تفسير سورة التكوير

أيسر التفاسير للجزائري
تفسير سورة سورة التكوير من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري .
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

سورة التكوير

بسم الله الرحمن الرحيم

مكية وآياتها تسع وعشرون آية
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (ا٥) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (٦) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (١١) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (١٤)
شرح الكلمات:
إذا: أي ظرف لما ذكر بعد من المواضع الأثنى عشر، وجوابها علمت نفس
ما أحضرت.
كورت: أي لفت وذهب بنورها.
انكدرت: أي انقضت وتساقطت على الأرض.
سيرت: ذهب بها على وجه الأرض فصارت هباء منبثا.
وإذا العشار: أي النوق الحوامل.
عطلت: أي تركت بلا راع أو بلا حلب لما دهاهم من الأمر.
الوحوش حشرت: أي جمعت وماتت.
وإذا البحار سجرت: أي أوقدت فصارت نارا.
وإذا النفوس زوجت: أي قرنت بأجسادها ثم بقرنائها وأمثالها في الخير والشر.
وإذا الموءودة: أي البنت تدفن حية خوف العار أو الحاجة.
سئلت: أي تبكيتا لقاتلها.
بأي ذنب قتلت: أي بأي ذنب.
وإذا الصحف نشرت: أي صحف الأعمال فتحت وبسطت.
523
وإذا السماء كشطت: أي نزعت من أماكنها كما ينزع الجلد عن الشاة.
وإذا الجحيم سعرت: أي نار أججت.
وإذا الجنة أزلفت: أي قربت لأهلها ليدخلوها.
علمت نفس ما أحضرت: أي كل نفس وقت هذه المذكورات ما أحضرت من خير وشر.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿إذا الشمس كورت﴾ إلى قوله ﴿علمت نفس ما أحضرت﴾ إشتمل على إثنى عشر حدثا جلالا، ستة أحداث منها في الدنيا وستة في الآخرة وكلها معتبرة شرطا لجواب واحد وهو قوله تعالى علمت نفس ما أحضرت أي من خير وشر لتجزى به والسياق كله في تقرير عقيدة البعث والجزاء التي انكرها العرب المشركون وبالغوا في إنكارها مبالغة شديدة وكونها عليها مدار إصلاح الفرد والجماعة وأنه بدونها لا يتم إصلاح ولا تهذيب ولا تطهير عني القرآن بها عناية فائقة ويدل لذلك أن فواتح السور والصافات والذاريات والطور والمرسلات والنازعات والتكوير والانفطار والانشقاق والبروج والفجر كل هذه بما فيها من إقسامات عظيمة هي لتقرير عقيدة البعث والجزاء. وهذه الأحداث الستة التي تقع في الدنيا وهي مباديء الآخرة:
١- تكوير١ الشمس بلفها وذهاب ضوئها.
٢- إنكدار٢ النجوم بانقضائها وسقوطها على الأرض.
٣- تسيير الجبال بذهابها عن وجه الأرض واستحالتها إلى هباء يتطاير.
٤- تعطيل العشار
٣ وهي النوق الحوامل فلا تحلب ولا تركب ولا ترعى لما أصاب أهلها من الهول والفزع وكانت أفضل أموالهم وأحبها إلى نفوسهم.
٥- حشر الوحوش وموتها وهي دواب البر قاطبة.
٦- تسجير٤ البحار باشتعالها نارا.
وهذه الأحداث الستة التي تقع في الآخرة:
١ قال أبو عبيدة: كورت مثل تكوير العمامة فتلف وقال الربيع كورت ورمي بها.
٢ انكدرت تهافتت وتناثرت، وقال أبو عبيدة انصبت كما ينصب العقاب إذا انكسر قال العجاج يصف صقراً:
أبصر خربان فضاء فانكدر
تقضي الباز إذا البازي كسر
٣العشار واحدها عشراء وهي التي مضى على حملها عشرة أشهر ثم لا يزال اسمها كذلك حتى تضع.
٤أو جائز أن يكون تسجير البحار فيضانها بتجاوز مياها معدل سطوحها، وجائز أن تشتعل فيها النار فتحترق، وظاهرة وجود البترول تحت سطحها تدل على أنها تحترق وتسجر كما يسجر التنور.
524
١- تزويج النفوس وهو قرنها بأجسادها بعد خلق الأجساد لها، وبعد ذلك بأمثالها في الخير والشر.
٢- سؤال الموءودة عن١ذنبها التي قتلت به.
٣- نشر صحف الأعمال وفتحها وبسطها.
