تفسير سورة الزمر

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة الزمر من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
وهي مكية كلها.

قَوْله: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيز الْحَكِيم﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن أنزلهُ مَعَ جِبْرِيل عَلَى محمدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ محمدٌ: يجوزُ الرّفْع فِي ﴿تَنْزِيل﴾ على معنى: هَذَا تَنْزِيل.
﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ أَي: لَا تشرك بِهِ شَيْئا
﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ يَعْنِي: الْإِسْلَام ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دونه أَوْلِيَاء﴾ أَي: يتخذونهم آلِهَة يَعْبُدُونَهُمْ من دون اللَّه ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ﴾ أَي: قَالُوا مَا نعبدهم، فِيهَا إِضْمَار ﴿إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زلفى﴾ قربى؛ زَعَمُوا أَنهم يَتَقَرَّبُون إِلَى اللَّه بِعبَادة الْأَوْثَان لكَي يصلح لَهُم مَعَايشهمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَيْسَ يقرونَ بِالآخِرَة.
قَالَ مُجَاهِد: قُرَيْش يَقُولُونَهُ للأوثان، وَمن قبلهم يَقُولُونَهُ للْمَلَائكَة ولعيسى ابْن مَرْيَم ولعُزَير.
﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ يحكم بَين الْمُؤمنِينَ
102
وَالْمُشْرِكين يَوْم الْقِيَامَة، فَيدْخل الْمُؤمنِينَ الْجنَّة، وَيدخل الْمُشْركين النَّار ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِب كفار﴾ يَعْنِي: من يَمُوت عَلَى كفره.
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٤ إِلَى آيَة ٥.
103
﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ ولدا لاصطفى﴾ لاختار ﴿مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ﴾ ينزه نَفسه أَن يكون لَهُ ولد ﴿الْوَاحِد القهار﴾ قهر الْعباد بِالْمَوْتِ وَبِمَا شَاءَ من أمره.
﴿خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ﴾ أَي: للبعث والحساب وَالْجنَّة وَالنَّار ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَار على اللَّيْل﴾ يَعْنِي: أَخذ كل واحدٍ مِنْهُمَا من صَاحبه ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كل يجْرِي لأجل مُسَمّى﴾ يَعْنِي: إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ﴿أَلا هُوَ الْعَزِيز الْغفار﴾ لمن آمن.
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٦ إِلَى آيَة ٧.
﴿خَلقكُم من نفس وَاحِدَة﴾ آدم ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ حَوَّاء؛ من ضلعٍ
103
من أضلاعه القُصيري من جنبه الْأَيْسَر ﴿وَأنزل لكم﴾ أَي: وَخلق لكم ﴿مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَة أَزوَاج﴾ أَصْنَاف الْوَاحِد مِنْهَا زوجٌ، هِيَ الْأزْوَاج الثَّمَانِية الَّتِي ذكر فِي سُورَة الْأَنْعَام ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خلقا من بعد خلق﴾ يَعْنِي: نُطْفَة ثمَّ علقَة ثمَّ مُضْغَة ثمَّ عظامًا ثمَّ يُكسي الْعِظَام اللَّحْم ثمَّ الشّعْر ثمَّ ينْفخ فِيهِ الرّوح ﴿فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاث﴾ يَعْنِي: الْبَطن والمشيمة وَالرحم ﴿فَأَنَّى تصرفون﴾ أيْ: أَيْنَ يُذْهَبُ بكُمْ فتعبدون غَيره وَأَنْتُم تعلمُونَ أَنَّهُ خَلقكُم وَخلق هَذِه الْأَشْيَاء؟!
104
﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُم﴾ أَي: عَن عبادتكم ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكفْر وَإِن تشكروا﴾ تؤمنوا ﴿يَرْضَهُ لَكُمْ﴾.
﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزر أُخْرَى﴾ يَعْنِي: لَا يحمل أحدٌ ذَنْبِ أحدٍ ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ يَعْنِي: بِمَا فِي الصُّدُور.
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٨ إِلَى آيَة ١٠.
