تفسير سورة الزمر

أيسر التفاسير للجزائري
تفسير سورة سورة الزمر من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري .
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

سورة الزمر (١)
مكية
وآياتها خمس وسبعون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (٣) لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٤)
شرح الكلمات:
تنزيل الكتاب: أي القرآن من الله.
العزيز الحكيم: أي العزيز في مُلكه وانتقامه الحكيم في صنعه وتدبير خلقه.
مخلصاً له الدين: أي مفرداً إياه بالعبادة فلا تشرك بعبادته أحداً.
لله الدين الخالص: أي له وحده خالص العبادة لا يشاركه في ذلك أحد سواه.
أولياء: أي شركاء وهي الأصنام.
ليقربونا إلى الله زلفى: تقريباً وتشفع لنا عند الله.
من هو كاذب كفار: أي كاذب على الله كفار بعبادته غير الله تعالى.
سبحانه: أي تنزيهاً له عن الولد والشريك.
١- سميت بالزمر لذكر لفظ الزمر فيها ولم يذكر في غيرها قط والزمر جمع زمرة وهي الفوج المتبوع بفوج آخر.
465
هو الله الواحد القهار: أي المعبود الحق الواحد الذي لا شريك له في ملكه وسلطانه القهار لخلقه.
معنى الآيات:
﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ (١) مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ يخبر تعالى أن تنزيل القرآن كان منه سبحانه وتعالى وهو العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبير خلقه. ولم يكن عن غيره بحال من الأحوال وقوله تعالى ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ (٢) يخبر تعالى رسوله بقوله ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ (٣) ﴾ أي القرآن العظيم ﴿بِالْحَقِّ﴾ في كل ما جاء فيه ودعا إليه من العقائد والعبادات والأحكام وعليه ﴿فَاعْبُدِ (٤) اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾ أي العبادة فلا تعبد معه غيره فإن العبادة لا تصلح لغيره أبداً ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ (٥) ﴾ أي شركاء يعبدونهم ويقولون ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾ أي تقريبا ويشفعوا لنا عند الله في قضاء حوائجنا هؤلاء يحكم الله بينهم في ما هم فيه مختلفون مع المؤمنين الموحدين وذلك يوم القيامة وسيجزي بعدله كلا بما يستحقه من إنعام وتكريم أو شقاء وتعذيب. وقوله تعالى ﴿إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ يخبر تعالى بحرمان أناس من هدايته وهم الذين توغلوا في الفساد فكذبوا على الله تعالى وعلى عباده وأصبح الكذب وصفاً لازماً لهم، وكفروا وبالغوا في الكفر بالله وآياته ورسوله ولقائه فأصبح الكفر وصفاً ثابتاً لهم، إذ هذه سنته في حرمان العبد من الهداية ليمضي فيه حكم الله بإشقائه وتعذيبه يوم القيامة. وقوله تعالى ﴿لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً﴾ كما يزعم المشركون الذين قالوا الملائكة بنات الله، وكما قال النصارى المسيح ابن الله، وكما قال اليهود عزير ابن الله، ولو أراد الله أن يكون له ولد لاصطفى واختار مما يخلق ما يشاء، ولا يتركهم ينسبون إليه الولد افتراء عليه وكذباً، ولكنه تعالى منزه عن صفات المحدثين وافتقار المخلوقين إذ هو الله ذو الألوهية على سائر خلقه الواحد الذي لا شريك له في ملكه وسلطانه وحكمه القهار لسائر خلقه فسبحانه لا إله غيره ولا رب سواه.
١ - تنزيل الكتاب، أي القرآن – جائز أن يكون تنزيل الكتاب مبتدأ والخبر من الله وجائز أن يكون تنزيل خبر والمبتدأ محذوف أي هذا تنزيل.
٢ - بالحق الباء للملابسة أي ملابساً للحق فلا باطل معه.
٣ - فيه تقرير نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والإعلان عن شرفه بإنزال الكتاب عليه.
٤ - الفاء للتفريع، أي فبناء على إنزالنا عليك الكتاب فاعبد الله، ومخلصاً حال، والدين العبادة، وإخلاص العبادة تجريدها من الالتفات إلى غير الله تعالى لطلب مدح أو نفع أو دفع مكروه أو اتقاء ذم.
٥ - ألا لله الدين الخالص افتتاح الجملة بألا للتنبيه على شرف ما دخلت عليه والتنويه به. اللام في لله للملك والاستحقاق وفي الآية دليل على وجوب الإخلاص في العبادة ووجوب النية فيها ولا عبادة بدون نية صحيحة ولا يضر النية الخاطر يخطر بالقلب لا يملك المرء دفعه.
466
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير النبوة المحمدية.
٢- تقرير التوحيد.
٣- بطلان الشرك والتنديد بالمشركين.
٤- تقرير البعث والجزاء يوم القيامة.
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٧)
شرح الكلمات:
خلق السموات والأرض بالحق: أي من أجل أن يذكر ويشكر لا من أجل اللهو والعبث.
يكور الليل على النهار: أي يدخل أحدهما في الآخر فإذا جاء الليل ذهب النهار والعكس كذلك.
467
وسخر الشمس والقمر: أي ذللهما فلا يزالان يدوران في فلكيهما إلى نهاية الحياة وبدورتهما تتم مصالح سكان الأرض.
خلقكم من نفس واحدة: هي آدم عليه السلام.
ثم جعل منها زوجها: هي حواء خلقها الله تعالى من ضلع آدم الأيسر.
وأنزل لكم من الأنعام: أي أنزل المطر فأنبت العشب فخلق الأنعام فهذا وجه لإنزالها.
ثمانية أزواج: أي من الإبل اثنين ومن البقر اثنين ومن الضأن اثنين ومن المعز اثنين.
يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق: أي أطواراً طوراً بعد طورٍ نطفة فعلقة فمضغة.
في ظلمات ثلاث: أي ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة.
ولا تزر وازرة وزر أخرى: أي لا تحمل نفس ذات وزر وزرَ نفس أخرى.
إنه عليم بذات الصدور: أي ما يخفيه المرء في صدره وما يسره في ضميره.
معنى الآيات:
هذه الآيات الكريمة في تقرير التوحيد بذكر الأدلة والبراهين التي لا تدع للشك مجالاً في نفوس العقلاء فقال تعالى في الآية (٥) ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ (١) وَالْأَرْضَ﴾ أي أوجدهما خلقاً على غير مثال سابق وخلقهما بالحق لغايات سامية شريفة وليس للباطل والعبث ومن تلك الغايات أن يعبد فيها فيذكر ويشكر. وقوله ﴿يُكَوِّرُ (٢) اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾ أي يغشي هذا هذا فيغطيه به ويستره كأنما لفّه عليه وغشاه به وهذا برهان ثان فالأول برهان الخلق للسموات والأرض وبرهان ثالث في قوله ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ (٣) مُسَمّىً﴾ يدوران في فلكيهما إلى قيام الساعة وفي ذلك من الفوائد والمصالح للعباد ما لا يقادر قدره من ذلك معرفة عدد السنين والحساب. وقوله ﴿أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٤) ﴾ إعلان وتنبيه بأنه تعالى عزيز في بطشه وانتقامه من أعدائه غفّار لعباده التائبين إليه. وقوله تعالى في الآية (٦) ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ هي آدم عليه السلام فقد صح أنه
١ - هذه الجملة بيان لجملة هو الله الواحد القهار.
٢ - وهذه الجملة بيان ثان أيضاً وحقيقة التكوير أنه اللف واللي يقال كور العمامة على رأسه إذا لفها ولوّاها وهذا تمثيل بديع لتعاقب الليل والنهار.
٣ - كل التنوين للعوض أي كل واحد منهما يجري لأجل مسمى هو أجل فنائهما.
٤ - استئناف ابتدائي وجملة فإنكم الخ استدلال على صفة العزة والمغفرة في العزيز الغفار.
468
لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ذرّيته وأشهدهم على أنفسهم، ولهذا جاء العطف بثم إذ ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ أي بعد أن مسح على ظهر آدم وأخرج ذرّيته من ظهره وأشهدهم على أنفسهم خلق حواء من ضلعه الأيسر، وهذا برهان وآخر في قوله ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ﴾ وهي الإبل والبقر والغنم ضأن وماعز وهي ذكر وأنثى فالذكر زوج والأنثى زوج فهي ثمانية أزواج وجائز أن يكون أصل هذه الأنعام قد أنزله من السماء كما أنزل آدم وحواء من السماء، (١) وجائز أن يكون أنزل الماء فنبت العشب وتكونت هذه الأنعام من ذلك فالأصل الإنزال من السماء وتدرج الخلق كان في الأرض. وبرهان رابع في قوله ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ (٢) خَلْقٍ﴾ أي نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم نكسوا العظام لحماً فإذا هو إنسان كامل وقوله ﴿فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ﴾ هي ظلمة بطن الأم، ثم ظلمة الرحم، ثم ظلمة المشيمة، وهي غشاء يكون للولد وفي الحيوان يقال له السَّلي وقوله بعد ذكر هذه البراهين قال ﴿ذَلِكُمُ اللهُ (٣) رَبُّكُمْ﴾ أي خالقكم ومعبودكم الحق ﴿لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ أي لا معبود إلا هو غذ لا تصلح العبادة إلا له ﴿فَأَنَّى (٤) تُصْرَفُونَ﴾ أي كيف تصرفون عن الحق إلى الباطل، وعن الهدى إلى الضلال إن أمركم عجبٌ. وقوله في الآية (٧) ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾ أي بعد أن بين بالأدلة القاطعة وجوب الإيمان به ووجوب عبادته، وأنه الرب الحق وإله الحق أعلم عباده أن كفرهم به لا يضره أبداً لأنه غنيّ عنهم وعن سائر خلقه إلا أنه لرحمته بعباده لا يرضى لهم الكفر لما يسببه لهم من شقاء وخسران، كما أنهم إن آمنوا وشكروا يرضه لهم فيثيبهم أحسن ثواب ويجزيهم أحسن جزاء. وقوله ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ هذا مظهر من مظاهر عدله بين عباده وهو أن نفسا ذات وزر أي ذنب لا تحمل وزر أي ذنب نفس أخرى بل كل نفس تحمل وزرها وتتحمل تبعته ونتائجه وحدها. وقوله تعالى ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ﴾ أي بعد الموت {فَيُنَبِّئُكُمْ
١ - ووجه ثالث وهو جائز أن يكون الإنزال بمعنى التسخير نحو وأنزلنا الحديد أي ذللناه لكم تصنعون منه السيوف والرماح وهذ كقولك نزل فلان على رأي فلان قال الشاعر:
أنزلني الدهر على حكمه
من شاهق عال إلى خفض.
٢ - أي طوراً بعد طور لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويأمر بكتب أربع كلمات رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد" الحديث (مسلم).
٣ - هذه الجملة كالفذلكة والنتيجة لما سبق من ذكر آيات العلم والقدرة والرحمة الموجبة للألوهية الحقة للرب الحق سبحانه وتعالى.
٤ - فأنى تصرفون الاستفهام للإنكار مشوباً بالتعجب من حال انصرافهم عن الحق بعد ظهور أدلته وسطوع براهينه، عجبا لكم كيف صرفتم وبناء الفعل للمجهول إشارة واضحة إلى أنهم يصرفون بقوى غير قواهم وهي قوى الشياطين التي تزين لهم الباطل وتبغض لهم الحق.
469
بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي فيخبركم بأعمالكم خفيها وجليها صغيرها وكبيرها ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ فضلا عما كان عملاً ظاهرا غير باطن ويجزيكم بذلك الخير بمثله والشر بمثله. فهذا ربكم الحق وإلهكم الصدق فآمنوا به ووحدوه ولا تشركوا به وأطيعوه ولا تعصوه تنجوا وتسعدوا في الدنيا والآخرة. ولا يهلك على الله إلا هالك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان آيات الله في الكون وإيرادها أدلة على التوحيد.
٢- بيان إفضال الله تعالى على العباد في خلقهم ورزقهم.
٣- بيان أن الكفر أعجب من الإيمان إذ أدلة الإيمان لا تعد كثرة وأما الكفر فلا دليل عليه البتة ومع هذا أكثر الناس كافرون.
٤- بيان غنى الله تعالى عن خلقه وافتقار الخلق إليه.
٥- بيان عدالة الله تعالى يوم القيامة وتقريرها.
٦- بيان إحاطة علم الله بالخلق وعلمه بأفعالهم وأحوالهم ظاهراً وباطناً.
وَإِذَا مَسَّ الْإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (٨) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (٩)
شرح الكلمات:
وإذا مس الإنسان: الإنسان أي المشرك.
ضرّ: أي مرض أو خوف غرق ونحوه من كل مكروه لا يقدر على دفعه.
470
دعا ربه منيبا إليه: أي سأل ربه كشف ما أصابه من ضر راجعا إليه معرضاً عمن سواه.
إذا خوله نعمة منه: أي أعطاه نعمة منه بأن كشف ما به من ضر.
نسي ما كان يدعو إليه من قبل: أي ترك ما كان يتضرع إليه من قبل وهو الله سبحانه وتعالى.
