ﰡ
أو القتال
مدنية
وآياتها ثمان وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (٢) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (٣)شرح الكلمات:
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله: أي كفروا بتوحيد الله ولقائه وبآياته ورسوله وصدوا غيرهم عن الدخول في الإسلام.
أضل أعمالهم: أي أحبط أعمالهم الخيرية كإطعام الطعام وصلة الأرحام فلا يرى لها أثر يوم القيامة.
والذين آمنوا وعملوا الصالحات: أي آمنوا بالله وآياته ورسوله ولقائه وأدوا الفرائض واجتنبوا النواهي.
وآمنوا بما أنزل على محمد: أي بالقرآن الكريم.
كفر عن سيئاتهم: أي محا عنهم ذنوبهم وغفرها لهم.
وأصلح بالهم: أي شأنهم وحالهم فهم لا يعصون الله تعالى.
ذلك: أي إضلال أعمال الكافرين وتكفير سيئات المؤمنين.
وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم: أي التوحيد والعمل الصالح.
كذلك يضرب الله للناس أمثالهم: أي كما بين تعالى حال الكافرين، وحال المؤمنين في هذه الآية يبين للناس أمثالهم ليعتبروا.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿الَّذِينَ١ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ٢﴾ هذه جملة خبرية أخبر تعالى فيها عن حال من كفر بالله ورسوله وصد عن سبيل الله أي الإسلام غيره من الناس أضل الله عمله٣ فأحبطه فلم يحصل له ثواب في الآخرة، ولازمه أنه هالك في النار، وتكون هذه الجملة كأنها جواب لسؤال نشأ عن قوله تعالى في خاتمة سورة الأحقاف قبل هذه السورة وهي فهل يهلك إلا القوم الفاسقون أي ما يهلك إلا القوم الفاسقون فقال قائل من هم القوم الفاسقون؟ فكان الجواب الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وهو وجه ارتباط بين السورتين حسن. هذا وقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي٤ بالله ورسوله وآياته ولقائه وعملوا الصالحات أي أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصاموا رمضان وحجوا بيت الله الحرام ووصلوا الأرحام وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر. ولو بالاستعداد للقيام بذلك إذ بعض هذه الصالحات لم يشرع بعد وآمنوا بما نزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو القرآن الكريم والسنة الصحيحة لأنها وحي إلهي يتلقاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي صحيح الحديث "ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه" وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ آي القرآن لأنه ناسخ للكتب قبله ولا ينسخ بكتاب بعده. فهو الحق الثابت الباقي إلى نهاية الحياة. وقوله: ﴿كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ أي محا عنهم ذنوبهم وأصلح بالهم ٥ أي ِشأنهم وحالهم فلم يفسدوا بعد بشرك ولا كفر
٢ قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية في المطعمين ببدر وهم اثنا عشر رجلا: أبو جهل والحارث بن هشام وذكرهم، وهم الذين أطعموا الناس يوم بدر ليثبتوا على القتال ولا يفروا، أبطل أعمالهم لعلة شركهم وكفرهم والآية عامة في كل كافر وما بعدها في كل مؤمن.
٣ أصل الإضلال: الخطأ عن الطريق، ولما كان المطعمون عملوا عملا ظنوا أنه خير لهم ونافع فلما أبطله الله تعالى عليهم فلم ينتفعوا به كانوا كمن ضل طريقه فشقى وهلك.
٤ هذه فئة المؤمنين المقابلة لفئة الكافرين ذكر لها ثلاث صفات كما لتلك ثلاث صفات وهي: الإيمان المقابل للكفر، والإيمان بما نزل على محمد المقابلة للصد عن سبيل الله، وعمل الصالحات المقابلة لما فعله المطعمون من الطعام.
٥ البال: يطلق على القلب والعقل، وعلى ما يخطر للمرء من التفكير وهو أكثر إطلاقه ولعله حقيقة فيه، ومجاز في غيره، ويطلق أيضا على الحال والشأن، والقدر لحديث "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر".
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١-بيان طريقي الفلاح والخسران فطريق الفلاح الإيمان والعمل الصالح وطريق الخسران الشرك والمعاصي.
٢-بيان أعمال البر مع الكفر والشرك لا تنفع صاحبها يوم القيامة ولا تشفع له وقد يثاب عليها في الدنيا فيبارك له في ماله وولده.
