تفسير سورة النجم

تفسير ابن جزي
تفسير سورة سورة النجم من كتاب التسهيل لعلوم التنزيل المعروف بـتفسير ابن جزي .
لمؤلفه ابن جُزَيِّ . المتوفي سنة 741 هـ
سورة النجم
مكية إلا آية ٣٢ فمدنية وآياتها ٦٢ نزلت بعد الإخلاص

سورة النجم
مكية إلا آية ٣٢ فمدنية وآياتها ٦٢ نزلت بعد الإخلاص بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة النجم) وَالنَّجْمِ إِذا هَوى فيه ثلاثة أقوال: أحدها أنها الثريا لأنها غلب عليها التسمية بالنجم، ومعنى هوى غرب وانتثر يوم القيامة، الثاني أنه جنس النجوم، ومعنى هوى كما ذكرنا، أو انقضت ترجم الشياطين. الثالث أنه من نجوم القرآن، وهو الجملة التي تنزل، وهوى على هذا معناه نزل ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى هذا جواب القسم، والخطاب لقريش، وصاحبكم هو النبي صلى الله عليه وسلم، فنفى عنه الضلال والغيّ، والفرق بينهما: أن الضلال بغير قصد، والغيّ بقصد وتكسب وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى أي ليس يتكلم بهواه وشهوته، إنما يتكلم بما يوحي الله إليه إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى يعني القرآن عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ضمير المفعول للقرآن أو للنبي صلى الله عليه وسلم، والشديد القوى: جبريل، وقيل: الله تعالى، والأول أرجح لقوله: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ [التكوير: ٢٠] والقوى جمع: قوة ذُو مِرَّةٍ أي ذو قوّة، وقيل: ذو هيئة حسنة، والأول هو الصحيح في اللغة فَاسْتَوى أي استوى جبريل في الجو إذ رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ب [غار] حراء، وقيل: معنى استوى: ظهر في صورته على ستمائة جناح، قد سدّ الأفق بخلاف ما كان يتمثل به من الصور إذا نزل بالوحي، وكان غالبا ما ينزل في صورة الصحابي دحية الكلبي وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى الضمير لجبريل وقيل: لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم والأول أصح ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى الضميران لجبريل أي دنا من سيدنا محمد ﷺ فتدلّى في الهواء، وهو عند بعضهم من المقلوب تقديره: فتدلى فدنا.
فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى القاب: مقدار المسافة، أي كان جبريل من سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام في القرب بمقدار قوسين عربيتين، ومعناه من طرف العود إلى الطرف الآخر، وقيل: من الوتر إلى العود، وقيل: ليس القوس التي يرمى بها، وإنما هي ذراع تقاس بها المقادير ذكره الثعلبي. وقال: إنه من لغة أهل الحجاز، وتقدير الكلام:
فكان مقدار مسافة جبريل من سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام مثل قاب قوسين. ثم
316
حذفت هذه المضافات، ومعنى أو أدنى أو أقرب وأو هنا مثل قوله: أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات: ١٤٧] وأشبه التأويلات فيها أنه إذا نظر إليه البشر احتمل عنده أن يكون قاب قوسين أو يكون أدنى، وهذا الذي ذكرنا أن هذه الضمائر المتقدمة لجبريل هو الصحيح، وقد ورد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح، وقيل: إنها لله تعالى، وهذا القول يردّ عليه الحديث والعقل، إذ يجب تنزيه الله تعالى عن تلك الأوصاف من الدنو والتدلي وغير ذلك فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
في هذه الضمائر ثلاثة أقوال: الأول أن المعنى أوحى الله إلى عبده محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما أوحى.