وجعل لله أنداداً: أي شركاء.
ليضل عن سبيله: أي ليضل نفسه وغيره عن الإسلام.
قل تمتع بكفرك قليلا: أي قل يا نبينا لهذا الكافر الضال المضل تهديداً تمتع بكفرك بقية أجلك.
إنك من أصحاب النار: أي أهلها المتأهلين لها بخبث نفوسهم وظلمة أرواحهم.
قانت آناء (١) الليل: أي مطيع لله آناء الليل أي ساعات الليل ساجدا وقائماً في الصلاة.
إنما يتذكر أولوا الألباب: أي يتعظ بما يسمع من الآيات أصحاب العقول النيّرة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير التوحيد وإبطال التنديد، فقال تعالى مخبراً عن حال المشرك بربه المتخذ له أنداداً يعبدها معه ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإنْسَانَ (٢) ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ﴾ أي سأل ربّه راجعا إليه رافعا إليه يديه يا رباه يا رباه سائلا تفريج ما به وكشف ما نزل به ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ (٣) نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ﴾ حتى إذا فرّج الله كربه ونجاه، ترك دعاء الله، وأقبل على عبادة غير الله، ﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً﴾ أي شركاء ﴿لِيُضِلَّ﴾ (٤) نفسه وغيره. وهنا أمر تعالى رسوله أن يقول له نيابة عن الله تعالى قل يا رسولنا لهذا المشرك الكافر تمتع بكفرك قليلاً أي مدة بقية عمرك إنك من أصحاب النار، هكذا هدده ربّه وخوفه بعاقبة أمر الشرك والتنديد لعله ينتهي فيتوب توبة صادقة ويرجع إلى الله رجوعاً حسناً
١ - الآناء جمع أنىً مثل أمعاء ومَعىً وأقفاء وقفىً والأنى الساعة.
٢ - الإنسان هو اسم جنس دال على غير معين بل هو عام في كل مشرك بالله تعالى كافر به.
٣ - قوله أعطاه إذ التخويل الإعطاء والتمليك دون قصد عوض مأخوذ من الخول وهو اسم للعبد والخدم وفي الحديث "إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم" (الحديث).
٤ - اللام لام العاقبة، أي هو لم يقصد إضلال نفسه.
471
جميلا. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٨) أما الآية الثانية (٩) فيقول تعالى ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ (١) ﴾ أي مطيع لله ورسوله في أمرهما ونهيهما ﴿آنَاءَ اللَّيْلِ﴾ أي ساعات الليل تراه ساجدً في صلاته أو قائماً يتلوا آيات الله في صلاته، وفي نفس الوقت هو يحذر عذاب الآخرة ويسأل الله تعالى أن يقيه منه، ويرجو رحمة ربّه وهي الجنة أن يجعله الله من أهلها هذا خير أم ذلك الكافر الذي قيل له تمتع بكفرك قليلاً إنك من أصحاب النار، والجواب معلوم للعقلاء (٢) وقوله تعالى ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ﴾ محاب الله ومكارهه وهم يعملون على الإتيان بمحابّ الله تقرباً إليه، وعلى ترك مكارهه تحبّباً إليه، هل يستوي هؤلاء العاملون مع الذين لا يعلمون ما يحب وما يكره فهم يتخبطون في الضلال تخبط الجاهلين؟ والجواب لا يستوون وإنما يتذكر بمثل هذا التوجيه الإلهي والإرشاد الرباني أصحاب الألباب أي العقول السليمة الراجحة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد.
٢- الكشف عن داخلية الإنسان قبل أن يؤمن ويُسلم وهو أنه إنسان متناقض لا خير فيه ولا رشد له، فلا يرشد ولا يكمل إلا بالإيمان والتوحيد.
٣- بشرى الضالين عن سبيل الله المضلين عنه بالنار.
٤- مقارنة بين القانت المطيع، والعاصي المضل المبين، وبين العالم والجاهل، وتقرير أفضلية المؤمن المطيع على الكافر العاصي. وأفضلية العالم بالله وبمحابه ومكارهه والجاهل بذلك.
٥- فضل العالم على الجاهل لعمله بعلمه ولولا العمل بالعلم لاستويا في الخسة والانحطاط.
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (١٠)
١ - قرأ نافع أمن هو قانت بتخفيف الميم – وقرأ حفص أمن بتشديدها وجائز أن تكون الهمزة همزة استفهام ومن مبتدأ والخبر مقدر نحو أمن هو قانت أفضل أم من هو كافر وعلى قراءة التشديد فالهمزة للاستفهام وأمن كلمتان أم المعادلة أدغمت في من المبتدأ وجائز أن تكون أم منقطعة لمجرد الإضراب الانتقالي.
٢ - وهو أنهما لا يستويان بحال من الأحوال.
472
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (١٦)
شرح الكلمات:
اتقوا ربكم: أي اجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية بالإيمان والتقوى.
للذين أحسنوا: أي أحسنوا العبادة.
حسنة: أي الجنة.
أرض الله واسعة: أي فهاجروا فيها لتتمكنوا من عبادة الله إن منعتم منها في دياركم.
أمرت: أي أمرني ربي عز وجل.
مخلصاً له الدين: أي مفرداً إياه بالعبادة.
أول المسلمين: أي أول من يسلم في هذه الأمة فينقاد لله بعبادته والإخلاص له فيها.
عذاب يوم عظيم: أي عذاب يوم القيامة.
قل: أي يا رسولنا للمشركين.
الله أعبد: أي لا أعبد معه سواه.
مخلصا له ديني: أي مفرداً إياه بطاعتي وانقيادي.
فاعبدوا ما شئتم: أي إن أبيتم أيها المشركون عبادة الله وحده فاعبدوا ما شئتم من الأوثان فإنكم خاسرون.
خسروا أنفسهم: أي فحرموها الجنة وخلدوها في النار.
وأهليهم: أي الحور العين اللائي كن لهم في الجنة لو آمنوا واتقوا بفعل الطاعات وترك المنهيات.
ظلل من النار: أي دخان ولهب وحر من فوقهم ومن تحتهم.
473
ذلك: أي المذكور من عذاب النار.
يا عباد فاتقون: أي يا من أنا خالقهم ورازقهم ومالكهم وما يملكون فلذلك اتقون بالإيمان والتقوى.
معنى الآيات:
لقد تضمنت هذه الآيات الخمس توجيهات وإرشادات ربّانيّة للمؤمنين والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ففي الآية الأولى (١٠) يأمر تعالى رسوله أن يقول للمؤمنين اتقوا ربكم أي اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية وذلك بطاعته وطاعة رسوله، ويعلمهم معللا أمره إياهم بالتقوى بأن للذين أحسنوا الطاعة المطلوبة منهم الجنة، كما يعلمهم أنهم إذا لم يقدروا على الطاعة بين المشركين فليهاجروا إلى أرض يتمكنون فيها من طاعة الله ورسوله فيقول ﴿وأرض الله واسعة﴾ أي فهاجروا فيها ويشجعهم على الهجرة لأجل الطاعة فيقول ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ (١) ﴾ أي على الاغتراب والهجرة لأجل طاعة الله والرسول ﴿وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أي بلا كيل ولا وزن ولا عد لأنه فوق ذلك. وفي الآية الثانية (١١) والثالثة (١٢) يأمر تعالى رسوله موجهاً له بأن يقول للناس ﴿إِنِّي أُمِرْتُ﴾ أي أمرني ربي أن أعبد الله باعتقاد وقول وفعل ما يأمرني به وترك ما ينهاني عنه من ذلك مخلصاً له الدين، فلا أشرك في دين الله أحداً أي في عبادته أحداً، كما أمرني أن أكون أول المسلمين في هذه الأمة أي أول من يسلم قلبه وجوارحه الظاهرة والباطنة لله تعالى وفي الآيات الرابعة (١٣) والخامسة (١٤) يأمر الله تعالى رسوله أن يقول للمشركين إني أخاف إن عصيت ربي، فرضيت بعبادة غيره وأقررتها عذاب (٢) يوم عظيم كما يأمره أن يقول اللهَ أَعْبدُ أي الله وحده لا شريك له أعبد حال كوني مخلصا له ديني. وأما أنتم أيها المشركون إن أبيتم التوحيد فاعبدوا ما شئتم (٣) من آلهة دونه تعالى ويأمره أن يقول لهم إن الخاسرين بحق ليسوا بأولئك الذين يخسرون دنياهم فيفقدون الدار والبعير أو المال والأهل والولد بل هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم (٤) القيامة، وذلك
١ - وفسر بعضهم الصبر بالصوم وحقاً الصوم من الصبر وحسب الصوم أجراً أن يقول الله تعالى "الصوم لي وأنا أجزي به". إلا أن الآية عامة في الصبر في مواطنه الثلاث وهي صبر على الطاعات وصبر دون المعاصي وصبر على البلاء. ومن ذلك الهجرة إلى دار الإسلام.
٢ - ذهب بعضهم إلى أن الآية منسوخة بقوله تعالى ﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر﴾ ولا معنى لهذا النسخ إذ النسخ لا يكون في الأخبار. وإنما الآية من باب الفرض والتقدير إذ الرسول معصوم ولا يعصي وإذاً لا خوف عليه وإنما من باب طلب الهداية للآخرين قال له قل لهذا.
٣ - الأمر هنا للتهديد والوعيد والتوبيخ وليس للإذن بعبادة غير الله إذ القرآن كله نزل ليعبد الله تعالى وحده ولا يعبد معه سواه فكيف يأذن بعبادة ما شاءوا من آلهة.
٤ - روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ما من أحد إلا وخلق الله له زوجة في الجنة فإذا دخل النار خسر نفسه وأهله. وهو كذلك لقوله تعالى ﴿أولئك هم الوارثون﴾ أي يرث المسلم الكافر يرثه في أهله ومكانه في الجنة وسبب الإرث الإيمان والتقوى بإذن الله تعالى.
474
بتخليدهم في النار، وبعدم وصولهم إلى الحور العين المعدة لهم في الجنة لو أنهم آمنوا واتقوا. ألا ذلك أي هذا هو الخسران المبين ثم يوضح ذلك الخسران بالحال التالية وهي أن لهم وهم في النار من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل أي طبقات من فوقهم طبقة ومن تحتهم أخرى وكلها دخان ولهب وحر وأخيراً قوله تعالى ﴿ذَلِكَ﴾ أي المذكور من الخسران وعذاب الظلل يخوف الله تعالى به عباده المؤمنين ليواصلوا طاعتهم وصبرهم عليها فينجوا من النار ويظفروا بالجنان وقوله يا عباد فاتقون أي يا عبادي المؤمنين فاتقون ولا تعصون يحذرهم تعالى نفسه، والله رءوف بالعباد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان عناية الله تعالى برسوله والمؤمنين إذ أرشدهم إلى ما يكملهم ويسعدهم.
٢- وجوب التقوى والصبر على الأذى في ذلك.
٣- تقرير التوحيد بأن يعبد الله وحده.
٤- فضل الإسلام وشرف المسلمين.
٥- تقرير البعث والجزاء ببيان شيء من أهوال الآخرة وعذاب النار فيها.
٦- كل خسران في الدنيا إذا قيس بخسران الآخرة لا يعد خسراناً أبدا.
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٨) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ (٢٠)
475
شرح الكلمات:
والذين اجتنبوا الطاغوت (١) أن يعبدوها: أي تركوا عبادة الأصنام وغيرها مما يعبد من دون الله.
وأنابوا إلى الله: أي بالإيمان به وعبادته وتوحيده فيها.
لهم البشرى: بالجنة عند الموت وفي القبر وعند القيام من القبور.
فيتبعون أحسنه: أي أوفاه وأكمله وأقربه إلى مرضاة الله تعالى.
أولو الألباب: أي العقول السليمة.
أفمن حق عليه كلمة العذاب: أي وجب عليه العذاب بقول الله تعالى لأملأن جهنم.
أفأنت تنقذ من في النار: أي تخلصه منها وتخرجه من عذابها.
لكن الذين اتقوا ربهم: أي خافوه فآمنوا به وأطاعوه موحدين له في ذلك.
تجري من تحتها الأنهار: أي من خلال قصورها وأشجارها.
وعد الله: أي وعدهم الله تعالى وعداً فهو منجزه لهم.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى حال أهل النار من عبدة الأوثان وأن لهم من فوقهم ظللا من النار ومن تحتهم ظللا ذكر تعالى حال الذين اجتنبوا تلك الطواغيت فلم يعبدوها، وما أعد لهم من النعيم المقيم فجمع بذلك بين الترهيب والترغيب المطلوب لهداية البشر وإصلاحهم فقال عز وجل ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ﴾ أي أن يعبدوها وهي الأوثان وكل ما زين الشيطان عبادته ودعا الناس إلى عبادته وأضافوا إلى اجتناب الطاغوت الإنابة إلى الله تعالى بعبادته وتوحيده فيها هؤلاء لهم البشرى وهي في كتاب الله (٢) وعلى لسان رسول الله ويرونها عند نزول الموت وفي القبر وفي الحشر وكل هذا في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله تعالى ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ يأمر تعالى رسوله أن يبشر صنفاً من عباده بما بشر به الذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا
١ - الطاغوت مصدر أو اسم مصدر فعله طغا وهل هو واوي أو يائي خلاف والأشهر أنه واوي نحو طغا طغواً كعلا يعلو علواً وقولهم الطغيان دال على أنه يائيّ وتاؤه زائدة كما زيدت في رحموت وملكوت وقيل هو اسم أعجمي كجالوت وطالوت.
