إلي أن يفعله إذا كان قويا عليه، فمن فدى، فإنما يطعم مكان كل يوم مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم..
٥٤ - البقرة: ١٨٥..
٥٥ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان كتاب الصيام (١٣) باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال (٢) (ر٦٥٣). وأبو داود في الصوم (٨) باب: الشهر يكون تسعا وعشرين (٤) (ر٢٣٢٠). ومالك في أول الصيام (١٨) باب: ما جاء في رؤية الهلال (ر١ و ٢ و ٣). والشافعي في المسند (ر٧٢٠)..
٥٦ - إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى سمعان. ودلسه ابن جريج فقال: إبراهيم بن محمد بن أبي عطاء المدني مولى الأسلميين. عن: الزهري، وصالح مولى التوأمة، وطائفة. وعنه: الشافعي ـ وكان حسن الرأي فيه ـ ويحيى بن آدم، وابن عرفة. وروى عنه من شيوخه: يزيد بن الهاد. قال البخاري: جهمي، تركه ابن المبارك، والناس. وقال أحمد: قدري، معتزلي جهمي، كل بلاء فيه. وقال يحيى القطان: كذاب. ت سنة ١٨٤هـ. الكاشف: ١/٤٨. ون التهذيب: ١/١٧٦. وقال في التقريب: متروك..
٥٧ - إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. عن: عمه أنس، وأبيه، وعدة. وعنه: مالك، وابن عيينة. حجة. ت سنة ١٣٤هـ. الكاشف: ١/٦٥. ون التهذيب: ١/٢٥٦. وقال في التقريب: ثقة حجة..
٥٨ - عمر بن عبد العزيز الأموي أمير المؤمنين معروف..
٥٩ - لم أقف عليه..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨٣:٢٥- قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى اَلذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ﴾ ثم أبان أن هذه الأيام : شهر رمضان بقوله تعالى :﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ اَلذِى أُنزِلَ فِيهِ اِلْقُرْءَانُ ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾. وكان بينا في كتاب الله عز وجل أنه لا يجب صومٌ إلا صوم شهر رمضان. وكان علم شهر رمضان ـ عند من خوطب باللسان ـ أنه الذي بين شعبان وشوال.
قال : فلمَّا أَعْلَمَ الله الناس : أن فرض الصوم عليهم شهر رمضان، وكانت الأعاجم١ تعد الشهور بالأيام، لا بالأهِلَّة، وتذهب : إلى أن الحساب ـ إذا عدت الشهور بالأهلة ـ يختلف.
فأبان الله تعالى : أن الأهلة هي المواقيت للناس والحج ؛ وذكر الشهور فقال :﴿ إِنَّ عِدَّةَ اَلشُّهُورِ عِندَ اَللَّهِ اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اِللَّهِ ﴾٢ فدل على أن الشهور للأهلة، إذ جعلها المواقيت، لا ما ذهبت إليه الأعاجم : من العدد بغير الأهلة.
ثم بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، على ما أنزل الله عز وجل : وبيَّن : أَنَّ الشَّهرَ : تِسْعٌ وعِشرُون٣، يعني أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين. وذلك أنهم قد يكونون يعلمون أن الشهر يكون ثلاثين، فأعلمهم أنه قد يكون تسعا وعشرين وأعلمهم أن ذلك للأهلة. ( أحكام الشافعي : ١/١٠٥-١٠٦. ون الرسالة ص : ٢٧-٢٨. وص : ١٥٧-١٥٨. ومعرفة السنن والآثار : ٣/٣٤٢. )
ــــــــــــ

٢٦-
قال الشافعي : وفرض الله تعالى الصوم فقال :﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اَخَرَ وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ ﴾٤ قيل : يطيقونه : كانوا يطيقونه ثم عجزوا عنه، فعليهم في كل يوم طعام مسكين. ( اختلاف الحديث : ٥٦١. ون أحكام الشافعي : ١/١٠٨. )
ــــــــــــ

٢٧-
قال الشافعي : وصوم شهر رمضان واجب على كل بالغ من رجل وامرأة وعبدٍ ؛ ومن احتلم من الغلمان، أو أسلم من الكفار، بعد أيام من شهر رمضان، فإنهما يستقبلان الصوم ولا قضاء عليهما فيما مضى. وأحِبُّ للصَّائِمِ أن يُنَزِّهَ صيامه عن اللَّغَطِ٥ القبيح والمشاتمة٦، وإن شُوتِمَ أن يقول : إني صائم للخبر في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم٧ قال : والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم ويقدر على الكفارة٨، يتصدق عن كل يوم بمد٩ من حِنْطَةٍ١٠. وروي عن ابن عباس في قوله عز وجل :﴿ وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ ﴾ قال : المرأة الهِمُّ١١ والشيخ الكبير الهِمُّ يفطران ويطعمان لكل يوم مسكينا١٢.
قال الشافعي : وغيره من المفسرين يقرؤونها١٣ :﴿ يُطِيقُونَهُ ﴾١٤، وكذلك نقرأها، ونزعم أنها نزلت حين نزل فرض الصوم ثُمَّ نُسِخَ١٥ ذلك. قال : وآخر الآية يدل على هذا المعنى، لأن الله عز وجل قال :﴿ فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا ﴾١٦ فزاد على مسكين ﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ﴾١٧ ثم قال :﴿ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمُ ﴾١٨.
قال : فلا يَأمر بالصيام من لا يطيقه، ثم بين فقال :﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾١٩ وإلى هذا نذهب وهو أشبه بظاهر القرآن. ( مختصر المزني : ٥٨-٥٩. )
ـــــــــــــــ

٢٨-
قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه في فرض الصوم :﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ اَلذِى أُنزِلَ فِيهِ اِلْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ اَلْهُدى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اَخَرَ ﴾٢٠ فكان بينا في الآية أنه فرض عليهم عِدَّة فجعل لهم أن يفطروا فيها مرضى ومسافرين ويُحْصُوا حتى يكملوا العدة، وأخبر أنه أراد بهم اليُسر.
قال الشافعي : وكان قول الله :﴿ وَمَن كَانَ مَرِيضًا اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اَخَرَ ﴾٢١ يحتمل معنيين : أحدهما : أن لا يجعل عليهم صوم شهر رمضان مرضى ولا مسافرين، ويجعل عليهم عددا إذا مضى المرض والسفر من أيام أخر. ويحتمل أن يكون إنما أمرهم بالفطر في هاتين الحالتين على الرخصة إن شاؤوا لئلا يُحرَجُوا إن فعلوا.
وكان فرض الصوم والأمر بالفطر في المرض والسفر في آية واحدة، ولم أعلم مخالفا أن كل آية إنما أنزلت متتابعة لا متفرقة، وقد تنزل الآيتان في السورة متفرقتين فأما آية فلا. لأن معنى الآية : أنها كلام واحد غير منقطع يستأنف بعده غيره، فلم يختلفوا كما وصفت أن آية لم تنزل إلا معا لا مفترقة. فدلت سنة رسول الله على أن أمر الله المريض والمسافر بالفطر إرخاصا لهما لئلا يحرجا إن فعلا، لأنهما يجزيهما أن يصوما في تينك الحالتين شهر رمضان، لأن الفطر في السفر لو كان غير رخصة لمن أراد الفطر فيه لم يصم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا مالك، عن الزهري٢٢، عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة٢٣، عن ابن عباس : أن رسول الله خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكَدِيدَ٢٤ ثم أفطر فأفطر الناس معه. وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ٢٥.
أخبرنا عبدُ العزيز بن محمد٢٦، عن عُمَارَةَ بن غَزِيَّة٢٧،
عن محمد بن عبد الرحمان٢٨، أن عبد الله بن سعد بن معاذ٢٩ قال : قال جابر بن عبد الله : كنا مع رسول الله زمان غزوة تبوك٣٠، ورسول الله يسير بعد أن أضحى، إذا هو بجماعة في ظل شجرة فقال :« من هذه الجماعة ؟ » قالوا : رجل صائم أجْهَدَهُ الصوم، أو كلمة نحو هذه، فقال رسول الله :« ليس من البر٣١ أن تصوموا في السفر٣٢ »٣٣.
أخبرنا سفيان عن الزهري عن صفوان بن عبد الله٣٤ عن أمِّ الدَّرْدَاء٣٥ عن كعب بن عاصم الأشعري٣٦ أن رسول الله قال للصائم في السفر :« ليس من البر أن تصوموا في السفر »٣٧.
أخبرنا مالك، عن سُمَيٍّ مولى أبي بكر٣٨، عن أبي بكر بن عبد الرحمن٣٩، عن بعض أصحاب رسول الله : أن النبي أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال :« تقووا للعدو ». قال أبو بكر : قال الذي حدثني : لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بالعَرْجِ٤٠ يصب فوق رأسه الماء من العطش أو من الحر، فقيل يا رسول الله ! إن طائفة من الناس قد صاموا حين صُمت، فلما كان رسول الله بالكديد، دعا بقدح فشرب، فأفطر الناس٤١.
أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن جعفر بن محمد٤٢، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ كُرَاعَ الغَمِيمِ٤٣، فصام الناس معه. فقيل له : يا رسول الله ! إن الناس قد شق عليهم الصيام، فدعا بقدح من ماء ـ بعد العصر ـ فشرب والناس ينظرون، فأفطر بعض الناس وصام بعضهم، فبلغه أن أناسا قد صاموا فقال :
« أولئك العصاة »٤٤. وفي حديث الثقة غير الدراوردي، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر : فخرج رسول الله عام الفتح في رمضان إلى مكة، فصام، وأمر الناس أن يفطروا وقال :« تقووا بعددكم على عدوكم » فقيل له : إن الناس أبوا أن يفطروا حين صمت، فدعا بقدح من ماء فشربه. ثم ساق الحديث.
أخبرنا الثقة، عن حميد٤٥، عن أنس بن مالك قال :« سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنا الصائم ومنَّا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم »٤٦.
أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنَّ حمزةَ بن عمرٍو الأسلمي٤٧ قال : يا رسول الله ! أصوم في السفر ؟ ـ وكان كثير الصيام ـ فقال رسول الله :« إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر »٤٨.
قال الشافعي رحمه الله : فقال قائل من أهل الحديث : ما تقول في صوم شهر رمضان، والواجب غيره، والتطوع في السفر والمرض ؟ قلت : أحب صوم شهر رمضان في السفر والمرض، إن لم يكن يجهد المريض ويزيد في مرضه، والمسافر، فيخاف منه المرض، فلهما معا الرخصة فيه. ( اختلاف الحديث : ٤٩٢-٤٩٣. ون أحكام الشافعي ١/١٠٦-١٠٨. ومعرفة السنن والآثار : ٣/٣٨٨-٣٩٣. )
ـــــــــــــ

٢٩-
قال الشافعي رحمه الله تعالى : من أفطر أياما من رمضان، من عذر مرض، أو سفر، قضاهن في أي وقت ما شاء، في ذي الحجة أو غيرها، وبينه وبين أن يأتي عليه رمضان آخر متفرقات أو مجتمعات، وذلك أن الله عز وجل يقول :﴿ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اَخَرَ ﴾٤٩ ولم يذكرهن متتابعات.
وقد بلغنا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :« إذا أحصيت العدة فصمهن كيف شئت »٥٠. قال : وصوم كفارة اليمين متتابع٥١، والله أعلم.
فإن مرض، أو سافر المفطر، فلم يصح، ولم يقدر حتى يأتي عليه رمضان آخر، قضاهن، ولا كفارة. وإن فرط وهو يمكنه أن يصوم حتى يأتي رمضان آخر، صام الرمضان الذي جاء عليه، وقضاهن، وكفر عن كل يوم بمد حنطة.
قال الشافعي : والحامل والمرضع إذا أطاقتا الصوم، ولم تخافا على ولديهما لم تفطرا، فإن خافتا على ولديهما أفطرتا، وتصدقتا عن كل يوم بمد حنطة٥٢، وصامتا إذا أمنتا على ولديهما.
قال الشافعي : وإن كانتا لا تقدران على الصوم، فهذا مثل المرض أفطرتا، وقضتا بلا كفارة. إنما تكفران بالأثر، وأنهما لم تفطرا لأنفسهما، إنما أفطرتا لغيرهما، فذلك فرق بينهما وبين المريض لا يُكَفِّرْ. والشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ويقدر على الكفارة يتصدق عن كل يوم بمد حنطة، خبرا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ٥٣، وقياسا على من لم يُطِقِ الحج أن يحج عنه غيره، وليس عمل غيره عنه عمل نفسه، كما ليس الكفارة كعمله.
قال الشافعي : والحال التي يترك بها الكبير الصوم، أن يكون يجهده الجهد غير المحتمل، وكذلك المريض والحامل. ( الأم : ٢/١٠٣-١٠٤. ون الأم : ٧/٦٦ ومختصر المزني ص : ٢٩٣. )
ــــــــــ

٣٠-
قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى في سياق شهر رمضان :﴿ وَلِتُكْمِلُوا اَلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اَللَّهَ عَلَى مَا هَدياكُمْ ﴾٥٤. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه ـ يعني الهلال ـ فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين »٥٥.
قال الشافعي : وإذا صام الناس شهر رمضان برؤية، أو شاهدين عدلين على رؤية، ثم صاموا ثلاثين يوما، ثم غم عليهم الهلال، أفطروا ولم يريدوا شهودا.
قال : وإن صاموا تسعة وعشرين يوما، ثم غم عليهم، لم يكن لهم أن يفطروا حتى يكملوا ثلاثين، أو يشهد شاهدان عدلان برؤيته ليلة ثلاثين.
قال الشافعي : يقبل فيه شاهدان عدلان في جماعة الناس، ومنفردين، ولا يقبل على الفطر أقل من شاهدين عدلين، ولا في مقطع حقٍّ، لأن الله تعالى أمر بشاهدين، وشرط العدل في الشهود.
أخبرنا إبراهيم بن محمد٥٦، عن إسحاق بن عبد الله٥٧، عن عمر بن عبد العزيز٥٨ : أنه كان لا يجيز في الفطر إلا شاهدين٥٩. ( الأم : ١/٢٢٩. )
ـــــــــــــ
٣١- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى في شهر رمضان :﴿ وَلِتُكْمِلُوا اَلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اَللَّهَ عَلَى مَا هَدياكُمْ ﴾٦
١ - أعاجم أو عجم كل من كان من غير العرب، واحده عجمي وأعجمي. معجم لغة الفقهاء..
٢ - التوبة: ٣٦..
٣ - أخرجه مسلم في الصيام (١٣) باب: الشهر يكون تسعا وعشرين (٤)(ر١٠٨٣ و ١٠٨٤ و ١٠٨٥).
وأخرجه أبو داود في الصوم (٨)باب: الشهر يكون تسعا وعشرين (٤)(ر٢٣٢٠).
وأخرجه الترمذي في الصوم (٥) باب: ما جاء أن الشهر يكون تسعا وعشرين (٦)(ر٦٨٩ و ٦٩٠).
وأخرجه ابن ماجة في الصيام (٢٢) باب: (١٤-١٥)(ر٢١٣٠ و ٢١٣١ و ٢١٣٢).
والشافعي في المسند (ر٧٢٠)..

٤ - البقرة: ١٨٤..
٥ - اللغْط واللغَط: الأصوات المبهمة المختلطة والْجَلَبَةُ لا تفهم، صوت وضجة لا يفهم معناه. اللسان لغط. واللغط القبيح الكلام الذي لا خير فيه ولا طائل من تحته..
٦ - الشتم: السب. والمشاتمة المسابَّة. الصحاح: شتم..
٧ - أخرجه البخاري في الصوم (٣٦) باب: هل يقول إني صائم إذا شتم (٩) (ر١٨٠٥).
وأخرجه مسلم في الصيام (١٣) باب: حفظ اللسان للصائم (٢٩)(ر١١٥١)..

٨ - الكفارة ما يستغفر به الآثم من صدقة، وصوم، ونحو ذلك. وقد حددت الشريعة أنواعا من الكفارة منها: كفارة اليمين، وكفارة الصوم، وكفارة لترك بعض مناسك الحج. القاموس الفقهي..
٩ - الْمُدُّ: مكيال، وهو رطْل وثلث عند أهل الحجاز والشافعي، ورطلان عند أهل العراق وأبي حنيفة، والصاع أربعة أمداد. اللسان: مدد..
١٠ - الحنطة: الْبُرُّ، والجمع حِنَطٌ. الصحاح: حنط..
١١ - هكذا في جميع النسخ ( كتبه مصححه ). والهِمُّ بالكسر الشيخ الفاني، والمرأة هِمَّةٌ. الصحاح: همم..
١٢ - رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الصيام باب: الحامل والمرضع بلفظ مغاير: ٤/٢٣٠..
١٣ - قال ابن جرير: فإن قراءة كافة المسلمين: ﴿وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُو﴾، وعلى ذلك خطوط مصاحيفهم. وهي القراءة التي لا يجوز لأحد من أهل الإسلام خلافها، لنقل جميعهم تصويب ذلك قرنا عن قرن. وكان ابن عباس يقرؤها في ما روي عنه: ﴿ وَعَلَى اَلذِينَ يُطَوَّقُونَهُ﴾ ن تفسير الطبري ٢/١٣٨. وقال ابن جني: ومن ذلك قراءة ابن عباس بخلاف، وعائشة رحمهما الله، وسعيد بن المسيب، وطاوس بخلاف، وسعيد بن جبير، ومجاهد بخلاف، وعكرمة، وأيوب السختياني، وعطاء: ﴿يُطَوَّقُونَهُ﴾. وقرا ﴿يَطَّوَّقُونَهُ﴾على معنى: يتطوقونه، مجاهد. ورويت عن ابن عباس، وعن عكرمة. وقرا ﴿يَطَّيَّقُونَهُ﴾ ابن عباس بخلاف، وكذلك مجاهد وعكرمة. وقرا ﴿يُطَيِّقُونَهُ﴾ ابن عباس بخلاف. المحتسَب: ١/٢٠٦..
١٤ - البقرة: ١٨٤. وطاق يطوق طوقا، وأطاق يطيق إطاقة وطاقة كما يقال: طاع يطوع طوعا وأطاع يطيع إطاعة وطاعة. والطوق والطاقة وهو في طوقي أي في وسعي. اللسان: طوق..
١٥ - متفق عليه من حديث سلمة قال: لما نزلت ﴿ وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُو فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ﴾ كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها. اللؤلؤ والمرجان كتاب الصيام (١٣) باب: نسخ قوله تعالى ﴿ وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُو فِدْيَةُ ﴾ بقوله ﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (ر٧٠٢). ون أقوال المفسرين حول الآية في تفسير الطبري ٢/١٣٨-١٤٢..
١٦ - البقرة: ١٨٤..
١٧ - البقرة: ١٨٤..
١٨ - البقرة: ١٨٤..
١٩ - البقرة: ١٨٥..
٢٠ - البقرة: ١٨٥..
٢١ - البقرة: ١٨٥..
٢٢ - محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري أبو بكر، أحد الأعلام. عن: ابن عمر، وأنس، وسهل، وابن المسيب. وحديثه عن أبي هريرة في الترمذي، وعن رافع بن خديج في النسائي وذلك مرسل. وعنه: يونس، وعقيل، ومعمر، والزبيدي، وشعيب، ومالك، وابن عيينة. قال ابن المديني: له نحو ألفي حديث. وقال أبو داود: أسند أكثر من ألف، وحديثه ألفان ومائتا حديث نصفها مسندة. ت في رمضان سنة ١٢٤هـ. الكاشف: ٣/٧٨. ون وفيات الأعيان: ٤/١٧٧. والتهذيب: ٧/٤٢٠. وقال في التقريب: فقيه حافظ متفق على جلالته وإتقانه..
٢٣ - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الفقيه الأعمى. عن: عائشة، وأبي هريرة، وابن عباس. وعنه: الزهري، وأبو الزناد، وصالح بن كيسان. وهو معلم عمر بن عبد العزيز، وكان من بحور العلم. ت سنة: ٩٨هـ. الكاشف: ٢/٢٢٢. ون الطبقات الكبرى: ٥/٢٥٠. والتهذيب: ٥/٣٨٥. وقال في التقريب: ثقة فقيه ثبت..
٢٤ - الكديد: ماء بين الحرمين شرفهما الله تعالى. القاموس المحيط: الكد..
٢٥ - أخرجه البخاري في المغازي (٦٧) باب: غزوة الفتح في رمضان (٤٥)(ر٤٠٢٦ و ٤٠٢٧).
وأخرجه مسلم في الصيام (١٣) باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر (١٥) (ر١١١٣).
ومالك في الصيام، والدارمي في الصوم، والبيهقي في الصيام، والشافعي في المسند (ر٧١٧)..

٢٦ - عبد العزيز بن محمد الدراوردي أبو محمد. عن: صفوان بن سليم، وزيد بن أسلم. وعنه: ابن حجر، ويعقوب الدورقي. قال ابن معين: هو أحب إلي من فليح. وقال أبو زرعة: سيء الحفظ. ت سنة ١٨٧هـ. الكاشف: ٢/١٩٥. ون التهذيب: ٥/٢٥٤. وقال في التقريب: صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ. قال النسائي حديثه عن عبيد الله العمري منكر. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٣٧١ فقال: بل ثقة، وثقه مالك، وابن معين، ويعقوب بن سفيان، وابن سعد، والعجلي، وذكره ابن حبان في «الثقات». وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال في موضع آخر ليس به بأس. وقال أبو زرعة: سيئ الحفظ فربما حدث من حفظه الشيء فيخطئ، ولكنه فضله في موضع آخر على فليح بن سليمان وابن أبي الزناد. وكتاب الدراوردي صحيح كما قال الإمام أحمد وغيره، لكنه كان يغلط في أحاديث عبد الله بن عمر العمري الضعيف، فيجعلها عن عبيد الله بن عمر الثقة، ومن أجل هذا الأمر تكلم فيه من تكلم، فيلاحظ هذا. وباقي حديثه صحيح..
٢٧ - عمارة بن غزية المازني. عن: أنس، وأبي صالح، وعباد بن تميم. وعنه: وهيب، والدراوردي، وعدة. ت سنة: ١٤٠هـ. الكاشف: ٢/٢٩٥. ون التهذيب: ٦/٢٧. وقال في التقريب: لا بأس به، وروايته عن أنس مرسلة. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٦٥ فقال: بل ثقة، فقد وثقه أحمد بن حنبل، وأبو زرعة الرازي، وابن سعد، والعجلي، والدارقطني. وقال ابن معين والنسائي: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: ما بحديثه بأس، كان صدوقا. وذكره ابن حبان، وابن شاهين في «الثقات». ولا نعلم فيه جرحا سوى تضعيف ابن حزم له، وهو شبه لا شيء، فلا يعتد به..
٢٨ - سبقت ترجمته وهو محمد بن عبد الرحمان بن المغيرة بن أبي ذئب أبو الحارث العامري..
٢٩ - عبد الله بن سعد بن معاد الأشهلي، ابن سيد الأوس. ذكر العدوي في النسب أن له صحبة، ولا عقب له. واستدركه الجياني وتبعه ابن فتحون، وابن الأثير. الإصابة: ٤/١١٢..
٣٠ - غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك في رجب سنة تسع من مُهَاجَرِه. الطبقات الكبرى: ٢/١٦٥..
٣١ - أي: ليس من الطاعة والعبادة التي ترضي الله عز وجل..
٣٢ - أي: إذا بلغ الصائم هذا المبلغ من المشقة والضرر..
٣٣ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان كتاب الصيام (١٣) باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية إذا كان سفره مرحلتين فأكثر (١٥)(ر٦٨١). وأبو داود، والنسائي، والدارمي، والبيهقي، كلهم في الصيام، والشافعي في المسند (ر٧١٨)..
٣٤ - صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف. عن: جده، وعلي، وأبي الدرداء. وعنه: الزهري، وأبو الزبير. وُثِّق. الكاشف: ٢/٢٩. ون التهذيب: ٤/٥٣. وقال في التقريب ثقة..
٣٥ - أم الدرداء الصغرى جُهيمة، ويقال: جهيمة بنت حيي الأوصابية الحمرية. عن: زوجها، وسلمان، وعبادة. وعنها: مكحول، ويونس بن مسيرة، وزيد بن أسلم. فقيهة كبيرة القدر، بقيت إلى بعد الثمانين الكاشف: ٣/٤٣٣. ون التهذيب: ١٠/٥١٨. وقال في التقريب ثقة فقيهة..
٣٦ - كعب بن عاصم الأشعري صحابي. عنه: أم الدرداء في الصيام. الكاشف: ٢/٣٩٩. ون الإصابة: ٥/٥٩٧. والتهذيب: ٦/٥٧٥. وقال في التقريب: صحابي..
٣٧ - رواه ابن ماجة في الصيام (٧) باب: ما جاء في الإفطار في السفر (١١)(ر١٦٦٤). والدارمي في الصوم (٤) باب: الصوم في السفر (١٥)(ر١٦٦٢ و ١٦٦٣). وأحمد في مسنده من حديث كعب بن عاصم الأشعري. قال شاكر: إسناده صحيح. والبيهقي في: السنن الكبرى كتاب الصيام باب: تأكيد الفطر في السفر إذا كان يجهده الصوم: ٤/٢٤٢. والشافعي في المسند (ر٧١٩)..
٣٨ - سُمَي. عن: مولاه أبي بكر بن عبد الرحمن، وابن المسيب. وعنه: مالك، وورق، وورقاء بن عمر. قتل يوم قديد سنة ١٣٠هـ. الكاشف: ١/٣٥٦. ون التهذيب: ٣/٥٢٤. وقال في التقريب: ثقة..
٣٩ - أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، أحد الفقهاء السبعة. عن: أبي هريرة، وعائشة. وعنه: بنوه، والزهري. ولد زمن عمر، وكُفَّ بآخره، ويسمى الراهب، شريف نبيل، ت سنة: ١٩٢هـ. الكاشف: ٣/٣٠٠. ون التهذيب: ١٠/٣٤. وقال في التقريب: ثقة فقيه عابد..
٤٠ - العرج: قرية جامعة على نحو ثلاث مراحل من المدينة. الموطا ص: ٢٦٢..
٤١ - أخرجه أبو داود في الصوم (٨) باب: الصائم يصب عليه الماء من العطش (٢٧) (ر٢٣٦٥). ومالك في الصيام (١٨) باب: ما جاء في الصيام في السفر (٧) (ر٢٢). وأحمد في المسند من حديث بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال شاكر: إسناده صحيح. والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الصيام باب: تأكيد الفطر في السفر إذا كان يريد لقاء العدو: ٤/٢٤٢. والشافعي في المسند (ر٧١٦)..
٤٢ - جعفر بن محمد الصادق أبو عبد الله، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. فكان يقول: ولدني الصديق مرتين. سمع أباه، والقاسم، وعطاء. وعنه: شعبة، والقطان، وقال: في نفسي منه شيء. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حنيفة: ما رأيت أفقه منه، وقد دخلني له من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور. ت سنة: ١٤٨هـ. وله ثمان وستون سنة الكاشف: ١/١٣٩. ون وفيات الأعيان: ١/٣٢٧. والتهذيب: ٢/٦٨. وقال في التقريب: صدوق فقيه إمام..
٤٣ - كراع الغميم: الكراع ما سال من أنف الجبل، وكراع كل شيء طرفه، وهو عند جبل أسود بطرف وادي الغميم وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال. صحيح مسلم ٢/٧٨٤..
٤٤ - أخرجه مسلم في الصيام (١٣) باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر (١٥)(ر١١١٤).
وأخرجه الترمذي في الصوم (٥) باب: ما جاء في كراهية الصوم في السفر (١٨)(ر٧١٠).
وأخرجه النسائي في الصيام (٢٢) باب: ذكر اسم الرجل (٤٩)(ر٢٢٦٢) والبيهقي في الصيام، والشافعي في المسند (ر٧١٢)..

٤٥ - حُميد بن تبر الطويل، أبو عبيدة البصري، مولى طلحة الطلحات الخزاعي، ويقال: الدارمي. عن: أنس، والحسن. وعنه: شعبة، والقطان. وكان طوله في يديه. مات وهو قائم يصلي سنة ١٤٢هـ. وثقوه، يدلس عن أنس. الكاشف: ١/٢١٣. ون التهذيب: ٢/٤٥١. وقال في التقريب: ثقة مدلس. وتعقبه صاحب التحرير ١/٣٢٦. فقال: قوله: «مدلس» على الإطلاق فيه نظر، وإنما وصف بالتدليس في روايته عن أنس، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث إلا أنه ربما دلس عن أنس. ولفظ «ربما» يدل على التقليل، وهذا صحيح، فقد صرح بسماعه من أنس بشيء كثير، وفي «صحيح البخاري» جملة وافرة من ذلك، وبعض ما دلسه عن أنس إنما سمعه من ثابت البناني ـ وهو ثقة ـ فيكون حديثه عن أنس صحيحا سواء صرح بسماعه منه أو لم يصرح، طالما تبين أن الواسطة فيها ـ وهو ثابت البناني ـ ثقة. وقد تتبعنا جملة أحاديث رواها حميد عن أنس بالعنعنة في «مسند أبي يعلى» والكثير منها مخرج في «الصحيح»، وقد صرح فيها بالتحديث عن أنس. فمن يجهل ذلك يضعفها بالتدليس..
٤٦ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان كتاب الصيام (١٣) باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر (١٥) (ر٦٨٢). ورواه أبو داود ومالك، وأحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٧١٠)..
٤٧ - حمزة بن عمرو الأسلمي له صحبة. عنه: إبنه محمد، وسليمان بن بشار. بشر الصديق بوقعة أجنادين. ت سنة ٦١هـ. الكاشف: ١/٢١١. ون التهذيب: ٢/٤٤٤. والإصابة: ٢/٢١٥. والطبقات الكبرى: ٤/٣١٥..
٤٨ - رواه البخاري في الصيام (٣٦) باب: الصوم في السفر والإفطار (٣٣) (ر١٨٤١).
ورواه مسلم في الصيام (١٣) باب: التخيير في الصوم والفطر في السفر (١٧) (ر١١٢١).
ورواه أصحاب السنن، ومالك، وأحمد، والدارمي، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٧٠٩)..

٤٩ - البقرة: ١٨٤..
٥٠ - لم أجده بنصه، ورواه البيهقي بنحوه مرسلا عن رافع بن خُديج، وموقوفا عن معاد بن جبل ولفظه: « أحص العدة وصم كيف شئت » السنن الكبرى: كتاب الصيام باب: قضاء شهر رمضان: ٤/٢٥٨..
٥١ - في نسخة سراج الدين البلقيني هنا ما نصه: « قال شيخنا شيخ الإسلام: ما ذكره الشافعي هنا من أن صوم كفارة اليمين متتابع هو أحد قوليه، والقول الآخر أنه لا يجب التتابع في كفارة اليمين، وهو مشهور معتمد في الفتوى » انتهى. كتبه مصححه..
٥٢ - روى مالك في الصيام (١٨) باب: فدية من أفطر في رمضان من علة (١٩) (ر٥٢) أنه بلغه: أن عبد الله بن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها واشتد عليها الصيام؟ قال: تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة بمد النبي صلى الله عليه وسلم. قال مالك: وأهل العلم يرون عليها القضاء كما قال الله عز وجل: ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اَخَرَ﴾ ويرون ذلك مرضا من الأمراض مع الخوف على ولدها.
وروى أبو داود في الصوم (٨) باب: نسخ قوله تعالى: ﴿وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُو فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ﴾ (٢)(ر٢٣١٧) أن ابن عباس قال: أثبتت للحبلى والمرضع..

٥٣ - روى مالك في نفس الكتاب والباب (ر٥١) أنه بلغه: أن أنس بن مالك كبر حتى كان لا يقدر على الصيام فكان يفتدي. قال مالك: ولا أرى ذلك واجبا، وأحب إلي أن يفعله إذا كان قويا عليه، فمن فدى، فإنما يطعم مكان كل يوم مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم..
٥٤ - البقرة: ١٨٥..
٥٥ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان كتاب الصيام (١٣) باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال (٢) (ر٦٥٣). وأبو داود في الصوم (٨) باب: الشهر يكون تسعا وعشرين (٤) (ر٢٣٢٠). ومالك في أول الصيام (١٨) باب: ما جاء في رؤية الهلال (ر١ و ٢ و ٣). والشافعي في المسند (ر٧٢٠)..
٥٦ - إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى سمعان. ودلسه ابن جريج فقال: إبراهيم بن محمد بن أبي عطاء المدني مولى الأسلميين. عن: الزهري، وصالح مولى التوأمة، وطائفة. وعنه: الشافعي ـ وكان حسن الرأي فيه ـ ويحيى بن آدم، وابن عرفة. وروى عنه من شيوخه: يزيد بن الهاد. قال البخاري: جهمي، تركه ابن المبارك، والناس. وقال أحمد: قدري، معتزلي جهمي، كل بلاء فيه. وقال يحيى القطان: كذاب. ت سنة ١٨٤هـ. الكاشف: ١/٤٨. ون التهذيب: ١/١٧٦. وقال في التقريب: متروك..
٥٧ - إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. عن: عمه أنس، وأبيه، وعدة. وعنه: مالك، وابن عيينة. حجة. ت سنة ١٣٤هـ. الكاشف: ١/٦٥. ون التهذيب: ١/٢٥٦. وقال في التقريب: ثقة حجة..
٥٨ - عمر بن عبد العزيز الأموي أمير المؤمنين معروف..
٥٩ - لم أقف عليه..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨٤:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨٣:٢٥- قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى اَلذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ﴾ ثم أبان أن هذه الأيام : شهر رمضان بقوله تعالى :﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ اَلذِى أُنزِلَ فِيهِ اِلْقُرْءَانُ ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾. وكان بينا في كتاب الله عز وجل أنه لا يجب صومٌ إلا صوم شهر رمضان. وكان علم شهر رمضان ـ عند من خوطب باللسان ـ أنه الذي بين شعبان وشوال.
قال : فلمَّا أَعْلَمَ الله الناس : أن فرض الصوم عليهم شهر رمضان، وكانت الأعاجم١ تعد الشهور بالأيام، لا بالأهِلَّة، وتذهب : إلى أن الحساب ـ إذا عدت الشهور بالأهلة ـ يختلف.
فأبان الله تعالى : أن الأهلة هي المواقيت للناس والحج ؛ وذكر الشهور فقال :﴿ إِنَّ عِدَّةَ اَلشُّهُورِ عِندَ اَللَّهِ اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اِللَّهِ ﴾٢ فدل على أن الشهور للأهلة، إذ جعلها المواقيت، لا ما ذهبت إليه الأعاجم : من العدد بغير الأهلة.
ثم بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، على ما أنزل الله عز وجل : وبيَّن : أَنَّ الشَّهرَ : تِسْعٌ وعِشرُون٣، يعني أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين. وذلك أنهم قد يكونون يعلمون أن الشهر يكون ثلاثين، فأعلمهم أنه قد يكون تسعا وعشرين وأعلمهم أن ذلك للأهلة. ( أحكام الشافعي : ١/١٠٥-١٠٦. ون الرسالة ص : ٢٧-٢٨. وص : ١٥٧-١٥٨. ومعرفة السنن والآثار : ٣/٣٤٢. )
ــــــــــــ


٢٦-
قال الشافعي : وفرض الله تعالى الصوم فقال :﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اَخَرَ وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ ﴾٤ قيل : يطيقونه : كانوا يطيقونه ثم عجزوا عنه، فعليهم في كل يوم طعام مسكين. ( اختلاف الحديث : ٥٦١. ون أحكام الشافعي : ١/١٠٨. )
ــــــــــــ


٢٧-
قال الشافعي : وصوم شهر رمضان واجب على كل بالغ من رجل وامرأة وعبدٍ ؛ ومن احتلم من الغلمان، أو أسلم من الكفار، بعد أيام من شهر رمضان، فإنهما يستقبلان الصوم ولا قضاء عليهما فيما مضى. وأحِبُّ للصَّائِمِ أن يُنَزِّهَ صيامه عن اللَّغَطِ٥ القبيح والمشاتمة٦، وإن شُوتِمَ أن يقول : إني صائم للخبر في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم٧ قال : والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم ويقدر على الكفارة٨، يتصدق عن كل يوم بمد٩ من حِنْطَةٍ١٠. وروي عن ابن عباس في قوله عز وجل :﴿ وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ ﴾ قال : المرأة الهِمُّ١١ والشيخ الكبير الهِمُّ يفطران ويطعمان لكل يوم مسكينا١٢.
قال الشافعي : وغيره من المفسرين يقرؤونها١٣ :﴿ يُطِيقُونَهُ ﴾١٤، وكذلك نقرأها، ونزعم أنها نزلت حين نزل فرض الصوم ثُمَّ نُسِخَ١٥ ذلك. قال : وآخر الآية يدل على هذا المعنى، لأن الله عز وجل قال :﴿ فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا ﴾١٦ فزاد على مسكين ﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ﴾١٧ ثم قال :﴿ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمُ ﴾١٨.
قال : فلا يَأمر بالصيام من لا يطيقه، ثم بين فقال :﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾١٩ وإلى هذا نذهب وهو أشبه بظاهر القرآن. ( مختصر المزني : ٥٨-٥٩. )
ـــــــــــــــ