الثاني أوحى الله إلى عبده جبريل ما أوحى، وعاد الضمير على الله في القولين، لأن سياق الكلام يقتضي ذلك وإن لم يتقدم ذكره، فهو كقوله: إنا أنزلناه في ليلة القدر. الثالث أوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى، وفي قوله: ما أوحى إبهام مراد يقتضي التفخيم والتعظيم ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى «١» أي ما كذب فؤاد محمد ﷺ ما رآه بعينه، بل صدق بقلبه أن الذي رآه بعينه حق، والذي رأى هو جبريل، يعني حين رآه بمقدار ملأ الأفق، وقيل: رأى ملكوت السموات والأرض، والأول أرجح لقوله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى وقيل: الذي رآه هو الله تعالى، وقد أنكرت «٢» ذلك عائشة، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنّى أراه؟ «٣» أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى «٤» هذا خطاب لقريش، والمعنى أتجادلونه على ما يرى، وكانت قريش قد كذبت لما قال إنه رأى ما رأى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى أي لقد رأى محمد جبريل عليهما الصلاة والسلام مرة أخرى وهو ليلة الإسراء، وقيل: ضمير المفعول لله تعالى، وأنكرت ذلك عائشة، وقالت: من زعم أن محمدا رأى ربه ليلة الإسراء فقد أعظم الفرية على الله تعالى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى «٥» هي شجرة في السماء السابعة قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ثمرتها كالقلال وورقها كآذان الفيلة، وسميت سدرة المنتهى لأن إليها ينتهي علم كل عالم، ولا يعلم ما وراءها إلا الله تعالى.
وقيل: سميت بذلك لأن ما نزل من أمر الله يلتقي عندها، فلا يتجاوزها ملائكة العلو إلى أسفل، ولا يتجاوزها ملائكة السفل إلى أعلى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى يعني أن الجنة التي
(١). قرأ هشام عن ابن عامر: ما كذّب الفؤاد. وقرأ الباقون بالتخفيف: ما كذب.
(٢). روى الترمذي في كتاب التفسير (٦) ص ٢٦٢ ج ٥ عن عائشة قالت: ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله العزية: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم العزية على الله والله يقول: لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير.. إلخ. [.....]
(٣). رواه مسلم عن أبي ذر ج ١/ ١٦١ كتاب الإيمان.
(٤). أفتمارونه على ما يرى: قرأها حمزة والكسائي أفتمرونه: بدون ألف والباقون بالألف.
(٥). ورد الحديث عن سدرة المنتهى في البخاري كتاب مناقب الأنصار ص ٢٤٨ ج ٤.
317
وعدها الله عباده هي عند سدرة المنتهى، وقيل: هي جنة أخرى تأوي إليها أرواح الشهداء، والأول أظهر وأشهر
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى فيه إبهام لقصد التعظيم، قال ابن مسعود: غشيها فراش من ذهب، وقيل: كثرة الملائكة، وفي الحديث أن رسول الله ﷺ قال: فغشيها ألوان لا أدري ما هي، وهذا أولى أن تفسر به الآية ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى أي ما زاغ بصر سيدنا محمد ﷺ عما رآه من العجائب، بل أثبتها وتيقنها، وما طغى: أي ما تجاوز ما رأى إلى غيره لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى يعني ما رأى ليلة الإسراء من السموات والجنة والنار والملائكة والأنبياء وغير ذلك. ويحتمل أن تكون الكبرى مفعولا أو نعتا لآيات ربه، والمعنى يختلف على ذلك أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى هذه أوثان كانت تبعد من دون الله، فخاطب الله من كان يعبدها من العرب على وجه التوبيخ لهم، وقال ابن عطية: الرؤيا هنا رؤية العين لأن الأوثان المذكورة أجرام مرئية، فأما اللات فصنم كان بالطائف، وقيل: كان بالكعبة، وأما العزّى فكانت صخرة بالطائف، وقيل: شجرة فبعث إليها رسول الله ﷺ خالد بن الوليد فقطعها فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها تدعو بالويل فضربها بالسيف حتى قتلها، وقيل: كانت بيتا تعظمه العرب وأصل لفظ العزى مؤنثة الأعز، وأما مناة فصخرة كانت لهذيل وخزاعة بين مكة والمدينة. وكانت أعظم هذه الأوثان، قال ابن عطية: ولذلك قال تعالى: الثالثة الأخرى فأكدها بهاتين الصفتين، وقال الزمخشري: الأخرى ذم وتحقير أي المتأخرة الوضيعة القدر.