٢ - شاهده قوله تعالى ﴿وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا﴾ (البقرة) ومن السنة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له في بيان قوله تعالى ﴿لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾ من سورة يونس ومن القرآن ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون﴾ فهذه عند الموت.
476
إلى الله وهم الذين يستمعون القول من قائله فيتبعون أحسن ما يستمعون، ويتركون حسنه (١) وسيئه معاً فهؤلاء لهم همم عالية ونفوس تواقة للخير والكمال شريفة فاستوجبوا بذلك البشرى على لسان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والثناء الجميل من رب العالمين إذ قال تعالى فيهم ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ فحسبهم كمالاً أن أثنى تعالى عليهم. اللهم اجعلني منهم ومن سأل لي وله ذلك. وقوله ﴿أَفَمَنْ (٢) حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ﴾ أي وجب له العذاب قضاء وقدراً فأسرف في الكفر والظلم والإجرام والعدوان كأبي جهل والعاص بن وائل فأحاطت به خطيئاته فكان من أصحاب النار فهل تستطيع أيها الرسول إنقاذه من النار وتخليصه منها؟ والجواب لا. إذاً فهوّن على نفسك واتركهم لشأنهم وما خلقوا له وحكم به عليهم. وقوله تعالى ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ فآمنوا وعملوا الصالحات لهم غرف في الجنة من فوقها غرف وهي العلية تكون فوق الغرفة تجري من تحتها الأنهار من تحت القصور والأشجار أنهار الماء واللبن والعسل والخمر. وقوله ﴿وَعْدَ اللهِ﴾ أي وعدهم الله تعالى بها وعداً حقاً فهو منجزه لهم إذ هو تعالى لا يخلف الميعاد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- كرامة زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي إذ هذه الآية تعنيهم فقد رفضوا عبادة الطاغوت في الجاهلية قبل الإسلام ثم أنابوا إلى ربهم فصدقت الآية عليهم.
٢- فضيلة أهل التمييز والوعي والإدراك الذين يميزون بين ما يسمعون فيتبعون الأحسن ويتركون ما دونه من الحسن والسيء.
٣- إعلام من الله تعالى أن من وجبت له النار أزلاً لا تمكن هدايته مهما بذل الداعي في هدايته وإصلاحه ما بذل.
٤- بيان ما أعد الله تعالى لأهل الإيمان والتقوى من نعيم الجنة وكرامة الله لأهلها.
١ - جائز أن يراد بكلمة أحسن حسنه فهم يستمعون القول من قائله ويفهمونه فإن كان حقاً وهدى أخذوا به وإن كان باطلاً وضلالاً تركوه وابتعدوا عنه. فقد روي عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في عثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعيد بن زيد وسعد بن أبي وقاص جاءوا إلى أبي بكر حين أسلم فأخبرهم بإيمانه فآمنوا.
٢ - الاستفهام الأول والثاني كلاهما إنكاري ينكر تعالى على رسوله حزنه وألمه على عدم إيمان عمه أبي لهب وولده ومن لم يؤمن من قرابته ممن وجبت لهم النار في سابق علم الله فهم لا يؤمنون، ولذا فرع عنه قوله أفأنت تنقذ من في النار؟ إنك لا تقدر على ذلك فهون على نفسك.
477
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٢١) أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢) اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٢٣)
شرح الكلمات:
فسلكه ينابيع في الأرض: أي أدخله في الأرض فصار جارياً تحتها ينبع منها فكان بذلك ينابيع.
مختلفاً ألوانه: أي ما بين أخضر وأبيض وأحمر وأصفر وأنواعه من بر وشعير وذرة.
ثم يهيج فتراه مصفراً: أي ييبس فتراه أيها الرائي بعد الخضرة مصفراً.
ثم يجعله حطاماً: أي فتاتا متكسرا.
إن في ذلك لذكرى: أي إن في ذلك المذكور من إنزال الماء إلى أن يكون حطاماً تذكيراً.
أفمن شرح الله صدره للإسلام: أي فاهتدى به كمن لم يشرح الله صدره فلم يهتد؟
فهو على نور من ربه: أي فهو يعيش في حياته على نور من ربّه وهو معرفة الله وشرائعه.
478
فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله: ويل كلمة عذاب للقاسية قلوبهم عن قبول القرآن فلم تؤمن به ولم تعمل بما فيه.
أحسن الحديث كتاباً: هو القرآن الكريم.
متشابهاً: أي يشبه بعضه بعضاً في النظم والحسن وصحة المعاني.
مثاني: أي ثنّى فيه الوعد والوعيد كالقصص والأحكام.
تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم: أي ترتعد منه جلود الذين يخشون ربهم وذلك عند ذكر وعيده.
ثم تلين جلودهم وقلوبهم: أي تطمئن وتلين.
إلى ذكر الله: أي عند ذكر وعده لأهل الإيمان والتقوى بالجنة وما فيها من نعيم مقيم.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ هذه الآية الكريمة تقرر التوحيد والبعث والجزاء بذكر مظاهر القدرة والعلم الإلهيين، وهما مقتضيان لوجود الله أولاً ثم وجوب الإيمان به وبلقائه فقال تعالى مخاطباً رسوله ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ (١) وهو المطر ﴿فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ﴾ أي أدخله فيها وأخرجه منها ينابيع بواسطة حفر وبدونه، ثم يخرج به زرعاً من قمح وشعير وذرة وغيرها مختلفاً ألوانه من أحمر وأبيض وأصفر ﴿ثُمَّ يَهِيجُ﴾ حسب سنة الله تعالى في ذلك فيجف ﴿فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً﴾ أي فتاتا متكسراً كالتبن كل هذا يتم بقدرة الله وعلمه وتدبيره ففيه موعظة وذكرى لأولي القلوب الحيّة تهديهم إلى الإيمان بالله وبآياته ولقائه، وما يستتبع ذلك من الطاعة والتوحيد وقوله تعالى ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ﴾ (٢) أي وسع صدره وفسحه فقبل الإسلام ديناً فاعتقد عقائده وعمل بشرائعه فامتثل أوامره واجتنب نواهيه فهو يعيش على نور من ربه ومقابل هذا محذوف اكتفى بالأول عنه وتقديره كمن طبع الله على قلبه وجعل صدره حرجاً ضيقاً فلم يقبل الإسلام ولم يدخل فيه، وعاش على الكفر والشرك والمعاصي فهو يعيش على ظلمة الكفر ودخن الذنوب
١ - تضمنت هذه الآية الكريمة مثالين زيادة على ما دلت عليه بظاهر كلماتها المثال الأول هو أن القرآن الكريم ينزل من عند الله فيحيي الله تعالى به القلوب الميتة فتحيى وتشرف وتبلغ الكمال في الطهر والإشراق. والثاني هو أن حياة الإنسان تبتدئ بنطفة المني فتستقر في الرحم ثم تخرج طفلاً ثم يكبر فيصبح شاباً فكهلاً ثم يهرم ويهلك. والخطاب صالح لكل من له أهلية النظر.
٢ - شرح الصدر عبارة عن قبول الهدى والاستنارة به، والاستفهام إنكاري ومن مبتدأ والخبر محذوف تقديره كمن ضاق صدره بالكفر وغشيته ظلمته فهو لا يعي ولا يفهم ما يقال له وما يدعى إليه من الهدى والخير هل حالهما واحدة والجواب لا.
479
وعفن الفساد والشر. وقوله تعالى ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ (١) ذِكْرِ اللهِ﴾ يتوعد الله تعالى بالعذاب أصحاب القلوب القاسية من سماع القرآن وهذه أسوأ حال العبد إذا كان يهلك بالدواء ويضل بالهدى فسماع القرآن الأصل فيه أن يلين القلوب الصالحة للحياة فإذا كانت القلوب ميتة غير قابلة للحياة سماع القرآن زادها موتاً وقسوة، ويدل على هذا قوله ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) ﴾ فهدايتهم متعذرة إذا كان الدواء يزيد في علتهم وآيات الهداية تزيد في ضلالتهم. وقوله تعالى ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ هذه الآية نزلت لما قال أصحاب الرسول يوماً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثنا يا رسول الله فأنزل الله تعالى قوله ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ (٣) ﴾ وهو القرآن ﴿كِتَاباً مُتَشَابِهاً﴾ أي يشبه بعضه بعضاً في حسن اللفظ وصحة المعاني ﴿مَثَانِيَ﴾ أي يثني فيه الوعد والوعيد والأمر والنهي والقصص، ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ أي عند سماع آيات الوعيد فيه ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ﴾ إذا سمعوا آيات الوعد وتطمئن قلوبهم إذا سمعوا حججه وأدلته وقوله ﴿إِلَى ذِكْرِ اللهِ﴾ أي القرآن وذكر الله بوعده ووعيده وأسمائه وصفاته ويشهد له قوله تعالى من سورة الرعد ﴿أَلا بِذِكْرِ (٤) اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ وقوله تعالى ﴿ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ أي ذلك المذكور وهو القرآن الكريم هدى الله إذ هو الذي أنزله وجعله هادياً يهدي به من يشاء هدايته بمعنى يوفقه للإيمان والعمل به وترك الشرك والمعاصي. وقوله ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ لما سبق في علم الله ولوجود مانع منع من هدايته كالإصرار على والعناد والتقليد. فهذا ليس له من هاد يهديه بعد الله أبداً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- مظاهر العلم والقدرة الإلهية الموجبة للإيمان به وبرسوله ولقائه.
١ - من بمعنى عن لتضمين القساوة في الإعراض والنفور إذ يقال أعرض عن كذا ونفر عنه وذكر الله هنا القرآن كما في التفسير.
٢ - ﴿أولئك في ضلال مبين﴾ الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً إذ هو جواب لمن سأل عن قساوة قلوب المتوعدين بالويل فقيل له إنه ضلالهم الواضح المبين.
٣ - روي أن سعد بن أبي وقاص قال قال أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً لو حدثتنا فأنزل الله: ﴿الله نزل أحسن الحديث﴾ وهذا كما قالوا يوماً لو قصصت علينا فنزل: ﴿نحن نقصك عليك أحسن القصص﴾، وقولهم لو ذكرتنا فنزل: ﴿ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق﴾، وفي هذا دليل على أنه لا يليق بأمة القرآن أن تلهوا بالتمثيليات والروايات وأندية اللهو واللعب.
٤ - تقشعر أي تضطرب وتتحرك بالخوف مما فيه من الوعيد وتلين قلوبهم عند سماع آيات الرحمة وتطمئن إلى ذكر الله تعالى يروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت أنا أعلم متى يستجاب لي، وذلك إذا اقشعر جلدي، ووجل قلبي وفاضت عيناي وهو مروي عن ثابت البناني وأم الدرداء أن الوجل في القلب كاحتراق السعفة.
480
٢- بيان أن القلوب قلبان قلب قابل للهداية وآخر غير قابل لها.
٣- بيان أن القرآن أحسن ما يحدث به المؤمن إذ أخباره كلها صدق وأحكامه كلها عدل.
٤ – فضيلة أهل الخشية من الله إذ هم الذين ينفعلون لسماع القرآن فترتعد فرائصهم عند سماع وعيده، وتلين قلوبهم وجلودهم عند سماع وعده.
أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذَاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦)
شرح الكلمات:
أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب: أي يتلقى العذاب بوجهه لا شيء يقيه منه كمن أمن.
سوء العذاب: أقساه وأشده.
وقيل للظالمين: أي المشركين في جهنم.
ذوقوا ما كنتم تكسبون: أي جزاء كسبكم الشر والفساد.
كذب الذين من قبلهم: أي من قبل أهل مكة.
فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون: أي من حيث لا يدرون أنه آتيهم منه. أو من حيث لا يخطر ببالهم.
فأذاقهم الله الخزي: أي المسخ والذل والإهانة.
ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون: أي لو كانوا يعلمون ذلك ما كذبوا ولا كفروا.
481
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير البعث والجزاء فقوله تعالى ﴿أَفَمَنْ يَتَّقِي (١) بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ يوم القيامة إذ ليس له ما يتقي (٢) به العذاب لأن يديه مغلولتان إلى عنقه فهو يتلقى العذاب بوجهه وهو أشرف أعضائه أفهذا الذي يتلقى العذاب بل سوء العذاب كمن أمن من العذاب ودخل الجنة؟ والجواب لا يستويان. وقوله تعالى ﴿وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ (٣) ﴾ أي المشركين وهم في النار يقول لهم زبانية جهنم توبيخاً لهم وتقريعاً ذوقوا ما كنتم تكسبون من أعمال الشرك والمعاصي هذا جزاؤه فذوقوه عذاباً أليماً. وقوله تعالى ﴿كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي كذب قبل أهل مكة أمم وشعوب كذبوا رسلهم فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا وذلك كالذل والمسخ والقتل والأسر والسبي ولعذاب الآخرة أكبر من عذاب الدنيا وهم صائرون إليه لا محالة وقوله ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أي لو كانوا يعلمون عنه علماً يقينياً ما كذبوا رسلهم ولا كفروا بربهم. فهلكوا بجهلهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير البعث والجزاء بذكر شيء من أحوال يوم القيامة.
