تفسير سورة سورة التكوير من كتاب التفسير الوسيط
المعروف بـالتفسير الوسيط لطنطاوي
.
لمؤلفه
محمد سيد طنطاوي
.
المتوفي سنة 1431 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة التكويرمقدمة وتمهيد
١- سورة " التكوير "، وتسمى –أيضا- بسورة : " إذا الشمس كورت "، وهي من السور المكية بلا خلاف، وعدد آياتها : تسع وعشرون آية.
وتعتبر من أوائل السور القرآنية نزولا، فهي السورة السادسة أو السابعة في ترتيب النزول، فقد كان نزولها بعد سورة الفاتحة. وقبل سورة " الأعلى ".
أخرج الإمام أحمد والترمذي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سرَّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأيُ العين، فليقرأ " إذا الشمس كورت ". " وإذا السماء انفطرت " " وإذا السماء انشقت ".
٢- والمتأمل في هذه السورة الكريمة، يراها في نصفها الأول، تسوق أمارات يوم القيامة وعلاماته، بأسلوب مؤثر يبعث في القلوب الخوف والوجل.
ويراها في نصفها الثاني تؤكد أن هذا القرآن الكريم من عند الله –تعالى-، وليس من كلام البشر، وأن جبريل الأمين قد نزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
ﰡ
التفسير قال الله- تعالى-
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١ الى ١٤]
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (١١) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤)
تكرر لفظ «إذا» في هذه الآيات اثنتي عشرة مرة، وجواب الشرط قوله: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ. وهذا التكرار بلفظ إذا من مقاصده التشويق للجواب، لأن السامع عند ما يجد هذا الظرف وقد تكرر يكون في ترقب وشوق لمعرفة الجواب.
وعند ما يسمعه يتمكن من نفسه كل التمكن.
ولفظ «الشمس مرفوع على أنه فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده، أى: إذا كورت الشمس كورت. وأصل التكوير: لف الشيء على جهة الاستدارة، تقول: كورت العمامة، إذا لففتها.
قال صاحب الكشاف: في التكوير وجهان: أحدهما: أن يكون من كورت العمامة إذا لففتها. أى: يلف ضوء الشمس لفا فيذهب انبساطه وانتشاره في الآفاق، وهو عبارة عن إزالتها والذهاب بها، لأنها ما دامت باقية، كان ضياؤها منبسطا غير ملفوف.
وثانيهما: أن يكون لفها عبارة عن رفعها وسترها، لأن الثوب إذا أريد رفعه، لف وطوى
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١ الى ١٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤)وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (١١) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤)
تكرر لفظ «إذا» في هذه الآيات اثنتي عشرة مرة، وجواب الشرط قوله: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ. وهذا التكرار بلفظ إذا من مقاصده التشويق للجواب، لأن السامع عند ما يجد هذا الظرف وقد تكرر يكون في ترقب وشوق لمعرفة الجواب.
وعند ما يسمعه يتمكن من نفسه كل التمكن.
ولفظ «الشمس مرفوع على أنه فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده، أى: إذا كورت الشمس كورت. وأصل التكوير: لف الشيء على جهة الاستدارة، تقول: كورت العمامة، إذا لففتها.
قال صاحب الكشاف: في التكوير وجهان: أحدهما: أن يكون من كورت العمامة إذا لففتها. أى: يلف ضوء الشمس لفا فيذهب انبساطه وانتشاره في الآفاق، وهو عبارة عن إزالتها والذهاب بها، لأنها ما دامت باقية، كان ضياؤها منبسطا غير ملفوف.
وثانيهما: أن يكون لفها عبارة عن رفعها وسترها، لأن الثوب إذا أريد رفعه، لف وطوى
296
ونحوه قوله- تعالى-: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ «١».
أى: إذا الشمس أزيل ضوؤها بعد انتشاره وانبساطه، فأصبحت مظلمة بعد أن كانت مضيئة، ومستتره بعد أن كانت بارزة.
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ أى: تناثرت وتساقطت وانقلبت هيئتها من اللمعان والظهور، إلى الميل نحو الظلام والسواد.
