ﰡ
قوله تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١)﴾
ذكر ابن عطية: نزولها، وأجاد الطيبي نفي بعضهم.
الزمخشري: فسأله عن العامل في إذا، فقال له: مقدر أي أقسم بالنجم إذا هوى، فقال له: فعل القسم حال، وإذا ظرف لما يستقبل فيتناقضان، فأجاب الزمخشري: بثلاثة أوجه:
الأول: أن العامل مضاف مقدر، أي وهوى النجم إذا هوى.
والثاني: أن تكون إذا مجرورة عن الزمان [كقولهم*]: أينك إذا احمر البسر، أي وقت احمراره.
والثالث: أن المستقبلات باعتبار علم الله تعالى كلها ماضية انتهى، الجواب الأول: يرد بعدم الفائدة والصواب، أن يقدروا حركة النجم إذا هوى، لأن الحركة أعم من الهوى، فحينئذ يكون، قوله تعالى: (إِذَا هَوَى)، مفيدا، وأما جوابه الثاني: يرد بأن الاستقبال في المثال يتصور بخلافه في الآية.
ولما ذكر [الآبذي*] في شرح الجزولية: أن إذا لَا يستعمل إلا في المقطوع بوقوع المعلوم وقت وقوعه، مثله في المثال المذكور، وأما الثالث: فيرد بالفرق بين علم الله تعالى بالشيء وبين وجود الشيء كما قالوا: في (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ) جعله ماضيا لتحققه، ثم قال: (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ)، وإنما الجواب بما قاله ابن مالك: في قوله تعالى: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُم)، أن إذا ظرف زمان لما مضى، لأن نزول الآية كان بعد وقوع ذلك في الوجود، فرد عليه: بأنه يلزمه التناقض فإن إذا ظرف لما مضى وانقطع، وفعل الحال مناقض للماضي المنقطع، فيجعل هنا إذا للحال كما جعلها ابن مالك للمعنى، وليس من القياس في اللغة.
قوله تعالى: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢)﴾
الزمخشري: الضلال ضد الهدى، والغي ضد الرشاد، انتهى، فيؤول الأمر إلى أنهما بمعنى واحد، وليس كذلك، فالصحيح ما فسره ابن عطية، فالضلال [نسيانه*] وغلطه، أي ما خبركم به عن الله فهو خبر صحيح، وليس بخبر غير منوي ولا مقصود بوجه، إذ لَا يفعل ذلك إلا مجنون، والغي أن يقصد الإخبار بشيء لَا مصلحة فيه ولا
قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)﴾
غير بلفظ المستقبل وما قبله بالمعنى، فالجواب: أنه إن كان المراد لزوم الشيء أو جعله كالثابت اللازم، أو المحقق الوقوع أتى به ماضيا، [أو بلفظ (أو) وما يراد به التصوير، والتحديد*] يؤتي به مضارعا إشارة إلى ثبوت الضلال وتحققه وتجدد النطق به مرة بعد مرة، لأن نفي الضلال ضده ثبوت الهداية، وهي لازمة مطلقا بخلاف النطق، فإنه تارة ينطق، وتارة [يسكت*].
قوله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)﴾
قيل: يدل على أنه عليه الصلاة والسلام، غير مجتهد، أجيب: بوجهين:
الأول: الضمير عائد على القرآن، وهو منحصر في الوحي لَا اجتهاد فيه.
والثاني: سلمنا عوده على جميع ما يأتي به من قرآن وغيره، [لكن عمله باجتهاده مستند*] إلى الوحي، لأنه أوحي إليه الإذن في العمل باجتهاد.
قوله تعالى: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥)﴾
إن قلت: هلا قيل: علمه العليم فهو أنسب من شديد القوى، لأن الكلام في العلم لَا في القوة، قلت: هو إشارة إلى أنه كلام معجز.
قوله تعالى: ﴿ذُو مِرَّةٍ... (٦)﴾
تأسيس لأن الوصف به [يفيد*] المبالغة والكثرة، حسبما ذكر عياض في الإكمال في حديث الوصية في قول سعد بن أبي وقاص: "وأَنَا [ذُو*] مَالٍ " فأفاد شديد القوى المبالغة في ذوات القوة، وأفاد ذو مرة المبالغة في عددها وكثرة آحادها.
قوله تعالى: (فَاسْتَوَى).
قوله تعالى: ﴿بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧)﴾
الزمخشري: هو أفق الشمس فملأ الأفق انتهى، يريد سمت الرأس، لكن عبارته قلقة.
