تفسير سورة النجم

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة النجم من كتاب تفسير القشيري المعروف بـلطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ

سورة النّجم
قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».
«بِسْمِ اللَّهِ» اسم حليم رحيم، يحلم «١» فيما يعلم، ويستر ما يبصر ويغفر «٢»، وعلى العقوبة يقدر، يرى ويخفى، ويعلم ولا يبدى.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢)
والثريا إذا سقط وغرب. ويقال: هو جنس النجوم أقسم بها.
(ويقال: هى الكواكب) «٣». ويقال: أقسم بنجوم القرآن على النبي ﷺ ويقال هي الكواكب التي ترمى بها الشياطين.
ويقال أقسم بالنبي ﷺ عند منصرفه من المعراج.
ويقال: أقسم بضياء قلوب العارفين ونجوم عقول الطالبين.
وجواب القسم قوله: «ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى» : أي ما ضلّ عن التوحيد قط، «وَما غَوى» : الغىّ: نقيض الرّشد.. وفي هذا تخصيص للنبى ﷺ حيث توليّ- سبحانه- الذّبّ عنه فيما رمى به، بخلاف ما قال لنوح عليه السلام وأذن له حتى قال: «لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ «٤» »، وهود قال: «لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ «٥» ».. وغير ذلك، وموسى
(١) هكذا في م وهي في ص (يكلم) وواضح أنها خطأ من الناسخ.
(٢) هكذا في م وهي في ص (يضير) وهي خطأ من الناسخ.
(٣) موجود في م وساقط في ص.
(٤) آية ٦١ سورة الأعراف. [.....]
(٥) آية ٦٧ سورة الأعراف.
قال لفرعون: «وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً» «١». وقال لنبينا صلى الله عليه وسلم:
«ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى» : معناه ما ضلّ صاحبكم، ولا غفل عن الشهود طرفة عين.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٣ الى ٤]
وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (٤)
أي ما ينطق بالهوى، وما هذا القرآن إلا وحي يوحى. وفي هذا أيضا تخصيص له بالشهادة إذ قال لداود: «فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى» «٢».
وقال في صفة نبيّنا صلى الله عليه وسلم: «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى».
(ومتى ينطق عن الهوى وهو في محل النجوى؟ فى الظاهر مزموم بزمام التقوى، وفي السرائر في إيواء المولى، مصفّى عن كدورات البشرية، مرقّى إلى شهود الأحدية، مكاشف بجلال الصمدية، مختطف عنه بالكلّيّة، لم تبق منه إلا للحقّ بالحقّ بقية.. ومن كان بهذا النعت.. متى ينطق عن الهوى؟) «٣».
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٥ الى ٧]
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧)
أي جبريل عليه السلام. و «ذُو مِرَّةٍ» : أي ذو قوة وهو جبريل. «وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى» أي جبريل.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٨ الى ٩]
ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩)
دنا جبريل من محمد عليه السلام، فتدلّى جبريل: أي نزل من العلوّ إلى محمد.
وقيل: «فَتَدَلَّى» تفيد الزيادة في القرب، وأنّ محمدا عليه السلام هو الذي دنا من ربّه دنوّ كرامة، وأنّ التدلّى هنا معناها السجود.
(١) آية ١٠٢ سورة الإسراء.
(٢) آية ٢٦ سورة ص.
(٣) كل ما بين القوسين موجود في مكان آخر، وضعناه في مكانه الصحيح حتى يستقيم السياق.
ويقال: دنا محمد من ربّه بما أودع من لطائف المعرفة وزوائدها، فتدلّى بسكون قلبه إلى ما أدناه.
«فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى» : فكان جبريل- وهو في صورته التي هو عليها- من محمد ﷺ بحيث كان بينهما قدر قوسين أو أدنى.
ويقال: كان بينه- صلى الله عليه وسلم- وبين الله قدر قوسين: أراد به دنوّ كرامة لا دنوّ مسافة.