أى: وإذا النجوم تساقطت وانقضت. يقال: انكدر البازي، إذا نزل على فريسته بسرعة، وانكدر الأعداء على القوم إذا جاءوا أرسالا متتابعين فانصبوا عليهم.
ويصح أن يكون المعنى: وإذا النجوم تغيرت وانطمس نورها، وزال لمعانها، من قولهم:
كدرت الماء فانكدر، إذا خلط به ما يجعله مائلا إلى السواد والغبرة.
وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ أى: اقتلعت من أماكنها فسارت في الفضاء بقدرة الله- تعالى-. قال- تعالى- وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً. وقال- سبحانه-: وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً.
وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ والعشار: جمع عشراء كنفساء، وهي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر. وتسمى بهذا الاسم إلى أن تضع لتمام السنة. والنوق العشار كانت من أثمن الأموال عند العرب، وكانوا يحافظون عليها حتى في أشد حالات الخوف.
ومعنى «عطلت» : أهملت وتركت بدون راع يحميها، أو يلتفت إليها، وهذا تصوير بديع لما يصيب الناس من أهوال، تجعلهم لا يلتفتون إلى أعز أموالهم لديهم.
أى: وإذا النوق العشار- التي هي أغلى الأموال- عطلت، أى تركت دون أن يلتفت إليها أحد. لانشغال كل إنسان بنفسه.
وقيل: المراد بالعشار: السحب المحملة بالأمطار. أى: وإذا السحب الحاملة للأمطار قد عطلت عن نزول المطر منها، وصارت خالية من الماء الذي يحيى الأرض بعد موتها.
قال القرطبي ما ملخصه: وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ أى: النوق الحوامل التي في بطونها أولادها، الواحدة عشراء.. وإنما خصت بالذكر، لأنها أعز ما تكون عند العرب.. وهذا على وجه المثل. لأن في القيامة لا تكون ناقة عشراء، ولكن أراد به المثل، أن هول يوم القيامة، بحال ما لو كان للرجل ناقة عشراء لعطلها واشتغل بنفسه.
أى: إذا الشمس أزيل ضوؤها بعد انتشاره وانبساطه، فأصبحت مظلمة بعد أن كانت مضيئة، ومستتره بعد أن كانت بارزة.
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ أى: تناثرت وتساقطت وانقلبت هيئتها من اللمعان والظهور، إلى الميل نحو الظلام والسواد.
أى: وإذا النجوم تساقطت وانقضت. يقال: انكدر البازي، إذا نزل على فريسته بسرعة، وانكدر الأعداء على القوم إذا جاءوا أرسالا متتابعين فانصبوا عليهم.
ويصح أن يكون المعنى: وإذا النجوم تغيرت وانطمس نورها، وزال لمعانها، من قولهم:
كدرت الماء فانكدر، إذا خلط به ما يجعله مائلا إلى السواد والغبرة.
وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ أى: اقتلعت من أماكنها فسارت في الفضاء بقدرة الله- تعالى-. قال- تعالى- وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً. وقال- سبحانه-: وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً.
وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ والعشار: جمع عشراء كنفساء، وهي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر. وتسمى بهذا الاسم إلى أن تضع لتمام السنة. والنوق العشار كانت من أثمن الأموال عند العرب، وكانوا يحافظون عليها حتى في أشد حالات الخوف.
ومعنى «عطلت» : أهملت وتركت بدون راع يحميها، أو يلتفت إليها، وهذا تصوير بديع لما يصيب الناس من أهوال، تجعلهم لا يلتفتون إلى أعز أموالهم لديهم.
أى: وإذا النوق العشار- التي هي أغلى الأموال- عطلت، أى تركت دون أن يلتفت إليها أحد. لانشغال كل إنسان بنفسه.
وقيل: المراد بالعشار: السحب المحملة بالأمطار. أى: وإذا السحب الحاملة للأمطار قد عطلت عن نزول المطر منها، وصارت خالية من الماء الذي يحيى الأرض بعد موتها.