قوله تعالى: ﴿دَنَا فَتَدَلَّى (٨)﴾
تدلى أخص من دنا لوجهين:
الأول: أن تدلى خاصة بالتحرك من فوق إلى أسفل، والدنو يكون بالهبوط وبالصعود، وفي سائر الجهات.
الثاني؛ أن التدلي في العرف إنما يكون لما هو قريب، [فلذا قدم الدنو*] على التدلي، أو أدنى قيل: بمعنى بل وأورد أنها للإضراب فهو إما إبطال أو انتقال، وكلاهما مشكل، فإن كلامه تعالى حق وصدق لَا إبطال فيه ولا انتقال، أجيب: بأن كلا الأمرين المنتقل عنه وإليه حق الإبطال بناء على ما يليق بالمقام على ما جرت به عادة العرب في تعاليها في نهاية الأوصاف.
قوله تعالى: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ... (١٠)﴾
في قوله سبحانه وتعالى (إِلَى عَبْدِهِ) إشارة إلى أن النبوة والرسالة محض تفضيل، وقوله تعالى: (مَا أَوْحَى)، مبالغة في الوحي فلذلك [أبهم*].
قوله تعالى: ﴿أَفَتُمَارُونَهُ... (١٢)﴾
لما تضمن الكلام السابق تحقيق وقوع الرؤية، أي هذا إنكار [لإنكار*] قريش ذلك.
فإن قلت: تمارونه من المماراة، والمفاعلة ما تكون إلا من الجانبين، فكيف تسلط الإنكار على الجانبين مع أنه عليه السلام محق؟ فالجواب: من وجهين:
الأول: أن الماضي منه مارى على وزن فاعل، وهذا الوزن البادئ فيه بالفعل هو الفاعل فتسلط الإنكار على ضمير الفاعل البادئ [بالمماراة*].
الثاني: الإنكار تسلط على مماراتهم فقط لأنها في الباطل، الفخر: أي ليس يزول يقينه، ويشكك بتشكيكم، ومن تيقن شيئا فقد يكون، بحيث لَا يزول يقينه بتشكيك
فإِن قلت: أو يجاب بأنه إشارة إلى ما ذكروا في القصة من أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كشف بصره، فرأى بيت المقدس، فكان يخبرهم بصفاته، وأحواله فيخبرهم حالة الرؤية، قيل ذلك: احتجاج منه وترجيح لصحة ما أخبرهم به من رؤية جبريل أو عمره لَا أنه هو عين ما أخبرهم به، أو يجاب بأنه للتصوير.
قوله تعالى: ﴿عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤)﴾
إن كان المرئي جبريل فواضح، وإن كان الله تعالى فالعندية راجعة للرائي لا للمرئي، وانتقد القرافي على الفخر ابن الخطيب في تسمية كتابه [المحصول*]، لأن فعله لا يتعدى إلا بحرف جر، ومثله [لا يتأتى*] منه اسم المفعول إلا مصحوبا بالمجرور، فكان يقول المحصول فيه، وجوابه أن ذلك في نظر الكلام، وأما في التسمية فيجوز لأنه يصح تسمية الإنسان ببعض الاسم، فأحرى أن يسمى باسم المفعول غير مصحوب بحرف الجر، كما سميت هذه الشجرة سدرة المنتهى، ولم يقل المنتهى إليها.
قوله تعالى: ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ... (١٦)﴾
ولم يقل: إذ يغشاها لئلا يتوهم عود الضمير إلى الجنة، ولأن البناء الظاهر لفخامته.
قوله تعالى: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧)﴾
الأول: أن عدم ذكرها يوهم ثبوت المعطوف.
الثاني: إفادة [نفيهما*] مجتمعين ومفترقين، كما قال السهيلي.
قوله (أَفَرَأَيْتُمُ... (١٩).. ، ابن عطية: هي من رؤية العين، أي أفأبصرتم، أبو حيان: أي أفعلتم، ومفعولها الأول (اللَّاتَ)، والثاني: (أَلَكُمُ الذكَرُ وَلَهُ الأنْثَى)، الطيبي: قال الزجاج: إن المعنى أخبروني عن اللات والعزى ومناة أهن كسائر المخلوقات، أو لهن [خصوصية*] انتهى، والمعطوف عليه بالفاء مقدر تقديره على قول الزجاج: أنظرتم وتأملتم فرأيتم اللات والعزى ومناة، أي فأخبروني عن هذه الجمادات، وعلى قول ابن عطية: أعرفتم ما دلت عليه هذه المخلوقات فأبصرتم اللات، الطيبي: والأخرى ليست تأنيث آخر، لأنه لَا يوصف بآخر إلا ما كان من جنس الأول في اللفظ، تقول: رأيت رجلا ورجلا آخر، وعالما وعالما آخر، ولا تقول: رأيت رجلا وثورا آخر، قال: هو مجازا لَا حقيقة.
