ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذَلِكَ يُوحِي) : يُقْرَأُ بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ عَلَى مَا سُمِّيَ فَاعِلُهُ، وَالْفَاعِلُ (اللَّهُ) وَمَا بَعْدَهُ نَعْتٌ لَهُ، وَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِيُوحِي. وَيُقْرَأُ عَلَى تَرْكِ التَّسْمِيَةِ؛ وَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّ «كَذَلِكَ» مُبْتَدَأٌ وَ «يُوحِي» الْخَبَرُ، وَ «اللَّهُ» : فَاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَنْ يُوحِي؟ فَقَالَ: اللَّهُ؛ وَمَا بَعْدَهُ نَعْتٌ لَهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «الْعَزِيزُ» مُبْتَدَأً، وَ «الْحَكِيمُ» نَعْتٌ لَهُ، أَوْ خَبَرٌ. وَ «لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ» خَبَرٌ، أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ «كَذَلِكَ» نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ وَ «إِلَيْكَ» الْقَائِمُ مَقَامَ الْفَاعِلِ؛ أَيْ وَحْيًا مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَرِيقٌ) : هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ بَعْضُهُمْ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَبَعْضُهُمْ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: مِنْهُمْ فَرِيقٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٨)).
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذَلِكُمُ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وَ «اللَّهُ» عَطْفُ بَيَانٍ، أَوْ بَدَلٌ، وَ «رَبِّي» الْخَبَرُ. وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ الْخَبَرَ، وَرَبِّي خَبَرٌ ثَانٍ، أَوْ بَدَلٌ؛ أَوْ يَكُونَ صِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى، وَ «عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ» : الْخَبَرُ.
قَالَ تَعَالَى: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ) أَيْ هُوَ فَاطِرٌ؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا آخَرَ.
وَيُقْرَأُ بِالْجَرِّ بَدَلًا مِنَ الْهَاءِ فِي «عَلَيْهِ». وَالْهَاءُ: فِي «فِيهِ» ضَمِيرُ الْجَعْلِ، وَالْفِعْلُ قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ الْمَخْلُوقِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ يَذْرَؤُكُمْ.
وَالْكَافُ فِي «كَمِثْلِهِ» زَائِدَةٌ؛ أَيْ لَيْسَ مِثْلُهُ شَيْءٌ؛ فَمِثْلُهُ خَبَرُ لَيْسَ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ زَائِدَةً لَأَفْضَى إِلَى الْمُحَالِ؛ إِذْ كَانَ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ لَهُ مِثْلًا؛ وَلَيْسَ لِمَثَلِهِ مِثْلٌ، وَفِي ذَلِكَ تَنَاقُضٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ مِثْلٌ فَلِمَثَلِهِ مِثْلٌ، وَهُوَ هُوَ مَعَ أَنَّ إِثْبَاتَ الْمِثْلِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ مُحَالٌ.
وَقِيلَ: «مِثْلِ» زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لَيْسَ كَهُوَ شَيْءٌ، كَمَا فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ) [الْبَقَرَةِ: ١٣٧]. وَقَدْ ذُكِرَ؛ وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ.
قَالَ تَعَالَى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣)).
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «أَنْ» بِمَعْنَى أَيْ، فَلَا يَكُونُ لَهُ مَوْضِعٌ.
قَالَ تَعَالَى: (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذُكِرَ عَلَى مَعْنَى الزَّمَانِ، أَوْ عَلَى مَعْنَى الْبَعْثِ، أَوْ عَلَى النَّسَبِ؛ أَيْ ذَاتُ قُرْبٍ.
قَالَ تَعَالَى: (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢)).
(وَهُوَ وَاقِعٌ) ؛ أَيْ جَزَاءُ كَسْبِهِمْ.
وَقِيلَ: هُوَ ضَمِيرُ الْإِشْفَاقِ.
قَالَ تَعَالَى: (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُبَشِّرُ اللَّهُ) : الْعَائِدُ عَلَى الَّذِي مَحْذُوفٌ؛ أَيْ يُبَشِّرُ بِهِ.
(إِلَّا الْمَوَدَّةَ) : اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَوِ الْعَكْسُ. وَقِيلَ: هُوَ مُتَّصِلٌ؛ أَيْ لَا أَسْأَلُكُمْ شَيْئًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى؛ فَإِنِّي أَسْأَلُكُمُوهَا.
قَالَ تَعَالَى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٢٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَخْتِمْ) : هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ. (وَيَمْحُ) : مَرْفُوعٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَلَيْسَ مِنَ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ يَمْحُو الْبَاطِلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَسَقَطَتِ الْوَاوُ مِنَ اللَّفْظِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَمِنَ الْمُصْحَفِ حَمْلًا عَلَى اللَّفْظِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتُ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (٢٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَسْتَجِيبُ) : هُوَ بِمَعْنَى يُجِيبُ.
وَقِيلَ: يَسْتَجِيبُ دُعَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا.
وَقِيلَ: «الَّذِينَ» فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ؛ أَيْ يَنْقَادُونَ لَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (٢٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذَا يَشَاءُ) : الْعَامِلُ فِي «إِذَا» :«جَمْعِهِمْ» لَا «قَدِيرٌ» لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَصِيرَ الْمَعْنَى: وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ قَدِيرٌ إِذَا يَشَاءُ، فَتُعَلَّقُ الْقُدْرَةُ بِالْمَشِيئَةِ؛ وَهُوَ مُحَالٌ.