٢٨-
قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه في فرض الصوم :﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ اَلذِى أُنزِلَ فِيهِ اِلْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ اَلْهُدى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اَخَرَ ﴾٢٠ فكان بينا في الآية أنه فرض عليهم عِدَّة فجعل لهم أن يفطروا فيها مرضى ومسافرين ويُحْصُوا حتى يكملوا العدة، وأخبر أنه أراد بهم اليُسر.
قال الشافعي : وكان قول الله :﴿ وَمَن كَانَ مَرِيضًا اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اَخَرَ ﴾٢١ يحتمل معنيين : أحدهما : أن لا يجعل عليهم صوم شهر رمضان مرضى ولا مسافرين، ويجعل عليهم عددا إذا مضى المرض والسفر من أيام أخر. ويحتمل أن يكون إنما أمرهم بالفطر في هاتين الحالتين على الرخصة إن شاؤوا لئلا يُحرَجُوا إن فعلوا.
وكان فرض الصوم والأمر بالفطر في المرض والسفر في آية واحدة، ولم أعلم مخالفا أن كل آية إنما أنزلت متتابعة لا متفرقة، وقد تنزل الآيتان في السورة متفرقتين فأما آية فلا. لأن معنى الآية : أنها كلام واحد غير منقطع يستأنف بعده غيره، فلم يختلفوا كما وصفت أن آية لم تنزل إلا معا لا مفترقة. فدلت سنة رسول الله على أن أمر الله المريض والمسافر بالفطر إرخاصا لهما لئلا يحرجا إن فعلا، لأنهما يجزيهما أن يصوما في تينك الحالتين شهر رمضان، لأن الفطر في السفر لو كان غير رخصة لمن أراد الفطر فيه لم يصم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا مالك، عن الزهري٢٢، عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة٢٣، عن ابن عباس : أن رسول الله خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكَدِيدَ٢٤ ثم أفطر فأفطر الناس معه. وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ٢٥.
أخبرنا عبدُ العزيز بن محمد٢٦، عن عُمَارَةَ بن غَزِيَّة٢٧،
عن محمد بن عبد الرحمان٢٨، أن عبد الله بن سعد بن معاذ٢٩ قال : قال جابر بن عبد الله : كنا مع رسول الله زمان غزوة تبوك٣٠، ورسول الله يسير بعد أن أضحى، إذا هو بجماعة في ظل شجرة فقال :« من هذه الجماعة ؟ » قالوا : رجل صائم أجْهَدَهُ الصوم، أو كلمة نحو هذه، فقال رسول الله :« ليس من البر٣١ أن تصوموا في السفر٣٢ »٣٣.
أخبرنا سفيان عن الزهري عن صفوان بن عبد الله٣٤ عن أمِّ الدَّرْدَاء٣٥ عن كعب بن عاصم الأشعري٣٦ أن رسول الله قال للصائم في السفر :« ليس من البر أن تصوموا في السفر »٣٧.
أخبرنا مالك، عن سُمَيٍّ مولى أبي بكر٣٨، عن أبي بكر بن عبد الرحمن٣٩، عن بعض أصحاب رسول الله : أن النبي أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال :« تقووا للعدو ». قال أبو بكر : قال الذي حدثني : لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بالعَرْجِ٤٠ يصب فوق رأسه الماء من العطش أو من الحر، فقيل يا رسول الله ! إن طائفة من الناس قد صاموا حين صُمت، فلما كان رسول الله بالكديد، دعا بقدح فشرب، فأفطر الناس٤١.
أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن جعفر بن محمد٤٢، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ كُرَاعَ الغَمِيمِ٤٣، فصام الناس معه. فقيل له : يا رسول الله ! إن الناس قد شق عليهم الصيام، فدعا بقدح من ماء ـ بعد العصر ـ فشرب والناس ينظرون، فأفطر بعض الناس وصام بعضهم، فبلغه أن أناسا قد صاموا فقال :
« أولئك العصاة »٤٤. وفي حديث الثقة غير الدراوردي، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر : فخرج رسول الله عام الفتح في رمضان إلى مكة، فصام، وأمر الناس أن يفطروا وقال :« تقووا بعددكم على عدوكم » فقيل له : إن الناس أبوا أن يفطروا حين صمت، فدعا بقدح من ماء فشربه. ثم ساق الحديث.
أخبرنا الثقة، عن حميد٤٥، عن أنس بن مالك قال :« سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنا الصائم ومنَّا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم »٤٦.
أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنَّ حمزةَ بن عمرٍو الأسلمي٤٧ قال : يا رسول الله ! أصوم في السفر ؟ ـ وكان كثير الصيام ـ فقال رسول الله :« إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر »٤٨.
قال الشافعي رحمه الله : فقال قائل من أهل الحديث : ما تقول في صوم شهر رمضان، والواجب غيره، والتطوع في السفر والمرض ؟ قلت : أحب صوم شهر رمضان في السفر والمرض، إن لم يكن يجهد المريض ويزيد في مرضه، والمسافر، فيخاف منه المرض، فلهما معا الرخصة فيه. ( اختلاف الحديث : ٤٩٢-٤٩٣. ون أحكام الشافعي ١/١٠٦-١٠٨. ومعرفة السنن والآثار : ٣/٣٨٨-٣٩٣. )
ـــــــــــــ


٢٩-
قال الشافعي رحمه الله تعالى : من أفطر أياما من رمضان، من عذر مرض، أو سفر، قضاهن في أي وقت ما شاء، في ذي الحجة أو غيرها، وبينه وبين أن يأتي عليه رمضان آخر متفرقات أو مجتمعات، وذلك أن الله عز وجل يقول :﴿ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اَخَرَ ﴾٤٩ ولم يذكرهن متتابعات.
وقد بلغنا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :« إذا أحصيت العدة فصمهن كيف شئت »٥٠. قال : وصوم كفارة اليمين متتابع٥١، والله أعلم.
فإن مرض، أو سافر المفطر، فلم يصح، ولم يقدر حتى يأتي عليه رمضان آخر، قضاهن، ولا كفارة. وإن فرط وهو يمكنه أن يصوم حتى يأتي رمضان آخر، صام الرمضان الذي جاء عليه، وقضاهن، وكفر عن كل يوم بمد حنطة.
قال الشافعي : والحامل والمرضع إذا أطاقتا الصوم، ولم تخافا على ولديهما لم تفطرا، فإن خافتا على ولديهما أفطرتا، وتصدقتا عن كل يوم بمد حنطة٥٢، وصامتا إذا أمنتا على ولديهما.
قال الشافعي : وإن كانتا لا تقدران على الصوم، فهذا مثل المرض أفطرتا، وقضتا بلا كفارة. إنما تكفران بالأثر، وأنهما لم تفطرا لأنفسهما، إنما أفطرتا لغيرهما، فذلك فرق بينهما وبين المريض لا يُكَفِّرْ. والشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ويقدر على الكفارة يتصدق عن كل يوم بمد حنطة، خبرا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ٥٣، وقياسا على من لم يُطِقِ الحج أن يحج عنه غيره، وليس عمل غيره عنه عمل نفسه، كما ليس الكفارة كعمله.
قال الشافعي : والحال التي يترك بها الكبير الصوم، أن يكون يجهده الجهد غير المحتمل، وكذلك المريض والحامل. ( الأم : ٢/١٠٣-١٠٤. ون الأم : ٧/٦٦ ومختصر المزني ص : ٢٩٣. )
ــــــــــ


٣٠-
قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى في سياق شهر رمضان :﴿ وَلِتُكْمِلُوا اَلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اَللَّهَ عَلَى مَا هَدياكُمْ ﴾٥٤. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه ـ يعني الهلال ـ فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين »٥٥.
قال الشافعي : وإذا صام الناس شهر رمضان برؤية، أو شاهدين عدلين على رؤية، ثم صاموا ثلاثين يوما، ثم غم عليهم الهلال، أفطروا ولم يريدوا شهودا.
قال : وإن صاموا تسعة وعشرين يوما، ثم غم عليهم، لم يكن لهم أن يفطروا حتى يكملوا ثلاثين، أو يشهد شاهدان عدلان برؤيته ليلة ثلاثين.
قال الشافعي : يقبل فيه شاهدان عدلان في جماعة الناس، ومنفردين، ولا يقبل على الفطر أقل من شاهدين عدلين، ولا في مقطع حقٍّ، لأن الله تعالى أمر بشاهدين، وشرط العدل في الشهود.
أخبرنا إبراهيم بن محمد٥٦، عن إسحاق بن عبد الله٥٧، عن عمر بن عبد العزيز٥٨ : أنه كان لا يجيز في الفطر إلا شاهدين٥٩. ( الأم : ١/٢٢٩. )
ـــــــــــــ
٣١- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى في شهر رمضان :﴿ وَلِتُكْمِلُوا اَلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اَللَّهَ عَلَى مَا هَدياكُمْ ﴾٦
١ - أعاجم أو عجم كل من كان من غير العرب، واحده عجمي وأعجمي. معجم لغة الفقهاء..
٢ - التوبة: ٣٦..
٣ - أخرجه مسلم في الصيام (١٣) باب: الشهر يكون تسعا وعشرين (٤)(ر١٠٨٣ و ١٠٨٤ و ١٠٨٥).
وأخرجه أبو داود في الصوم (٨)باب: الشهر يكون تسعا وعشرين (٤)(ر٢٣٢٠).
وأخرجه الترمذي في الصوم (٥) باب: ما جاء أن الشهر يكون تسعا وعشرين (٦)(ر٦٨٩ و ٦٩٠).
وأخرجه ابن ماجة في الصيام (٢٢) باب: (١٤-١٥)(ر٢١٣٠ و ٢١٣١ و ٢١٣٢).
والشافعي في المسند (ر٧٢٠)..

٤ - البقرة: ١٨٤..
٥ - اللغْط واللغَط: الأصوات المبهمة المختلطة والْجَلَبَةُ لا تفهم، صوت وضجة لا يفهم معناه. اللسان لغط. واللغط القبيح الكلام الذي لا خير فيه ولا طائل من تحته..
٦ - الشتم: السب. والمشاتمة المسابَّة. الصحاح: شتم..
٧ - أخرجه البخاري في الصوم (٣٦) باب: هل يقول إني صائم إذا شتم (٩) (ر١٨٠٥).
وأخرجه مسلم في الصيام (١٣) باب: حفظ اللسان للصائم (٢٩)(ر١١٥١)..

٨ - الكفارة ما يستغفر به الآثم من صدقة، وصوم، ونحو ذلك. وقد حددت الشريعة أنواعا من الكفارة منها: كفارة اليمين، وكفارة الصوم، وكفارة لترك بعض مناسك الحج. القاموس الفقهي..
٩ - الْمُدُّ: مكيال، وهو رطْل وثلث عند أهل الحجاز والشافعي، ورطلان عند أهل العراق وأبي حنيفة، والصاع أربعة أمداد. اللسان: مدد..
١٠ - الحنطة: الْبُرُّ، والجمع حِنَطٌ. الصحاح: حنط..
١١ - هكذا في جميع النسخ ( كتبه مصححه ). والهِمُّ بالكسر الشيخ الفاني، والمرأة هِمَّةٌ. الصحاح: همم..
١٢ - رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الصيام باب: الحامل والمرضع بلفظ مغاير: ٤/٢٣٠..
١٣ - قال ابن جرير: فإن قراءة كافة المسلمين: ﴿وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُو﴾، وعلى ذلك خطوط مصاحيفهم. وهي القراءة التي لا يجوز لأحد من أهل الإسلام خلافها، لنقل جميعهم تصويب ذلك قرنا عن قرن. وكان ابن عباس يقرؤها في ما روي عنه: ﴿ وَعَلَى اَلذِينَ يُطَوَّقُونَهُ﴾ ن تفسير الطبري ٢/١٣٨. وقال ابن جني: ومن ذلك قراءة ابن عباس بخلاف، وعائشة رحمهما الله، وسعيد بن المسيب، وطاوس بخلاف، وسعيد بن جبير، ومجاهد بخلاف، وعكرمة، وأيوب السختياني، وعطاء: ﴿يُطَوَّقُونَهُ﴾. وقرا ﴿يَطَّوَّقُونَهُ﴾على معنى: يتطوقونه، مجاهد. ورويت عن ابن عباس، وعن عكرمة. وقرا ﴿يَطَّيَّقُونَهُ﴾ ابن عباس بخلاف، وكذلك مجاهد وعكرمة. وقرا ﴿يُطَيِّقُونَهُ﴾ ابن عباس بخلاف. المحتسَب: ١/٢٠٦..
١٤ - البقرة: ١٨٤. وطاق يطوق طوقا، وأطاق يطيق إطاقة وطاقة كما يقال: طاع يطوع طوعا وأطاع يطيع إطاعة وطاعة. والطوق والطاقة وهو في طوقي أي في وسعي. اللسان: طوق..
١٥ - متفق عليه من حديث سلمة قال: لما نزلت ﴿ وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُو فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ﴾ كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها. اللؤلؤ والمرجان كتاب الصيام (١٣) باب: نسخ قوله تعالى ﴿ وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُو فِدْيَةُ ﴾ بقوله ﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (ر٧٠٢). ون أقوال المفسرين حول الآية في تفسير الطبري ٢/١٣٨-١٤٢..
١٦ - البقرة: ١٨٤..
١٧ - البقرة: ١٨٤..
١٨ - البقرة: ١٨٤..
١٩ - البقرة: ١٨٥..
٢٠ - البقرة: ١٨٥..
٢١ - البقرة: ١٨٥..
٢٢ - محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري أبو بكر، أحد الأعلام. عن: ابن عمر، وأنس، وسهل، وابن المسيب. وحديثه عن أبي هريرة في الترمذي، وعن رافع بن خديج في النسائي وذلك مرسل. وعنه: يونس، وعقيل، ومعمر، والزبيدي، وشعيب، ومالك، وابن عيينة. قال ابن المديني: له نحو ألفي حديث. وقال أبو داود: أسند أكثر من ألف، وحديثه ألفان ومائتا حديث نصفها مسندة. ت في رمضان سنة ١٢٤هـ. الكاشف: ٣/٧٨. ون وفيات الأعيان: ٤/١٧٧. والتهذيب: ٧/٤٢٠. وقال في التقريب: فقيه حافظ متفق على جلالته وإتقانه..
٢٣ - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الفقيه الأعمى. عن: عائشة، وأبي هريرة، وابن عباس. وعنه: الزهري، وأبو الزناد، وصالح بن كيسان. وهو معلم عمر بن عبد العزيز، وكان من بحور العلم. ت سنة: ٩٨هـ. الكاشف: ٢/٢٢٢. ون الطبقات الكبرى: ٥/٢٥٠. والتهذيب: ٥/٣٨٥. وقال في التقريب: ثقة فقيه ثبت..
٢٤ - الكديد: ماء بين الحرمين شرفهما الله تعالى. القاموس المحيط: الكد..
٢٥ - أخرجه البخاري في المغازي (٦٧) باب: غزوة الفتح في رمضان (٤٥)(ر٤٠٢٦ و ٤٠٢٧).
وأخرجه مسلم في الصيام (١٣) باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر (١٥) (ر١١١٣).
ومالك في الصيام، والدارمي في الصوم، والبيهقي في الصيام، والشافعي في المسند (ر٧١٧)..

٢٦ - عبد العزيز بن محمد الدراوردي أبو محمد. عن: صفوان بن سليم، وزيد بن أسلم. وعنه: ابن حجر، ويعقوب الدورقي. قال ابن معين: هو أحب إلي من فليح. وقال أبو زرعة: سيء الحفظ. ت سنة ١٨٧هـ. الكاشف: ٢/١٩٥. ون التهذيب: ٥/٢٥٤. وقال في التقريب: صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ. قال النسائي حديثه عن عبيد الله العمري منكر. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٣٧١ فقال: بل ثقة، وثقه مالك، وابن معين، ويعقوب بن سفيان، وابن سعد، والعجلي، وذكره ابن حبان في «الثقات». وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال في موضع آخر ليس به بأس. وقال أبو زرعة: سيئ الحفظ فربما حدث من حفظه الشيء فيخطئ، ولكنه فضله في موضع آخر على فليح بن سليمان وابن أبي الزناد. وكتاب الدراوردي صحيح كما قال الإمام أحمد وغيره، لكنه كان يغلط في أحاديث عبد الله بن عمر العمري الضعيف، فيجعلها عن عبيد الله بن عمر الثقة، ومن أجل هذا الأمر تكلم فيه من تكلم، فيلاحظ هذا. وباقي حديثه صحيح..
٢٧ - عمارة بن غزية المازني. عن: أنس، وأبي صالح، وعباد بن تميم. وعنه: وهيب، والدراوردي، وعدة. ت سنة: ١٤٠هـ. الكاشف: ٢/٢٩٥. ون التهذيب: ٦/٢٧. وقال في التقريب: لا بأس به، وروايته عن أنس مرسلة. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٦٥ فقال: بل ثقة، فقد وثقه أحمد بن حنبل، وأبو زرعة الرازي، وابن سعد، والعجلي، والدارقطني. وقال ابن معين والنسائي: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: ما بحديثه بأس، كان صدوقا. وذكره ابن حبان، وابن شاهين في «الثقات». ولا نعلم فيه جرحا سوى تضعيف ابن حزم له، وهو شبه لا شيء، فلا يعتد به..
٢٨ - سبقت ترجمته وهو محمد بن عبد الرحمان بن المغيرة بن أبي ذئب أبو الحارث العامري..
٢٩ - عبد الله بن سعد بن معاد الأشهلي، ابن سيد الأوس. ذكر العدوي في النسب أن له صحبة، ولا عقب له. واستدركه الجياني وتبعه ابن فتحون، وابن الأثير. الإصابة: ٤/١١٢..
٣٠ - غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك في رجب سنة تسع من مُهَاجَرِه. الطبقات الكبرى: ٢/١٦٥..
٣١ - أي: ليس من الطاعة والعبادة التي ترضي الله عز وجل..
٣٢ - أي: إذا بلغ الصائم هذا المبلغ من المشقة والضرر..
٣٣ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان كتاب الصيام (١٣) باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية إذا كان سفره مرحلتين فأكثر (١٥)(ر٦٨١). وأبو داود، والنسائي، والدارمي، والبيهقي، كلهم في الصيام، والشافعي في المسند (ر٧١٨)..
٣٤ - صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف. عن: جده، وعلي، وأبي الدرداء. وعنه: الزهري، وأبو الزبير. وُثِّق. الكاشف: ٢/٢٩. ون التهذيب: ٤/٥٣. وقال في التقريب ثقة..
٣٥ - أم الدرداء الصغرى جُهيمة، ويقال: جهيمة بنت حيي الأوصابية الحمرية. عن: زوجها، وسلمان، وعبادة. وعنها: مكحول، ويونس بن مسيرة، وزيد بن أسلم. فقيهة كبيرة القدر، بقيت إلى بعد الثمانين الكاشف: ٣/٤٣٣. ون التهذيب: ١٠/٥١٨. وقال في التقريب ثقة فقيهة..
٣٦ - كعب بن عاصم الأشعري صحابي. عنه: أم الدرداء في الصيام. الكاشف: ٢/٣٩٩. ون الإصابة: ٥/٥٩٧. والتهذيب: ٦/٥٧٥. وقال في التقريب: صحابي..
٣٧ - رواه ابن ماجة في الصيام (٧) باب: ما جاء في الإفطار في السفر (١١)(ر١٦٦٤). والدارمي في الصوم (٤) باب: الصوم في السفر (١٥)(ر١٦٦٢ و ١٦٦٣). وأحمد في مسنده من حديث كعب بن عاصم الأشعري. قال شاكر: إسناده صحيح. والبيهقي في: السنن الكبرى كتاب الصيام باب: تأكيد الفطر في السفر إذا كان يجهده الصوم: ٤/٢٤٢. والشافعي في المسند (ر٧١٩)..
٣٨ - سُمَي. عن: مولاه أبي بكر بن عبد الرحمن، وابن المسيب. وعنه: مالك، وورق، وورقاء بن عمر. قتل يوم قديد سنة ١٣٠هـ. الكاشف: ١/٣٥٦. ون التهذيب: ٣/٥٢٤. وقال في التقريب: ثقة..
٣٩ - أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، أحد الفقهاء السبعة. عن: أبي هريرة، وعائشة. وعنه: بنوه، والزهري. ولد زمن عمر، وكُفَّ بآخره، ويسمى الراهب، شريف نبيل، ت سنة: ١٩٢هـ. الكاشف: ٣/٣٠٠. ون التهذيب: ١٠/٣٤. وقال في التقريب: ثقة فقيه عابد..
٤٠ - العرج: قرية جامعة على نحو ثلاث مراحل من المدينة. الموطا ص: ٢٦٢..
٤١ - أخرجه أبو داود في الصوم (٨) باب: الصائم يصب عليه الماء من العطش (٢٧) (ر٢٣٦٥). ومالك في الصيام (١٨) باب: ما جاء في الصيام في السفر (٧) (ر٢٢). وأحمد في المسند من حديث بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال شاكر: إسناده صحيح. والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الصيام باب: تأكيد الفطر في السفر إذا كان يريد لقاء العدو: ٤/٢٤٢. والشافعي في المسند (ر٧١٦)..
٤٢ - جعفر بن محمد الصادق أبو عبد الله، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. فكان يقول: ولدني الصديق مرتين. سمع أباه، والقاسم، وعطاء. وعنه: شعبة، والقطان، وقال: في نفسي منه شيء. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حنيفة: ما رأيت أفقه منه، وقد دخلني له من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور. ت سنة: ١٤٨هـ. وله ثمان وستون سنة الكاشف: ١/١٣٩. ون وفيات الأعيان: ١/٣٢٧. والتهذيب: ٢/٦٨. وقال في التقريب: صدوق فقيه إمام..
٤٣ - كراع الغميم: الكراع ما سال من أنف الجبل، وكراع كل شيء طرفه، وهو عند جبل أسود بطرف وادي الغميم وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال. صحيح مسلم ٢/٧٨٤..
٤٤ - أخرجه مسلم في الصيام (١٣) باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر (١٥)(ر١١١٤).
وأخرجه الترمذي في الصوم (٥) باب: ما جاء في كراهية الصوم في السفر (١٨)(ر٧١٠).
وأخرجه النسائي في الصيام (٢٢) باب: ذكر اسم الرجل (٤٩)(ر٢٢٦٢) والبيهقي في الصيام، والشافعي في المسند (ر٧١٢)..

٤٥ - حُميد بن تبر الطويل، أبو عبيدة البصري، مولى طلحة الطلحات الخزاعي، ويقال: الدارمي. عن: أنس، والحسن. وعنه: شعبة، والقطان. وكان طوله في يديه. مات وهو قائم يصلي سنة ١٤٢هـ. وثقوه، يدلس عن أنس. الكاشف: ١/٢١٣. ون التهذيب: ٢/٤٥١. وقال في التقريب: ثقة مدلس. وتعقبه صاحب التحرير ١/٣٢٦. فقال: قوله: «مدلس» على الإطلاق فيه نظر، وإنما وصف بالتدليس في روايته عن أنس، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث إلا أنه ربما دلس عن أنس. ولفظ «ربما» يدل على التقليل، وهذا صحيح، فقد صرح بسماعه من أنس بشيء كثير، وفي «صحيح البخاري» جملة وافرة من ذلك، وبعض ما دلسه عن أنس إنما سمعه من ثابت البناني ـ وهو ثقة ـ فيكون حديثه عن أنس صحيحا سواء صرح بسماعه منه أو لم يصرح، طالما تبين أن الواسطة فيها ـ وهو ثابت البناني ـ ثقة. وقد تتبعنا جملة أحاديث رواها حميد عن أنس بالعنعنة في «مسند أبي يعلى» والكثير منها مخرج في «الصحيح»، وقد صرح فيها بالتحديث عن أنس. فمن يجهل ذلك يضعفها بالتدليس..
٤٦ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان كتاب الصيام (١٣) باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر (١٥) (ر٦٨٢). ورواه أبو داود ومالك، وأحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٧١٠)..
٤٧ - حمزة بن عمرو الأسلمي له صحبة. عنه: إبنه محمد، وسليمان بن بشار. بشر الصديق بوقعة أجنادين. ت سنة ٦١هـ. الكاشف: ١/٢١١. ون التهذيب: ٢/٤٤٤. والإصابة: ٢/٢١٥. والطبقات الكبرى: ٤/٣١٥..
٤٨ - رواه البخاري في الصيام (٣٦) باب: الصوم في السفر والإفطار (٣٣) (ر١٨٤١).
ورواه مسلم في الصيام (١٣) باب: التخيير في الصوم والفطر في السفر (١٧) (ر١١٢١).
ورواه أصحاب السنن، ومالك، وأحمد، والدارمي، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٧٠٩)..

٤٩ - البقرة: ١٨٤..
٥٠ - لم أجده بنصه، ورواه البيهقي بنحوه مرسلا عن رافع بن خُديج، وموقوفا عن معاد بن جبل ولفظه: « أحص العدة وصم كيف شئت » السنن الكبرى: كتاب الصيام باب: قضاء شهر رمضان: ٤/٢٥٨..
٥١ - في نسخة سراج الدين البلقيني هنا ما نصه: « قال شيخنا شيخ الإسلام: ما ذكره الشافعي هنا من أن صوم كفارة اليمين متتابع هو أحد قوليه، والقول الآخر أنه لا يجب التتابع في كفارة اليمين، وهو مشهور معتمد في الفتوى » انتهى. كتبه مصححه..
٥٢ - روى مالك في الصيام (١٨) باب: فدية من أفطر في رمضان من علة (١٩) (ر٥٢) أنه بلغه: أن عبد الله بن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها واشتد عليها الصيام؟ قال: تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة بمد النبي صلى الله عليه وسلم. قال مالك: وأهل العلم يرون عليها القضاء كما قال الله عز وجل: ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ اَيَّامٍ اَخَرَ﴾ ويرون ذلك مرضا من الأمراض مع الخوف على ولدها.
وروى أبو داود في الصوم (٨) باب: نسخ قوله تعالى: ﴿وَعَلَى اَلذِينَ يُطِيقُونَهُو فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ﴾ (٢)(ر٢٣١٧) أن ابن عباس قال: أثبتت للحبلى والمرضع..

٥٣ - روى مالك في نفس الكتاب والباب (ر٥١) أنه بلغه: أن أنس بن مالك كبر حتى كان لا يقدر على الصيام فكان يفتدي. قال مالك: ولا أرى ذلك واجبا، وأحب إلي أن يفعله إذا كان قويا عليه، فمن فدى، فإنما يطعم مكان كل يوم مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم..
٥٤ - البقرة: ١٨٥..
٥٥ - متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان كتاب الصيام (١٣) باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال (٢) (ر٦٥٣). وأبو داود في الصوم (٨) باب: الشهر يكون تسعا وعشرين (٤) (ر٢٣٢٠). ومالك في أول الصيام (١٨) باب: ما جاء في رؤية الهلال (ر١ و ٢ و ٣). والشافعي في المسند (ر٧٢٠)..
٥٦ - إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى سمعان. ودلسه ابن جريج فقال: إبراهيم بن محمد بن أبي عطاء المدني مولى الأسلميين. عن: الزهري، وصالح مولى التوأمة، وطائفة. وعنه: الشافعي ـ وكان حسن الرأي فيه ـ ويحيى بن آدم، وابن عرفة. وروى عنه من شيوخه: يزيد بن الهاد. قال البخاري: جهمي، تركه ابن المبارك، والناس. وقال أحمد: قدري، معتزلي جهمي، كل بلاء فيه. وقال يحيى القطان: كذاب. ت سنة ١٨٤هـ. الكاشف: ١/٤٨. ون التهذيب: ١/١٧٦. وقال في التقريب: متروك..
٥٧ - إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. عن: عمه أنس، وأبيه، وعدة. وعنه: مالك، وابن عيينة. حجة. ت سنة ١٣٤هـ. الكاشف: ١/٦٥. ون التهذيب: ١/٢٥٦. وقال في التقريب: ثقة حجة..
٥٨ - عمر بن عبد العزيز الأموي أمير المؤمنين معروف..
٥٩ - لم أقف عليه..


٣٢- قال الشافعي رحمه الله تعالى : الوقت الذي يحرم فيه الطعام على الصائم، حين يتبين الفجر الآخر معترضا في الأفق١. قال الشافعي : وكذلك بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تغيب الشمس٢، وكذلك قال الله عز وجل :﴿ ثُمَّ أَتِمُّوا اَلصِّيَامَ إِلَى اَليْلِ ﴾٣.
قال الشافعي : فإن أكل فيما بين هذين الوقتين، أو شرب، عامدا للأكل والشرب، ذاكرا للصوم فعليه القضاء. قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن زيد بن أسلم٤، عن أخيه خالد بن أسلم٥ : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أفطر في رمضان في يوم ذي غيم، ورأى أنه قد أمسى وغابت الشمس، فجاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ! قد طلعت الشمس، فقال عمر : الخطب يسير٦. قال الشافعي : كأنه يريد بذلك ـ والله أعلم ـ قضاء يوم مكانه. ( الأم : ٢/٩٦. ون معرفة السنن والآثار : ٣/٣٦٥-٣٦٦. )
١ - روى مسلم في الصيام (١٣) باب: بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر (٨)(ر١٠٩٤)، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا، حتى يستطير هكذا » وحكاه حماد بيديه قال: يعني معترضا..
٢ - عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم » متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان (ر٦٦٨)..
٣ - البقرة: ١٨٧..
٤ - زيد بن أسلم الفقيه العمري. عن: أبيه، وابن عمر، وجابر. وعنه: مالك، والدراوردي. قال ابن عجلان: ما هبت أحدا هيبتي زيد بن أسلم. وقال أبو حازم الأعرج: لا يريني الله يوم زيد. ت سنة: ١٣٦هـ. الكاشف: ١/٢٨٩. ون التهذيب: ٣/٢١٣. وقال في التقريب: ثقة عالم..
٥ - خالد بن أسلم العدوي. عن: ابن عمر. وعنه: أخوه زيد، والزهري. وثق الكاشف: ١/٢٢٣. ون التهذيب: ٢/٤٩٩. وقال في التقريب: صدوق. وتعقبه صاحب التحرير ١/٣٤٠ فقال: بل ثقة، وثقه الدارقطني، وابن حبان، ولا نعلم فيه جرحا..
٦ - أخرجه مالك في الصيام (١٨) باب: ما جاء في قضاء رمضان والكفارات (١٧)(ر٤٤) بزيادة: «وقد اجتهدنا» قال مالك: يريد بقوله «الخطب يسير»: القضاء فيما نرى ـ والله أعلم ـ وخفة مؤونته ويسارته، يقول: نصوم يوما مكانه. ورواه البيهقي في الصيام باب: من أكل وهو يرى أن الشمس قد غربت ٤/٢١٧. والشافعي في المسند (ر٧٦٩)..
٣٣- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَأَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ ﴾ فاختلف الناس في العمرة، فقال بعض المشرقيين : العمرة تطوع، وقاله سعيد بن سالم١، واحتج بأن سفيان الثوري٢ أخبره، عن معاوية بن إسحاق٣،
عن أبي صالح الحنفي٤ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« الحج جهاد، والعمرة تطوع »٥. فقلت له : أثبت مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : هو منقطع٦، وهو وإن لم تثبت به الحجة، فإن حجتنا في أنها تطوع أن الله عز وجل يقول :﴿ وَلِلهِ عَلَى اَلنَّاسِ حَجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾٧ ولم يذكر في الموضع الذي بين فيه إيجاب الحج إيجاب العمرة، و إنا لم نعلم أحدا من المسلمين أمر بقضاء العمرة عن ميت. فقلت له : قد يحتمل قول الله عز وجل :
﴿ وَأَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ ﴾٨ أن يكون فرضها معا، وفرضه إذا كان في موضع واحد يثبت ثبوته في مواضع كثيرة، كقوله تعالى :﴿ أَقِيمُوا اَلصَّلَواةَ وَءَاتُوا اَلزَّكَواةَ ﴾٩ ثم قال :﴿ إِنَّ اَلصَّلَواةَ كَانَتْ عَلَى اَلْمُومِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾١٠ فذكرها مرة مع الصلاة، وأفرد الصلاة مرة أخرى دونها، فلم يمنع ذلك الزكاة أن تثبت، وليس لك حجة في قولك : لا نعلم أحدا أمر بقضاء العمرة عن ميت إلا عليك مثلها لمن أوجب العمرة بأن يقول، ولا نعلم من السلف أحدا ثبت عنه أنه قال : لا تقضى عمرة عن ميت، ولا هي تطوع كما قلت. فإن كان لا نعلم لك حجة، كان قول من أوجب العمرة لا نعلم أحدا من السلف ثبت عنه أنه قال : هي تطوع، وأن لا تقضى عن ميت حجة عليك.
قال : ومن ذهب هذا المذهب أشبه أن يتأول الآية :﴿ وَأَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ ﴾١١ : إذا دخلتم فيهما. وقال بعض أصحابنا : العمرة سنة لا نعلم أحدا أرخص في تركها.
قال : وهذا قول يحتمل إيجابها إن كان يريد أن الآية تحتمل إيجابها، وأن ابن عباس ذهب إلى إيجابها، ولم يخالفه غيره من الأئمة١٢. ويحتمل تأكيدها لا إيجابها.
قال الشافعي : والذي هو أشبه بظاهر القرآن وأولى بأهل العلم عندي ـ وأسأل الله التوفيق ـ أن تكون العمرة واجبة١٣، فإن الله عز وجل قرنها مع الحج فقال :﴿ وَأَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ فَإِنُ اَحْصِرْتُمْ فَمَا اَسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْىِ ﴾١٤ وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل أن يحج١٥ ؛ وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنَّ إحرامها والخروج منها بطواف وحلاق وميقات، وفي الحج زيادة عمل على العمرة.
فظاهر القرآن أولى إذا لم يكن دلالة على أنه باطن دون ظاهر، ومع ذلك قول ابن عباس وغيره.
أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس أنه قال : والذي نفسي بيده إنها لقرينتها في كتاب الله ﴿ وَأَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ ﴾١٦١٧.
أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء أنه قال : ليس من خلق الله تعالى أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان ١٨. قال الشافعي : وقاله غيره من مكيينا، وهو قول الأكثر منهم.
قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى اَلْحَجِّ فَمَا اَسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْىِ ﴾١٩ وسنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قران العمرة مع الحج هديا٢٠.
ولو كان أصل العمرة تطوعا أشبه أن لا يكون لأحد أن يقرن العمرة مع الحج، لأن أحدا لا يدخل في نافلة فرضا حتى يخرج من أحدهما قبل الدخول في الآخر. وقد يدخل في أربع ركعات وأكثر نافلة قبل أن يفصل بينهما بسلام، وليس ذلك في مكتوبة ونافلة من الصلاة.
فأشبه أن لا يلزمه بالتمتع أو القران هدي إذا كان أصل العمرة تطوعا بكل حال، لأن حكم ما لا يكون إلا تطوعا بحال غير حكم ما يكون فرضا في حال.
قال الشافعي : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة »٢١. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائله عن الطيب والثياب :« افعل في عمرتك ما كنت فاعلا في حجتك »٢٢.
أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عبد الله ابن أبي بكر٢٣ : أن في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم٢٤ :« أن العمرة هي الحج الأصغر »٢٥ قال ابن جريج ولم يحدثني عبد الله بن أبي بكر عن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم شيئا إلا قلت له : أفي شك أنتم من أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لا.
قال الشافعي : فإن قال قائل : فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أن تقضي الحج عن أبيها٢٦، ولم يحفظ عنه أن تقضي العمرة عنه ؛ قيل له ـ إن شاء الله ـ قد يكون في الحديث فيحفظ بعضه دون بعض، ويحفظ كله فيؤدى بعضه دون بعض، ويجيب عما يسأل عنه : ويستغنى أيضا بأن يعلم أن الحج إذا قضي عنه فسبيل العمرة سبيله.
فإن قال قائل : وما يشبه ما قلت ؟ قيل : روي عن طلحة٢٧ : أنه سئل عن الإسلام فقال : خمس صلوات في اليوم والليلة، وذكر الصيام، ولم يذكر حجا ولا عمرة من الإسلام٢٨. وغير هذا يشبه هذا، والله أعلم.
فإن قال قائل : ما وجه هذا ؟ قيل له : ما وصفت من أن يكون في الخبر فيؤدى بعضه دون بعض، أو يحفظ بعضه دون بعض، أو يكتفى بعلم السائل، أو يكتفى بالجواب عن المسألة ثم يعلم السائل بعد، ولا يؤدى ذلك في مسألة السائل، ويؤدى في غيره.
قال : وإذا أفرد العمرة، فالميقات لها كالميقات في الحج، والعمرة في كل شهر من السنة كلها، إلا أنا ننهى المحرم بالحج أن يعتمر في أيام التشريق٢٩، لأنه معكوف على عمل الحج، ولا يخرج منه إلا الإحرام حتى يفرغ من جميع عمل الإحرام الذي أفرده.
قال الشافعي : ولو لم يحج رجل فتوقى العمرة حتى تمضي أيام التشريق، كان وجها، وإن لم يفعل فجائز له، لأنه في غير إحرام نمنعه به من غيره لإحرام غيره.
قال الشافعي : ويجزيه أن يقرن الحج مع العمرة، وتجزيه من العمرة الواجبة عليه، ويهريق دما قياسا على قول الله عز وجل :﴿ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى اَلْحَجِّ فَمَا اَسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْىِ ﴾٣٠ فالقارن أخف حالا من المتمتع، والمتمتع إنما أدخل عمرة فوصل بها حجًّا فسقط عنه ميقات الحج، وقد سقط عن هذا، وأدخل العمرة في أيام الحج وقد أدخلها القارن، وزاد المتمتع أن تمتع بالإحلال من العمرة إلى إحرام الحج، ولا يكون المتمتع في أكثر من حال القارن فيما يجب عليه من الهدي.
قال : وتُجزئُ العمرة قبل الحج والحج قبل العمرة من الواجبة عليه٣١. ( الأم : ٢/١٣٢-١٣٣. ون مختصر المزني ص : ٦٣. ون معرفة السنن والآثار : ٣/٥٠٢-٥٠٤. )
ــــــــــــ
٣٤- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَأَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ فَإِنُ اَحْصِرْتُمْ فَمَا اَسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْىِ ﴾٣٢. قال الشافعي : فلم أسمع مخالفا ممن حفظت عنه، ممن لقيت من أهل العلم في التفسير، في أنها نزلت بالحديبية٣٣ وذلك : احصار عدو. فكان في الحصر إذن الله تعالى لصاحبه فيه بما استيسر من الهدي. ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي يحل منه المحرم : الإحصار بالعدو. فرأيت أن الآية بأمر الله تعالى بإتمام الحج والعمرة لله عامة على كل حاج ومعتمر، إلا من استثنى الله، ثم سن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحصر بالعدو٣٤. وكان المريض عندي ممن عليه عموم الآية. وقول ابن عباس وابن عمر وعائشة يوافق معنى ما قلت وإن لم يلفظوا به إلا كما حدث عنهم، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن ابن طاوس٣٥، عن أبيه، عن ابن عباس أنه قال : لا حصر إلا حصر العدو٣٦. قال الشافعي : قول ابن عباس : لا حصر إلا حصر العدو : لا حصر يحل منه المحصر إلا حصر العدو، كأنه يريد مثل المعنى الذي وصفت، والله أعلم.
أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر٣٧، عن أبيه أنه قال : من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة٣٨.
أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه أنه قال : المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، فإن اضطر إلى شيء من لبس الثياب التي لابد له منها صنع ذلك وافتدى٣٩. قال الشافعي : يعني المحصر بالمرض، والله أعلم. ( الأم : ٢/١٦٣-١٦٤. )
ــــــــــــــ
٣٥- قال الشافعي رحمه الله : أقول بحديث مالك، عن أبي الزبير٤٠، عن جابر : أنهم نحروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البَدَنَة عن سبعة، والبقرة عن سبعة٤١.
قال الشافعي : وكانوا محصرين، قال الله تبارك وتعالى :﴿ فَإِنُ اَحْصِرْتُمْ فَمَا اَسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْىِ ﴾٤٢ فلما قال٤٣ :﴿ فَمَا اَسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْىِ ﴾ : شاة٤٤، فأجزأت البدنة عن سبعة محصورين ومتمتعين، وعن سبعة وجبت عليهم من قران، أو جزاء صيد، أو غير ذلك، إذا كانت على كل واحد منهم شاة، لأن هذا في معنى الشاة.
ولو أخرج كل واحد منهم حصته من ثمنها أجزأت عنهم، وإذا ملكوها بغير بيع أجزأت عنهم، وإذا ملكوها بثمن٤٥. وسواء في ذلك كانوا أهل بيت أو غيرهم، لأن أهل الحديبية كانوا من قبائل شتى وشعوب متفرقة ؛ ولا تجزئ عن أكثر من سبعة. وإذا كانوا أقل من سبعة أجزأت عنهم، وهم متطوعون بالفضل ؛ كما تجزئ الجزور٤٦ عمن لزمته شاة ويكون متطوعا بفضلها عن الشاة. وإذا لم توجد البدنة كان عدلها سبعة من الغنم قياسا على هذا الحديث وكذلك البقرة. ( الأم : ٢/٢٢٢. ون مختصر المزني ص : ٧٢. )
ـــــــــــــــــ
٣٦- قال الشافعي رحمه الله : قال الله عز وجل :﴿ وَأَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ فَإِنُ اَحْصِرْتُمْ فَمَا اَسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْىِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ اَلْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾٤٧ الآية. قال الشافعي : فلم أسمع ممن حفظت عنه من أهل العلم بالتفسير مخالفا في أن هذه الآية نزلت بالحديبية حين أُحْصِرَ النبي صلى الله عليه وسلم، فحال المشركون بينه وبين البيت، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بالحديبية، وحلق، ورجع حَلالاً، ولم يصل إلى البيت ولا أصحابه٤٨، إلا عثمان بن عفان وحده وسندكر قصته٤٩. وظاهر الآية أن أمر الله عز وجل إياهم أن لا يحلقوا حتى يبلغ الهدي محله، وأمره من كان به أذًى من رأسه بفدية سماها. وقال عز وجل :﴿ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى اَلْحَجِّ فَمَا اَسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْىِ ﴾٥٠ الآية وما بعدها يشبه ـ والله أعلم ـ أن لا يكون على المحصر بِعَدُوٍّ قضاء، لأن الله تعالى لم يذكر عليه قضاء، وذكر فرائض في الإحرام بعد ذكر أمره.
قال : والذي أعقل في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت من ظاهر الآية، وذلك أنا قد علمنا في متواطئ أحاديثهم أن قد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية رجال يعرفون بأسمائهم٥١، ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضية٥٢، وتخلف بعضهم بالحديبية من غير ضرورة في نفس ولا مال علمته، ولو لزمهم القضاء لأمرهم رسول الله صلى الله
١ - سعيد بن سالم القداح، أبو عثمان المكي. عن: ابن جريج وطلحة بن عمرو. وعنه: المدني، وعلي بن حرب. قال أبو حاتم: محله الصدق. وقال أبو داود: صدوق يذهب إلى الإرجاء. الكاشف: ١/٣١٥. ون التهذيب: ٣/٣٢٦. وقال في التقريب: صدوق يهم ورمي بالإرجاء وكان فقيها. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٣٠ فقال: بل صدوق حسن الحديث. وثقه ابن معين. وقال أبو داود: صدوق. وقال أبو زرعة: هو عندي إلى الصدق ما هو. وقال أبو حاتم: محله الصدق. وقال النسائي: ليس به بأس. ويلاحظ أن بعض من تكلم فيه مثل يعقوب بن سفيان، وعثمان بن سعيد الدارمي، وابن حبان، إنما تكلموا فيه لأنه يتكلم في رأي أبي حنيفة، بل صرح بعضهم بذلك. والقول فيه عندنا: هو قول من وثقه من جهابذة الأئمة. وقول ابن عدي: «حسن الحديث، وأحاديثه مستقيمة، ورأيت الشافعي كثير الرواية عنه، كتب عنه بمكة، عن ابن جريج والقاسم بن معن وغيرهما، وهو عندي صدوق لا بأس به، مقبول الحديث..
٢ - سفيان بن سعيد الإمام، أبو عبد الله الثوري، أحد الأعلام علما وزهدا. عن: حبيب بن أبي ثابت، وسلمة بن كهيل، وابن المنكدر. وعنه: عبد الرحمن، والقطان، والفريابي، وعلي بن الجعد. قال ابن المبارك: ما كتبت عن أفضل منه، وقال ورقاء: لم ير سفيان مثل نفسه. ت في شعبان سنة ١٦١هـ. عن أربع وستين سنة الكاشف: ١/٣٣١. ون التهذيب: ٣/٣٩٧. وقال في التقريب: ثقة حافظ عابد إمام حجة..
٣ - معاوية بن إسحاق بن طلحة بن عبد الله. عن: أبيه، وعمومته، وسعيد بن جبير. وعنه: أهله، وشعبة، وأبو عوانة. وثق. الكاشف: ٣/١٣٧. ون التهذيب: ٨/٢٣٧. وقال في التقريب: صدوق ربما وهم. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٣٩١ فقال: بل ثقة، فقد وثقه أحمد بن حنبل، والنسائي، وابن سعد، ويعقوب بن سفيان، وذكره ابن حبان في «الثقات»
واحتج به البخاري في «الصحيح»، وقال أبو حاتم: لا بأس به. وضعفه أبو زرعة وحده، فتضعيفه مردود لأنه غير مفسر..
٤ - عبد الرحمن بن قيس، أبو صالح الحنفي الكوفي. عن: علي، وابن مسعود. وعنه: بيان بن بشر، وإسماعيل بن أبي خالد. ثقة الكاشف: ٢/١٧٧. ون التهذيب: ٥/١٦٣. وقال في التقريب: ثقة. قيل: إن روايته عن حذيفة مرسلة. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٣٤٤ فقال: قوله: « قيل إن روايته عن حذيفة مرسلة » أخذه ـ والله أعلم ـ من أبي حاتم، لكن أبا حاتم قال: « عن ابن مسعود، وحذيفة مرسل »..
٥ - رواه البيهقي في كتاب الحج باب: من قال العمرة تطوع ٤/٣٤٨. والشافعي في المسند (ر٧٣٧)..
٦ - قال البيهقي: في نفس الباب وقد روي من حديث شعبة، عن معاوية بن إسحاق، عن أبي صالح، عن أبي هريرة موصولا، والطريق فيه إلى شعبة طريق ضعيف. ورواه محمد بن الفضل بن عطية، عن سالم الأفطس، عن ابن جبير، عن ابن عباس مرفوعا، ومحمد هذا متروك. ورواه ابن ماجة في المناسك (٢٥) باب: العمرة (٤٤) (ر٢٩٨٩) قال: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الحسن بن أبي يحيى الخشني، حدثنا عمر بن قيس، أخبرني طلحة بن يحيى، عن عمه إسحاق بن طلحة، عن طلحة بن عبيد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « الحج جهاد والعمرة تطوع ». قال البوصيري في الزوائد: في إسناده ابن قيس المعروف بِمَندل، ضعفه أحمد وابن معين وغيرهم..
٧ - آل عمران: ٩٧..
٨ - البقرة: ١٩٦..
٩ - البقرة: ٤٣..
١٠ - النساء: ١٠٣..
١١ - البقرة: ١٩٦..
١٢ - روى البخاري في أبواب العمرة (٣٣) باب: وجوب العمرة وفضلها (١) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ليس أحد إلا وعليه حجة وعمرة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنها لقرينتها في كتاب الله: ﴿ وَأَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ﴾..
١٣ - قاله الشافعي في الجديد. وبه قال الثوري وأحمد وإسحاق. وقال بسنيتها مالك، وأبو حنيفة، والشافعي في القديم. عيون المجالس: ٢/٧٧٦-٧٧٧. ون تهذيب المسالك: ٣/٥٢٢..
١٤ - البقرة: ١٩٦..
١٥ - روى البخاري في أبواب العمرة (٣٣) باب: من اعتمر قبل الحج (٢) (ر١٦٨٤) أن عكرمة بن خالد، سأل ابن عمر رضي الله عنهما عن العمرة قبل الحج؟ فقال: لا بأس. قال عكرمة: قال ابن عمر: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج. ورواه أبو داود في المناسك (٥) باب: العمرة (٨٠)(ر١٩٨٦). ورواه مالك في الحج (٢٠) باب: العمرة في أشهر الحج (١٧) (ر٥٧) عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي: أن رجلا سأل سعيد بن المسيب فقال: أعتمر قبل أن أحج؟ فقال سعيد: نعم، قد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج..
١٦ - البقرة: ١٩٦..
١٧ - ن هامش ٨ في الصفحة السابقة..
١٨ - رواه ابن جرير بنحوه عن قتادة، عن عطاء. في التفسير: ٢/٢١٥..
١٩ - البقرة: ١٩٦..
٢٠ - روى البخاري في الحج (٣٢) باب: كيف تُهِلُّ الحائض والنفساء (٣٠) (ر١٤٨١) عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم :«من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا» الحديث.
ورواه مسلم في الحج (١٥) باب: بيان وجوه الإحرام (١٧) (ر١١١). وأبو داود في المناسك (٥) باب: في إفراد الحج (٢٣) (ر١٧٨١). ومالك في الحج (٢٠) باب: دخول الحائض مكة (٧٤) (ر٢٢٣)، وفي باب: القران في الحج (٢) قال مالك: وقد أهل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع بالعمرة، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا». وروى البخاري في الحج (٣٢) باب: من ساق البدن معه (١٠٣) (ر١٦٠٦) أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة.. » الحديث. ومسلم في الحج (١٥) باب: وجوب الدم على المتمتع (٢٤) (ر١٢٢٧)..