قوله تعالى: ﴿تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢)﴾
أي اختصاصكم بالذكور، وإن كان قسمة فهي أفادت قسمة [جائرة*]، فإن قلت: ما أفادت إذا قلت الدلالة على الجزاء، فإن قلت: الجزاء من فعل المخاطب، كقولك لمن قال: [آتيك غدا*]: إذا أكرمك، فالجواب: من فعل المتكلم كقولك: لمن قال: آتيك إذا تجدني، قلت: وقد يكون الجزاء من فعل المتكلم، كقولك لمن قال: آتيك غدا [تصب*] خيرا، وكذلك هنا جوزوا على فعلهم بالتهديد [... ] بأنها قسمة ضيزى. فإِن قلت: هذا كما يقول ابن الحاجب: مسلكان على [الشرك*] فقبح عليهم [نسبتهم*] الأولاد إلى الله، ثم على [فرض*] تسليم ذلك جدلا، فإنما حقهم كان أن ينسبوا إليه الأشرف لَا الأدنى. قوله: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ... (٢٣).. ، قالوا: يحتمل أن يعود الضمير على مجرد الأسماء المتقدمة، أو عليها من حيث مدلولاتها، فالمعنى أن هذه
قوله تعالى: (وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ).
لم يقل: [وما تهوى أنفسهم*]، إشارة إلى اتباعهم هوى نفوسهم ونفوس آبائهم، كما قال تعالى (سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ)، وهذا أشد عليهم وأشنع.
قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى).
ذمنهم على اتباعهم هواهم مع وجود الهادي لهم، وهو أقبح من اتباع الهوى حالة عدم المرشد إلى الحق.
قوله تعالى: ﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (٢٤)﴾
ابن عطية: معطوف على (وما تهوى الأنفس)، وقوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ)، اعتراض. انتهى، بل هو معطوف على (ولقد جاءهم)، والمعنى بل يتبع الإنسان أمنيته مع وجود الوازع والهادي له إلى الحق.
قوله تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ... (٢٦)﴾
وجه مناسبتها أنها رد على الكفار في اتخاذهم الأصنام، وقولهم: (هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)، فقيل: إن الملائكة من أشرف المخلوقات، ومع هذا فلا تغني شفاعتهم شيئا، إلا بإذن الله، فمفهومها إذن بعضهم يشفعون، وتغني شفاعتهم، والثابت في نفس الأمر أنه لَا يغني شفاعة أحد من الملائكة بوجه فهلا قيل: وكل الملائكة لَا تغني شفاعتهم، فهو أبلغ، وأجاب: بأن المقصود الرد عليهم في قولهم: هذه الأصنام تشفع، وذلك يحصل ببيان أن ملكا من الملائكة لَا تقبل شفاعته، فاكتفى بذلك، ولم يقل ما منهم أحد، لأنه أقرب إلى المنازعة فيه، من قوله كثير، مع أن المقصود حاصل به. انتهى هذا السؤال، إنما يرد إذا جعلنا الإذن في قوله (إِلَّا مِنْ
قوله تعالى: (لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى).
راجح للشافع والمشفوع فيه، [ويرجع*] لمعنى الكلام والإرادة، فالإذن الكلام والرضى للإرادة، وقال ابن العربي: المشيئة مرادفة للرضى والإرادة، وأفاد من بعد أول أزمنة العبودية فيقتضي شدة [امتثالهم*] وسرعة مبادرتهم بنفس الإذن، لأنك إذا قلت: جاء زيد بعد عمرو يحتمل أن يكون بينهما مهلة طويلة أو قصيرة، فإذا قلت: جاء زيد من بعد عمرو فالمعنى جاء عقبه في أول أزمنة البعدية، الزمخشري: يعني أن الملائكة لو شفعوا بأجمعهم لأحد لن تغني شفاعتهم عنه شيئا، إلا إذا شفعوا من بعد أن يأذن لهم في الشفاعة لمن يشاء ويرضاه أهلا لمن يشفع له، فكيف تشفع الأصنام إليه لعبدتهم؟ انتهى، هذا الاعتزال فيه؛ بل هو موجبه [حمل*] السني على مذهبه، فالشفاعة عند المعتزلي في تعجيل الحساب وعلو الدرجات في الجنة به، وعندنا يجيء فيهما وفي خروج طائفة من النار.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ... (٢٧)﴾
أكد بـ (إِنَّ) مع أنهم لَا يخالفون في صدور ذلك منهم، لأنهم لما وردت الآية للإنكار عليهم والتقبيح لفعلهم، فهم معرض الإنكار لذلك، وقال: (لَا يُؤْمِنُونَ)، ولم يقل: يؤمنوا إشارة إلى أن هذا الوعيد إنما يتناول من ختم عليه بالكفر منهم.