٣-بيان الحكمة في ضرب الأمثال وهي هداية الناس إلى ما يفلحون به، فينجون من النار ويدخلون الجنة.
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُم (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (٦) يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (٧)) وَالَّذِينَ كَفَرُوا
٢هذه الجملة تذييل لما سبق من بيان حال كل من الكافرين والمؤمنين و (يضرب) بمعنى يلقى مبيّناً، والأمثال: جمع مثل وهو: الحال التي تمثل صاحبها أي: تشهره للناس وتعرفهم به فلا يلتبس بنظائره.
شرح الكلمات:
فإذا لقيتم الذين كفروا: أي إذا كان الأمر كما ذكر فإذا لقيتم الذين كفروا في ساحة المعركة فاضربوا
رقابهم ضرباً شديداً تفصلون فيه الرقاب عن الأبدان.
حتى إذا أثخنتموهم: أي أكثرتم فيه القتل ولم يصبح لهم أمل في الانتصار عليكم.
فشدوا الوثاق: أي فأسروهم بدل قتلهم وشدوا الوثاق أي ما يوثق به الأسير من إسار قدأ كان
أو حبلا حتى لا يتفلتوا ويهربوا.
فإما مناً بعد وإما فداء١: أي بعد أسركم لهم وشد وثاقهم فإما أن تمنوا مناً أي تفكوهم من الأسر مجاناً،
وإما تفادونهم بمال أو أسير مسلم، وهذا بعد نهاية المعركة.
حتى تضع الحرب أوزارها: أي واصلوا القتال والأخذ والأسر إلى أن تضع الحرب أوزارها وهي آلاتها وذلك
عند إسلام الكفار أو دخولهم في عهدكم فهذه غاية انتهاء الحرب حتى لا تكون
فتنة ويكون الدين كله لله.
ذلك: أي الأمر ذلك الذي علمتم من استمرار القتال إلى غاية إسلام الكفار أو دخولهم
في عهدكم وذمتكم.
ولو يشاء الله لانتصر منهم: أي بغير قتال منكم كأن يخسف بهم الأرض أو يصيبهم بوباء ونحوه.
ولكن ليبلوا بعضكم ببعض: ولكن أمركم بالقتال وشرعه لكم لحكمة هي أن يبلوا بعضكم ببعض أي يختبركم
من يقاتل منكم ومن لا يقاتل، والمؤمن يقتل فيدخل الجنة والكافر يقتل فيدخل
النار
والذين قتلوا في سبيل الله٢: أي قتلهم العدو، وقرئ قاتلوا في سبيل الله.
٢ قرأ نافع (قاتلوا) بالبناء للفاعل، وقرأ حفص: (قوتلوا) بالبناء للمفعول.
سيهديهم ويصلح بالهم: أي سيوفقهم إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم ويصلح شأنهم.
ويدخلهم الجنة عرفها لهم: أي ويدخلهم يوم القيامة الجنة بينها لهم فعرفوها بما وصفها لهم في كتابه وعلى
لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إن تنصروا الله: أي في دينه ورسوله وعباده المؤمنين.
ينصركم ويثبت أقدامكم: أي على عدوكم ويثبت أقدامكم في المعارك.
والذين كفروا فتعسا لهم: أي تعسوا تعسا أي هلاكا.
وأضل أعمالهم: أي أحبطها وأبطلها فلم يحصلوا بها على طائل.
ذلك: أي الضلال والتعس.
بأنهم كرهوا ما أنزل الله: أي من القرآن المشتمل على أنواع الهدايات والإصلاحات.
فأحبط أعمالهم: أي أبطلها وأضلها فلا ينتفعون بها لا في الدنيا ولا في الآخرة.