﴿وَإِذا مس الْإِنْسَان ضرّ﴾ يَعْنِي: مَرضا ﴿دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ﴾ أَي: دَعَاهُ بالإخلاص أَن يكْشف عَنْهُ ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ﴾ أَي: عافاه من ذَلكَ الْمَرَض ﴿نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ من قبل﴾ هُوَ كَقَوْلِه: (مَرَّ كَأَنْ لَمْ يدعنا إِلَى
104
ضرّ مَسّه}.
قَالَ محمدٌ: كل شيءٍ أُعطيته فقد خُوِّلْتَه وَمن هَذَا قَول زُهَيْر:
(هُنَالك إِن يستخولوا المَال يُخولوا وَإِن يسْأَلُوا يُعْطوا وَإِن يَيْسِرُوا يُغْلوا)
وَيُقَال: فلَان يخول أَهله إِذا رعى غَنمهمْ، أَو مَا أشبه ذَلكَ.
﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا﴾ يَعْنِي: الْأَوْثَان؛ الندُّ فِي اللُّغَة: الْعدْل ﴿لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ﴾ أَي: يتبعهُ عَلَى ذَلكَ غَيره ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد للمشرك: ﴿تَمَتَّعْ﴾ ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ (بِكُفْرِكَ قَلِيلاً} أَي أَن بَقَاءَك فِي الدُّنْيَا قَلِيل ﴿إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾.
105
﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ﴾ يَعْنِي (مصل) ﴿آنَاء اللَّيْلِ﴾ يَعْنِي: سَاعَات اللَّيْل ﴿سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ﴾ أَي: يخَاف عَذَابهَا ﴿وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ يَعْنِي: الْجنَّة يَقُولُ: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِت﴾ إِلَى آخر الْآيَة، كَالَّذي جعل لله أندادًا فعبد الْأَوْثَان دوني، لَيْسَ مثله.
قَالَ محمدٌ: أصل الْقُنُوت الطَّاعَة، وَقَرَأَ نَافِع (أَمن) بِالتَّخْفِيفِ.
(ل ٢٩٨) ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أَي: هَلْ يَسْتَوِي هَذَا الْمُؤمن الَّذِي يعلم أَنَّهُ ملاقٍ ربه، وَهَذَا الْمُشرك الَّذِي جعل لله
105
الأنداد؛ أَي: أَنَّهُمَا لَا يستويان ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ﴾ إِنَّمَا (يقبل) التَّذْكِرَة ﴿أولُوا الْأَلْبَاب﴾ أَصْحَاب الْعُقُول؛ وهم الْمُؤْمِنُونَ.
106
﴿للَّذين أَحْسنُوا﴾ آمَنُوا ﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ أَي: فِي الْآخِرَة؛ وَهِي الْجنَّة ﴿وَأَرْض الله وَاسِعَة﴾ هُوَ كَقَوْلِه: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فاعبدون﴾ فِي الأَرْض الَّتِي أَمركُم أَن تهاجروا إِلَيْهَا؛ يَعْنِي: الْمَدِينَة ﴿إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ﴾ يَعْنِي: الَّذين صَبَرُوا عَلَى طَاعَة الله ﴿أجرهم﴾ الْجنَّة ﴿بِغَيْر حِسَاب﴾. يَقُول: لَا حِسَاب عَلَيْهِم فِي الْجنَّة، كَقَوْلِه: ﴿يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب﴾.
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ١١ إِلَى آيَة ١٦.
﴿وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾ من هَذِه الْأمة.
﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي﴾ بمتابعتكم عَلَى مَا تدعونني إِلَيْهِ من عبَادَة الْأَوْثَان ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم﴾ يَعْنِي: جَهَنَّم
﴿فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾ وَهَذَا وَعِيد؛ أَي: أَنكُمْ إِن عَبدْتُمْ من دونه عذّبكم ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ الْآيَة، جعل اللَّه لكل أحدٍ منزلا فِي الْجنَّة وَأهلا؛ فَمن عمل
106
بِطَاعَة اللَّه كَانَ لَهُ ذَلكَ الْمنزل والأهل، وَمن عمل بِمَعْصِيَة اللَّه صيَّره اللَّه إِلَى النَّار، وَكَانَ ذَلكَ الْمنزل والأهل مِيرَاثا لمن عمل بِطَاعَة اللَّه إِلَى مَنَازِلهمْ وأهليهم الَّتِي جعل اللَّه لَهُم، فَصَارَ جَمِيع ذَلكَ لَهُم.