قوله تعالى: (تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى).
لم يقل: يسمون الملائكة إناثا؛ لأنهم ما سموهم إناثا، وإنما سموهم بأسماء الإناث، فقالو هم بنات الله.
قوله تعالى: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ... (٢٨)﴾.. أي الظن الباطل، (وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا).
أي لَا يكفي الظن في الأمور الاعتقادية العلمية، ابن التلمساني: النظر والاستدلال في الأمور الاعتقادية فرض [كفاية*] ونحوه، ونقل المسيلي في التذكرة عن الغزالي: وفي كلام الغزالي في الاقتصاد ما يدل عليه، وقال الإسفراييني، وابن العربي، والباجي: إن النظر فرض عين على كل، واختلف هؤلاء فالأكثرون على أنه ليس [يشترط*] في الصحة
قوله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا... (٣١)﴾
إن قلت: لم عدل عن المطابقة، فلم يقل: ليجزي الذي أساءوا بإساءتهم.
كما قال تعالى (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)، قلت: لأن العمل أعم من الإساءة، وتعليق الحكم بالعقوبة على الأعم أبلغ من تعليقه على الأخص، بخلاف الثواب؛ لأن الإساءة المطلوب نفيها، فكان ذلك من باب النفي، والإحسان المطلوب ثبوته، فصار ذلك من باب الثبوت، وإلا بلغ استعمال الأعم في النفي، والأخص في الثبوت، ويجاب أيضا: بأن السيئات مذمومة شرعا، فكره إعادتها بلفظ الخاص بها، وأعيدت باللفظ الأعم، والحسنات مندوب إليها، فاستعملت بأخص لفظها، ابن عطية: راجح لقوله (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ)، الآية، وما بينهما اعتراض. انتهى، ووجه إفادة تحقيق [المجازاة*] إنما هي ممن هو مالك لجميع الأشياء، فينتصف من الظالم للمظلوم، ولا يعجزه شيء، والذين أساءوا مخصوص بالصغائر، لأنها مغفورة باجتناب الكبائر، ومخصوص بالتوبة من الكبائر، ومخصوص بالكافر يسلم، أو نقول إنه غير مخصوص، بل يتناول هذه الأشياء عموم قوله تعالى: (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)، ومن مجازاتهم بالحسنى مغفرة الكفر وذنوب الكبائر بالتوبة والصغائر باجتناب الكبائر، فإن قلت: عبر عن إحسان الذين أحسنوا بالفعل الماضي، وحين فسر بقوله (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ) عبر بالمضارع، قلت: المراد بالدوام على الإحسان وتجدده وعدم انقطاعه، والإحسان من قبل المشكك أعلاه في الحديث "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ" وأوسطه ما في الآية.
قوله تعالى: ﴿وَالْفَوَاحِشَ... (٣٢)﴾
قوله تعالى: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ).
وجه مناسبتها لما قبلها أن الواحد منا في الشاهد إذا عفى عن ظالمه، فإِنما يعفوا عنه عالما بجهله بحقيقة ما فعل، ولو تحقق ذلك لما عفى عنه، فأشار إلى أنه تعالى واسع المغفرة، مع كمال علمه بحقائق الأمور، وتفاصيلها، وأعلم هي على بابها من المشاركة، أو هما متباينان، فإِن قلت: [إذ أنشأكم*] معمول (أعلم) ولا مشاركة حينئذ، قلت: الملائكة يتشاركون، فإن قلت: كيف والملائكة تقول: أي رب مضغة، أي رب علقة، أما الرزق ما الأجل وشقي، أو سعيد، وذكر أو أنثى، قلت: كل علم إنما هو [بخلق الله تعالى*]، فالملك يسأله ويعلمه حينئذ.
قوله تعالى: (فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ).
إفادة الإشارة إلى تطور الخلق بعد آدم في الأرحام، وفيه مبالغة في تعلق علم الله بالخفي، فإن قلت: هلا علق علمه تعالى في الظهور فهو أخفى، وقال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)، وهي حالة لم [يدَّعِ أحدٌ*] مشاركة في العلم؛ بخلاف حالة كون الإنسان في بطن أمه، فإن بعض أهل [العلم*] يزعم أنه يعلم كونه ذكرا أو أنثى، ويعلم هيئته التي هو عليها، والجنين [**ما يصير] في البطن حتى يكون في الظهر، قلت: أخبر عن تعليق علم الله تعالى بحالة ابتداء الإنسان، ولتلك الحالة ثلاثة أمور: حالة الإنشاء، وحالة كون النطفة، وحالة انتقالها إلى البطن، فأخبر بتعليق علمه بأول ابتداء وآخره، ليفيد عموم التعلق بما بينهما [كقولهم*]: مطرنا السهل والجبل، لَا فائدة إلى الإحاطة.