قال القرطبي ما ملخصه: وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ أى: النوق الحوامل التي في بطونها أولادها، الواحدة عشراء.. وإنما خصت بالذكر، لأنها أعز ما تكون عند العرب.. وهذا على وجه المثل. لأن في القيامة لا تكون ناقة عشراء، ولكن أراد به المثل، أن هول يوم القيامة، بحال ما لو كان للرجل ناقة عشراء لعطلها واشتغل بنفسه.
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٠٧.
297
وقيل: العشار: السحاب يعطل مما يكون فيه وهو الماء فلا يمطر، والعرب تشبه السحاب بالحامل.
وقيل:
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ أى: وإذا الحيوانات المتوحشة- كالأسد والنمر وغيرهما.
حُشِرَتْ أى: جمعت من أماكنها المتفرقة، وخرجت في ذهول، وتلاقت دون أن يعتدى بعضها على بعض، مخالفة بذلك ما طبعت عليه من النفور والتقاتل.
قال الآلوسى قوله: وَإِذَا الْوُحُوشُ جمع وحش، وهو حيوان البر الذي ليس في طبعه التأنس ببني آدم.. حُشِرَتْ أى: جمعت من كل جانب. وقيل: حشرت. أى:
أميتت.. وقيل: حشرت: بعثت للقصاص، فيحشر كل شيء حتى الذباب.
أخرج مسلم والترمذي عن أبى هريرة في هذه الآية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لتؤدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء..» «٢».
وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ أى: امتلأت وفاض ماؤها واختلط عذبها بملحها، وصارت بحرا واحدا، مأخوذ من قولهم: سجر الحوض، إذا ملأه حتى فاض من جانبيه.
ويصح أن يكون معنى «سجرت» : أحميت بالنار حتى تبخرت مياهها، وظهرت النار في مكانها، من قولهم: سجر فلان التنور، إذا ملأه بالحطب المعد للحرق.
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وقوله: زُوِّجَتْ من التزويج وهو جعل الشيء زوجا لغيره، بعد أن كان كلاهما فردا، ويطلق الزوج- أيضا- على الصنف والنوع، كما في قوله- تعالى- وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ.
أى: وإذا النفوس اقترنت كل واحدة منها ببدنها، أو بمن يشبهها، أو بعملها.
قال الفخر الرازي: قوله: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ فيه وجوه: أحدها: قرنت الأرواح بالأجساد.
ثانيها: يصيرون فيها- أى: يوم القيامة- ثلاثة أصناف، كما قال- تعالى- وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً.
وقيل:
الديار تعطل فلا تسكن | والأول أشهر، وعليه من الناس الأكثر «١». |
حُشِرَتْ أى: جمعت من أماكنها المتفرقة، وخرجت في ذهول، وتلاقت دون أن يعتدى بعضها على بعض، مخالفة بذلك ما طبعت عليه من النفور والتقاتل.
قال الآلوسى قوله: وَإِذَا الْوُحُوشُ جمع وحش، وهو حيوان البر الذي ليس في طبعه التأنس ببني آدم.. حُشِرَتْ أى: جمعت من كل جانب. وقيل: حشرت. أى:
أميتت.. وقيل: حشرت: بعثت للقصاص، فيحشر كل شيء حتى الذباب.
أخرج مسلم والترمذي عن أبى هريرة في هذه الآية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لتؤدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء..» «٢».
وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ أى: امتلأت وفاض ماؤها واختلط عذبها بملحها، وصارت بحرا واحدا، مأخوذ من قولهم: سجر الحوض، إذا ملأه حتى فاض من جانبيه.
ويصح أن يكون معنى «سجرت» : أحميت بالنار حتى تبخرت مياهها، وظهرت النار في مكانها، من قولهم: سجر فلان التنور، إذا ملأه بالحطب المعد للحرق.
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وقوله: زُوِّجَتْ من التزويج وهو جعل الشيء زوجا لغيره، بعد أن كان كلاهما فردا، ويطلق الزوج- أيضا- على الصنف والنوع، كما في قوله- تعالى- وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ.
أى: وإذا النفوس اقترنت كل واحدة منها ببدنها، أو بمن يشبهها، أو بعملها.
قال الفخر الرازي: قوله: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ فيه وجوه: أحدها: قرنت الأرواح بالأجساد.