٢- تهديد قريش على إصرارها على التكذيب للرسول وما جاءها به من الإسلام.
٣- العذاب على التكذيب والمعاصي منه الدنيوي، ومنه الأخروي.
٤- لو علم الناس عذاب الآخرة علماً يقينياً ما كذبوا ولا كفروا ولا ظلموا فالجهل هو سبب الهلاك والشقاء دائما.
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيّاً
١ - قال عطاء وابن زيد يرمى مكتوفاً في النار فأول شيء تمس منه النار وجهه وقال مجاهد يجر في النار على وجهه كقوله تعالى يوم يسحبون في النار على وجوههم والاستفهام إنكاري وفي الكلام حذف تقديره كمن هو آمن في جنات النعيم.
٢ - الاتقاء مصدر ومعناه تكلّف الوقاية وهي الصون والدفع وفعل اتقى يتعدى إلى مفعولين ويتعدى بالباء كما في قول الشاعر:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه
فتناولته واتقتنا باليد
٣ - للظالمين إظهار في محل إضمار إذا المفروض أن يقال وقيل لهم والنكتة التنديد بالشرك إذ هو الظلم وبيان العلة الموجبة لإلقائهم في جهنم على وجوههم وهي الظلم الذي هو الشرك.
482
غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١)
شرح الكلمات:
ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل: أي جعلنا للعرب في هذا القرآن من كل مثل من الأمم السابقة.
لعلهم يتذكرون: أي يتعظون فينزجرون عما هم فيه من الشرك والتكذيب إلى الإيمان والتوحيد.
قرآنا عربيا غير ذي عوج: أي حال كون المثل المجعول قرآنا عربياً لا لبس فيه ولا اختلاف فلا عذر لهم في عدم فهمه وإدراك معناه وفهم مغزاه.
متشاكسون: أي متنازعون لسوء أخلاقهم.
ورجلاً سلماً: أي خالصاً سالماً لرجل لا شركة فيه لأحد.
هل يستويان مثلاً: الجواب لا الأول في تعب وحيرة والثاني في راحة وهدوء بال.
الحمد لله: أي على ظهور الحق وبطلان الباطل.
إنك ميت: أي مقضي عليك بالموت في وقته.
وإنهم ميتون: أي كذلك محكوم عليهم به عند انقضاء آجالهم.
عند ربكم تختصمون: أي تحتكمون إلى الله في ساحة فصل القضاء فيحكم الله بينكم.
فيما كنتم فيه تختلفون: أي من الشرك والتوحيد والإيمان والتكذيب.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا (١) لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ يخبر تعالى بما
١ - ضرب المثل ذكره والمثل الصفة الحسنة وللناس جنس الناس ويدخل فيه العرب أولاً لأنه بلغتهم والناس تابعون لهم في ذلك.
483
من به على العرب لهدايتهم حيث جعل لهم في القرآن الكريم من أمثال الأمم السابقة في إيمانها وتكذيبها، وصلاحها وفسادها ونجاتها وخسرانها وكل ذلك بقرآن عربي لا عوج (١) فيه أي لا لبس ولا خفاء ولا اختلاف، فعل ذلك لعلهم يتذكرون أي يتعظون فيؤمنون ويوحدون فينجون من العذاب ويسعدون. وقوله تعالى ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ (٢) وَرَجُلاً سَلَماً (٣) لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ (٤) ﴾ إلى آخر الآية، هذا مثل من جملة الأمثال التي ضرب الله للناس لعلهم يتذكرون وهو مثل للمشرك الذي يعبد عدة آلهة. والموحد الذي لا يعبد إلا الله فالمشرك مثله رجل يملكه عدد من الرجال من ذوي الأخلاق الشرسة والطباع الجافة فهم يتنازعونه هذا يقول له تعال والآخر يقول له اجلس والثالث يقول له قم فهو في حيرة من أمره لا راحة بدن ولا راحة ضمير ونفس. والموحد مثله رجل سلم أي خالص وسالم لرجل واحد آمره وناهيه واحد هل يستويان أي الرجلان والجواب لا إذ بينهما كما بين الحرية والعبودية وأعظم وقوله تعالى ﴿الْحَمْدُ (٥) لِلَّهِ﴾ أي الثناء بالجميل لله والشكر العظيم له سبحانه وتعالى على أنه رب واحد وإله واحد لا إله غيره ولا رب سواه. وقوله تعالى ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ أي بل أكثر المشركين لا يعلمون عدم تساوي الرجلين، وذلك لجهلهم وفساد عقولهم.
وقوله تعالى ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٦) ﴾ نزلت لما استبطأ المشركون موت الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي لا شماتة في الموت إنك ستموت يا رسولنا ويموتون. وقوله تعالى ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ أي مؤمنكم وكافركم قويكم وضعيفكم تقفون بين يدي الله ويحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون من أمور الدين والدنيا معا.
١ - غير ذي عوج أي لا اختلاف فيه ولا تضاد ولا لحن فيه ولا شك قال الشاعر:
وقد أتاك يقين غير ذي عوج
من الإله وقول غير مكذوب
٢ - متشاكسون أي مختلفون أو متعاسرون يقال رجل شكس وشرس وضرس ويقال شاكسني فلان أي ماكسني وشاحّني في حقي.
٣ - قرأ الجمهور سلماً وقرأ غيرهم سالماً بمعنى خالصاً فمعنى القراءتين واحد وهو الخلوص لمالك واحد.
٤ - الاستفهام إنكاري أي لا يستويان، مثلا منصوب على التمييز لنسبة يستويان أي في أي شيء ميز لي.
٥ - لما سلم الخصم بأنه لا يستوي الموحد والمشرك تعين حمد الله تعالى إذ لا يعقل أن يقول المرء باستواء الرجل الذي يشترك فيه عدة رجال والآخر الذي هو خالص لرجل واحد، فكذلك الذي يعبد إلهاً واحداً لا يستوي مع من يعبد آلهة متعددة.
٦ - قرأ بعضهم إنك مائت وإنهم مائتون. والميت بالتشديد من هو صائر إلى الموت والميت بسكون الياء من فارقته الحياة، في هذه الآية نعي لكل إنسان بالموت إذ أن رجلا نعى لرجل أخاه ووجده يأكل فقال له كل فقد نعى إلي أخي من قبلك فقال وكيف وأنا أول من نعاه فقال له قد نعاه الله إليّ في قوله إنك ميت وإنهم ميتون.
484
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- مشروعية ضرب الأمثال للمبالغة في الإفهام والهداية لمن يراد هدايته.
٢- بيان مثل المشرك والموحد، فالمشرك في حيرة وتعب، والموحد في راحة وهدوء بال.
٣- تقرير أن كل نفس ذائقة الموت.
٤- بيان أن خصومة ستكون يوم القيامة ويقضي الله تعالى فيها بالحق لأنه هو الحق.
485
الجزء الرابع والعشرون
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ (٣٢) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (٣٥)
شرح الكلمات:
ومن أظلم ممن كذب على الله؟ : أي بأن نسب إليه ما هو بريء منه كالزوج والولد والشريك.
وكذب بالصدق إذ جاءه؟ : أي بالقرآن والنبي والتوحيد والبعث والجزاء.
مثوى للكافرين: أي مأوى، ومكان إقامة ونزول.
والذي جاء بالصدق وصدّق به: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والذي صدق به أبو بكر وكل أصحاب رسول الله.
أولئك هم المتقون: أي لعذاب الله بإيمانهم وتقواهم بترك الشرك والمعاصي.
ذلك جزاء المحسنين: أي المذكور من نعيم الجنة جزاء المحسنين في أعمالهم.
ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا: أي ييسر الله لهم ذلك ويوفقهم إليه ليكفر عنهم ذنوبهم.
معنى الآيات:
يخبر تعالى عباده منذراً محذراً بأنه لا أظلم من أحد كذب على الله. فقال عنه ما لم يقل أو حرّم ولم يحرم أو أذن ولم يأذن، أو شرع ولم يشرع، أو كذب بالصدق وهو القرآن والنبي وما جاء به من الهدى ودين الحق أي فلا أحد أظلم ممن كان هذا حاله كذب على الله وكذب بالصدق.
وقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ (١) فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ﴾ ؟ هذا بيان لجزاء الكاذبين والمكذبين وهم الكافرون بسبب كذبهم على الله وتكذبيهم له فيخبر تعالى مقرراً أن جزاءهم الإقامة
١ - الاستفهام تقريري والمثوى مكان الإقامة وهو مصدر ثوى بالمكان يثوى ثواء وثويا مثل مضى يمضي مضاء ومضيا.
486
الدائمة في جهنم. وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ (١) بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ هذا إخبار بفريق الفائزين من عباد الله وهم الصادقون في كل ما يخبرون به، والمصدقون بما أوجب الله تعالى التصديق به ويدخل في هذا الفريق دخولاً أولياً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر الصديق ثم سائر الصحابة والمؤمنين إلى يوم الدين.
وقوله تعالى ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٢) ﴾ يشير إليهم بأنهم اتقوا كل ما يغضب الله من الشرك والمعاصي، وبذلك استوجبوا النجاة من النار ودخول الجنة المعبر عنه بقوله تعالى: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ من نعيم بعضه لم يخطر على بال أحد، ولم تره عين أحد ولا تسمع به أذنه.
وقوله: ﴿ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣) ﴾ أي ذلك المذكور في قوله لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو جزاؤهم وجزاء المحسنين كلهم والمحسنون هم الذين أحسنوا الاعتقاد والقول والعمل وقوله تعالى: ﴿لِيُكَفِّرَ (٤) اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ أي من الذنوب والآثام والخطايا والسيئات أي وفقهم للإحسان ويسره لهم، ليكفر عنهم أسوأ الذي عملوا وسيئه ويجزيهم أجرهم على إيمانهم وتقواهم وإحسانهم في ذلك بأحسن ما كانوا يعملون وحسنه أيضاً وإنما يضاعف لهم الأجر فتكون الحسنات الصغيرة كالكبيرة فأصبح الجزاء كله على الأحسن والذي كانوا يعملون هو كل ما شرعه الله تعالى لعباده وتعبدهم به من الإيمان وسائر الطاعات والقربات.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- التنديد بالكذب على الله تعالى والتكذيب به، وبما جاء به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الدين.
٢- بيان جزاء الكاذبين على الله ورسوله والمكذبين بما جاء به رسول الله عن الله من الشرع والدين.
١ - والذي جاء بالصدق مبتدأ والخبر أولئك هم المتقون. وعليه فالذي جاء بالصدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن صدق به هم أبو بكر وسائر المؤمنين وفي الآية حذف الموصول وهو "من" لدلالة السياق عليه.
٢ - أولئك مبتدأ وهم ضمير فصل والمتقون خبر، والجملة خبر عن المبتدأ الذي هو والذي جاء بالصدق والمعطوف عليه والموصول محذوف وهو من أو إذ لا يكون من جاء بالصدق هو المصدق به.
٣ - الثناء في الدنيا والثواب في الآخرة.
٤ - في الآية الإشادة بأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أثبت لهم التصديق بما جاء به رسوله كما أثبت لهم التقوى والإحسان وواعدهم بالنعيم المقيم الذي ادخره لهم. وفي الحديث الصحيح "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ربي ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه".
487
١- الترغيب في الصدق في الاعتقادات والأقوال والأعمال.
٢- فضل التقوى والإحسان وبيان جزائهما عند الله تعالى يوم القيامة.
أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (٣٧) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٤٠)
شرح الكلمات:
أليس الله بكاف عبده؟ : بلى هو كاف عبده ورسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل ما يهمه.
ويخوفونك بالذين من دونه: أي بالأصنام والأوثان أن تصيبك بما يسوءك ويضرك.
أليس الله بعزيز ذي انتقام: بلى هو عزيز غالب على أمره صاحب انتقام شديد على من عاداه.
ليقولن الله: أي لوضوح البرهان وقوة الدليل وانقطاع الحجة.
قل أفرأيتم: أي أخبروني.
488
هل هن ممسكات رحمته: والجواب لا لا إذاً فقل حسبي الله، ولا حاجة لي بغيره.
اعملوا على مكانتكم: أي على حالتكم التي أنتم عليه من الكفر والعناد.
إني عامل: أي على حالتي التي أنا عليها من الإيمان والانقياد.
من يأتيه عذاب يخزيه: أي في الدنيا بالقتل والأسر والجوع والقحط.