ويقال: كان من عادتهم إذا أرادوا تحقيق الألفة بينهم إلصاق أحدهم قوسه بقوس صاحبه عبارة عن «١» عقد الموالاة بينهما، وأنزل الله- سبحانه- هذا الخطاب على مقتضى معهودهم. ثم رفع الله هذا فقال: «أَوْ أَدْنى» أي بل أدنى.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ١٠]
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠)
أي أوحى الله إلى محمد ما أوحى. ويقال: أحمله أحمالا «٢» لم يطلّع عليها أحد.
ويقال: قال له: ألم أجدك يتيما فآويتك؟ ألم أجدك ضالا فهديتك؟
ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ ألم أشرح لك صدرك؟
ويقال: بشّره بالحوض والكوثر.
ويقال: أوحى إليه أنّ الجنّة محرّمة على الأنبياء حتى تدخلها، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتّك. والأولى أن يقال: هذا الذي قالوه كله حسن، وغيره مما لم يطّلع أحد.. كله أيضا كان له في تلك الليلة وحده إذ رقّاه إلى ما رقّاه، ولقّاه بما لقّاه، وأدناه حيث لا دنوّ قبله ولا بعده، وأخذه عنه حيث لا غير، وأصحاه له في عين ما محاه عنه، وقال له ما قال.. دون أن يطّلع أحد على ما كان بينهما من السّرّ «٣».
(١) كما نقول في أسلوبنا الآن (تعبيرا عن..)
(٢) هكذا في ص وهي أصوب مما جاء في م (أجمله إجمالا) بالجيم فالسياق يرفضهما.
(٣) هذه الفقرة الأخيرة محاولة من جانب أرباب الحقيقة لفهم بعض جوانب في قصة الإسراء والمعراج.
ومضمون كلام القشيري أننا لو كنا نستسيغ حدوث أحوال الكشوفات والمواصلات التي تتاح للأولياء العارفين..
فكيف لا نتقبلها بالنسبة للمصطفى عليه صلوات الله وسلامه؟ وبمعنى آخر: نجد التفسير الصوفي يبرز نفسه في قوة ونصاعة لتوضيح قضية من قضايا التدين، كانت موضع جدل في زمانها وبعد زمانها.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ١١]
ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١)
ما كذّب فؤاد محمد ﷺ ما رآه ببصره من الآيات. وكذلك يقال: رأى ربّه تلك الليلة على الوصف الذي علمه قبل أن يراه «١».
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ١٢]
أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢)
أفتجادلونه على ما يرى؟
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١٣ الى ١٥]
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥)
أي جبريل رأى الله مرة أخرى حين كان محمد عند سدرة المنتهى وهي شجرة في الجنة، وهي منتهى الملائكة، وقيل: تنتهى إليها أرواح الشهداء. ويقال: تنتهى إليها أرواح الخلق، ولا يعلم ما وراءها إلا الله تعالى- وعندها «جَنَّةُ الْمَأْوى» وهي جنة من الجنان.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ١٦]
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦)
يغشاها ما يغشاها من الملائكة ما الله أعلم به.
وفي خبر: يغشاها رفرف طير خضر.
ويقال: يغشاها فراش من ذهب.
(١) يقول القشيري في كتابه المعراج ص ٩٤: «واختلفوا في رؤية الله سبحانه ليلة المعراج فقالت عائشة رضى الله عنها: إن النبي (ص) لم ير ربّه ليلة المعراج، ومن زعم أن محمدا رأى ربّه ليلة المعراج فقد أعظم على الله الفرية. وقال ابن عباس: إن نبينا (ص) رأى ربّه ليلة المعراج.
ثم اختلفت الرواية عن ابن عباس ففى رواية أنه رآه بعين رأسه، وفي رواية أنه رآه بقلبه. وقال أهل التحقيق من أهل السّنّة: اختلافهم في هذه المسألة دليل على إجماعهم أن الحق سبحانه يجوز أن يرى لأنه لولا أنّهم كانوا متفقين على جواز الرؤية لم يكن لاختلافهم في الرؤية في تلك الليلة معنى.
وقد رويت في هذا الباب أخبار، والله أعلم بصحتها، فإن صحّ ذلك فلها وجوه من التأويل، من ذلك ماءروى أنه قال: «رأيت ربى في أحسن صورة»
- فهذا الخبر يحتمل وجوها منها: رأيت ربى وأنا في أحسن صورة يعنى في أكمل رتبة وأتم فضيلة، وأقوى ما كنت لم يصحبنى دهش، ولا رهقتنى حيرة.