ثانيها: يصيرون فيها- أى: يوم القيامة- ثلاثة أصناف، كما قال- تعالى- وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً.
(١) تفسير القرطبي ج ١٩ ص ٢٢٩.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٥١.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٥١.
298
ثالثها: أنه يضم إلى كل صنف من كان في طبقته، فيضم الطائع إلى مثله.. «١».
ثم قال- تعالى-: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ولفظ «الموءودة» من الوأد، وهو دفن الطفلة حية.
قال صاحب الكشاف وأد يئد مقلوب من آد يؤود: إذا أثقل. قال- تعالى- وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما، لأنه إثقال بالتراب.
فإن قلت: ما حملهم على وأد البنات؟ قلت: الخوف من لحوق العار بهم من أجلهن، أو الخوف من الإملاق.
فإن قلت: فما معنى سؤال الموءودة عن ذنبها الذي قتلت به؟ وهلا سئل الوائد عن موجب قتله لها؟ قلت: سؤالها وجوابها تبكيت لقاتلها، نحو التبكيت- لقوم عيسى- في قوله- تعالى- لعيسى: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ «٢».
أى: وإذا الموءودة سئلت، على سبيل التبكيت والتقريع لمن قتلها، بأى سبب من الأسباب قتلك قاتلك.
ولا شك أنها لم ترتكب ما يوجب قتلها، وإنما القصد من ذلك إلزام قائلها الحجة، حتى يزداد افتضاحا على افتضاحه.
وقد حكى القرآن في كثير من الآيات، ما كان يفعله أهل الجاهلية من قتلهم للبنات، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ، أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ، أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ «٣».
ولم يكن الوأد معمولا به عند جميع قبائل العرب، فقريش- مثلا- لم يعرف عنها ذلك وإنما عرف في قبائل ربيعة، وكنده، وتميم. ولكنهم لما كانوا جميعا راضين عن هذا الفعل، جاء الحكم عاما في شأن أهل الجاهلية.
وقوله- سبحانه-: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ أى: بسطت بعد أن كانت مطوية، وهي صحف الأعمال التي سجلتها الملائكة على أصحابها، سواء أكانت تلك الأعمال خيرا أم شرا، فهذه الصحائف تطوى عند الموت، وتنشر يوم القيامة، يوم الحساب والجزاء.
ثم قال- تعالى-: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ولفظ «الموءودة» من الوأد، وهو دفن الطفلة حية.
قال صاحب الكشاف وأد يئد مقلوب من آد يؤود: إذا أثقل. قال- تعالى- وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما، لأنه إثقال بالتراب.
فإن قلت: ما حملهم على وأد البنات؟ قلت: الخوف من لحوق العار بهم من أجلهن، أو الخوف من الإملاق.
فإن قلت: فما معنى سؤال الموءودة عن ذنبها الذي قتلت به؟ وهلا سئل الوائد عن موجب قتله لها؟ قلت: سؤالها وجوابها تبكيت لقاتلها، نحو التبكيت- لقوم عيسى- في قوله- تعالى- لعيسى: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ «٢».
أى: وإذا الموءودة سئلت، على سبيل التبكيت والتقريع لمن قتلها، بأى سبب من الأسباب قتلك قاتلك.
ولا شك أنها لم ترتكب ما يوجب قتلها، وإنما القصد من ذلك إلزام قائلها الحجة، حتى يزداد افتضاحا على افتضاحه.
وقد حكى القرآن في كثير من الآيات، ما كان يفعله أهل الجاهلية من قتلهم للبنات، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ، أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ، أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ «٣».
ولم يكن الوأد معمولا به عند جميع قبائل العرب، فقريش- مثلا- لم يعرف عنها ذلك وإنما عرف في قبائل ربيعة، وكنده، وتميم. ولكنهم لما كانوا جميعا راضين عن هذا الفعل، جاء الحكم عاما في شأن أهل الجاهلية.
وقوله- سبحانه-: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ أى: بسطت بعد أن كانت مطوية، وهي صحف الأعمال التي سجلتها الملائكة على أصحابها، سواء أكانت تلك الأعمال خيرا أم شرا، فهذه الصحائف تطوى عند الموت، وتنشر يوم القيامة، يوم الحساب والجزاء.