107
﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّار وَمن تَحْتهم ظلل﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمن فَوْقهم غواش﴾.
﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ﴿يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عباد فاتقون﴾.
قَالَ محمدٌ: قَوْله: ﴿ذَلِكَ يُخَوِّفُ الله بِهِ عباده﴾ مَوضِع (ذَلِك) رفعٌ بِالِابْتِدَاءِ الْمَعْنى ذَلكَ الَّذِي ذكرنَا من الْعَذَاب يخوف اللَّه بِهِ عباده، وَقَوله (يَا عِبَادِ) قِرَاءَة نَافِع بِحَذْف الْيَاء؛ وَهُوَ الِاخْتِيَار عِنْد أهل الْعَرَبيَّة.
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ١٧ إِلَى آيَة ٢١.
﴿وَالَّذين اجتنبوا الطاغوت﴾ (يَعْنِي: الشَّيَاطِين) ﴿أَن يعبدوها﴾ وَذَلِكَ أَن الَّذين يعْبدُونَ الْأَوْثَان إِنَّمَا يعْبدُونَ الشَّيَاطِين؛ لأَنهم هُمْ دعوهم إِلَى عبادتها
107
﴿وأنابوا إِلَى الله﴾ أَقبلُوا مُخلصين إِلَيْهِ ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى﴾ يَعْنِي الْجنَّة ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه﴾ اي: بشرهم بِالْجنَّةِ،
108
وَالْقَوْل كتاب اللَّه، واتِّباعهم لأحسنه أَن يعملوا بِمَا أَمرهم اللَّه بِهِ فِيهِ، وينتهوا عَمَّا نَهَاهُم الله عَنهُ فِيهِ.
﴿أَفَمَن حق عَلَيْهِ﴾ أَي: سبقت عَلَيْهِ ﴿كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾ أَي: تهدي من وَجب عَلَيْهِ الْعَذَاب؛ اي: لَا تهديه
﴿لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّة﴾.
قَالَ محمدٌ: قِيلَ الْمَعْنى: لَهُم؛ منَازِل فِي الْجنَّة رفيعة وفوقها منَازِل أرفع مِنْهَا ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ الَّذِي وعد الْمُؤمنِينَ، يَعْنِي الْجنَّة.
قَالَ محمدٌ: الْقِرَاءَة ﴿وَعَدَ اللَّهَ﴾ بِالنّصب بِمَعْنى وعدهم اللَّه وَعدا.
﴿فسلكه ينابيع فِي الأَرْض﴾ والينابيع: الْعُيُون ﴿ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا﴾ كَقَوْلِه: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هشيما تَذْرُوهُ الرِّيَاح﴾.
قَالَ محمدٌ: قَوْله: ﴿ثُمَّ يَهِيجُ﴾ أَي: يجفُّ، يُقَال للنبت إِذا تمّ جفافه. قد هاج النبت يهيج، وهاجت الأَرْض إِذا ذَوَى مَا فِيهَا من الخُضَر والحطام: مَا تفتت وتكسَّر من النبت وَغَيره.
108
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الْأَلْبَاب﴾ الْعُقُول؛ وهم الْمُؤْمِنُونَ يتذكرون فيعلمون أنّ مَا فِي الدُّنْيَا ذاهبٌ.
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٢٢ إِلَى آيَة ٢٦.
109
﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ﴾: أَي: وسَّع ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ من ربه﴾ أَي: ذَلكَ النُّور فِي قلبه ﴿فويل للقاسية قُلُوبهم﴾ الْآيَة؛ أَي: أَن الَّذِي شرح اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نور من ربه لَيْسَ كالقاسي قلبه الَّذِي هُوَ فِي ضلال مُبين عَن الْهدى؛ يَعْنِي: الْمُشرك وَهَذَا عَلَى الِاسْتِفْهَام يَقُولُ: ﴿هَلْ يستويان﴾ أَي: أَنَّهُمَا لَا يستويان.