ويمكن أن تكون الرؤية بمعنى العلم، أي رأيت من قدرة الله تعالى ودلائل حكمته، ولم يشغلنى شهود الصور عن ذكر المصوّر، بل رأيت الفاعل في الفعل.
وقيل: الصورة بمعنى الصفة، يقال: أرنى صورة هذا الأمر أي: صفته. و «فى» على معنى «على» أي رأيت ربى على أحسن صفة من جلالة وصفه وإفضاله معى.
ويقال: أعطى رسول الله (ص) عندها خواتيم البقرة، وغفر لمن مات من أمّته لا يشرك بالله شيئا.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ١٧]
ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧)
ما مال- صلوات الله عليه وسلامه- ببصره عمّا أبيح له من النظر إلى الآيات، والاعتبار بدلائلها.
فما جاوز حدّه، بل راعى شروط الأدب في الحضرة «١».
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ١٨]
لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨)
أي «الْآيَةَ» الكبرى، وحذف الآية.. وهي تلك التي رآها في هذه الليلة. ويقال:
هى بقاؤه في حال لقائه ربّه بوصف الصّحو، وحفظه حتى رآه «٢».
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١٩ الى ٢٢]
أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢)
هذه أصنام كانت العرب تعبدها فاللات صنم لثقيف، والعزّى شجرة لغطفان، ومناة صخرة لهذيل وخزاعة «٣».
ومعنى الآية: أخبرونا.. هل لهذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله من القدرة أن تفعل بعائذ بها ما فعلنا نحن لمحمد ﷺ من الرّتب والتخصيص؟.
(١) قال أبو يزيد البسطامي: حفظ النبي (ص) طرفه في المسرى، فما زاغ البصر وما طغى، لعلمه بما يؤهل له من المشاهدة، فلم يشاهد في ذلك شيئا، ولم ير طرفه أحدا، ثم لما ردّ إلى محل التأديب نظر إلى الجنة والنار، والأنبياء والملائكة للإخبار عنها، وتأديب الخلق بها فالمقام الأول مقام خصوص والمقام الثاني مقام عموم.
وقال رويم: لما أكرم عليه الصلاة والسلام بأعظم الشرف في المسرى عملت همّته عن الالتفات إلى الآيات والكرامات والجنة والنار فما زاغ البصر وما طغى أي ما أعار طرفه شيئا من الأكوان، ومن شاهد البحر استقلّ الأنهار والأودية.
(٢) سئل الشبلي: «كيف ثبت النبى (ص) فى المعراج للقاء والمخاطبة؟ فقال: إنه هيّىء لأمر فمكّن فيه» ويقارن القشيري في موضع آخر بين موسى عليه السلام إذ خرّ صعقا بمجرد سماع النداء وبين نبيّنا عليه الصلاة والسلام إذ ثبت في محل المشاهدة، ويضيف: إن موسى في حال التلوين، ومحمد في حال التمكين.
(٣) هذه الأصنام كلها مؤنثات.. وكانوا يقولون: إن الملائكة وهذه الأصنام بنات الله!
ثم وبّخهم فقال: أرأيتم كيف تختارون لأنفسكم البنين وتنسبون البنات إلى الله؟ تلك إذا قسمة ناقصة! قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ٢٣]
إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣)
أنتم ابتدعتم هذه الأسماء من غير أن يكون الله أمركم بهذا، أو أذن لكم به.
فأنتم تتبعون الظنّ، «وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً» «١» «وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى» : فأعرضوا عنه، وكما أنّ ظنّ الكفار أوجب لهم الجهل والحيرة والحكم بالخطأ- فكذلك في هذه الطريقة «٢» : من عرّج على أوصاف الظنّ لا يحظى «٣» بشىء من الحقيقة فليس في هذا الحديث إلا القطع والتحقّق، فنهارهم قد متع «٤»، وشمسهم قد طلعت، وعلومهم أكثرها صارت ضرورية.
