تفسير سورة سورة لقمان من كتاب التفسير المظهري
.
لمؤلفه
المظهري
.
المتوفي سنة 1216 هـ
سورة لقمان
آياتها أربع وثلاثون وهي مكية
ﰡ
﴿ الم ١تلك آيات الكتاب الحكيم ﴾ ذي حكمة أو وصف الكتاب بصفة الله عز وجل على الإسناد المجازي والإضافة بمعنى من هدى ورحمة قرأ حمزة بالرفع على أنه خبر بعد خبر لتلك أو خبر لمحذوف أي هي ﴿ هدى ورحمة ﴾ والحمل على المبالغة كزيد عدل أو بحذف المضاف أي ذات هدى والباقون بالنصب على الحال من الآيات والعامل فيه معنى الإشارة ﴿ للمحسنين٣ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون٤ ﴾ بيان لإحسانهم أو تخصيص بهذه الثلاثة من شعبه لفضل إعتداد بها وتكرير الضمير للتوكيد ولما جعل بينه وبين خبره
﴿ أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون٥ ﴾ فائزون مقاصد هم لاستجماعهم العقيدة والعمل الصالح.
أخرج جويبر عن ابن عباس قال اشترى النضر بن الحارث قينة فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول أطعميه وأسقيه وغنيه هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وان تقاتل بين يديه فنزلت ﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾.
﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ أي ما تلهي وتشتغل عما يفيد من الأحاديث التي لا أصل لها والأساطير التي لا اعتبار فيها والمضاحيك وفضول الكلام والإضافة بيانية بمعنى من إن أراد بالحديث المنكر أو تبعيضية أيضا بمعنى من إن أراد به الأعم منه وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس أنها نزلت في رجل من قريش إشترى جارية مغنية وروى البغوي عن أبي سلمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يحل تعليم المغنيات وأثمانهن حرام وفي مثل هذا نزلت ﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ الآية وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله شيطا نين أحدهما على هذا المنكب والأخر على هذا المنكب ولا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت " أخرج الترمذي وغيره عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن طولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام " في مثل هذا أنزلت :﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ وقال البغوي قال مقاتل والكلبي نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة كان يتجر فيأتي الحيرة ويشتري بها أخبار الأعاجم ويحدث بها قريشا ويقول إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن فأنزل الله هذه الآية وكذا أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس وقال مجاهد يعني القينات والمغنين ومعنى الآية على هذا من يشتري ذات لهو او ذا لهو الحديث أو المعنى من يشتري لهو الحديث أي يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن قال مكحول من اشترى جارية ضرابة لتمسكها لغنائها وضربها مقيما عليه حتى يموت لم أصل عليه لان الله تعالى قال :﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ الآية وعن ابن مسعود وابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير قالوا لهو الحديث الغناء والآية نزلت فيه وقال أبو الصهباء البكري سألت ابن مسعود عن هذه الآية قال هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وقال ابن جريج هو الطبل قلت مورد النص وإن كان خاصا وهو الغناء أو قصص الأعاجم لكن اللفظ عام والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ومن هنا قال قتادة هو كل لهو ولعب وقال الضحاك هو الشرك.
مسألة :
اتخاذ المعازف والمزامير حرام باتفاق فقهاء الأمصار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن ثمن الكلب وكسب الزما رة " رواه البغوي وعن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يشربون الناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ويضرب على رؤوسهم المعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير " رواه ابن ماجه وصححه ابن حبان وأصله في صحيح البخاري وعن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء قيل وما هي يا رسول الله ؟ قال :" إذا كان المغنم دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وأطاع الرجل زوجته وعق أمه وبر صديقه وجفا أباه وارتفعت الأصوات في المساجد وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وشربت الخمر ولبست الحرير واتخذت القينات والمعا زف ولعن آخر هذه الآمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء أو خسفا أو مسخا " رواه الترمذي وقال غريب.
مسألة :
قالت الفقهاء الغناء حرام بهذه الآية لكونه لهو الحديث وبما ذكرنا من الأحاديث وقالت الصوفية كان من الرجال ذي قلب مطمئن بذكر الله فارغا عن غيره لا يلتفت إلى ما سوى الله ولا يكون المغني محلا للشهوة وكان المجلس خاليا عن الأغيار ولا يكون وقت صلاة أو نحوها جاز له السماع بل يستحب لان في السماع خاصية أنه يستعمل به نار المحبة الجامدة المستورة في القلب وذلك هو السبب لحرمته فيحق العامة فإن العوام قلوبهم مشغولة بحب النساء أو الغلمان فعند السماع يشتعل ذلك المحبة ويشغلهم عن ذكر الله فكان في حقهم لهو الحديث ومن كان قلبه مشغولا بمحبة الله وذكره فارغا عن غيره يكون السماع في حقه موجبا لاشتغال محبة الله فيكون في حقه مستحبا والجواب عن النصوص أن الآية ناطقة بالحرمة لما هو لهو الحديث وسماع الصوفية ليس منه والأحاديث الموجبة لحرمة الغناء مخصوصه بالبعض لورود أحاديث آخر دالة على الإباحة فحملنا أحاديث حرمة الغناء على ما كان منه على قصد اللهو لا لغرض مشروع داعيا إلى الفسوق فلنذكر الأحاديث الدالة على إباحة الغناء بل على إباحة ضرب الدف أيضا منها حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت :" جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حين بنى علي فجلس على فراشي كمجلسك مني فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من أبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن :
وفينا نبي يعلم ما في غد
فقال : دعي هذه وقولي ما كنت تقولين "