﴿الله نزل أحسن الحَدِيث﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿كتابا متشابها﴾ يَعْنِي: يشبه بعضه بَعْضًا فِي نوره وَصدقه وعدله ﴿مثاني﴾ يَعْنِي: ثنى اللَّه فِيهِ الْقَصَص عَن الْجنَّة فِي هَذِه السُّورَة، وثنى ذكرهَا فِي سُورَة أُخْرَى، وَذكر النَّار فِي هَذِه (ل ٢٩٩) السُّورَة ثمَّ ذكرهَا فِي غَيرهَا من السُّور؛ هَذَا تَفْسِير الْحَسَن.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿مثاني﴾ نعت قَوْله (كتابا) وَلم ينْصَرف؛ لِأَنَّهُ جمع لَيْسَ عَلَى
109
مِثَال الْوَاحِد.
﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذين يَخْشونَ رَبهم﴾ إِذا ذكرُوا وَعِيد اللَّه [فِيهِ] ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذكر الله﴾ إِذا ذكرُوا أَعْمَالهم الصَّالِحَة، لانت قُلُوبهم وجلودهم إِلَى وعد اللَّه الَّذِي وعدهم.
قَالَ محمدٌ: وَقيل: الْمَعْنى: إِذا ذكرت آيَات الْعَذَاب، اقشعرَّت جُلُود الْخَائِفِينَ لله، ثمَّ تلين جلودُهم وَقُلُوبهمْ إِذا ذكرت آيَات الرَّحْمَة.
110
﴿أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ أَي: شدته أول مَا تصيب مِنْهُ النَّار إِذا أُلقي فِيهَا وَجهه؛ لِأَنَّهُ يكبُّ عَلَى وَجهه ﴿خير أَمن يَأْتِي آمنا﴾ أَي: أَنَّهُمَا لَا يستويان ﴿وَقِيلَ للظالمين﴾ الْمُشْركين: ﴿ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ أَي: جَزَاء مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ
﴿كذب الَّذين من قبلهم﴾ يَعْنِي: من قبل قَوْمك يَا محمدُ.
﴿فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ جَاءَهُم فَجْأَة
﴿ولعذاب الْآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا ﴿لَو كَانُوا يعلمُونَ﴾ لعلموا أَن عَذَاب الْآخِرَة أكبر من عَذَاب الدُّنْيَا.
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٢٧ إِلَى آيَة ٣١.
﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يتذكرون﴾ لِكَيْ
110
يَتَذَكَّرُوا؛ فَيَحْذَرُوا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نزل بالذين من قبلهم
111
﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ أَي: لَيْسَ [فِيهِ عوج] ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ لكَي يتقوا.
قَالَ محمدٌ: (عَرَبِيًّا) منصوبٌ عَلَى الْحَال، الْمَعْنى: ضربنا للنَّاس فِي هَذَا الْقُرْآن فِي حَال عربيته وَبَيَانه، وَذكر (قُرْآنًا) توكيدا.
﴿ضرب الله مثلا رجلا﴾ يَعْنِي: الْمُشرك ﴿فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ﴾ يَعْنِي: أوثانًا؛ هُمْ شَتَّى.
﴿وَرَجُلا سلما لرجل﴾ يَعْنِي: الْمُؤمن يعبد اللَّه وَحده ﴿هَل يستويان مثلا﴾ أَيْ: أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿متشاكسون﴾ مَعْنَاهُ: مُخْتَلفُونَ لَا يتفقون.
وَيُقَال للعسير: شَكِس الرجل شَكْسًا، وَمن قَرَأَ (ورجلا سلما) فَالْمَعْنى: ذَا سلمٍ وَهُوَ مصدر وُصِفَ بِهِ، وأصلُ الْكَلِمَة من الاستسلام.
﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ ربكُم تختصمون﴾ تَفْسِير الْحَسَن: يُخَاصم النَّبِي والمؤمنون الْمُشْركين.
111
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٣٢ إِلَى آيَة ٣٧.
112
﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى الله﴾ فعبد الْأَوْثَان، وَزعم أَن عبادتها تقرب إِلَى اللَّه ﴿وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد؛ أَي: لَا أحد أظلم مِنْهُ ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى﴾ أَي: منزلا ﴿للْكَافِرِينَ﴾ أَي: بلَى فِيهَا منزل للْكَافِرِينَ
﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ﴾ محمدٌ جَاءَ بِالْقُرْآنِ ﴿وَصَدَّقَ بِهِ﴾ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ؛ صدَّقوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾.
