تفسير سورة الطارق

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة الطارق من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الطارق وهي مكية

قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالسَّمَاء والطارق﴾ الطارق هَاهُنَا هُوَ النَّجْم، وَأما فِي لُغَة الْعَرَب فالطارق هُوَ كل مَا يطْرق لَيْلًا، وَقد قيل: هُوَ الَّذِي يطْرق لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا.
وَأما قَول الْقَائِل:
(نَحن بَنَات طَارق... )
أَي: بَنَات النُّجُوم شرفا وعلوا.
وَقَالَ جرير:
(طرقتك صائدة الْقُلُوب وَلَيْسَ ذَا... وَقت المقامة فارجعي بِسَلام)
وَقَوله: ﴿وَمَا أَدْرَاك مَا الطارق﴾ إِنَّمَا قَالَ ذَلِك؛ لِأَن الطارق يتَنَاوَل النَّجْم وَغَيره، فَذكر هَاهُنَا قَوْله: ﴿وَمَا أَدْرَاك مَا الطارق﴾ لِأَن الرَّسُول لم يدر أَي طَارق أَرَادَ.
وَقَوله: ﴿النَّجْم الثاقب﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: المضيء.
وَعَن مُجَاهِد: هُوَ المتوهج.
وَعَن بَعضهم: هُوَ المستدير.
وَعَن بَعضهم: الثاقب النَّجْم الَّذِي يثقب الشَّيَاطِين بالنَّار.
وَذكر الْفراء: أَنه زحل، وَهُوَ أكبر النُّجُوم.
وَقد حكى هَذَا القَوْل عَن عَليّ.
وَعَن بَعضهم: أَنه نجم خلقه الله فِي السَّمَاء السَّابِعَة، لم يخلق فِيهَا غَيره، يطْرق
202
﴿إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ (٤) فَلْينْظر الْإِنْسَان مِم خلق (٥) خلق من مَاء دافق (٦) يخرج من بَين الصلب والترائب (٧) إِنَّه على رجعه لقادر (٨) ﴾. السَّمَوَات ثمَّ يرجع إِلَى مَكَانَهُ.
وعَلى القَوْل الَّذِي قُلْنَا [أَن زحل هُوَ الثاقب]، يَعْنِي أَنه يثقب السَّمَوَات بضيائه.
وَعَن ابْن زيد: أَنه الثريا.
وَالْعرب إِذا أطلقت النَّجْم عنت بِهِ الثريا.
203
وَقَوله: ﴿إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ﴾ هُوَ جَوَاب الْقسم.
وَقد قرئَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، فَمَعْنَى التَّشْدِيد: إِلَّا عَلَيْهَا حَافظ، وَمعنى التَّخْفِيف: لَعَلَّهَا حَافظ، و " مَا " زَائِدَة، والحافظ: هُوَ الْملك، وَعَن بَعضهم: قرينه الَّذِي يحفظ عَلَيْهِ عمله، وَقيل: الْحَافِظ هُوَ الله تَعَالَى يحفظ عَلَيْهِم أَعْمَالهم.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَلْينْظر الْإِنْسَان مِم خلق﴾ أَي: من أَي شَيْء خلق.
وَقَوله: ﴿خلق من مَاء دافق﴾ أَي: مدفوق مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿فِي عيشة راضية﴾ أَي: مرضية، وَقيل: ﴿مَاء دافق﴾ أَي: منصب جَار.
وَقَوله: ﴿يخرج من بَين الصلب والترائب﴾ أَي: من صلب الرجل، وترائب الْمَرْأَة.
وَفِي الْخَبَر: أَنه يخرج من كل خرزة من صلبه، والترائب ثَمَانِيَة أضلاع: أَرْبَعَة يمنة، وَأَرْبَعَة يسرة، وَقيل: هُوَ الصَّدْر، وَقيل: بَين الثديين، وَقيل: مَا دون الترقوة.
