تفسير سورة الطارق

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة الطارق من كتاب تفسير القشيري المعروف بـلطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ

سورة الطارق
قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» «بِسْمِ اللَّهِ» : اسم عزيز إذا أراد إعزاز عبد وفّقه لعرفانه، ثم زيّنه بإحسانه، ثم استخلصه بامتنانه فعصمه من عصيانه، وقام بحسن التولّى- فى جميع أحواله- بشانه، ثم قبضه على إيمانه، ثم بوّأه في جنانه، وأكرمه برضوانه، ثم أكمل عليه نعمته برؤيته وعيانه.
قوله جل ذكره:
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ١ الى ١٧]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤)
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩)
فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤)
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧)
أقسم بالسماء، وبالنجم الذي يطرق ليلا.
«وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ؟» استفهام يراد منه تفخيم شأن هذا النجم.
«النَّجْمُ الثَّاقِبُ» المضيء العالي. وقيل: الذي ترمى به الشياطين.
ويقال: هى «١» نجوم المعرفة التي تدل على التوحيد يستضىء بنورها ويهتدى بها أولو البصائر.
«إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ» ما من نفس إلا عليها حافظ من الملائكة، يحفظ عليه عمله ورزقه وأجله، ويحمله على دوام التيقّظ وجميل التحفّظ.
قوله جل ذكره: «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ
(١) هكذا في م وهي في ص (هو نجم المعرفة... إلخ).
714
مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ» يخرج من صلب الأب، وتريبة الأم.
وهو بذلك يحثّه على النّظر والاستدلال حتى يعرف كمال قدرته وعلمه وإرادته- سبحانه.
«إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ» إنه على بعثه، وخلقه مرة أخرى لقادر لأنه قادر على الكمال- والقدرة على الشيء تقتضى القدرة على مثله، والإعادة في معنى الابتداء.
«يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ» يوم تمتحن الضمائر.
«فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ» أي ما لهذا الإنسان- يومئذ- من معين يدفع عنه حكم الله.
«وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ» أي المطر.
«وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ» «الصَّدْعِ» : الانشقاق بالنبات للزرع والشجر.
«إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ» أي: إن القرآن لقول جزم.
«وَما هُوَ بِالْهَزْلِ» الهزل ضد الجدّ، فليس القرآن بباطل ولا لعب.
قوله جل ذكره: «إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً»
715
أي يحتالون حيلة.
«وَأَكِيدُ كَيْداً» هم يحتالون حيلة، ونحن نحكم فعلا ونبرم خلقا، ونجازيهم على كيدهم، بما نعاملهم به من الاستدراج والإمهال.
«فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً» أي أنظرهم، وأمهلهم قليلا، وأرودهم رويدا.
716
Icon