تفسير سورة الشورى

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة الشورى من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة الشورى
سورة حم عسق، مكية، عددها خمسون وثلاث آيات كوفي

﴿ حـمۤ ﴾ [آية: ١]: ﴿ عۤسۤقۤ ﴾ [آية: ٢] فى أمر العذاب يا محمد، فيها تقديم، إليك وإلى الأنبياء من قبلك. فمن ثم قال: ﴿ كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ ﴾ يا محمد.
﴿ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ﴾ من الأنبياء أنه نازل بقومهم إذا كذبوا الرسل، ثم عظم نفسه فقال له: يا محمد، إنما ذلك بوحى ﴿ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ﴾ فى ملكه.
﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [آية: ٣] فى أمره.﴿ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ﴾، يعني الرفيع فوق خلقه.
﴿ ٱلعَظِيمُ ﴾ [آية: ٤]، فلا أكبر منه.﴿ تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ﴾، يعنى يتشققن من عظمة الرب الذى هو فوقهن، ثم قال: ﴿ وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾، يعنى يصلون بأمر ربهم.
﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ ﴾، ثم بين فى حم المؤمن، أى الملائكة هم، فقال:﴿ ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ﴾[غافر: ٧]، ثم بين لمن يستغفرون، فقال:﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾[غافر: ٧]، يعنى المؤمنين، فصارت هذه الآية منسوخة، نسختها الآية التى فى حم المؤمن، ثم قال: ﴿ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ﴾ لذنوبهم.
﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [آية: ٥] بهم. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ﴾، يعبدونها من دون الله.
﴿ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ ﴾، يعنى رقيب عليهم.
﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم ﴾ يا محمد.
﴿ بِوَكِيلٍ ﴾ [آية: ٦]، يعنى بمسيطر.﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾ ليفقهوا ما فيه.
﴿ لِّتُنذِرَ ﴾، يعنى ولكى تنذر بالقرآن يا محمد ﴿ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ ﴾، وهى مكة، وإنما سميت أم القرى؛ لأن الأرض كلها دحيت من تحت الكعبة، قال: ﴿ وَ ﴾ لتنذر يا محمد بالقرآن ﴿ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾، يعنى حول مكة من القرى، يعنى قرى الأرض كلها.
﴿ وَ ﴾ لكى ﴿ وَتُنذِرَ ﴾ بالقرآن ﴿ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ ﴾، يعنى جمع أهل السموات، وجمع أهل الأرض.
﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾، يعنى لاشك فيه فى البعث أنه كائن، ثم بعد الجمع يتفرقون.
﴿ فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ ﴾ [آية: ٧]، يعنى الوقود، ثم لا يجتمعون أبداً. قال: ﴿ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ ﴾، يعنى كفار مكة.
﴿ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾، يعنى على ملة الإسلام وحدها.
﴿ وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ ﴾، يعنى فى دينه الإسلام.
﴿ وَٱلظَّالِمُونَ ﴾، يعنى مشركى مكة.
﴿ مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ ﴾، يعنى من قريب ينفعهم فى الآخرة.
﴿ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ [آية: ٨]، يعنى ولا مانع يمنعهم من العذاب، عذاب النار. قوله: ﴿ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ﴾ من الملائكة ﴿ أَوْلِيَآءَ ﴾، يعنى آلهة، وهم خزاعة وغيرهم يعبدونها.
﴿ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ ﴾، يعنى الرب.
﴿ وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ ﴾ فى الآخرة.
﴿ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ من البعث وغيره.
﴿ قَدِيرٌ ﴾ [آية: ٩].
قوله: ﴿ وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ﴾، وذلك أن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن، وآمن بعضهم، فقال الله تعالى: إن الذى اختلفتم فيه، فإنى أرد قضاءه إلىَّ، وأنا أحكم فيه، ثم دل على نفسه بصنعه، فقال: ﴿ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ ﴾، الذى يحيى الموتى، ويميت الأحياء هو أحياكم، وهو الله ﴿ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾، يعنى به أثق.