ومنه: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ [الأعراف: ٣٨] أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى كانوا يقولون: إن الملائكة وهذه الأوثان بنات الله، فأنكر الله عليهم ذلك أي كيف تجعلون لأنفسكم الأولاد الذكور، وتجعلون لله البنات التي هي عندكم حقيرة بغيضة، وقد ذكر هذا المعنى في النحل وغيرها، ويحتمل أن يكون أنكر عليهم جعل هذه الأوثان شركاء لله تعالى مع أنهن إناث والإناث حقيرة بغيضة عندهم تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى «١» أي هذه القسمة التي قسمتم جائرة غير عادلة، يعني جعلهم الذكور لأنفسهم والإناث لله تعالى ووزن ضيزى فعلى بضم الفاء، ولكنها كسرت لأجل الياء التي بعدها إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها الضمير للأوثان، وقد ذكر هذا المعنى في الأعراف: ٧١ في قوله أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ يعني أنهم يقولون أقوالا بغير حجة كقولهم: إن الملائكة بنات الله، وقولهم: إن الأصنام تشفع لهم وغير ذلك أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى أم هنا
(١). ضيزى: قرأها ابن كثير بالهمز: ضئزى والباقون بالياء.
﴿ ما زاغ البصر وما طغى ﴾ أي : ما زاغ بصر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عما رآه من العجائب بل أثبتها وتيقنها، وما طغى أي : ما تجاوز ما رأى إلى غيره.
﴿ لقد رأى من آيات ربه الكبرى ﴾ يعني : ما رأى ليلة الإسراء من السموات والجنة والنار والملائكة والأنبياء وغير ذلك. ويحتمل أن تكون الكبرى مفعولا أو نعتا لآيات ربه، والمعنى : يختلف على ذلك.
﴿ أفرأيتم اللات والعزى ﴾ هذه أوثان كانت تعبد من دون الله فخاطب الله من كان يعبدها من العرب على وجه التوبيخ لهم، وقال ابن عطية : الرؤيا هنا رؤية العين لأن الأوثان المذكورة أجرام مرئية.
فأما ﴿ اللات ﴾ فصنم كان بالطائف، وقيل : كان بالكعبة.
وأما ﴿ العزى ﴾ فكانت صخرة بالطائف، وقيل : شجرة فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها تدعو بالويل فضربها بالسيف حتى قتلها، وقيل : كانت بيتا تعظمه العرب وأصل لفظ العزى مؤنثة الأعز.
﴿ ومناة الثالثة الأخرى ) وأما { مناة ﴾ فصخرة كانت لهذيل وخزاعة بين مكة والمدينة، وكانت أعظم هذه الأوثان، قال ابن عطية : ولذلك قال تعالى : الثالثة الأخرى فأكدها بهاتين الصفتين، وقال الزمخشري الأخرى ذم وتحقير أي : المتأخرة الوضيعة القدر، ومنه ﴿ قالت أخراهم لأولاهم ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ].
﴿ ألكم الذكر وله الأنثى ﴾ كانوا يقولون إن الملائكة وهذه الأوثان بنات الله، فأنكر الله عليهم ذلك أي : كيف تجعلون لأنفسكم الأولاد الذكور، وتجعلون لله البنات التي هي عندكم حقيرة بغيضة، وقد ذكر هذا المعنى في النحل وغيرها، ويحتمل أن يكون أنكر عليهم جعل هذه الأوثان شركاء لله تعالى مع أنهن إناث والإناث حقيرة بغيضة عندهم.
﴿ تلك إذا قسمة ضيزى ﴾ أي : هذه القسمة التي قسمتم جائرة غير عادلة يعني جعلهم الذكور لأنفسهم والإناث لله تعالى ووزن ضيزى فعلى بضم الفاء، ولكنها كسرت لأجل الياء التي بعدها.
﴿ إن هي إلا أسماء سميتموها ﴾ الضمير للأوثان، وقد ذكر هذا المعنى في الأعراف في قوله :﴿ أتجادلونني في أسماء ﴾ [ الأعراف : ٧١ ].
﴿ إن يتبعون إلا الظن ﴾ يعني : أنهم يقولون أقوالا بغير حجة كقولهم : إن الملائكة بنات الله، وقولهم : إن الأصنام تشفع لهم وغير ذلك.