قوله تعالى: (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ).
استثنوا منها التعديل، قالوا: وينبغي للإنسان أن يخبر نفسه، وذكروا الخلاف في التزكية، هل تكون في السر والعلانية؟ أو في السر فقط؟ أو في العلانية فقط؟ قال: في كتاب الأقضية من المدونة ولا [يقضي*] بشهادة الشهود حتى يسئل عنهم في السر أو
قوله تعالى: (بِمَنِ اتَّقَى).
لم يقل: بالأتقى؛ ليفيد عموم التعلق بحصول [من*] حصل مطلق التقوى، وفي الآية إيماء إلى الإنسان لَا ينبغي له أن يظهر نفسه بين يدي [من هو أعلم منه*].
قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣)﴾
بمعنى أخبرني، وتقدير المعطوف أعلمت الذي تولى، فأخبرني عن حاله، والهمزة للتنبيه أو للاستفهام حقيقة، لأنه في حق الله تعالى محال، وقيل: نعت لمصدر محذوف، المفعول محذوف ويترجح الأول [... ]، لأن المصدر كونه نعتا للمفعول، بأنه يلزم من كون المعطي قليلا كون الإعطاء قليلا ولا ينعكس، لأنه قد يعطي الشيء الكثير في مرة واحدة، قلت: هذا مقابل بعكسه، لأنه يعطي الشيء القليل في مرات متعددة، وعبر بالأكثر تشبيها بحال البهيمة التي منعتها كدا الأرض من المشي، وأضرت بحافرها.
قوله تعالى: ﴿أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ... (٣٥)﴾
أي أعند المحتمل عليه؟ وهو الذي أعطى القليل وأكد في المحتمل، وهو الذي أخذ القليل، أي أعلم الغيب فتيقن أن ذلك محمل عنه إثم كفره وردته، يغني عنه وينفعه تحمله، قال ابن فورك: والغيب هو العلم النظري الذي لم ينصب عليه دليل، وأما العلم الضروري، أو النظري الذي ينصب عليه دليل فليس بغيب.
قوله تعالى: (فَهُوَ يَرَى).
[الرؤية*] تحتمل أن يكون علمية، أو بصرية، فمعنى العلمية عنده طرف الغيب وأسبابه؛ فهو يعلم الغيب، كما علمه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الوحي وغيره، ومعنى البصرية فهو تيقن الغيب وتبصره وشاهده، فإن قلت: هذا أمر أخروي مستقبل ليس بحاصل في الحال، قيل: المراد التنبيه على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله
قوله تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦)﴾
قال الحريري: أم هنا مظنة؛ لأنها لأحد الشيئين، لأنه ليس عنده علم الغيب، لكنه أُخبر بما في صحف موسى، إما على لسان نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم إشارة أو تصريحا، أو لما أمره نبينا لزمه حكم ما في شريعة موسى وغيره، لأن من لوازم الإنكار أن يكون ذلك تبييناً لما في صحف موسى، انتهى، هو قولك: إذ [... ] ذو خصومة، في أنها واقعة في غير محلها.
قوله تعالى: ﴿مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ... (٣٧)﴾
قوله تعالى: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨)﴾
ابن عطية: [وأنث الوازرة؛ إما لأنه أراد النفس وإما أراد المبالغة كعلامة ونسابة وما جرى مجراها*]. انتهى.