﴿ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [آية: ١٠]، يقول: إليه أرجع.
قوله: ﴿ فَاطِرُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾، يعنى خالق السموات والأرض.
﴿ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً ﴾، يقول: جعل بعضكم من بعض أزواجاً، يعنى الحلائل لتسكنوا إليهن.
﴿ وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً ﴾، يعنى ذكوراً وإناثاً.
﴿ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ﴾، يقول: يعيشكم فيه فيما جعل من الذكور والإناث من الأنعام، ثم عظم نفسه، فقال: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ فى القدرة.
﴿ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ﴾ لقول كفار مكة.
﴿ ٱلْبَصِيرُ ﴾ [آية: ١١] بما خلق.﴿ لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾، يعنى مفاتيح بلغة النبط.
﴿ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾، المطر.
﴿ وَٱلأَرْضِ ﴾، يعنى النبات.
﴿ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ﴾، يقول: يوسع الرزق على من يشاء من عباده ويقتر على من يشاء.
﴿ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ من البسط والقتر.
﴿ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ١٢].
قوله: ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ ﴾، يقول: بين لكم، ويقال: سن لكم آثار الإسلام، والمن هاهنا صلة، كـ ﴿ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾، فيه تقديم.
﴿ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ ﴾، يعنى التوحيد.
﴿ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ يقول: عظم على مشركى مكة.
﴿ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ﴾ يا محمد؛ لقولهم:﴿ أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾[ص: ٥]، يعنى التوحيد، ثم أختص أولياءه فقال: ﴿ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ ﴾، يقول: يستخلص لدينه.
﴿ مَن يَشَآءُ وَ ﴾ هو ﴿ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ ﴾ إلى دينه.
﴿ مَن يُنِيبُ ﴾ [آية: ١٣]، يعنى من يراجع التوبة.
قال: ﴿ وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ ﴾، يعنى البيان.
﴿ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ﴾، ولولا كلمة الفصل التى سبقت من ربك فى الآخرة يا محمد فى تأخير العذاب عنهم.
﴿ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾، يعنى به القيامة.
﴿ لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ ﴾، بين من آمن وبين من كفر، ولولا ذلك لنزل بهم العذاب فى الدنيا، حين كذبوا وأختلفوا، ثم قال: ﴿ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ قوم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، أورثوا الكتاب من بعدهم، اليهود، والنصارى من بعد أنبيائهم.
﴿ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ﴾ يعنى من الكتاب الذى عندهم.
﴿ مُرِيبٍ ﴾ [آية: ١٤].
قوله: ﴿ فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ ﴾، يعنى إلى التوحيد، يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ادع أهل الكتاب إلى معرفة ربك، إلى هذا التوحيد.
﴿ وَٱسْتَقِمْ ﴾، يقول: وامض.
﴿ كَمَآ أُمِرْتَ ﴾ بالتوحيد، كقوله فى الزمر:﴿ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ ﴾[الزمر: ٢].
﴿ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ ﴾ فى ترك الدعاء، وذلك حين دعاه أهل الكتاب إلى دينهم. ثم قال: ﴿ وَقُلْ ﴾ لأهل الكتاب: ﴿ آمَنتُ ﴾، يقول: صدقت.
﴿ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ ﴾، يعنى القرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور.
﴿ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾، بين أهل الكتاب فى القول، يقول: أعدل بما آتانى الله فى كتابه، والعدل أنه دعاهم إلى دينه، قوله: ﴿ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾، يقول: لنا ديننا الذي نحن عليه، ولكم دينكم الذى أنتم عليه.
﴿ لاَ حُجَّةَ ﴾، يقول لا خصومة.
﴿ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ﴾ فى الدين، يعنى أهل الكتاب، نسختها آية القتال فى براءة.
﴿ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ﴾، فى الآخرة، فيجازينا بأعمالنا ويجازيكم.
﴿ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ ﴾ [آية: ١٥].