رواه البخاري وروى ابن ماجه نحوه وفيه " أما هذا فلا تقولوه لا يعلم ما في غد إلا الله " وعن عائشة قالت " زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم " " ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو " رواه البخاري وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه سلم :" أعلنوا هذا النكاح وأجعلوه في المساجد وأضربوا عليه بالدفوف " رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وعن عائشة قالت : كانت عندي جارية من الأنصار زوجتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا عائشة ألا تغنين فإن هذا الحي من الأنصار يحبون الغناء " رواه ا بن حبان في صحيحه وعن ابن عباس قال أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أهديتم الفتاة قالوا نعم قالوا أرسلتم معها من تغني ؟ قالت لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الأنصار قوم فيه غزل فلو بعثتم معها من يقول : أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم " رواه ابن ماجه وعن عامر ابن سعد قال دخلت على قرظ بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس وإذا جوار تغنين فقلت أي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بدر يفعل هذا عندكم ؟ فقالا اجلس إن شئتم فاستمع معنا وإن شئت فاذهب فإنه قد رخص لنا في اللهو عند العرس وعن عائشة أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان والنبي صلى الله عليه وسلم متفس بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال :" دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد تلك أيام منى " رواه البخاري وعند ابن ماجه " إن لكل قوم عيدا هذا عيدنا " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة قالت يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف قال :" أوفي بنذرك " رواه أبو داود وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا وفاء لنذر في معصية الله " رواه مسلم وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ونزل في بني نجار صرن جوار من بني النجار يتغنين ويقلن :
نحن جوار من بني نجار *** يا حبذا محمدا من جار
رواه ابن ماجه عن أنس وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" الله يعلم إني لأحبكن " وروى البيهقي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة جعل النساء والولائد والصبيان يقلن شعر :
طلع البدر علينا *** من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا *** ما دعى لله داع
أيها المبعوث فينا *** جئت بالأمر المطاع
وروى أحمد عن أنس لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة بحرابها فرحا برسول الله صلى الله عليه وسلم وعن محمد بن حاطب الجمحي عن النبي صلى الله عليه ومسلم قال :" فصل ما بين الحلال والحرام الصوت الدف في النكاح " رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه فظهر أن المحرم من الغناء ما يدعوا إلى الفسق ويشغل عن ذكر الله وما ليس كذلك فليس بحرام غير أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله عنهم استماع الغناء تقربا إلى الله تعا لى ولأجل ذلك ما اختار الكرام من النقشبندية وغيرهم ارتكابه وإن لم يرتكبوا الإنكار عليه والله أعلم ﴿ ليضل ﴾ الناس ﴿ عن سبيل الله ﴾ أي عن دينه أو ذكره وقراءة كتابه قرأ ابن كثير وأبو عمر وليضل بفتح الياء على صيغة المجرد بمعنى يلبث على ضلاله ويزيد فيه ﴿ بغير علم ﴾ بحال ما يشتريه أو بالتجارة حيث استبدل اللهو بقراءة القرآن وقال قتادة بحسب المؤمن الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق﴿ ويتخذها ﴾ أي آيات الله قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص بالمنصب عطفا على قوله ليضل والباقون بالعطف على قوله يشتري بالرفع ﴿ هزوا ﴾ مهزوا به سخرية ﴿ أولئك لهم عذاب مهين ﴾ ذو إهانة
﴿ وإذا تتلى عليه آياتنا ولى ﴾ لا يتوجه إليه ﴿ مستكبرا ﴾ متكبرا الجملة الشرطية عطف على يشتري ﴿ كأن لم يسمعها ﴾ حال من المستكن في ولي أو مستكبرا أو استئناف ﴿ كأن في أذنيه ﴾ قرأ نافع في أذنه بلفظ المفرد على إرادة الجنس﴿ وقرا ﴾ ثقلا مانعا من السماع بدل من كأن لم يسمعها أو حال من المستكن في لم يسمعها أو استئناف ﴿ فبشره ﴾ أي أخبره وذكر البشارة على التهكم ﴿ بعذاب أليم ﴾ يحيق به.
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم ﴾ أي نعيم الجنات عكس للمبالغة
﴿ خالدين فيها ﴾ حال مقدر من الضمير في لهم أو من جنات والعامل ما تعلق به اللام أي مقدرا خلودهم فيها إذا دخلوها ﴿ وعد الله ﴾ أي وعد الله وعدا مصدر مؤكد لنفسه لكون ما قبله وعد ﴿ حقا ﴾ أي حق ذلك الوعد حقا مصدر مؤكد لغيره لأن كون الوعد حقا أمر مغاير لنفس الوعد ﴿ وهو العزيز ﴾ الغالب على كل شيء لا يمنعه شيء من إنجاز وعده ووعيده ﴿ الحكيم ﴾ الذي لا يفعل إلا ما يقتضيه الحكمة
﴿ خلق السماوات ﴾ صفة للحكيم بحذف الموصول تقديره الذي خلق أو حال من الضمير المستتر فيه بتقدير قد أو استئناف في محل التعليل ﴿ بغير عمد ترونها ﴾ جملة ترونها صفة لعمل والضمير راجع إليه وهو صادق بأن لا عمد لها أصلا أو الضمير راجع إلى السماوات والجملة لا محل لها من الإعراب وقد سبق في الوعد ﴿ وألقى في الأرض رواسي ﴾ جبال راسخات كراهة ﴿ أن تميد بكم ﴾ أو لأن لا تميد بكم ﴿ وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم ﴾ أي من كل صنف حسن كثير المنفعة فيه إلتفات من الغيبة إلى التكلم كأنه استدل به على عزته التي هي كمال قدرته وحكمته التي هي كمال العلم ومهد به قاعدة التوحيد وقررها بقوله ﴿ هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ﴾
﴿ هذا ﴾ أي ما ذكرت مما تعاينون ﴿ خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ﴾ الفاء للسببية يعني كل ما ترونه مخلوق لله تعالى فماذا خلق آلهتكم حتى استحقوا مشاركته في العبادة ماذا منصوب بخلق أو ما استفهام إنكار مبتدأ وإذا بمعنى الذي مع صلته خبره فأروني معلق عن العمل وما بعده سد مسد المفعولين ﴿ بل الظالمون في ضلال مبين ﴾ إضراب عن تبكيتكم إلى التسجيل عليهم بالضلال الذي لا يخفي على من له أدنى تأمل ووضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على أنهم ظالمون.