فإن قلت: على أن الثناء للمبالغة، يرد السؤال لأنه لَا يلزم من عدم حمل النفس الثقيلة وزر غيرها، عدم حمل النفس [الخفيفة*] وزر غيرها، قلت: هذا مشترك الإلزام في عدم المبالغة أيضا، لأنه لَا يلزم من كون النفس المتصفة بمطلق وزر عين الغير، عدم حمل النفس التي لَا وزر لها، الوزر عن الغير، وجوابك عنه جوابنا نحن، والجواب عن السؤالين، أن تقول: المفهوم في الآية مفهوم موافقة، وهو أن حمل الوزر على قسمين: حمل تكليفي، وحمل اختياري، [فلا يلزم السؤال*] إلا لو كان الحمل في الآية تكليفيا، وإنما هو في الآية اختياري، ولا شك أنه إذا كانت النفس المذمومة ذات الأوزار غير متمكنة من فعل ما تريد من حمل الوزر عن الغير، مع حقارتها وذمها، وكونها أهلا لذلك، فأحرى أن لَا تتمكن منه النفس الشريفة التي لَا وزر لها بوجه، ابن عطية: قال عكرمة: كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى، وأما هذه
الأول: أنه أنكر على عثمان اتباعه لعبد الله بن أبي سرح في أمر هو باطل في شريعتهم. الثاني: أن الأصل عدم النسخ، وأن شرع من قبلنا شرع لنا، حتى يرد ما ينسخه. ووزر وأخرى مفعول لَا مصدر لئلا يلزم عليه تحصيل الحاصل، إذ لَا يصح أن يقال: لا تقوم قيام زيدا، ولا يقوم أحد قيام أحد، ولا يفعل أحد فعل أحد، فالمعنى أن ذنب كل واحد لَا يحمله عنه غيره، وأن لَا تزر جعلوه مبتدأ [مضمرا*]، أي هو أن لَا تزر، والظاهر أنه مبتدأ [وخبره مجرور*]، وتقديره منه أن لَا تزر؛ لأن ذلك ليس هو كل ما في صحف موسى بل بعضه، فيحتاج أن يكون عاما مخصوصا، أو عموما على جهة المجاز، وعلى ما قلناه لَا يحتاج إلى ذلك، الزمخشري: فإن قلت: أما صح في الأخبار الصدقة عن الميت، والحج عنه وله ثوابه؟ قلت: فيه جوابان:
أحدهما: أن يسعى غيره لما لَا ينفعه إلا على سعي نفسه، وهو أن يكون مؤمنا صالحا، ولذلك الثواب كان سعي غيره كأنه سعي نفسه، لكونه تسبب في ذلك بالإيمان.
الثاني: أن سعي غيره لَا ينفعه إذا عمله لنفسه، ولكن إذا نواه به فهو [بحكم الشرع*] كالنائب عنه، والوكيل القائم مقامه انتهى، الأول: حسن، والثاني: غير صحيح، لأنه إذا تصدق نوى به الغير.
قوله تعالى: ﴿سَوْفَ يُرَى (٤٠)﴾
الفاعل المحذوف، إما ضمير عائد إلى الله تعالى، أو على الإنسان، فإن قلت: على أنه الإنسان يحتاج إلى إضمار مضاف إلى سوف يرى، هو آخر سعيه، قلت: لا يحتاج لهذا إلا على مذهب المعتزلة، وأما على مذهب أهل السنة، فهو يرى سعيه
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (٤١)﴾
[الأوفي عام*] في الثواب والعقاب، فيجب تخصيصه عندنا [بالمشيئة، أي إن شاء، لأن العاصي عندنا في المشيئة*]؛ خلافا لمن يقول: بوجوب إنفاذ الوعيد.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢)﴾
تقديم المجرور للاهتمام وللحصر لحصوله مع عدم تقديمه، لأن ابن هشام في شرح الإيضاح وغيره: نصوا على أن المبتدأ لَا يكون إلا أخص من الخبر، أو مساويا له، ويكون أعم منه بوجه، ولذلك قالوا في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ"، أن التكبير مبتدأ وتحليلها خبره، لأنه أعم منه، والمنتهى هنا ليس إلا [لله*] ولا يتوهم أنه لغيره، وهو أخص أو مساو فهو المبتدأ أو المبتدأ انحصر في الخبر، وذكروا الخلاف في المضمرات، هل هي كلية أو جزئية، واختاروا أن ضمير المتكلم والمخاطب جزئيان، قال ابن مالك: فإن أريد بالمضمر الشيوع، أو كان الكلام يدل عليه، فهو كلي. انتهى، وبهذا [فإنه*] يصلح أن يقال: الكل مخاطب (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى)، واستعمال لفظ الرب هنا تغليبا لجانب الرحمة والإحسان.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (٤٣)﴾
هذا وما بعده تفسير، لقوله (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى)، لأن ذلك لما تضمن افتقار الجميع إليه بيَّن أحوال المفتقرين العارضة لهم، وهي إما خاصة كالضحك والبكاء، وعرض عام كالموت والإحياء، أو لازم للماهية كالخلق المخلوق، ما دام مخلوقا، وقدم الضحك تغليبا لجانب الرحمة، ويحتمل أن يريد بالضحك والبكاء حقيقتهما، ومطلق [الحزن*] من باب حالة الالتزام أو هو مجاز على سبيل الاستعارة، الزمخشري: أي خلق القوة على الضحك والبكاء انتهى، إن قلت: هذا اعتزال بناء على مذهبه، في أن العبد يخلق أفعاله، وهو يوافقنا في الداعي أنه خلق الله، قلت: عادة الشيوخ أنهم [لا*] يحملون على الاعتزال، إلا ما منع فيه، وأما المحتمل الذي يوجهه السني على مذهبه والمعتزل على مذهبه، فلا، وهذا منه، بل فسر الزمخشري أولى، لأن الآية حينئذ تكون عامة تتناول ما إذا كان الإنسان غير ضاحك ولا باك، ووجود الضحك عند التعجب، والبكاء عند الحزن، [فنقول نحن*]: إنه أمر عادي خلقه الله تعالى عند ذلك لَا به، وتقول المعتزلة: إنه أمر عادي من قبل العبد وطبعه.