«وَعَلَى» : يَتَعَلَّقُ بِقَدِيرٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا أَصَابَكُمْ) :«مَا» شَرْطِيَّةٌ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ.
(فَبِمَا كَسَبَتْ) : جَوَابُهُ، وَالْمُرَادُ بِالْفِعْلَيْنِ الِاسْتِقْبَالُ، وَمَنْ حَذَفَ الْفَاءَ مِنَ الْقُرَّاءِ حَمَلَهُ عَلَى قَوْلِهِ: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) :[الْأَنْعَامِ: ١٢١] وَعَلَى مَا جَاءَ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ: مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا وَيَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ «مَا» عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ بِمَعْنَى الَّذِي، وَفِيهِ ضَعْفٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥)).
وَ (كَالْأَعْلَامِ) عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ حَالٌ ثَانِيَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي هِيَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «الْجَوَارِ» وَ (يُسْكِنِ) : جَوَابُ الشَّرْطِ. (فَيَظْلَلْنَ) : مَعْطُوفٌ عَلَى الْجَوَابِ، وَكَذَلِكَ «أَوْ يُوبِقْهُنَّ» - وَ «يَعْفُ».
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) : فَيُقْرَأُ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ: وَأَنْ يَعْلَمَ؛ لِأَنَّهُ صَرَفُهُ عَنِ الْجَوَابِ، وَعَطَفُهُ عَلَى الْمَعْنَى.
وَيُقْرَأُ بِالْكَسْرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَجْزُومًا حُرِّكَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَيَقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) : الْجُمْلَةُ الْمَنْفِيَّةُ تَسُدُّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ عَلِمْتُ.
قَالَ تَعَالَى: (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ) : أَيْ فَهُوَ مَتَاعٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ) : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [فُصِّلَتْ: ٣٦].
وَ (كَبَائِرَ) - بِالْجَمْعِ، وَاحِدَتُهَا كَبِيرَةٌ، وَمَنْ أَفْرَدَ ذَهَبَ بِهِ إِلَى الْجِنْسِ.
وَ (هُمْ) : مُبْتَدَأٌ، وَ «يَغْفِرُونَ» : الْخَبَرُ، وَالْجُمْلَةُ جَوَابُ إِذَا.
وَقِيلَ: «هُمْ» مَرْفُوعٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: غَفَرُوا، فَحُذِفَ الْفِعْلُ لِدَلَالَةِ يَغْفِرُونَ عَلَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَمَنْ صَبَرَ) :«مَنْ» شَرْطِيَّةٌ، وَ «صَبَرَ» فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ بِهَا، وَالْجَوَابُ (إِنَّ ذَلِكَ) : وَقَدْ حَذَفَ الْفَاءَ.
وَقِيلَ: «مَنْ» بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ إِنَّ ذَلِكَ مِنْهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَنْصُرُونَهُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ الْمَوْصُوفِ، وَرَفْعًا عَلَى مَوْضِعِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (٤٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ) أَيْ إِنَّ الْإِنْسَانَ مِنْهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا) : هُمَا حَالٌ، وَالْمَعْنَى: يَقْرِنُ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ) :«أَنْ» وَالْفِعْلُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَمَا قَبْلَهُ الْخَبَرُ، أَوْ فَاعِلٌ بِالْجَارِّ لِاعْتِمَادِهِ عَلَى حَرْفِ النَّفْيِ وَ (إِلَّا وَحْيًا) : اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْوَحْيَ لَيْسَ بِتَكْلِيمٍ.
وَأَمَّا (أَوْ يُرْسِلَ) : فَمَنْ نَصَبَ فَمَعْطُوفٌ عَلَى مَوْضِعِ «وَحْيًا» أَيْ يَبْعَثُ إِلَيْهِ مَلَكًا.
وَقِيلَ: فِي مَوْضِعِ جَرٍّ؛ أَيْ بِأَنْ يُرْسِلَ. وَقِيلَ: فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعُطْوفًا عَلَى «أَنْ يُكَلِّمَهُ» ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْنَاهُ: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ، وَلَا أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ رَسُولًا. وَهَذَا فَاسِدٌ؛ وَلِأَنَّ عَطْفَهُ عَلَى أَنْ يُكَلِّمَ الْمَوْجُودِ يُدْخِلُهُ فِي صِلَةِ أَنْ، وَ «إِلَّا وَحْيًا» يَفْصِلُ بَيْنَ بَعْضِ الصِّلَةِ وَبَعْضٍ لِكَوْنِهِ مُنْقَطِعًا.
وَمَنْ رَفَعَ «يُرْسِلُ» اسْتَأْنَفَ.
وَقِيلَ: «مِنْ» مُتَعَلِّقَةٌ بِيُكَلِّمُهُ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ، وَالظَّرْفُ يُتَّسَعُ فِيهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا كُنْتَ تَدْرِي) : الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْكَافِ فِي «إِلَيْكَ».
قَالَ تَعَالَى: (صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (صِرَاطِ اللَّهِ) : هُوَ بَدَلٌ مِنْ (صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) بَدَلَ الْمَعْرِفَةِ مِنَ النَّكِرَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.