﴿ وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ ﴾، يعنى يخاصمون.
﴿ فِي ٱللَّهِ ﴾، فهم اليهود، قدموا على النبى صلى الله عليه وسلم بمكة، فقالوا للمسلمين: ديننا أفضل من دينكم، ونبينا أفضل من نبيكم، يقول: ﴿ مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ ﴾، يعنى لله فى الإيمان.
﴿ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ ﴾، يقول: خصومتهم باطلة حين زعموا أن دينهم أفضل من دين الإسلام.
﴿ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ ﴾ من الله.
﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ [آية: ١٦].
﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ ﴾، يقول: لم ينزله باطلاً لغير شىء.
﴿ وَٱلْمِيزَانَ ﴾، يعنى العدل.
﴿ وَمَا يُدْرِيكَ ﴾ يا محمد.
﴿ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ ﴾ [آية: ١٧]، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم ذكر الساعة وعنده أبو فاطمة بن البحتري، وفرقد بن ثمامة، وصفوان بن أمية، فقالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: متى تكون الساعة؟ تكذيباً بها، فقال الله تعالى: ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ ﴾، يعنى القيامة.
﴿ قَرِيبٌ ﴾.
﴿ يَسْتَعْجِلُ بِهَا ﴾ بالساعة.
﴿ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا ﴾، يعنى لا يصدقون بها، هؤلاء الثلاثة نفر، أنها كائنة؛ لأنهم لا يخافون ما فيها.
﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا ﴾، يعنى بلال وأصحابه، صدقوا النبى صلى الله عليه وسلم بها، يعنى بالساعة؛ لأنهم لا يدرون على ما يهجمون منها.
﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ ﴾ الساعة أنها كائنة، ثم ذكر الذين لا يؤمنون بالساعة، فقال: ﴿ أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ ﴾، يعنى هؤلاء الثلاثة، يعنى يشكون فى القيامة.
﴿ لَفِي ضَلاَلَ بَعِيدٍ ﴾ [آية: ١٨]، يعنى طويل.﴿ ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ﴾، البر منهم والفاجر، لا يهلكهم جوعاً حين قال:﴿ إِنَّا كَاشِفُو ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً ﴾[الدخان: ١٥].
﴿ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ﴾ فى هلاكهم ببدر.
﴿ ٱلْعَزِيزُ ﴾ [آية: ١٩] فى نقمته منهم.﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ﴾ بعمله الحسن.
﴿ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ ﴾، يقول: من كان من الأبرار يريد بعمله الحسن ثواب الآخرة.
﴿ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ﴾، يعنى بلالاً وأصحابه حتى يضاعف له فى حرثه، يقول: فى عمله.
﴿ وَمَن كَانَ ﴾ من الفجار.
﴿ يُرِيدُ ﴾ بعمله ﴿ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا ﴾، يعنى ثواب الدنيا.
﴿ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ ﴾، يعنى الجنة لهؤلاء الثلاثة.
﴿ مِن نَّصِيبٍ ﴾ [آية: ٢٠]، يعنى من حظ، ثم نسختها:﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ﴾[الإسراء: ١٨].
قوله: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ ﴾، يقول: سنوا.
﴿ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ ﴾، يعنى كفار مكة، يقول: ألهم آلهة يبينوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، ثم قال: ﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ ﴾ التى سبقت من الله فى الآخرة أنه معذبهم، يقول: لولا ذلك الأجل.
﴿ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ﴾، يقول: لنزل بهم العذاب فى الدينا.
﴿ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ ﴾، يعنى المشركين.
﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آية: ٢١] يعنى وجيع. ثم أخبر بمستقر المؤمنين والكافرين فى الآخرة، فقال: ﴿ تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ ﴾ من الشرك.
﴿ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ ﴾، يعنى العذاب، فى التقديم، ثم قال: ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ ﴾، يعنى بساتين الجنة.
﴿ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ ﴾ الذى ذكر من الجنة.