يدل على الموت أمر وجودي، وهو مذهبنا خلافا للمعتزلة، وهذا بناء على أن العدم الإضافي لَا يصح كونه أثراً للقدرة، وأما على القول بصحة [كونه*] أثرا لها، فلا يتم الاحتجاج بالآية، وإنما يتم الاحتجاج بقوله تعالى: (خَلَقَ الْمَوْتَ)، لأن خلق لَا يتعلق إلا بالوجود.
وقال الفخر: في الكلام تقديم وتأخير، أي أحيا وأمات، ولا يحتاج إليه، لأن الواو لَا ترتب، وقدم الموت مع أنه هو لم [يخالف*] ما سبق من تقديم الملائم، إما لرءوس الآي، وإما لأن الدنيا سجن للمؤمن، والخطاب للمؤمنين، فهو ملائم.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ... (٤٥)﴾
السهيلي: لم يؤت في هذه بضمير الفصل كما أتى به فيما قبلها، لأن بعض الجهال قد نسب تلك الأفعال لغير الله تعالى، كقول النمرود (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، وأما هذا فلم يدعه أحد. انتهى، تقريره أنه سلك في الآية المتقدمة طريق الحصر بالبناء على المضمر، فقال: وأنه هو كذا، ولم يفعل ذلك هنا، والجواب: أنه لما وقع الخلاف بين النَّاس في مدلول تلك الآيات، فالمعتزلة يقولون: إن العبد يخلق أفعاله، فيخلق الضحك والبكاء، وفرقة أخرى ينكرون الآخرة والبعث، وفرقة أخرى قالوا: ما يهلكنا إلا الدهر، وأنكروا أن الموت والحياة مخلوقان لله تعالى، [احتيج*] في ذلك لأداة الحصر، بخلاف خلق الذكر والأنثى، فإنه لم يخالف فيه أحد، والحاصل أن الآيات المتقدمة مجرد دعوى مقرونة بدليلها، وهو خلق الضدين الذكر والأنثى، إذ لم يخالف أحد في الجمع بين الضدين، أنه ليس من فعل العبد بوجه، حسبما قال الضرير في نظمه: "ورد قول الطبعي الجاحد" بقوله [(تُمْنَى) *]، واحد؛ ولذلك خلق الله تغير الضدين الذكر والأنثى من نطفة واحدة، إذا تمنى، فإن قلت: وله كذا الضحك والبكاء ضدان، وقد جمع بينهما في آن واحد، قلت: فرق بين الجمع بين الصفات، وبين الجمع بينهما في الذوات، فالأول: أخف يمكن أن يدعى بخلاف الثاني، فإنه أضعف فما يلزم من دعوى ذلك في الصفات، ودعواه في الذوات، وخلق هنا ماضٍ بمعنى المستقبل، لأن إذا لما يستقبل. الآية عامة مخصوصة بآدم، وحواء، وعيسى عليهم السلام.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (٤٧)﴾
قوله تعالى: ﴿أَغْنَى وَأَقْنَى (٤٨)﴾
قيل: الغنى وجود والفقر عدم، والعدم سابق على الوجود، فلم أخر في اللفظ؟
أجيب: بأن الغنى هي الحالة التي يدعي فيها الفعل، وأما الفقر فلم يدع أحد أنه من فعله.