﴿ ولقد آتينا لقمان ﴾ بن باعور بن ناخور بن تارخ وهو آزر كذا قال البغوي وقال قال وهب كان ابن أخت أيوب عليه السلام وقال مقاتل ذكر أنه كان ابن خالة أيوب عليه السلام وذكر البيضاوي وغيره أنه عاش حتى أدرك داود عليه السلام وأخذ منه العلم وكان يفتي قبل مبعثه ثم ترك الفتيا بعد مبعثه وقال ألا أكتفي إذا كفيت وقال الواقدي كان قاضيا في بني إسرائيل وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي شبية وأحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في كتاب المملوكين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس كان لقمان عبدا حبشيا نجارا وكذا ذكر البغوي عن خالد الربعي وقال قال مجاهد كان عبدا أسود عظيم الشفتين متشقق القدمين وقال قال سعيد بن المسيب كان خياطا وقيل كان راعي غنم والله أعلم ﴿ الحكمة ﴾ في القاموس وهي العدل والعلم والحلم والنبوة والقرآن والإنجيل والمراد بالحكمة في قوله صلى الله عليه وسلم " إن من الشعر لحكمة " هو العلم وما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم :" إلا وفي رأسه حكمة " المراد به العقل وكل من المعاني المذكورة يحتمل المقام قال البغوي اتفق العلماء على أنه كان حكيما أي فقيها عليما ولم يكن نبيا إلا عكرمة فإنه قال كان نبيا وتفرد بهذا القول وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبيه أنه سئل أكان لقمان نبيا قال لا لم يوح إليه وكان رجلا حكيما وكذا أخرج ابن جريرعن مجاهد وقال بعضهم خير لقمان بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة قال البغوي وروى أنه كان نائما في نصف النهار فنودي يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض فتحكم بين الناس بالحق فأجاب الصوت فقال إن خيرني ربي قبلت العافية وإن عزم علي فسمعا وطاعة فإني أعلم إن فعل ذلك أعانني وعصمني فقالت الملائكة بصوت ( لا يراهم ) لم يا لقمان ؟ قال لأن الحكم بأشد المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كل مكان إن أصاب لقمان فبالحري أن ينجو وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة ومن يكن في الدنيا ذليلا خير من أن يكون شريفا ومن يختار الدنيا على الآخرة نفته الدنيا ولا يصيب الآخرة فعجبت الملائكة من حسن نطقه فنام نومه فأعطى الحكمة فانتبه وهو يتكلم بها- ونودي داود عليه السلام بعدها فقبلها ولم يتشرط ما شرط لقمان فهوى في الخطيئة غير مرة كل ذلك يعفو الله عنه وكان يوازره لقمان لحكمته وهذه الرواية تدل على أنه ليس المراد بالحكمة العدل في الحكم بين الناس ولنعم ما قال الجزري في النهاية في تفسير الحكمة أنها عبارة عن معرفة الأشياء بأفضل العلوم قلت أفضل الأشياء ذات الله تعالى قال الله تعالى :﴿ ليس كمثله شيء ﴾ وقال عز وجل ﴿ أي شيء أكبر شهادة قل الله ﴾ وأفضل علم لا يعتريه الغفلة وهو العلم الحضوري فإن العلم الحصولي لا ينفك عن غفلة وأيضا لا يمكن درك الله سبحانه بالعلم الحصولي فإنه حصول صورة الشيء في الذهن وهو سبحانه منزه عن الصورة والتحيز بل العلم الذي يتعلق بذات الله سبحانه هو فوق العلم الحضوري والعلم الحضوري الذي يتعلق بذات العالم بالنسبة إلى ذلك العلم كالحصولي بالنسبة إلى الحضوري وهو من خصائص قلب الإنسان ومن ثم وقع في الحديث القدسي " لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن " ويحصل ذلك لأخص الخواص من أولياء الله والله أعلم.
أخرج الحاكم والبيهقى في شعب الإيمان عن انس أن لقمان كان عبدا لداود وهو يسرد الدروع فلم يسأله عنها فلما أتمها لبسها وقال نعم لبوس الحرب أنت فقال الصمة حكمة وقليل فاعله وروى أنه سئل أي الناس شر قال الذي لا يبالي إن رآه الناس مسيئا وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير عن خالد الربعي قال كان عبدا حبشيا نجارا فقال له سيده إذبح شاة وأتني بأطيب مضغتين منها فأتى باللسان والقلب ثم بعد أيام أمر بأن يأتي بأخبث مضغتين منهما فأتى بهما أيضا فسأله عن ذلك فقال هما أطيب شيء إذا طابا وأخبث شيء إذا خبثا ﴿ أن أشكر لله ﴾ الظاهر أن تقديره وقلنا له أن اشكر لله على ما أعطاك من الحكمة وقال أكثر المفسرين أن مفسرة فإن في إيتاء الحكمة معنى القول قلت : وتوجيه ذلك أن إيتاء الحكمة عبارة عن تعليمها والتعليم يكون بالقول غالبا فالمعنى آتيناه الحكمة أي أمرناه بالشكر وهذا يدل على أن الحكمة هو الشكر وإيتاء الحكمة الأمر بالشكر والمراد بالأمر الأمر التكويني دون التكليفي فإن أمر التكليفي يعم لقمان وغيره وهولا يستلزم حصول الشكر بخلاف التكويني فإنه يستلزمه كما يستلزم إيتاء الحكمة حصولها وتفسير الحكمة بالشكر مبني على المجاز فإن الشكر لازم للحكمة فيجوز إطلاق أحدهما على الآخر مبالغة مجازا والشكر عبارة عن إظهار النعمة وضده الكفران وهو ستر النعمة وفي القاموس الشكر بالضم عرفان الإحسان قيل هو مقلوب عن