﴿أَلَيْسَ الله بكاف عَبده﴾ يَعْنِي: مُحَمَّدًا؛ يَكْفِيهِ الْمُشْركين حَتَّى لَا يصلُوا إِلَيْهِ ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ من دونه﴾ يَعْنِي: الْأَوْثَان.
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٣٨ إِلَى آيَة ٤٠.
﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دون الله﴾ يَعْنِي: أوثانهم، الْآيَة.
112
يَقُولُ: لَا يقدرن أَن يكشفن ضرا، وَلَا يمسكن رَحْمَة ﴿لَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ليَقُولن الله﴾ أَي: فَكيف تَعْبدُونَ الْأَوْثَان من دونه، وَأَنْتُم تعلمُونَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض
113
﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مكانتكم﴾ أَي: عَلَى شرككم ﴿إِنِّي عَامِلٌ﴾ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ من الْهدى ﴿فَسَوف تعلمُونَ﴾ وَهَذَا وَعِيد
﴿من يَأْتِيهِ عَذَاب يخزيه﴾ يَعْنِي: النَّفْخَةَ الأُولَى الَّتِي يَهْلِكُ بِهَا كُفَّارُ آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ﴿وَيحل عَلَيْهِ عَذَاب مُقيم﴾ فِي الْآخِرَة.
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٤١ إِلَى آيَة ٤٤.
﴿وَمَا أَنْت عَلَيْهِم بوكيل﴾ أَي: بحفيظ لأعمالهم حَتَّى تجازيهم بهَا، وَالله هُوَ الَّذِي يجزيهم بهَا
﴿وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ أَي ويتوفى الَّتِي لمْ تمت؛ أَي: يتوفاها فِي منامها ﴿فَيُمْسِكُ الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت﴾ أَي: فيميتها.
قَالَ محمدٌ: (فَيُمْسِكُ) بِالرَّفْع هِيَ قِرَاءَة نَافِع.
﴿وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى﴾ إِلَى الْمَوْت؛ وَذَلِكَ أَن الْإِنْسَان إِذا نَام خرجت النَّفس وَتبقى الرّوح فَيكون بَينهمَا مثل شُعَاع الشَّمْس، وبلغنا أَن
113
الأحلام الَّتِي يرى النَّائِم هِيَ فِي تِلْكَ الْحَال؛ فَإِن كَانَ مِمَّن كتب اللَّه عَلَيْهِ الْمَوْت فِي مَنَامه خرجت الرّوح إِلَى النَّفس، وَإِن كَانَ مِمَّن لم يحضر أَجله رجعت النَّفس إِلَى الرّوح فَاسْتَيْقَظَ.
﴿إِنَّ فِي ذَلِك لآيَات لقوم يتفكرون﴾ وهم الْمُؤْمِنُونَ
114
﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء﴾ أَي: قد اتخذوهم؛ ليشفعوا لَهُم (ل ٣٠٠) زَعَمُوا ذَلكَ لدنياهم ليصلحها لَهُم وَلَا يقرونَ بِالآخِرَة ﴿قل﴾ يَا مُحَمَّد: ﴿أَوَ لَوْ كَانُوا﴾ ﴿يَعْنِي: أوثانهم﴾ ﴿لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يعْقلُونَ﴾ [أَي: أَنهم لَا يملكُونَ شَيْئا وَلَا يعْقلُونَ)
114
﴿قل لله الشَّفَاعَة جَمِيعًا﴾ أَي: لَا يشفع أحدٌ يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا بِإِذْنِهِ، يَأْذَن لمن يَشَاء من الْمَلَائِكَة والأنبياء وَالْمُؤمنِينَ أَن يشفعوا للْمُؤْمِنين فيشفعهم فيهم.
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٤٥ إِلَى آيَة ٤٨.
114
﴿ قل لله الشفاعة جميعا ﴾ أي : لا يشفع أحد يوم القيامة إلا بإذنه، يأذن لمن يشاء من الملائكة والأنبياء والمؤمنين أن يشفعوا للمؤمنين فيشفعهم فيهم.
﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ﴾ انقبضت ﴿قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دونه﴾ أَي: الَّذين يعْبدُونَ من دونه؛ يَعْنِي: الْأَوْثَان ﴿إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾.
114
قَالَ محمدٌ: يُقَال لمن ذُعر من شَيْء: اشمأز اشمئزازا.
115
﴿عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة﴾ الْغَيْب: السِّرّ، وَالشَّهَادَة: الْعَلَانِيَة ﴿أَنْتَ تحكم بَين عِبَادك﴾ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ وَالْمُشْرِكين؛ فَيكون حكمه بَينهم أَن يدْخل الْمُؤمنِينَ الْجنَّة وَيدخل الْمُشْركين النَّار.
﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لم يَكُونُوا يحتسبون﴾ يَعْنِي: لم يَكُونُوا يحتسبون أَنهم مبعوثون ومعذبون.
﴿وحاق بهم﴾ وَجب عَلَيْهِم ﴿مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون﴾ أَي: جَزَاء ذَلكَ الِاسْتِهْزَاء وَهِي جَهَنَّم بعد عَذَاب الدُّنْيَا.
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٤٩ إِلَى آيَة ٥٢.
﴿ثمَّ إِذا خولناه﴾ أعطيناه ﴿نعْمَة منا﴾ أَي: عَافِيَة ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ﴾ أَعْطيته ﴿على علم﴾ تَفْسِير مُجَاهِد يَقُولُ: هَذَا [بعلمي] (كَقَوْلِه: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لي﴾ أَي: أَنَا محقوقٌ بِهَذَا).
115
قَالَ اللَّهُ: ﴿بَلْ هِي فِتْنَةٌ﴾ يَعْنِي: بليّة ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يعلمُونَ﴾ يَعْنِي: جمَاعَة الْمُشْركين.
قَالَ مُحَمَّد: قِيلَ: الْمَعْنى: تِلْكَ العطيَّة بلوى من اللَّه يَبْتَلِي بهَا العَبْد ليشكر أَو يكفر.
116
﴿قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ من الْمُشْركين؛ يَعْنِي: هَذِه الْكَلِمَة. ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ من أَمْوَالهم
﴿فَأَصَابَهُمْ سيئات مَا كسبوا﴾ مَا عمِلُوا من الشّرك، يَقُولُ: نزل بهم جَزَاء أَعْمَالهم؛ يَعْنِي: الَّذِي أهلك من الْأُمَم ﴿وَالَّذِينَ ظلمُوا﴾ أشركوا ﴿من هَؤُلَاءِ﴾ يَعْنِي: هَذِه الْأمة ﴿سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كسبوا﴾ يَعْنِي: الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ السَّاعَةُ كفار آخر هَذِه الْأمة، وَقد أهلك أوائلهم؛ أَبَا جهل وَأَصْحَابه بِالسَّيْفِ يَوْم بدر ﴿وَمَا هُمْ بمعجزين﴾ أَي: بالذين يَسْبِقُونَنَا حَتَّى لَا نقدر عَلَيْهِم فنبعثهم ثمَّ نعذبهم
﴿أَوَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ﴾ أَي: بلَى قد علمُوا.
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٥٣ إِلَى آيَة ٥٦.
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا على أنفسهم﴾ بالشرك ﴿لَا تقنطوا﴾ تيأسوا. الْآيَة.
تَفْسِير الْحَسَن قَالَ: لما نزل فِي قَاتل الْمُؤمن وَالزَّانِي وغَير ذَلكَ مَا نزل
116
خَافَ قوم أَن يؤاخذوا بِمَا عمِلُوا فِي الْجَاهِلِيَّة، فَقَالُوا: أَيّنَا لم يفعل فَأنْزل اللَّه: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا على أنفسهم﴾ [بالشرك] ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ الَّتِي كَانَت فِي الشّرك ﴿إِنَّهُ هُوَ الغفور الرَّحِيم﴾ وَأنزل: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر﴾ أَي: بعد إسْلَامهمْ ﴿وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ﴾ أَي: بعد إسْلَامهمْ ﴿وَلا يَزْنُونَ﴾ أَي: بعد إسْلَامهمْ إِلَى قَوْله: ﴿إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عملا صَالحا﴾ الْآيَة، وَقد مضى تَفْسِيرهَا
117
﴿وأنيبوا إِلَى ربكُم﴾ يَقُوله للْمُشْرِكين: أَقْبِلُوا إِلَى ربكُم بالإخلاص لَهُ
﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ من ربكُم﴾ وَهُوَ أَن يَأْخُذُوا بِمَا أَمرهم اللَّه بِهِ، وينتهوا عَمَّا نَهَاهُم اللَّه عَنْهُ ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يأتيكم الْعَذَاب بَغْتَة﴾ فَجْأَة ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾.