وَقَوله: ﴿إِنَّه على رجعه لقادر﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: على رد النُّطْفَة فِي الإحليل لقادر، قَالَه مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم وَعِكْرِمَة، وَالْقَوْل الثَّانِي: هُوَ قَادر أَن يردهُ إِلَى حَالَة الطفولية، وَقيل: يرد من (الشيخوخة) إِلَى الكهولة، وَمن الكهولة إِلَى الشَّبَاب، وَمن الشَّبَاب إِلَى الصغر، وَمن الصغر إِلَى الطفولية، وَمن الطفولية إِلَى رحم الْمَرْأَة، وَمن الرَّحِم إِلَى الصلب، فَهُوَ معنى قَوْله: ﴿إِنَّه على رجعه لقادر﴾.
وَالْقَوْل الثَّالِث - وَهُوَ أولى الْأَقَاوِيل - أَن المُرَاد مِنْهُ، أَنه على إحيائه بعد الإماتة لقادر، ذكره الْفراء والزجاج وَغَيرهَا.
203
﴿يَوْم تبلى السرائر (٩) فَمَا لَهُ من قُوَّة وَلَا نَاصِر (١٠) وَالسَّمَاء ذَات الرجع (١١) وَالْأَرْض ذَات الصدع (١٢) إِنَّه لقَوْل فصل (١٣) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُم يكيدون كيدا (١٥) وأكيد كيدا (١٦) ﴾.
204
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَوْم تبلى السرائر﴾ أَي: تختبر وتمتحن، وَقيل: تظهر، وَهُوَ الأولى.
وَفِي التَّفْسِير: أَنه يظْهر سر كل إِنْسَان، ويبدو أَثَره على وَجهه، فتبيض بعض الْوُجُوه، وَتسود بعض الْوُجُوه.
وَقَوله: ﴿فَمَا لَهُ من قُوَّة وَلَا نَاصِر﴾ أَي: قُوَّة يتقوى بهَا، وناصر ينصره، فَيدْفَع بِهِ الْعَذَاب عَن نَفسه.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَالسَّمَاء ذَات الرجع﴾ أَي: الْمَطَر، وَهُوَ القَوْل الْمَعْرُوف، وسمى الْمَطَر رجعا؛ لِأَنَّهُ يرجع مرّة بعد أُخْرَى.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم، وَسميت رجعا؛ لِأَنَّهَا تطلع وتغيب، وَترجع من الْمغرب إِلَى الْمشرق.
وَقَوله: ﴿وَالْأَرْض ذَات الصدع﴾ أَي: النَّبَات، وَهُوَ قَول الْجَمِيع، وسمى صدعا؛ لِأَن الأَرْض تنصدع بِهِ.
وَقَوله: ﴿إِنَّه لقَوْل فصل﴾ أَي: ذُو فصل، وَهُوَ الْفَصْل بَين الْحق وَالْبَاطِل.
وَقَوله: ﴿وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ أَي: باللعب، والعبث، وَالْمعْنَى: أَنه قَول جد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّهُم يكيدون كيدا﴾ أَي: يمكرون مكرا، والكيد فِي اللُّغَة هُوَ صنع يصل بِهِ إِلَى الشَّيْء على الْخفية والاستتار.
﴿وأكيد كيدا﴾ الكيد من الله هُوَ الاستدراج من حَيْثُ لَا يعلمُونَ الْكفَّار، والاستدراج هُوَ الْأَخْذ قَلِيلا قَلِيلا، وَقيل: هِيَ الْأَخْذ من حَيْثُ يخفى عَلَيْهِم، وَقيل: ﴿وأكيد كيدا﴾ أَي: أعاقبهم عُقُوبَة كيدهم.
وَقَوله: ﴿فمهل الْكَافرين﴾ أَي: أمْهل الْكَافرين، وَهَذَا قبل آيَة السَّيْف.
204
﴿فمهل الْكَافرين أمهلهم رويدا (١٧) ﴾.
وَقَوله: ﴿أمهلهم رويدا﴾ أَي: أمهلهم قَلِيلا، وَالْعرب تَقول: رويدك يَا فلَان أَي: كن على أودة ورفق، وَأما هَاهُنَا فَهُوَ بِمَعْنى الْقَلِيل على مَا بَينا.
وَقد أَخذهم يَوْم بدر بِالسَّيْفِ، وسيأخذهم بِعَذَاب الْآخِرَة عَن قريب.
205

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى (١) ﴾.
تَفْسِير سُورَة الْأَعْلَى
وَهِي مَكِّيَّة
وَفِي رِوَايَة الضَّحَّاك أَنَّهَا مَدَنِيَّة، وَالأَصَح هُوَ الأول، وَالله أعلم.
206
Icon