أمّا الظنّ الجميل بالله فليس من هذا الباب، والتباس عاقبة الرجل عليه ليس «٥» أيضا من هذه الجملة ذات الظن المعلول في الله، وفي صفاته وأحكامه.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ٢٤]
أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (٢٤)
أي ليس «٦» للإنسان ما يتمنّاه فإنّه يتمنى طول الحياة والرفاهية وخصب العيش..
وما لا نهاية له، ولكنّ أحدا لا يبلغ ذلك بتمامه.
(١) آية ٢٨ في السورة نفسها.
(٢) يقصد طريقة الصوفية.
(٣) فى م (يخطىء) وهي خطأ في النسخ [.....]
(٤) فى ص (منع) بالنون وهي خطأ، فمتوع النهار من المصطلحات الصوفية التي زادها القشيري على (اللوائح والطوالع واللوامع) كما نوهنا من قبل.
(٥) هكذا في م وهي في ص (ليبين) وهي خطأ من الناسخ.
(٦) هى (أم) المنقطعة، ومعنى الهمزة فيها للإنكار، أي للإنسان- يعنى الكافر- ما تمنى من شفاعة الأصنام، وغير ذلك من التمني.
ويقال: ما يتمنّاه الإنسان أن يرتفع مراده واجبا في كل شىء- وأن يرتفع مراد عبد واجبا في كل شىء ليس من صفات الخلق بل هو لله، الذي له ما يشاء:
[سورة النجم (٥٣) : آية ٢٥]
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥)
له الآخرة والأولى خلقا وملكا، فهو الملك المالك صاحب الملك التام. فأمّا المخلوق فالنقص لازم للكلّ.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ٢٦]
وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦)
وهذا ردّ عليهم حيث قالوا: إنّ الملائكة شفعاؤنا عند الله «١».
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨)
هذه التّسمية من عندهم، وهم لا يتبعون فيها علما أو تحقيقا.. بل ظنّا- والظنّ لا يفيد شيئا.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠)
أي أعرض عمّن أعرض عن القرآن والإيمان به وتدبّر معانيه، ولم يرد إلا الحياة الدنيا.
(١) لا تنفع شفاعة أحد إلا إذا أذن الله.. فإذا كانت الملائكة مع كثرتها وقربها من الله لا تصلح الشفاعة إلا بإذن من الله- فكيف تصلح هذه الأصنام الشفاعة؟!
ذلك مبلغهم من العلم وإنما رضوا بالدنيا لأنهم لم يعلموا حديث الآخرة، وإنّ ربّك عليم بالضالّ، عليم بالمهتدي... وهو يجازى كلّا بما يستحق.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ٣١]
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١)
يجزى الذين أساءوا بالعقوبات، ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ٣٢]
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢)
الذنوب كلّها كبائر لأنها مخالفة لأمر الله، ولكنّ بعضها أكبر من بعض. ولا شىء أعظم من الشّرك. «وَالْفَواحِشَ» المعاصي.
«إِلَّا اللَّمَمَ» : تكلموا فيه، وقالوا: إنه استثناء منقطع، واللمم ليس بإثم ولا من جملة الفواحش.
ويقال: اللمم من جملة الفواحش ولكن فيها اشتباها- فأخبر أنه يغفرها.
ويقال: اللمم هو أن يأتى المرء ذلك ثم يقلع عنه بالتوبة.
وقال بعض السّلف: هو الوقعة من الزّنا تحصل مرة ثم لا يعود إليها، وكذلك شرب الخمر، والسرقة.. وغير ذلك، ثم لا يعود إليها.
ويقال: هو أن يهم بالزّلّة ثم لا يفعلها.
ويقال: هو النّظر. ويقال: ما لا حدّ عليه من المعاصي، وتكفّر عنه الصلوات.
(والأصحّ أنه استثناء منقطع وأن اللمم ليس من جملة المعاصي) «١».
قوله جل ذكره: إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى
(١) ما بين القوسين موجود في م وغير موجود في ص.
«إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» : يعنى خلق آدم.
ويقال: تزكية النّفس من علامات كون المرء محجوبا عن الله لأنّ المجذوب إلى الغاية والمستغرق في شهود ربّه لا يزكّى نفسه «١».
«هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى» : لأنه أعلم بكم منكم.
ويقال: من اعتقد أنّ على البسيطة أحدا شرّ منه فهو متكبّر.
ويقال: المسلم يجب أن يكون بحيث يرى كلّ مسلم خيرا منه فإن رأى شيخا، قال:
هو أكثر منّى طاعة وهو أفضل منّى، وإن رأى شابا قال: هو أفضل منى لأنه أقلّ منّى ذنبا.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤)
أعرض عن الحقّ، وتصدّق بالقليل. «وَأَكْدى» أي قطع عطاءه.
[سورة النجم (٥٣) : آية ٣٥]
أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥)
«فَهُوَ يَرى» : فهو يعلم صحّة ذلك. يقال: هو المنافق الذي يعين على الجهاد قليلا ثم يقطع ذلك:
«أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ» : فهو يرى حاله في الآخرة؟
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧).
(١) قارن ذلك بقول النسفي في ذكر المرء لطاعته: «.. وهذا إذا كان على سبيل الإعجاب أو الرياء لا على سبيل الاعتراف بالنعمة فإنه جائز لأن المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر» النسفي ج ٤ ص ١٩٨. ونظن أن في عبارة النسفي شيئا يستحق التصويب: فالأولى أن يقال: وهذا إذا كان على سبيل الاعتراف بالنعمة- لا على سبيل الإعجاب أو الرياء- فإنه جائز..
أم لم ينبّأ هذا الكافر بما في صحف موسى، وصحف إبراهيم الذي وفّى أي أتمّ ما طولب به في نفسه وماله وولده.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٣٨ الى ٤١]
أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١)
الناس في سعيهم مختلفون فمن كان سعيه في طلب الدنيا خسرت صفقته، ومن كان سعيه في طلب الجنة ربحت صفقته، ومن كان سعيه في رياضة نفسه وصل إلى رضوان الله، ومن كان سعيه في الإرادة شكر الله سعيه ثم هداه إلى نفسه.
وأمّا المذنب- فإذا كان سعيه في طلب غفرانه، وندم القلب على ما اسودّ من ديوانه، فسوف يجد من الله الثواب والقربة والكرامة والزلفة.
ومن كان سعيه في عدّ أنفاسه مع الله لا يعرّج على تقصير، ولا يفرّط في مأمور فسيرى جزاء سعيه مشكورا في الدنيا والآخرة، ثم يشكره بأن يخاطبه في ذلك المعنى بإسماعه كلامه من غير واسطة: عبدى، سعيك مشكور، عبدى، ذنبك مغفور.
«ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى» : هو الجزاء الأكبر والأجلّ، جزاء غير مقطوع ولا ممنوع.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ٤٢]
وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (٤٢)
إليه المرجع والمصير، فابتداء الأشياء من الله خلقا، وانتهاء الأشياء إلى الله مصيرا.
ويقال: إذا انتهى الكلام إلى الله تعالى فاسكتوا.
ويقال: إذا وصل العبد إلى معرفة الله فليس بعده شىء إلا ألطافا من مال أو منال أو تحقيق آمال أو أحوال.. يجريها على مراده- وهي حظوظ للعباد.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ٤٣]
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣)
أراد به الضحك والبكاء المتعارف عليهما بين الناس فهو الذي يجريه ويخلقه.
ويقال: أضحك الأرض بالنبات، وأبكى السماء بالمطر.
ويقال: أضحك أهل الجنة بالجنة، وأبكى أهل النار بالنار.
ويقال: أضحك المؤمن في الآخرة وأبكاه في الدنيا، وأضحك الكافر في الدنيا وأبكاه في الآخرة.
ويقال: أضحكهم في الظاهر، وأبكاهم بقلوبهم.
ويقال: أضحك المؤمن في الآخرة بغفرانه، وأبكى الكافر بهوانه.
ويقال: أضحك قلوب العارفين بالرضا، وأبكى عيونهم بخوف الفراق.
ويقال: أضحكهم برحمته، وأبكى الأعداء بسخطه.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ٤٤]
وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (٤٤)
أماته في الدنيا، وأحياه في القبر فالقبر إما للراحة وإما للإحساس بالعقوبة.