﴿ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ ﴾ [آية: ٢٢].
ثم قال: ﴿ ذَلِكَ ٱلَّذِي ﴾، ذكر من الجنة.
﴿ يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾، يعنى صدقوا.
﴿ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾، من الأعمال.
﴿ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ﴾، يعنى على الإيمان جزاء.
﴿ إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ ﴾، يقول: إلا أن تصلوا قرابتى، وتتبعونى، وتكفوا عنى الأذى، ثم نسختها:﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ﴾[سبأ: ٤٧]، قوله: ﴿ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً ﴾، يقول: ومن يكتسب حسنة واحدة.
﴿ نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً ﴾، يقول: نضاعف له الحسنة الواحدة، عشراً فصاعداً.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ ﴾، لذنوب هؤلاء.
﴿ شَكُورٌ ﴾ [آية: ٢٣]، لمحاسنهم القليلة، حين يضاعف الواحدة عشراً فصاعداً. قوله: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ ﴾ كفار مكة إن محمداً.
﴿ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً ﴾، حين زعم أن القرآن من عند الله، فشق على النبى صلى الله عليه وسلم تكذيبهم أياه، يقول الله تعالى: ﴿ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ ﴾، يقول: يربط على قلبك، فلا يدخل فى قلبك المشقة من قولهم بأن محمداً كذاب مفتر.
﴿ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ﴾ إن شاء ﴿ ٱلْبَاطِلَ ﴾ الذى يقولون أنك كذاب مفتر، من قلبك.
﴿ وَيُحِقُّ ﴾ الله ﴿ ٱلْحَقَّ ﴾، وهو الإسلام.
﴿ بِكَلِمَاتِهِ ﴾، يعنى القرآن الذى أنزل عليه.
﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [آية: ٢٤]، يعنى القلوب، يعلم ما فى قلب محمد صلى الله عليه وسلم من الحزن من قولهم بتكذيبهم أياه. قوله: ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾، يقول: ويتجاوز عن الشرك الذى تابوا.
﴿ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [آية: ٢٥] من خير أو شر.﴿ وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَٱلْكَافِرُونَ ﴾ من أهل مكة.
﴿ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ [آية: ٢٦]، لا يفتر عنهم.
قوله: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ ﴾، يعنى ولو وسع الله الرزق.
﴿ لِعِبَادِهِ ﴾، فى ساعة واحدة.
﴿ لَبَغَوْاْ ﴾، يعنى لعصوا.
﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾، فيها تقديم ﴿ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ ﴾ [آية: ٢٧] بهم.﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ ﴾، يعنى المطر الذى حبس عنهم بمكة سبع سنين.
﴿ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ ﴾، يعنى من بعد الإياسة.
﴿ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ﴾، يعنى نعمته ببسط المطر.
﴿ وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ ﴾، ولى المؤمنين.
﴿ ٱلْحَمِيدُ ﴾ [آية: ٢٨] عند خلقه فى نزول الغيث عليهم.﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾، أن تعرفوا توحيد الرب وصنعه، وإن لم تروه.
﴿ خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ ﴾، يعنى الملائكة فى السموات والخلائق فى الأرض.
﴿ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ ﴾ فى الآخرة.
﴿ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ ﴾ [آية: ٢٩].
قوله: ﴿ وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَة ﴾، يعنى المؤمنين من بلاء الدنيا وعقوبة من اختلاج عرق، أو خدش عود، أو نكبة حجر، أو عثرة قدم، فصاعداً إلا بذنب، فذلك قوله: ﴿ وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ ﴾ ﴿ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ من المعاصى.