﴿ أم للإنسان ما تمنى ﴾ :﴿ أم ﴾ هنا للإنكار، و﴿ الإنسان ﴾ هنا جنس بني آدم أي : ليس لأحد ما يتمنى بل الأمر بيد الله وقيل : إن الإشارة إلى ما طمع فيه الكفار من شفاعة الأصنام، وقيل : إلى قول العاصي بن وائل : لأوتين مالا وولدا، وقيل : هو تمني بعضهم أن يكون نبيا، والأحسن حمل اللفظ على إطلاقه.
للإنكار، والإنسان هنا جنس بني آدم: أي ليس لأحد ما يتمنى بل الأمر بيد الله، وقيل: إن الإشارة إلى ما طمع فيه الكفار من شفاعة الأصنام، وقيل: إلى قول العاصي بن وائل: لأوتين مالا وولدا، وقيل: هو تمني بعضهم أن يكون نبيا، والأحسن حمل اللفظ على إطلاقه.
وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ الآية: رد على الكفار في قولهم: إن الأوثان تشفع لهم، كأنه يقول: الملائكة الكرام لا تغني شفاعتهم شيئا إلا بإذن الله فكيف أوثانكم؟ إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى معناه أن الملائكة لا يشفعون لشخص إلا بعد أن يأذن الله لهم في الشفاعة فيه ويرضى عنه لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى يعني قولهم: إن الملائكة بنات الله، ثم ردّ عليهم بقوله: وما لهم به من علم ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ أي إلى ذلك انتهى علمهم لأنهم علموا ما ينفع في الدنيا، ولم يعلموا ما ينفع في الآخرة لِيَجْزِيَ اللام متعلقة بمعنى ما قبلها، والتقدير: أن الله مالك أمر السموات والأرض ليجزي الذي أساؤوا بما عملوا. وقيل: يتعلق بضل واهتدى كَبائِرَ الْإِثْمِ «١» ذكرنا الكبائر في النساء [٣١] إِلَّا اللَّمَمَ فيه أربعة أقوال: الأول: أنه صغائر الذنوب فالاستثناء على هذا منقطع. الثاني: أنه الإلمام بالذنوب على وجه الفلتة والسقطة دون دوام عليها. الثالث: أنه ما ألموا به في الجاهلية من الشرك والمعاصي: الرابع: أنه الهمّ بالذنوب وحديث النفس به دون أن يفعل أَجِنَّةٌ جمع جنين فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ أي لا تنسبوا أنفسكم إلى الصلاح والخير، قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون نهى عن أن يزكي بعض الناس بعضا، وهذا بعيد لأنه تجوز التزكية في الشهادة وغيرها.
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى الآية: نزلت في الوليد بن المغيرة، وقيل نزلت في العاصي بن وائل وَأَكْدى أي قطع العطاء وأمسك وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى قيل: وفي طاعة الله في ذبح ولده، وقيل: وفي تبليغ الرسالة، وقيل: وفي شرائع الإسلام، وقيل: وفي الكلمات التي ابتلاه الله بهن، وقيل: وفي هذه العشر الآيات
أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ذكر فيما تقدم،
(١). كبائر الإثم: قرأها حمزة والكسائي: كبير الإثم والباقون: كبائر.
319
وهذه الجملة تفسير لما في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام.
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى السعي هنا بمعنى العمل، وظاهرها أنه لا ينتفع أحد بعمل غيره، وهي حجة لمالك في قوله: لا يصوم أحد عن وليه إذا مات وعليه صيام، واتفق العلماء على أن الأعمال المالية كالصدقة والعتق يجوز أن يفعلها الإنسان عن غيره، ويصل نفعها إلى من فعلت عنه، واختلفوا في الأعمال البدنية كالصلاة والصيام وقيل: إن هذه الآية منسوخة بقوله أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ والصحيح أنها محكمة لأنها خبر: والأخبار لا تنسخ. وفي تأويلها ثلاثة أقوال: الأول: أنها إخبار عما كان في شريعة غيرنا فلا يلزم في شريعتنا الثاني: أن للإنسان ما عمل بحق وله ما عمل له غيره بهبة العامل له، فجاءت الآية في إثبات الحقيقة دون ما زاد عليها. الثالث: أنها في الذنوب، وقد اتفق أنه لا يحتمل أحد ذنب أحد، ويدل على هذا قوله بعدها: أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وكأنه يقول: لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ولا يؤاخذ إلا بذنب نفسه وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى قيل: معناه يراه الخلق يوم القيامة، والأظهر أنه صاحبه لقوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى فيه قولان أحدهما أن معناه إلى الله المصير في الآخرة، والآخر أن معناه أن العلوم تنتهي إلى الله، ثم يقف العلماء عند ذلك، وروي أن رسول الله ﷺ قال: لا فكرة في الرب «١».
