تفسير سورة الشورى

أحكام القرآن للكيا الهراسي
تفسير سورة سورة الشورى من كتاب أحكام القرآن للكيا الهراسي المعروف بـأحكام القرآن للكيا الهراسي .
لمؤلفه الكيا الهراسي . المتوفي سنة 504 هـ

(بسم الله الرّحمن الرّحيم)

سورة حم عسق
قوله تعالى: (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها)، الآية/ ٢٠، هو معنى قوله صلّى الله عليه وسلم: «من كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» «١».
فيه دليل على أن من حج عن غيره، لا يقع الحج عن الحاج، ومن توضأ للتبرد والتنظيف لا يكون متوضئا للصلاة، ولا يصح وضوءه عن جهة القربة شرعا.
قوله تعالى: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)، الآية/ ٢٣.
قال قائلون في معناه: محبة الأقارب.
وقال قائلون: معناه إلا المودة في القربى إلى الله تعالى، أي التقرب إلى الله عز وجل، والمودة بالعمل الصالح، ويدل عليه ما بعده: (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً).
(١) الحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وقد قيل في معناه: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوه مع القرابة التي بينكم وبينه «١»، وخاطب بذلك قريشا، لأن كل قريش كانت بينها وبين رسول الله عليه السلام رحم ماسة وقرابة.
قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ)، الآية/ ٣٩.
قال إبراهيم النخعي في معنى الآية: يكره للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق.
وقال السدي: هم ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا.
وقد ندبنا الله تعالى في مواضع من كتابه إلى العفو عن حقوقنا قبل الناس، فمنها قوله تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) «٢».
وقوله في شأن القصاص: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) «٣». وأحكام هذه الآي غير منسوخة.
قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) :
يدل ظاهره على أن الإنتصار في هذه المواضع أفضل، ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الاستجابة لله تعالى، وإقام الصلاة، وهو محمول على ما ذكره إبراهيم النخعي، أنهم كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق، وهذا فيمن تعدى وأصر على ذلك.
والموضع المأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادما.
(١) أنظر تفسير الطبري وتفسير الفخر الرازي، والدر المنثور للسيوطي.
(٢) سورة البقرة آية ٢٣٧.
(٣) سورة النور آية ٢٢.
وقد قال عقيب هذه الآية: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ)، الآية/ ٤١.
يقتضي ذلك إباحة الانتصار لا الأمر به،
وقد عقبه بقوله تعالى:
(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)، الآية ٤٣:
وذلك محمول على الغفران عن غير المصر، فأما المصر على البغي والظلم فالأفضل الإنتصار منه بدلالة ما قبله.
Icon