معنى الآيات:
لقد تقدم أن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد أضل أعمالهم وذلك لكفرهم وصدهم عن سبيل الله إذا كان الأمر كذلك فليقاتلوا لإنهاء كل من المفسدتين كفرهم وصدهم غيرهم عن الإسلام وهذا ما دل عليه قوله تعالى فإذا لقيتم١ الذين كفروا فضرب الرقاب أي٢ فاضربوا رقابهم ضربا يفصل الرأس عن الجسد وواصلوا قتالهم حتى إذا أثخنتموهم أي أكثرتم فيهم القتل، فشدوا الوثاق أي٣ احكموا ربط الأسرى بوضع الوثاق وهو الحبل في أيديهم وأرجلهم حتى لا يتمكنوا من قتلكم ولا الهرب منكم وبعد ذلك أنتم وما يراه إمامكم من المصلحة العليا فإن رأى المن فمنوا عليهم مجانا بلا مقابل، وإما تفادونهم فداء بمال، أو برجال، وستظل تلك حالكم قتل وأخذ وأسر ثم من عفو مجاني، أو فداء بعوض ومقابل إلى أن تضع الحرب أوزارها أي أثقالها من عدد وعتاد حربي، وذلك لوصولكم إلى الغاية من الحرب وهي أن يسلم الكافر، أو يدخل في ذمة المسلمين، وهو معنى قوله تعالى في سورة البقرة {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ
(فضرب) : نصب ضرب على المفعولية المطلقة أي: فاضربوا الرقاب ضرباً، والجملة كناية عن قتل المشركين في ساحة المعركة سواء كان الضرب بالسيف أو الرمح أو السهام، فصارت هذه الجملة لما تحمله من معاني الأخذ بالشدة كأنها مثل سائر.
(الوثاق) بفتح الواو، ويجوز كسرها الشيء الذي يوثق به وهو كناية عن الأسر إذ الأسر يستلزم وضع الإسار في يد الأسير ليقاد به.
٢ اختلف في: هل هذه الآية منسوخة أو محكمة والصحيح أنها محكمة وأن الإمام مخير بين القتل والأسر والفداء والمن ولكن لابد من النظر في مصلحة الإسلام والمسلمين فنظر الحاكم يكون محققاً للمصلحة العامة.
(قاتلوا) قراءة نافع و (قتلوا) قراءة حفص كما تقدم في النهر قريباً.
٤ قال ابن عباس (عرفها لهم) أي طيبها لهم بأنواع الملاذ مأخوذ من العرف بفتح العين: الرائحة الطيبة.
٥ التعس: الشقاء، ويطلق على الهلاك والخيبة والسقوط والانحطاط.
(تعسا) : منصوب على المفعولية المطلقة كما في التفسير ويجوز أن يكون مستعملاً في الدعاء عليهم لقصد التحقير والتفضيع لشأنهم وهو مثل سقياً ورعياً له وتباً له وويحاً له، وإن كان هذا فإنه يتعين تقدير قول محذوف أي: فقال الله: تعساً لهم. كقول أم مسطح: تعس مسطح دعاء عليه.
من هداية الآيات:
١- وجوب الجهاد على أمة الإسلام ومواصلته كما بين تعالى في هذه الآيات إلى أن لا يبقى كافر يحارب بأن يدخلوا في الإسلام أو يعاهدوا ويدخلوا في ذمة المسلمين ويقبلوا على إصلاح أنفسهم وإعدادها للخير والفلاح.
٢- إمام المسلمين مخير في الأسرى بين المن والفداء، والقتل أيضا لأدلة من السنة.
٣- بشرى المجاهدين في سبيل الله بإكرام الله لهم وإنعامه عليهم في الدنيا والآخرة.
٤- يظفر بالنصر الحقيقي من نصر الله تعالى في دينه وأوليائه.
٥- إنذار الكافرين بالتعاسة والشقاء في الدنيا والآخرة.
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (١٠) ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (١٤)
شرح الكلمات:
أفلم يسيروا في الأرض: أي أغفل هؤلاء المشركون فلم يسيروا في البلاد.
فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم: أي كيف كانت نهاية الذين من قبلهم كعاد وثمود.
دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها: أي دمر عليهم مساكنهم فأهلكهم وأولادهم وأموالهم وللكافرين أمثال تلك العاقبة السيئة.
والذين كفروا يتمتعون ويأكلون: أي بمتع الدنيا من مطاعم ومشارب وملابس ويأكلون.
كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم: أي كأكل الأنعام بنهم وازدراد والنار مأواهم.
وكأين من قرية: أي وكثير من أهل قرية هي أشد قوة. هي أشد قوة
من قريتك التي أخرجتك: أي مكة إذ أخرج أهلها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أفمن كان على بينة من ربه: أي على حجة وبرهان من أمر دينه فهو يعبد الله على علم.