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى قيل: معناه أضحك أهل الجنة، وأبكى أهل النار، وهذا تخصيص لا دليل عليه، وقيل: أبكى السماء بالمطر وأضحك الأرض بالنبات، وهذا مجاز وقيل: خلق في بني آدم الضحك والبكاء والصحيح أنه عبارة عن الفرح والحزن لأن الضحك دليل على السرور والفرح، كما أن البكاء دليل على الحزن. فالمعنى أن الله تعالى أحزن من شاء من عباده، وأسر من شاء أَماتَ وَأَحْيا يعني الحياة المعروفة والموت المعروف وقيل: أحيا بالإيمان وأمات بالكفر والأول أرجح، لأنه حقيقة مِنْ نُطْفَةٍ يعني المني إِذا تُمْنى من قولك: أمنى الرجل إذا خرج منه المنيّ النَّشْأَةَ الْأُخْرى يعني الإعادة للحشر وأقنى يعني أكسب عباده المال، وهو من قنية المال وهو كسبه وادخاره وقيل: معنى أقنى: أفقر وهذا لا تقتضيه اللغة، وقيل: معناه أرضى وقيل: قنع عبده
(١). لم أجده بهذا اللفظ وجاء في تخريج أحاديث الإحياء ج ٤ ص ٤٢٤. تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله فإنكم لن تقدروا قدره. وعزاه لأبي نعيم في الحلية وإسناده ضعيف والطبراني في الأوسط عن ابن عمر.
320
﴿ وكم من ملك في السموات ﴾ الآية : رد على الكفار في قولهم إن الأوثان تشفع لهم كأنه يقول : معناه أن الملائكة لا يشفعون لشخص إلا بعد أن يأذن الله لهم في الشفاعة فيه ويرضى عنه.
﴿ ليسمون الملائكة تسمية الأنثى ﴾ يعني : قولهم إن الملائكة بنات الله، ثم رد عليهم بقوله :﴿ وما لهم به من علم ﴾.
﴿ ذلك مبلغهم من العلم ﴾ أي : إلى ذلك انتهى علمهم لأنهم علموا ما ينفع في الدنيا، ولم يعلموا ما ينفع في الآخرة.
﴿ ليجزي ﴾ اللام متعلقة بمعنى ما قبلها، والتقدير أن الله ملك أمر السموات والأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا. وقيل : يتعلق بضل واهتدى.
﴿ كبائر الإثم ﴾ ذكرنا الكبائر في النساء.
﴿ إلا اللمم ﴾ فيه أربعة أقوال :
الأول : أنه صغائر الذنوب فالاستثناء على هذا منقطع.
الثاني : أنه الإلمام بالذنوب على وجه الفلتة والسقطة دون دوام عليها.
الثالث : أنه ما ألموا به في الجاهلية من الشرك والمعاصي. الرابع : أنه الهم بالذنوب وحديث النفس به دون أن يفعل.
﴿ أجنة ﴾ جمع جنين.
﴿ فلا تزكوا أنفسكم ﴾ أي : لا تنسبوا أنفسكم إلى الصلاح والخير، قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون نهى عن أن يزكي بعض الناس بعضا وهذا بعيد لأنه تجوز التزكية في الشهادة وغيرها.
﴿ أفرأيت الذي تولى ﴾ الآية : نزلت في الوليد بن المغيرة، وقيل : نزلت في العاص بن وائل.
﴿ وأكدى ﴾ أي : قطع العطاء وأمسك.