117
﴿أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ﴾ أَي: فِي أَمر اللَّه ﴿وَإِنْ كنت لمن الساخرين﴾ أَي: كنت أسخر فِي الدُّنْيَا بِالنَّبِيِّ وَالْمُؤمنِينَ.
قَالَ محمدٌ: ﴿أَنْ تَقول نفس﴾ مَعْنَاهُ: خَوْفَ أَن تَقُولُ نفسٌ إِذا صَارَت إِلَى (حَال) الندامة، وَالِاخْتِيَار فِي الْقِرَاءَة: (يَا حسرتا).
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٥٧ إِلَى آيَة ٦٣.
117
﴿ أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ﴾ أي : في أمر الله ﴿ وإن كنت لمن الساخرين( ٥٦ ) ﴾ أي : كنت أسخر في الدنيا بالنبي والمؤمنين. قال محمد :﴿ أن تقول نفس ﴾ معناه : خوف أن تقول نفس إذا صارت إلى ( حال ) الندامة، والاختيار في القراءة :( يا حسرتا )١.
١ نداء الحسرة من أساليب العرب في التشخيص، فإنهم يصورون الحسرة بصورة شخص، وينادون ليحضر لإنقاذه، والألف في (حسرتا) بدل باء الإضافة، والمعنى كما قال سيبويه: يا حسرتي احضري فهذا وقتك. وانظر: زاد المسير (٧/١٩٢)..
﴿أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ﴾ حِين تدخل فِي الْعَذَاب: ﴿لَوْ أَن لي كرة﴾ إِلَى الدُّنْيَا ﴿فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ،
قَالَ اللَّه: ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آياتي﴾ الْآيَة.
﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا على الله وُجُوههم مسودة﴾.
[قَالَ مُحَمَّد: ﴿وُجُوههم مسودة﴾ رفع عَلَى الِابْتِدَاء، وَلم يعْمل الْفِعْل وَالْخَبَر ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مثوى للمتكبرين﴾ (ل ٣٠١) عَن عبَادَة اللَّه بلَى لَهُم فِيهَا مثوى يثوون فِيهَا أبدا.
﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ﴾ بمنجاتهم
﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ حفيظ
﴿لَهُ مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ يَعْنِي: مَفَاتِيح.
قَالَ محمدٌ: وَاحِد المقاليد: إقليد.
118
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٦٤ إِلَى آيَة ٦٧.
119
﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ أَيهَا الجاهلون﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين دَعَوْهُ إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان.
قَالَ محمدٌ: قد مضى فِي سُورَة الْأَنْعَام ذكر الِاخْتِلَاف فِي قِرَاءَة ﴿تأمروني﴾.
﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ مَا عظموا اللَّه حق عَظمته إِذْ عبدُوا الْأَوْثَان من دونه ﴿وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ﴾.
يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانَ الْبُرِّيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول الله يَقُول: " إِن الرَّحْمَن يطوي السَّمَاوَات يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِيَمِينِهِ، وَالأَرَضِينَ بِالأُخْرَى ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْملك، أَنا الْملك ".
119
﴿سُبْحَانَهُ﴾ ينزه نَفسه ﴿وَتَعَالَى﴾ ارْتَفع ﴿عَمَّا يشركُونَ﴾.
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٦٨ إِلَى آيَة ٧٠
120
﴿وَنفخ فِي الصُّور﴾ وَالصُّورِ قَرْنٌ يَنْفُخُ فِيهِ صَاحِبُ الصُّور ﴿فَصعِقَ﴾ أَي: فَمَاتَ ﴿مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْض﴾ وَهَذِه النَّفْخة الأولى ﴿إِلا مَنْ شَاءَ الله﴾ تَفْسِير الْحَسَن: اسْتثْنى طوائف من أهل السَّمَاء يموتون بَين النفختين.