كمن زين له سوء عمله: أي كمن زين الشيطان له سوء عمله.
واتبعوا أهواءهم: أي واتبعوا أهواءهم في عبادة الأصنام والجواب ليسوا سواء ولا مماثلة بينهما أبدا.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ١﴾ يوبخ تعالى المشركين المصرين على الشرك والكفر على إصرارهم على الشرك والعناد فيقول أغفلوا ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ﴾ كعاد وثمود وقوم لوط إذ دمر تعالى عليهم بلادهم فأهلكهم وأولادهم وأموالهم فيعتبروا بذلك، وقوله تعالى ﴿وَلِلْكَافِرِين﴾ أمثال تلك العاقبة المدمرة، وعيد لكفار مكة بأن ينزل عليهم عقوبة كعقوبة الأولين إن لم يتوبوا من شركهم وإصرارهم عليه، وعنادهم فيه. وقوله ﴿ذَلِكَ٢﴾ أي نصر المؤمنين وقهر الكافرين بسبب أن الله مولى الذين آمنوا أي وليهم ومتولي أمرهم وناصرهم. وأن الكافرين لا مولى لهم لأن الله تعالى خاذلهم ومن يخذله الله فلا ناصر له. قوله تعالى ﴿إِنَّ اللهَ٣ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ هذا وعد من الله تعالى لأهل الإيمان والعمل الصالح بأن يدخلهم يوم القيامة جنات أي بساتين تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار وقوله ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ﴾ في الدنيا بملاذها وشهواتها، ﴿وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ﴾ إذ ليس لهم هم إلا بطونهم وفروجهم، ولذا هم لا
٢ جائز أن يكون اسم الإشارة منصرفا إلى مضمون قوله تعالى (وللكافرين أمثالها) فيفيد أن ما أصاب المشركين من الدمار والخزي والعار بسبب أن الله ناصر الذين آمنوا وما في التفسير في غاية الوضوح.
٣ كلام مستأنف استئنافاً بيانياً، إذ هو بمثابة جواب لمن سأل عن حال المؤمنين في الآخرة وحال الكافرين في الدنيا، أما في الآخرة فالأمر معلوم وهو أنهم أصحاب النار هم فيها خالدون إذ بين تعالى حال المؤمنين في الآخرة، وحال الكافرين في الدنيا.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير قاعدة: العاقل من اعتبر بغيره.
٢- تقرير ولاية الله لأهل الإيمان والتقوى.
٣- بيان الفرق بين الماديين وأهل الإيمان والاستقامة على منهج الإسلام.
٤- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تخفيفا من آلامه التي يعانيها من إعراض المشركين وصوفهم عن الإسلام.
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ
آذنتنا ببينها أسماء
رب ثاوٍ يمل منه الثواء
(كأين) تدل بوضعها على كثرة العدد مثل كم والمراد بالقرية أهلها بدليل أهلكناهم إذ لم يقل: أهلكناها، والمراد بالقرية هنا: مكة أم القرى وأضيفت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشريفاً لها زيادة على شرفها إذ هي بلد الله الأمين.
٣ أطلق الإخراج على ما عامل به المشركون الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الجفاء والأذى ومحاربة نشر الدعوة فكان ذلك سبب خروجه منها، فأطلق الإخراج على مسبباته، وإلا فالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج باختياره ولم يكرهه المشركون على الخروج بل كانوا يحاولون منعه من الخروج.
شرح الكلمات:
مثل الجنة التي وعد المتقون: أي صفة الجنة دار السلام التي وعد الله بها عباده المتقين له.
من ماء غير آسن: أي غير متغير الريح والطعم لطول مكثه.
وأنهار من عسل مصفى: أي من الشمع وفضلات النحل.
وسقوا ماء حميما: أي حاراً شديد الحرارة.