﴿ وإبراهيم الذي وفى ﴾ قيل : وفي طاعة الله في ذبح ولده، وقيل : وفي تبليغ الرسالة، وقيل : وفي شرائع الإسلام، وقيل : وفي الكلمات التي ابتلاه الله بهن، وقيل : وفي هذه العشر آيات.
﴿ ألا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ ذكر فيما تقدم، وهذه الجملة تفسير لما في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام.
﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ﴾ السعي هنا بمعنى : العمل، وظاهرها أنه لا ينتفع أحد بعمل غيره، وهي حجة لمالك في قوله لا يصوم أحد عن وليه إذا مات وعليه صيام، واتفق العلماء على أن الأعمال المالية كالصدقة والعتق يجوز أن يفعلها الإنسان عن غيره، ويصل نفعها إلى من فعلت عنه، واختلفوا في الأعمال البدنية كالصلاة والصيام وقيل : إن هذه الآية منسوخة بقوله :﴿ ألحقنا بهم ذريتهم ﴾ [ الطور : ٢١ ] والصحيح أنها محكمة لأنها خبر والأخبار لا تنسخ وفي تأويلها ثلاثة أقوال :
الأول : أنها إخبار عما كان في شريعة غيرنا فلا يلزم في شريعتنا.
الثاني : أن للإنسان ما عمل بحق وله ما عمل له غيره بهبة العامل له فجاءت الآية في إثبات الحقيقة دون ما زاد عليها.
الثالث : أنها في الذنوب وقد اتفق أنه لا يحتمل أحد ذنب أحد، ويدل على هذا قوله بعدها ﴿ ألا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ وكأنه يقول : لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ولا يؤاخذ إلا بذنب نفسه.
﴿ وأن سعيه سوف يرى ﴾ قيل : معناه يراه الخلق يوم القيامة، والأظهر أنه صاحبه لقوله :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ﴾ [ الزلزلة : ٧ ].
﴿ وأن إلى ربك المنتهى ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن معناه إلى الله المصير في الآخرة.
والآخر : أن معناها أن العلوم تنتهي إلى الله ثم يقف العلماء عند ذلك، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لا فكرة في الرب ".
﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ قيل : معناه أضحك أهل الجنة، وأبكى أهل النار، وهذا تخصيص لا دليل عليه وقيل : أبكى السماء بالمطر وأضحك الأرض بالنبات، وهذا مجاز وقيل : خلق في بني آدم الضحك والبكاء والصحيح أنه عبارة عن الفرح والحزن لأن الضحك دليل على السرور والفرح كما أن البكاء دليل على الحزن فالمعنى : أن الله تعالى أحزن من شاء من عباده، وأسر من شاء.
﴿ وأمات وأحيا ﴾ يعني : الحياة المعروفة والموت المعروف وقيل : أحيا بالإيمان وأمات بالكفر والأول أرجح، لأنه حقيقة.
﴿ من نطفة ﴾ يعني : المني.
﴿ إذا تمنى ﴾ من قولك : أمنى الرجل إذا خرج منه المني.
﴿ النشأة الأخرى ﴾ يعني : الإعادة للحشر وتمنى يعني أكسب عباده المال، وهو من قنية المال وهو كسبه وادخاره وقيل : معنى أقنى : أفقر وهذا لا تقتضيه اللغة، وقيل : معناه أرضى وقيل : قنع عبده.
﴿ الشعرى ﴾ نجم في السماء وتسمى كلب الجبار وهما شعريان وهما الغميصاء والعبور وخصها بالذكر دون سائر النجوم لأن بعض العرب كان يعبدها.
﴿ عادا الأولى ﴾ وصفها بالأولى لأنها كانت في قديم الزمان، فهي الأولى بالإضافة إلى الأمم المتأخرة، وقيل : إنما سميت أولى لأن ثم عادا أخرى متأخرة وهذا لا يصح وقرأ نافع مع عادا الأولى بإدغام تنوين عاد في لام الأولى بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى اللام وضعف المزنى والمبرد هذه القراءة وهمز قالون الأولى دون ورش، وقرأ الباقون على الأصل بكسر تنوين عادا وإسكان لام الأولى.
﴿ وثمود فما أبقى ﴾ أي : ما أبقى منهم أحدا وقيل : ما أبقى عليهم.