الشكر أي الكشف فإنه إظهار النعمة وهو ثلاثة أضرب شكر القلب تصور النعمة وشكر اللسان الثناء على النعمة وشكر الجوارح مكافآت النعمة بالطاعات قيل أصله من عين شكر أي ممتلئة فالشكر على هذا الامتلاء من ذكر النعم ونعمته ومن أجل هذا قال الله تعالى :﴿ وقليل من عبادي الشكور ﴾ ووصف الله تعالى في القرآن رجلين من عباده بالشكر أحدهما إبراهيم قال فيه ﴿ شاكرا لأنعمه ﴾ وثانيهما نوح حيث قال :﴿ إنه كان عبدا شكورا ﴾ قال في النهاية الشكر مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية فيثني من المنعم بلسانه ويذيب نفسه في طاعة ويعتقد أنه مولاها وهو من شكرت الإبل شكرا إذا أصاب مرعى فسمنت عليه وجاز أن يكون تقديره وقلنا له أن اشكر لله على ما آتيناك من الحكمة وغيرها ( ومن يشكر ) الله ( فإنما يشكر ) الله ﴿ لنفسه ﴾ أي لنفع نفسه فإن الشكر قيد للموجود وصيد للمفقود وموجب تقرب إلى الرب المعبود وثواب في دار الخلود قال الله تعالى :﴿ لئن شكرتم لأزيدنكم ﴾ الآية ﴿ ومن كفر ﴾ نعمة الله ﴿ فإن ﴾ وباله عليه و ﴿ الله غني ﴾ عن شكره لا يحتاج إليه ﴿ حميد ﴾ حقيق بالحمد وإن لم يحمد ينطق بحمده جميع مخلوقاته بلسان الحال
﴿ وإذ قال لقمان لابنه ﴾ اسمه أنعم آو أشكم أو ما ثان ﴿ وهو يعظه ﴾ حال من لقمان ﴿ يا بني ﴾ تصغير إشفاق قرأ ابن كثير بإسكان الياء وحفص بفتح الياء والباقون بكسرها ﴿ لا تشرك بالله ﴾ متعلق بلا تشرك وجا ز أن يكون قسما جوابه ما بعده قيل كان ابنه كافرا فلم يزل به حتى أسلم ﴿ إن الشرك لظلم عظيم ﴾ تعليل للنهي الظلم وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة وإما بعدول عن وقته أو مكانه ويقال على التجاوز عن الحق قليلا كان التجاوز أو كثيرا ولهذا يستعمل في الذنب الصغير والكبير ولا شك إن الشرك لظلم عظيم فإنه وضع العبادة في موضع لا يحتمل صلاحيتها أصلا وتسوية من لا نعمة إلا منه بمن لا يصلح الإنعام مطلقا
﴿ ووصينا الإنسان بوالديه ﴾ أي أمرناه أن يبرهما ويسكرهما جملة معترضة بين قصة لقمان ﴿ حملته أمه ﴾ معترضة في معترضة مؤكدة للتوصية في حق الأم خاصة عن أبي هريرة قال قال رجل يا رسول الله :" من أحق بحسن صحابتي ؟ قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك فأدناك " متفق عليه وقال عليه السلام " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات " متفق عليه في حديث للمغيرة ﴿ وهنا ﴾ كائنا ﴿ على وهن ﴾ صفة لوهن وهو حال من فاعل حملته تقديره ذات وهن أو يوهن وهنا قال ابن عباس معناه شدة على شدة وقال الضحاك ضعفا على ضعف وقال مجاهد مشقة على مشقة فإن المرأة إذا حملت توالى عليها الضعف والمشقة الحمل ضعف والطلق ضعف والوضع ضعف والرضاع ضعف ﴿ وفصاله ﴾ أي فطامه ﴿ في عامين ﴾ أي في انقضاء عامين وكانت ترضع في تلك المدة وأحتج بهذه الآية الشافعي وأبو يوسف ومحمد أن أقصى مدة الرضاع حولان وقد ذكرنا مسألة الرضاع في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى :﴿ والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ﴾ الآية وفي سورة النساء في تفسير قوله :﴿ وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ﴾ ﴿ أن اشكر لي ﴾ تفسير لوصينا أو بدل من والديه بدل إشتمال ﴿ ولوالديك ﴾ قال سفيان بن عيينة في هذه الآية من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه في إدبار الصلوات الخمس فقد شكر لوالديه ﴿ إلي المصير ﴾ والمرجع فيه وعد ووعيد يعني أجازيك على شكرك وكفرك.
﴿ وإن جاهداك ﴾ عطف على قوله أن أشكر ﴿ على أن تشرك بي ما ليس لك به علم ﴾ باستحقاق الإشراك يعني فكيف وأنت تعلم بطلان الإشراك بالأدلة القاطعة ﴿ فلا تطعهما ﴾ في ذلك فإن حق الله غالب على حق كل ذي حق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق " رواه أحمد والحاكم وصححه عن عمران والحكيم ابن عمر والغفاري وفي الصحيحين وسنن أبي داود والنسائي عن علي نحوه ﴿ وصاحبهما في الدنيا ﴾ صحابا ﴿ معروفا ﴾ يرتضيه الشرع والعقل.
مسألة
يجب بهذه الآية الإنفاق على الأبوين الفقيرين وصلتهما وإن كانا كافرين عن أسماء بنت أبي بكر قالت : قدمت علي أمي وهي مشركة في عقد قريش فقلت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها ؟ قال " نعم صليها " متفق عليه- وقد مر في سورة العنكبوت أن هاتين الآيتين نزلتا في سعد بن أبي وقاص وأمه.
﴿ واتبع سبيل ﴾ دين ﴿ من أناب ﴾ أي أقبل ﴿ إلي ﴾ وأطاعني وهو النبي صلى الله عليه وسلم قال عطاء عن ابن عباس يريد الله سبحانه به أبا بكر وذلك حين أسلم أتاه عثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وقالوا قد صدقت هذا الرجل وآمنت به ؟ قال نعم صادق فآمنوا به ثم حملهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسلموا فهؤلاء سالفة الإسلام أسلموا بإرشاد أبي بكر قال الله تعالى :﴿ واتبع سبيل من أناب إلي ﴾ يعني أبا يكر.