٤- كشط السماء٢ أي نزعها من أماكنها نزع الجلد عن الشاة عند سلخها.
٥- تسعير النار أي تأجيجها وتقويتها.
٦- إزلاف الجنة وتقريبها لأهلها أهل الإيمان والتقوى.
وجوب هذه الأحداث التي وقعت شرطا لحرف (إذا) هو قوله تعالى علمت نفس٣ ما أحضرت من حسنات فتصير بها إلى الجنة، أو سيئات فتصير بها إلى النار. الهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٢- بيان مفصل عن مبادىء القيامة، وخواتيمها وفي حديث الترمذي الحسن الذي قال فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سره أن ينظر إلي يوم القيامة فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء انشقت.
٣- الترغيب في الإيمان والعمل الصالح إذ بهما المصير إلى الجنة.
٤- الترهيب من الشرك والمعاصي إذ بهما المصير إلى النار.
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١)) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ
١ الوأد: دفن الطفلة وهي حية، وكان العرب في الجاهلية يئدون البنات خشية العار، ويقتلون أولادهم خشية الفقر أو لنذرهم إياهم للآلهة.
٢ الكشط إزالة الإهاب "الجلد" عن الحيوان الميت.
٣ روي أن عمر رضي الله عنه قرأ هذه السورة فلما بلغ قوله تعالى (علمت نفس ما أحضرت) قال لهذا أجريت القصة.
525
(٢٣) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)
شرح الكلمات:
الخنس: أي التي تخنس بالنهار أي تختفي وتظهر بالليل.
الجوار الكنس: أي التي تجري أحيانا وتكنس في مكانسها أحيانا أخرى والمكانس محل إيوائها كمكانس بقر الوحش وهي الدرارى الخمسة عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل.
إذا عسعس: أي أقبل وأدبر لأن عسعس من أسماء الأضداد.
تنفس: أي امتد حتى يصير نهاراً بيناً.
إنه: أي القرآن.
لقول رسول كريم: أي جبريل كريم على الله تعالى وأضيف إليه القرآن لنزوله به.
ذي قوة: أي شديد القوى.
عند ذي العرش مكين: أي عند الله تعالى ذّي مكانة.
مطاع ثم أمين: أي مطاع في السماء تطيعه الملائكة أمين على الوحي.
وما صاحبكم بمجنون: أي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي ليس به جنون.
ولقد رآه بالأفق المبين: أي ولقد رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبريل على صورته التي خلق عليها بالأفق الأعلى البين من ناحية المشرق.
وما هو على الغيب: أي وما محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الغيب وهو ما غاب من الوحي وخبر السماء.
بضنين: أي ببخيل وفي قراءة بالظاء أي بمتهم فينقص منه ولا يعطيه كله.
وما هو بقول شيطان رجيم: أي وليس القرآن بقول شيطان مسترق للسمع.
فأين تذهبون: أي فأي طريق تسلكون في إنكاركم القرآن وإعراضكم عنه.
ما هو إلا ذكر للعالمين: أي ما القرآن إلا موعظة للجن والإنس.
أن يستقيم: أي يتحرى الحق ويعتقده ويعمل بمقتضاه.
وما تشاءون إلا أن يشاء الله: أي ومن شاء الاستقامة منكم فإنه لم يشأها إلا بعد أن شاءها الله قبله إذ لو لم
يشأها الله ما أشاءها عبده
526
معنى الآيات:
لما قرر تعالى عقيدة البعث والجزاء بوصف كامل لأحداثها وكان الوصف من طريق الوحي فافتقر الموضوع إلى صحة الوحي والإيمان به فإذا صح الوحي وآمن به العبد آمن بصحة البعث والجزاء. ومن هنا أقسم تعالى بأعظم قسم على أن القرآن نزل به جبريل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما يقوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو كلام الله ووحيه وليس هو بمجنون يقول ما لا يدري ويهذر بما لا يعني ولا هو بقول شيطان رجيم ممن يسترقون السمع ويلقونه إلى إخوانهم من الكهان بل هو كلام الله صدقا وحقاً وما يخبر به كما يخبر صدق وحق فقال تعالى ﴿فَلا﴾ أي ليس١ الأمر كما تدعون بأن ما يقوله رسولنا هو من جنس ما تقوله الكهنة. ولا مما يقوله الشعراء، ولا هو بكلام مجانين. ولا هو سحر الساحرين أقسم بالخنس الجوار الكنس أي بكل ما يكنس ويجري ويكنس من الظباء وبقر الوحش والكواكب والدراري الخمسة عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل. والمراد من الخنوس الاختفاء والكنوس إيواءها إلى مكانسها