﴿ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ ﴾ [آية: ٣٠] يعنى ويتجاوز عن كثير من الذنوب، فلا يعاقب بها فى الدنيا. حدثنا عبدالله، قال: حدثنى أبى، قال:" قال أبو صالح: بلغنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ما عفا الله عنه فهو أكثر "، وقال: بلغنى أنه قال، يعنى النبى صلى الله عليه وسلم: " ما عفا الله عنه، فلم يعاقب به فى الآخرة "، ثم تلا هذه الآية:﴿ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ ﴾[النساء: ١٢٣]، قال هاتان الآيتان فى الدنيا للمؤمنين. قوله تعالى: ﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾، يعنى بسابقى الله هرباً.
﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ بأعمالكم الخبيثة حتى يجزيكم بها.
﴿ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ ﴾، يعنى قريب ينفعكم.
﴿ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ [آية: ٣١]، يقول: ولا مانع يمنعكم من الله جل وعز.﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾، أن تعرفوا توحيده بصنعه، وإن لم تروه.
﴿ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ ﴾ [آية: ٣٢]، يعنى السفن تجرى فى البحر بالرياح كالأعلام، شبه السفن فى البحر كالجبال فى البر. وقال: ﴿ إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ ﴾، قائمات على ظهر الماء، فلا تجرى.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ الذى ترون، يعنى السفن إذا جرين وإذا ركدن.
﴿ لآيَاتٍ ﴾، يعنى لعبرة.
﴿ لِّكُلِّ صَبَّارٍ ﴾، يقول: كل صبور على أمر الله.
﴿ شَكُورٍ ﴾ [آية: ٣٣] لله تعالى فى هذه النعمة. ثم قال: ﴿ أَوْ يُوبِقْهُنَّ ﴾، يقول: وإن يشأ يهلكهن، يعنى السفن.
﴿ بِمَا كَسَبُوا ﴾، يعنى بما عملوا من الشرك.
﴿ وَيَعْفُ ﴾، يعنى يتجاوز.
﴿ عَن كَثِيرٍ ﴾ [آية: ٣٤]، من الذنوب، فينجيهم من الغرق والهلكة. قال: ﴿ وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ ﴾ [آية: ٣٥]، قال: ويعنى من فرار.
﴿ فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾، تتمتعون بها قليلاً.
﴿ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ ﴾ مما أوتيتم فى الدنيا.
﴿ وَأَبْقَىٰ ﴾ وأدام ﴿ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [آية: ٣٦]، يعنى وبربهم يثقون. ثم نعتهم، فقال: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ ﴾، يقول: كل ذنب يختم بنار.
﴿ وَٱلْفَوَاحِشَ ﴾، ما يقام فيه الحد فى الدنيا.
﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [آية: ٣٧]، يعنى يتجاوزون عن ظلمهم، فيكظمون الغيظ ويعفون، نزلت فى عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن فرط بن رازح بن عدى بن لؤى حين شتم بمكة، فذلك قوله:﴿ قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ ﴾الجاثية: ١٤]، يعنى يتجاوزوا عن الذين﴿ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ... ﴾[الجاثية: ١٤].
وقال: ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ ﴾، فى الإيمان.
﴿ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ ﴾، يقول: وأتموا الصلوات الخمس، نزلت فى الأنصار، داوموا عليها.
﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ﴾، قال: كانت قبل الإسلام، وقبل قدوم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة، إذا كان بينهم أمر، أو أرادوا أمراً، اجتمعوا فتشاوروا بينهم، فأخذوا به، فأثنى الله عليهم خيراً ثم قال: ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ من الأموال.
﴿ يُنفِقُونَ ﴾ [آية: ٣٨] فى طاعة الله. قال: ﴿ وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ ﴾، يعنى الظلم.
﴿ هُمْ يَنتَصِرُونَ ﴾ [آية: ٣٩]، يعنى المجروح ينتصر من الظالم، فيقتص منه.﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾، أن يقتص منه المجروح كما أساء إليه، ولا يزيد شيئاً.
﴿ فَمَنْ عَفَا ﴾، يعنى فمن ترك الجارح ولم يقتص.
﴿ وَأَصْلَحَ ﴾ العمل كان العفو من الأعمال الصالحة.