مسألة :
لا يجوز إطاعة الوالدين إذا أمر بترك فريضة أو مكروه تحريما لان ترك الامتثال لأمر الله والامتثال لأمر غيره إشراك معنى ولما روينا من قوله عليه السلام " لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق " ويجب إطاعتهما إذا أمرا بشيء مباح لا يمنعه العقل والشرع وهل يجب إطاعتهما إن أمرا بترك إكثار الذكر والنوافل وكسب الأموال فوق الحاجة ونحو ذلك والظاهر عندي أنه لا يجب ذلك لان الله سبحانه أمر باتباع سبيل من أناب إليه وإكثار النوافل وترك النوافل وترك ما لا يعنيه وترك الدنيا والتبتل إلى الله سبيل المنيبين لا محالة ولا شك أن الصحابة رضوان الله عليهم تركوا الأوطان وهاجروا وبذلوا أنفسهم وأموالهم على خلاف مرضاة آبائهم وأمهاتهم وقد قال الله تعالى :﴿ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ﴾ فكيف يجوز ترك المجاهد في سبيل الله مع النفس والشيطان لابتغاء مرضاة الآباء والأمهات أخرج الحاكم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قال أبو قحافة لأبي بكر أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أنك أعتقت رجالا أجلد يمنعونك ويقومون دونك ؟ فقال يا أبت إنما أريد ما عند الله فنزلت ﴿ وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى ﴾ حين أعتق بلالا وعامر بن فهير وأم عميس وزبيرة ونحوهم وهاجر أبو بكر مع أربعة آلاف درهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يترك لأهله شيئا على خلاف مرضاة أبيه كما ذكرنا في قصة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم في سورة التوبة في تفسير قوله تعالى :﴿ إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ﴾ ﴿ ثم إلي مرجعكم ﴾ أي مرجعك ومرجعهما ﴿ فأنبئكم بما كنتم تعملون ﴾ فأجازيك على إسلامك وأجازيهما على كفرهما هذان الآيتان معترضتان في أثناء وصية لقمان تأكيدا لما فيها من النهي عن الشرك كأنه قال ووصينا بمثل ما وصى لقمان وذكر الوالدين للمبالغة في ذلك فإنهما مع كونهما تلوا الباري في استحقاق التعظيم والطاعة لا يجوز أن يستحقا الطاعة في الإشراك فما ظنك بغيرهما.
﴿ يا بني ﴾ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بكسرها ﴿ إنها ﴾ أي الخصلة من الإساءة أو الإحسان وقال قتادة الضمير راجع إلى الخطيئة وذلك أن ابن لقمان قال لأبيه يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله فقال إنها ﴿ إن تك ﴾في الصغر مثلا ﴿ مثقال ﴾ وزن﴿ حبة من خردل ﴾ اسم تك ضمير مستتر وخبره مثقال على قراءة الجمهور بالنصب وقرأ نافع مثقال بالرفع على أنه اسم تك وهي تامة وتأنيث الفعل لإضافة المثقال إلى الحبة وضمير إنها للقصة على هذه القراءة ﴿ فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض ﴾يعني في أخفى مكان وأحرزه كجوف صخرة أو أعلاه كمحدب السماوات أو أسفله كمقعر الأرض وقال قتادة في صخرة في جبل وقال ابن عباس هي صخرة تحت الأرضين السبع وهي التي يكتب فيها أعمال الفجار وخضرة السماء منها وقال السدى خلق الله الأرض على حوت وهو النون الذي ذكره الله عز وجل في القرآن ﴿ ن والقلم ﴾ والحوت في الماء على ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة ( وهي الصخرة التي ذكرها لقمان ليست في السماء ولا في الأرض ) والصخرة على الريح ﴿ يأت بها الله ﴾ يحضرها فيحاسب عليها ﴿ إن الله لطيف ﴾ يصل علمه إلى كل خفي ودقيق﴿ خبير ﴾ عليم بكنه كل شيء قال الحسن معنى الآية هو الإحاطة بجميع الأشياء صغيرها وكبيرها قال البغوي وفي بعض الكتب أن هذه الكلمة آخر ما تكلم بها لقمان فانشقت مرارته من هيبتها.
﴿ يا بني ﴾ قرأ حفص والبزي بفتح الياء والباقون بكسرها ﴿ أقم الصلاة ﴾ تكميلا لنفسك ﴿ وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ﴾ تكميلا لغيرك ﴿ واصبر على ما أصبك ﴾ من الشدائد والأذى بسبب الأمر والنهي أو غير ذلك ﴿ إن ذلك ﴾ أي الصبر أو كل ما أمره ﴿ من عزم الأمور ﴾ أي من الأمور التي عزمه الله أي قطعه قطع إيجاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ّخير الأمور عوازمها " أي فرائضها التي عزم الله عليك بفعلها والعزم في الأصل عقد القلب على إمضاء أمر بالعزم على هذا مصدر بمعنى المفعول أو المعنى من الأمور التي يعزم عليها بجد لوجوبها
﴿ ولا تصعر ﴾ قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي ولا تصاعر من المفاعلة وابن كثير وابن عامر وعاصم وأبو جعفر ويعقوب بتشديد العين من غير ألف ﴿ خدك للناس ﴾ أي لا تمل عنهم ولا تولهم صفحة وجهك تكبرا قال ابن عباس تقول لا تتكبر فتحقر وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك ﴿ ولا تمش في الأرض مرحا ﴾ أي فرحا وبطرا مصدر وقع موقع الحال أي يمرح مرحا أو العلة أي لأجل المرح ﴿ إن الله لا يحب كل مختال ﴾ متبختر في مشيه ﴿ فخور ﴾ على الناس علة للنهي نشر على غير ترتيب اللف لرعاية القافية.
﴿ واقصد في مشيك ﴾ أي توسط فيه فوق الدبيب لأنه دليل الخيلاء ومشي المتكبرين ودون الإسراع لأنه مشى السفهاء ويذهب البهاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سرعة المشي يذهب بهاء المؤمن " أخرجه ابن عدي وأبو نعيم في الحلية من حديث أبي هريرة وأخرجه ابن عدي أيضا من حديث أبي سعيد وابن عمر والمراد بالإسراع المنهي ما يكون بجد فوق مشيه الطبعي وأما الإسراع على عادته دون الخبب فمحمود روى ابن سعد عن يزيد بن مرثد أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى أسرع حتى يهرول الرجل وراءه فلا يدركه وروى الطبراني والبيهقي عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" عليكم بالسكينة عليكم. . . . بالقصد في المشي بجنائزكم " وأخرج الستة قوله صلى الله عليه وسلم :" أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة يتقدمونها وإن يكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " فهذه الأحاديث تدل على أن المراد بالإسراع ما ذكرت والمراد بالقصد هو الإسراع دون الخبب ﴿ واغضض ﴾ قال مقاتل أي أخفض﴿ من صوتك إن أنكر الأصوات ﴾ يعني أوحشها ﴿ لصوت الحمير ﴾ تعليل لغض الصوت يعني أن صوت الحمير منكر جدا لكونه جهير جدا أفلا يكن صوتك مثل صوتها أول صوتها زفير وآخرها شهيق وهما صوت أهل النار قال موسى بن أعين سمعت سفيان الثوري يقول في قوله تعالى :﴿ إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ﴾ هي العطسة القبيحة المنكرة قال وهب تكلم لقمان باثني عشر ألف باب من الحكمة وأدخلها الناس في كلامهم وقضاياهم.