٢١ - رواه مسلم في الحج (١٥) باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم (١٩) (ر١٢١٨). وأبو داود في المناسك (٥) باب: صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم (٥٧) (ر١٩٠٥). والترمذي في الحج (٦) باب: منه (٩٨) (ر٩٣٢)..
٢٢ - رواه البخاري في العمرة (٣٣) باب: يفعل في العمرة ما يفعل في الحج (١٠) (ر١٦٩٧) بلفظ: «واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك» وفي الحج (٣٢) باب: غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب (١٦) (ر١٤٦٣).
ورواه مسلم في أول الحج (١٥) (ر١١٨٠). وأبو داود والنسائي في المناسك. والشافعي في المسند (ر٨١٣)..

٢٣ - عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. عن: أبيه، وأنس، وعمرة. وعنه: فليح، والسفيانان، وابن علية. حجة. ت سنة: ١٣٥هـ. الكاشف: ٢/٧١. ون التهذيب: ٤/٢٥٠. وقال في التقريب ثقة..
٢٤ - عمرو بن حزم الخزرجي، أبو الضحاك، شهد الخندق. عنه: ابنه محمد، وحفيده أبو بكر مرسلا، وجماعة. ت سنة ٥١هـ. يقال: استعمل على نجران وله سبع عشرة سنة. الكاشف: ٢/٣١٦. ون الإصابة: ٤/٦٢١. والتهذيب: ٤/١٣٢. وقال في التقريب: صحابي مشهور..
٢٥ - روى البيهقي في كتاب الحج باب: من قال بوجوب العمرة ٤/٣٥٢، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات، فبعث به مع عمرو بن حزم وفيه: « أن العمرة الحج الأصغر »..
٢٦ - أخرجه الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: «نعم» وذلك في حجة الوداع. ن اللؤلؤ والمرجان (ر٨٤٤). ون آية ٩٧ من آل عمران..
٢٧ - طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي أبو محمد، أحد العشرة. عنه: بنوه، موسى، وعيسى، ويحيى، وعمران، وإسحاق، وأبو عثمان النهدي. استشهد يوم الجمل سنة ٣٦هـ. الكاشف: ٢/٤٢. ون الإصابة: ٣/٥٢٩. و الطبقات الكبرى: ٣/٢١٤. والتهذيب: ٤/١١٣..
٢٨ - أخرجه الشيخان عن طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى رسول من أهل نجد ثائر الرأس، يسمع دوي صوته ولا يُفقه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«خمس صلوات في اليوم والليلة» فقال: هل علي غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وصيام رمضان» قال: هل علي غيره؟ قال: «لا، إلا أن تطوع» قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة. قال: هل علي غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع» قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلح إن صدق». اللؤلؤ والمرجان (ر٥)..
٢٩ - أيام التشريق: وهي ثلاثة أيان بعد يوم النحر. وقال بعضهم: هي يومان. سميت بذلك لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها: أي تنشر في الشمس. وقيل: سميت بذلك لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس. وهي الأيام المعدودات في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اَللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اِتَّقى وَاتَّقُوا اَللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمُو إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾(البقرة: ٢٠٣). ن القاموس الفقهي. وروى البيهقي في الحج باب: العمرة في أشهر الحج ٤/٣٤٦. عن عائشة رضي الله عنها قالت:«حلت العمرة في السنة كلها إلا في أربعة أيام: يوم عرفة، ويوم النحر، ويومان بعد ذلك » وهذا موقوف. وهو محمول عندنا على من كان مشتغلا بالحج، فلا يدخل العمرة عليه، ولا يعتمر حتى يكمل مناسك الحج كله..
٣٠ - البقرة: ١٩٦..
٣١ - أخرج البخاري في الحيض (٦) باب: كيف تهل الحائض بالحج والعمرة (١٨)(ر٣١٣) عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج، فقدمنا مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من أحرم بعمرة ولم يُهد فليحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى يحل بنحر هديه، ومن أهل بحج فليتم حجه» الحديث.
ورواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها في الحج (١٥) باب: بيان وجوه الإحرام (١٧)(ر١٢١١)..

٣٢ - البقرة: ١٩٦..
٣٣ - الحديبية: طرف الحرم على تسعة أميال من مكة. الطبقات الكبرى ٢/٩٦..
٣٤ - ن النص: ٣٦. لاحقا..
٣٥ - عبد الله بن طاوس. عن: أبيه، وعكرمة. وعنه: معمر، والسفيانان. ت سنة: ١٣٢هـ. الكاشف: ٢/٩٤. ون التهذيب: ٤/٣٤٨. وقال في التقريب: ثقة فاضل عابد..
٣٦ - رواه البيهقي في الحج باب: من لم ير الإحلال بالإحصار بالمرض: ٥/٢١٩..
٣٧ - سالم بن عبد الله بن عمر، أحد فقهاء التابعين. عن: أبيه، وأبي هريرة. وعنه: الزهري، وصالح بن كيسان.
قال مالك: لم يكن أحد في زمان سالم أشبه بمن مضى في الزهد والفضل والعيش الخشن منه،
ت سنة: ١٠٢هـ. الكاشف: ١/٢٩٧. ون الطبقات الكبرى: ٥/١٩٥. ووفيات الأعيان: ٢/٣٤٩. والتهذيب: ٣/٢٤٨. وقال في التقريب: كان ثبتا عابدا فاضلا..

٣٨ - رواه مالك في الحج (٢٠) باب: ما جاء فيمن أحصر بغير عدو (٣٢) (ر١٠٣).
ورواه البيهقي في الحج باب: من لم ير الإحلال بالإحصار بالمرض: ٥/٢١٩.
ورواه الشافعي في المسند..

٣٩ - نفس المصدر السابق..
٤٠ - محمد بن مسلم بن تَدْرُس، أبو الزبير مولى حكيم بن حزام المكي. عن: عائشة، وابن عباس، وابن عمر. حديثه عنهم في مسلم. وعنه: مالك، والسفيانان. حافظ ثقة. قال أبو حاتم: لا يحتج به. ت سنة: ١٢٨هـ. وكان مدلسا واسع العلم. الكاشف: ٣/٧٧. ون التهذيب: ٧/٤١٥. و الطبقات الكبرى: ٥/٤٨١. وقال في التقريب: صدوق إلا أنه يدلس..
٤١ - رواه مسلم في الحج (١٥) باب: الاشتراك في الهدي (٦٢) (ر٣٥٠). ومالك في الضحايا (٢٣) باب: الشركة في الضحايا (٥) (ر٩). وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، والبيهقي..
٤٢ - البقرة: ١٩٦..
٤٣ - قوله: فلما قال.. إلخ هكذا في النسخ، والكلام مستقيم، والله أعلم..
٤٤ - هكذا رواه مالك في الحج (٢٠) باب: ما استيسر من الهدي (٥١) (ر١٥٨-١٥٩) عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس. قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك. وروى مالك في نفس الباب (ر١٦٠) أن عبد الله بن عمر كان يقول: ما استيسر من الهدي: بدنة، أو بقرة..
٤٥ - قوله: وإذا ملكوها بثمن، كذا في النسخ، وانظر أين الجواب، ولعل هذه الجملة مزيدة من النساخ. كتبه مصححه..
٤٦ - الْجَزُورُ: البَعيرُ، أو خاص بالناقة الْمَجْزُورَةُ، ج: جزائر وجُزُرٌ وجُزُرات. القاموس الفقهي مادة: الجزر..
٤٧ - البقرة: ١٩٦. ون الآية بكاملها في النص..
٤٨ - أخرج البخاري في أبواب الإحصار وجزاء الصيد (٣٤) باب: إذا أحصر المعتمر (٢) (ر١٧١٤) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه، وجامع نساءه، ونحر هديه، حتى اعتمر عاما قابلا. وفي باب: النحر قبل الحلق في الحصر (٤) (ر١٧١٧) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم معتمرين فحال كفار قريش دون البيت، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه، وحلق رأسه..
٤٩ - أوردها البخاري في المغازي (٦٧) باب: غزوة الحديبية (٣٣) وقول الله تعالى: ﴿لَّقَدْ رَضِىَ اَللَّهُ عَنِ اِلْمُومِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ اَلشَّجَرَةِ﴾ (الفتح: ١٨). قال ابن جرير في التفسير ١١/٣٤٧: وكان سبب هذه البيعة ما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه برسالته إلى الملا من قريش، فأبطا عليه عثمان بعض الإبطاء، فظن أنه قتل، فدعا أصحابه إلى تجديد البيعة على حربهم على ما وصفت، فبايعوه على ذلك. وهذه البيعة التي تسمى بيعة الرضوان..
٥٠ - البقرة: ١٩٦. ون الآية بكاملها في النص..
٥١ - أخرج البخاري في المغازي (٦٧) باب: غزوة الحديبية (٣٣) (ر٣٩٢٠) عن البراء بن عازب رضي الله عنهما: أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ألفا وأربعمائة أو أكثر. وعن جابر: كنا خمس عشرة مائة، وعنه: ألفا وأربعمائة. وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما: كان أصحاب الشجرة ألفا وثلاثمائة..
٥٢ - عمرة القضية أو عمرة القضاء كانت في ذي القعدة سنة سبع من مهاجره صلى الله عليه وسلم. ن الطبقات الكبرى: ٢/١٢٠. وأخرج الترمذي في الحج (٦) باب: ما جاء كما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم (٧) (ر٨١٦) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر: عمرة الحديبية، وعمرة الثانية من قابل: عمرة القضاء في ذي القعدة، وعمرة الثالثة من الجعران، والرابعة مع حجته.
ورواه بنحوه البخاري في العمرة، ومسلم في الحج، وأبو داود وابن ماجة في المناسك..

٤١- قال الشافعي رحمه الله تعالى :﴿ اِلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ اَلْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِى اِلْحَجِّ ﴾ أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن أبي الزبير : أنه سمع جابر بن عبد الله يُسأل عن الرجل يُهل بالحج قبل أشهر الحج ؟ فقال : لا١.
أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال : قلت لنافع : أسمعت عبد الله بن عمر يسمي شهور الحج ؟ فقال : نعم، كان يسمي شوال وذا القعدة وذا الحجة٢. قلت لنافع : فإن أهل إنسان بالحج قبلهن ؟ قال : لم أسمع منه في ذلك شيئا٣. ( الأم : ٢/١٥٤-١٥٥. ون والأم : ٢/١٦٦. ومختصر المزني ص : ٦٣. و أحكام الشافعي : ١/١١٤-١١٥.
ومعرفة السنن والآثار : ٣/٤٩٢-٤٩٣. )
١ - رواه البيهقي في الحج باب: لا يهل بالحج في غير أشهر الحج ٤/٣٤٣.
ورواه الشافعي في المسند (ر٧٥٠)..

٢ - في بعض النسخ بالنصب، وفي بعضها بالرفع وهو موافق لما في المسند. والمراد العشر الأوائل من ذي الحجة..
٣ - روى البخاري في الحج (٣٢) باب: قول الله تعالى: ﴿اِلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾ (٣٢) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أشهر الحج شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.
ورواه البيهقي في الحج باب: جماع أبواب وقت الحج والعمرة ٤/٣٤٢ عن ابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس رضي الله عنهم. وقال ابن كثير في التفسير: ١/ ٢٣٦ وهو مروي عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وعبد الله بن الزبير، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وإبراهيم النخعي، والشعبي، والحسن، وابن سيرين، ومكحول، وقتادة، والضحاك، والربيع، ومقاتل، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، وابن حنبل..

٤٢- قال الشافعي رحمه الله تعالى في قوله تعالى :﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ اَلنَّاسُ ﴾ قال : كانت قريش وقبائل لا يقفون بعرفات، وكانوا يقولون : نحن الحُمْسُ١، لم نُسْبَ قَطُّ ولا دُخِلَ علينا في الجاهلية، وليس نفارق الحرم. وكان سائر الناس يقفون بعرفات، فأمرهم الله عز وجل أن يقفوا بعرفة مع الناس. ( أحكام الشافعي : ١/١٣٣-١٣٤. )
١ - الحمس ج أحمس: المتشدد على نفسه في الدين. والحُمْسُ: قريش لأنهم كانوا يتشددون في دينهم وشجاعتهم فلا يطاقون. وكانت الحمس سكان الحرم وكانوا لا يخرجون أيام الموسم إلى عرفات، إنما يقفون بالمزدلفة ويقولون: نحن أهل الله ولا نخرج من الحرم. اللسان: حمس.
وروى البيهقي في الحج باب: الوقوف بعرفة ٥/١١٣ عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش ومن دان على دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس، وكان سائر العرب يقفون بعرفة، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات فيقف بها، ثم يفيض منها فذلك قوله: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ اَلنَّاسُ﴾.
ورواه الشيخان في اللؤلؤ والمرجان (ر٧٦٤)..

٤٣- قال الشافعي رحمه الله : لما مضت بالنبي صلى الله عليه وسلم مدة من هجرته، أنعم الله فيها على جماعات باتباعه، حدثت لها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها، ففرض الله عليهم الجهاد، فقال تعالى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ﴾ وقال تعالى :﴿ وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اِللَّهِ ﴾١ مع ما ذكرته فرض الجهاد. ودل كتاب الله عز وجل، ثم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لم يفرض الجهاد على مملوك ولا أنثى ولا على من لم يبلغ، لقول الله تعالى :﴿ وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ اِللَّهِ ﴾٢ فحكم أن لا مال للمملوك وقال :﴿ حَرِّضِ اِلْمُومِنِينَ عَلَى اَلْقِتَالِ ﴾٣ فدل على أنهم الذكور. وعُرِضَ ابن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحُدٍ٤ وهو ابن أربع عشرة سنة فردَّه، وعُرِضَ عليه عام الخندق٥ وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه٦. وحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة عبيد ونساء وغير بالغين فرضخ٧ لهم ؛ وأسهم لضعفاء أحرار وجرحى بالغين، فدل على أن السهمان إنما تكون لمن شهد القتال من الرجال الأحرار، فدل بذلك أن لا فَرْضَ على غيرهم في الجهاد. ( مختصر المزني : ٢٦٩. ون الأم : ٤/١٦١. وأحكام الشافعي : ٢/١٨. ومعرفة السنن والآثار : ٦/٤٩٧. )
ــــــــــــ
٤٤- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ﴾٨ مع ما أوجب من القتال في غير آية من كتابه، وقد وصفنا أن ذلك على الأحرار المسلمين البالغين غير ذوي العذر بدلائل الكتاب والسنة.
فإذا كان فرض الجهاد على من فرض عليه محتملا لأن يكون كفرض الصلاة وغيرها عامًّا، ومحتملا لأن يكون على غير العموم، فدل كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على أن فرض الجهاد إنما هو على أن يقوم به من فيه كفاية للقيام به، حتى يجتمع أمران : أحدهما، أن يكون بإزاء العدو المخوف على المسلمين من يَمْنَعْهُ، والآخر : أن يجاهد من المسلمين من في جهاده كفاية حتى يسلم أهل الأوتان، أو يعطي أهل الكتاب الجزية.
قال : فإذا قام بهذا من المسلمين من فيه الكفاية به٩ خرج المتخلف منهم من المأثم في ترك الجهاد، وكان الفضل للذين ولوا الجهاد على المتخلفين عنه، قال الله عز وجل :﴿ لا يَسْتَوِى اِلْقَاعِدُونَ مِنَ اَلْمُومِنِينَ غَيْرَ أُوْلِى اِلضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اِللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اَللَّهُ اَلْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى اَلْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ﴾١٠ الآية.
قال الشافعي : وبين إذا وعد الله عز وجل القاعدين ـ غير أولي الضرر ـ الحسنى أنهم لا يأثمون بالتخلف، ويوعدون الحسنى بالتخلف، بل وعدهم لما وسع عليهم من التخلف الحسنى إن كانوا مؤمنين لم يتخلفوا شَكًّا ولا سُوءَ نِيَّةٍ، وإن تركوا الفضل في الغزو. وأبان الله عز وجل في قوله في النفير حين أمرنا بالنفير :﴿ اِنفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً ﴾١١ وقال عز وجل :﴿ اِلا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا اَلِيمًا ﴾١٢ وقال تبارك وتعالى :﴿ وَمَا كَانَ اَلْمُومِنُونَ لِيَنفِرُوا كَآفَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِى اِلدِّينِ ﴾١٣ الآية. فأعلمهم أن فرض الجهاد على الكفاية من المجاهدين.
قال الشافعي : ولم يغْزُ رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة علمتها إلا تخلف عنه فيها بَشَرٌ، فغزا بدرا وتخلف عنه رجال معروفون١٤. وكذلك تخلف عنه عام الفتح١٥، وغيره من غزواته صلى الله عليه وسلم ١٦.
وقال في غزوة تبوك، وفي تجهزه للجمْع للروم :« ليخرج من كل رجلين رجل فيخلف الباقي الغازي في أهله وماله »١٧.
قال الشافعي : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيوشا وسرايا تخلف عنها بنفسه١٨. مع حرصه على الجهاد على ما ذكرت.
قال الشافعي : وأبان أن لو تخلفوا معا أُثِمُوا معا بالتخلف بقوله عز وجل :﴿ اِلا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا اَلِيمًا ﴾١٩ يعني ـ والله تعالى أعلم ـ إلا إن تركتم النفير كلكم عذبتكم. قال : ففرض الجهاد على ما وصفت يخرج المتخلفين من المأثم القائم بالكفاية فيه. ويأثمون معا إذا تخلفوا معا. ( الأم : ٤/١٦٧. )
١ - البقرة: ١٩٠و٢٤٤..
٢ - التوبة: ٤١..
٣ - الأنفال: ٦٥..
٤ - غزوة أحد يوم السبت لسبع ليال خلوْن من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرا من مهاجره صلى الله عليه وسلم الطبقات الكبرى: ٢/٣٦..
٥ - غزوة الخندق وهي غزوة الأحزاب في ذي القعدة سنة خمس من مهاجره صلى الله عليه وسلم. الطبقات الكبرى: ٢/٦٥..
٦ - أخرجه البخاري في الشهادات (٥٦) باب: بلوغ الصبيان وشهادتهم (١٨) (ر٢٥٢١). وفي المغازي (٦٧) باب: غزوة الخندق (٢٧)(ر٣٨٧١). ومسلم في الإمارة (٣٣) باب: بيان سن البلوغ (٢٣) (١٨٦٨). وأبو داود في الخراج، والترمذي في الجهاد، والنسائي في الطلاق، وابن ماجة في الحدود..
٧ - الرضخ: الكسر، وهو الأصل ثم يقال رضخ له إذا أعطاه شيئا ليس بالكثير، كأنه كسر له من ماله كسرة. معجم مقاييس اللغة: رضخ..
٨ - البقرة: ٢١٦..
٩ - يفهم من كلامه أن الجهاد واجب كفائي لا عيني. واستدل الشافعي عليه بقوله تعالى: ﴿وَكُلا وَعَدَ اَللَّهُ اَلْحُسْنى﴾ فوعد المتخلفين عن الجهاد الحسنى على الإيمان، وأبان فضيلة المجاهدين على القاعدين، ولو كانوا آثمين بالتخلف إذا غزا غيرهم كانت العقوبة بالإثم إن لم يعف الله أولى بهم من الحسنى. واستشهد بآيات وأحاديث أخرى. ن الرسالة ص: ٣٦٥. وتفسير الآية ١١١ من سورة التوبة..
١٠ - النساء: ٩٥. وتمامها: ﴿وَكُلا وَعَدَ اَللَّهُ اَلْحُسْنى وَفَضَّلَ اَللَّهُ اَلْمُجَاهِدِينَ عَلَى اَلْقَاعِدِينَ أَجْرا عَظِيمًا﴾..
١١ - التوبة: ٤١..
١٢ - التوبة: ٣٩..
١٣ - التوبة: ١٢٢. وتمامها: ﴿وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمُو إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾..
١٤ - أخرج البخاري في المغازي (٦٧) باب: حديث كعب بن مالك (٧٥) (ر٤١٥٦) عن كعب بن مالك قال: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد.. الحديث.
وأخرجه مسلم في التوبة (٤٩) باب: توبة كعب بن مالك وصاحبيه (٩) (٢٧٦٩)..

١٥ - غزوة الفتح في شهر رمضان سنة ثمان من مهاجره صلى الله عليه وسلم..
١٦ - أخرج البخاري في الجهاد (٦٠) باب: من حبسه العذر عن الغزو (٣٥) (ر٢٦٨٤) عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزاة فقال: « إن أقواما بالمدينة خلفنا، ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا فيه، حبسهم العذر» وفي باب: فضل من جهز غازيا أو خلفه بخير (٣٨) (ر٢٦٨٨) عن زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا».
وأخرجه مسلم في الإمارة (٣٣) باب: إعانة الغازي في سبيل الله (٣٨) (ر١٨٩٥).
وأخرجه أبو داود في الجهاد (٩) باب: ما يجزئ من الغزو (٢١) (ر٢٥٠٩)..

١٧ - روى مسلم في الإمارة (٣٣) باب: فضل إعانة الغازي (٣٨) (ر١٨٩٦) عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني لحيان: «ليخرج من كل رجلين رجل» ثم قال للقاعد: «أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج».
ورواه أبو داود في الجهاد (٩) باب: ما يجزئ من الغزو (٢١) (ر٢٥١٠).
ورواه البيهقي في السير باب: الإمام يُغْزِي ٩/٤٠ و ٩/٤٨..

١٨ - أخرجه البخاري في المغازي (٦٧) باب: السرية التي قِبل نَجْد (٥٤) (ر٤٠٨٣). وفي باب: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة (٥٥) (ر٤٠٨٤). وفي باب: سرية عبد الله بن حذافة السهمي (٥٦) (ر٤٠٨٥). وغير ذلك من الأبواب التي عقدها البخاري رحمه الله حول بعث الرسول صلى الله عليه وسلم جيوشه وسراياه إلى حيث أمرهم..
١٩ - التوبة: ٣٩..
٤٥- قال الشافعي رحمه الله تعالى : ومن انتقل عن الشرك إلى الإيمان، ثم انتقل عن الإيمان إلى الشرك ـ من بالغي الرجال والنساء ـ استتيب، فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب قتل. قال الله عز وجل :﴿ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمُ إِنِ اِسْتَطَاعُواْ ﴾ إلى ﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.
قال الشافعي : أخبرنا الثقة١ من أصحابنا، عن حماد٢، عن يحيى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف٣، عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس »٤.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان بن عيينة، عن أيوب بن أبي تميمة٥، عن عكرمة٦ قال : لما بلغ ابن عباس أن عليا رضي الله تعالى عنه حرق المرتدين أو الزنادقة قال : لو كنت أنا لم أحرقهم ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من بدل دينه فاقتلوه »٧ ولم أحرقهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله »٨.
قال الشافعي : أخبرنا مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« من غير دينه فاضربوا عنقه »٩.
قال الشافعي : حديث يحيى بن سعيد ثابت، ولم أر أهل الحديث يثبتون الحديثين بعد حديث زيد، لأنه منقطع، ولا الحديث قبله.
قال : ومعنى حديث عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم :« كفر بعد إيمان » ومعنى : من بدل قتل، معنى يدل على أن من بدَّل دينه دين الحق وهو الإسلام، لا من بدل غير الإسلام١٠، وذلك : أن من خرج من غير دين الإسلام إلى غيره من الأديان، فإنما خرج من باطل إلى باطل، ولا يقتل على الخروج من الباطل، إنما يقتل على الخروج من الحق ؛ لأنه لم يكن على الدين الذي أوجب الله عز وجل عليه الجنة، وعلى خلافه النار : إنما كان على دين له النار إن أقام عليه. قال الله جل ثناؤه :﴿ إِنَّ اَلدِّينَ عِندَ اَللَّهِ اِلاِسْلَامُ ﴾١١ وقال الله عز وجل :﴿ وَمَنْ يَّبْتَغِ غَيْرَ اَلاِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُّقْبَلَ مِنْهُ ﴾ إلى قوله :﴿ مِنَ اَلْخَاسِرِينَ ﴾١٢ وقال :﴿ وَأَوْصى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ﴾ إلى قوله :﴿ مُّسْلِمُونَ ﴾١٣. ( الأم : ١/٢٥٧. ون معرفة السنن والآثار : ٦/٢٩٥-٢٩٦. )
١ - هو مسلم بن خالد الزنجي سبقت ترجمته..
٢ - حماد بن زيد بن درهم الإمام، أبو إسماعيل الأزدي الأزرق أحد الأعلام، أُضر، وكان يحفظ حديثه كالماء. عن: أبي عمران الجوتي، وثابت، وأبي جمرة. وعنه: مسدد، وعلي. قال ابن مهدي: ما رأيت أحدا لم يكن يكتب أحفظ منه، وما رأيت بالبصرة أفقه منه، ولم أر أعلم بالسنة منه. مات سنة ١٧٩هـ في رمضان عن إحدى وثمانين سنة. الكاشف: ١/٢٠٧. ون التهذيب: ٢/٤٢١. وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه..
٣ - أسعد بن سهل بن حنيف، أبو أمامة. ولد زمن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن: عمر، وعدة. وعنه: الزهري، ويحيى بن سعيد، وخلق. مات سنة مائة. الكاشف: ١/٧١. ون الإصابة: ١/١٨١. والتهذيب: ١/٢٨٠. وقال في التقريب: له رؤية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم..
٤ - رواه أبو داود في الديات (٣٣) باب: الإمام يأمر بالعفو في الدم (٣)(ر٤٥٠٢).
ورواه الترمذي في أول الفتن (٣٠)(ر٢١٥٨) وقال: حديث حسن. والنسائي في تحريم الدم (٣٧) باب: ذكر ما يحل به دم المسلم (٥)(ر٤٠٣١).
ورواه ابن ماجة في أول الحدود (٢٠)(ر٢٥٣٣).
ورواه الشافعي في المسند (ر١٣٣٠)..

٥ - أيوب بن أبي تميمة، أبو بكر السختياني الإمام. عن: عمرو بن سلمة الحرمي، ومعاذة، ومحمد. وعنه: شعبة، وابن علية. قال ابن علية: كنا نقول عنده ألفي حديث. وقال شعبة: ما رأيت مثله، كان سيد الفقهاء. ت سنة ١٣١هـ وله ثلاث وستون سنة. الكاشف: ١/٩٧. ون التهذيب: ١/٤١٣. وقال في التقريب: ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء والعباد..
٦ - عكرمة أبو عبد الله المفسر. عن: مولاه ابن عباس، وعائشة، وأبي هريرة. وعنه: أيوب، والحذاء، وعبد الرحمن بن الغسيل، وخلق. ثبت لكنه أباضي يرى السيف. روى له مسلم مقرونا، وتحايده مالك. ت سنة ١٠٦هـ وقيل ١٠٧هـ الكاشف: ٢/٢٧٠. ون وفيات الأعيان: ٣/٢٦٥. والتهذيب: ٥/٦٣٠. وقال في التقريب: ثقة ثبت..
٧ - رواه البخاري عن ابن عباس في الجهاد (٦٠) باب: لا يعذب بعذاب الله (١٤٧)(ر٢٨٥٤).
ورواه أبو داود في أول الحدود (٣٢) (ر٤٣٥١).
ورواه الترمذي في الحدود (١٤) باب: ما جاء في المرتد (٢٥)(ر١٤٥٨).
ورواه النسائي في تحريم الدم. وابن ماجة في الحدود. والبيهقي في المرتد. والشافعي في المسند (ر١٢٩٧)..

٨ - ن هامش ٣..
٩ - رواه مالك في الأقضية (٣٦) باب: القضاء فيمن ارتد عن الإسلام (١٨)(ر١٥).
ورواه البيهقي في المرتد باب: قتل من ارتد عن الإسلام.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٢٩٦). وهو حديث مرسل عند جميع الرواة، وهو موصول عند البخاري عن ابن عباس كما في هامش ٣. بلفظ: « من بدل دينه فاقتلوه »..