فقطع أمعاءهم: أي مصارينهم فخرجت من أدبارهم.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي١ وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ هذه الآية الكريم تضمنت شرح وافية لأنهار الجنة، وشراب أهل النار، كما اشتملت على مقارنة بين حال أهل الإيمان والتقوى وما وعدوا به من مغفرة ذنوبهم وإدخالهم الجنة، وبين حال أهل النار وهم خالدون فيها وما وعدوا فيها من ألوان العذاب الشديد فقوله تعالى ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ﴾ أي صفتها الممثلة لها الشارحة لحالها التي وعد المتقون أي التي وعد الله تعالى بها عباده المتقين له وهم أولياؤه الذين عبدوه ووحدوه فأطاعوه في الأمر والنهي فاقوا بذلك الشرك والمعاصي. فيها أنهار من ماء غير آسن٢ أي غير متغير الطعم ولا الريح بطول المكث وأنهار من لبن لم يتغير طعمه أي بحموضة ولم يصر قارصا ولذلك لم يتغير ريحه أيضا وأنهار من خمرة لذة للشاربين٣ أي وفيها أنهار من خمر هي لذة لمن يشربها وسبب لذاذتها أنها غير كدرة ولا مسكرة ولا ريح غير طيبة لها، وأنهار من عسل مصفى أي وفيها أنهار من عسل مصفى أي من الشمع وفضلات النحل وقوله ولهم فيها من كل الثمرات أي من سائر أنواع
٢ أسن الماء: كضرب يأسن، وكنصر وفرح أيضاً فهو آسن: إذا تغير لونه.
٣ اللذة: وصف وليست اسماً وهي تأنيث اللذ أي اللذيذ قال الشاعر:
ذكرت شباب اللذ غير قريب
ومجلس له طاب بين شروب
اللذاذة انفعال نفساني.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- التقوى هي السبب المورث للجنة هكذا جعلها الله عز وجل، والتقوى هي بعد الإيمان فعل المأمورات وترك المنهيات من سائر أنواع الشرك والمعاصي.
٢- بيان بعض نعيم الجنة من الشراب والفواكه.
٣- بيان بعض عذاب النار وهو الخلود فيها وشرب الحميم.
٤- تقرير عقيدة البعث والجزاء، وأن لا مماثلة بين أهل السعادة وأهل الشقاء.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (١٩)
شرح الكلمات:
ومنهم من يستمع إليك: أي ومن الكفار المنافقين من يستمع إليك في خطبة الجمعة.
ماذا قال آنفا: أي الساعة أي استهزاء منهم وسخرية يعنون أنه شيء لا يرجع إليه ولا يعتد به لعدم فائدته.
واتبعوا أهواءهم: أي في الكفر والنفاق.
والذين اهتدوا: أي المؤمنون.
زادهم هدى: أي زادهم الله هدى.
وآتاهم تقواهم: أي ألهمهم ما يتقون به عذاب الله تعالى.
فهل ينظرون إلا الساعة: أي ما ينتظر أهل مكة إلا الساعة.
أن تأتيهم بغتة: أي فجأة.
فقد جاء أشراطها: أي علاماتها كبعثة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانشقاق القمر والدخان.
فأنى لهم إذ جاءتهم ذكراهم: أي أنى لهم إذا جاءتهم التذكر الذي ينفعهم إذ قد أغلق باب التوبة.
فاعلم أنه لا إله إلا الله: أي فبناء على ما تقدم لك يا نبينا فاعلم أنه لا يستحق العبودية إلا الله فاعبده وتوكل عليه.
واستغفر لذنبك: أي قل استغفر الله أو اللهم اغفر لي.
وللمؤمنين والمؤمنات: أي واستغفر للمؤمنين والمؤمنات.
والله يعلم متقلبكم: أي متصرفكم في النهار وأنتم تتصرفون في أمور دنياكم.
ومثواكم: أي مكان ثواكم وإقامتكم ونومك بالليل.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿ومنهم من يستمع﴾ إلي هذه الآية (١٦) والآية التي بعدها مدنيتان لا شك لأنهما نزلت في شأن النافقين قال تعالى مخبراً رسوله عن بعض المنافقين ﴿وَمِنْهُمْ﴾ أي ومن بعض المنافقين ﴿مَنْ يَسْتَمِعُ١ إِلَيْكَ﴾ أي إلى حديثك يوم الجمعة وأنت تخطب الناس على المنبر ﴿حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ﴾ أي من المسجد ﴿قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ ٢ من أصاحبك كعبد الله بن مسعود ﴿مَاذَا قَالَ آنِفاً﴾ ٣، وقولهم هذا ظاهر عليه الخبث إذا لو كانوا مؤمنين محبين لقالوا
٢ هم نفر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم عبد الله بن مسعود، وأبوا الدرداء وابن عباس وإن كان يومها صغيراً فإنه لا مانع أن يسأل ويجيب لما هو مؤهل له من طلب العلم والكمال فيه.