(١) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ٣٣٩.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٠٨.
(٣) سورة النحل الآيتان ٥٨، ٥٩. [.....]
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٠٨.
(٣) سورة النحل الآيتان ٥٨، ٥٩. [.....]
299
قال- تعالى-: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً. اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً «١».
وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ أى: قلعت وأزيلت، وأصل الكشط إزالة جلدة الحيوان عنه.
يقال: كشطت البعير كشطا، إذا نزعت جلده منه. أى: وإذا السماء نزعت وأزيلت، فلم تبق على هيئتها التي كانت عليها، من إظلالها لما تحتها.
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ أى: أوقدت إيقادا شديدا للكفار، والجحيم هي النار ذات الطبقات المتعددة من الوقود كالحطب وغيره، وتسعيرها: إيقادها بشدة.
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ أى: قربت وأدنيت من المؤمنين، كما في قوله- تعالى-:
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ. من الزلفى بمعنى القرب، يقال: تزلف فلان إلى فلان، إذا تقرب منه.
وقوله: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ هو جواب الشرط لكل تلك الظروف السابقة. أى: إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت تبين لكل نفس ما عملته من خير أو شر، ومن حسن أو قبيح.. ورأت ذلك رأى العين، كما قال- تعالى-: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً...
والمراد بالنفس عموم الأنفس، لأن النكرة في سياق النفي تشمل كل نفس وأسند- سبحانه- الإحضار إلى النفوس، لأنها هي المباشرة لأعمالها في الدنيا، والتي ستجد جزاءها في الآخرة.
وجعلت معرفة النفوس لجزاء أعمالها، حاصلة عند حصول مجموع الشروط التي ذكرت في الجمل الاثنتى عشرة، لأن بعض الأزمان والأحوال التي تضمنتها هذه الشروط مقارن لحصول علم النفوس بأعمالها، كما في الستة الأخيرة، فإنها تكون عند فصل القضاء، وبعضها يحصل قبل ذلك بقليل، كما في الأحوال الستة المذكورة أولا، إلا أنه لما كان بعض هذه الأمور من مبادئ يوم القيامة، وبعضها من روادفه، نسب علمها بذلك إلى زمان وقوع هذه الأمور كلها، تهويلا للخطب، وتفظيعا للأمر. وإشعارا بأن ما يسبق يوم القيامة وما يعقبه، كل ذلك من الأهوال التي يشيب لها الولدان.
وبعد أن ساق- سبحانه- ما ساق من أحوال تدل على شدائد يوم القيامة، أتبع ذلك
وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ أى: قلعت وأزيلت، وأصل الكشط إزالة جلدة الحيوان عنه.
يقال: كشطت البعير كشطا، إذا نزعت جلده منه. أى: وإذا السماء نزعت وأزيلت، فلم تبق على هيئتها التي كانت عليها، من إظلالها لما تحتها.
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ أى: أوقدت إيقادا شديدا للكفار، والجحيم هي النار ذات الطبقات المتعددة من الوقود كالحطب وغيره، وتسعيرها: إيقادها بشدة.
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ أى: قربت وأدنيت من المؤمنين، كما في قوله- تعالى-:
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ. من الزلفى بمعنى القرب، يقال: تزلف فلان إلى فلان، إذا تقرب منه.
وقوله: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ هو جواب الشرط لكل تلك الظروف السابقة. أى: إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت تبين لكل نفس ما عملته من خير أو شر، ومن حسن أو قبيح.. ورأت ذلك رأى العين، كما قال- تعالى-: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً...
والمراد بالنفس عموم الأنفس، لأن النكرة في سياق النفي تشمل كل نفس وأسند- سبحانه- الإحضار إلى النفوس، لأنها هي المباشرة لأعمالها في الدنيا، والتي ستجد جزاءها في الآخرة.