﴿ ألم تروا أن الله سخر لكم ﴾ لأجل نفعكم ﴿ ما في السماوات ﴾ من الشمس والقمر والنجوم والبحار والجبال من الأرض ﴿ وما في الأرض ﴾ من المعا دن والنباتات والحيوانات بأن مكنكم من الانتفاع بها بوسط أو بغير وسط وأسبغ } أي أتم وأكمل ﴿ عليكم نعمه ﴾ قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وحفص بفتح العين وضم الهاء على الجمع والإضافة والباقون بسكون العين وبالتاء منونة على صيغة الواحد بإرادة الجنس ﴿ ظاهرة ﴾ مع ما عطف عليه حال من نعمه والنعمة الظاهرة هي المحسوسة من حسن الصورة وتسوية الأعضاء والرزق والعافية وغيرها من نعماء الدنيا والإسلام والرسول والقرآن وتخفيف الشرائع وتوفيق إتباع الرسول وظهر الإسلام والنصر على الأعداء ﴿ وباطنة ﴾ من القلب والحواس الباطنة وحسن الأخلاق والإمداد بالملائكة والإلهام بالاعتقاد الحق وستر الذنوب وعدم التعجيل في العقوبة ونور معرفة ونار عشقه ورسوله وشفاعة رسوله ﴿ ومن الناس من يجادل ﴾ النبي صلى الله عليه وسلم عطف على ﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ وما بينهما معترضات ﴿ في الله ﴾ في توحيده وصفاته ﴿ بغير علم ﴾ مستفاد من الدليل قال البغوي نزلت في النضر بن الحارث وأبي بن خلف وأشباههما ﴿ ولا هدى ﴾ راجع إلى الرسول ﴿ ولا كتاب منير ﴾ منزل من الله بل بالتقليد كما قال الله تعالى ﴿ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا ﴾.
﴿ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا ﴾ لا نتبع ما أنزل الله ﴿ بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ﴾ فيه منع من التقليد في أصول الدين قال الله تعالى : أتبعون تقدير يعني قل أيتبعون آباءهم ﴿ ولو كان ﴾ الواو للحال أو للعطف على مقدم يعني لو لم يكن ولو كان ﴿ الشيطان يدعوهم ﴾ الضمير إما لهم أو لآبائهم ﴿ إلى عذاب السعير ﴾ بإلقاء حسن التقليد أو حسن الإشراك في قلوبهم والاستفهام للإنكار والتعجب
﴿ ومن يسلم وجهه ﴾ أي توجهه ﴿ إلى الله ﴾ وأقبل بشراشره عليه يعني لا يفعل فعلا ولا يترك شيئا إلا ابتغاء مرضاته ويفوض أمره إليه ﴿ وهو محسن ﴾ في أعماله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الإحسان أن تعبد ربك كأنك تراه " يعني بالحضور التام ﴿ فقد استمسك بالعروة الوثقى ﴾ يعني تمسك بأوثق ما يتمسك به وأعتصم بأقوى ذريعة لا يحتمل إنقطاعه تمثيل لطيف للمتوكل على المتشبث بالعروة الوثقى ﴿ وإلى الله عاقبة الأمور ﴾ إذ الكل صائر إليه
﴿ ومن كفر ﴾ ولم يسلم وجهه إلى الله ﴿ فلا يحزنك كفره ﴾ تقديره فقد أضر نفسه وأوبقه ولا يضرك شيئا لا في الدنيا ولا في الآخرة ولما كان عدم الضرر موجبا لعدم الحزن أورده في مورده قرأ نافع لا يحزنك بضم الياء وكسر الزاء من الإحزان ﴿ إلينا مرجعهم ﴾ في الدارين ﴿ فننبئهم بما عملوا ﴾ بالتعذيب ﴿ إن الله عليم بذات الصدور ﴾ من الاعتقادات والخطرات فضلا عما في الظاهر فيجازي كلا على حسب اعتقاده وعمله.
﴿ نمتعهم ﴾ أي نمهلهم ليتمتعوا ﴿ قليلا ﴾ أي تمتيعا قليلا أو زمانا قليلا في الدنيا إلى انقضاء آجالهم ﴿ ثم نضطرهم ﴾ أي نلجئهم ونردهم في الآخرة ﴿ على عذاب غليظ ﴾ أي عذابا يثقلهم ثقل الأجرام الغلاظ وهو عذاب النار
﴿ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ﴾ لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره بحيث اضطروا إلى الإقرار ﴿ قل الحمد لله ﴾ على ما ألزمهم وألجئهم إلى الاعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم ﴿ بل أكثرهم لا يعلمون ﴾ أن ذلك يلزمهم إذا نبهوا عليه لم يتنبهوا
﴿ لله ما في السماوات والأرض ﴾ملكا وخلقا فلا يستحق العبادة غيره ﴿ إن الله هو الغني ﴾ عن حمد الحامدين ﴿ الحميد ﴾ المستحق للحمد وإن لم يحمده.