﴿ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ ﴾، قال: جزاؤه على الله.
﴿ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٤٠]، يعنى من بدأ بالظلم والجراءة. ثم قال: ﴿ وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ ﴾، يقول: إذا انتصر المجروح، فاقتص من الجارح.
﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ ﴾، يعنى على الجارح.
﴿ مِّن سَبِيلٍ ﴾ [آية: ٤١]، يعنى العدوان، حين انتصر من الجارح.﴿ إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ ﴾، يعنى العدوان.
﴿ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ﴾، يقول: يعملون فيها بالمعاصى.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آية: ٤٢]، يعنى وجيع. ثم بين أن الصبر والتجاوز أحب إلى الله وأنفع لهم من غيره، ثم رجع إلى المجروح، فقال: ﴿ وَلَمَن صَبَرَ ﴾ ولم يقتص.
﴿ وَغَفَرَ ﴾ وتجاوز، فـ ﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾ الصبر والتجاوز.
﴿ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ ﴾ [آية: ٤٣]، يقول: من حق الأمور التى أمر الله عز وجل بها.
قوله تعالى: ﴿ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ ﴾ عن الهدى.
﴿ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ ﴾، يقول: ومن يضلل الله عن الهدى، فما له من قريب يهديه إلى دينه.
﴿ مِّن بَعْدِهِ ﴾، مثلها فى الجاثية، قال: ﴿ وَتَرَى ٱلظَّالِمِينَ ﴾، يعنى المشركين.
﴿ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ ﴾ فى الآخرة.
﴿ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ ﴾ [آية: ٤٤]، يقول: هل إلى الرجعة إلى الدنيا من سبيل.﴿ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا ﴾، يعنى على النار واقفين عليها.
﴿ خَاشِعِينَ ﴾، يعنى خاضعين.
﴿ مِنَ ٱلذُّلِّ ﴾ الذى نزل بهم.
﴿ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ ﴾، يعنى يستخفون بالنظر إليها يسارقون النظر.
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ ﴾، يعنى النبى صلى الله عليه وسلم وحده، وقالها فى الزمر.
﴿ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ ﴾، يعنى غبنوا أنفسهم، فصاروا إلى النار.
﴿ وَ ﴾ خسروا ﴿ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾، يقول: وغبنوا أهليهم فى الجنة، فصاروا لغيرهم، ولو دخلوا الجنة أصابوا الأهل، فلما دخلوا النار حرموا فصار مافى الجنة والأهلين لغيرهم.
﴿ أَلاَ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ ﴾، يعنى المشركين.
﴿ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ ﴾ [آية: ٤٥]، يعنى دائم لا يزول عنهم، مثلها فى الروم.﴿ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾، يقول: وما كان لهم من أقرباء يمنعونهم من الله.
﴿ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ ﴾ عن الهدى.
﴿ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ ﴾ [آية: ٤٦] إلى الهدى. قوله: ﴿ ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ ﴾ بالإيمان، يعنى التوحيد.
﴿ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ ﴾، يعنى لا رجعة لهم، إذا جاء يوم القيامة لا يقدر أحد على دفعه.
﴿ مِنَ ٱللَّهِ ﴾، ثم أخبر عنهم يومئذ، فقال: ﴿ مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ ﴾، يعنى حرزاً يحرزكم من العذاب.
﴿ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ ﴾ [آية: ٤٧] من العذاب.﴿ فَإِنْ أَعْرَضُواْ ﴾ عن الهدى.
﴿ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ﴾، يعنى رقيباً.
﴿ إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ﴾ يا محمد.
﴿ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَانَ ﴾، يقول: إذا مسسنا، وفى قراءة ابن مسعود: وإنا إذا أذقنا الناس منا رحمة فرحوا بها، يعنى المطر.
﴿ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ﴾، يعنى كفار مكة، يعنى قحط فى المطر.
﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ من الكفر.