ويقال: أماته في الدنيا، وأحياه في الحشر.
ويقال: أمات نفوس الزاهدين بالمجاهدة، وأحيا قلوب العارفين بالمشاهدة.
ويقال: أمات نفوسهم بالمعاملات، وأحيا قلوبهم بالمواصلات.
ويقال: أماتها بالهيبة، وأحياها بالأنس.
ويقال: بالاستتار، والتجلّى.
ويقال: بالإعراض عنه، والإقبال عليه.
ويقال: بالطاعة، والمعصية.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ٤٥]
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٤٥)
سماهما زوجين لازدواجهما عند خلقهما من النّطفة.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ٤٨]
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (٤٨)
«أَغْنى» : أعطى الغنى، «أَقْنى» : أكثر القنية أي المال. وقيل «أَقْنى» :
أي أحوجه إلى المال- فعلى هذا يكون المعنى: أنه خلق الغنى والفقر.
ويقال: «أَقْنى» أي أرضاه بما أعطاه «١».
ويقال: «أَغْنى» أي أقنع، «وَأَقْنى» : أي أرضى.
[سورة النجم (٥٣) : آية ٤٩]
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (٤٩)
(الشّعرى: كوكب يطلع بعد الجوزاء في شدة الحر، وكانت خزاعة تعبدها فأعلم الله أنه ربّ معبودهم هذا) «٢».
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٥٠ الى ٥٢]
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (٥٠) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (٥٢)
عاد الأولى هم قوم هود، وعاد الأخرى هي إرم ذات العماد، كما أهلك ثمودا فما أبقى منهم أحدا. وأهلك من قبلهم قوم نوح الذين كانوا أظلم من غيرهم وأغوى لطول أعمارهم، وقوة أجسادهم.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]
وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (٥٣) فَغَشَّاها ما غَشَّى (٥٤)
أي المخسوف بها، وهي قرى قوم لوط، قلبها جبريل عليهم، فهى مقلوبة معكوسة.
وقوله: «أَهْوى» أي: أسقطها الله إلى الأرض بعد ما اقتلعها من أصلها، ثم عكسها وألقاها في الأرض، فغشاها ما غشاها من العذاب.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ٥٥]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (٥٥)
فبأى آلاء ربك- أيها الإنسان- تتشكك؟ وقد ذكر هذا بعد ما عدّ إنعامه عليهم وإحسانه إليهم.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : آية ٥٦]
هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦).
(١) أننى: من معانيها أرضى- كما ورد في أكثر المعاجم.
(٢) ما بين القوسين إضافة من جانبنا اعتمادا على كتب التفاسير، وهي غير موجودة في نص القشيري.
ولكننا أردنا إضافتها لنلفت النظر إلى خاطرة تراودنا.. أليس هناك ارتباط بين افتتاحية السورة «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى» وبين هذه النهاية؟. عابدون ومعبودون يهوون ويتساقطون ويهلكون... أبعد هذا أيها الإنسان تتشكك في أن هذا النذير صلوات الله عليه لم يأت بدعا؟!
هو محمد صلى الله عليه وسلم، أرسلناه نذيرا كما أرسلنا الرّسل الآخرين.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٥٧ الى ٥٨]
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (٥٨)
أي قربت القيامة. ولا يقدر أحد على إقامتها إلا الله، وإذا أقامها فلا يقدر أحد على ردّها وكشفها إلا الله.
ويقال: إذا قامت قيامة هذه الطائفة- اليوم- فليس لها كاشف غيره. وقيامتهم تقوم فى اليوم غير مرّة. نقوم بالهجر والنّوى والفراق.
قوله جل ذكره:
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٥٩ الى ٦١]
أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١)
أفمن هذا القرآن تعجبون، وتكونون في شكّ، وتستهزئون؟
[سورة النجم (٥٣) : آية ٦٢]
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)
: أي لاهون..
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا: فاسجدوا لله ولا تعبدوا سواه «١».
(١) عن الأسود بن يزيد عن عبد الله قال: «... فسجد رسول الله (ص) وسجد من خلفه إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافرا وهو أمية بن خلف» (البخاري ج ٣ ص ١٣٠).
Icon