١٠ - وهو نفسه قول مالك رحمه الله في كتاب الأقضية (٣٦) باب: القضاء فيمن ارتد عن الإسلام (١٨)(ر١٥)..
١١ - آل عمران: ١٩..
١٢ - آل عمران: ٨٥..
١٣ - البقرة: ١٣٢..
٤٦- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ اِلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا اَلنِّسَاء فِى اِلْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ ﴾. قال الشافعي : فالبين في كتاب الله أن يعتزل إتيان المرأة في فرجها للأذى فيه. وقوله :﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ يعني : يَرَيْنَ الطُّهر بعد انقطاع الدم. ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾ إذا اغتسلن ﴿ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اَللَّهُ ﴾ قال بعض الناس من أهل العلم : من حيث أمركم الله أن تعتزلوهن، يعني : عاد الفرج ـ إذا طَهُرْنَ فَتَطَهَّرْنَ ـ بحاله قبل أن تحيض حلالا. قال جل ثناؤه :﴿ فَاعْتَزِلُوا اَلنِّسَاء فِى اِلْمَحِيضِ ﴾ يحتمل : فاعتزلوا فروجهن بما وصفت من الأذى، ويحتمل : اعتزال فروجهن وجميع أبدانهن، وفروجهن وبعض أبدانهن دون بعض، وأظهر معانيه اعتزال أبدانهم كلها، لقول الله عز وجل :﴿ فَاعْتَزِلُوا اَلنِّسَاء فِى اِلْمَحِيضِ ﴾ فلما احتمل هذه المعاني طلبنا الدلالة على معنى ما أراد جل وعلا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فوجدناها تدل مع نص كتاب الله على اعتزال الفرج، وتدل مع كتاب الله عز وجل على أن يعتزل من الحائض في الإتيان والمباشرة ما حول الإزار١ فأسفل، ولا يعتزل ما فوق الإزار فأعلاها.
فقلنا بما وصفنا : لتشدد الحائض إزارا على أسفلها، ثم يباشرها الرجل وينال من إتيانها من فوق الإزار ما شاء. فإن أتاها حائضا فليستغفر الله ولا يَعُدْ٢.
أخبرنا مالك، عن نافع٣ : أن ابن عمر رضي الله عنهما أرسل إلى عائشة رضي الله عنها يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض ؟ فقالت : لتشد إزارها على أسفلها٤ ثم يباشرها٥ إن شاء٦.
قال الشافعي رحمه الله : وإذا أراد الرجل أن يباشر امرأته حائضا لم يباشرها حتى تشد إزارها على أسفلها ثم يباشرها من فوق الإزار منها مُفضيا إليه، ويتلذذ به كيف شاء منها، ولا يتلذذ بما تحت الإزار منها، ولا يباشرها مُفضيا إليها : والسرة ما فوق الإزار. ( الأم : ٢/١٧٢-١٧٣. ون الأم : ١/٥٩. و أحكام الشافعي : ١/٥٢. )
ــــــــــــ
٤٧- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ اِلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا اَلنِّسَاء فِى اِلْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اَللَّهُ إِنَّ اَللَّهَ يُحِبُّ اَلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ اَلْمُتَطَهِّرِينَ ﴾٧ قال الشافعي : افترض الله الطهارة على المصلي، في الوضوء والغسل من الجنابة. فلم تكن لغير طاهرٍ صلاةٌ. ولما ذكر الله المحيض فأمر باعتزال النساء فيه حتى يطهرن فإذا تطهَّرنَ أُتِينَ، استدللنا على أن تطهُّرهنَّ بالماء : بعد زوال الحيض، لأن الماء موجود في الحالات كلها في الحضر، فلا يكون للحائض طهارة بالماء٨، لأن الله إنما ذكر التَّطهُّر بعد أن يَطْهُرْنَ، وتطهُّرُهُنَّ : زوال المحيض، في كتاب الله ثم سنة رسوله.
أخبرنا مالك، عن عبد الرحمان بن القاسم٩، عن أبيه١٠، عن عائشة : وذكرت إحرامها مع النبي وأنها حاضت، فأمرها أن تقضي ما يقضي الحاج « غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهُري »١١.
فاستدللنا على أن الله إنما أراد بفرض الصلاة من إذا توَضا واغتسل طَهُرَ، فأما الحائض فلا تطهر بواحد منهما، وكان الحيض شيئا خُلِقَ فيها، لم تجتلبه على نفسها فتكون عاصيةً به، فزال عنها فرض الصلاة أيامَ حيضها، فلم يكن عليها قضاء ما تركت منها في الوقت الذي يزول عنها فيه فَرْضُهَا.
وقلنا في المغمى عليه، والمغلوب على عقله بالعارض من أمر الله الذي لا جناية له فيه، قياسا على الحائض : إن الصلاة عنه مرفوعة، لأنه لا يعقلها، مادام في الحال التي لا يعقل فيها١٢.
وكان عامًّا في أهل العلم أن النبي لم يأمر الحائض بقضاء الصلاة، وعامًّا أنها أمرت بقضاء الصوم١٣، ففرقنا بين الفرضيْن : استدلالا بما وصفت من نقل أهل العلم وإجماعهم١٤. ( الرسالة : ١١٧-١١٩. ون الأم : ١/٥٩. وأحكام الشافعي : ١/٥٣. ومعرفة السنن والآثار : ١/٣٦٣. )
ـــــــــــــ
٤٨- قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى :﴿ فَاعْتَزِلُوا اَلنِّسَاء فِى اِلْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾١٥ ـ قال الشافعي : من المحيض ـ ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اَللَّهُ ﴾١٦ قال الشافعي : تطهرن بالماء. قال : وإذا اتصل بالمرأة الدم نظرت فإن كان دمها ثخينا محتدما يضرب إلى السواد له رائحة فتلك الحيضة نفسها فلتدع الصلاة، فإذا ذهب ذلك الدم وجاءها الدم الأحمر الرقيق المشرق فهو عرق وليست الحيضة وهو الطهر، وعليها أن تغتسل كما وصفت وتصلي ويأتيها زوجها ؛ ولا يجوز لها أن تستظهر١٧ بثلاثة أيام، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« فإذا ذهب قدرها ـ يريد الحيضة ـ فاغسلي الدم عنك وصلي »١٨. ولا يقول لها النبي صلى الله عليه وسلم :« إذا ذهب قدرها » إلا وهي به عارفة.
قال : وإن لم ينفصل دمها بما وصفت فتعرفه وكان مشتبها، نظرت إلى ما كان عليه حيضتها فيما مضى من دهرها، فتركت الصلاة للوقت الذي كانت تحيض فيه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها ما أصابها، فلتدع الصلاة، فإن خلفت ذلك : فلتغتسل، ثم لتَسْتَشْفر بثوب١٩، ثم تصلي »٢٠.
قال : والصفرةُ والكُدَرَةُ في أيام الحيض حيضٌ، ثم إذا ذهب ذلك اغتسلت، وصلت. وإن كان الدم مبتدئا لا معرفَةَ لها به، أمْسَكَتْ عن الصلاة، ثم إذا جاوزت خمسة عشر يوما٢١ استيقنت أنها مستحاضة٢٢، وأشكل وقت الحيض عليها من الاستحاضة، فلا يجوز لها أن تترك الصلاة إلا أقل ما تحيض له النساء وذلك يوم وليلة٢٣، فعليها أن تغتسل وتقضي الصلاة أربعة عشر يوما.
قال الشافعي : وأكثر الحيض خمسة عشر. وأكثر النفاس ستون يوما.
قال الشافعي : والذي يبتلى بالمذي٢٤ فلا ينقطع مثل المستحاضة، يتوضا لكل صلاة فريضة بعد غسل فرجه ويُعَصِّبُهُ. ( مختصر المزني ص : ١١. )
ــــــــــــــــــ
٤٩- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل :﴿ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ اِلْمَحِيضِ ﴾٢٥ الآية. قال : فزعم بعض أهل العلم بالقرآن أن قول الله عز وجل :﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ حتى يرين الطهر ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾ بالماء ﴿ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اَللَّهُ ﴾ أن تجتنبُوهن. قال : وما أشبه ما قال ـ والله تعالى أعلم ـ بما قال. ويشبه أن يكون تحريم الله عز وجل إتيان النساء في المحيض لأذى المحيض، وإباحته إتيانهن إذا طهُرْنَ وتطهَّرْنَ بالماء من المحيض، على أن الإتيان المباح في الفرج نفسه كالدلالة على أن إتيان النساء في أدبارهن محرم.
قال : وفيه دلالة على أنه إنما حرم إتيان النساء في دم الحيض الذي تؤمر فيه المرأة بالكف عن الصلاة والصوم، ولم يحرم في دم الاستحاضة، لأنها قد جُعلت في دم الاستحاضة في حكم الطَّاهر، يجب عليها الغسل من دم الحيض ودَمُ الاستحاضة قائمٌ ؛ والصلاة والصيام عليها. فإذا كانت المرأة حائضا لم يحل لزوجها أن يصيبها ولا إذا طَهُرَت حتى تطَّهَّرَ بالماء، ثم يحل له أن يصيبها.
قال : وإن كانت على سفر ولم تجد ماء، فإذا تيممت حل له أن يصيبها، ولا يحل له إصابتها في الحضر بالتيمم، إلا أن يكون بها قرح يمنعها الغسل، فتغسل فرجها وما لا قرح فيه من جسدها بالماء، ثم تتيمم، ثم تحل له إصابتها إذا حلَّت لها الصلاة، ويصيبها في دم الاستحاضة إن شاء، وحكمه حكم الطهارة.
قال : وبيِّنٌ في الآية إنما نهى عن إتيان النساء في المحيض، ومعروف أن الإتيان في الفرج، لأن التلذذ بغير الفرج في شيء من الجسد ليس إتيانا، ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن للزوج مباشرة الحائض إذا شدت عليها إزارها، والتلذذ بما فوق الإزار، مفضيا إليها بجسده وفرجه، فذلك لزوج الحائض، وليس له التلذذ بما تحت الإزار منها. ( الأم : ٥/٩٣-٩٤. ون الأم : ١/٥٨-٥٩ و ١/٦١ و ١/٦٣ و ٤/٢٦٨ و ٥/٨. و أحكام الشافعي : ١/١٩٣ و ١/٥٢. )
ــــــــــــ
٥٠- قال الشافعي رحمه الله تعالى : فقال لي قائل : تصلي المستحاضة ولا يأتيها زوجها، وزعم لي بعض من يذهب مذهبه أن حجته فيه أن الله تبارك وتعالى قال :﴿ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ اِلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾٢٦ الآية، وأنه قال في الأذى، أنه أمر باجتنابها فيه، فأثم فيها، فلا يحل له إصابتها.
قال الشافعي : فقيل له : حكم الله عز وجل في أذى المحيض أن تعتزل المرأة، ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن حكم الله عز وجل أن الحائض لا تصلي، فدل حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم : أن الوقت الذي أمر الزوج باجتناب المرأة فيه للمحيض الوقت الذي أمرت المرأة فيه إذا انقضى المحيض بالصلاة. قال : نعم. فقيل له : فالحائض لا تطهر وإن اغتسلت، ولا يحل لها أن تصلي، ولا تمس مصحفا. قال : نعم. فقيل له : فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أن حكم أيام الاستحاضة حكم الطهر، وقد أباح الله للزوج الإصابة إذا تطهرت الحائض ؛ ولا أعلمك إلا خالفت كتاب الله في أن حرمت ما أحل الله من المرأة إذا تطهرت، وخالفت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن حكم : بأن غسلها من أيام المحيض تحل به الصلاة في أيام الاستحاضة.
وفرق بين الدمين بحكمه وقوله في الاستحاضة :« إنما ذلك عرق وليس بالحيضة »٢٧. قال : هو أذى. قلت : فبين إذا فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين حكمه، فجعلها حائضا في أحد الأذيين يحرم عليها الصلاة، وطاهرا في أحد الأذيين عليها ترك الصلاة، وكيف جمعت ما فرق بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ !
قال الشافعي : وقيل له : أتحرم لو كانت خِلْقَتُهَا أن هنالك رطوبة وتغير ريح مؤذية غير دم ؟ قال : لا، وليس هذا أذى المحيض. قلت : ولا أذى الاستحاضة أذى المحيض. ( الأم : ١/٦٣. ون اختلاف مالك والشافعي بهامش الأم : ٧/٢٠٨-٢٠٩. )
١ - الإزار: كل ما واراك وسترك. اللسان: أزر..
٢ - روى أبو داود في الطهارة (١) باب: في إتيان الحائض (١٠٦) (ر٢٦٤) عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: «يتصدق بدينار أو نصف دينار» قال أبو داود: وربما لم يرفعه شعبة. قال الشارح: وقال أكثر العلماء: لا شيء عليه ويستغفر الله، وزعموا أن هذا الحديث مرسل، أو موقوف على ابن عباس، ولا يصح متصلا مرفوعا. ن سنن أبي داود.
ورواه الترمذي في الطهارة (١) باب: ما جاء في الكفارة في ذلك (١٠٣) (ر١٢٧) قال أبو عيسى: حديث الكفارة في إتيان الحائض قد روي عن ابن عباس موقوفا ومرفوعا.
وحديث الكفارة في إتيان الحائض بأسانيده الكثيرة، وألفاظه المختلفة، تحدث عنه العلامة شاكر في ثماني صفحات بما يشفي الغليل، وقال في آخر كلامه: فهؤلاء: أحمد بن حنبل، والحاكم، وابن القطان، وابن دقيق العيد، والذهبي في تلخيص المستدرك، وابن حجر، كلهم ذهبوا إلى صحة هذا الحديث، وهو الذي ذهبنا إليه ورجحناه، بتطبيق القواعد الصحيحة من الإنصاف والتنزه عن العصبية والحمد لله رب العالمين. ن سنن الترمذي. .

٣ - نافع أبو عبد الله الفقيه. عن: مولاه ابن عمر، وأبي هريرة، وعائشة. وعنه: أيوب، ومالك، والليث. من أئمة التابعين وأعلامهم. ت سنة: ١١٧هـ. الكاشف: ٣/١٨٢. ون التهذيب: ٨/٤٧٣. وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه..
٤ - أي ما بين السرة والركبة..
٥ - بمعنى التقاء البشرتين وما ينتج عنه من عناق ونحو ذلك، لا الجماع..
٦ - رواه مالك في الطهارة (٢) باب: ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض (٢٦) (ر٩٥) موقوفا. ورواه الشافعي في المسند (ر١٣٧).
ورواه مالك في نفس الكتاب والباب (ر٩٣) مرسلا عن زيد بن أسلم: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لتشد عليها إزارها، ثم شأنك بأعلاها». قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا رواه بهذا اللفظ مسندا، ومعناه صحيح ثابت. ورواه أبو داود في الطهارة (١) باب: في المذي (٨٣)(ر٢١٣) موصولا عن معاذ بن جبل قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال: فقال: «ما فوق الإزار، والتعفف عن ذلك أفضل». قال أبو داود: وليس هو ـ يعني الحديث ـ بالقوي..

٧ - البقرة: ٢٢٢..
٨ - يعني أن الحائض ـ خلال حيضتها ـ إذا اغتسلت بالماء لا تطهر، وتفعل ذلك من باب التنظيف إذا شاءت، ولا تطهر إلا بزوال الحيض بانقطاع الدم..
٩ - عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي، أبو محمد، الفقيه ابن الفقيه. سمع أباه، وابن المسيب، وأسلم مولى عمر. وعنه: شعبة، ومالك، وابن عيينة. ثقة ورع مكثر إمام. قال ابن عيينة: كان أفضل أهل زمانه، وكذلك أبوه. ت سنة: ١٢٦هـ. الكاشف: ٢/١٧٦. ون التهذيب: ٥/١٦٠. وقال في التقريب: ثقة جليل..
١٠ - القاسم بن محمد التيمي الفقيه. هن: عائشة، وأبي هريرة، وفاطمة بنت قيس. وعنه: الزهري، وأبو الزناد، وعدة. له نحو مائتي حديث، ت سنة ١٠٧هـ الكاشف: ٢/٣٧٩. ون التهذيب: ٦/٤٦٢. وقال في التقريب: ثقة، أحد الفقهاء بالمدينة..
١١ - أخرجه البخاري في الحج (٣٢) باب: تقضي الحائض المناسك كلها (٨٠) (ر١٥٦٧) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قدمت مكة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، قالت: فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري». ورواه مالك في الحج (٢٠) باب: دخول الحائض مكة (٧٤) (ر٢٢٤) عن عائشة رضي الله عنها بلفظ: «افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، حتى تطهري». ورواه مسلم في الحج (١٥) باب: بيان وجوه الإحرام (١٧) (ر١٢١١). والدارمي في المناسك. والبيهقي في الحج. والشافعي في المسند (ر١٠٠٣). وقد اختصره الشافعي اقتصارا منه على موضع الاستدلال، ورواه كاملا في الأم ١/٥٩..
١٢ - قال الشافعي: ومن غلب على عقله بعارض مرض، أي مرض كان ارتفع عنه الفرض في قول الله عز وجل: ﴿وَاتَّقُونِ يَاأُوْلِى اِلاَلْبَابِ﴾(البقرة: ١٩٧) وقوله: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا اَلاَلْبَابِ﴾ (الرعد: ١٩) وإن كان معقولا لا يخاطب بالأمر والنهي إلا من عقلهما. الأم: ١/٦٩..
١٣ - أخرج مسلم في الحيض (٣) باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة (١٥) (ر٣٣٥) عن معاذة قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل. قالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
وأخرجه البخاري في الحيض (٦) باب: لا تقضي الحائض الصلاة (٢٠) (ر٣١٥).
وأخرجه أصحاب السنن..

١٤ - قال شاكر: قال في الفتح: نقل ابن المنذر وغيره إجماع أهل العلم على ذلك.
وروى عبد الرزاق عن معمر: أنه سأل الزهري عنه؟ فقال: اجتمع الناس عليه. وحكى ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبونه. وعن سمرة بن جندب أنه كان يأمر به، فأنكرت عليه أم سلمة. لكن استقر الإجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهري وغيره. ن سنن الترمذي كتاب الطهارة (١) باب: ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة (٩٧) (ر١٣٠)..

١٥ - البقرة: ٢٢٢..
١٦ - البقرة: ٢٢٢..
١٧ - من الاستظهار وهو الاحتياط، منعه الشافعي لأن الأمر لا يخلو إما أن يكون حيضا أو استحاضة ولا توجد حالة ثالثة بينهما، والله أعلم..
١٨ - أخرجه البخاري في الحيض (٦) باب: الاستحاضة (٨) (ر٣٠٠) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إني لا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها، فاغسلي الدم عنك وصلي».
وأخرجه مسلم في الحيض (٣) باب: المستحاضة وغسلها وصلاتها (١٤) (ر٣٣٣).
وأخرجه مالك وأصحاب السنن..

١٩ - لتستشفر بثوب: أي تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا، وتوثق طرفي الخرقة في شيء تشده على وسطها، فيمنع ذلك سيل الدم. ن الموطا هامش الصفحة: ٦٠..
٢٠ - أخرجه أبو داود في الطهارة (١) باب: في المرأة تستحاض (١٠٨)(ر٢٧٤) عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الحديث. وأخرجه النسائي في الطهارة(١) باب: ذكر الاغتسال من الحيض (١٣٤) (ر٢٠٨) وفي الحيض (٣) باب: المرأة تكون لها أيام معلومة (٣) (ر٣٥٣). وابن ماجة في الطهارة (١) باب: ما جاء في المستحاضة (١١٥) (ر٦٢٣). ومالك في الطهارة (٢) باب: المستحاضة (٢٩) (ر١٠٥)..
٢١ - وهو قول مالك. وعند أبي حنيفة أكثر الحيض عشرة أيام. ن عيون المجالس: ١/٢٥٩-٢٦٠..
٢٢ - من الاستحاضة: وهي جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه وأنه يخرج من عرق يقال له العاذل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنما هو عرق وليس بالحيضة » ن هامش الصفحة السابقة..
٢٣ - وعند أبي حنيفة ثلاثة أيام بلياليها. وعند مالك لمعة أو دفعة من دم. ن عيون المجالس: ١/٢٥٠-٢٥١. وقال أبو الحجاج المالكي: لا حد لأقل الحيض عندنا. ن تهذيب المسالك: ٢/٩٧..
٢٤ - يقال لرجل كثير المذي: مذّاء. والمذي ماء رقيق أبيض يخرج من مجرى البول عند شهوة. وقد يخرج بغير شهوة، ولا دفق معه، ولا يعقبه فتور. وقد لا يحس بخروجه. ن القاموس الفقهي.
وأخرج البخاري في الوضوء (٤) باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين (٣٣) (ر١٧٦) عن محمد بن الحنفية قال: قال علي: كنت رجلا مذاء، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال: « فيه الوضوء ». وأخرجه في العلم (ر١٣٢) وفي الغسل (ر٢٦٦). وأخرجه مسلم وأصحاب السنن. .

٢٥ - البقرة: ٢٢٢. وتمامها: ﴿ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا اَلنِّسَاء فِى اِلْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اَللَّهُ إِنَّ اَللَّهَ يُحِبُّ اَلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ اَلْمُتَطَهِّرِينَ﴾..
٢٦ - البقرة: ٢٢٢..
٢٧ - سبق تخريجه..
٥١- قال الشافعي رضي الله عنه : قال الله عز وجل :﴿ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ﴾ الآية.
قال الشافعي : احتملت الآية معنيين : أحدهما، أن تؤتى المرأة من حيث شاء زوجها، لأن ﴿ أَنّى شِئْتُمْ ﴾ يبين : أين شئتم لا محظور منها كما لا محظور من الحرث، واحتملت أن الحرث إنما يراد به النبات، وموضع الحرث الذي يطلب به الولد الفرْجُ دون ما سواه لا سبيل لطلب الولد غيره. فاختلف أصحابنا في إتيان النساء في أدبارهن، فذهب ذاهبون منهم إلى إحلاله، وآخرون إلى تحريمه، وأحسب كلا الفريقين تأولوا ما وصفت من احتمال الآية على موافقة كل واحد منهما.
قال الشافعي : فطلبنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدنا حديثين مختلفين : أحدهما ثابت، وهو حديث ابن عيينة عن محمد بن المنكدر١ أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كانت اليهود تقول : من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول، فأنزل الله عز وجل :﴿ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمُ أَنّى شِئْتُمْ ﴾.
أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع٢ قال : أخبرني عبد الله بن علي بن السائب٣، عن عمرو بن أحيحة بن الجَلاَحِ٤، أو عمرو بن فلان بن أحيحة بن الجلاح : أنا شككت ـ يعني الشافعي ـ عن خزيمة بن ثابت٥ : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن أو إتيان الرجل امرأته في دبرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« أي حلال » فلما ولَّى الرَّجُل دَعَاه أو أَمَرَ به فَدُعِي فقال :« كيف قلت ؟ في أي الخُرْبَتَيْن٦ أو في أي الخُرْزَتَيْنِ أو في أي الخُصْفَتَيْنِ، أَوَمِنْ دبرها في قبلها فنعم، أَوَمِنْ دبرها في دبرها فلا، فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن »٧.
قال : فما تقول ؟ قلتُ : عمي ثقة، وعبد الله بن علي ثقة، وقد أخبرني محمد عن الأنصاري بها أنه أثنى عليه خيرا، وخزيمة ممن لا يشك عالم في ثقته. فلستُ أُرَخِّصُ فيه بل أنهى عنه. ( الأم : ٥/١٧٣-١٧٤. ون مختصر المزني ص : ١٧٤. )
ــــــــــــ
٥٢- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل :﴿ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمُ ﴾٨ الآية.
قال الشافعي : وبين أن موضع الحرث موضع الولد، وأن الله تعالى أباح الإتيان فيه إلا في وقت المحيض. و ﴿ أَنّى شِئْتُمْ ﴾ : من أين شئتم.
قال الشافعي : وإباحة الإتيان في موضع الحرث يشبه أن يكون تحريم إتيان في غيره، فالإتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في القبل محرم بدلالة الكتاب ثم السنة.
أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع، عن عبد الله بن علي بن السائب، عن عمرو بن أحيحة أو ابن فلان ابن أحيحة ابن فلان الأنصاري قال : قال محمد بن علي، وكان ثقة، عن خزيمة بن ثابت : أن سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :« حلال » ثم دعاه أو أمر به فدعي، فقال :« كيف قلتَ ؟ في أي الخربتين، أو في أي الحرزتين، أو في أي الخصفتين، أمن دبرها في قبلها فنعم، أم من دبرها في دبرها فلا، إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن »٩.
قال الشافعي : فأما التلذذ بغير إبلاغ الفرج بين الأَليَتَيْن١٠ وجميع الجسد فلا بأس به إن شاء الله تعالى. قال : وسواء هو من الأمة أو الحرة، فإذا أصابها فيما هنالك لم يحللها لزوج إن طلقها ثلاثا، ولم يحصنها، ولا ينبغي لها تركه، وإن ذهبت إلى الإمام نهاه، فإن أقر بالعودة له أدَّبه دون الحد، ولا غُرم عليه فيه لها لأنها زوجة، ولو كان في زنا حُدَّ فيه ـ إن فعله ـ حد الزنا ـ وأُغْرِمَ إن كان غاصبا لها ـ مهر مثلها. قال : ومن فعله وجب عليه الغسل وأفسد حَجَّهُ. ( الأم : ٥/٩٤. ون أحكام الشافعي : ١/١٩٤. )
١ - محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهبير التيمي المدني الحافظ. عن: أبيه، وعائشة، وأبي هريرة، وأبي قتادة، وأبي أيوب، وجابر. وعنه: شعبة ومالك، والسفيانان. إمام بكاء متأله، ت سنة: ١٣٠هـ. الكاشف: ٣/٨١. ون التهذيب: ٧/٤٤٤. وقال في التقريب: ثقة..
٢ - محمد بن علي بن شافع المطلبي. عن: ابن عم أبيه عبد الله بن السائب، والزهري. وعنه: سبطه إبراهيم بن محمد، والشافعي ووثقه، ويونس بن محمد. الكاشف: ٣/٦٣. ون التهذيب: ٧/٣٣٣. وقال في التقريب: وثقه الشافعي..
٣ - عبد الله بن علي بن السائب المطلبي. عن: عمرو بن أحيحة، ونافع بن عجير. وعنه: سعيد بن أبي هلال، ومحمد بن علي بن شافع، ولم يضعف. الكاشف: ٢/١٠٧. ون التهذيب: ٤/٤٠٣. وقال في التقريب: مستور. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٢٤ فقال: بل صدوق حسن الحديث، فقد روى عنه أربعة وذكره ابن حبان في «الثقات»..
٤ - عمرو بن أحيحة بن الجلاح صحابي. عنه: عبد الله بن علي بن السائب. له حديث عن خزيمة لم يصح الكاشف: ٢/٣١٢. ون الإصابة: ٤/٥٩٨. والتهذيب: ٦/١١٥. وقال في التقريب: عمرو بن أحيحة بن الجلاح الأنصاري المدني، مقبول، ووهم من زعم أن له صحبة، فكأن الصحابي جد جده، وافق هو اسمه واسم أبيه. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٨٧ فقال: بل مجهول، تفرد بالرواية عنه عبد الله بن علي بن السائب المطلبي، وفي إسناد حديثه اختلاف كبير..
٥ - خزيمة بن ثابت بن الفاكه الخطمي ذو الشهادتين. عنه: ابنه عمارة، وابن أبي ليلى. شهد أحدا وصفين. الكاشف: ١/٢٣٥. ون الإصابة: ٢/٢٧٨. و الطبقات الكبرى: ٤/٣٧٨. والتهذيب: ٢/٥٥٦. وقال في التقريب: من كبار الصحابة..
٦ - مثنى خُرْبة: كل ثقب مستدير، مثل ثقب الأذن. والخُربتين والخُرزتين والخُصفتين: يعني الثقبتين، والثلاثة بمعنى واحد. وكلها رويت. اللسان: خرب..
٧ - رواه البيهقي في النكاح باب: إتيان النساء في أدبارهن ٧/١٩٦. ورواه الشافعي في المسند (ر١١٠٢)..
٨ - البقرة: ٢٢٣. وتمامها: ﴿أَنّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَِنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اَللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ اِلْمُومِنِينَ﴾.
٩ - سبق تخريجه..
١٠ - الأليتان: مثنى أَلْيَةٌ بالفتح: وهي العجيزة للناس وغيرهم. وقيل: هو ما ركب العجز من اللحم والشحم. والجمع: أليات وألايا. ولا تقل: لِيَّةٌ ولا إِلْيَةٌ فإنهما خطأ. وفي الحديث: لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة. اللسان: ألا..
٥٣- قال الشافعي : قال الله :﴿ لِّلذِينَ يُولُونَ١ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَاءو فَإِنَّ اَللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا اَلطَّلَاقَ فَإِنَّ اَللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ فقال الأَكْثَرُ مِمَّن رُويَ عنه من أصحاب النبي عندنا : إذا مَضَت أربعةُ أَشهر وُقِفَ المُولي، فإمَّا أن يَفِيءَ، وإما أن يُطَلِّق٢. وروي عن غيرهم من أصحاب النبي : عزيمة الطلاق انقضاء أربعة أشهر٣. ولم يُحفَظْ عن رسول الله في هذا ـ بأبي هو وأمي ـ شيئاً.
قال٤ : فأي القولين ذهبت ؟ قلت : ذهبت إلى أن المولي لا يلزمه طلاق، وأن امرأته إن طلبت حَقَّها منه لم أَعْرض له حتى تمضي أربعة أشهر فإذا مضت أربعة أشهر قلت له : فِئ أو طلِّق. والفَِيْئَةُ٥ : الجِمَاعُ.
قال : فكيف اخترته على القول الذي يخالفه ؟ قلتُ : رأيته أشبه بمعنى كتاب الله وبالمعقول. قال : وما دَلَّ عليه من كتاب الله ؟ قلتُ : لما قال الله :﴿ لِّلذِينَ يُولُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ﴾٦ : كان الظاهر في الآية أَنَّ من أَنْظَرَهُ الله أربعة أشهر في شيء لم يكن له عليه سبيل حتى تمضي أربعة أشهر. قال : فقد يُحْتَمَلُ أن يكون الله عز وجل جَعَلَ لَهُ أربعة أشهر يَفِيءُ فيها، كما تقول : قد أجَّلْتُكَ في بناء هذه الدار أربعة أشهر تفرغ فيها منها. قال : فقلت له : هذا لا يتوهمه من خوطب به حتى يشترط في سياق الكلام، ولو قال : قد أَجَّلْتُكَ فيها أربعة أشهر : كان إنما أَجَّلَهُ أربعة أشهر لا يجد عليه سبيلا حتى تنقضي ولم يفرغ منها، فلا يُنْسب إليه أن لم يفرغ من الدار وأنه أخلف في الفراغ منها ما بقي من الأربعة أشهر شيء، فإذا لم يبق منها شيء لزمه إثْمُ الخَلْفِ، وقد يكون في بناء الدار دلالة على أن يقارِبَ الأربعة، وقد بقي منها ما يحيط العلم أنه لا يبنيه فيما بقي من الأربعة.
وليس في الفيئة دِلالة على أن لا يَفِيءَ إلا مُضِيُّهَا، لأن الجماع يكون في طرفة عين، فلو كان على ما وصفْتَ تزايل حاله حتى تمضي أربعة أشهر، ثم تزايل٧ حالُهُ الأولى، فإذا زايلها صار إلى أنَّ لله عليه حقاً، فإما أن يفيء وإما أن يطلق.
فلو لم يكن في آخر الآية ما يدل على أن معناها غيرُ ما ذهبتَ إليه كان قوله٨ أولاهما بها، لما وصفنا، لأنه ظاهرها.
والقرآن على ظاهره، حتى تأتي دلالة منه أو سنة أو إجماع بأنه على باطن دون ظاهر.
قال : فما في سياق الآية ما يدل على ما وصفت ؟ قلت : لما ذكر الله عز وجل أن للمولي أربعة أشهر ثم قال :﴿ فَإِن فَاءو فَإِنَّ اَللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا اَلطَّلَاقَ فَإِنَّ اَللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾٩
فذكر الحُكْمَيْنِ معا بلا فَصْلٍ بينهما : أنهما إنما يقعان بعد الأربعة الأشهر، لأنه إنما جعل عليه الفيئة أو الطلاق، وجعل له الخيار فيهما في وقت واحد، فلا يتقدمُ واحد منهما صاحبَهُ وقد ذكرا في وقت واحد، كما يقال له في الرهن١٠ : أفْدِهِ أو نَبِيعَهُ عليك، بِلا فَصْلِ ؛ وفي كل ما خُيِّرَ فيه : افعل كذا أو كذا، بلا فصلٍ. ولا يجوز أن يكونا ذُكرا بلا فصلٍ فيقال الفيئة فيما بين أن يولي أربعة أشهر، وعزيمة الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر، فيكونان حُكْمَيْنِ ذُكِرا معًا، يُفسحُ في أحدهما ويُضيَّقُ في الآخر.
قال : فأنت تقول : إن فاء قبل الأربعة الأشهر فهي فيئة ؟ قلتُ : نعم، كما أقول : إن قضيت حقا عليك إلى أجل قبل محِلِّهِ فقد برئت منه وأنت مُحْسِنٌ مُتَسَرِّعٌ بتقديمه قبل أن يَحِلَّ عليك. فقلت له : أرأيت من الإثم كان١١ مُزْمِعًا على الفيئة في كل يوم إلا أنه لم يجامع حتى تنقضي أربعة أشهر ؟ قال : فلا يكون الإزماعُ على الفيئة شيئا حتى يفيء، والفيئة الجماع إذا كان قادرا عليه.
قلتُ : ولو جامع لا ينوي فيئة خرج من طلاق الإيلى١٢ ! لأن المعنى في الجماع ؟ قال : نعم.
قلتُ : وكذلك لو كان عازما على أن لا يفيءَ، يحلفُ في كلِّ يومٍ ألا يفيءَ، ثم يجامعُ قبل مضي الأربعة الأشهر بطرفة عينٍ : خرجَ من طلاق الإيلى ؟ وإن كان جماعه لغير الفيئة خرج به من طلاق الإيلى ؟ قال : نعم. قلتُ : ولا يَمْنَعُ١٣ عزمه على أن لا يفيء ؟ ولا يمنعه جماعه بلذَّةٍ لغير الفيئة، إذا جامع بالجماع : من أن يخرُجَ به من طلاق الإيلى عندنا وعندك ؟ قال : هذا كما قلتَ، وخروجَهُ بالجماع، على أَيِّ معنى كان الجماعُ.
قلتُ : فكيف يكون عازما على أن يفيء في كل يوم، فإذا مضت أربعة أشهر لزمه الطلاق، وهو لم يعزم عليه، ولم يتكلم به ؟ أَتُرَى هذا قولا يصِحُّ في العقول لأحدٍ ؟ ! قال : فما يفسده من قبل العقول ؟ قلتُ : أرأيتَ إذا قال الرجل لامرأته : والله لا أقربُكِ أبدًا : أهُوَ كقوله : أنت طالقٌ إلى أربعة أشهر ؟ قال : إنْ قُلتُ نَعَمْ ؟ قُلتُ : فإن جامع قبل الأربعة ؟ قال : فلا، ليس مثل قوله أنتِ طالقٌ إلى أربعة أشهر.
قال : فَتَكَلُّمُ المولي بالإيلى ليس هو طلاق، وإنما هي يمينٌ، ثم جاءت عليها مدة جعلتها طلاقا، أيجوز لأحدٍ يعقِلُ من حيْثُ يقولُ أن يَقُولَ مثل هذا إلا بِخَبَرٍ لاَزِمٍ ؟ ! قال : فهو يَدْخُلُ عليك مثل هذا. قلتُ : وأين ؟ قال : أنت تقول : إذا مضتْ أربعة أشهرٍ وُقِفَ، فإن فاء وإلا جُبِرَ على أَنْ يُطَلِّقَ. قلتُ : ليس من قِبَلِ أنَّ الإيلى طلاقٌ، ولكنها يمينٌ جعل الله لها وقتا منع بها الزوجَ من الضِّرار، وحَكَمَ عليه إذا كانت أن جعل عليه إما أن يفيء وإما أن يطلق، وهذا حكم حادثٌ بِمُضِيِّ أربعة الأشهر، غيرُ الإيلى، ولكنه مُؤْتَنَفٌ١٤ يُجْبَرُ صاحبه على أن يأتي بأيهما شاء : فيئة أو طلاق، فإن امتنع منهما أُخِذَ مِنْهُ الذي يُقْدَرُ على أَخْذِهِ مِنهُ، وذلك أن يُطَلَّقَ عَليه. لأنه لا يحل أن يُجَامَعَ عنه ! ( الرسالة : ٥٧٦-٥٨٦. ون الأم : ٧/٢٣-٢٤. وأحكام الشافعي : ١/٢٣٠-٢٣٣. ومعرفة السنن والآثار : ٥/٥١٧-٥١٩. )
ــــــــــــ
٥٤- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ لِّلذِينَ يُولُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَاءو فَإِنَّ اَللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا اَلطَّلَاقَ فَإِنَّ اَللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾١٥
قال الشافعي : أخبرنا ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان ابن يسار١٦ قال : أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يقول بوقف المولي١٧.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان بن عيينة، عن أبي إسحاق الشيباني١٨، عن الشعبي، عن عمرو بن سلمة١٩ قال : شهدت عليا رضي الله تعالى عنه أَوقَفَ٢٠ المولي٢١.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان، عن ليث بن أبي سُلَيْم٢٢، عن مجاهد، عن مروان ابن الحكم٢٣ : أن عليا رضي الله تعالى عنه أوقف المولي٢٤.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان، عن مَسْعَر بنِ كِدَام٢٥، عن حبيب بن أبي ثابت٢٦، عن طاوس : أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه كان يوقف المولي٢٧.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا سفيان، عن أبي الزناد٢٨، عن القاسم بن محمد قال : كانت عائشة رضي الله تعالى عنها إذا ذكر لها الرجل يحلف أن لا يأتي امرأته فيدعها خمسة أشهر لا ترى ذلك شيئا حتى يوقف، وتقول : كيف قال الله عز وجل :﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ اَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾٢٩.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال : إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف، فإما أن يطلق، وإما أن يفيء٣٠.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه : أن عليا رضي الله تعالى عنه كان يوقف المولي٣١. ( الأم : ٥/٢٦٥. ون مختصر المزني ص : ١٩٧. )
١ - من الإيلاء وهو أن يحلف الرجل أن لا يقرب امرأته، فإن حدد لذلك أجلا أقل من أربعة أشهر فلا شيء عليه، وإن زاد عنها أو لم يحدد أجلا كان موليا، وعليه إما أن يفيء في الأربعة الأشهر ويكفر عن يمينه، وإما أن يطلق. والحلف إنما يكون بالله عز وجل.
قال الشافعي: ولا يحلف بشيء دون الله تبارك وتعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ».
قال الشافعي: فمن حلف بالله عز وجل فعليه الكفارة إذا حنث، ومن حلف بشيء غير الله تعالى فليس بحانث، ولا كفارة عليه إذا حنث، والمولي من يحلف بيمين يلزمه بها كفارة. الأم: ٥/٢٦٥.
قال العلامة شاكر: وهذا هو الحق، وفي الإيلاء تفاصيل كثيرة عند الفقهاء. ن هامش الصفحة: ٥٧٦-٥٧٧. من الرسالة..

٢ - هذا مذهب بن عمر ورواه عنه البخاري في الطلاق (٧١) باب: قول الله تعالى: ﴿لِّلذِينَ يُولُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ.. ﴾ (ر٤٩٨٥) وقال: ويذكر ذلك عن عثمان، وعلي، وأبي الدرداء، وعائشة، واثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الحافظ في الفتح ٩/٥٣٦: وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وسائر أصحاب الحديث. نفس المصدر السابق..
٣ - وهذا قول ابن مسعود وجماعة من التابعين، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، والثوري، وأهل الكوفة، كما حكاه ابن رشد في بداية المجتهد، والترمذي في سننه. نفس المصدر السابق..
٤ - أي مناظره..
٥ - الفَيْءُ والفَيْئَةُ والفِيئَةُ أي الرجوع: اللسان فيأ. ومعنى قول الشافعي: الفيئة: الجماع، أي الرجوع من عدم الجماع إلى الجماع، والله أعلم..
٦ - البقرة: ٢٢٦..
٧ - من التزايل: التباين. اللسان: زيل..
٨ - أي كان القول بغير ما ذهبت إليه أولى القولين بالآية..
٩ - البقرة: ٢٢٦-٢٢٧..
١٠ - الرهن: الحبس. وشرعا المال الذي يجعل وثيقة بالدين، ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه. القاموس الفقهي..
١١ - يعني: أرأيت من الإثم الصورة الآتية: كان مزمعا إلخ؟.
١٢ - « الإيلاء » مهموز، ولغة قريش تخفيف الهمزات في أكثر الكلام. فإذا حذفت صار على صورة المقصور، فيكتب بالياء، والربيع يكتب أكثر الكلمات بالألف، وكتب كلمة « الإيلى » بالياء ليرشد القارئ إلى أنها في لغة الشافعي بحذف الهمزة. ن هامش الرسالة: ٥٨٢..
١٣ - والمعنى أن الشافعي يسأل مناظره عما إذا كان المولي عازما أن لا يفيء وجامع بلذة وهو لا ينوي الفيئة، ألا يصنع عزمه ذلك شيئا؟ ولا يمنع من أن يكون جماعه فيئة وإن خالف عزمه؟ فقوله «يصنع» حذف مفعوله لفهمه من سياق الكلام. ن هامش الرسالة: ٥٨٣..
١٤ - مؤتنف: أي جديد مستأنف..
١٥ - البقرة: ٢٢٦-٢٢٧..
١٦ - سليمان بن يسار، مولى ميمونة أم المؤمنين. عن: مولاته، وأبي هريرة. وعنه: يحيى بن سعيد، وربيعة الرأي، وصالح بن كيسان. وكان من فقهاء المدينة. قال الحسن بن محمد بن الحنفية: هو عندنا أفهم من سعيد بن المسيب. وقال أبو زرعة: ثقة مأمون عابد فاضل، يقال مات سنة: ١٠٧هـ. الكاشف: ١/٣٥٤. ون التهذيب: ٣/٥١٢. وقال في التقريب: ثقة فاضل..
١٧ - رواه البيهقي في الإيلاء باب: من قال يوقف المولي ٧/٣٧٦.
ورواه الشافعي في المسند (ر١١٥١)..

١٨ - سليمان بن أبي سليمان، واسمه فيروز، ويقال: خاقان، ويقال: عمرو، أبو إسحاق الشيباني مولاهم الكوفي، وقيل: مولى ابن عباس، والأول أصح. روى عن أبي الزناد، وعكرمة مولى ابن عباس، وإبراهيم النخعي، وغيرهم. وعنه: ابنه إسحاق، والثوري، وشعبة، وابن إدريس، وغيرهم. وثقه ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي. وقال العجلي: كان ثقة من كبار أصحاب الشعبي. وقال البخاري: مات سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة. التهذيب: ٣/٤٨٢. وقال في التقريب: ثقة..
١٩ - عمرو بن سلمة الجرمي. أمَّ قومه زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وله عن: أبيه. وعنه: عاصم الأحول، وأيوب، وجماعة. الكاشف: ٢/٣١٩. والإصابة: ٤/٦٤٣. والتهذيب: ٦/١٥٣. وقال في التقريب: صحابي صغير..
٢٠ - أوقف المولي: أي أحضر القاضي المولي، وأوقفه أمامه، وخيره بين الفيء أو الطلاق..
٢١ - رواه البيهقي في الإيلاء باب: من قال يوقف المولي ٧/٣٧٧.
ورواه الشافعي في المسند (ر١١٥٢)..

٢٢ - ليث بن أبي سليم، أبو بكر القرشي مولاهم الكوفي. عن: مجاهد وطبقته، لا نعلمه لقي صحابيا. وعنه: شعبة، وزائدة، وجرير. فيه ضعف يسير من سوء حفظه. كان ذا صلاة وصيام وعلم كثير، وبعضهم احتج به. ت سنة: ١٤٨هـ. الكاشف: ٢/٤٠٥. ون التهذيب: ٦/٦١١ وقال في التقريب: صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك..
٢٣ - مروا بن الحكم. ولد سنة اثنتين، ولم يصح له سماع. وله عن: عثمان وسبرة. وعنه: عروة، ومجاهد، وعلي بن الحسين. دولته تسعة أشهر وأيام. مات في رمضان سنة ٤٥هـ، وتملك ابنه عبد الملك الكاشف: ٣/١١٣. ون التهذيب: ٨/١١٠. وقال في التقريب: لا تثبت له صحبة..
٢٤ - رواه البيهقي في الإيلاء باب: من قال يوقف المولي ٧/٣٧٧. ورواه الشافعي في المسند (ر١١٥٣)..
٢٥ - مسعر بن كدام أبو سلمة الهلالي الكوفي، أحد الأعلام. عن: عطاء، وسعيد بن أبي بريدة، وقيس بن مسلم. وعنه: القطان، ويحيى بن آدم. حديثه ألف. قال القطان: ما رأيت مثله. وقال شعبة: كنا نسميه المصحف من إتقانه. قلت: وكان من العباد القانتين. ت سنة ١٥٥هـ. الكاشف: ٣/١١٨. ون التهذيب: ٨/١٣٦. وقال في التقريب: ثقة ثبت فاضل..
٢٦ - حبيب بن أبي ثابت الأسدي. عن: ابن عباس، وزيد بن أسلم. وعنه: شعبة، وسفيان، وأمم. كان ثقة مجتهدا فقيها. ت سنة ١١٩هـ. الكاشف: ١/١٥٦. ون التهذيب: ٢/١٥٣. وقال في التقريب: ثقة فقيه جليل وكان كثير الإرسال والتدليس. وتعقبه صاحب التحرير: ١/٢٤٥ فقال: قوله: «وكان كثير الإرسال والتدليس» فيه نظر، فإن هذا القول لا يصح. وقد نقموا عليه رواية حديث ترك الوضوء من القبلة، وحديث المستحاضة، فقالوا: لم يسمعه من عروة، وبعضهم قال: لم يسمع من عروة شيئا. وهذه دعوى ردها ابن عبد البر بأن حبيب بن أبي ثابت قد روى عمن هو أكبر من عروة وأقدم موتا، وقال أيضا: لا شك أنه لقي عروة. وقال أبو داود في كتاب السنن: وقد روى حمزة الزيات، عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة حديثا صحيحا. وقول ابن عدي فيه يدل على أنه حجة ثقة، ولم يذكره بتدليس. ونعتقد أن وصفه بالتدليس من قبل ابن خزيمة وابن حبان إنما هو من أجل هذا الحديث فقط وحديث المستحاضة، فكان ماذا؟! أما قول ابن حجر في «طبقات المدلسين»: يكثر التدليس، وصفه بذلك ابن خزيمة والدارقطني وغيرهما، يرده كلامه في مقدمة «الفتح»..
٢٧ - رواه البيهقي في الإيلاء باب: من قال يوقف المولي ٧/٣٧٧. ورواه الشافعي في المسند (ر١١٥٤)..
٢٨ - عبد الله بن ذكوان، أبو عبد الرحمن، هو الإمام أبو الزناد المدني، مولى بني أمية. وذكوان هو أخو أبي لؤلؤة قاتل عمر رضي الله عنه. عن: أنس، وعمر بن أبي سلمة ولم يره فيما قيل، وسعيد بن المسيب، والأعرج، وعدة. وعنه: مالك، والليث، والسفيانان. ثقة ثبت. مات فجأة في رمضان سنة ١٣١هـ. الكاشف: ٢/٨٠. ون التهذيب: ٤/٢٨٧. وقال في التقريب: ثقة فقيه..
٢٩ - البقرة: ٢٢٩. ورواه البيهقي في الإيلاء باب: من قال يوقف المولي ٧/٣٧٨. ورواه الشافعي في المسند (ر١١٥٥)..
٣٠ - رواه البخاري في الطلاق (٧١) باب: قول الله تعالى: ﴿ لِّلذِينَ يُولُونَ مِن نِّسَآئِهِمٍْ ﴾ (١٩) (ر٤٩٨٥).
ورواه مالك في الطلاق (٢٩) باب: الإيلاء (٦) (ر١٨).
ورواه البيهقي في الإيلاء باب: من قال يوقف المولي ٧/٣٧٧.
ورواه الشافعي في المسند (ر١١٥٦)..

٣١ - رواه مالك في الطلاق (٢٩) باب: الإيلاء (٦)(ر١٧) عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول: إذا آلى الرجل من امرأته، لم يقع عليه طلاق. وإن مضت الأربعة الأشهر، حتى يوقف، فإما أن يطلق، وإما أن يفيء. قال مالك: وذلك الأمر عندنا.
ورواه البيهقي في الإيلاء باب: من قال يوقف المولي ٧/٣٧٧.
ورواه الشافعي في المسند (ر١١٥٧)..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٢٦:٥٣- قال الشافعي : قال الله :﴿ لِّلذِينَ يُولُونَ١ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَاءو فَإِنَّ اَللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا اَلطَّلَاقَ فَإِنَّ اَللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ فقال الأَكْثَرُ مِمَّن رُويَ عنه من أصحاب النبي عندنا : إذا مَضَت أربعةُ أَشهر وُقِفَ المُولي، فإمَّا أن يَفِيءَ، وإما أن يُطَلِّق٢. وروي عن غيرهم من أصحاب النبي : عزيمة الطلاق انقضاء أربعة أشهر٣. ولم يُحفَظْ عن رسول الله في هذا ـ بأبي هو وأمي ـ شيئاً.
قال٤ : فأي القولين ذهبت ؟ قلت : ذهبت إلى أن المولي لا يلزمه طلاق، وأن امرأته إن طلبت حَقَّها منه لم أَعْرض له حتى تمضي أربعة أشهر فإذا مضت أربعة أشهر قلت له : فِئ أو طلِّق. والفَِيْئَةُ٥ : الجِمَاعُ.
قال : فكيف اخترته على القول الذي يخالفه ؟ قلتُ : رأيته أشبه بمعنى كتاب الله وبالمعقول. قال : وما دَلَّ عليه من كتاب الله ؟ قلتُ : لما قال الله :﴿ لِّلذِينَ يُولُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ﴾٦ : كان الظاهر في الآية أَنَّ من أَنْظَرَهُ الله أربعة أشهر في شيء لم يكن له عليه سبيل حتى تمضي أربعة أشهر. قال : فقد يُحْتَمَلُ أن يكون الله عز وجل جَعَلَ لَهُ أربعة أشهر يَفِيءُ فيها، كما تقول : قد أجَّلْتُكَ في بناء هذه الدار أربعة أشهر تفرغ فيها منها. قال : فقلت له : هذا لا يتوهمه من خوطب به حتى يشترط في سياق الكلام، ولو قال : قد أَجَّلْتُكَ فيها أربعة أشهر : كان إنما أَجَّلَهُ أربعة أشهر لا يجد عليه سبيلا حتى تنقضي ولم يفرغ منها، فلا يُنْسب إليه أن لم يفرغ من الدار وأنه أخلف في الفراغ منها ما بقي من الأربعة أشهر شيء، فإذا لم يبق منها شيء لزمه إثْمُ الخَلْفِ، وقد يكون في بناء الدار دلالة على أن يقارِبَ الأربعة، وقد بقي منها ما يحيط العلم أنه لا يبنيه فيما بقي من الأربعة.
وليس في الفيئة دِلالة على أن لا يَفِيءَ إلا مُضِيُّهَا، لأن الجماع يكون في طرفة عين، فلو كان على ما وصفْتَ تزايل حاله حتى تمضي أربعة أشهر، ثم تزايل٧ حالُهُ الأولى، فإذا زايلها صار إلى أنَّ لله عليه حقاً، فإما أن يفيء وإما أن يطلق.
فلو لم يكن في آخر الآية ما يدل على أن معناها غيرُ ما ذهبتَ إليه كان قوله٨ أولاهما بها، لما وصفنا، لأنه ظاهرها.
والقرآن على ظاهره، حتى تأتي دلالة منه أو سنة أو إجماع بأنه على باطن دون ظاهر.
قال : فما في سياق الآية ما يدل على ما وصفت ؟ قلت : لما ذكر الله عز وجل أن للمولي أربعة أشهر ثم قال :﴿ فَإِن فَاءو فَإِنَّ اَللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا اَلطَّلَاقَ فَإِنَّ اَللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾٩
فذكر الحُكْمَيْنِ معا بلا فَصْلٍ بينهما : أنهما إنما يقعان بعد الأربعة الأشهر، لأنه إنما جعل عليه الفيئة أو الطلاق، وجعل له الخيار فيهما في وقت واحد، فلا يتقدمُ واحد منهما صاحبَهُ وقد ذكرا في وقت واحد، كما يقال له في الرهن١٠ : أفْدِهِ أو نَبِيعَهُ عليك، بِلا فَصْلِ ؛ وفي كل ما خُيِّرَ فيه : افعل كذا أو كذا، بلا فصلٍ. ولا يجوز أن يكونا ذُكرا بلا فصلٍ فيقال الفيئة فيما بين أن يولي أربعة أشهر، وعزيمة الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر، فيكونان حُكْمَيْنِ ذُكِرا معًا، يُفسحُ في أحدهما ويُضيَّقُ في الآخر.
قال : فأنت تقول : إن فاء قبل الأربعة الأشهر فهي فيئة ؟ قلتُ : نعم، كما أقول : إن قضيت حقا عليك إلى أجل قبل محِلِّهِ فقد برئت منه وأنت مُحْسِنٌ مُتَسَرِّعٌ بتقديمه قبل أن يَحِلَّ عليك. فقلت له : أرأيت من الإثم كان١١ مُزْمِعًا على الفيئة في كل يوم إلا أنه لم يجامع حتى تنقضي أربعة أشهر ؟ قال : فلا يكون الإزماعُ على الفيئة شيئا حتى يفيء، والفيئة الجماع إذا كان قادرا عليه.
قلتُ : ولو جامع لا ينوي فيئة خرج من طلاق الإيلى١٢ ! لأن المعنى في الجماع ؟ قال : نعم.
قلتُ : وكذلك لو كان عازما على أن لا يفيءَ، يحلفُ في كلِّ يومٍ ألا يفيءَ، ثم يجامعُ قبل مضي الأربعة الأشهر بطرفة عينٍ : خرجَ من طلاق الإيلى ؟ وإن كان جماعه لغير الفيئة خرج به من طلاق الإيلى ؟ قال : نعم. قلتُ : ولا يَمْنَعُ١٣ عزمه على أن لا يفيء ؟ ولا يمنعه جماعه بلذَّةٍ لغير الفيئة، إذا جامع بالجماع : من أن يخرُجَ به من طلاق الإيلى عندنا وعندك ؟ قال : هذا كما قلتَ، وخروجَهُ بالجماع، على أَيِّ معنى كان الجماعُ.
قلتُ : فكيف يكون عازما على أن يفيء في كل يوم، فإذا مضت أربعة أشهر لزمه الطلاق، وهو لم يعزم عليه، ولم يتكلم به ؟ أَتُرَى هذا قولا يصِحُّ في العقول لأحدٍ ؟ ! قال : فما يفسده من قبل العقول ؟ قلتُ : أرأيتَ إذا قال الرجل لامرأته : والله لا أقربُكِ أبدًا : أهُوَ كقوله : أنت طالقٌ إلى أربعة أشهر ؟ قال : إنْ قُلتُ نَعَمْ ؟ قُلتُ : فإن جامع قبل الأربعة ؟ قال : فلا، ليس مثل قوله أنتِ طالقٌ إلى أربعة أشهر.
قال : فَتَكَلُّمُ المولي بالإيلى ليس هو طلاق، وإنما هي يمينٌ، ثم جاءت عليها مدة جعلتها طلاقا، أيجوز لأحدٍ يعقِلُ من حيْثُ يقولُ أن يَقُولَ مثل هذا إلا بِخَبَرٍ لاَزِمٍ ؟ ! قال : فهو يَدْخُلُ عليك مثل هذا. قلتُ : وأين ؟ قال : أنت تقول : إذا مضتْ أربعة أشهرٍ وُقِفَ، فإن فاء وإلا جُبِرَ على أَنْ يُطَلِّقَ. قلتُ : ليس من قِبَلِ أنَّ الإيلى طلاقٌ، ولكنها يمينٌ جعل الله لها وقتا منع بها الزوجَ من الضِّرار، وحَكَمَ عليه إذا كانت أن جعل عليه إما أن يفيء وإما أن يطلق، وهذا حكم حادثٌ بِمُضِيِّ أربعة الأشهر، غيرُ الإيلى، ولكنه مُؤْتَنَفٌ١٤ يُجْبَرُ صاحبه على أن يأتي بأيهما شاء : فيئة أو طلاق، فإن امتنع منهما أُخِذَ مِنْهُ الذي يُقْدَرُ على أَخْذِهِ مِنهُ، وذلك أن يُطَلَّقَ عَليه. لأنه لا يحل أن يُجَامَعَ عنه ! ( الرسالة : ٥٧٦-٥٨٦. ون الأم : ٧/٢٣-٢٤. وأحكام الشافعي : ١/٢٣٠-٢٣٣. ومعرفة السنن والآثار : ٥/٥١٧-٥١٩. )
ــــــــــــ

٥٤-
قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ لِّلذِينَ يُولُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَاءو فَإِنَّ اَللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا اَلطَّلَاقَ فَإِنَّ اَللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾١٥
قال الشافعي : أخبرنا ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان ابن يسار١٦ قال : أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يقول بوقف المولي١٧.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان بن عيينة، عن أبي إسحاق الشيباني١٨، عن الشعبي، عن عمرو بن سلمة١٩ قال : شهدت عليا رضي الله تعالى عنه أَوقَفَ٢٠ المولي٢١.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان، عن ليث بن أبي سُلَيْم٢٢، عن مجاهد، عن مروان ابن الحكم٢٣ : أن عليا رضي الله تعالى عنه أوقف المولي٢٤.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان، عن مَسْعَر بنِ كِدَام٢٥، عن حبيب بن أبي ثابت٢٦، عن طاوس : أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه كان يوقف المولي٢٧.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا سفيان، عن أبي الزناد٢٨، عن القاسم بن محمد قال : كانت عائشة رضي الله تعالى عنها إذا ذكر لها الرجل يحلف أن لا يأتي امرأته فيدعها خمسة أشهر لا ترى ذلك شيئا حتى يوقف، وتقول : كيف قال الله عز وجل :﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ اَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾٢٩.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال : إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف، فإما أن يطلق، وإما أن يفيء٣٠.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه : أن عليا رضي الله تعالى عنه كان يوقف المولي٣١. ( الأم : ٥/٢٦٥. ون مختصر المزني ص : ١٩٧. )
١ - من الإيلاء وهو أن يحلف الرجل أن لا يقرب امرأته، فإن حدد لذلك أجلا أقل من أربعة أشهر فلا شيء عليه، وإن زاد عنها أو لم يحدد أجلا كان موليا، وعليه إما أن يفيء في الأربعة الأشهر ويكفر عن يمينه، وإما أن يطلق. والحلف إنما يكون بالله عز وجل.
قال الشافعي: ولا يحلف بشيء دون الله تبارك وتعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ».
قال الشافعي: فمن حلف بالله عز وجل فعليه الكفارة إذا حنث، ومن حلف بشيء غير الله تعالى فليس بحانث، ولا كفارة عليه إذا حنث، والمولي من يحلف بيمين يلزمه بها كفارة. الأم: ٥/٢٦٥.
قال العلامة شاكر: وهذا هو الحق، وفي الإيلاء تفاصيل كثيرة عند الفقهاء. ن هامش الصفحة: ٥٧٦-٥٧٧. من الرسالة..

٢ - هذا مذهب بن عمر ورواه عنه البخاري في الطلاق (٧١) باب: قول الله تعالى: ﴿لِّلذِينَ يُولُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ.. ﴾ (ر٤٩٨٥) وقال: ويذكر ذلك عن عثمان، وعلي، وأبي الدرداء، وعائشة، واثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الحافظ في الفتح ٩/٥٣٦: وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وسائر أصحاب الحديث. نفس المصدر السابق..
٣ - وهذا قول ابن مسعود وجماعة من التابعين، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، والثوري، وأهل الكوفة، كما حكاه ابن رشد في بداية المجتهد، والترمذي في سننه. نفس المصدر السابق..
٤ - أي مناظره..
٥ - الفَيْءُ والفَيْئَةُ والفِيئَةُ أي الرجوع: اللسان فيأ. ومعنى قول الشافعي: الفيئة: الجماع، أي الرجوع من عدم الجماع إلى الجماع، والله أعلم..
٦ - البقرة: ٢٢٦..
٧ - من التزايل: التباين. اللسان: زيل..
٨ - أي كان القول بغير ما ذهبت إليه أولى القولين بالآية..
٩ - البقرة: ٢٢٦-٢٢٧..
١٠ - الرهن: الحبس. وشرعا المال الذي يجعل وثيقة بالدين، ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه. القاموس الفقهي..
١١ - يعني: أرأيت من الإثم الصورة الآتية: كان مزمعا إلخ؟.
١٢ - « الإيلاء » مهموز، ولغة قريش تخفيف الهمزات في أكثر الكلام. فإذا حذفت صار على صورة المقصور، فيكتب بالياء، والربيع يكتب أكثر الكلمات بالألف، وكتب كلمة « الإيلى » بالياء ليرشد القارئ إلى أنها في لغة الشافعي بحذف الهمزة. ن هامش الرسالة: ٥٨٢..
١٣ - والمعنى أن الشافعي يسأل مناظره عما إذا كان المولي عازما أن لا يفيء وجامع بلذة وهو لا ينوي الفيئة، ألا يصنع عزمه ذلك شيئا؟ ولا يمنع من أن يكون جماعه فيئة وإن خالف عزمه؟ فقوله «يصنع» حذف مفعوله لفهمه من سياق الكلام. ن هامش الرسالة: ٥٨٣..
١٤ - مؤتنف: أي جديد مستأنف..
١٥ - البقرة: ٢٢٦-٢٢٧..
١٦ - سليمان بن يسار، مولى ميمونة أم المؤمنين. عن: مولاته، وأبي هريرة. وعنه: يحيى بن سعيد، وربيعة الرأي، وصالح بن كيسان. وكان من فقهاء المدينة. قال الحسن بن محمد بن الحنفية: هو عندنا أفهم من سعيد بن المسيب. وقال أبو زرعة: ثقة مأمون عابد فاضل، يقال مات سنة: ١٠٧هـ. الكاشف: ١/٣٥٤. ون التهذيب: ٣/٥١٢. وقال في التقريب: ثقة فاضل..
١٧ - رواه البيهقي في الإيلاء باب: من قال يوقف المولي ٧/٣٧٦.
ورواه الشافعي في المسند (ر١١٥١)..

١٨ - سليمان بن أبي سليمان، واسمه فيروز، ويقال: خاقان، ويقال: عمرو، أبو إسحاق الشيباني مولاهم الكوفي، وقيل: مولى ابن عباس، والأول أصح. روى عن أبي الزناد، وعكرمة مولى ابن عباس، وإبراهيم النخعي، وغيرهم. وعنه: ابنه إسحاق، والثوري، وشعبة، وابن إدريس، وغيرهم. وثقه ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي. وقال العجلي: كان ثقة من كبار أصحاب الشعبي. وقال البخاري: مات سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة. التهذيب: ٣/٤٨٢. وقال في التقريب: ثقة..
١٩ - عمرو بن سلمة الجرمي. أمَّ قومه زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وله عن: أبيه. وعنه: عاصم الأحول، وأيوب، وجماعة. الكاشف: ٢/٣١٩. والإصابة: ٤/٦٤٣. والتهذيب: ٦/١٥٣. وقال في التقريب: صحابي صغير..
٢٠ - أوقف المولي: أي أحضر القاضي المولي، وأوقفه أمامه، وخيره بين الفيء أو الطلاق..
٢١ - رواه البيهقي في الإيلاء باب: من قال يوقف المولي ٧/٣٧٧.
ورواه الشافعي في المسند (ر١١٥٢)..

٢٢ - ليث بن أبي سليم، أبو بكر القرشي مولاهم الكوفي. عن: مجاهد وطبقته، لا نعلمه لقي صحابيا. وعنه: شعبة، وزائدة، وجرير. فيه ضعف يسير من سوء حفظه. كان ذا صلاة وصيام وعلم كثير، وبعضهم احتج به. ت سنة: ١٤٨هـ. الكاشف: ٢/٤٠٥. ون التهذيب: ٦/٦١١ وقال في التقريب: صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك..
٢٣ - مروا بن الحكم. ولد سنة اثنتين، ولم يصح له سماع. وله عن: عثمان وسبرة. وعنه: عروة، ومجاهد، وعلي بن الحسين. دولته تسعة أشهر وأيام. مات في رمضان سنة ٤٥هـ، وتملك ابنه عبد الملك الكاشف: ٣/١١٣. ون التهذيب: ٨/١١٠. وقال في التقريب: لا تثبت له صحبة..
٢٤ - رواه البيهقي في الإيلاء باب: من قال يوقف المولي ٧/٣٧٧. ورواه الشافعي في المسند (ر١١٥٣)..
٢٥ - مسعر بن كدام أبو سلمة الهلالي الكوفي، أحد الأعلام. عن: عطاء، وسعيد بن أبي بريدة، وقيس بن مسلم. وعنه: القطان، ويحيى بن آدم. حديثه ألف. قال القطان: ما رأيت مثله. وقال شعبة: كنا نسميه المصحف من إتقانه. قلت: وكان من العباد القانتين. ت سنة ١٥٥هـ. الكاشف: ٣/١١٨. ون التهذيب: ٨/١٣٦. وقال في التقريب: ثقة ثبت فاضل..
٢٦ - حبيب بن أبي ثابت الأسدي. عن: ابن عباس، وزيد بن أسلم. وعنه: شعبة، وسفيان، وأمم. كان ثقة مجتهدا فقيها. ت سنة ١١٩هـ. الكاشف: ١/١٥٦. ون التهذيب: ٢/١٥٣. وقال في التقريب: ثقة فقيه جليل وكان كثير الإرسال والتدليس. وتعقبه صاحب التحرير: ١/٢٤٥ فقال: قوله: «وكان كثير الإرسال والتدليس» فيه نظر، فإن هذا القول لا يصح. وقد نقموا عليه رواية حديث ترك الوضوء من القبلة، وحديث المستحاضة، فقالوا: لم يسمعه من عروة، وبعضهم قال: لم يسمع من عروة شيئا. وهذه دعوى ردها ابن عبد البر بأن حبيب بن أبي ثابت قد روى عمن هو أكبر من عروة وأقدم موتا، وقال أيضا: لا شك أنه لقي عروة. وقال أبو داود في كتاب السنن: وقد روى حمزة الزيات، عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة حديثا صحيحا. وقول ابن عدي فيه يدل على أنه حجة ثقة، ولم يذكره بتدليس. ونعتقد أن وصفه بالتدليس من قبل ابن خزيمة وابن حبان إنما هو من أجل هذا الحديث فقط وحديث المستحاضة، فكان ماذا؟! أما قول ابن حجر في «طبقات المدلسين»: يكثر التدليس، وصفه بذلك ابن خزيمة والدارقطني وغيرهما، يرده كلامه في مقدمة «الفتح»..
٢٧ - رواه البيهقي في الإيلاء باب: من قال يوقف المولي ٧/٣٧٧. ورواه الشافعي في المسند (ر١١٥٤)..
٢٨ - عبد الله بن ذكوان، أبو عبد الرحمن، هو الإمام أبو الزناد المدني، مولى بني أمية. وذكوان هو أخو أبي لؤلؤة قاتل عمر رضي الله عنه. عن: أنس، وعمر بن أبي سلمة ولم يره فيما قيل، وسعيد بن المسيب، والأعرج، وعدة. وعنه: مالك، والليث، والسفيانان. ثقة ثبت. مات فجأة في رمضان سنة ١٣١هـ. الكاشف: ٢/٨٠. ون التهذيب: ٤/٢٨٧. وقال في التقريب: ثقة فقيه..
٢٩ - البقرة: ٢٢٩. ورواه البيهقي في الإيلاء باب: من قال يوقف المولي ٧/٣٧٨. ورواه الشافعي في المسند (ر١١٥٥)..
٣٠ - رواه البخاري في الطلاق (٧١) باب: قول الله تعالى: ﴿ لِّلذِينَ يُولُونَ مِن نِّسَآئِهِمٍْ ﴾ (١٩) (ر٤٩٨٥).
ورواه مالك في الطلاق (٢٩) باب: الإيلاء (٦) (ر١٨).
ورواه البيهقي في الإيلاء باب: من قال يوقف المولي ٧/٣٧٧.
ورواه الشافعي في المسند (ر١١٥٦)..

٣١ - رواه مالك في الطلاق (٢٩) باب: الإيلاء (٦)(ر١٧) عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول: إذا آلى الرجل من امرأته، لم يقع عليه طلاق. وإن مضت الأربعة الأشهر، حتى يوقف، فإما أن يطلق، وإما أن يفيء. قال مالك: وذلك الأمر عندنا.
ورواه البيهقي في الإيلاء باب: من قال يوقف المولي ٧/٣٧٧.
ورواه الشافعي في المسند (ر١١٥٧)..


٥٥- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ قال : والأَقْرَاء عندنا ـ والله تعالى أعلم ـ : الأطهار. فإن قال قائل : ما دل على أنها الأطهار، وقد قال غيركم الحيض ؟ قيل له : دلالتان : أولهما الكتاب الذي دلت عليه السنة، والآخر : اللسان. فإن قال : وما الكتاب ؟ قيل : قال الله تبارك وتعالى :﴿ إِذَا طَلَّقْتُمُ َالنِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾١.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر : أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« مُرْهُ فَلْيُرَاجعْهَا، ثم لِيُمْسِكْها حتى تَطْهُرَ، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يَمَسَّ، فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تُطَلَّقَ لها النساء »٢.
قال الشافعي : أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، أنه سمع ابن عمر يذكر طلاق امرأته حائضا. وقال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :« فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك، وتلا النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ إِذَا طَلَّقْتُمُ َالنِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُل عِدَّتِهِنَّ او فِى قُبُل عِدَّتِهِنَّ ﴾٣ »٤. قال الشافعي رحمه الله تعالى : أنا شككت.
قال الشافعي : فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أن العدة الطهرُ دون الحيض، وقرأ :﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُل عِدَّتِهِنَّ ﴾ : أن تطلق طاهرا، لأنها حينئذ تستقبل عدتها. ولو طلقت حائضا لم تكن مستقبلة عدتها إلا بعد الحيض.
فإن قال : فما اللسان ؟ قيل : القَرْءُ اسمٌ وُضع لمعنى، فلما كان الحيض دمًا يُرخيه الرحم فيخرج، والطهر دم يُحْتَبَسُ فلا يخرج، كان معروفا من لسان العرب أن القرء : الحَبْسُ، لقول العرب : هو يقري الماء في حوضه وفي سقائه، وتقول العرب : هو يقري الطعام في شدقه، يعني يحبس الطعام في شدقه.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنَّها انْتَقَلَتْ حَفْصَةَ بِنْتِ عبدِ الرحمان٥ حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة، قال ابن شهاب : فذكر ذلك لِعَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمان٦ فقالت : صدق عُرْوَة، وقد جادلها في ذلك ناس، فقالوا : إن الله تبارك اسمه يقول :﴿ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾٧، فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : صدقتم ! وهل تدرون ما الأقراء ؟ الأقراء : الأَطْهَاُر٨.
أخبرنا مالك، عن ابن شهاب قال : سمعت أبا بكر بن عبد الرحمان يقول : ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا، يريد الذي قالت عائشة٩.
أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن عمرة بنت عبد الرحمان، عن عائشة قالت : إذا طَعَنَتِ المطلقةُ في الدم من الحيضة الثالثة فقد بَرِئَتْ منه١٠.
أخبرنا مالك، عن نافع وزيد بن أسلم، عن سليمان بن يسار، أن الأحوص بن حكيم١١ هلك بالشام حين دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة، وقد كان طلقها، فكتب معاوية١٢ إلى زيد بن ثابت١٣ يسأله عن ذلك، فكتب إليه زيد : إنها إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها، ولا ترثه، ولا يرثها١٤.
أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري قال : حدثنا سليمان بن يسار، عن زيد بن ثابت، قال : إذا طعنت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها، ولا ترثه، ولا يرثها١٥.
أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال : إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة، فقد برئت منه وبرئ منها، ولا ترثه، ولا يرثها١٦.
أخبرنا مالك، عن الفضيل بن أبي عبد الله١٧ مولى المهري، أنه سأل القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله عن المرأة إذا طلقت فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة، فقالا : قد بانت منه وحَلَّتْ١٨.
أخبرنا مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبي بكر بن عبد الرحمان وسليمان بن يسار وابن شهاب أنهم كانوا يقولون : إذا دخلت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة، فقد بانت منه، ولا ميراث١٩.
قال الشافعي : والأقراء : الأطهار، والله تعالى أعلم. فإذا طلق الرجل امرأته طاهرا قبل جماع أو بعده، اعتدت بالطهر الذي وقع فيه الطلاق، ولو كان ساعة من نهار. وتعتد بطهرين تامَّين بين حيضتين، فإذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة حلَّت. ولا يؤخذ أبدا في القرء الأول إلا أن يكون فيما بين أن يوقع الطلاق، وبين أول حيض، ولو طلقها حائضا لم تعتد بتلك الحيضة، فإذا طهرت استقبلت القَرْءَ. ( الأم : ٥/٢٠٩-٢١٠. ون الأم : ٥/٩٩-١٠٠. ومختصر المزني ص : ٢١٧. والرسالة : ٥٦٢-٥٦٩. وأحكام الشافعي : ١/٢٤٦-٢٤٧. )
ــــــــــــــــ
٥٦- قال الشافعي : قال الله عز وجل في الآية التي ذكر فيها المطلقات ذوات الأقراء : ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾٢٠ الآية. قال الشافعي : فكان بينا في الآية بالتنزيل أنه لا يحل للمطلقة أن تكتم ما في رحمها من الحيض، وذلك أن يحدث للزوج عند خوفه انقضاء عدتها رأيٌ في ارتجاعها، ويكون طلاقه إياها أدبا لها لا إرادة أن تبين منه. فلتعْلمْهُ ذلك لئلا تنقضي عدتها، فلا يكون له سبيل إلى رجعتها، وكان ذلك يحتمل الحمْل مع الحيض، لأن الحمل مما خلق الله تعالى في أرحامهن.
وإذا سأل الرجل امرأته المطلقة : أحامل هي، أو هل حاضت ؟ فبينٌ عندي أن لا يحل لها أن تكتمه واحدا منهما، ولا أحدا رأيت أنه يعلمه إياه، وإن لم يسألها، ولا أحد يعلمه إياه، فأحبُّ إليَّ لو أخبرته به وإن لم يسألها، لأنه قد يقع اسم الكتمان على من ظن أنه يخبر الزوج لما له في إخباره من رجعةٍ أو تركٍ كما يقع الكتمان على من كتم شهادة لرجل عنده.
ولو كتمته بعد المسألة الحمْلَ والأقراء حتى خلت عدتها كانت عندي آثمة بالكتمان إذا سألت وكتمت، وخفت عليها الإثم إذا كتمته.
وإن لم تسأل، ولم يكن له عليها رجعة، لأن الله عز وجل إنما جعلها له حتى تنقضي عدتها، فإذا انقضت عدتها فلا رجعة له عليها.
أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، أنه قال لعطاء : ما قوله :﴿ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَّكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اَللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ ﴾٢١ قال : الولد لا تكتمه ليرغب فيها، وما أدري لعل الحيضة معه٢٢.
أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، أنه سأل عطاء : أيحق عليها أن تخبره بحملها وإن لم يرسل إليها يسألها عنه ليرغب فيها ؟ قال : تُظهرُه وتخبر به أهلها فسوف يبلغه٢٣.
أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، أن مجاهدا قال في قول الله عز وجل :﴿ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَّكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اَللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ ﴾٢٤
المرأة المطلقة لا يحل لها أن تقول أنا حبلى وليست بحبلى، ولا لست بحبلى وهي حبلى، ولا أنا حائض وليست بحائض، ولا لست بحائض وهي حائض٢٥.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : وهذا ـ إن شاء الله تعالى ـ كما قال مجاهد لِمَعَانٍ منها : أن لا يحل الكذب، والآخر أن لا تكتمه الحبل والحيض لعله يرغب فيراجع، ولا تدَّعيهما لعله يراجع وليست له حاجة بالرجعة لولا ما ذكرت من الحمل والحيض، فتغُرُّهُ والغرورُ لا يجوز. أخبرنا سعيد عن ابن جريج، أنه قال لعطاء : أرأيت إن أرسل إليها فأراد ارتجاعها فقالت : قد انقضت عدتي وهي كاذبة، فلم تزل تقوله حتى انقضت عدتها ؟ قال : لا وقد خرجت٢٦.
قال الشافعي : هذا كما قال عطاء ـ إن شاء الله تعالى، وهي آثمة إلا أن يرتجعها، فإن ارتجعها وقد قالت : قد انقضت عدتي ثم أكْذبت نفسها فرجعته عليها ثابتة. ألا ترى أنه إن ارتجعها فقالت : قد انقضت عدتي، فأَحْلفت، فنكلت، فَحَلَفَ، كانت له عليها الرجعة، ولو أَقَرَّتْ أن لم تنقض عدتها، كانت له عليها الرجعة لأنه حق له جحدته ثم أقرَّتْ به. ( الأم : ٥/٢١٣-٢١٤. وأحكام الشافعي : ١/٢٤٧-٢٤٩. ومعرفة السنن والآثار : ٦/٣٦-٣٧. )
ــــــــــــــــــ
٥٧- قال الشافعي رحمه الله : لما جعل الله عز وجل الزوجَ أحقَّ برجعة امرأته في العدة، كان بيِّنًا أن ليس لها منعه الرجعة، ولا لها عوض في الرجعة بحال، لأنها له عليها لا لها عليه، ولا أَمْرَ لها فيما له دُونها. فلما قال الله عز وجل :﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَلِكَ ﴾ كان بيِّنًا أن الرَّدَّ إنما هو بالكلام دون الفعل من جماع وغيره، لأن ذلك ردٌّ بلا كلام. فلا تثبت رجعة لرجُل على امرأته حتى يتكلم بالرجعة، كما لا يكون نكاح ولا طلاق حتى يتكلم بهما، فإذا تكلم بها في العدة تثبتُ له الرجعة. والكلام بها أن يقول : قد راجعتها، أو قد ارتجعتها، أو قد رددتها إليَّ، أو قد ارتجعتها إليَّ، فإذا تكلم بهذا فهي زوجة.
ــــــــــــــ
٥٧- الأم : ٥/٢٤٤. ون معرفة السنن والآثار : ٥-٥٠٧.
٥٨- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ إِنَ اَرَادُوا إِصْلَاحًا ﴾ يقال : إصلاح الطلاق بالرجعة، والله أعلم. ( أحكام الشافعي : ١/٢٢٥. )
ـــــــــــــــــ
٥٩- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ اَلذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ قال الشافعي : وجماع المعروف بين الزوجين كَفُّ المكروه، وإعْفَاء صاحب الحق من المَؤُنَةِ في طَلَبِه، لا بإظهار الكراهية في تأديته، فأيُّهُما مَطَلَ بتأخيره فَمَطْلُ الغني ظلم. ( مختصر المزني : ١٨٤. ون أحكام الشافعي : ١/٢٠٤. ومناقب الشافعي : ١/٢٩١. )
ـــــــــــــــــ
٦٠- قال الشافعي : قال جل وعلا :﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ اَلذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ فجعل الله للزوج على المرأة، وللمرأة على الزوج حقوقا في كتابه وعلى لسان نبيه مفسرة ومُجْمَلَةً، ففهمها العرب الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم، وقد وضعنا بعض ما حضرنا منها في مواضعه، والله نسأل الرشد والتوفيق، وأقل ما يجب في أمره بالعشْرةِ بالمعروف أن يؤدي الزوج إلى زوجته ما فرض الله لها عليه من نفقة، وكسوةٍ، وترك ميْلٍ ظاهر، فإنه يقول جل وعلا :﴿ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾٢٧. وجماع المعروف : إتيان ذلك بما يحسن لك ثوابه، وكفُّ المكروه. ( الأم : ٥/١٠٦. ون الأم : ٥/٨٦-٨٧. والأم : ٥/١٩٤. وأحكام الشافعي : ١/٢٠٣-٢٠٤. )
١ - الطلاق: ١..
٢ - أخرجه البخاري في الطلاق (٧١) وقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا اَلنَّبِىءُ إِذَا طَلَّقْتُمُ َالنِّسَاء﴾ (ر٤٩٥٣).
وأخرجه مسلم في أول الطلاق (١٨) (ر١٤٧١).
وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة ومالك كلهم في الطلاق،
ورواه الشافعي في المسند (ر١١١٤-١١١٦)..