وجعلت معرفة النفوس لجزاء أعمالها، حاصلة عند حصول مجموع الشروط التي ذكرت في الجمل الاثنتى عشرة، لأن بعض الأزمان والأحوال التي تضمنتها هذه الشروط مقارن لحصول علم النفوس بأعمالها، كما في الستة الأخيرة، فإنها تكون عند فصل القضاء، وبعضها يحصل قبل ذلك بقليل، كما في الأحوال الستة المذكورة أولا، إلا أنه لما كان بعض هذه الأمور من مبادئ يوم القيامة، وبعضها من روادفه، نسب علمها بذلك إلى زمان وقوع هذه الأمور كلها، تهويلا للخطب، وتفظيعا للأمر. وإشعارا بأن ما يسبق يوم القيامة وما يعقبه، كل ذلك من الأهوال التي يشيب لها الولدان.
وبعد أن ساق- سبحانه- ما ساق من أحوال تدل على شدائد يوم القيامة، أتبع ذلك
(١) سورة الإسراء الآيتان ١٣، ١٤.
300
ﮒﮓﮔ
ﰎ
ﮖﮗ
ﰏ
ﮙﮚﮛ
ﰐ
ﮝﮞﮟ
ﰑ
ﮡﮢﮣﮤ
ﰒ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﰓ
ﮭﮮﮯ
ﰔ
ﮱﯓﯔ
ﰕ
ﯖﯗﯘﯙ
ﰖ
ﯛﯜﯝﯞﯟ
ﰗ
ﯡﯢﯣﯤﯥ
ﰘ
ﯧﯨ
ﰙ
ﯪﯫﯬﯭﯮ
ﰚ
ﯰﯱﯲﯳﯴ
ﰛ
ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ
ﰜ
ببيان أن هذا القرآن من عنده- تعالى- وأن الرسول ﷺ صادق فيما يبلغه عن ربه، فقال:
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١٥ الى ٢٩]
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩)
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤)
وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩)
والفاء في قوله- تعالى-: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ.. للتفريع على ما تقدم من تحقيق وقوع البعث، وهي تعطى- أيضا- معنى الإفصاح، و «لا» مزيدة لتأكيد القسم، وجواب القسم قوله- تعالى- إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ.
وبِالْخُنَّسِ- بزنة ركّع- جمع خانس، والخنوس: الاستخفاء والاستتار، يقال:
خنست الظبية والبقرة، إذا اختفت في بيتها.
والْجَوارِ جمع جارية، وهي التي تجرى بسرعة، من الجري بمعنى الإسراع في السير.
والْكُنَّسِ جمع كانس. يقال: كنس الظبى، إذا دخل كناسه- بكسر الكاف- وهو البيت الذي يتخذه للمبيت، وسمى بذلك لأنه يتخذه من أغصان الأشجار، ويكنس الرمل إليه حتى يكون مختفيا عن الأعين.
وهذه الصفات، المراد بها النجوم، لأنها بالنهار تكون مختفية عن الأنظار، ولا تظهر إلا بالليل، فشبهت بالظباء التي تختفى في بيوتها ولا تظهر إلا في أوقات معينة.
أى:
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١٥ الى ٢٩]
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩)
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤)
وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩)
والفاء في قوله- تعالى-: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ.. للتفريع على ما تقدم من تحقيق وقوع البعث، وهي تعطى- أيضا- معنى الإفصاح، و «لا» مزيدة لتأكيد القسم، وجواب القسم قوله- تعالى- إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ.
وبِالْخُنَّسِ- بزنة ركّع- جمع خانس، والخنوس: الاستخفاء والاستتار، يقال:
خنست الظبية والبقرة، إذا اختفت في بيتها.
والْجَوارِ جمع جارية، وهي التي تجرى بسرعة، من الجري بمعنى الإسراع في السير.
والْكُنَّسِ جمع كانس. يقال: كنس الظبى، إذا دخل كناسه- بكسر الكاف- وهو البيت الذي يتخذه للمبيت، وسمى بذلك لأنه يتخذه من أغصان الأشجار، ويكنس الرمل إليه حتى يكون مختفيا عن الأعين.
وهذه الصفات، المراد بها النجوم، لأنها بالنهار تكون مختفية عن الأنظار، ولا تظهر إلا بالليل، فشبهت بالظباء التي تختفى في بيوتها ولا تظهر إلا في أوقات معينة.
أى: