تفسير سورة التكوير

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة التكوير من كتاب تفسير القشيري المعروف بـلطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ

سورة التّكوير
قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».
«بِسْمِ اللَّهِ» كلمة أثلجت من قوم قلوبا، وأوهجت من آخرين قلوبا من المطيعين أثلجتها، ومن العاصين أوهجتها، ومن المريدين أبهجتها، ومن العارفين أزعجتها.
قوله جل ذكره:
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١ الى ١٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤)
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (١١) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤)
ذهب ضوؤها.
«وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ» تناثرت وسقطت على الأرض.
قوله جل ذكره: «وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ» «١» أزيلت عنها مناكبها.
«وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ» وهي النّوق الحوامل التي أتى حملها عشرة أشهر.. أهملت في ذلك اليوم لشدة أهواله، (واشتغال الناس بأنفسهم عنها).
«وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ» أحييت، وجمعت في القيامة ليقتصّ لبعضها من بعض فيقتصّ للجمّاء من القرناء «٢» - وهذا على جهة ضرب المثل إذ لا تكليف عليها.
(١) تأخرت هذه الآية بعد آية (العشار) فى م فوضعناها في مكانها الصحيح. [.....]
(٢) هذا رأى ابن عباس كما رواه عنه عكرمة، والجماء: ما ليس لها قرن، وفي أمثالهم «عند النطاح يغلب الكبش الأجم».
692
ولا يبعد أن يكون بإيصال منافع إلى ما وصل إليه الألم- اليوم- على العوض..
جوازا لا وجوبا على ما قاله أهل البدع.
«وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ» أو قدت- من سجرت التنور أسجره سجرا، أي: أحميته.
«وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ» «١» بالأزواج.
«وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ» نشرت، أي: بسطت.
«وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ» أي: نزعت وطويت.
«وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ» أوقدت.
«وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ» أي: قرّبت من المتقين.
قوله جل ذكره: «عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ» هو جواب لهذه الأشياء، وهذه الأشياء تحصل عند قيام القيامة.
وفي قيام قيامة هذه الطائفة (يقصد الصوفية) عند استيلاء هذه الأحوال عليهم، وتجلّى هذه المعاني لقلوبهم توجد هذه الأشياء.
(١) قرنت بأشكالها في الجنة والنار، قال تعالى: «احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ». وقال صلى الله عليه وسلم: «يقرن كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون كعمله».
693
فمن اختلاف أحوالهم: أنّ لشموسهم في بعض الأحيان كسوفا وذلك عند ما يردّون «١».
ونجوم علومهم قد تنكدر لاستيلاء الهوى على المريدين في بعض الأحوال، فعند ذلك «عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ».
قوله جل ذكره:
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١٥ الى ٢٤]
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩)
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤)
أي: أقسم، والخنّس والكنّس هي النجوم إذا غربت «٢».
ويقال: البقر الوحشي «٣».
قوله جل ذكره: «وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ» عسعس: أي جاء وأقبل. «تَنَفَّسَ» : خرج من جوف الليل.
أقسم بهذه الأشياء، وجواب القسم:
«إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ».
إن هذا القرآن لقول رسول كريم، يعنى به جبريل عليه السلام.
«ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ» «مَكِينٍ» من المكانة، وقد بلغ من قوته أنه قلع قرية آل لوط وقلبها.
«وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ» وهذا أيضا من جواب القسم.
«وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ» رأى محمد جبريل عليه السلام بالأفق المبين ليلة المعراج.
(١) «عند ما يردّون» فى أحوال القبض بعد البسط والهجر بعد الوصل، والخوف بعد الرجاء والفرق بعد الجمع.. ونحو ذلك.
(٢) قيل هي الكواكب الخمسة الدراري: زحل، والمشترى، وعطارد، والمريخ، والزّهرة (فى رواية عن على ابن أبى طالب).
(٣) فسرت هكذا في رواية عن عبد الله بن مسعود، وأخرى عن ابن عباس.
ويقال: رأى ربّه وكان ﷺ بالأفق المبين.
«وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ» بمتّهم «١» قوله جل ذكره:
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ٢٦ الى ٢٩]
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩)
إلى متى تتطوحون في أودية الظنون والحسبان؟
وإلى أين تذهبون عن شهود مواضع الحقيقة؟
وهلّا رجعتم إلى مولاكم فيما سرّكم أو أساءكم؟
«إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ» ما هذا القرآن إلّا ذكرى لمن شاء منكم أن يستقيم... وقد مضى القول فى الاستقامة.
«وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ» أن يشاءوا «٢».
(١) لا تكون بهذا المعنى إلا إذا قرئت (بظنين) بالظاء، وهي قراءة ابن كثير، وأبى عمرو والكسائي.
والآخرين بالضاد فيكون المعنى (ببخيل) أي لا يبخل عليكم بما يعلم من أخبار السماء.
(٢) كنا ننتظر من القشيري الذي ينادى بأن كل شىء من الله وإلى الله حتى أكساب العباد أن يفيض في توضيح هذه الآية أكثر من ذلك لأنها ناصعة صريحة في نسبة المشيئة- كل المشيئة- لله، وأن الإنسان إذا وصف بالمشيئة فهى مرتبطة بالمشيئة الإلهية.
Icon