مواضع٢ إيوائها. وقوله ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَْ﴾ أي أقسم بالليل إذا أقبل أو أدبر إذ لفظ عسعس بمعنى أقبل وأدبر فهو لفظ مشترك بين الإقبال والإدبار ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ أي امتد ضوءه فصار نهاراً بيناً أقسم بكل هذه المذكورات على أن القرآن الذي يصف لكم البعث والجزاء حق الوصف هو قول رسول كريم أي جبريل الكريم على ربه ذي قوة لا يقادر قدرها فلا يقدر إنس ولا جن على انتزاع ما عنده من الوحي ولا على زيادة فيه أو نقص منه. عند ذي العرش سبحانه وتعالى مكين أي ذي مكانة محترمة مطاع في السماوات أمين على الوحي هذا أولاً وثانياً والله وما صاحبكم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿بِمَجْنُونٍ﴾ كما تقولون ﴿وَلَقَدْ رَآه﴾ أي رأى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبريل بالأفق المبين رآه على صورته التي خلقه الله عليها وله ستمائة جناح رآه بالأفق ناحية الشرق وقد سد الأفق كله، والأفق بين والنهار طالع. ﴿وَمَا هُوَ﴾ أي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾ ٣ أي بمظنون فيه التهمة بأن يزيد فيه أو ينقص منه أو يبدل فيه أو يغير كما هو ليس ببخيل فيظن فيه أنه يكتم منه شيئاً أو يخفيه بخلاً به أو ينقص منه شحاً به وبخلاً. ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ ممن يسترقون السمع ويلقونه إلى أوليائهم من الإنس فيخلطون فيه ويكذبون. وقوله تعالى:
١ فلا أقسم الفاء للتفريع أي لتفريع الكلام اللاحق على السابق وجائز أن تكون لا مزيدة لتقوية القسم، وكونها نافية رداً على باطل المشركين أولا كما في التفسير.
٢ الخنس جمع خانسة وهي التي تخنس. أي تختفي، والكنس جمع كانسة: كنس الظبي إذا دخل كناسه بكسر الكاف وهو البيت الذي يتخذه للمبيت، وقيل الكنوس أن تأوي إلى مكانسها وهي المواضع التي تأوي إليها الوحوش والظباء. قال الأعشى:
فلما أتينا الحي أتلع أنسٌ
كما أتلعت تحت المكانس ربرب
٣ قريء في السبع بظنين ومعناه بمتهم من ظننت كذا وقريء بضنين بالضاد بمعنى بخيل ولذا شرحت الآية مراعياً فيها القراءتين وكلا المعنيين صحيح فلا هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمتهم على الوحي ولا ببخيل به ولا بغيره.
527
﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ ينكر عليهم مسلكهم الشائن في تكذيب رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتهامه بالسحر، والقرآن بالشعر والكهانة والأساطير. وقوله إن هو إلا ذكر للعالمين أي ما القرآن إلا ذكر للعالمين من الإنس والجن يذكرون به خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم وماله عليهم من حق العبادة وواجب الشكر ويتعظون به فيخافون ربهم فلا يعصونه بترك فرائضه عليهم ولا بارتكاب ما حرمه عليهم وقوله تعالى لمن شاء منكم أن يستقين على منهاج الحق فيتحرى الحق أولا ويؤمن به ويعمل بمقتضاه ثانيا. ولما سمع أبو جهل هذه الآية ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾ قال الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم. أنزل تعالى قوله ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ فاكبت اللعين فاعلم أن من شاء الاستقامة من العالمين لم يشأها إلا بعد أن شاءها الله تعالى ولو لم يشأها الله تعالى والله ما شاءها العبد أبدا إذ مشيئة الله سابقة لمشيئة العبد. وفي كل ما يشاؤه الإنسان فإن مشيئة الله سابقة لمشيئته لأن الإنسان عبد والله رب والرب لا مشيئة تسبق مشيئته.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- مشروعية الإقسام بالله تعالى وأسمائه وصفاته.
٢- تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية.
٣- بيان صفات جبريل الكمالية الأمانة، القوة، علو المكانة، الطاعة، الكرم.
٤- براءة الرسول مما اتهمه به المشركون.
٥- بيان أن مشيئة الله سابقة لمشيئة العبد. فلا يقع في ملك الله تعالى إلا ما يريد.
528
سورة الانفطار
مكية وآياتها تسع عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ
528
Icon