﴿ فَإِنَّ ٱلإِنسَانَ كَفُورٌ ﴾ [آية: ٤٨]، فيها تقديم، لنعم ربه فى كشف الضر عنه، يعنى الجوع وقحط المطر، نظيرها فى الروم. ثم عظم نفسه، فقال: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ﴾ فى الرحم.
﴿ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً ﴾، يعنى البنات.
﴿ وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ ﴾ [آية: ٤٩]، يعنى البنين، ليس فيهم انثى.
﴿ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ﴾، يقول: وإن يشأ نصفهم.
﴿ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً ﴾، يعنى يولد له مرة بنين وبنات، ذكوراً وإناثاً، فنجعلهم له.
﴿ وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً ﴾، لا يولد له.
﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بخلقه.
﴿ قَدِيرٌ ﴾ [آية: ٥٠] فى أمر الولد والعقم وغيره. قوله: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً ﴾، وذلك أن اليهود قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت صادقاً، كما كلمه موسى ونظر إليه، فإنا لن نؤمن لك حتى يعمل الله ذلك بك، فقال الله لهم: لم أفعل ذلك بموسى، وأنزل الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ ﴾، يقول: ليس لنبى من الأنبياء أن يكلمه الله ﴿ إِلاَّ وَحْياً ﴾، فيسمع الصوت فيفقه.
﴿ أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ﴾، كما كان بينه وبين موسى.
﴿ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ﴾، يقول: أو يأتيه منى بوحى، يقول: أو يأمره فيوحى.
﴿ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ ﴾، يعنى رفيع فوق خلقه.
﴿ حَكِيمٌ ﴾ [آية: ٥١] فى أمره. فقالوا للنبى: من أول المرسلين؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم:" " أول المرسلين آدم، عليه السلام "، فقالوا: كم المرسلين؟ قال: " ثلاثمائة وخمسة عشر جماء الغفير " "، ومن الأنبياء من يسمع الصوت فيفقه، ومن الأنبياء من يوحى إليه فى المنام، وإن جبريل ليأتى النبى صلى الله عليه وسلم كما يأتى الرجل صاحبه فى ثباب البياض مكفوفة بالدر والياقوت، ورخلاه مغموستان فى الخضرة. قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾، يعنى وهكذا.
﴿ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا ﴾، يعنى الوحى بأمرنا، كما أوحينا إلى الأنبياء من قبلك حين ذكر الأنبياء من قبله، فقال: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً ﴾، إلى آخر الآية. قوله: ﴿ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ ﴾ يا محمد قبل الوحى، ما الكتاب.
﴿ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ ﴾، يعنى القرآن.
﴿ نُوراً ﴾، يعنى ضياء من العمى.
﴿ نَّهْدِي بِهِ ﴾، يعنى بالقرآن من الضلالة إلى الهدى.
﴿ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [آية: ٥٢]، يعنى إنك لتدعوا إلى دين مستقيم، يعنى الإسلام.﴿ صِرَاطِ ٱللَّهِ ﴾، يقول: دين الله.
﴿ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ﴾، خلقه وعبيده، وفى قبضته.
﴿ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ ﴾ [آية: ٥٣]، يعنى أمور الخلائق فى الآخرة تصير إليه، فيجزيهم بأعمالهم، والله غفور لذنوب العباد، رحيم بهم. قال مقاتل: سيد الملائكة إسرافيل، وهو صاحب الصور، وسيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وسيد الشهداء هابيل بن آدم، وسيد المؤذنين بلال بن رباح، وسيد الشهور شهر رمضان، وسيد الأيام يوم الجمعة، وسيد السباع الأسد، وسيد الطير النسر، وسيد الأنعام الثور، وسيد الوحش الأيل، وسيد البلاد مكة، وسيد البقاع بكة، وسيد البيوت الكعبة، وسيد البحور بحر موسى، وسيد الجبال طور سيناء، وسيد المجالس ما استقبل به القبلة، وسيد الصلاة صلاة المغرب.
Icon