٣ - الطلاق: ١. قال ابن جني في المحتسب ٢/٣٨٠: قرأ: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ فِى قُبُل عِدَّتِهِنَّ﴾ النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان وابن عباس وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله ومجاهد وعلي بن الحسين وجعفر بن محمد، رضي الله عنهم. قال: هذه القراءة تصديق لمعنى قراءة الجماعة: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ أي عند عدتهن.
قال عبد الباقي: هذه قراءة ابن عباس وابن عمر. وهي شاذة لا تثبت قرءانا بالإجماع، ولا يكون لها حكم خبر الواحد عندنا (المحدثين) وعند محققي الأصوليين. ن صحيح مسلم: ٢/١٠٩٨..

٤ - أخرجه مسلم في أول الطلاق (١٨) (ر١٤٧١).
وأخرجه أبو داود في الطلاق (٧) باب: في طلاق السنة (٤) (ر٢١٨٥).
والنسائي في أول الطلاق (٢٧) (ر٣٣٩٢).
قال السيوطي: ﴿فِى قُبُل عِدَّتِهِنَّ﴾ بضم القاف والباء، أي إقبالها وأولها وحين يمكنها الدخول فيها والشروع، وذلك حال الطهر، يقال: كان ذلك في قبل الشتاء أي إقباله.
ورواه الشافعي في المسند (ر١١١٨)..

٥ - حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. عن: أبيها، وعمتها عائشة أم المؤمنين، وعنها: عبد الرحمن بن سابط، وعراك. الكاشف: ٣/٤١١. ون التهذيب: ١٠/٤٦٤. وقال في التقريب: ثقة..
٦ - عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة. من فقهاء التابعين. أخذت عن عائشة ـ وكانت في حجرها ـ وعن جماعة. وعنها: ابنها أبو الرجال، وولداه، والزهري، وعدة. ماتت سنة: ١٠٦هـ. الكاشف: ٣/٤٢٢. ون التهذيب: ١٠/٤٩٢. وقال في التقريب: ثقة أكثرت عن عائشة..
٧ - البقرة: ٢٢٨..
٨ - رواه مالك في الطلاق (٢٩) باب: ما جاء في الأقراء (٢١) (ر٥٤).
ورواه البيهقي في العدد باب: ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ ٧/٤١٥.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٢٠٩)..

٩ - رواه مالك في الطلاق (٢٩) باب: ما جاء في الأقراء (٢١) (ر٥٥).
ورواه البيهقي في العدد ٧/٤١٥. والشافعي في المسند (ر١٢١٠)..

١٠ - رواه البيهقي في العدد ٧/٤١٥.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٢٠٥)..

١١ - أحوص بن حكيم، حمصي، رأى أنسا، وسمع خالد بن معدان وطاوسا. وعنه: بقية، ومحمد بن حرب، وعدة. ضُعِّفَ. الكاشف: ١/٥٥. ون التهذيب: ١/٢١١. وقال في التقريب: ضعيف الحفظ. وتعقبه صاحب التحرير ١/١٠٧ فقال: بل ضعيف، فقوله «ضعيف الحفظ» فيه تقوية له، وهو مخالف لما يستخلص من ترجمته..
١٢ - معاوية بن أبي سفيان الصحابي رضي الله عنه معروف..
١٣ - زيد بن ثابت الصحابي رضي الله عنه معروف..
١٤ - رواه مالك في الطلاق (٢٩) باب: ما جاء في الأقراء (٢١) (ر٥٦).
ورواه البيهقي في العدد ٧/٤١٥. والشافعي في المسند (ر١٢٠٦)..

١٥ - رواه البيهقي في العدد ٧/٤١٥. والشافعي في المسند (ر١٢٠٧)..
١٦ - رواه مالك في الطلاق باب: ما جاء في الأقراء (٢١) (ر٥٨).
ورواه البيهقي في العدد ٧/٤١٥. والشافعي في المسند (ر١٢٠٨)..

١٧ - فضيل بن أبي عبد الله، مدني هو المهري. عن: القاسم بن محمد، وغيره. وعنه: بكير بن الأشج، ومالك. الكاشف: ٢/٣٧١. ون التهذيب: ٦/٤١٩. وقال في التقريب: ثقة..
١٨ - رواه مالك في الطلاق (٢٩) باب: ما جاء في الأقراء (٢١) (ر٥٩).
ورواه البيهقي في العدد ٧/٤١٥..

١٩ - رواه مالك في الطلاق (٢٩) باب: ما جاء في الأقراء (٢١) (ر٥٧). وزاد: «ولا رجعة له عليها».
ورواه البيهقي في العدد ٧/٤١٦ عن مالك وقال: قال مالك رحمه الله: وذاك الأمر الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا، والله أعلم..

٢٠ - البقرة: ٢٢٨. وتمامها: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَّكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اَللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُومِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ اِلاَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَلِكَ إِنَ اَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ اَلذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾..
٢١ - البقرة: ٢٢٨..
٢٢ - رواه عبد الرزاق في مصنفه في كتاب الطلاق..
٢٣ - رواه عبد الرزاق في مصنفه في كتاب الطلاق..
٢٤ - البقرة: ٢٢٨..
٢٥ - رواه البيهقي في العدد باب: ما جاء في قول الله عز وجل: ﴿ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَّكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اَللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ﴾ ٧/٤٢٠.
ورواه الطبري في التفسير ١/٤٦١..

٢٦ - رواه عبد الرزاق في مصنفه في كتاب الطلاق..
٢٧ - النساء: ١٢٩..
٦١- قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال : كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها، كان ذلك له، وإن طلقها ألف مرة. فعمد رجل إلى امرأة له فطلقها، ثم أمهلها، حتى إذا شارفَتْ انقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها، وقال : والله لا آوِيكِ إليَّ ولا تحلين أبدا. فأنزل الله :﴿ اِلطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ اَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ فاستقبل الناس الطلاق جديدا ـ من يومئذ ـ من كان منهم طلق أو لم يطلق١. وذكر بعض أهل التفسير هذا. ( اختلاف الحديث ص : ٥٤٩. وأحكام الشافعي : ١/٢٢٣. والأم : ٥/٢٤٢. ومعرفة السنن والآثار : ٥/٤٦٥-٤٦٦. )
ــــــــــــــ
٦٢- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ اِلطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ﴾٢ الآية. وقال تعالى ذكره :﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ إلى قوله :﴿ إِصْلَاحًا ﴾٣. وقلت : أما يتبين لك في هاتين الآيتين أن الله تبارك وتعالى جعل لكل مطلق لم يأْتِ على جميع الطلاق الرجعة في العدة، ولم يخصص مطلقا دون مطلِّق، ولا مطلقة دون مطلقة ؟ وأن الله تبارك وتعالى إذا قال :﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ اَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾٤ فإنما أمر بالإمساك من له أن يمسك، وبالتسريح من له أن يسرح. قال : فما التسريح هاهنا ؟ قُلتُ : تَرْكُ الحبس بالرِّجعة في العدة تسريح بمتقدم الطلاق. وقُلتُ لهُ : إن هذا في غير هاتين الآيتين أيضا كما هو في هاتين الآيتين. قال : فاذكره ؟ قُلتُ : قال الله عز وجل :﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ اَلنِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ إلى قوله :﴿ لِّتَعْتَدُوا ﴾٥ قال فما معنى قوله :﴿ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾٦ ؟ قلتُ : يعني ـ والله تعالى أعلم ـ قارَبْنَ بلوغ أجلهن. قال : وما الدليل على ذلك ؟ قلتُ : الآية دليل عليه لقول الله عز وجل :﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ اَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ ﴾٧ فلا يؤمر بالإمساك والسراح إلا من هذا إليه، ثم شرط عليهم في الإمساك أن يكون بمعروف، وهذا كالآية قبلها في قوله :﴿ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾٨. قال : وتقول هذا العربُ ؟ قلتُ : نعم، تقول للرَّجُلِ إذا قارَبَ البَلَدَ يريده أو الأَمْرَ يريده قد بلَغته، وتقوله إذا بلغَهُ. وقلتُ له : قال الله تبارك وتعالى :﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ اَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾٩ قال : فلم قُلتَ إنها تكون للأزواج الرجعة في العدة قبل التطليقة الثالثة ؟
فقُلتُ لهُ : لَمَّا بيَّن الله عز وجل في كتابه :﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ إلى ﴿ يَّتَرَاجَعَآ ﴾١٠ قال : فلم قُلْتَ في قول الله تعالى في المطلقات :﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ اَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾١١ إذا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ ؟ وقُلتَ : في قول الله عز وجل في المتوفى عنها زوجها :﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾١٢ هذا إذا قَضَيْنَ أجَلَهُنَّ والكلام فيها واحد ؟
قال الشافعي رحمه الله تعالى : فقُلتُ له :﴿ بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾١٣ يحتمل : قارَبْن البلوغَ، وَبَلَغْنَ : فرغن مما عَلَيْهِنَّ، فكان سياق الكلام في الآيتين دليلا على فرق بينهما لقول الله تبارك وتعالى في الطلاق :﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ اَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾١٤ وقال :﴿ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ ﴾١٥ فلا يؤمر بالإمساك إلا من يجوز له الإمساك في العدة، فيمن ليس لهن أن يفعلن في أنفسهن ما شئن في العدة١٦ حتى تنقضي العدة، وهو كلام عربي هذا من أبْيَنِهِ وأقلِّه خفاء لأن الآيتين تدلان على افتراقهما بسياق الكلام فيهما. ومثل قول الله تعالى ذكره في المتوفى في قوله تعالى :﴿ وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ اَلنِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ اَلْكِتَابُ أَجَلَهُ ﴾١٧ حتى تنقضي عدتها فيَحِلُّ نِكَاحُهَا.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : فقال : وما السُّنَّة فيه ؟ قلتُ : أخبرني عمِّي محمد بن علي، عن عبد الله بن علي بن السائب، عن نافع بن عُجَيْر بن عبد يزيد١٨، أن رُكَانَةَ بن عبد يزيد١٩ طلق امرأته سهيمة المزنية٢٠ البتة، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إني طلقت امرأتي سهيمة البتة٢١، و والله ما أردتُ إلا واحدة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لركانة :« والله ما أردتَ إلا واحدة ؟ » فقال ركانة : والله ما أردتُ إلا واحدةً. فردَّها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فطلقها الثانية في زمان عمر، والثالثة في زمان عثمان٢٢.
قال : فما الأثر فيه ؟ قلتُ : أويُحْتَاجُ مع حُكْمِ الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى غيرهما ؟ فقال : إن كان عندكَ أَثرٌ فلا عليك أن تَذْكُرَهُ.
قلتُ : أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو٢٣، أنه سمع محمد بن عباد بن جعفر٢٤ يقول :
أخبرني المطلب بن حنطب٢٥ أنه طلق امرأته البتة ثم أتى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فذكر ذلك له فقال : ما حملك على ذلك ؟ قال : قد فعلته ! قال : فقرأ :﴿ وَلَوَ اَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾٢٦ ما حملك على ذلك ؟ قلتُ : قد فعلته ! قال : أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة لا تبتُّ٢٧.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن أبي سلمة٢٨، عن سليمان بن يسار : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للتُّؤَمَة٢٩ مثل قوله للمطلب٣٠.
قال الشافعي : أخبرنا الثقة٣١ عن الليث٣٢، عن بكير بن الأشج٣٣، عن سليمان بن يسار : أن رجلا من بني زريق طلق امرأته البتة فقال له عمر : احلف ؟ فقال : أتراني يا أمير المؤمنين أقع في الحرام والنساء كثير ؟ فقال له : احلف ؟ فحلف٣٤.
قال الشافعي : أخبرنا سعيد القداح، عن ابن جريج، أنه قال لعطاء : البتة، فقال : يدين، فإن كان أراد ثلاثا فهي ثلاث، وإن أراد واحدة فهي واحدة٣٥.
قال الشافعي : أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء : أن شُرَيْحًا٣٦ دَعَاهُ بعض أمرائهم فسأله عن رجل قال لامرأته : أنت طالق البتة، فاسْتَعْفَاهُ شُريح، فأبى أن يعفيه فقال : أما الطلاق فسنة، وأما البتة فبدعة، فأما السنة فالطلاق فأمضوها، وأما البدعة فالبتة فقلدوه إياها ودينوه فيها٣٧. ( الأم : ٥/١١٨-١١٩. ون الأم : ٥/٢٤٣. الأم : ٧/٢٣. أحكام الشافعي : ١/٢٢٤-٢٢٧. معرفة السنن الآثار : ٥/٤٧١-٤٧٢. )
ـــــــــــــ
٦٣- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ اِلطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ اَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾٣٨ وقال تبارك وتعالى :﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾٣٩ قال الشافعي : والقرآن يدل ـ والله تعالى أعلم ـ على أن من طلق زوجةً لهُ دَخَلَ بها أو لم يَدْخُلْ بها، ثلاثا، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره. فإذا قال الرجل لامرأته التي لم يدخل بها : أنت طالق ثلاثا، فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره.
أخبرنا مالك، عن ابن شهاب الزهري، عن محمد بن عبد الرحمان بن ثوبان٤٠، عن محمد بن إِيَاس بن البُكَيْر٤١ قال : طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها، ثم بدا له أن ينكحها، فجاء يستفتي، فسأل أبا هريرة وعبد الله بن عباس فقالا : لا نرى أن تنكحها حتى تتزوج زوجا غيرك. فقال : إنما كان طلاقي إياها واحدة ! فقال ابن عباس : إنك أَرْسَلْتَ من يدك ما كان لك من فضل٤٢.
أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري٤٣، عن عطاء بن يسار٤٤ قال : جاء رجل يسأل عبد الله بن عمرو بن العاص٤٥ عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها. قال عطاء : فقلتُ : إنما طلاق البكر واحدة ! فقال عبد الله بن عمرو : إنما أنت قاصٌّ٤٦، الواحدة تبينُها، والثلاث تُحَرِّمها حتى تنكح زوجا غيره٤٧.
قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾٤٨ وقال :﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَلِكَ ﴾٤٩ الآية. فالقرآن يدل على أن الرجعة لمن طلق واحدة أو اثنتين، إنما هي على المعتدة، لأن الله عز وجل إنما جعل الرجعة في العدة. وكان الزوج لا يملك الرجعة إذا انقضت العدة، لأنه يحل للمرأة في تلك الحال أن تنكح زوجا غير المطلق. فمن طلق امرأته ولم يدخل بها تطليقة أو تطليقتين فلا رجعة له عليها، ولا عدة، ولها أن تنكح من شاءت ممن يحل لها نكاحه، وسواء البكر في هذا والثيب. ( الأم : ٥/١٨٣. ون السنن الكبرى : ٧/٣٣٣. )
ـــــــــــــ
٦٤- قال الشافعي رحمه الله تعالى : وإن طلقها الزوج واحدة أو اثنتين، فنكحها زوج غيره وأصابها، ثم بانت منه، فنكحها الزوج الأول بعده، كانت عنده على ما بقي من طلاقها كهي قبل أن يُصيبها زوج غيره، يهدم الزوج المُصيبها بعده الثلاث، ولا يهدم الواحدة والاثنتين. فإن قال قائل : فقد قال غيرك : إذا هدم الثلاث هدم الواحدة والاثنتين، فكيف لم تقل به ؟ قيل : ـ إن شاء الله تعالى ـ استدلالا موجودا في حكم الله عز وجل. فإن قال وأين ؟ قيل : قال الله عز وجل :﴿ اِلطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ اَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾٥٠ وقال :﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾٥١.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : دلَّ حكم الله عز وجل على الفرق بين المطلقة واحدة واثنتين والمطلقة ثلاثا. وذلك أنه أبان أن المرأة يحل لمطلقها رجعتها من واحدة واثنتين، فإذا طلقت ثلاثا حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، فلما لم يكن لزوج غيره حكم يحلها لمطلقها واحدة واثنتين، إلا لأنها حلال إذا طلقت واحدة أو اثنتين قبل الزوج، كان معنى نكاحه وترك النكاح سواء. ولما كانت المطلقة ثلاثا حرام على مطلقها الثلاث حتى تنكح زوجا غيره، فكانت إنما تحل في حكم الله تبارك وتعالى اسمه بنكاحه، كان له حكم بين : أنها محرمة حتى ينكحها هذا الزوج الآخر. فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ مَا لَهُ حُكْمٌ بِمَا لا حُكْمَ لَهُ.
وكان أصل الأمر : أن المحرم إنما يحل للمرء بفعل نفسه، كما يحرم عليه الحلال بفعل نفسه، فلما حلت المطلقة ثلاثا بزوج غيره بعد مفارقتها نساء أهل الدنيا في هذا الحكم، لم يجُزْ أن يكون الزوج في غير الثلاث في هذا المعنى. وكان في معنى أنه لا يحل نكاحه للزوج المطلق واحدة واثنتين، ولا يحرم شيئا لأن المرأة لم تحرم فتحل به، وكان هو غير الزوج، ولا يحل له شيء بفعل غيره، ولا يكون لغيره حكم
١ - رواه مالك مرسلا في الطلاق (٢٩) باب: جامع الطلاق (٢٩) (ر٨٠).
ورواه الشافعي مرسلا في المسند (ر١١٢١).
وقد وصله الترمذي في الطلاق (١٠) باب: (١٦) (ر١١٩٢) حدثنا قتيبة، حدثنا يعلى بن شبيب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها، وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة، وإن طلقها مائة مرة أو أكثر، حتى قال الرجل لامرأته: والله لا أطلقك فتبيني مني، ولا آويك أبدا، قالت: وكيف ذاك؟ قال: أطلقك، فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك، فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها، فسكتت عائشة حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل القرآن: ﴿ اِلطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ اَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ قالت عائشة: فاستأنف الناس الطلاق مستقبلا من كان طلق، ومن لم يكن طلق. حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، حدثنا عبد الله بن إدريس، عن هشام بن عروة، عن أبيه: نحو هذا الحديث بمعناه، ولم يذكر فيه عن عائشة. قال أبو عيسى: وهذا أصح من حديث يعلى بن شبيب.
ون تفسير الطبري ١/٤٦٩. ولباب النقول ص: ٥١. وأسباب النزول ص: ٤٣..

٢ - البقرة: ٢٢٩..
٣ - البقرة: ٢٢٨..
٤ - البقرة: ٢٢٩..
٥ - البقرة: ٢٣١..
٦ - البقرة: ٢٣١..
٧ - البقرة: ٢٣١..
٨ - البقرة: ٢٣١..
٩ - الطلاق: ٢..
١٠ - البقرة: ٢٣٠..
١١ - الطلاق: ٢..
١٢ - البقرة: ٢٣٤..
١٣ - البقرة: ٢٣٤..
١٤ - الطلاق: ٢..
١٥ - البقرة: ٢٣١..
١٦ - قوله فيمن ليس لهن أن يفعلن في أنفسهن ما شئن في العدة: هذه زيادة انفردت بها نسخة من النسخ التي بيدنا، فليعلم. كتبه مصححه..
١٧ - البقرة: ٢٣٥..
١٨ - نافع بن عجير بن عبد يزيد المطلبي. عن: أبيه، وعمه ركانة. وعنه: ابنه محمد، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وعبد الله بن علي. وثق. الكاشف: ٣/١٨١. ون الإصابة: ٦/٤٠٩. والتهذيب: ٨/٤٦٩. وقال في التقريب: قيل له صحبة، وذكره ابن حبان وغيره في التابعين..
١٩ - ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب، من الطلقاء. صرعه النبي صلى الله عليه وسلم مرتين. وعنه: ابن أخيه نافع بن عجير. أدرك خلافة معاوية الكاشف: ١/٢٦٨ ون الإصابة: ٢/٤٩٧. والتهذيب: ٣/١١٢..
٢٠ - سُهيمة بنت عمير المزنية، امرأة ركانة بن عبد يزيد المطلبي. الإصابة: ٧/٧١٨..
٢١ - بَتَّ بَتًّا: قَطع. وبت الرجل طلاق امرأته: إذا قطعه، فهي مبتوتة. وهي المطلقة ثلاثا للحر، واثنتين للعبد. ويقال طلاق بات: لا رجعة فيه. القاموس الفقهي: بت..
٢٢ - أخرجه أبو داود في الطلاق (٧) باب: في البتة (١٤) (ر٢٢٠٦). والترمذي في الطلاق واللعان (١٠) باب: ما جاء في الرجل يطلق امرأته البتة (٢) (ر١١٧٧) وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وسألت محمدا ـ يعني البخاري ـ عن هذا الحديث، فقال: فيه اضطراد. وابن ماجة في الطلاق (١٠) باب: طلاق البتة (١٩) (ر٢٠٥١). والبيهقي في الخلع والطلاق باب: ما جاء في كنايات الطلاق ٧/٣٤٢. والشافعي في المسند (ر١١٢٩-١١٣٠)..
٢٣ - أي عمرو بن دينار، سبقت ترجمته..
٢٤ - محمد بن عباد بن جعفر المخزومي. عن: عائشة، وأبي هريرة. وعنه: الزهري، وابن جريج، والأوزاعي. الكاشف: ٣/٤٠. ون التهذيب: ٧/٢٢٨. وقال في التقريب: ثقة..
٢٥ - المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي. عن: أبي هريرة، وعائشة. وعنه: ابناه عبد العزيز والحكم، والأوزاعي. قال أبو حاتم: لم يدرك عائشة. وقال أبو زرعة: أرجو أن يكون سمع منها. الكاشف: ٣/١٣٢. ون التهذيب: ٨/٢١٠. وقال في التقريب: صدوق كثير التدليس والإرسال. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٣٨٦ فقال: بل ثقة، وروايته عن الصحابة منقطعة (مرسلة) إلا سهل بن سعد، وأنسا، وسلمة بن الأكوع، ومن كان قريبا منهم، ولم يتهمه أحد بالتدليس، لكن يظهر أنهم يريدون بالتدليس: الإرسال. وقد وثقه أبو زرعة الرازي، ويعقوب بن سفيان، والدارقطني، وذكره ابن حبان في «الثقات» وقد ضعفه ابن سعد بسبب كثرة إرساله..
٢٦ - النساء: ٦٦..
٢٧ - رواه البيهقي في الخلع والطلاق باب: ما جاء في كنايات الطلاق ٧/٣٤٣ بلفظ: «فإن الواحدة تبت». ورواه الشافعي في المسند (ر١١٣١) بلفظ: «فإن الواحدة تبت» وكذلك في الأم ٥/١٣٨. والله أعلم بالصواب..
٢٨ - عبد الله بن أبي سلمة الماجشون. مدني ثقة من موالي آل المنكدر. عن: عائشة، وابن عمر، وخلق. وعنه: ابنه عبد العزيز، وابن الهاد، ومحمد بن إسحاق ت سنة: ١٠٦هـ. الكاشف: ٢/٨٩. ون التهذيب: ٤/٣٢٥. وقال في التقريب: ثقة..
٢٩ - التؤمة أو التوأمة بنت أمية بن خلف الجمحية، هي مولاة صالح بن أبي صالح مولى التوأمة. قيل لها ذلك لأنها ولدت مع أخت لها في بطن. بايعت النبي صلى الله عليه وسلم. وأنها طلقت البتة، فسألت عمر فجعلها واحدة. ن الإصابة: ٧/٥٤٦..
٣٠ - رواه البيهقي في الخلع والطلاق باب: ما جاء في كنايات الطلاق ٧/٣٤٣. والشافعي في المسند (ر١١٣٢)..
٣١ - الثقة هنا هو: يحيى بن حسان التنيسي. عن: معاوية بن سلام، وحماد بن سلمة. وعنه: الدارمي، والربيع. ثقة إمام رئيس، مات سنة: ٢٠٨هـ. الكاشف: ٣/٢٤٠. ون التهذيب: ٩/٢١٦. وقال في التقريب: ثقة..
٣٢ - الليث بن سعد، أبو الحارث الإمام، مولى بني فهم. سمع عطاء، وابن أبي مليكة، ونافعا. وعنه: قتيبة، ومحمد بن رمح، وأمم. ثبت من نظراء مالك. قيل: كان مغله في العام ثمانين ألف دينار، فما وجبت عليه زكاة. عاش إحدى وثمانين سنة مات سنة ١٧٥هـ في شعبان. الكاشف: ٢/٤٠٤. ون التهذيب: ٦/٦٠٦. وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه إمام مشهور..
٣٣ - بكير بن عبد الله بن الأشج. عن: أبي أمامة بن سهل، وابن المسيب. وعنه: ابنه مخرمة، والليث، وأمم. ثبت إمام. ت سنة ١٢٧هـ. الكاشف: ١/١١٦. ون التهذيب: ١/٥١٤. وقال في التقريب: ثقة..
٣٤ - رواه عبد الرزاق في مصنفه بلفظ مغاير في كتاب النكاح باب: البتة والخلية (ر١١١٧٤)..
٣٥ - رواه البيهقي في الخلع والطلاق باب: ما جاء في كنايات الطلاق: عن شريح، وعطاء بن أبي رباح في البتة أنه يدين فيها. ٧/٣٤٤..
٣٦ - شريح بن الحارث القاضي، أبو أمية الكندي. ولي الكوفة لعمر وبعده. وسمع عمر وعليا. وعنه: إبراهيم، وأبو حصين. وقيل: إنه تعلم من معاذ باليمن. ت سنة ٧٨هـ. وقيل: سنة ٨٠هـ. الكاشف: ٢/٩. ون وفيات الأعيان: ٢/٤٦٠ والتهذيب: ٣/٦١٦. وقال في التقريب: مخضرم ثقة، وقيل له صحبة. مات قبل الثمانين أو بعدها، وله مائة وثمان سنين أو أكثر، يقال: حكم سبعين سنة..
٣٧ - رواه عبد الرزاق في مصنفه في كتاب النكاح باب: البتة والخلية (ر١١١٧٢)..
٣٨ - البقرة: ٢٢٩..
٣٩ - البقرة: ٢٣٠..
٤٠ - محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان. عن: أبي هريرة وجماعة. وعنه: الزهري، وابن الهاد، ويحيى بن كثير. الكاشف: ٣/٥٠. ون التهذيب: ٧/٢٧٦. وقال في التقريب: ثقة..
٤١ - محمد بن إياس بن البكير الليثي. عن: أبي هريرة، وجماعة. وعنه: أبو سلمة، وغيره. الكاشف: ٣/١٠. ون التهذيب: ٧/٦١. وقال في التقريب: ثقة، ووهم من ذكره في الصحابة. وتعقبه صاحب التحرير ٣/٢١٦ فقال: بل صدوق حسن الحديث في أحسن أحواله، فقد روى عنه ثلاثة من الثقات، وذكره ابن حبان وحده في «الثقات» وما له في الكتب الستة سوى حديث واحد أخرجه أبو داود..
٤٢ - رواه أبو داود في الطلاق (٧) باب: نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث (١٠) (ر٢١٩٨).
ورواه مالك في الطلاق (٢٩) باب: طلاق البكر (١٥) (ر٣٧).
ورواه البيهقي في الخلع والطلاق باب: ما جاء في إمضاء الطلاق الثلاث ٧/٣٣٥.
ورواه الشافعي في المسند (ر١١٢٤) وقال رحمه الله: ما عاب ابن عباس ولا أبو هريرة عليه أن يطلق ثلاثا. ورواه في الأم ٥/١٣٨..

٤٣ - النعمان بن أبي عياش الزرقي. عن: أبي سعيد وابن عمر. وعنه: يحيى بن سعيد، وابن عجلان. ثقة من أبناء كبار الصحابة. الكاشف: ٣/١٩٢. ون التهذيب: ٨/٥٢٢. وقال في التقريب: ثقة..
٤٤ - عطاء بن يسار الهلالي القاضي، مولى ميمونة. عن: مولاته، وأبي ذر، وزيد بن ثابت، وعدة. وعنه: زيد بن أسلم، وشريك بن أبي نمر، وخلق. كان من كبار التابعين وعلمائهم. ت سنة: ١٠٣هـ. الكاشف: ٢/٢٦٢. ون التهذيب: ٥/٥٨٢. وقال في التقريب: ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة..
٤٥ - عبد الله بن عمرو بن العاص، أبو محمد وقيل: أبو عبد الرحمن. أسلم قبيل أبيه وكان من العلماء العباد. قال شفي بن ماتع عنه: أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل. عنه: سبطه شعيب بن محمد، وعروة، وطاوس. مات بالطائف وقيل: بمصر سنة ٦٨هـ. الكاشف: ٢/١٠٩. ون الإصابة: ٤/١٩٢. والتهذيب: ٤/٤١٤. وقال في التقريب: أحد العبادلة الفقهاء..
٤٦ - إنما أنت قاص: أي صاحب قصص ومواعض، لا تعلم غوامض الفقه..
٤٧ - رواه مالك في الطلاق (٢٩) باب: طلاق البكر (١٥) (ر٣٨).
ورواه البيهقي في الخلع والطلاق باب: ما جاء في إمضاء الطلاق الثلاث ٧/٣٣٥.
ورواه الشافعي في المسند (ر١١٢٦) وقال رحمه الله: ولم يقل له عبد الله بئس ما صنعت حين طلقها ثلاثا. ورواه في الأم: ٥/١٣٨..

٤٨ - البقرة: ٢٢٨..
٤٩ - البقرة: ٢٢٨..
٥٠ - البقرة: ٢٢٩..
٥١ - البقرة: ٢٣٠..
٦٨- قال الشافعي : وحكم الله في الطلاق أنه مرتان ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ اَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾١ وقوله :﴿ فَإِن طَلَّقَهَا ﴾ يعني ـ والله أعلم ـ الثلاث ﴿ فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ فدل حكمه أن المرأة تحرم بعد الطلاق ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره، وجعل حكمه بأن الطلاق إلى الأزواج يدل على أنه إذا حدث تحريم المرأة بطلاق ثلاث، وجعل الطلاق إلى زوجها فطلقها ثلاثا مجموعة أو مفرقة حرمت عليه بعدهن حتى تنكح زوجا غيره. كما كانوا مملكين عِتق رقيقهم فإن أعتق واحدا أو مائة في كلمة لزمه ذلك كما يلزمه كلها جَمَع الكلام فيه أو فَرَّقَهُ، مثل قوله لنسوته : أنْتُنَّ طَوَالِق ووالله لا أَقْرَبُكُنَّ وأنتن عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وقوله لفلان : علي كذا ولفلان علي كذا ولفلان علي كذا، فلا يسقط عنه بجمع الكلام معنى من المعاني جميعه كلام، فيلزمه بجمع الكلام ما يلزمه بتفريقه.
فإن قال قائل : فهل من سنة تدل على هذا ؟ قيل : نعم. أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أنه سمعها تقول : جاءت امرأة رِفاعة القُرَضِي٢ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إني كنت عند رفاعة فطلقني فبتَّ طلاقي، فتزوجت عبد الرحمان بن الزبير٣ وإنما معه مِثْلُ هُذْبَةِ الثَّوْب٤، فتبسم رسول الله وقال :« أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا، حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عُسيلته »٥. قال : وأبو بكر عند النبي وخالد بن سعيد بن العاص٦ بالباب ينتظر أن يؤذن له فنادى يا أبا بكر : ألا تسمع ما تجهر به هذه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم٧ ! ( اختلاف الحديث : ٥٤٩-٥٥٠. )
ــــــــــــ
٦٩- قال الشافعي : فإذا تزوجت المطلقة ثلاثا زوجا صحيح النكاح فأصابها، ثم طلقها، فانقضت عدتها، حلَّ لزوجها الأول ابتداء نكاحها لقول الله عز وجل :﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَّتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَنْ يُّقِيمَا حُدُودَ اَللَّهِ ﴾٨ الآية. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة :« لا ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك »٩ يعني : يجامعك.
قال : وإذا جامعها الزوج ثم مات عنها، حلت للزوج المطلقها ثلاثا، كما تحل له بالطلاق، لأن الموت في معنى الطلاق بافتراقهما بعد الجماع أو أكثر.
وهكذا لو نكحها زوج فأصابها ثم بانت منه بلِعَانٍ أو رِدَّةٍ، أو غير ذلك من الفُرْقَةِ. وهكذا كل زوج نكحها عبداً، أو حراً، إذا كان نكاحه صحيحا وأصابها.
وفي قول الله تعالى :﴿ أَنْ يَّتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَنْ يُّقِيمَا حُدُودَ اَللَّهِ ﴾١٠ والله تعالى أعلم بما أراد أما الآية فتحتمل إن أقاما الرجعة لأنها من حدود الله تعالى، وهذا يشبه قول الله تعالى : ﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَلِكَ إِنَ اَرَادُوا إِصْلَاحًا ﴾١١ أي إصلاح ما أفسدوا بالطلاق بالرجعة، فالرجعة ثابتة لكل زوج غير مغلوب على عقله إذا أقام الرجعة، وإقامتها أن يتراجعا في العدة التي جعل الله عز ذكره له عليها فيها الرجعة.
قال : وأحب لهما أن ينويا إقامة حدود الله تعالى فيما بينهما، وغيره من حدود الله تبارك اسمه. ( الأم : ٥/٢٤٨. ون الأم : ٤/٢٧٢ و ٥/١٥٤ و ٥/٢٤٣ و ٧/٢٨. وأحكام الشافعي : ١/٢٢٨-٢٢٩. والرسالة : ١٥٩-١٦١. ومختصر المزني ص : ١٩٧. )
١ - البقرة: ٢٢٩..
٢ - رفاعة بن سموال القرظي. له ذكر في الصحيح من حديث عائشة. الإصابة: ٢/٤٩١..
٣ - عبد الرحمان بن الزبير بن باطا القرظي المدني. له صحبة. وعنه: ابنه الزبير. والمحفوظ إسقاط عبد الرحمن. الكاشف: ٢/١٥٩. وهو ممن استدركه العراقي في ذيل الكاشف. ون الإصابة: ٤/٣٠٥. والتهذيب: ٥/٨٣. وقال في التقريب: صحابي صغير..
٤ - مثل هذبة الثوب: طرفه الذي لم ينسج. كَنَّتْ بهذا عن استرخاء ذكره، وأنه لا يقدر على الوطء. صحيح البخاري ٢/٩٣٣..
٥ - عسيلته: تصغير عسلة، وهي كناية عن الجماع، فقد شبه لذته بلذة العسل وحلاوته. نفس المصدر السابق..
٦ - خالد بن سعيد الأموي. عن: أبيه. وعنه: إبراهيم بن موسى الفراء، ومشكدانة. ثقة الكاشف: ١/٢٢٦. ون التهذيب: ٢/٥١٣. وقال في التقريب: صدوق. وتعقبه صاحب التحرير ١/٣٤٤ فقال: بل ثقة، فقد وثقه محمد بن بشر العبدي، فقال بعد أن روى عنه: الثقة الصدوق المأمون، وذكره ابن حبان في «الثقات» وأخرج له البخاري في الصحيح من رواية عبد الله بن المبارك عنه، وقال الدراقطني: ليس به بأس. ولا نعلم فيه جرحا..
٧ - رواه البخاري في الشهادات (٥٦) باب: شهادة المختبي (٣) (ر٢٤٩٦). وفي الطلاق (٧١) باب: من أجاز طلاق الثلاث (٣) (ر٤٩٦٠) وباب: من قال لامرأته أنت علي حرام (٦) (ر٤٩٦٤).
ورواه مسلم في النكاح (١٦) باب: لا تحل المطلقة ثلاثا (١٧) (ر١٤٣٣).
ورواه الترمذي وابن ماجة والدارمي والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١١٢٢)..