أخرج ابن إسحاق عن عطاء بن يسار وكذا ذكر البغوي أنه قال نزلت بمكة ﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾ فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا ألم يبلغنا عنك أنك تقول وما أوتيتم من العلم إلا قليلا إيانا تريد أم قومك ؟ فقال كلا عنيت قالوا ألست تتلو فيما جاءك إنا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي في علم الله قليل فأنزل الله تعالى :﴿ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ﴾ يعني لو ثبت كون الأشجار كلها أقلاما وتوحيد شجرة لأن المراد تفصيل الآحاد ﴿ والبحر ﴾ المحيط ﴿ يمده ﴾ أي يزيده وينصب فيه ﴿ من بعده ﴾ أي من خلفه ﴿ سبعة أبحر ﴾ فاعل يمده قرأ أبو عمر ويعقوب البحر بالنصب عطفا على اسم إن أو بإضمار فعل يفسره يمده والباقون بالرفع عطفا على أن ومعمولها وعلى هذا يمده حال وجاز أن يكون البحر مبتدأ وما بعده خبره والجملة مستأنفة أو في محل النصب على أنه حال فإن قيل ليس فيه ضمير راجع إلى ذي الحال ؟ قلت هو كقولك جئت والجيش قادم ونحو ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظرف وكان مقتضى الكلام أن يقال ولو أن الأشجار أقلام والبحر مداد يمده من بعده سبعة أبحر لكن أغنى عن ذكر المداد قوله يمده لأنه من مد الدواة وأمدها وقال البغوي في الآية إضمار تقديره.
( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعد سبعة أبحر ) يكتب بها كلمات الله ﴿ ما نفدت كلمات الله ﴾ المعبر بها عن معلومات الله بتلك الأقلام وبذلك المداد ولا بأكثر من ذلك بالغا ما بلغ لان معلوماته تعالى غير متناهية لا يمكن نفادها ولذلك اختار صيغة جمع القلة للإشعار بأن ذلك لا يفي بالقليل فكيف بالكثير ﴿ إن الله عزيز ﴾ لا يعجزه شيء ﴿ حكيم ﴾ لا يخرج عن علمه وحكمته أمر وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح فأنزل الله تعالى :﴿ ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا٨٥ ﴾ فقالوا أتزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة ﴿ ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ﴾ فنزلت هذه الآية فعلى ما ذكرنا من الروايات في سبب النزول الآية مدنية وقيل الآية مكية وإنما أمر اليهود وفد قريش أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولوا له ذلك وهو بعد بمكة واخرج أبو الشيخ في كتاب العظمة وابن جرير عن قتادة قال قال المشركون إنما هذا الكلام يوشك أن ينفذ فنزل ولو أن ما في الأرض من شجرة الآية ﴿ ما خلقكم ولا بعثكم ﴾.
﴿ ما خلقكم ولا بعثكم ﴾ أجمعين ﴿ إلا كنفس ﴾ أي إلا كخلق نفس ﴿ واحدة ﴾وبعثها إذ لا يشغله شأن عن شأن ويكفي لوجود الكل تعلق إرادته مع قدرته الذاتية فلا يتعذر عليه خلق الكل كما لا يتعذر عليه خلق نفس واحدة ﴿ إن الله سميع ﴾ يسمع كل مسموع ﴿ بصير ﴾ يبصر كل شيء لا يشغله إدراك بعضها عن إدراك بعض آخر فكذلك الخلق أو المعنى ﴿ إن الله سميع ﴾ لأقوال المشركين أن لا بعث بصير بأعمالهم.
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ ﴾ عطف على يولج أو حال بتقدير قد ﴿ الشمس والقمر كل ﴾ واحد من النيرين ﴿ يجري ﴾ في السماء ﴿ إلى أجل مسمى ﴾ أي وقت معين وهو يوم القيامة الفرق بينه وبين قوله لأجل مسمى أن الأجل منتهى الجري وثمة غرضه حقيقة أو مجازا وكلا المعنيين حاصل في الغايات ﴿ وأن الله بما تعملون خبير ﴾ عطف على قوله :﴿ ألم تر أن الله يولج ﴾ وجملة ألم تر متصل بقوله :﴿ ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات ﴾ مقرر له.
﴿ ذلك ﴾ الذي ذكر من سعة علمه وشمول قدرته وعجائب صنعه ﴿ بأن ﴾ أي بسبب أن الله ﴿ هو الحق ﴾ الثابت أي الواجب وجوده وجميع كمالاته أو الثابت ألوهيته ﴿ وأن ما يدعون ﴾ قرأ أبو عمرو وحفص وحمزة والكسائي بالياء على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب ﴿ من دونه ﴾ من الآلهة ﴿ الباطل ﴾ المعدوم في حد ذاته أو الباطل دعوى الألوهية فيه ﴿ وان الله هو العلي ﴾ المترفع على كل شيء والتسلط عليه ﴿ الكبير ﴾ الظاهر الباهر كبرياؤه ومن كان هذا شأنه يجب أن يكون علمه وقدرته شاملا لجميع الأشياء.
﴿ ألم تر أن الفلك تجري في البحر ﴾ متصل بقوله ألم تر أن الله يولج ﴿ بنعمت الله ﴾ أي بإحسانه في تهيئة أسبابه وهو استشهاد آخر على باهر قدرته وشمول إنعامه والباء للصلة أو للحال ﴿ ليريكم ﴾ الله ﴿ من آياته ﴾ أي بعض دلائل قدرته من عجائب البحر الذي أدركتموه ﴿ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ﴾ يعني صبار على المشاق فيتعب نفسه بالتفكر في الآفاق والأنفس ويعرف بالنعم ويشكر عليها مانحها- أو المراد لآيات للمؤمنين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الإيمان نصفان فنصف في الصبر ونصف في الشكر " رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أنس يعني يشكر قس السراء ويصبر في الضراء.