قوله تعالى: ﴿وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (٥١)﴾
أي فما أبقى لهم باقية، [إن*] كان من عطف المفردات فيعود إلى الكل، وإن كان من الجمل فيدخله الخلاف في القيود والصفات، إذا تعقبت جملا، هل يرجع إلى الكل، أو إلى الأخيرة، [وحكوا*] عن الحجاج أنه عبر بكونه [ثقفيا*]، وثقيف من ثمود، فاحتج بهذه الآية الدالة على أن ثمودا استؤصلوا ولم يبق منهم باقية، ووجه الدليل أنه إن كان ثمود كلهم كفارا، فكلهم مهلكون بمقتضى هذه الآية، فلا عقب لهم، وإن كان بعضهم مسلمين، وقد أهلك الكفار [وفثقيف من [... ] المسلمين، فلا معرة عليه في كونه ثقفيًّا، فان قلت: لم قدم [عادًا*] على ثمود على قوم نوح مع تأخرهم عليهم في الزمان؟ قلت: إنهم أقرب باعتبار بقاء آثارهم، قال تعالى (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بمَا ظَلَمُوا).
قوله تعالى: ﴿أَظْلَمَ وَأَطْغَى (٥٢)﴾
قيل: المناسب في باب العقوبة تعليق الحكم بالوصف الأعم [فلم*] علقه هنا بالأخص، وهو [**مسلما أظلم] ولا يلزم من كون الاتصاف بالأخص سببا في العقوبة؛ كون الاتصاف بالأعم لذلك لعدم المساواة، وهل عطف الطغيان على الظلم من عطف الأخص على الأعم؟ أو العكس، وهل الظلم تجاوز الحد إلى الغير؟ والطغيان مطلق التجاوز، أو الظلم يصدق على تعدي الحدود [ولزوم*] الطغيان إنما يصدق فيما كثر من ذلك، وكون قوم نوح أظلم باعتبار ابتدائهم الظلم، لأنهم أول من كفر برسوله.
قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (٥٣)﴾
الائتفاك قلب الإناء أعم من أن يكون من فوق إلى أسفل، أو مع بقائه على سطح الأرض، [فقوله*]: (أَهْوَى)، إشارة إلى أن [مدائن*] لوط من فوق إلى أسفل، وهو لازم لارتفاعها عن سطح الأرض بين القلب.
قوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (٥٥)﴾
قوله تعالى: ﴿أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧)﴾
سماه قوم كالسكاكي، وغيره [جناسًا للمشابهة*]، فإِن قلت: [ظاهره*] تحصيل الحاصل، لأن المعنى قريب القريبة فالجواب: أن الألف واللام في الآزفة للعهد، أي قريب الحالة الموسود المعبر عنها في هذا الكتاب، وفي غيره بالقريبة، وهي الساعة.
قوله تعالى: ﴿كَاشِفَةٌ (٥٨)﴾
أي نفس كاشفة أو قدرة كاشفة، وهذا الكشف بوجهين:
إما المبين لوقتها، وهو [راجع لباب المعلم والمزيل لها، وهو راجع لباب القدرة*].
قوله تعالى: ﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ... (٥٩)﴾
ولم يقل: أفمن هذا القرآن؟ [لأن*] نفس القرآن يلزم الإعجاز، ولفظ الحديث لا يلزمه، فإذا وبخوا على تعجبهم منه لَا مع استحضار كونه قرآنا فأحرى أن يوبخوا في تعجبهم منه مع استحضار ذلك، أي لو قدرنا أنه كسائر الحديث الذي يتكلمون به فمنكم عدم التعجب منه، فأحرى أن لَا يتعجبون منه، وهو مباين [لجنس كلامهم*]، ولذلك أورد الفخر في المحصول في شبهاته سؤالا فقال: القرآن حديث، وكل حديث هو كذا، فالقرآن كذا،... (٦٠).. وقدم التعجب على الضحك، لأن التعجب أعم، قد يكون معه ضحك وقد لَا، وفي الآية سؤلان:
الأول: الضحك سبب عن التعجب، فكان الأصل أن يقرن [بالفاء*]، وجوابه: أن السببية إذا كانت عليه لم يحتج لذلك.
الثاني: توبيخهم إما أن يكون على المجموع، أو على كل فرد فرد، فإِن كان المراد الثاني لزم عليه تناول التوبيخ لمن قرأ القرآن، ولم يبك ولا تباكى وليس كذلك، قال (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا)، ولم يقل: وابكوا، [وإن*] كان الأول لزم التكرار، وجوابه: أن يكون [وَلَا تَبْكُونَ*] حالا من قوله (وَتَضْحَكُونَ)، فإِن قلت: يلزمك [تحصيل الحاصل*]، لأن الضحك مناف للبكاء، فالجواب من وجهين:
الثاني: أنه تنبيه على البكاء، مطلوب منكم أنكم [إذا سمعتم القرآن فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا*].
قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (٦١)﴾
ليس بتكرار؛ بل هو استئناف، أي: وأنتم من شأنكم ودينكم أنكم سامدون
* * *