ويحل عليه عذاب مقيم: أي وينزل عليه عذاب مقيم لا يبرح وهو عذاب النار بعد الموت.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الدفاع عن الرسول والرد على مناوئيه وخصومه الذين استبطأوا موته فرد الله تعالى عليهم بقوله: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ فلا شماتة إذاً في الموت وقوله: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ (١) عَبْدَهُ﴾ دال على أن القوم حاولوا قتله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما لم يمت بأجله وفعلاً قد قرروا قتله وأعطوا الجوائز لمن يقتله، ففي هذه الآية طمأن الله رسوله على أنهم لا يصلون إليه وأنه كافيه مؤامراتهم وتهديداتهم فقال عز وجل أليس الله بكاف عبده؟ والجواب بلى إذ الاستفهام تقريري كافيه كلَّ ما يهمه ويسوءه وقوله: ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ أي ويخوفك يا رسولنا المشركون بما يعبدون من دوننا من أصنام وأوثان بأن تصيبك (٢) بقتل أو خبل فلا يهمك ذلك فإن أوثانهم لا تضر ولا تنفع ولا تجلب ولا تدفع، وقوله: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ﴾، وقد هداك ربك فليس لك من يضلك أبداً، كما أن من أضله الله كقومك فليس له من هادٍ يهديه أبداً. وقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾ (٣) بلى فهو إذاً سينتقم من أعدائه لأوليائه إن استمروا في أذاهم وكفرهم وعنادهم، وقد فعل سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ أي أوجدهما من غير مثال سابق ﴿لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ فما دام اعترافهم لازماً بأن الله تعالى هو الخالق فلم عبادة غيره والإصرار عليها مما أفضى بهم إلى أذية المؤمنين وشن الحرب عليهم وقوله: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ أي من الأصنام والأوثان أخبروني ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ﴾ ما ﴿هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ﴾ صحة وعافية وغنى ونصر ﴿هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ (٤) ﴾ والجواب لا فإنها جماد لا تقدر
١ - الاستفهام للتقرير، وحذفت ياء كاف لأنه اسم منقوص وترد في الوقف جوازاً وقرأ الجمهور عبده وقرأ غيرهم عباده ليدخل المؤمنون معه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢ - هذا شاهده قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام وكيف أخاف ما أشركتم فإنهم خوفوه بآلهتهم فأنكر عليهم ذلك وعابهم بعدم الخوف من الله تعالى.
٣ - الاستفهام تقريري والجملة تحمل الوعيد الشديد للمشركين الكائدين الماكرين بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين والانتقام المكافأة بالشر على الشر وهو مشتق من النقم الذي هو الغضب.
٤ - قال مقاتل فسألهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسكتوا وقال بعضهم لا تدفع شيئاً ولكنها تشفع!!
489
على إعطاء ولا على إمساك إذاً فقل حسبي الله أعبده وأتوكل عليه إذ هو الذي يضر وينفع ويجلب الخير ويدفع السوء والشر. وقوله ﴿عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ أي على الله وحده يتوكل المتوكلون فيثقون في كفايته لهم فيفوضون أمورهم إليه ويتعلقون به وينفضون أيديهم من غيره.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾ أي لما أبيتم إلا العناد مصرين على الشرك بعد ما قامت الحجج والأدلة القاطعة على بطلانه فاعملوا على مكانتكم أي حالتكم التي عليها من الشرك والعناد ﴿إِنِّي عَامِلٌ﴾ أنا على حالتي من الإيمان والتوحيد والانقياد. والنتيجة ستظهر فيما بعد لا محالة ويعلم المحق من المبطل، والمهتدي من الضال وهي قوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ (١) يُخْزِيهِ﴾ أي يذله ويكسر أنفه بالقتل والأسر والجوع والقحط وقد أصاب المشركين هذا في مكة وبدر. وقوله: ﴿وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ وهو عذاب النار في الآخرة نعوذ بالله من العذابين عذاب الخزي في الحياة الدنيا وعذاب النار في الدار الآخرة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير كفاية الله وولايته لعباده المؤمنين وخاصة ساداتهم من الأنبياء والأولياء.
٢- تقرير مقتضى الولاية وهو النقمة من أعدائه تعالى لأوليائه وإن طال الزمن.
٣- تقرير التوحيد وإبطال التنديد.
٤- مظاهر ربوبية الله الموجبة لألوهيته.
٥- وجوب التوكل على الله واعتقاد كفايته لأوليائه.
٦- تقرير إنجاز الله وعده لرسوله والمؤمنين.
إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٤١) اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا
١ - (من) استفهامية علقت فعل تعلمون عن العمل في مفعوليه.
490
وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٤٢) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤) وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥)
شرح الكلمات:
إنا أنزلنا عليك الكتاب بالحق: أي أنزلنا عليك يا رسولنا القرآن بالحق أي ملتبسا به.
وما أنت عليهم بوكيل: أي ليس عليك أمر هدايتهم فتجبرهم على الإيمان.
الله يتوفى الأنفس حين موتها: أي ينهي حياة العباد بقبض أرواحهم عند نهاية آجالهم.
والتي لم تمت في منامها: أي يتوفاها وقت النوم يحبسها عن التصرف كأنها شيء مقبوض.
فيمسك التي قضى عليها الموت: يقبضها لحكمة بالموت عليها حال النوم.
ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى: أي التي لم يحكم بموتها يرسلها فيعيش صاحبها إلى نهاية أجله المعدود له.
إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون: أي في قبض الأرواح وإرسالها، والقدرة على ذلك دلائل وبراهين على قدرة الله تعالى على البعث الذي أنكره المشركون.
491
أم اتخذوا من دون الله شفعاء: أي كفار مكة لا يتفكرون ولو كانوا يتفكرون لما أنكروا البعث، ولا ما اتخذوا من دون الله شفعاء لوضوح بطلان ذلك.
قل أو لو كانوا لا يملكون شيئاً: أي قل لهم أيشفع لكم شركاؤكم ولو كانوا لا يملكون شيئاً ينكر عليهم دعواهم الشفاعة لهم وهي أصنام لا تملك ولا تعقل.
قل لله الشفاعة جميعا: أي أخبرهم أن جميع الشفاعات لله وحده فشفاعة الأنبياء والشهداء والعلماء والأطفال مملوكة لله فلا يشفع أحد إلا بإذنه.
وإذا ذكر الله وحده اشمأزت: أي وإذا ذكر الله وحده كقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا إله إلا الله نفرت نفوس المشركين وانقبضت وظهر الغضب والسخط في وجوههم.
وإذا ذكر الذين من دونه: أي الأصنام والأوثان التي يعبدونها من دون الله تعالى.
إذا هم يستبشرون: أي فرحون جذلون وذلك لافتتانهم بها ونسيانهم لحق الله تعالى وهو عبادته وحده مقابل خلقه ورزقه لهم.
معنى الآيات:
إن السياق الكريم كان في عرض الصراع الدائر بين الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقومه المشركين فدافع الله تعالى عن رسوله ودفع عنه كل أذى ومكروه وتوعد خصومه بالعذاب في الدنيا والآخرة وهنا يسليه ويصبره فيقول له ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ (١) ﴾ أي القرآن ﴿لِلنَّاسِ﴾ أي لهداية الناس وإصلاحهم ﴿بِالْحَقِّ﴾ أي ملتبساً بالحق، فمن اهتدى بالقرآن فآمن وعمل صالحاً فعائد ذلك له حيث ينجو من النار ويدخل الجنة، ومن ضل لعدم قبوله هداية القرآن فأصر على الشرك والمعاصي فإنما يضل على نفسه أي عائد ضلاله على نفسه إذ هو الذي يحرم الجنة ورضا الله تعالى ويُلقى في النار خالداً فيها وعليه غضب من الله لا يفارقه أبدا.
وقوله: ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ أي لم يوكل إليك أمر هدايتهم فتجد نفسك في هم من ذلك إن عليك إلا البلاغ المبين إنك لم تكلف حفظ أعمالهم ومحاسبتهم عليها، ولا أمر هدايتهم فتجبرهم على ذلك.
١ - في الآية مزيد بيان شرفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإنزال الكتاب عليه وتقرير رسالته، واللام في للناس للتعليل والباء في بالحق للملابسة. وفي الكلام محذوف تقديره لنفع الناس وهدايتهم بقرينة قوله بعد "فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه".
492
وقوله تعالى في الآية الثانية من هذا السياق (٤٢) :﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ (١) ﴾ أي يقبض أرواحها ﴿حِينَ مَوْتِهَا﴾ أي عند نهاية أجلها فيأمر تعالى ملك الموت فيخرج الروح بإذن الله ويقبضها، ﴿وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ أي يقبضها بمعنى يحبسها عن التصرف، حال النوم، فإن أراد موتها قبضها ولم يردها إلى جسدها، وإن لم يرد وفاتها أرسلها فتعود إلى الجسد ويعيش صاحبها إلى الأجل المسمى له وهي (٢) نهاية عمره إن في ذلك القبض للروح والإرسال، والوفاة والإحياء لآيات أي دلائل وحجج كلها قاضية بأن القادر على هذا قادر على البعث والنشور الذي كذب به المشركون كما ن صاحب هذه القدرة العظيمة هو صاحب الحق المطلق في الطاعة والعبادة ولا تنبغي العبادة إلا له. وقوله ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ وهم الأحياء بالإيمان أما الأموات وهم الكافرون فلا يجدون في ذلك آية ولا دليلاً لموتهم بالشرك والكفر.
وقوله تعالى في الآية الثالثة (٤٣) :﴿أَمِ اتَّخَذُوا (٣) مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ﴾ أي بل اتخذ المشركون الذين كان المفروض فيهم أن يهتدوا على الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة لو كانوا يتفكرون بدل أن يهتدوا إلى توحيد الله اتخذوا من دونه أوثاناً سموها شفعاء يرجون شفاعتها لدى الله في قضاء حوائجهم. وذلك لجهلهم وسخف عقولهم. قال تعالى لرسوله: ﴿قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ﴾ أي قل لهم أيشفعون لكم ولو كانوا لا يملكون شيئا من أسباب الشفاعة ومقتضياتها ولو كانوا لا يعقلون معنى الشفاعة ولا يفهمونه لأنهم أصنام وأحجار والاستفهام للتبكيت والتقريع. لو كان القوم يشعرون. ثم أمر تعالى رسوله أن يعلن عن الحقيقة وإن كانت عند المشركين مُرة ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً﴾ أي جميع أنواع الشفاعة هي ملك لله مختصة به فلا يشفع أحد إلا بإذنه، إذاً فاطلبوا الشفاعة من مالكها الذي له ملك السموات والأرض، لا ممن هو مملوك له، ولا يعقل حتى معنى الشفاعة ولا يفهمها وقوله ثم
١ - المراد بالأنفس الناس الذين يموتون إذ لفظ النفس يطلق على الذات ويطلق على الروح قال ابن عباس وغيره من المفسرين إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله منها فإذا أراد جميعها الرجوع إلى الأجساد أمسك الله أرواح الأموات عنده وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها، قال علي رضي الله عنه فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها فلقيها الشياطين وتخيل إليها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة.
٢ - شاهد هذا من السنة حديث الصحيحين وفيه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض بداخله إزاره فإنه لا يدري من خلفه عليه ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين. والشاهد في أمساك الروح في المنام وإرسالها.
٣ - أم هذه هي المنقطعة وهي للإضراب الانتقالي وهو انتقال من تشنيع شركهم إلى إبطال معاذيرهم في شركهم.
493
إليه ترجعون أي بعد الموت أحببتم أم كرهتم؟ فاتخذوا لكم يداً عنده بالإيمان به وتوحيده في عبادته.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ هذا كشف عن حال المشركين، وما هم عليه من الجهل والسفه إنه إذا سمعوا لا إله إلا الله ينفرون وينقبضون ويظهر ذلك غضباً في وجوههم، يكادون يسطون على من قال لا إله إلا الله، وإذا ذكر الذين من دونه أي وإذا ذكر الأصنام التي يعبدونها من دون الله إذا هم يستبشرون فرحون مسرورون، وهذا عائد إلى افتتانهم بأصنامهم، ونسيانهم لحقوق ربهم عليهم وهي الإيمان به وعبادته وحده مقابل ما خلقهم ورزقهم ودبر حياتهم، ولكن أنى لأهل ظلمة النفس وانتكاس القلب أن يعوا ويفهموا؟.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمله على الصبر والثبات في أصعب الظروف.
٢- مظاهر قدرة الله في الموت والحياة مما يقتضي الإيمان به وبلقائه وتوحيده.
٣- إبطال حجة المشركين في عبادة الأوثان من أجل الشفاعة لهم إذا الشفاعة كلها لله.
٤- بيان خطأ من يطلب الشفاعة من غير الله، إذ لا يملك الشفاعة إلا هو (١).
٥- بيان سفه المشركين وضلالهم في غضبهم عند سماع التوحيد، وفرحهم عند سماع الشرك.
قُلِ اللهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٤٨)
١ - الشفاعة أمر معنوي فملكها معناه تحصيل إجابتها إذ الأمور المعنوية لا تملك.