﴿ وإذا غشيهم ﴾ أي علاهم وغطاهم الظرف متعلق يدعوا الله فيه معنى الشرط والجزاء والجملة معطوفة على تجري في البحر خبر لأن وضمير عشيهم راجع إلى أهل الفلك رابط بين الاسم والخبر ﴿ موج ﴾ في البحر ﴿ كالظلل ﴾ جمع الظلة شبه بها الموج يأتي منه شيء بعد شيء قال مقاتل كالجبال وقال الكلبي كالسحاب ﴿ دعوا الله مخلصين له الدين ﴾ بأن ينجيهم ولا يدعون غيره لما تقرر في الأذهان انه لا كاشف لضر إلا الله سبحانه ويزول بما غلبهم من الخوف الشد يد ما ينازع الفطرة السليمة من الهوى والتقليد ﴿ فلما نجاهم إلى البر ﴾ متعلق بنجاهم بتضمين معنى أوصلهم وجملة فلما نجاهم معطوفة على ﴿ إذا غشيهم ﴾ ﴿ فمنهم مقتصد ﴾ قيل هو جواب لما والظاهر أن جواب لما محذوف وهذا دليل عليه تقديره فلما نجاهم إلى البر اختلفوا فمنهم شاكر لنعمة الله ومنهم كافر ومنهم مقتصد يعني متوسط في الكفر لانزجاره بعض الانزجار وكان بعض الكفار أشد افتراء وأشد قولا من بعض فذكر المقتصد لدلالته على جانبه كذا قال الكلبي معنى المقتصد وقال أكثرهم معنى المقتصد المقيم على الطريق القصد الذي هو التوحيد لما قيل أن الآية نزلت في عكرمة بن أبي جهل هرب عام الفتح إلى البحر فجاءهم ريح عاصف فقال عكرمة لئن أنجانا الله من هذه لأرجعن إلى محمد ولأضعن يدي في يده فسكنت الرياح فرجع إلى مكة والنبي صلى الله عليه وسلم ثمه وأسلم وحسن إسلامه والتقدير على هذا فمنهم مقتصد ومنهم كافر يدل عليه قوله ﴿ وما يجحد بآياتنا ﴾ المنزلة أي بحقيقتها أو بدلائل قدرتنا ومنها الإنجاء من الموج ﴿ إلا كل ختار ﴾ أي غدار فإنه نقض العهد الفطري أو العهد الذي عاهد في الشدة والختر أسوء الغدر ﴿ كفور ﴾ للنعم-
﴿ يأيها الناس اتقوا ربكم ﴾ أي أحذروا عذابه ﴿ واخشوا يوما لا يجزي ﴾ أي لا يغني ﴿ والد عن ولده ﴾الراجع إلى الموصوف أي لا يجزي فيه والد مؤمن عن ولده الكافر ﴿ ولا مولود ﴾ مؤمن عطف على والد ﴿ هو جاز ﴾ صفة لمولود يعني ولا يجزي مولود مؤمن من شأنه أن يكون هو جاز ﴿ عن والده ﴾ الكافر متعلق بلا يجزي وإنما قيدنا بالكافر لان المؤمن يشفع للمؤمن قال الله تعالى :﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ﴾ وقال الله ﴿ جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريتهم ﴾ ﴿ شيئا ﴾ منصوب على المصدرية أي لا يجزي شيئا من الأجزاء وجاز أن يكون مولود مبتدأ خبره هو جاز عن والده وتغير النظم للتأكيد فإن هذه الجملة واردة على نهج من التأكيد لم يرد عليه المعطوف عليه لان الجملة الاسمية آكد من الفعلية وقد أنضم إلى ذلك لفظ المولود وفيه تأكيد آخر لأن المولود إنما يطلق على من ولد بلا واسطة والولد يطلق عليه وعلى ولد الوالد كما في قوله تعالى :﴿ فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ﴾ فإذا كان المولود لا ينفع أباه فلا ينفع أجداده بالطريق الأولى ووجه إيراده على التأكيد أن الخطاب كان للمؤمنين في ذلك الزمان وغالبا مات آباؤهم على الكفر فأريد حسم أطماعهم من أن ينفعوا آباؤهم بالشافعة في الآخرة ﴿ إن وعد الله ﴾ بالبعث والثواب والعقاب ﴿ حق ﴾ لا يمكن تخلفه ﴿ فلا تغرنكم ﴾ الفاء للسببية ﴿ الحياة الدنيا ﴾ بزينتها فإنها فانية ولذاتها ضعيفة مشوبة بالمكاره ﴿ ولا يغرنكم بالله ﴾في حمله وإمهاله ﴿ الغرور ﴾ الشيطان بأن يرجيكم المغفرة فيجسركم على الذنوب.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد مرسلا قال جاء رجل من أهل البادية وسماه البغوي الحارث بن عمرو بن الحارث بن محارب بن حفصة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة أي وقتها وقال امرأتي حبلي فأخبر ما تلد وبلادنا مجدبة فأخبرني متى ينزل الغيث وقد علمت بأي أرض ولدت فأخبرني أين أموت فأنزل الله تعالى :﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾.
﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾ أي علم وقت قيامها جملة مستأنفة في جواب متى يكون ذلك اليوم ﴿ وينزل الغيث ﴾ متى شاء لا يعلم نزولها إلا هو ﴿ ويعلم ما في الأرحام ﴾ أذكر أم أنثى لا يعلمها غيره ﴿ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ﴾ عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله ولا يعلم ما في الأرحام إلا الله ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يدري أحد متى يجيء المطر إلا الله " رواه أحمد والبخاري وروى البغوي في تفسير هذه الآية عن ابن عمر بهذا اللفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" مفاتح الغيب خمس إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وماتدري نفس ماذا تكسب وما تدري نفس بأي أرض تموت " وفي الصحيحين في قصة سؤال جبرئيل في حديث أبي هريرة في خمس يعني ﴿ إن الساعة ﴾ لا يعلمهن إلا الله ثم قرأ ﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾ الآية وأخرج ابن أبي شيبه في المصنف عن خيثمة أن ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه فقال الرجل من هذا ؟ قال ملك الموت فقال كأنه يريدني فمر الريح أن يحملني ويلقيني بالهند ففعل فقال الملك كان دوام نظري إليه تعجبا منه إذ أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك والله اعلم.
وإنما جعل العلم لله والدراية للعبد لأن فيها معنى الحيلة فيشعر بالفرق بين العلمين في القاموس دريته علمته أو لضرب من حيلة فعنه إشارة إلى أن العبد أن عمل حيلة وبذل فيها وسعه لم يعرف ما هو لاحق به من كسبه وعاقبته فكيف بغيره ما لم يحصل له علم بتعليم من الله تعالى بتوسط الرسل أو بنصب دليل عليه ﴿ إن الله عليم ﴾ يعلم الأشياء كلها ﴿ خبير ﴾ يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها حكي أن منصورا رأى في منامه ملك الموت وسأله عن مدة عمره فأشار إليه بأصابعه الخمس فعبرها المعبرون بخمس سنين أو بخمسة أشهر أو بخمسة أيام فقال أبو حنيفة هو إشارة إلى هذه الآية فإن هذه الآية فإن هذه العلوم الخمسة مختصة بالله تعالى والله أعلم.