٨ - البقرة: ٢٣٠. وتمامها: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اَللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾..
٩ - سبق تخريجه..
١٠ - البقرة: ٢٣٠..
١١ - البقرة: ٢٢٨..
٧٠- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ اَلنِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَّنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ﴾ إلى :﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ وقال عز وجل :﴿ اِلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى اَلنِّسَاء ﴾١ الآية. وقال في الإماء :﴿ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾٢ قال الشافعي : زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن معقل بن يسار٣ كان زَوَّجَ أختا له٤ ابن عمٍّ له فطلقها، ثم أراد الزوج وأرادت نكاحه بعد مُضِي عدتها، فأبى معقل، وقال : زوجتك وآثرتك على غيرك فطلقتها، لا أزوجكها أبداً، فنزل٥ :﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ﴾ يعني الأزواج ﴿ اَلنِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ يعني فانقضى أجلهن : يعني عدتهن ﴿ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ يعني أولياءهن ﴿ أَنْ يَّنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ﴾ إن طلقوهن ولم يَبُتُّوا طلاقهن، وما أشبه معنى ما قالوا من هذا بما قالوا، ولا أعلم الآية تحتمل غيره، لأنه إنما يؤمر بأن لا يعضل المرأة من له سبب إلى العضل بأن يتم به نكاحها من الأولياء، والزوج إذا طلقها فانقضت عدتها فليس بسبيل منها فيعضلها وإن لم تنقض عدتها، فقد يحرم عليها أن تنكح غيره، وهو لا يعضلها عن نفسه. وهذا أبيَنُ ما في القرآن من أن للولي مع المرأة في نفسها حقا، وأن على الولي أن لا يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف.
قال الشافعي : وجاءت السنة بمثل معنى كتاب الله عز وجل. أخبرنا مسلم وسعيد وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى٦، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله تعالى عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها »٧. وقال بعضهم في الحديث : فإن اشتجروا٨. وقال غيره منهم : فإن اختلفوا فالسلطان ولي من لا ولي له. أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج قال : أخبرني عكرمة بن خالد قال : جمعت الطريق ركبا فيهم امرأة ثيب فولت رجلا منهم أمرها فزوجها رجلا. فجلد عمر بن الخطاب الناكح وردَّ نكاحها٩.
أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عبد الرحمان بن معبد بن عمير١٠ : أن عمر رضي الله عنه ردَّ نكاح امرأة نكحت بغير ولي١١. أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج قال : قال عمرو بن دينار : نكحت امرأة من بني بكر بن كنانة يقال لها : بنت أبي ثمامة عمر بن عبد الله بن مضرس. فكتب علقمة بن علقمة العتواري إلى عمر بن عبد العزيز وهو بالمدينة : إني وليها وإنها نكحت بغير أمري، فرده عمر وقد أصابها١٢.
قال الشافعي : فأي امرأة نكحت بغير إذن وليها فلا نكاح لها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« فنكاحها باطل »١٣. وإن أصابها فلها صداق مثلها بما أصاب منها بما قضى لها به النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على أن الصداق يجب في كل نكاح فاسد بالمسيس، وأن لا يرجع به الزوج على من غرَّه، لأنه إذا كان لها وقد غرَّته من نفسها ولم يكن له أن يرجع به عليها وهو لها، وهو لو كان يرجع به فكانت الغارَّةُ له من نفسها بطل عنها، ولا يرجع زوج أبدا بصداق على من غرَّه، امرأة كانت أو غير امرأة، إذا أصابها.
قال : وفي هذا دليل على أن على السلطان إذا اشتجروا أن ينظر : فإن كان الولي عاضلا أمره بالتزويج، فإن زوج فحق أداه، وإن لم يزوج فحق منعه. وعلى السلطان أن يزوج أو يوكل وليا غيره فيزوج، والولي عاص بالعضل لقول الله عز وجل :﴿ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾١٤ وإن ذكر شيئا نظر فيه السلطان. فإن رآها تدعو إلى كفاءة لم يكن له منعها، وإن دعاها الولي إلى خير منه، وإن دعت إلى غير كفاءة لم يكن له تزويجها والولي لا يرضى به وإنما العضل أن تدعو إلى مثلها أو فوقها فيمتنع الولي. ( الأم : ٥/١٢-١٣. ون الأم : ٥/١٦٦-١٦٧. والأم : ٥/١٤٣-١٤٤. ومختصر المزني : ١٦٣-١٦٤. وأحكام الشافعي : ١/١٧١-١٧٤. )
١ - النساء: ٣٤. ﴿اِلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى اَلنِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اَللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنَ اَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اَللَّهُ وَالَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى اِلْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنَ اَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا اِنَّ اَللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾..
٢ - النساء: ٢٥..
٣ - معقل بن يسار المزني، حديبي. عنه: الحسن، ومعاوية بن قرة، وعدة. بقي إلى آخر دولة معاوية. الكاشف: ٣/٤٥. ون الإصابة: ٢/١٨٤. و الطبقات الكبرى: ٧/١٤. والتهذيب: ٨/٢٧٣. وقال في التقريب: صحابي..
٤ - اسمها جُميلُ بنت يسار، وقيل: فاطمة، رضي الله عنها..
٥ - رواه البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ اَلنِّسَاء﴾ (٤٢) (ر٤٢٥٥). وأبو داود في النكاح (٦) باب: في العضل
(٢١) (ر٢٠٨٧). والترمذي في التفسير (٤٤) باب: (٢٨) (ر٢٩٨١). ولباب النقول ص: ٥٣..

٦ - سليمان بن موسى الأموي، مولاهم الدمشقي الأشدق، أحد الأئمة. عن: واثلة، وكثير بن مرة، ومكحول. وعنه: الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز. قال النسائي ليس بالقوي. وقال البخاري: عنده مناكير. ت سنة: ١١٩هـ. الكاشف: ١/٣٥٤. ون التهذيب: ٣/٥٠٩. وقال في التقريب: صدوق فقيه، في حديثه بعض لين وخولط قبل موته بقليل. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٧٨ فقال: بل فقيه صدوق حسن الحديث. وعبارة بن حجر غير دقيقة. وقوله «خولط قبل موته» لم يقلها كبير أحد، وهذا الفقيه الكبير وثقه يحيى بن معين، ودحيم، وأبو داود، وابن سعد، وذكره ابن حبان في «الثقات» وقال أبو حاتم: محله الصدق، وفي حديثه بعض الاضطراب، ولا أعلم أحدا من أصحاب مكحول أفقه منه ولا أثبت منه..
٧ - رواه أبو داود في النكاح (٦) باب: في الولي (٢٠) (ر٣٠٨٣) بلفظ «فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له».
ورواه الترمذي في النكاح (٨) باب: ما جاء لا نكاح إلا بولي (١٤) (ر١١٠٢) وقال: هذا حديث حسن.
ورواه ابن ماجة في النكاح (٩) باب: لا نكاح إلا بولي (١٥) (ر١٨٧٩).
ورواه الدارمي في النكاح (١١) باب: النهي عن النكاح بغير ولي (١١) (ر٢١٠٥).
ورواه أحمد في مسند عائشة. قال شاكر: إسناده صحيح.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٠٣٠-١٠٣١)..

٨ - يريد به: تشاجر العضل والممانعة في العقد..
٩ - رواه البيهقي في النكاح باب: لا نكاح إلا بولي ٧/١١١..
١٠ - عبد الرحمن بن معبد من الطبقة الأولى من أهل مكة ممن روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره. ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى: ٥/٤٨٢. وهو من التابعين..
١١ - رواه البيهقي في النكاح باب: لا نكاح إلا بولي ٧/١١١ وقال: وهو قول عمر وعلي وشريح ومسروق. ورواه الشافعي في المسند (ر١٠٣٣). ورواه عبد الرزاق في مصنفه كتاب النكاح باب: النكاح بغير ولي (ر١٠٤٨٥)..
١٢ - رواه عبد الرزاق في مصنفه في كتاب النكاح باب: النكاح بغير ولي (ر١٠٤٨٤)..
١٣ - سبق تخريجه..
١٤ - البقرة: ٢٣٢..
٧١- قال الشافعي : قال الله تعالى :﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنَ اَرَادَ أَنْ يُّتِمَّ اَلرَّضَاعَةَ ﴾ فجعل الله عز وجل تمام الرضاع حولين كاملين. وقال :﴿ فَإِنَ اَرَادَا فِصَالا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾ يعني ـ والله تعالى أعلم ـ قبل الحولين. فدل على أن إرخاصه عز وجل في فصال الحولين على أن ذلك إنما يكون باجتماعهما على فصاله قبل الحولين. وذلك لا يكون ـ والله تعالى أعلم ـ إلا بالنظر للمولود من والديه أن يكونا يريان أن فصاله قبل الحولين خير له من إتمام الرضاع له، لعلة تكون به أو بمرضعته، وأنه لا يقبل رضاع غيرها، أو ما أشبه هذا. وما جعل الله تعالى له غاية فالحكم بعد مضي الغاية فيه غيره قبل مُضِيِّهَا. ( الأم : ٥/٢٨. ون أحكام الشافعي : ١/٢٥٨-٢٥٩. )
ــــــــــــ
٧٢- قال الشافعي : قال الله تعالى :﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنَ اَرَادَ أَنْ يُّتِمَّ اَلرَّضَاعَةَ وَعَلَى اَلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ اِلا وُسْعَهَا لا تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى اَلْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنَ اَرَادَا فِصَالا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنَ اَرَدتُّمُ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمُ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا ءَاتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اَللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اَللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾١. وقال تبارك وتعالى :﴿ فَإِنَ اَرْضَعْنَ لَكُمْ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَاتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ﴾٢ إلى قوله :﴿ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾٣.
قال الشافعي : أخبرنا بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله تعالى عنها : أن هندا ً٤ قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إن أبا سفيان٥ رجل شحيح وليس لي إلا ما أدخل عليَّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف »٦.
قال الشافعي : أخبرنا أنس بن عياض٧، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله تعالى عنها : أنها حدثته أن هِنْدًا أمَّ معاوية جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطيني وولدي إلا ما أخذته منه سرا وهو لا يعلم، فهل علي في ذلك من شيء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ».
قال الشافعي : ففي كتاب الله عز وجل ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان أن الإجارة جائزة على ما يعرف الناس، إذ قال الله عز وجل :﴿ فَإِنَ اَرْضَعْنَ لَكُمْ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾٨ والرضاع يختلف فيكون صبي أكثر رضاعا من صبي. وتكون امرأة أكثر لبنا من امرأة، ويختلف لبنها فيقل ويكثر، فتجوز الإجارة على هذا، لأنه لا يوجد فيه أقرب مما يحيط العلم به من هذا، فتجوز الإجارة على خدمة العبد قياسا على هذا، وتجوز في غيره مما يعرف الناس قياسا على هذا.
قال الشافعي : وبيان أن على الوالد نفقة الولد دون أمه، كانت أمه متزوجة أو مطلقة. ففي هذا دلالة على أن النفقة ليست على الميراث، وذلك أن الأم وارثة. وفرض النفقة والرضاع على الأب دونها.
قال الشافعي : قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قول الله عز وجل :﴿ وَعَلَى اَلْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾٩ من أن لا تضار والدة بولدها، لا أن عليها الرضاع١٠.
قال الشافعي : وإذا وجب على الأب نفقة ولده في الحال التي لا يغني نفسه فيها، فكان ذلك عندنا لأنه منه لا يجوز أن يضيع شيئا منه. وكذلك إن كبر الولد زمنا لا يغني نفسه ولا عياله ولا حرفة له أنفق عليه الوالد، وكذلك ولد الولد لأنهم ولد. ويؤخذ بذلك الأجداد لأنهم آباء. وكانت نفقة الوالد على الولد إذا صار الوالد في الحال التي لا يقدر على أن يغني فيها نفسه أَوْجَب، لأن الولد من الوالد، وحق الوالد على الولد أعظم. وكذلك الجد، وأبو الجد، وآباؤه فوقه. وإن بعدوا لأنهم آباء.
قال : وإذا كانت هند زوجة لأبي سفيان وكانت القيم على ولدها لصغرهم بأمر زوجها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من مال أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف، فمثلها الرجل يكون له على الرجل الحق بأي وجْهٍ ما كان فيمنعه إياه، فله أن يأخذ من ماله حيث وجده سرا وعلانية. وكذلك حق ولده الصغار، وحق من هو قيم بماله ممن توكله أو كفلهُ. ( الأم : ٥/١٠٠-١٠١. ون الأم : ٥/٨٧. و أحكام الشافعي : ١/٢٦٣-٢٦٤. ومختصر المزني ص : ٢٣٤. والرسالة : ٥١٧-٥١٨ )
١ - البقرة: ٢٣٣..
٢ - الطلاق: ٦. وتمام الآيتين: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُو فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءَاتاهُ اَللَّهُ لا يُكَلِّفُ اَللَّهُ نَفْسا اِلا مَا ءَاتاهَا سَيَجْعَلُ اَللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾..
٣ - الطلاق: ٧..
٤ - هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية، والدة معاوية بن أبي سفيان. أسلمت هي وزوجها يوم الفتح. الإصابة: ٨/١٥٥. ون الطبقات الكبرى: ٨/٢٣٥..
٥ - أبو سفيان بن حرب القرشي معروف..
٦ - أخرجه البخاري في البيوع (٣٩) باب: من أجرى أمر الأمصار (٩٥) (ر٢٠٩٧). ومسلم في الأقضية (٣٠) باب: قضية هند (٤) (ر١٧١٤). ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي. والشافعي في المسند (ر١٢٢٢و١٢٢٣)..
٧ - أنس بن عياض، أبو ضمرة. عن سهيل، وربيعة. وعنه: أحمد، وأحمد بن صالح، وأمم. ثقة، سمح، بعِلمه جِدٌّ. عاش ستا وتسعين سنة. ت سنة: ٢٠٠هـ. الكاشف: ١/٩٢. ون التهذيب: ١/٣٨٩. وقال في التقريب: ثقة..
٨ - الطلاق: ٦..
٩ - البقرة: ٢٣٣..
١٠ - رواه البيهقي في النفقات باب: ما جاء في قول الله عز وجل: ﴿وَعَلَى اَلْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ ٧/٤٧٨. ون تفسير ابن جرير ٢/٥١٣.
٧٣- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل :﴿ وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ اِلنِّسَاء أَوَ اَكْنَنتُمْ فِى أَنفُسِكُمْ ﴾ الآية. قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن عبد الرحمان بن القاسم، عن أبيه : أنه كان يقول في قول الله عز وجل :﴿ وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ اِلنِّسَاء ﴾ أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها : إنك علي لكريمة، وإني فيك لراغب، فإن الله لسائق إليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول١.
قال الشافعي : كتاب الله يدل على أن التعريض في العدة جائز لما وقع عليه اسم التعريض إلا ما نهى الله عز وجل عنه من السِّرِّ، وقد ذكر القاسم بعضه. والتعريض كثير واسع جائز كله، وهو خلاف التصريح، وهو ما يعرض به الرجل للمرأة مما يدلها على أنه أراد به خطبتها بغير تصريح.
والسِّرُّ الذي نهى الله عنه ـ والله أعلم ـ يجمع بين أمرين : أنه تصريح : والتصريح خلاف التعريض، وتصريح بجماع وهذا كأقبح التصريح. فإن قال قائل : ما دلَّ على أن السِّرَّ الجماعُ ؟ قيل : فالقرآن كالدليل عليه إذ أباح التعريض، والتعريض عند أهل العلم جائز سرا وعلانية، فإذا كان هذا فلا يجوز أن يتوهم أن السر سر التعريض، ولا بد من معنى غيره، وذلك المعنى الجماع.
وقال امرؤ القيس٢ :
ألا زعمت بسبابة القوم أنــني كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي
كذبت لقد أصبى على المرء عرسه وأمنع عرسي أن يزن بها الخالـي
وقال جرير٣ يرثي امرأته :
كانت إذا هجر الخليل فراشهـا خزن الحديث وعفة الأسـرار
قال الشافعي : فإذا علم أن حديثها مخزون. فخزن الحديث أن لا يباح به سرا ولا علانية، فإذا وصفها فلا معنى للعفاف غير الإسرار، والإسرار : الجماع. ( الأم : ٥/١٥٨-١٥٩. ون أحكام الشافعي : ١/١٩١-١٩٢. )
ــــــــــــ
٧٤- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ اِلنِّسَاء أَوَ اَكْنَنتُمْ فِى أَنفُسِكُمْ ﴾٤ الآية. قال الشافعي : وبلوغ الكتاب أجله ـ والله تعالى أعلم ـ انقضاء العدة. قال : فبين في كتاب الله تعالى أن الله فرق في الحكم بين خلقه بين أسباب الأمور، وعقد الأمور، وبيِّن إذ فرق الله تعالى ذكره بينهما أن ليس لأحد الجمع بينهما، وأن لا يفسد أمر بفساد السبب إذا كان عقد الأمر صحيحا، ولا بالنية في الأمر، ولا تفسد الأمور إلا بفساد إن كان في عقدها لا بغيره. ألا ترى أن الله حرم أن يعقد النكاح حتى تنقضي العدة، ولم يحرم التعريض بالخطبة في العدة، ولا أن يذكرها وينوي نكاحها بالخطبة لها والذكر لها والنية في نكاحها سبب النكاح. وبهذا أجزنا الأمور بعقدها إن كان جائزا، ورددناها به إن كان مردودا، ولم نستعمل أسباب الأمور في الأحكام بحالٍ. فأجزنا أن ينكح الرجل المرأة لا ينوي حبسها إلا يوما، ولا تنوي هي إلا هو، وكذلك لو تواطا على ذلك لم يكن في شرط النكاح. وكذلك قلنا في الطلاق إذا قال لها : اعتدي لم يكن طلاقا إلا بنية طلاق كان ذلك من قبل غضب أو بعده.
وإذ أذن الله عز وجل في التعريض بالخطبة في العدة، فبين أنه حظر التصريح فيها، وخالف بين حكم التعريض والتصريح، وبذلك قلنا : لا نجعل التعريض أبدا يقوم مقام التصريح في شيء من الحكم إلا أن يريد المعرِّضُ التصريح، وجعلناه فيما يشبه الطلاق من النية وغيره. فقلنا : لا يكون طلاقا إلا بإرادته. وقلنا : لا نَحُدُّ أحدا في تعريض إلا بإرادة التصريح بالقذف.
قال الشافعي : قول الله تبارك وتعالى :﴿ وَلَاكِن لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا ﴾٥ يعني ـ والله تعالى أعلم ـ جماعا ﴿ اِلا أَن تَقُولُوا قَوْلا مَّعْرُوفًا ﴾٦ قولا حسنا لا فحش فيه.
قال الشافعي : وذلك أن يقول : رضيتك إن عندي لجماعا حسنا يرضي من جومعه، فكان هذا وإن كان تعريضا منهيا عنه لقبحه، وما عرَّض به مما سوى هذا مما يفهم المرأة به أنه يريد نكاحها فجائز له، وكذلك التعريض بالإجابة له جائز لها، ولا يحظر عليها من التعريض شيء يباح له، ولا عليه شيء يباح لها.
وإن صرح لها بالخطبة وصرحت له بإجابة، أو لم تصرح، ولم يعقد النكاح في الحالين حتى تنقضي العدة فالنكاح ثابت، والتصريح لهما معا مكروه. ( الأم : ٥/٣٦-٣٧. ون أحكام الشافعي : ١/١٨٩-١٩١. )
١ - رواه مالك في أول النكاح (٢٨) (ر٣).
ورواه البيهقي في النكاح باب: التعريض بالخطبة ٧/١٧٨.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٠٧٠)..

٢ - هو امرؤ القيس بن حُجْر بن عمرو الكندي، وهو من أهل نجد من الطبقة الأولى. الشعر والشعراء ص: ٣٦. ون ديوانه..
٣ - جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي، وهو من بني كليب، عمَّر نيفا وثمانين سنة، ومات باليمامة، وكان يكنى أبا حزرة. الشعر والشعراء ص: ٢٣٠. ون ديوانه. ووفيات الأعيان: ١/٣٢١..
٤ - البقرة: ٢٣٥..
٥ - البقرة: ٢٣٥..
٦ - البقرة: ٢٣٥..
٧٥- قال الشافعي : إنما أجزنا النكاح بغير مهر لقول الله عز وجل :﴿ لا جُنَاحَ عَلَيْكُمُ إِن طَلَّقْتُمُ اَلنِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ الآية. فلما أثبت الله عز وجل الطلاق دل ذلك على أن النكاح ثابت، لأن الطلاق لا يقع إلا من نكاح ثابت، فأجزنا النكاح بلا مهر، ولما أجازه الله سبحانه وتعالى بلا مهر كان عقد النكاح على شيئين : أحدهما نكاح والآخر ما يملك بالنكاح من المهر، فلما جاز النكاح بلا ملك مهر فخالف البيوع، وكان فيه مهر مثل المرأة إذا دخل بها، وكان كالبيوع الفاسدة المستهلكة يكون فيها قيمتها، كان المهر إذا كان فاسدا لا يفسد النكاح، ولم يكن في النكاح بلا مهر، ولا في النكاح بالمهر الفاسد نهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرمه بنهيه كما كان في الشِّغَار١، فأجزنا ما أجاز الله عز وجل، وما كان في معناه إذا لم ينه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه عن شيء علمناه، ورددنا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الواجب علينا الذي ليس لنا ولا لأحد يعقل عن الله جل وعلا شيئا علمنا غيره. ( الأم : ٥/٧٧. ون مختصر المزني ص : ١٧٨. وأحكام الشافعي : ١/١٩٨. )
ــــــــــــ
٧٦- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ لا جُنَاحَ عَلَيْكُمُ إِن طَلَّقْتُمُ اَلنِّسَاء ﴾ إلى ﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ ﴾٢ وقال تبارك وتعالى :﴿ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمُ ﴾٣ فأعلم الله تعالى في المفروض لها أن الطلاق يقع عليها، كما أعلم في التي يفرض لها أن الطلاق يقع عليها، والطلاق لا يقع إلا على زوجة، والزوجة لا تكون إلا ونكاحها ثابت. قال : ولم أعلم مخالفا مضى، ولا أدركته في أن النكاح يثبت وإن لم يسم مهرا، وأن لها ـ إن طلقت وقد نكحت ولم يسم مهرا ـ المتعة، وإن أصيبت فلها مهر مثلها، فلما كان هذا كما وصفت لم يجز أبدا أن يفسد النكاح من جهة المهر بحال أبدا. فإذا نكحها بمهر مجهول، أو مهر حرام البيع في حاله التي نكحها فيها، أو حرام بكل حال، قال : فذلك كله سواء. وعقد النكاح ثابت، والمهر باطل، فلها مهر مثلها إن طلقها قبل أن يدخل بها، لأنها سمت مهرا وإن لم يجز بأنه معلوم حلال، ولم يحل لأنها لم ترد نكاحه بلا مهر. ( الأم : ٥/٧١. )
١ - نكاح الشغار: أن يزوج الرجل ابنته من رجل على أن يزوجه ابنته، وكلتاهما بغير مهر، وهو من أنكحة الجاهلية التي أبطلها الإسلام. معجم لغة الفقهاء. وكذلك هو عند الشافعي..
٢ - البقرة: ٢٣٦..
٣ - البقرة: ٢٣٧..
٧٧- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تعالى :﴿ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ﴾ الآية. قال : والمَسِيسُ : الإصابة. وقال ابن عباس وشريح وغيرهما : لا عدة عليها إلا بالإصابة بعينها، لأن الله تعالى قال هكذا١.
قال الشافعي : وهذا ظاهر القرآن. فإن ولدت التي قال زوجها لم أدخل بها لستة أشهر أو لأكثر ما يلد له النساء من يوم عقد نكاحها لحق نسبه، وعليه المهر إذا ألزمناه الولد حكمنا عليه بأنه مصيب، ما لم تنكح زوجا غيره ويمكن أن يكون منه.
قال : ولو خلا بها فقال : لم أصبها، وقالت قد أصابني، ولا ولد، فهي مُدعية، والقول قوله مع يمينه، وإن جاءت بشاهد بإقراره أحلفتها مع شاهدها، وأعطيتها الصداق. ( مختصر المزني ص : ٢١٩. )
ــــــــــــ
٧٨- قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب أن عمر ابن الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل : أنها إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق٢. قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن ابن شهاب : أن زيد بن ثابت قال : إذا دخل بامرأته، فأرخيت الستور فقد وجب الصداق٣.
قال الشافعي : وروي عن ابن عباس وشريح أن لا صداق إلا بالمسيس. واحتجا أو أحدهما بقول الله تعالى :﴿ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ﴾٤ قال بهذا ناس من أهل الفقه فقالوا : لا يلتفت إلى الإغلاق، وإنما يجب المهر كاملا بالمسيس، والقول في المسيس قول الزوج.
وقال غيرهم : يجب المهر بإغلاق الباب وإرخاء الستور، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب. وأن عمر قال : ما ذنبهن إن جاء العَجْزُ مِن قِبَلِكُمْ ؟ ٥. فخالفتم ما قال ابن عباس وشريح، وما ذهبا إليه من تأويل الآيتين، وهما قول الله تبارك وتعالى :﴿ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ﴾٦ وقوله :﴿ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَالَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ﴾٧، وخالفتم ما رويتم عن عمر وزيد، وذلك أن نصف المهر يجب بالعقد، ونصفه الثاني بالدخول، ووجه قولهما الذي لا وجه له غيره : أنها إذا خلت بينه وبين نفسها واختلى بها، فهو كالقبض في البيوع، فقد وجب نصف المهر الآخر. ولم يذهبا إلى مسيس. وعمر يدين ثم يقضي بالمهر، وإن لم يدع المسيس لقوله : ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم٨. ( الأم : ٧/٢٣٣. ون مختصر المزني ص : ١٨٤. )
١ - رواه البيهقي في العدد باب: لا عدة على التي لم يدخل بها زوجها ٧/٤٢٤..
٢ - رواه مالك في النكاح (٢٨) باب: إرخاء الستور (٤) (ر١٢١٣).
ورواه البيهقي في الصداق باب: من قال من أغلق بابا وأرخى سترا ٧/٢٥٥..

٣ - نفس المصدر السابق..
٤ - البقرة: ٢٣٧..
٥ - رواه البيهقي في الصداق باب: من قال من أغلق بابا وأرخى سترا ٧/٢٥٦..
٦ - البقرة: ٢٣٧..
٧ - الأحزاب: ٤٩..
٨ - سبق تخريجه..
٧٩- قال الشافعي : قوله تعالى :﴿ حَافِظُوا عَلَى اَلصَّلَوَاتِ ﴾ والمحافظة على الشيء : تعجيله. ومن قدم الصلاة في أول وقتها كان أولى بالمحافظة عليها ممن أخرها عن أول وقتها. وفي قوله :﴿ وَالصَّلَواةِ اِلْوُسْطى ﴾ فذهبنا إلى أنها الصبح، وكان أقل ما في الصبح إن لم تكن هي، أن تكون مما أمرنا بالمحافظة عليه. وعن أبي يونس١ مولى عائشة رضي الله عنها أَمْلَتْ عليه :﴿ حَافِظُوا عَلَى اَلصَّلَوَاتِ وَالصَّلَواةِ اِلْوُسْطى وصلواة العصر ﴾ ثم قالت : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ٢. فحديث عائشة يدل على أن الصلاة الوسطى ليست صلاة العصر. واختلف بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فروي عن علي وابن عباس : أنها الصبح٣ : وإلى هذا نذهب. وروي عن زيد بن ثابت : الظهر٤. وعن غيره : العصر، وروي فيه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ٥. ( أحكام الشافعي : ١/٥٩-٦٠. ون اختلاف الحديث ص : ٥٢٢. والرسالة : ٢٨٩. ومعرفة السنن والآثار : ١/٤٧٦. )
ــــــــــــ
٨٠- قال الشافعي : قال الله تعالى :﴿ وَقُومُوا لِلهِ قَانِتِينَ ﴾٦. قال الشافعي : من خوطب بالقنوت مطلقا، ذهب إلى أنه قيام في الصلاة، وذلك أن القنوت قيام لمعنى طاعة الله عز وجل، وإذا كان هكذا، فهو موضع كف عن قراءة. وإذا كان هكذا أشبه أن يكون قياما ـ في صلاة ـ لدعاء، لا لقراءة. فهذا أظهر معانيه، وعليه دلالة السنة وهو أولى المعاني أن يقال به عندي، والله أعلم.
قال الشافعي رحمه الله : وقد يحتمل القنوت : القيام كله في الصلاة. وروي عن عبد الله بن عمر : قيل : أي الصلاة ؟ قال : طول القنوت وقال طاوس : القنوت طاعة الله عز وجل٧.
قال الشافعي رحمه الله : وما وصفت من المعنى الأول أولى المعاني به، والله أعلم.
قال : فلما كان القنوت بعض القيام دون بعض، لم يجُزْ ـ والله أعلم ـ أن يكون إلا ما دلت عليه السنة : من القنوت للدعاء، دون القراءة.
قال : واحتمل قول الله عز وجل :﴿ وَقُومُوا لِلهِ قَانِتِينَ ﴾٨ قانتين في الصلاة كلها، وفي بعضها دون بعض. فلما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، ثم ترك القنوت في بعضها، وحفظ عنه القنوت في الصبح خاصة، دل هذا على أنه إن كان الله أراد بالقنوت : القنوت في الصلاة، فإنما أراد به خاصا.
واحتمل أن يكون في الصلوات، في النازلة. واحتمل طول القنوت : طولَ القيام. واحتمل القنوت : طاعة الله. واحتمل : السكات٩.
قال الشافعي : ولا أرخص في ترك القنوت في الصبح بحال، لأنه إن كان اختيارا١٠ من الله ومن رسوله صلى الله عليه وسلم، لم أرخص في ترك الاختيار. وإن كان فرضا : كان مما لا يتبين تركه. ولو تركه تارك كان عليه أن يسجد للسَّهو١١، كما يكون ذلك عليه لو ترك الجلوس في شيء. ( أحكام الشافعي : ١/٧٨-٧٩. ن الأم : ١/٨٠. مناقب الشافعي : ١/٢٩٩. أحكام الشافعي : ١/٨٠. معرفة السنن الآثار : ٢/١٣٧. )
١ - أبو يونس: عن: مولاته عائشة. وعنه: زيد بن أسلم، وأبو طوالة، وعدة. ثقة. الكاشف: ٣/٣٦٤. ون التهذيب: ١٠/٣١٧. وقال في التقريب: ثقة..
٢ - رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (٥) باب: الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (٣٦)(ر٦٢٩). وأبو داود في الصلاة (٢) باب: في وقت صلاة العصر (٥) (ر٤١٠). والترمذي في التفسير (٤٤) باب: (٢٩) (ر٢٩٨٢). والنسائي في الصلاة (٥) باب: فضل صلاة العصر (١٣) (ر٤٧١)..
٣ - رواه مالك في صلاة الجماعة (٨) باب: الصلاة الوسطى (٨) (ر٢٨) وقال: وقول علي وابن عباس أحب ما سمعت إلي في ذلك. ورواه البيهقي في الصلاة باب: من قال هي الصبح ١/٤٦١..
٤ - رواه أبو داود في الصلاة (٢) باب: في وقت صلاة العصر (٥) (ر٤١١). ورواه مالك في صلاة الجماعة (٨) باب: الصلاة الوسطى (٨) (ر٢٧). والبيهقي في الصلاة باب: من قال هي الظهر ١/٤٥٨..
٥ - أخرجه البخاري في التفسير (٦٨) باب: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى (٤٤) عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: «حبسونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس، ملا الله قبورهم وبيوتهم، أو أجوافهم ـ شك يحيى ـ نارا». وأخرجه في الجهاد والمغازي والدعوات. وأخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (٥) باب: الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (٣٦) (ر٦٢٧). ورواه أصحاب السنن..
٦ - البقرة: ٢٣٨..
٧ - ن تفسير ابن جرير ٢/٥٨٤..
٨ - البقرة: ٢٣٨..
٩ - ن الآثار الواردة في ذلك في تفسير ابن جرير ٢/٥٨٤-٥٨٦..
١٠ - أي مندوبا..
١١ - قال في الأم ١/١٣٢: وإن ترك القنوت في الفجر سجد للسهو، لأنه من عمل الصلاة وقد تركه..
٨١- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَاَلذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةٌ ِّلأَزْوَاجِهِم ﴾ الآية. وكان فرْضُ الزوجَةِ أن يوصي لها الزوج بمتاع إلى الحول، ولم أحفظ عن أحدٍ خلافا أن المتاعَ : النفقة، والسكنى، والكسوة إلى الحول وثبت لها السكنى فقال :﴿ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ﴾ ثم قال :﴿ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِى مَا فَعَلْنَ فِى أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ ﴾ فدل القرآن على أنهن إن خرجن فلا جناح على الأزواج لأنهن تَرَكْنَ مَا فُرِضَ لَهُنَّ. ودلَّ الكتاب العزيز إذا كان السكنى لها فرضًا فتركت حقها فيه، ولم يجعل الله تعالى على الزوج حرجا أن من ترك حقه غير ممنوع له لم يخرج من الحق عليه. ثم حفظت عمن أرضى من أهل العلم أنَّ نفقة المتوفى عنها زوجها وكسوتها حوْلا مَنْسُوخٌ بآية المواريث. قال الله عز وجل :﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُم إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ اَلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ اَلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُم إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ اَلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾١.
قال الشافعي : ولم أعلم مخالفا فيما وصفت من نسخ نفقة المتوفى عنها وكسوتها سنةً. وأقلَّ من سنة. ثم احتمل سكناها إذا كان مذكورا مع نفقتها بأنه يقع عليها اسم المتاع أن يكون منسوخا في السنة وأقل منها، كما كانت النفقة والكسوة منسوختين في السنة وأقل منها، واحتمل أن تكون نسخت في السنة وأثبتت في عدة المتوفى عنها حتى تنقضي عدتها بأصل هذه الآية، وأن تكون داخلة في جملة المعتدات، فإن الله تبارك وتعالى يقول في المطلقات :
﴿ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إلا أَنْ يَّاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾٢ فلما فرض الله في المعتدة من الطلاق السكنى، وكانت المعتدة من الوفاة في معناها، احتملت أن يجعل لها السكنى لأنها في معنى المعتدات.
فإن كان هذا هكذا، فالسكنى في كتاب الله عز وجل منصوص، أو في معنى من نص لها السكنى في فرض الكتاب. وإن لم يكن هكذا فالفرض في السكنى لها في السُّنة، ثم فيما أحفظ عمن حفظت عنه من أهل العلم أن للمتوفى عنها السكنى ولا نفقة. فإن قال قائل : فأين السنة في سكنى المتوفى عنها زوجها ؟ قيل : أخبرنا مالك، عن سعد بن إسحاق٣، عن كعب بن عُجْرَة٤.
قال الشافعي : وما وصفت في متاع المتوفى عنها هو الأمر الذي تقوم به الحجة، والله تعالى أعلم. ( الأم : ٤/٩٩-١٠٠. ون الأم : ٥/٢٢٣. ومعرفة السنن والآثار : ٦/٤٤-٤٥ و ٦/٤٩-٥٠. )
١ - النساء: ١٢..
٢ - الطلاق: ١..
٣ - سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة المدني. عن: أبيه، وأنس. وعنه: شعبة، ومالك، والقطان. صدوق. الكاشف: ١/٣٠٤. ون التهذيب: ٣/٢٧٧. وقال في التقريب: ثقة..
٤ - لم يذكر الشافعي هنا نص الحديث، وأورده في الرسالة ص: ٤٣٨، وفي المسند (ر٧٨٧).
ورواه مالك في الطلاق (٢٩) باب: مقام المتوفى عنها (٣١) (ر٨٧) عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة: أن الفُريعة بنت مالك بن سنان ـ وهي أخت أبي سعيد الخدري ـ أخبرتها: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أَعْبُدٍ له أَبَقُوا، حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم، فقتلوه. قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة، فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه، ولا نفقة. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» قالت: فانصرفت، حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر بي فنوديت له، فقال: «كيف قلت؟» فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي فقال: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. قالت: فلما كان عثمان بن عفان، أرسل إلي فسألني عن ذلك، فأخبرته، فأتبعه وقضى به.
ورواه أبو داود في الطلاق (٧) باب: في المتوفى عنها تنتقل (٤٤) (ر٢٣٠٠). والترمذي في الطلاق واللعان (١٠) باب: ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها (٢٣) (ر١٢٠٤) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي في الطلاق (٢٧) باب: مقام المتوفى عنها (٦٠) (ر٣٥٣٠)..

- قال الشافعي : واستنبطت البارحة آيتين، فما أشتهي باستنباطهما الدنيا وما فيها : -ayah text-primary">﴿ يُدَبِّرُ اَلاَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ اِلا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ﴾ وفي كتاب الله هذا كثير :-ayah text-primary">﴿ مَن ذَا اَلذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلا بِإِذْنِهِ ﴾-note text-primary mx-٢" href="#foonote-١">١. فَتَعَطَّلَ الشفعاء إلا بإذن الله. ( أحكام الشافعي : ٢/١٨٠. )
ــــــــــــ
٨٢- قال الشافعي : قال الله :﴿ وَلا يُحِيطُونَ بِشَىْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاء ﴾ فآتاهم من علمه ما شاء، وكما شاء، لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب. ( الرسالة ص : ٤٨٥. )
١ - البقرة: ٢٥٥..
٨٣- قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَلا تَيَمَّمُوا اَلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ ﴾ الآية. قال الشافعي : يعني ـ والله أعلم ـ تأخذونه لأنفسكم ممن لكم عليه حق، فلا تنفقوا ما لا تأخذون لأنفسكم، يعني لا تعطوا مما خَبُثَ عليكم ـ والله أعلم ـ وعندكم طيب.
قال الشافعي : فحرام على من عليه صدقة أن يعطي الصدقة من شرِّهَا، وحرام على من عنده ثمر أن يعطي العشر من شره. ومن له الحنطة أن يعطي العشر من شرها. ومن له ذهب أن يعطي زكاتها من شرها. ومن له إبل أن يعطي الزكاة من شرها إذا وُلِّيَ إعطاءها أهلها، وعلى السلطان أن يأخذ ذلك منه. وحرام عليه إن غابة أعيانها عن السلطان فقبل قوله أن يعطيه من شرها ويقول : ماله كله هكذا.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان، عن داود بن أبي هند١، عن الشعبي،
عن جرير بن عبد الله البجلي٢ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إذا أتاكم المصدق٣ فلا يفارقكم إلا عن رضا »٤. قال الشافعي : يعني ـ والله أعلم ـ أن يوفوه طائعين ولا يلووه، لا أن يعطوه من أموالهم ما ليس عليهم، فبهذا نأمرهم، ونأمر المصدق. ( الأم : ٢/٥٨. ون أحكام الشافعي : ١/١٠٤. ومعرفة السنن والآثار : ٣/٢٩١. )
١ - داود بن أبي هند البصري، أحد الأعلام. رأى أنسا، سمع أبا العالية، وابن المسيب. وعنه: شعبة، والقطان. له نحو مائتي حديث. وكان حافظا صواما دهره، قانتا لله، عاش خمسا وسبعين سنة، ت سنة: ١٤٠هـ. بطريق مكة. الكاشف: ١/٢٤٨. ون التهذيب: ٣/٢٥. وقال في التقريب: ثقة متقن كان يهم بأخرة. وتعقبه صاحب التحرير
١/٣٧٨ فقال: قوله «كان يهم بأخرة» ليس بجيد، أخذه حسب فهمه من أبي داود الذي انفرد به. قال أحمد: ثقة ثقة. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت. ووثقه سفيان بن عيينة، وابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، وابن حبان، وغيرهم. وقال أبو داود وحده: «رجل البصرة إلا أنه خولف في غير حديث» وهذا الكلام الذي ساقه أبو داود لا ينبغي أن يذكر، لأن ما من أحد من الثقات إلا خولف في بعض الأحاديث. قال: وينبغي التنبه إلى أن لفظ «يهم» لفظ غير دقيق. فقد يكون الراوي قد وهم في حديثين أو ثلاثة، فلا يقال فيه «يهم» وإنما اللفظ الصحيح أن يقال: «يهم في بعض ما يروي» وإذا كثرت أوهامه وغلبت على نباهته، فيقال فيه حينئذ: «يهم» وهو التعبير الذي يفيد استمرار وهمه في أغلب ما يرويه..