494
شرح الكلمات:
قل اللهم فاطر السموات والأرض: قل يا نبينا: يا الله خالق السموات والأرض.
عالم الغيب والشهادة: أي يا عالم الغيب وهو كل ما غاب عن الأبصار والحواس والشهادة خلاف الغيب.
فيما كانوا فيه يختلفون: أي من أمور الدين عقائد وعبادات.
ولو أن للذين ظلموا: أي ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي.
وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون: أي وظهر لهم من عذاب الله ما لم يكونوا يظنونه.
وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون: وأحاط بهم العذاب الذي كانوا في الدنيا يستهزئون به.
معنى الآيات:
قوله تعالى: ﴿قُلِ اللهُمَّ (١) ﴾ هذا إرشاد من الله تعالى لرسوله أن يفزع إليه بالدعاء والضراعة إذ استحكم الخلاف بينه وبين خصومه وضاق الصدر أي قل يا رسولنا يا الله ﴿فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي خالقهما، ﴿عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ أي ما غاب عن الأبصار والحواس فلم يُدرَك، والشهادة وهو ما رؤي بالأبصار وأدرك بالحواس ﴿أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ﴾ مؤمنهم وكافرهم ﴿فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون﴾ من الإيمان بك وبلقائك وصفاتك وعبادتك ووعدك ووعيدك اهدني لما اختلفوا فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط المستقيم.
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أي أنفسهم بالشرك وهو الظلم العظيم وبغشيان المعاصي والذنوب لو أن لهم عند معاينة العذاب يوم القيامة ﴿مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً﴾ من أموال ونفائسها ومثله معه وقبل منهم الفداء ﴿لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ﴾ ولما تردّدوا أبداً وهذا دالٌّ على شدّة العذاب وأنه لا يطاق ولا يحتمَل مع حرمانهم من الجنة ونعيمها.
وقوله تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٢) ﴾ أي وظهر لهم أي لأولئك الذين إذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوبهم وإذا ذكرت الأصنام فرحوا بذلك واستبشروا وبدا لهم من ألوان العذاب ما لم يكونوا يظنون ولا يحتسبون. وقوله تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ (٣) مَا كَسَبُوا﴾ أي من
١ - رواه مسلم عن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستفتح به صلاته من الليل وروي عن سعيد بن جبير أنه قال إني لأعرف آية ما قرأها أحد قط فسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه قوله ﴿قل اللهم فاطر السموات﴾.. الخ".
٢ - روي أن محمد ابن المنذر جزع عند موته جزعاً شديداً وقيل له ما هذا الجزع؟ قال: أخاف آية من كتاب الله ﴿وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون﴾.
٣ - السيئات جمع سيئة وهو وصف أضيف إلى موصوفه وهو الموصول ﴿ما كسبوا﴾ أي مكسوباتهم السيئات وتأنيثها باعتبار شهرة إطلاق السيئة على الفعلة القبيحة.
495
من الشرك والكفر والفسق والعصيان أي ظهر لهم وتجلى أمامهم فاشتد كربهم وعظم الأمر عندهم، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون أي أحاط بهم وحدق عليهم العذاب الذي كانوا إذا ذكر لهم وعيداً وتخويفاً استهزءوا به وسخروا منه وممن ذكرهم به ويخوفهم منه كالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- مشروعية اللجوء إلى الله تعالى عند اشتداد الكرب وعظم الخلاف والدعاء بهذا الدعاء وهو "اللهم ربّ
جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" إذ ثبتت السنة به. والآية ذكرت أصله.
٢- بيان عظم العذاب وشدته يوم القيامة وأن المرء لو يقبل منه فداء لافتدى منه بما في الأرض من أموال ومثله
معه.
٣- التحذير من الاستهزاء بأخبار الله تعالى ووعده ووعيده.
فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢)
496
شرح الكلمات:
فإذا مس الإنسان ضر دعانا: أي أصاب الإنسان الكافر ضر أي مرض وغيره مما يضره دعانا أي سأل كشف ضره.
ثم إذا خولناه نعمة منا: ثم إذا خولناه أي أعطيناه نعمة منا من صحة أو مال وغيرهما.
قال إنما أوتيته على علم: قال أي ذلك الكافر إنما أوتيت ذلك العطاء على علم من الله بأني أستحقه.
بل هي فتنة: أي تلك النعمة لم يعطها لأهليته لها، وإنما أعطيها فتنة واختباراً له.
ولكن أكثرهم لا يعلمون: أي أن ما أعطوه من مال وصحة وعافية هو فتنة لهم وليس لرضا الله تعالى عنهم.
قد قالها الذين من قبلهم: أي قال قولتهم من كان قبلهم كقارون فلم يلبثوا أن أخذوا فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون.
والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم: أي والذين ظلموا بالشرك من هؤلاء أي من كفار قريش.
سيئات ما كسبوا (١) : أي كما أصاب من قبلهم وقد أصابهم قحط سبع سنين وقتلوا في بدر.
وما هم بمعجزين: أي فائتين الله تعالى ولا غالبين له.
أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق: أي أقالوا تلك المقالة ولم يعلموا أن الله يبسط الرزق.
لمن يشاء ويقدر: أي يوسعه لمن يشاء امتحانا، ويضيقه ابتلاء.
إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون: أي إن في ذلك المذكور من التوسعة امتحانا والتضييق ابتلاء لآيات أي علامات على قدرة الله وكمال تدبيره لأمور خلقه.
معنى الآيات:
ما زال السياق في بيان حيرة المشركين وفساد قلوبهم نتيجة كفرهم وجهلهم فقوله تعالى:
١ - أي أصابهم سوء كسبهم وقبحه وهو ما عملوه من سيئات الشرك والمعاصي.
497
﴿فَإِذَا مَسَّ (١) الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا﴾ يعني ذاك الكافر الذي إذا ذكر الله وحده اشمأزت نفسه وإذا ذكرت الأوثان سُر وفرح واستبشر هذا الإنسان إذا مسّه ضرّ من مرض أو غيره مما يضر ولا يسر دعا ربه منيباً إليه ولم يشرك معه فيه هذه الحال أحداً لعلمه أن الأوثان لا تكشف ضراً ولا تعطي خيراً، وإذا خوله الله تعالى نعمة من فضله ابتلاء له قال إنما أوتيت الذي أوتيت على علم من الله بأني أهل لذلك (٢)، فأكذبه الله تعالى فقال بل هي فتنة، ولكن أكثرهم أي أكثر المشركين لا يعلمون أن الله تعالى إذا أعطاهم إنما أعطاهم ليفتنهم لا لحبه لهم ولا لرضا عنهم. والدليل على أن ذلك العطاء للمشركين فتنة لا غير أن قولتهم هذه قد قالها الذين من قبلهم كقارون وغيره فلم يلبثوا حتى أخذهم الله بذنوبهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون من أموال طائلة، قال تعالى: ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾ فلم يؤاخذوا بدون ذنب بل أخذوا بذنوبهم وهو قوله تعالى فأصابهم سيئات (٣) ما كسبوا وقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ﴾ أي من كفار قريش سيصيبهم أيضاً سيئات ما كسبوا من الشرك والعناد والظلم، وما هم بمعجزين لله فائتينه أبداً وكيف وقد أصابهم قحط سبع سنين وقتلوا وأسروا في بدر والفتح.
وقوله تعالى ﴿أَوَلَمْ (٤) يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ أي أقالوا مقالتهم تلك ولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء امتحاناً له أيشكر أم يكفر ويقدر أي يضيق على من يشاء ابتلاء له أيصبر أم يضجر ويسخط فلم يكن بسطه الرزق حباً في المبسوط له، ولا التضييق كرهاً للمضيق عليه، وإنما البسط كالتضييق لحكمة التربية والتدبير، ولكن الكافرين لا يعلمون هذا فجهلهم بالحكم جعلهم يقولون الباطل ويعتقدونه أما المؤمنون فلا يقولون مقالتهم لعلمهم ونور قلوبهم فلذا هم يجدون الآيات في مثل هذا التدبير واضحة دالة على علم الله وحكمته وقدرته فيزدادون إيماناً ونوراً وبصيرة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان تناقض أهل الكفر والجهل والضلال في كل حياتهم لأنهم يعيشون على ظلمة الجهل
١ - في هذه الآية بيان حقيقة وهي أن كفار قريش كانوا يؤمنون بالله رباً فهم أفضل من كفار البلاشفة الشيوعيين الذين لا يؤمنون بالله تعالى كما أن كفار قريش أحسن حالا من بعض جهال المسلمين اليوم إذ يخلصون الدعاء لله في الشدة وجهال المسلمين يشركون في الرخاء والشدة معا وذلك بدعائهم الأولياء والأموات والاستغاثة بهم في كل حال.
٢ - قال بعضهم على علم أي بوجوه الكسب وطرق تنمية المال وتكثيره حتى لا يحمد الله ولا يشكره ولا منافاة بين هذا وما في التفسير إذ بعضهم يقول هذا وبعض يقول ذاك.
٣ - أي جزاء سيئات كسبهم من الشرك والشر والفساد.
٤ - الاستفهام إنكاري ينكر تعالى عليهم انتفاء علمهم بذلك لأنهم تسببوا في انتفاء العلم فلذا تضمن الاستفهام توبيخاً لهم.
498
والكفر.
٢- تقرير ما من (١) مصيبة إلا بذنب جلي أو خفي كبير أو صغير.
٣- بيان أن بسط الرزق وتضييقه على الأفراد أو الجماعات لا يعود إلى حب الله للعبد أو كرهه له، وإنما يعود لسنن التربية الإلهية وحكم التدبير لشؤون الخلق.
٤- أهل الإيمان هم الذين ينتفعون بالآيات والدلائل لأنهم أحياء يبصرون ويعقلون أما أهل الكفر فهم أموات لا يرون الآيات ولا يعقلونها.
٥- تهديد الله تعالى للظالمين ووعيده الشديد بأنه سيصيبهم كما أصاب غيرهم جزاء ظلمهم وكسبهم الفاسد.
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٥٩)
١ - شاهده قوله تعالى ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم﴾ الآية من الشورى وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "والذي نفس محمد بيده ما من خدش عود ولا اختلاج عرق ولا عثرة قدم إلا بذنب وما يعفو عنه أكثر" رواه ابن أبي حاتم. قال لما نزلت هذه الآية قاله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
499
شرح الكلمات:
يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم: أي أفرطوا في الجناية عليها بالإسراف في المعاصي.
لا تقنطوا من رحمة الله: أي لا تيأسوا من المغفرة لكم ودخول الجنة.
إن الله يغفر الذنوب جميعا: أي ذنوب من أشرك وفسق إن هو تاب توبة نصوحاً.
وأنيبوا إلى ربكم: أي ارجعوا إليه بالإيمان والطاعة.
وأسلموا له: أي أخلصوا له أعمالكم.
واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم: أي القرآن الكريم فأحلوا حلاله وحرموا حرامه.
أن تقول نفس يا حسرتى: أي نفس الكافر والمجرم يا حسرتى أي يا ندامتي.
على ما فرطت في جنب الله: أي في جانب حق الله فلم أطعه كما أطاعه غيري.
وإن كنت لمن الساخرين: أي المستهزئين بدين الله تعالى وعباده المؤمنين.
لو أن لي كرة فأكون من المحسنين: أي لو أن لي رجعة إلى الدنيا فأكون إذاً من المؤمنين الذين أحسنوا القصد والعمل.
بلى قد جاءتك آياتي: أي ليس الأمر كما تزعم أنك تتمنّى الهداية بل قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت.
معنى الآيات:
لقد صح أن أناسا (١) كانوا قد أشركوا وقتلوا وزنوا فكبر عليهم ذلك وقالوا نبعث إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يسأله لنا هل لنا من توبة فإن قال: نعم، وإلا بقينا على ما نحن عليه وقبل أن يصل رسولهم نزلت هذه الآية ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ أي أفرطوا في ارتكاب الجرائم فكانوا بذلك مسرفين على أنفسهم ﴿لا تَقْنَطُوا﴾ أي لا تيأسوا ﴿مِنْ رَحْمَةِ﴾ في أن يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم الجنة، إن أنتم تبتم إليه وأنبتم ﴿إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ (٢) جَمِيعاً﴾ لمن تاب منها فإنه تعالى لا يستعصي عليه ذنب فلا يقدر على مغفرته وعدم المؤاخذة عليه إنه هو الغفور الرحيم.
١ - لقد ذكر لسبب نزول هذه الآية عدة مناسبات وما دامت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فلا حاجة إلى ذكرها وما في التفسير كافٍ وهو ما تضمنته رواية البخاري.
٢ - قوله تعالى ﴿إن الله يغفر الذنوب جميعا﴾ تعليل للنهي عن اليأس والقنوط من رحمة الله.
500
وقوله تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا (١) إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٢) ﴾ أي أيها المذنبون المسرفون أنيبوا ربكم أي ارجعوا إلى طاعته بفعل المأمور وترك المنهي وأسلموا له أي أخلصوا أعمالكم ظاهراً وباطناً له مبادرين بذلك حلول العذاب قبل أن يحل بكم ثم لا تنصرون أي لا تقدرون على منعه منكم ولا دفعه عنكم.
﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ في هذا القرآن العظيم فامتثلوا الأمر واجتنبوا النهي وخذوا بالعزائم واتركوا الرخص مبادرين بذلك أيضاً حلول العذاب قبل أن يحل بكم بغتة أي فجأة وأنتم لا تشعرون به، بادروا بالتوبة والإنابة والإسلام الصادق ظرفاً تقول فيه النفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله أي يا حسرتى (٣) يا ندامتي الحاملة لي الغم والحزن احضري هذا وقت حضورك على تفريطي في جانب (٤) حق الله تعالى حيث ما عبدته حق عبادته فلا ذكرته ولا شكرت له ﴿وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ أي المستهزئين بدينه وعباده المؤمنين يا له من اعتراف يؤدي بصاحبه في سواء الجحيم، بادروا يا عباد الله هذا وذاك ﴿أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي (٥) لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً (٦) ﴾ أي رجعة إلى الحياة الدنيا ﴿فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ أي المؤمنين الذين أحسنوا النية والقصد والعمل. قال تعالى رداً على تمنياتهم الكاذبة: ﴿بَلَى﴾ أي ليس الأمر كما زعمت أيها المتمني بقولك ﴿لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ للشرك والمعاصي التي وقعت بها في جهنم بل جاءتك آياتي هادية لك مرشدة فكذبت بها واستكبرت عن العمل بما جاء فيها وكنت من الكافرين بذلك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان فضل الله ورحمته على عباده بقبول توبة العبد إن تاب مهما كانت ذنوبه.
٢- دعوة الله الرحيم إلى عباده المذنبين – بالإنابة إليه والإسلام الخالص له.
٣- تقرير البعث والجزاء بذكر ما يحدث فيه وما يجري في ساحته من أهوال.
١ - الإنابة التوبة ولما في التوبة من معنى الرجوع عدي الفعل بإلى.
٢ - النصر: الإعانة على الغلبة بحيث يتخلص المغلوب من يد غالبه ولا نصير لأحد على الله تعالى.
٣ - الحسرة: الندامة الشديدة والألف في (يا حسرتى) عوض عن ياء المتكلم.
٤ - قال الحسن في طاعة الله وقال الضحاك في ذكر الله يعني القرآن والعمل به، وقال أبو عبيدة أي في ثواب الله وما في التفسير جامع شامل والجنب والجانب بمعنى واحد.
٥ - هذه كلمة حق أريد بها باطل كما قال علي للخوارج لما قالوا لا حكم إلا لله.
٦ - الكرة: الرجعة ولو للتمني فهي وليت سواء.
501
١- وجوب تعجيل التوبة والمبادرة بها قبل حلول العذاب في الدنيا أو الموت والموت أدهى وأمر حيث لا تقبل توبة بعد الموت أبداً.
٢- الترغيب في الأخذ بالعزائم وترك الرخص لغير ضرورة.
٣- إبطال مذهب الجبرية الذين يرون أنهم مجبورون على فعل المعاصي وغشيان الذنوب، كقول أحدهم لو أن الله هداني لفعلت كذا أو تركت كذا.
٤- فضل التقوى والإحسان وفضل المتقين والمحسنين.
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠) وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١) اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٦٣) قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (٦٤) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥) بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦)
شرح الكلمات:
ويوم القيامة: أي بأن يبعث الناس من قبورهم.
ترى الذين كذبوا على الله: أي باتخاذ أولياء من دونه وبالقول الكاذب عليه سبحانه وتعالى.
502
وجوههم مسودة: أي سوداء من الكرب والحزن وعلامة على أنهم من أهل النار وأنهم ممن كذبوا على ربهم.
أليس في جهنم مثوى للمتكبرين: أي أليس في جهنم مأوى ومستقر للمتكبرين؟ بلى إن لهم فيها لمثوى بئس هو من مثوى للمتكبرين عن عبادة الله تعالى.
وينجي الله الذين اتقوا: أي ينجيهم من النار بسبب تقواهم للشرك والمعاصي.
بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون: أي بفوزهم بالجنة ونزولهم فيها لا يمسهم السوء أي العذاب ولا هم يحزنون لما نالهم من النعيم.
له مقاليد السموات والأرض: أي مفاتيح خزائن السموات والأرض.
أولئك هم الخاسرون: أي الخاسرون لأنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
قل أفغير الله تأمروني أعبد: قل يا رسولنا للذين طلبوا منك أن تعبد معهم آلهتهم أتأمروني بعبادة غير الله، فهل تصلح العبادة لغيره وهو رب كل شيء وإلهه فما أسوأ فهمكم أيها الجاهلون.
لئن أشركت: أي من باب الفرض لو أشركت بالله غيره في عبادته لحبط عملك ولكنت من الخاسرين.
بل الله فاعبد وكن من الشاكرين: أي بل اعبد الله وحده، إذ لا يستحق العبادة إلاّ هو وكن من الشاكرين له على إنعامه عليك بالنبوة والرسالة والعصمة والهداية.
معنى الآيات:
لقد تقدم في السياق الأمر بتعجيل التوبة قبل الموت فيحصل الفوت، وذلك لأن يوم القيامة يوم أهوال وتغير أحوال وفي الآيتين الآتيتين بيان ذلك قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ (١) ﴾ بأن نسبوا إليه الولد والشريك والتحليل والتحريم وهو من ذلك براء هؤلاء ﴿وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾ (٢) علامة أنهم كفروا وكذبوا وأنهم من أهل النار.
١ - هم الذين نسبوا إليه ما هو منزه عنه كالشريك والصاحبة والولد، ويدخل في هذا كل من نسب إلى الله تعالى صفة لا دليل له فيها، وكذا من شرع شيئا ونسبه إلى الله تعالى ليقبل منه ويروج، ولا يدخل أهل الاجتهاد إذا أخطأوا في الأدلة والحكم المقيس الذي لا نص فيه ولا يجوز أن يقال فيه قال الله أو أمر أو شرع تحاشياً من النسبة إلى الله تعالى بغير نص من كتاب أو سنة.
٢ - جملة وجوههم مسودة مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال، لأن الرؤيا بصرية وليست قلبية.
503
وقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ (١) فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٢) ﴾ أي بلى في جهنم مأوى ومستقر للمتكبرين الذين تكبروا عن الإيمان والعبادة. وقوله تعالى: ﴿وَيُنَجِّي اللهُ﴾ أي تلك حال وهذه أخرى وهي أن الله تعالى ينجي يوم القيامة الذين اتقوا الشرك والمعاصي بالإيمان والطاعة هؤلاء بفوزهم بالجنة لا يمسهم السوء في عرصات القيامة، ولا هم يحزنون على ما خلَّفوا وراءهم في الدنيا لأن ما نالهم من نعيم الجنة أنساهم ما تركوا وراءهم وقوله تعالى: ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أي ما من كائن سوى الله تعالى إلا وهو مخلوق والله خالقه ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ أي قيم حافظ، فسبحانه ما أعظم قدرته وما أوسع علمه فلذا وجبت له العبادة ولم تجز فضلاً عن أن تجب لسواه.
وقوله تعالى: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (٣) ﴾ أي له ملكاً حقاً مفاتيح خزائن الرحمات والخيرات والبركات فهو يفتح ما يشاء ويمسك ما يشاء فلا يصح الطلب إلا منه ولا تجوز الرغبة إلا فيه وما عبد الناس الأوثان والأصنام إلا رغبة ورهبة فلو علموا أن رهبتهم لا تكون إلا من الذي يقدر على كل شيء وأن رغبتهم لا تكون إلا في الذي بيده كل شيء لو علموا هذا ما عبدوا غير الله تعالى بحال.
وقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ﴾ الحاوية لإيمانه وصفاته وبيان محابه ومكارهه وحدوده وشرائعه ولذا من كفر بآيات الله فلم يؤمن بها ولم يعمل بما فيها خسر خسراناً مبيناً بحيث يخسر يوم القيامة نفسه وأهله، وذلك هو الخسران المبين.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ﴾ الآية هذا ردّ على المشركين الذين طلبوا من الرسول أن يعترف بآلهتهم ويرضى بها مقابل أن يعترفوا له بما جاء به ويدعو إليه فأمر تعالى أن يفاصلهم بقوله: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ (٤) اللهِ تَأْمُرُونِّي (٥) أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾ لن يكون هذا مني أبداً كيف أعبد غير الله وهو
١ - الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا والاستفهام للتقرير.
٢ - التكبر شدة الكبر وهو إظهار المرء التعاظم على غيره لأنه يعد نفسه عظيما وفي التنديد به من حديث مسلم "إن الله لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر"
٣ - المقاليد جمع إقليد وجمع على غير قياس والمراد مفاتيح خزائن السماء والأرض حيث أرزاق العباد وما به تقوم حياتهم، من أمطار وزروع وضروع ومعادن وغيرها.
٤ - غير منصوب بأعبد، وأعبد مرفوع لحذف أن مع حرف الجر إذ الأصل بأن أعبد فلما حذف الناصب ارتفع الفعل. هذا على رأي كثير من النحاة والجمهور يقولون لا حذف وأعبد هو المستفهم عنه، وتأمروني اعتراض أو حال وتقدير الكلام أأعبد غير الله لكونكم تأمروني بذلك.
٥ - قرأ نافع تأمرون بنون واحدة مخففة بحذف إحدى النونين، وقرأ حفص والجمهور تأمروني بتشديد النون إدغاماً لإحدى النونين في الأخرى وفي جملة أيها الجاهلون تقريع لهم ووصف لهم بالجهل وهو وصف مذموم.
504
ربي ومالك أمري وهو الذي كرمني بالعلم به وأوحى إليّ شرائعه. فلتيأسوا فإن مثل هذا لن يكون أبداً، ووصفهم بالجهل لأن جهلهم (١) بالله وعظمته هو الذي سول لهم عبادة غيره والتعصب لها.
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ﴾ أي أوحى الله إليك كما أوحى إلى الأنبياء من قبلك بالتالي وهو وعزة الله وجلاله ﴿لَئِنْ أَشْرَكْت﴾ بنا غيرنا في عبادتنا ليحبطن (٢) عملك أي يبطل كله ولا تثاب على شيء منه وإن قل، ولتكونن بعد ذلك من جملة الخاسرين الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وذلك هو الخسران المبين. ثم أمر تعالى رسوله مقرراً التوحيد مبطلاً الشرك بقوله: ﴿بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ (٣) وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ أي الله وحده فاعبده وكن من الشاكرين له على إنعامه وإفضاله عليك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- اسوداد الوجه يوم القيامة علامة الكفر والخلود في جهنم.
٢- ابيضاض الوجوه يوم القيامة علامة الإيمان (٤) والخلود في الجنة.
٣- تقرير البعث والجزاء بوصف أحواله وما يدور فيه.
٤- بيد الله كل شيء فلا يصح أن يطلب شيء من غيره أبداً، ومن طلب شيئاً من غير الله فهو من أجهل الخلق.
٥- التنديد بالشرك وبيان خطورته إذ هو محبط للأعمال بالكلية.
٦- وجوب عبادة الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه ووجوب حمده وشكره إذ كل إنعام منه وكل إفضال له. فلله الحمد والمنة.
١ - العرب مع أنهم أميون يعترفون بفضل العالم على الجاهل قال شاعرهم:
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم
فليس سواء عالم وجهول
٢ - حبوط العمل بطلانه حيث لا يثاب عليه والخسران مقيد بأن يموت على الردة أما إن راجع الإسلام فلا يخسر لآية ﴿ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر﴾ فالآية مقيدة لإطلاق آية الزمر.
٣ - بل للإبطال أي إبطال عبادة ما دعاه إليه المشركون وقصره على عبادة الله وحده وأمره أن يكون في جملة الشاكرين لله إنعامه عليهم بنعمة الإسلام.
٤ - شاهده آية آل عمران ﴿يوم تبيض وجوه وتسود وجوه﴾ الآية.
505
وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٩) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (٧٠)
شرح الكلمات:
وما قدروا الله حق قدره: أي ما عظموا الله حق عظمته ولا عرفوه حق معرفته حين أشركوا في عبادته غيره من أوثانهم.
والأرض جميعاً قبضته: أي والأرض بجميع أجزائها قبضته.
والسموات مطويات بيمينه: أي والسموات السبع مطويات بيمينه.
سبحانه وتعالى عما يشركون: أي تقدس وتنزه عما يشرك به المشركون من أوثان.
ونفخ في الصور: أي نفخ إسرافيل نفخة الصعق.
ثم نفخ فيه أخرى: أي مرة أخرى وهي نفخة القيام لرب العالمين.
وأشرقت الأرض بنور ربها: أي أضاءت الأرض بنور الله تعالى حين يتجلى لفصل القضاء.
ووضع الكتاب: أي كتاب الأعمال للحساب.
وجيء بالنبيين والشهداء: أي بالنبيين ليشهدوا على أممهم، والشهداء محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته.