(آنفاً) : أي الآن وهو أقرب الأوقات، وسؤالهم هذا سؤال استهزاء، وآنفاً لم يسمع إلا ظرفاً هكذا، وقيل هو مشتق من الأنف لأنه أول ما يظهر من البعير فأطلق على أقرب الوقت، ومنه أمر أنف، ورقة أنف لم ترع بعد قال الشاعر:
ويحرم سر جارتهم عليهم
ويأكل جارهم أنف القصاع
٢ يبدو أنه ما هناك حاجة إلى تخصيص كفار قريش بهذا الخطب وإن كانوا داخلين فيه لأن السورة مدنية.
٣ أي: من أين لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة.
٤ في صحيح مسلم عن حذيفة والبراء قالا: كنا نتذاكر الساعة إذا أشرف علينا رسول الله صلى عليه وسلم فقال: "بما تتذاكرون؟ قلنا نتذاكر الساعة. قال: إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات،: الدخان ودابة الأرض وخسفاً بالمشرق وخسفاً بالمغرب وخسفاً بجزيرة العرب، والدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى وناراً تخرج من عدن".
٥ هذه الآية من أدلة وجوب العلم قبل القول والعمل، وهو ما بوب به البخاري رحمه الله تعالى.
٦ لا ذنب للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعصمته، وإنما هو من باب قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنه ليغان على قلبي وإني استغفر الله في اليوم مائة مرة".
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- من الجائز أن تكون السورة مكية وبها آية أو أكثر مدنية.
٢- التحذير من اتباع الهوى فإنه يعمي ويصم والعياذ بالله.
٣- بيان أن لقيام الساعة أشراطاً أي٢ علامات تظهر قبلها فتدل على قربها.
٤- وجوب العلم بأنه لا إله إلا الله، وذلك يتم على الطريقة التالية:
الاعتراف بأن الإنسان مخلوق كسائر المخلوقات حوله، وكل مخلوق لابد له من خالق فمن خالق الإنسان والكون إذاً؟ والجواب قطعا: الله. فما دام الله هو الخالق فمن عداه مخلوق مفتقر إلى الله خالقه في حفظ حياته، ومن يؤله ويعبد إذاً الخالق أم المخلوق؟ والجواب: الخالق. إذا تعين أنه لا معبود إلا الله وهو بمعنى لا إله إلا الله ولما كانت العبادة لا تعرف إلا بالوحي وجب الإيمان برسول الله فكان لابد من زيادة محمد رسول الله فنقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (٢٠) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (٢٣)
٢ روى مسلم وغيره عن أنس رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بعثة أنا والساعة كهاتين وضم السبابة والوسطى".
لولا نزلت سورة: أي هلا نزلت سورة يقول هذا المؤمنون طلباً للجهاد.
سورة محكمة: أي لم ينسخ منها شيء من أوامرها ونواهيها.
وذكر فيها القتال: أي طلب القتال بالدعوة إليه والترغيب فيه.
في قلوبهم مرض: أي شك وهم المنافقون.
نظر المغشي عليه من الموت: أي خوفا من القتال وكراهية لهم فتراهم ينظرون إلى الرسول مثل نظر المغشي عليه من سكرات الموت.
فأولى لهم طاعة وقول معروف: أي فأجدر بهم طاعة لرسول الله وقول معروف حسن له.
فإذا عزم الأمر: أي فرض القتال وجد أمر الخروج إليه.
فلوا صدقوا الله: أي وفوا له ما تعهدوا به من أنهم يقاتلون.
لكان خيرا لهم: أي الوفاء بما تعهدوا به خيرا في دنياهم وآخرتهم.
فهل عسيتم أن توليتم: أي أعرضتم عن الإيمان الصوري الذي أنتم عليه وأعلنتم عن كفركم.
أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم: أي تفسدوا في الأرض بالشرك والمعاصي ولا تصلوا أرحامكم.
فأصمهم وأعمى أبصارهم: أي فعل تعالى ذلك بهم فلذا هم لا يسمعون الحق ولا يبصرون الخير والمعروف.