الشِّعْرى نجم في السماء، وتسمى كلب الجبار وهما شعريان وهما: الغميصاء والعبور.
وخصها بالذكر دون سائر النجوم لأن بعض العرب كان يعبدها عاداً الْأُولى وصفها بالأولى لأنها كانت في قديم الزمان، فهي الأولى بالإضافة إلى الأمم المتأخرة، وقيل: إنما سميت أولى لأن ثم عادا أخرى متأخرة وهذا لا يصح، وقرأ نافع عاد لّولى بإدغام تنوين عاد في لام الأولى بحذف الهمزة، ونقل حركتها إلى اللام وضعّف المزني والمبرد هذه القراءة وهمز قالون الأولى دون ورش وقرأ الباقون على الأصل بكسر تنوين عادا وإسكان لام الأولى وَثَمُودَ فَما أَبْقى «١» أي ما أبقى منهم أحدا، وقيل: ما أبقى عليهم
وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى فَغَشَّاها ما غَشَّى هي مدينة قوم لوط، ومعنى أهوى طرحها من علو إلى أسفل، وفي قوله ما غشى تعظيم للأمر.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى هذا مخاطبة للإنسان على الإطلاق معناه: بأي نعم ربك تشك هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى يعني القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى من النذر الأولى من نوعها وصفتها أَزِفَتِ الْآزِفَةُ أي قربت القيامة كاشِفَةٌ يحتمل لفظه ثلاثة أوجه: أن يكون مصدرا كالعافية، أي ليس لها كشف وأن يكون بمعنى كاشف والتاء للمبالغة كعلامة، وأن يكون صفة لمحذوف تقديره: نفس كاشفة أو جماعة كاشفة ويحتمل معناه وجهين:
أحدهما أن يكون من الكشف بمعنى: الإزالة أي ليس لها من يزيلها إذا وقعت والآخر أن يكون بمعنى الاطلاع أي ليس لها من يعلم وقتها إلا الله أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ الإشارة إلى القرآن وتعجبهم منه إنكاره وَأَنْتُمْ سامِدُونَ أي لاعبون لاهون، وقيل:
غافلون مفرطون فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا هذا موضع سجدة عند الشافعي وغيره، وقد قال ابن مسعود قرأها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسجد وسجد كل من كان معه.
(١). وثمود: قرأها عاصم وحمزة بفتحة، وقرأها الباقون، وثمودا.
﴿ والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى ﴾ هي مدينة قوم لوط، ومعنى : أهوى طرحها من علو إلى أسفل وفي قوله :﴿ ما غشى ﴾ تعظيم للأمر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٣:﴿ والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى ﴾ هي مدينة قوم لوط، ومعنى : أهوى طرحها من علو إلى أسفل وفي قوله :﴿ ما غشى ﴾ تعظيم للأمر.
﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ﴾ هذا مخاطبة للإنسان على الإطلاق معناه : بأي نعم ربك تشك.
﴿ هذا نذير من النذر الأولى ﴾ يعني : القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى من النذر الأولى : من نوعها وصفتها.
﴿ أزفت الآزفة ﴾ أي : قربت القيامة.
﴿ كاشفة ﴾ يحتمل لفظه ثلاثة أوجه : أن يكون مصدرا كالعافية أي : ليس لها كشف وأن يكون بمعنى : كاشف والتاء للمبالغة كعلامة وأن يكون صفة لمحذوف وتقديره : نفس كاشفة أو جماعة كاشفة ويحتمل معناه وجهين :
أحدهما : أن يكون من الكشف بمعنى الإزالة أي : ليس لها من يزيلها إذا وقعت.
والآخر : أن يكون بمعنى الاطلاع أي : ليس لها من يعلم وقتها إلا الله.
﴿ أفمن هذا الحديث تعجبون ﴾ الإشارة إلى القرآن وتعجبهم منه إنكاره.
﴿ وأنتم سامدون ﴾ أي : لاعبون لاهون، وقيل : غافلون مفرطون.
﴿ فاسجدوا لله واعبدوا ﴾ هذا موضع سجدة عند الشافعي وغيره، وقد قال ابن مسعود : قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد وسجد كل من كان معه.
Icon