وفضي بينهم بالحق: أي بالعدل وهم لا يظلمون لا بنقص حسناتهم ولا بزيادة سيئاتهم.
وهو أعلم بما يفعلون: أي أعلم حتى من العاملين أنفسهم.
506
معنى الآيات:
قوله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ (١) إنه بعد أن قرر تعالى التوحيد وندد بالشرك والمشركين أخبر تعالى ناعيا على المشركين شركهم ودعوتهم نبيه للشرك بأنهم بفعلهم ذلك ما قدروا الله حق قدره أي ما عظموه حق عظمته وذلك لجهلهم به تعالى حين عبدوا معه غيره ودعوا نبيه إلى دلك، وقوله: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعاً (٢) قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ (٣) فالذي يجعل الأرض بكل طبقاتها وأجزائها في قبضته والسموات يطويها بيمينه فالسموات والأرض جميعا في يده، ويقول أنا الملك أين الملوك. فصاحب هذه القدرة العظمى كيف يعبد معه آلهة أخرى هي أصنام وتماثيل أوثان. لذا نزه تعالى نفسه بقوله ﴿سُبْحَانَهُ﴾ أي تنزه وتقدس عن الشريك والنظير والصاحبة والولد وعن صفات المحدثين، وتعالى عما يشركون أي ترفع عن أن يكون له شريك وهو رب كل شيء ومليكه.
وقوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ (٤) ﴾ الآية هذا عرض لمظاهر القدرة التي يتنافى معها عقلاً وجود من يستحق العبادة معه سبحانه وتعالى، والنافخ في الصور أي البوق إسرافيل قطعاً إذ هو الموكل بالنفخ في الصور فإذا نفخ هذه النفخة صعق من (٥) في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فهذا استثناء دال على أن بعضاً من المخلوقات لم يصعق في هذه النفخة، ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ﴾ أي في الصور نفخة ﴿أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ هذه النفخة تسمى نفخة القيام لله رب العالمين لأجل الحساب وقوله تعالى: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ (٦) ﴾ أي كتاب الأعمال للحساب ﴿وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ﴾ ليشهدوا على أممهم وجيء بالشهداء وهم أمة
١ - حق قدره فيه إضافة الصفة إلى الموصوف فحق صفة، والقدر موصوف إذ الأصل (ما قدروا الله قدره الحق) فالحق منصوب على النيابة عن المفعول المطلق.
٢ - جرد جميع من التاء إذ لم يقل والأرض جميعة جريا على الغالب وقد أثبتت في قول الشاعر:
فلو أنها نفس تموت جميعة
ولكنها نفس تساقط أنفساً
ونصب جميعا على الحال.
٣ - شاهده في البخاري قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض؟ وفي الترمذي وصححه عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قوله تعالى ﴿والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه﴾ قالت قلت فأين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: على جسر جهنم، وفي رواية على الصراط يا عائشة".
٤ - الصور البوق ينادى به البعيد المتفرق مثل الجيش، والمراد هنا نداء الخلق لحضور الحشر أحياء للحساب والجزاء.
٥ - بالتتبع للآيات القرآنية المتضمنة لأحوال الدار الآخرة نجد أن النفخات للصور أربع نفخات: وهي نفخة الفناء، ونفخة البعث، ونفخة الصعق، ونفخة القيام لرب العالمين. وفي هذه الآيات ذكر نفخة الصعق ونفخة القيام لرب العالمين سميت هذه نفخة صعق لأن الخلائق يصعقون ولا يموتون بدليل حديث البخاري "فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله تعالى" لفظ مسلم. قال القرطبي والإفاقة إنما تكون من غشية وزوال عقل لا عن موت برد الحياة والله أعلم.
٦ - الكتاب اسم جنس والمراد صحائف أعمال العباد الحاوي للحسنات والسيئات.
507
محمد يشهدون على الأمم السابقة بأن رسلها قد بلغتهم دعوة الله، وشهادة أمة محمد قائمة على ما أخبرهم تعالى في كتابه القرآن الكريم أن الرسل قد بلغت رسالات ربها لأممها، ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ أي خياراً عدولاً ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ وقوله: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ أي وحكم الله تعالى بين العباد بالعدل، ووفي كل نفس ما عملت من خير أو شر، وهو تعالى أعلم بما يفعلون حتى من العاملين أنفسهم ولذا سيكون الحساب عادلا لا حيف فيه لخلوه من الخطأ والغلط والجهل والنسيان لتنزه الباري عز وجل عن ذلك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان مظاهر عظمة الرب تعالى التي يتنافى معها الشرك به عز وجل في عباداته.
٢- تقرير البعث والجزاء ببيان أحواله وما يجري فيه.
٣- بيان عدالة الله في قضائه بين عباده في عرصات القيامة.
٤- فضيلة هذه الأمة بقبولها شاهدة على الأمم التي سبقتها.
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (٧٣) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ
508
نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (٧٤) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٧٥)
شرح الكلمات:
وسيق الذين كفروا: أي وساق الملائكة بعنف الذين كفروا.
إلى جهنم زمراً: أي جماعات، جماعة المشركين وجماعة المجرمين وجماعة الظالمين.
وقال لهم خزنتها: أي الموكلون بالنار من الملائكة الواحد خازن.
ألم يأتكم رسل: هذا الاستفهام للتقرير والتوبيخ.
حقت كلمة العذاب: أي وجب العذاب للكافرين.
وسيق الذين اتقوا: أي وساقت الملائكة بلطف على النجائب الذين اتقوا ربهم أي أطاعوه ولم يشركوا به.
وفتحت أبوابها: أي والحال أن أبواب الجنة قد فتحت لاستقبالهم.
والحمد لله الذي صدقنا وعده: أي أنجز لنا وعده بالجنة.
وأورثنا الأرض: أي أرض الجنة وصورة الإرث نظراً إلى قوله تعالى في وعده لهم تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً. (١)
نتبوأ من الجنة حيث نشاء: أي ننزل من حيث نشاء.
فنعم أجر العاملين: أي الجنة.
حافين من حول العرش: أي محدقين بالعرش من كل جانب.
يسبحون بحمد ربهم: أي يقولون سبحان الله وبحمده.
وقضي بينهم بالحق: أي وقضى الله بمعنى حكم بين جميع الخلائق بالعدل.
وقيل الحمد لله رب العالمين: أي وقالت الملائكة والمؤمنون الحمد لله رب العالمين على استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.
١- وجه الورث أن الله تعالى خلق لكل إنسان منزلا في النار وآخر في الجنة ثم هم يتوارثون فأهل الجنة يرثون منازل أهل النار في الجنة وأهل النار يرثون منازل أهل الجنة في النار.
509
معنى الآيات:
بعد الفراغ من الحكم على أهل الموقف وذلك بأن حكم الله تعالى فيهم بحسب عملهم فوفّى كل عامل بعمله من كفر ومعاص، أو إيمان وطاعة قال تعالى مخبراً عن مصير الفريقين ﴿وَسِيقَ (١) الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي ساقهم الملائكة بشدة وعنف لأنهم لا يريدون الذهاب ﴿إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً﴾ أي جماعات ولفظ الزمرة مشتق من الزمر الذي هو الصوت إذ الغالب في الجماعة أن يكون لها صوت. وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ إذ كانت مغلفة كأبواب السجون لا تفتح إلا عند المجيء بالسجناء، ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا (٢) ﴾ قبل الوصول إليها موبخين لهم ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ (٣) رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ﴾ أي المبينة لكم الهدى من الضلال والحق من الباطل، وما يحب ربكم من العقائد والأقوال والأعمال والصفات والذوات وما يكره من ذلك، ويدعوكم إلى فعل المحاب لتنجوا وترك المكاره لتنجوا وتسعدوا. فأجابوا قائلين بلى أي جاءتنا بالذي قلتم ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ونحن منهم فوجب لنا العذاب، وعندئذ تقول لهم الملائكة ادخلوا (٤) أبواب جهنم خالدين فيها، فبئس مثوى المتكبرين أي قبح مأوى المتكبرين في جهنم من مأوى.
وقوله تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ (٥) اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ﴾ وسوقهم هو سوق النجائب التي يركبونها فهو سوق لطف وتكريم إلى الجنة دار السلام زمراً زمرة الجهاد وزمرة الصدقات وزمرة العلماء وزمرة الصلوات.... ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا﴾ وقد فتحت (٦) أبوابها من قبل لاستقبالهم مُعَزَزين مكرمين، فقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم أي طابت أرواحكم بأعمالكم الطيبة فطاب مقامكم في دار السلام فنعم التحية حيوا بها مقابل تأنيب وتوبيخ الزبانية لأهل النار. وقوله لهم فادخلوها أي الجنة حال كون خلودكم مقدراً لكم فيها. فقالوا بعد دخولهم الجنة ونزولهم في
١- هذا بيان توفية كل نفس عملها فيساق الذين كفروا إلى النار والذين آمنوا إلى الجنان والزمر جمع زمرة كظلمة وظلم وغرفة وغرف، وهي جماعة بعد جماعة قال الشاعر:
وترى الناس إلى منزله
زمراًً تنتابه بعد زمرة
٢- الخزنة جمع خازن كسدنة وسادن.
٣- الاستفهام للتقرير مع التوبيخ والتقريع.
٤- قال وهب: تستقبلهم الزبانية بمقامع من حديد فيدفعونهم بمقامعهم فإنه ليقع في الدفعة الأولى بعدد ربيعة ومضر. قال تعالى ﴿ولهم مقامع من حديد﴾.
٥- سوق أهل النار طردهم إلى النار بالخزي والهوان كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان وسوق أهل الجنة سوق مراكبهم إلى دار السلام إنهم لا يذهب بهم إلا راكبين وشتان ما بين السوقين.
٦- قرأ نافع والجمهور فتحت بتشديد التاء في الأولى والثانية وقرأ حفص بالتخفيف، والواو في قوله وفتحت واو الحال والجملة حالية في محل نصب.
510
قصورها الحمد لله الذي صدقنا وعده يعنون قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً﴾، وقوله: ﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾ أي أرض الجنة نتبوأ منها حيث نشاء أي ننزل منها حيث نريد النزول، وفي قولهم أورثنا الأرض إشارة إلى أنهم ورثوها من أبويهم آدم وحواء إذ كانت لهم قبل نزولهما منها. وقولهم فنعم أجر العاملين أي الجنة والمراد من العمل الإيمان والتقوى في الدنيا، بأداء الفرائض واجتناب النواهي وقوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْمَلائِكَةَ﴾ أيها الرائي ﴿حَافِّينَ مِنْ (١) حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ أي محدقين بعرش الرحمن أي سريره ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ أي قائلين: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. قال تعالى مخبرا عن نهاية الموقف: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ أي وقضى الله بين الخلائق بالعدل، ولما استقر أهل النار وأهل الجنة حُمد الله على الاستقرار التام والحكم العادل الرحيم وقيل الحمد لله رب (٢) العالمين أي حمدت الملائكة ربها وحمده معهم المؤمنون وهم في دار النعيم المقيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان إهانة أهل النار بسوقهم على أرجلهم بعنف وتأنيبهم وتوبيخهم.
٢- التنديد بالاستكبار عن عبادة الله تعالى، وعباده المؤمنين به، المتقين له.
٣- بيان إكرام الله تعالى لأوليائه إذ يحملون على نجائب رحالها من ذهب إلى الجنة، ويلقون فيها تحية وسلاماً. تحية احترام وإكرام، وسلام أمان من كل مكروه.
٤- بيان نهاية الموقف باستقرار أهل النار من الكفار والفجار في النار، واستقرار أهل الجنة من المؤمنين الأتقياء الأبرار في الجنة دار الأبرار.
٥- ختم كل عمل بالحمد لله فقد ابتدأ الله الخالق بالحمد فقال الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وختم بالحمد، وقيل الحمد لله رب العالمين.
١- من زائدة لتقوية الكلام نحو ما جاءني من أحد.
٢- قال قتادة في هذه الآية افتتح الله أول الخلق بالحمد فقال: (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور) وختم بالحمد فقال "وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين" فحسن الاقتداء به فيبدأ العبد قوله بالحمد ويختمه بالحمد.
511
سورة غافر (١)
مكية
وآياتها خمس وثمانون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (٥) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (٦)
١- وتسمى أيضا سورة المؤمن وسورة الطول وهي أول ال حم التي يقال لها ديباج القرآن وعرائس القرآن ويقال ذوات حم وذكر القرطبي أن رجلا من أهل الشام كان ذا بأس شديد فقيل لعمر وقد سأل عنه أنه تتابع في هذا الشراب فقال عمر لكاتبه اكتب من عمر إلى فلان سلام عليك وأنا أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم. غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ثم ختم الكتاب وقال لرسوله لا تدفعه إليه حتى تجده صاحياً ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة له بالتوبة فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول قد وعدني الله يغفر لي وحذّرني عقابه، فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزع وحسنت توبته فلما بلغ ذلك عمر أمره قال هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم زل زلة فسددوه وادعوا الله له أن يتوب عليه ولا تكونوا عونا للشيطان عليه.
512
Icon