٢ - جرير بن عبد الله البجلي اليماني. بسط له النبي صلى الله عليه وسلم رداءه وأكرمه، وكان سيدا مطاعا بديع الجمال. عنه: ابناه إبراهيم وعبد الله، وحفيده أبو زرعة، وزياد بن علاقة، وأبو إسحاق. أسلم في رمضان سنة عشر. ت سنة: ٥١هـ. الكاشف: ١/١٣٥. ون الإصابة: ١/٤٧٥. والتهذيب: ٢/٤٠. وقال في التقريب: صحابي مشهور..
٣ - المُصَدِّقُ: عامل الزكاة الذي يستوفيها من أربابها. ن القاموس الفقهي..
٤ - رواه البيهقي في الزكاة باب: ما ورد في إرضاء المصدق ٤/١٣٦.
ورواه الشافعي في المسند (ر٦٥٣). ولهذا الحديث شواهد أخرى. فقد روى مسلم في الزكاة (١٢) باب: إرضاء السعاة (٧) (ر٩٨٩) عن جرير بن عبد الله قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن ناسا من المصدقين يأتوننا فيظلموننا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرضوا مصدقيكم» قال جرير: ما صدر عني مصدق منذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو عني راض.
ورواه أبو داود في الزكاة (٣) باب: رضا المصدق (٥) (ر١٥٨٩).
ورواه النسائي في الزكاة (٢٣) باب: إذا جاوز في الصدقة (١٤) (ر ٢٤٥٩).
والمراد من الحديث: مساهلة جامع الزكاة والتسامح معه حتى يكون راضيا بما يأخذ. وهكذا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر دافعي الزكاة بمياسرة العامل، ويأمر العامل بمياسرة دافعي الزكاة..

٨٤- قال الشافعي : قال الله تعالى :﴿ وَأَحَلَّ اَللَّهُ اَلْبَيْعَ وَحَرَّمَ اَلرِّبَاواْ ﴾ وقال :﴿ لا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلا أَن تَكُونَ تِجَارَةٌ عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ﴾١. فكل بيع كان عن تراض من المتبايعين جائز من الزيادة في جميع البيوع، إلا بيعا حَرَّمَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا الذهب والورق يَدًا بِيَدٍ، والمأكول والمشروب في معنى المأكول. فكل ما أكل الآدميون وشربوا، فلا يجوز أن يباع شيء منه بشيء من صنفه إلا مثْلا بمثل، إن كان وزنا فوزن، وإن كان كيلا فكيل، يدا بيد، وسواء في ذلك الذهب والورق، وجميع المأكول، فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع بينهما، وكذلك بيع العرايا٢ لأنها من المأكول، فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع بينهما.
وإذا اختلف الصنفان مما ليس في بعضه ببعض الربا، فلا بأس بواحد منه باثنين أو أكثر، يدا بيد ولا خير في نَسِئَةٍ٣. وإذا جاز الفضل في بعضه على بعض، فلا بأس بجزاف٤ منه بجزاف، وجزاف بمعلوم.
وكل ما أكله الآدميون دواء فهو في معنى المأكول مثل : الإهليلج٥، والثفاء٦، وجميع الأدوية. قال : وما عدا هذا مما أكلته البهائم ولم يأكله الآدميون مثل : القرظ٧، والقضب٨، والنوى٩، والحشيش، ومثل العروض التي لا تأكل مثل : القراطيس١٠، والثياب وغيرها، ومثل الحيوان فلا بأس بفضل بعضه على بعض، يدا بيد.
ونسيئة تباعدت أو تقاربت، لأنه داخل في معنى ما أحل الله من البيوع، وخارج من معنى ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل بعضه على بعض، وداخل في نقى إحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه من بعده.
قال الشافعي : أخبرنا الثقة، عن الليث، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ١١.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر : أنه باع بعيرا له بأربعة أبعرة مضمونة عليه بالرَّبذة١٢.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن صالح بن كيسان١٣، عن الحسن بن محمد بن علي١٤ : أن عليا ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه باع بعيرا يقال له عصيفير بعشرين بعيرا إلى أَجَلٍ١٥.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب أنه قال : لا ربا في الحيوان، وإنما نهى من الحيوان عن المضامين١٦، والملاقيح١٧، وحبل الحبلة١٨.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن ابن شهاب : أنه سئل عن بعير ببعيرين إلى أجل فقال : لا بأس به١٩. ( الأم : ٣/٣٦-٣٧. ون أحكام الشافعي : ١/١٣٥-١٣٦. والرسالة ص : ٢٣٢. )
١ - النساء: ٢٩..
٢ - بيع العرايا في الشرع: هو بيع رطب في رؤوس نخلة بتمر كيلا. ج: عرية. ن القاموس الفقهي..
٣ - ربا النسيئة: هو الزيادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل. ن القاموس الفقهي..
٤ - الْجُِزاف: الشيء لا يعلم كيله، أو وزنه. وهو فارسي معرب. ن القاموس الفقهي..
٥ - الإهليلج: وهو أربعة أصناف وقيل أنها شجرة واحدة وأن حكم ثمرتها كالنخلة. ن تذكرة أولي الألباب لداود الأنطاكي: ١/١٥٥. ويقال له: الصيني وكابلي وهندي وشعيري. ن ضياء النبراس ص: ٢٣. للعلامة عبد السلام العلمي..
٦ - الثُّفَّاء: الخرذل ويقال الحُرف، وقيل حب الرشاد. ن اللسان: ثفى..
٧ - القَرَظُ: حمل الشوكة المصرية المعروفة بأم غيلان والسنط. ن التذكرة: ١/٥٨١. وهو المعروف عند أهل فاس ب بقيقلان الأذكياء. ن ضياء النبراس ص: ١٠٥..
٨ - القضب: هو سائر العلف أو هو الفصفصة. ن التذكرة: ١/٥٨٦. ون ضياء النبراس ص: ١٠٦..
٩ - النوى: كل عجم صلب داخل الثمرة، وقد يطلق على نوى التمر. وكل مع ثمرته. ن التذكرة: ١/٧١٢..
١٠ - القراطيس: ج قرطاس وهو المعمول من البردي وأصول البشنين. ن التذكرة: ١/٥٨٠..
١١ - روى مسلم في المساقاة (٢٢) باب: جواز بيع حيوان بالحيوان (٢٣) (ر١٦٠٢) عن جابر قال: جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولم يشعر أنه عبد. فجاء سيده يريده. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :«بعنيه» فاشتراه بعبدين أسودين. ثم لم يبايع أحدا بعد حتى يسأله «أعَبْدٌ هو».
ورواه أبو داود في البيوع والإجارات (١٧) باب: في ذلك إذا كان يدا بيد (١٧) (ر٢٣٥٨).
ورواه الترمذي في البيوع (١١) باب: ما جاء في شراء العبد بالعبدين (٢٢) (ر١٢٣٩).
ورواه النسائي في البيعة (٣٩) باب: بيعة المماليك (٢١) (ر٤١٩٥)، وفي البيوع (٤٤) باب: بيع الحيوان بالحيوان يدا بيد تفاضلا (٦٦) (ر٤٦٣٥).
ورواه ابن ماجة في الجهاد (٢٤) باب: البيعة (٤١) (٢٨٦٩).
ورواه الشافعي في المسند (ر١٥٦٣)..

١٢ - روى مالك في البيوع (٣١) باب: ما يجوز من بيع الحيوان بعضه ببعض (٢٥) (ر٦٠) عن نافع أن عبد الله بن عمر اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالربذة.
ورواه البيهقي في البيوع باب: بيع الحيوان وغيره مما لا ربا فيه ٥/٢٨٨.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٥٦٨). والربذة قرية قرب المدينة بها قبر أبي ذر الغفاري..

١٣ - صالح بن كيسان المدني. رأى ابن عمر، وسمع عروة، والزهري. وعنه: ابن عيينة، وإبراهيم بن سعد، والدراوردي. ثقة جامع للفقه والحديث والمروءة. قال أحمد: هو أكبر من الزهري بخ بخ. الكاشف: ٢/٢٣. ون التهذيب: ٤/٢٣. وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه..
١٤ - الحسن بن محمد بن الحنفية. عن: أبيه، وابن عباس، وعدة. وعنه: الزهري، وموسى بن عبيدة. وهو أول المرجأة، ألف في ذلك. قال عمر بن دينار: أنا الحسن بن محمد، ولم أر أحدا قط أعلم منه. ت سنة: ٩٥هـ. الكاشف: ١/١٨٢. ون التهذيب: ٢/٢٩٤. وقال في التقريب: ثقة فقيه..
١٥ - رواه مالك في البيوع (٣١) باب: ما يجوز من بيع الحيوان بعضه ببعض (٢٥) (ر٥٩).
ورواه البيهقي في البيوع باب: بيع الحيوان وغيره مما لا ربا فيه ٥/٢٨٨. والشافعي في المسند (ر١٥٦٧)..

١٦ - بيع المضامين في قول جماهير العلماء: هو بيع ما في أصلاب الفحول من الماء. وعند المالكية والأباضية: هو بيع ما في بطون الإبل. ن القاموس الفقهي..
١٧ - بيع الملاقيح شرعا: هو بيع ما في البطون من الأجنة. ن القاموس الفقهي..
١٨ - بيع حَبَلِ الْحَبَلَةِ: هو بيع ولد الولد الذي في بطن الناقة وغيرها. وفي الحديث الشريف: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة. لأنه بيع معدوم، ومجهول، وغير مقدور على تسليمه. والحديث متفق عليه. ن القاموس الفقهي..
١٩ - روى مالك في البيوع (٣١) باب: ما يجوز من بيع الحيوان (٢٥) (ر٦١) أنه سأل ابن شهاب عن بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل؟ فقال: لا بأس بذلك..
٨٥- قال الشافعي : أربى أهل الجاهلية في الجاهلية، ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ اَتَّقُوا اَللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِىَ مِنَ اَلرِّبَاوا إِن كُنتُم مُّومِنِينَ ﴾ وقال في سياق الآية :﴿ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ ﴾ فلم يبطل عنهم رؤوس أموالهم إذا لم يتقابضوا وقد كانوا مقرين بها ومستيقنين في الفضل فيها، فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ما أصابوا من دمٍ أو مالٍ، لأنه كان على وَجْهِ الغَصْبِ لا على وجه الإقرار به. ( الأم : ٤/٢٨٨. ون معرفة السنن والآثار : ١/٢٨٥. )
ــــــــــــ
٨٦- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ اَتَّقُوا اَللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِىَ مِنَ اَلرِّبَاوا إِن كُنتُم مُّومِنِينَ ﴾ إلى ﴿ تُظْلَمُونَ ﴾ فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عما قبضوا من الربا، فلم يأمرهم برده، وأبطل ما أدرك حكم الإسلام ـ من الربا ـ ما لم يقبضوه، فأمرهم بتركه، وردهم إلى رؤوس أموالهم التي كانت حلالا لهم. فجمع حكم الله ثم حكم رسوله صلى الله عليه وسلم ـ في الربا ـ أن عفا عمَّا فات وأبْطَل ما أدرك الإسلام. ( الأم : ٤/٢٦٥-٢٦٦. ون الأم : ٤/٢١١. والأم : ٥/١٦٥. )
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٧٨:٨٥- قال الشافعي : أربى أهل الجاهلية في الجاهلية، ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ اَتَّقُوا اَللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِىَ مِنَ اَلرِّبَاوا إِن كُنتُم مُّومِنِينَ ﴾ وقال في سياق الآية :﴿ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ ﴾ فلم يبطل عنهم رؤوس أموالهم إذا لم يتقابضوا وقد كانوا مقرين بها ومستيقنين في الفضل فيها، فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ما أصابوا من دمٍ أو مالٍ، لأنه كان على وَجْهِ الغَصْبِ لا على وجه الإقرار به. ( الأم : ٤/٢٨٨. ون معرفة السنن والآثار : ١/٢٨٥. )
ــــــــــــ

٨٦-
قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ اَتَّقُوا اَللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِىَ مِنَ اَلرِّبَاوا إِن كُنتُم مُّومِنِينَ ﴾ إلى ﴿ تُظْلَمُونَ ﴾ فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عما قبضوا من الربا، فلم يأمرهم برده، وأبطل ما أدرك حكم الإسلام ـ من الربا ـ ما لم يقبضوه، فأمرهم بتركه، وردهم إلى رؤوس أموالهم التي كانت حلالا لهم. فجمع حكم الله ثم حكم رسوله صلى الله عليه وسلم ـ في الربا ـ أن عفا عمَّا فات وأبْطَل ما أدرك الإسلام. ( الأم : ٤/٢٦٥-٢٦٦. ون الأم : ٤/٢١١. والأم : ٥/١٦٥. )

٨٧- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ اِلَى مَيْسُرَةٍ ﴾ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« مطل١ الغني ظلم »٢ فلم يجعل على ذي دين سبيلا في العسرة حتى تكون الميسرة، ولم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مطله ظلما إلا بالغنى. فإذا كان معسرا فهو ليس ممن عليه سبيل إلا أن يوسر، وإذا لم يكن عليه سبيل فلا سبيل على إجارته. لأن إجارته عمل بدنه. وإذا لم يكن على بدنه سبيل وإنما السبيل على ماله، لم يكن إلى استعماله سبيل، وكذلك لا يحبس لأنه لا سبيل عليه في حاله هذه. وإذا قام الغرماء على رجل فأرادوا أخذ جميع ماله، ترك له من ماله قدر ما لا غناء به عنه، وأقل ما يكفيه وأهله يومه من الطعام والشراب. ( الأم : ٣/٢٠٢. ون معرفة السنن والآثار : ٤/٤٥٥. )
١ - المطل: التسويف والمدافعة بالعدة والدين وليّانه. اللسان: مطل..
٢ - أخرجه البخاري في الحوالات (٤٣) باب: (١) وباب: (٢) (ر٢١٦٦ و ٢١٦٧) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مطل الغني ظلم، فإذا أتبع أحدكم على مَلِيٍّ فليتبع». والملي: الواجد لما يقضي به الدين.
ورواه مسلم في المساقاة (٢٢) باب: تحريم مطل الغني (٧) (ر١٥٦٤).
ورواه مالك في البيوع (٣١) باب: جامع الدين والحول (٤٠) (ر٨٤)..

٨٨- قال الشافعي رحمه الله : قال الله تعالى :﴿ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ اِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ﴾ إلى قوله :﴿ وَلْيَتَّقِ اِللَّهَ رَبَّهُ ﴾. قال الشافعي : فلما أمر الله عز وجل بالكتاب، ثم رخص في الإشهاد، إن كانوا على سفر ولم يجدوا كاتبا، احتمل أن يكون فرضا، وأن يكون دلالة، فلما قال الله جل ثناؤه :﴿ فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ﴾ والرهن غير الكتاب والشهادة، ثم قال :﴿ فَإِنَ اَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُودِّ اِلذِى اِوتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اِللَّهَ رَبَّهُ ﴾ دل كتاب الله عز وجل على أن أمره بالكتاب ثم الشهود ثم الرهن، إرشادا لا فرضا عليهم، لأن قوله :﴿ فَإِنَ اَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُودِّ اِلذِى اِوتُمِنَ أَمَانَتَهُ ﴾ إباحة لأن يأمن بعضهم بعضا، فيدع الكتاب والشهود والرهن.
قال : وأحِبُّ الكتاب والشهود لأنه إرشاد من الله، ونظر للبائع والمشتري، وذلك أنهما إذا كانا أمينين فقد يموتان، أو أحدهما، فلا يعرف حق البائع على المشتري، فيتلف على البائع أو ورثته حقه، وتكون التباعة على المشتري في أمر لم يرده. وقد يتغير عقل المشتري فيكون هذا والبائع١، وقد يظلم المشتري فلا يقر، فيدخل في الظلم من حيث لا يعلم، ويصيب ذلك البائع فيدعي ما ليس له، فيكون الكتاب والشهادة قاطعا هذا عنهما وعن ورثتهما، ولم يكن يدخله ما وصفت، انبغى لأهل دين الله اختيار ما ندبهم الله إليه إرشادا، ومن تركه فقد ترك حزما وأمرا لم أحب تركه من غير أن أزعم أنه محرم عليه بما وصفت من الآية بعده.
قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَلا يَابَ كَاتِبٌ اَنْ يَّكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اَللَّهُ ﴾٢ يحتمل أن يكون حتما على من دُعِيَ للكتاب، فإن تركه تارك كان عاصيا، ويحتمل أن يكون كما وصفنا في كتاب جماع العلم على من حضر من الكتاب أن لا يعطوا كتاب حق بين رجلين. فإذا قام به واحد أجزا عنهم، كما حق عليهم أن يصلوا على الجنائز ويدفنوها، فإذا قام بها من يكفيها أخرج ذلك من تخلف عنها من المأثم، ولو ترك كل من حضر الكتاب خِفْتُ أن يأثموا، بل كأني لا أراهم يخرجون من المأثم، وأيهم قام به أجزا عنهم. قال الشافعي : وهذا أشبه معانيه به، والله تعالى أعلم.
قال الشافعي : وقول الله جل ذكره :﴿ وَلا يَابَ اَلشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ ﴾٣ يحتمل ما وصفت من أن لا يأبى كل شاهد ابتدئ فدعي ليشهد، ويحتمل أن يكون فرضا على من حضر الحق أن يشهد منهم من فيه الكفاية للشهادة، فإذا شهدوا أخرجوا غيرهم من المأثم، وإن ترك من حضر الشهادة خِفْتُ حرجهم، بل لا أشك فيه، وهذا أشبه معانيه به، والله تعالى أعلم.
قال : فأما من سبقت شهادته بأن أشهد، أو عَلِمَ حقًّا لمسلم أو معاهد، فلا يسعه التخلف عن تأدية الشهادة متى طلبت منه من موضع مقطع الحق.
قال الشافعي : والقول في كل دين سلف، أو غيره، كما وصفت. وأحب الشهادة في كل حق لزم من بيع وغيره نظرا في المتعقب، لما وصفت وغيره من تغير العقول.
قال الشافعي : في قول الله عز وجل :﴿ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ﴾٤ دلالة على تثبيت الحجر، وهو موضوع في كتاب الحجر.
قال الشافعي : وقول الله تعالى :﴿ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ اِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾٥ يحتمل كل دين، ويحتمل السلف خاصة، وقد ذهب فيه ابن عباس إلى أنه في السلف.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان، عن أيوب، عن قتادة٦، عن أبي حسان الأعرج٧، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله تعالى في كتابه وأذن فيه ثم قال :﴿ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ اِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾٨ ٩.
قال الشافعي : وإذا كان كما قال ابن عباس في السلف قلنا به في كل دَيْنٍ قياسا عليه لأنه في معناه، والسلف جائز في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار، وما لا يختلف فيه أهل العلم علمته.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيح١٠، عن عبد الله بن كثير١١، عن أبي المنهال١٢، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المدينة وَهُمْ يُسْلِفُونَ في الثمر السنة والسنتين، وربما قال : السنتين والثلاث فقال : مَنْ سَلَّفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُوم ووزنٍ معلوم وأجلٍ معلوم١٣.
قال الشافعي : حفظته كما وصفت من سفيان مرارا.
قال الشافعي : وأخبرني مَنْ أُصَدِّقُهُ عن سفيان أنه قال كما قلت، وقال في الأجل : إلى أجل معلوم١٤.
أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء، أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول : لا نرى بالسلف بأسا الورق في الوَرَقِ نقدًا١٥.
قال الشافعي : أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار : أن ابن عمر كان يجيزه١٦.
قال الشافعي : أخبرنا مالك عن نافع أنه كان يقول : لا بأس أن يسلف الرجل في طعام موصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى١٧.
قال الشافعي : أخبرنا ابن علية١٨، عن أيوب، عن محمد بن سيرين١٩ أنه سئل عن الرهن في السلف فقال : إذا كان البيع حلالا فإن الرهن مما أمر به٢٠.
قال الشافعي : أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار : أنه كان لا يرى بأسا بالرهن والحميل في السلم وغيره٢١.
قال الشافعي : والسلم٢٢ السلف، وبذلك أقول : لا بأس فيه بالرهن٢٣
والحميل٢٤ لأنه بيع من البيوع، وقد أمر الله جل ثناؤه بالرهن فأقل أمره تبارك وتعالى أن يكون إباحة له فالسلم بيع من البيوع.
قال الشافعي : أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء : أنه كان لا يرى بأسا أن يسلف الرجل في شيء يأخذ فيه رهنا أو حميلا٢٥.
قال الشافعي : ويجمع الرهن والحميل، ويتوثق ما قدر عليه حقه. أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج، عن جعفر بن محمد، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي رجل من بني ظفر٢٦. ٢٧ ( الأم : ٣/٨٩-٩٠. ون الأم : ٣/٩٦ و ٧/٩٢ و ٣/١٣٨. وأحكام الشافعي : ١/١٣٧-١٣٨ و ٢/١٣٩-١٤١ و١/١٣٦-١٣٧. ومناقب الشافعي : ١/٢٩٦-٢٩٧. )
ــــــــــــــــــــــــ
٨٩- قال الشافعي رحمه الله تعالى : الحجر على البالغين في آيتين من كتاب الله عز وجل وهما : قول الله تبارك وتعالى :﴿ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ اِلذِى عَلَيْهِ اِلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اِللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ اَلذِى عَلَيْهِ اِلْحَقُّ سَفِيهًا اَوْ ضَعِيفًا اَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُّمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ﴾٢٨
قال الشافعي : وإنما خاطب الله عز وجل بفرائضه البالغين من الرجال والنساء، وجعل الإقرار له، فكان موجودا في كتاب الله عز وجل أن أمر الله تعالى الذي عليه الحق أن يمل هو، وأنَّ إملاءهُ إِقْرَاؤُهُ، وهذا يدل على جواز الإقرار على من أقر به، ولا يأمر ـ والله أعلم ـ أحدا أن يمل ليقرَّ إلا البالغ، وذلك أن إقرار غير البالغ وصمته وإنكاره سواء عند أهل العلم فيما حفظت عنهم. ولا أعلمهم اختلفوا فيه. ثم قال في المرء الذي عليه الحق أن يمل :﴿ فَإِن كَانَ اَلذِى عَلَيْهِ اِلْحَقُّ سَفِيهًا اَوْ ضَعِيفًا اَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُّمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ﴾٢٩ وأثبت الولاية على السفيه والضعيف والذي لا يستطيع أن يمل هو وأمر وليه بالإملاء عليه، لأنه أقامه فيما لا غناء به عنه من ماله مقامه.
قال الشافعي : قد قيل : والذي لا يستطيع أن يمل يحتمل أن يكون المغلوب على عقله، وهو أشبه معانيه، والله أعلم.
والآية الأخرى قول الله تبارك وتعالى :﴿ وَابْتَلُوا اَلْيَتَامى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا اَلنِّكَاحَ فَإِنَ ـانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمُ أَمْوَالَهُمْ ﴾٣٠ فأمر الله عز وجل أن يدفع إليهم أموالهم إذا جمعوا بلوغا ورُشْدًا. قال : وإذا أمر بدفع أموالهم إليهم إذا جمعوا أمْرَيْنِ، كان في ذلك دلالة على أنهم : إن كان فيهما أحد الأمرين دون الآخر لم يدفع إليهم أموالهم، وإذا لم يدفع إليهم فذلك الحجر عليهم، كما كانوا لو أونس منهم رشد قبل البلوغ لم يدفع إليهم أموالهم، فكذلك لو بلغوا ولم يؤنس منهم رشد، لم تدفع إليهم أموالهم، ويثبت عليهم الحجر كما كان قبل البلوغ.
وهكذا قلنا نحن وهم في كل أمر يكمل بأمرين، أو أمور، فإذا نقص واحد لم يقبل، فزعمنا أن شرط الله نعالى :﴿ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ اَلشُّهَدَاء ﴾٣١ عدلان حُرَّان مسلمان، فلو كان الرجلين حرين مسلمين غير عدلين، أو عدلين غير حرين، أو عدلين حرين غير مسلمين، لم تجز شهادتهما حتى يستكملا الثلاث.
قال الشافعي : وإن التنزيل في الحجر بيِّن ـ والله أعلم ـ مكتفى به عن تفسيره. ( الأم : ٣/٢١٨. ون الأم : ٧/٨٨ و ٦/١٤١. وأحكام الشافعي : ٢/١٤٣. ومختصر المزني : ٣٠٥. ومعرفة السنن والآثار : ٤/٤٦٤-٤٦٥. )
ـــــــــــــــــ
٩٠- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل :﴿ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ اِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾٣٢ الآية والتي بعدها٣٣. وقال في سياقها :﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ اَلشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إِحْدَياهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدياهُمَا اَلاُخْرى ﴾٣٤ الآية. فذكر الله عز وجل شهود الزنا، وذكر شهود الطلاق والرجعة، وذكر شهود الوصية، فلم يذكر معهم امرأة. فوجدنا شهود الزنا يشهدون على حدٍّ لا مال. وشهود الطلاق والرجعة يشهدون على تحريم بعد تحليل، وتثبيت تحليل لا مال في واحد منهما. وذكر شهود الوصية ولا مال للمشهود له أنه وصى. ثم لم أعلم أحدا من أهل العلم خالف في أن لا يجوز في الزنا إلا الرجال. وعلمت أكثرهم قال : ولا في الطلاق. ولا الرجعة إذا تناكر الزوجان. وقالوا ذلك في الوصية. وكان ما حكيت من أقاويلهم دلالة على موافقة ظاهر كتاب الله عز وجل، وكان أولى الأمور أن يصار إليه ويقاس عليه.
وذكر الله شهود الدين فذكر فيهم النساء، وكان الدين أخذ مال من المشهود عليه والأمر على ما فرق الله بينه من الأحكام في الشهادات أن ينظر كل ما شهد به على أحدٍ، فكان لا يؤخذ منه بالشهادة نفسها مال، وكان إنما يلزم بها حق غير مال. أو شهد به لرجل وكان لا يستحق به مالا لنفسه، إنما يستحق به غير مال مثل : الوصية، والوكالة، والقصاص، والحد، وما أشبهه فلا يجوز فيه إلا شهادة الرجال، ولا يجوز فيه امرأة. وينظر كل ما شهد به مما أخذ به المشهود له من المشهود عليه مالا فتجوز فيه شهادة النساء مع الرجال، لأنه في معنى الموضع الذي أجازهن الله فيه، فيجوز قياسا لا يختلف هذا القول. فلا يجوز غيره ـ والله تعالى أعلم ـ ومن خالف هذا الأصل ترك عندي ما ينبغي أن يلزمه من معنى القرآن، ولا أعلم لأحد خالفه حجة فيه بقياس، ولا خبر لازم. وفي قول الله عز وجل :{ فَإِن لَّم
١ - قوله «والبائع» كذا بالأصل، ولعله مبتدا والخبر محذوف، تقديره «والبائع كذلك» أي قد يموت أو يتغير عقله فيكون هذا، ويحتمل غير ذلك. كتبه مصححه..
٢ - البقرة: ٢٨٢..
٣ - البقرة: ٢٨٢..
٤ - البقرة: ٢٨٢..
٥ - البقرة: ٢٨٢..
٦ - قتادة بن دعامة، أبو الخطاب السدوسي الأعمى الحافظ المفسر. عن: عبد الله بن سرجس، وأنس. وعنه: أيوب، وشعبة، وأبو عوانة. مات كهلا سنة: ١١٨هـ. وقيل: سنة ١١٧هـ. الكاشف: ٢/٣٨٢. ون التهذيب: ٦/٤٨٢. وقال في التقريب: ثقة ثبت..
٧ - أبو حسان الأعرج الأحرد البصري، مسلم. عن: أبي هريرة، وعائشة. وعنه: قتادة، وعاصم الأحول. الكاشف: ٣/٣٠٩. ون التهذيب: ١٠/٧٨. وقال في التقريب: صدوق رمي برأي الخوارج. وتعقبه صاحب التحرير ٤/١٧٨ فقال: بل ثقة، فقد وثقه ابن معين، والعجلي، وذكره ابن حبان في «الثقات» وأثنى عليه أبو داود، وقال أبو زرعة: لا بأس به..
٨ - البقرة: ٢٨٢..
٩ - رواه البيهقي في البيوع باب: جواز السلف المضمون بالصفة ٦/١٨. ورواه الشافعي في المسند (ر١٦٠٩)..
١٠ - عبد الله بن أبي نجيح، يسار المكي، مولى ثقيف. عن: أبيه وطاوس ومجاهد. وعنه: أبو زرعة البجلي، والحارث العكالي. وثقه النسائي. وقال البخاري: فيه نظر. الكاشف: ٢/١٣٢. ون التهذيب: ٤/٥١٣. وقال في التقريب: ثقة رمي بالقدر وربما دلس. وتعقبه صاحب التحرير: ٢/٢٧٨ فقال: قوله: «رمي بالقدر وربما دلس» فيه نظر، فقد أطلق الأئمة توثيقه، وقيل: إنه كان يرى الاعتزال، وهو جرح غير معتبر كما بيناه في مقدمتنا. أما تدليسه فلم يذكر عن أحد منهم سوى ما نقله المؤلف عن النسائي، مع أن النسائي أطلق توثيقه، فهذا يشبه لا شيء..
١١ - عبد الله بن كثير الداري، أبو معبد، مقرئ مكة. عن: ابن الزبير، وعبد الرحمن بن مطعم، ومجاهد. وعنه: ابن جريج، وابن أبي نجيح، وشبل بن عباد، وجرير بن حازم. ثقة فصيح مفوه إمام. ت سنة: ١٢٠هـ. الكاشف: ٢/١١٧. ون التهذيب: ٤/٤٤٣. وقال في التقريب: صدوق. وتعقبه صاحب التحرير ٢/٢٥٦ فقال: بل ثقة، وثقه يحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومحمد بن سعد، والنسائي، ولا نعلم فيه جرحا، بل لا نعلم من قال فيه: صدوق. فلا ندري لم عدل عن توثيقه مطلقا، وقد أخرجه له البخاري ومسلم في صحيحيهما..
١٢ - سيار بن سلامة، أبو المنهال الرياحي البصري. عن: أبيه، وأبي برزة. وعنه: شعبة، وحماد بن سلمة. الكاشف: ١/٣٦٧. ون التهذيب: ٣/٥٧٧. وقال في التقريب: ثقة..
١٣ - أخرجه البخاري في أول السلم (٤٠) (ر٢١٢٤ - ٢١٢٦) وفي باب: السلم إلى أجل معلوم (٧) (ر٢١٣٥).
وأخرجه مسلم في المساقاة (٢٢) باب: السلم (٢٥) (ر١٦٠٤).
وأخرجه أصحاب السنن والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١٥٦٩-١٥٧٠)..

١٤ - رواه الشافعي في المسند (ر١٥٧١). ورواه البخاري ومسلم ن هامش ٣..
١٥ - رواه البيهقي في البيوع باب: جواز السلف المضمون بالصفة ٦/١٩. والشافعي في المسند (ر١٥٧٢)..
١٦ - رواه البيهقي في البيوع باب: جواز السلف المضمون بالصفة ٦/١٩. والشافعي في المسند (ر١٥٧٣)..
١٧ - رواه مالك في البيوع (٣١) باب: السلفة في الطعام (٢١) (ر٤٩) عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال: لا بأس بأن يسلف الرجل الرجل في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى، ما لو يكن في زرع لم يبد صلاحه، أو تمر لم يبد صلاحه. ورواه البيهقي في الكتاب والباب السابقين وقال: يريد به ـ والله أعلم ـ أن يسلفه في زرع بعينه أو تمر بعينه، فلا يجوز لأن يبيع أعيان الثمار على رؤوس الأشجار إنما يجوز إذا بدا فيها الصلاح..
١٨ - إسماعيل بن إبراهيم بن علية، الإمام أبو بشر. عن: أيوب، وابن جدعان، وعطاء بن السائل. وعنه: أحمد، وإسحاق، وابن معين، وأمم ت سنة: ١٩٣هـ إمام حجة. الكاشف: ١/٧٣. ون التهذيب: ١/٢٩٠. وقال في التقريب: ثقة حافظ..
١٩ - محمد بن سيرين أبو بكر أحد الأعلام. عن: أبي هريرة، وعمران بن حصبن. وعنه: ابن عوف، وهشام بن حسان، وقرة، وجرير. ثقة حجة كبير العلم ورع بعيد الصيت، له سبعة أوراد بالليل. ت سنة: ١١٠. الكاشف: ٣/٣٥. ون التهذيب: ٧/٢٠٠. وقال في التقريب: ثقة ثبت عابد كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى..
٢٠ - رواه عبد الرزاق بنحوه في كتاب البيوع باب: الرهن والكفيل في السلف (ر١٤٠٨٥)..
٢١ - رواه البيهقي في البيوع باب: جواز الرهن والحميل في السلف ٦/١٩..
٢٢ - قال العلامة عبد الباقي: قال أهل اللغة السَّلَمُ والسَّلَفُ، وأسلم وسلَّم، وأسلف وسلَّف. ويكون السلف أيضا قرضا. ويقال: استسلف. ويشترك السلم والقرض في أن كلا منهما إثبات مال في الذمة بمبذول في الحال. وذكروا في حد السلم عبارات، أحسنها: أنه عقد على موصوف في الذمة، ببذل يعطى عاجلا. سمي "سلما" لتسليم رأس المال في المجلس، وسمي "سلفا" لتقديم رأس المال. وأجمع المسلمون على جواز السلم. ن صحيح مسلم ٣/١٢٢٦..
٢٣ - الرهن: الحبس. وشرعا: المال الذي يجعل وثيقة بالدين، ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه. ن القاموس الفقهي..
٢٤ - الحميل: الكفيل. وفي الحديث الشريف: «الحميل غارم» أي الكفيل ضامن. ن القاموس الفقهي..
٢٥ - لم أقف عليه..
٢٦ - بني ظفر بن الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان، إحدى القبائل العربية. ن المقتضب ص: ١٦٥-١٧٠..
٢٧ - رواه البيهقي في الرهن باب: جواز الرهن ٦/٣٧ وقال: هذا منقطع.
ورواه الشافعي كذلك في المسند (ر١٥٨٢).
وأخرجه البخاري موصولا في البيوع (٣٩) باب: شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة (١٤) (ر١٩٦٢) عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل ورهنه درعا من حديد».
وأخرجه مسلم في المساقاة (٢٢) باب: الرهن وجوازه (٢٤) (ر١٦٠٣).
ورواه النسائي وابن ماجة والبيهقي..

٢٨ - البقرة: ٢٨٢..
٢٩ - البقرة: ٢٨٢..
٣٠ - النساء: ٦..
٣١ - البقرة: ٢٨٢..
٣٢ - البقرة: ٢٨٢..
٣٣ - البقرة: ٢٨٣..
٣٤ - البقرة: ٢٨٢..
٩٥- قال الشافعي : أخبرنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن مرجانة١ : قال عكرمة لابن عباس : إن ابن عمر تلا هذه الآية :﴿ وَإِن تُبْدُوا مَا فِى أَنفُسِكُمُ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اِللَّهُ ﴾٢ فبكى، ثم قال : والله لأن أخذنا الله بها لنهلكن فقال ابن عباس : يرحم الله أبا عبد الرحمان، قد وجد المسلمون منها ـ حين نزلت ـ ما وجد، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت :﴿ لا يُكَلِّفُ اَللَّهُ نَفْسًا اِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اَكْتَسَبَتْ ﴾ من القول والعمل. وكان حديث النفس مما لا يملكه أحد، ولا يقدر عليه أحد. ( أحكام الشافعي : ١/٤٢. )
ـــــــــــــــــ
٩٦- قال الشافعي : فرض الله عز وجل قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا، وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، وقال :﴿ لا يُكَلِّفُ اَللَّهُ نَفْسًا اِلا وُسْعَهَا ﴾ فبدا فرض على المسلمون ما أطاقوه، فإذا عجزوا عنه، فإنما كلفوا منه ما أطاقوه ؛ فلا بأس أن يكفوا عن قتال الفريقين من المشركين وأن يهادنوهم. ( أحكام الشافعي : ٢/٦٢. ون الأم : ٤/١٨٨. )
١ - سعيد بن مرجانة. عن: أبي هريرة، وابن عباس. وعنه: واقد بن محمد العمري، وجماعة. ثقة مدني. ت سنة: ٩٧هـ. الكاشف: ١/٣٢٥. ون التهذيب: ٣/٣٦٦. وقال في التقريب: ثقة فاضل..
٢ - البقرة: ٢٨٤. وأخرج البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿ـامَنَ اَلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ﴾ (٥٧)(ر٤٢٧٢) عن مروان الأصغر عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحسبه ابن عمر:﴿وَإِن تُبْدُوا مَا فِى أَنفُسِكُمُو أَوْ تُخْفُوهُ﴾ قال: نسختها الآية التي بعدها..
Icon