قَالَ يحيى: وَبَلغنِي أَن آخر من يبْقى مِنْهُم جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت، ثمَّ يَمُوت جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل، ثمَّ يَقُولُ اللَّه لملك الْمَوْت: مُتْ فَيَمُوت.
120
﴿ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى﴾ وَهَذِه النفخة الْآخِرَة ﴿فَإِذَا هُمْ قيام ينظرُونَ﴾ وَبَين النفختين أَرْبَعُونَ سنة
121
﴿وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكتاب﴾ الَّذِي كتبته الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم ﴿وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ﴾ الَّذين بعثوا إِلَيْهِم ﴿وَالشُّهَدَاء﴾ يَعْنِي: الْمَلَائِكَة الْحفظَة ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وهم لَا يظْلمُونَ﴾.
قَالَ يحيى: بلغنَا أَنهم يقومُونَ مِقْدَار ثَلَاثمِائَة سنة قبل أَن يفصل بَينهم.
﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ﴾ أما الْمُشْركُونَ فَلَيْسَ يعطوْن فِي الْآخِرَة بأعمالهم الْحَسَنَة شَيْئا: قد جوزوا بهَا فِي الدُّنْيَا، وَأما الْمُؤْمِنُونَ فَيُوَفَّوْنَ حسناتهم فِي الْآخِرَة، وَأما سيئاتهم فَإِنَّهُ يُحَاسب العَبْد بِالْحَسَنَاتِ
121
والسيئات؛ فَإِن فضلت حَسَنَاته سيئاته بحسنة وَاحِدَة ضاعفها اللَّه لَهُ، وَهُوَ قَوْله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَة يُضَاعِفهَا﴾ وَإِن اسْتَوَت حَسَنَاته وسيئاته فَهُوَ من أَصْحَاب الْأَعْرَاف يصير إِلَى الْجنَّة، وَإِن زَادَت سيئاتُه عَلَى حَسَنَاته فَهُوَ فِي مَشِيئَة اللَّه.
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٧١ إِلَى آيَة ٧٢.
122
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾ أَي: فوجًا فوجًا، إِلَى قَوْله:
﴿بئس مثوى المتكبرين﴾ يَعْنِي: عَن عبَادَة الله.
تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة ٧٣ إِلَى آيَة ٧٥.
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ إِلَى قَوْله: ﴿سَلامٌ عَلَيْكُم طبتم﴾.
يَحْيَى: عَنْ نُعَيْمِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
122
الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " إِذَا تَوَجَّهُوا إِلَى الْجَنَّةِ مَرُّوا بِشَجَرَةٍ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ؛ فَيَشْرَبُونَ مِنْ إِحْدَاهِمَا، فَتَجْرِي عَلَيْهِمْ بِنَضْرَةِ النَّعِيمِ، فَلا تُغَبَّرُ أَبْشَارُهُمْ وَلا تُشَعَّثُ أَشْعَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، ثُمَّ يَشْرَبُونَ مِنَ الأُخْرَى فَيَخْرُجُ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ أَذًى، ثُمَّ تَسْتَقْبِلُهُمُ الْمَلائِكَةُ - خَزَنَةُ الْجَنَّةِ - فَتَقُولُ لَهُمْ: ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدين﴾.
123
﴿وأورثنا الأَرْض﴾ يَعْنِي: أَرض الْجنَّة ﴿نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجنَّة حَيْثُ نشَاء﴾ أَي: ننزل: ﴿فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ فِي الدُّنْيَا
﴿وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْش﴾ أَي: مُحْدِقين ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ أَي: فُصِلَ ﴿وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رب الْعَالمين﴾ قَالَه الْمُؤْمِنُونَ؛ حمدوا اللَّه عَلَى مَا أَعْطَاهُم.
124
تَفْسِير سُورَة حم الْمُؤمن وَهِي مَكِّيَّة كلهَا

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة ١ إِلَى آيَة ٤.
125
Icon