معنى الآيات:
قوله تعالى ويقول الذين آمنوا إلى آخر السورة ظاهرهُ أنه مدني وليس بمكي وهو كذلك فأغلب آي السورة مدني إذاً، ولا حرج: لأن القتال لم يفرض إلا بعد الهجرة النبوية والنفاق لم يظهر إلا بعد الهجرة كذلك السياق الآن في علاج النفاق وأمور الجهاد قال تعالى ويقول الذين آمنوا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متمنين الجهاد لولا نزلت١ سورة أي هلا أنزل الله سورة قرآنية تأمر بالجهاد قال تعالى فإذا أنزلت سورة محكمة ليس فيها نسخ وذكر فيها القتال أي الأمر به والترغيب فيه. رأيت يا محمد الذين في قلوبهم مرض أي مرض الشك والنفاق ينظرون إليك يا رسولنا٢ نظر أي مثل نظر المغشي أي المغمي عليه من الموت أي من سياقات الموت وسكراته. قال تعالى
٢ نظر مغمومين مغتاظين بتحديد وتحديق كمن يشخص بصره عند الموت.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- جواز تمني الخير والأولى أن يسأل الله تعالى ولا يتمنى بلفظ ليت كذا.
٢- في القرآن محكم ومنسوخ من الآيات وكله كلام الله يتلى ويتقرب به إلى الله تعالى ويعمل بالمحكم دون المنسوخ وهو قليل جداً.
٣- ذم الجبن والخور والهزيمة الروحية.
٤- شر الخلق من إذا تولى أفسد في الأرض بالشرك والمعاصي.
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (٢٥) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ
٢ قرأ نافع وحده بكسر السين وفتحها ما عداه حفص وغيره.
شرح الكلمات:
أفلا يتدبرون القرآن: أي يتفكرون فيه فيعرفون الحق من الباطل.
أم على قلوب أقفالها: أي بل على قلوب لهم أقفالها فهم لا يفهمون إن تدبروا.
إن الذين ارتدوا على أدبارهم: أي رجعوا كافرين بنفاقهم.
من بعد ما تبين لهم الهدى: أو من بعد ما تبين له صدق الرسول وصحة دينه بالحجج والبراهين.
الشيطان سول لهم وأملي لهم: أي زين لهم الشيطان نفاقهم وأملى لهم أي واعدهم بطول العمر ومناهم.
ذلك بأنهم قالوا الذين كرهوا ما أنزل الله: أي ذلك الإضلال بسبب قولهم للذين كرهوا ما أنزل الله وهم المشركون.
سنطيعكم في بعض الأمر: أي بأن نتعاون معكم على عداوة الرسول وبتثبيط المؤمنين عن الجهاد وكان ذلك سرا منهم لا جهرة فأظهره الله لرسوله.
يضربون وجوههم وأدبارهم: أي بمقامع من حديد يضربون وجوههم وظهورهم.
ذلك بأنهم اتبعوا ما اسخط الله: أي التوفي على الحالة المذكورة من الضرب على الوجوه والظهور بسبب إتباعهم ما أسقط الله من الشرك والمعاصي.
وكرهوا رضوانه: أي ما يرضيه تعالى من التوحيد والعمل الصالح.
فأحبط أعمالهم: أي أبطلها فلم يحصلوا منها على ثواب حسن.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تأديب المنافقين بعيبهم والإنكار عليهم وتهديدهم لعلهم يرجعون إذ حالهم كحال المشركين في مكة فقال تعالى ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ١ الْقُرْآنَ﴾ أي مالهم؟ أغفلوا فلم يتدبروا
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- وجوب تدبر القرآن الكريم عند تلاوته أو سماعه وهو تفهم معانيه في حدود قدرة المسلم على الفهم.
٢ لم يقل على قلوبهم فنكر القلوب وقال: (على قلوب) لتدخل قلوب غيرهم فلا يكون خاصا بهم، والقفل: حديده يغلق بها الباب.
٣ اختلف في هؤلاء المرتدين فقال قتادة هم كفار أهل الكتاب وقال ابن عباس وغيره: هم المنافقون، وكونهم المنافقين أعم إذ من اليهود منافقون.
٤ قرأ نافع والجمهور (أسرارهم) بفتح الهمزة، وقرأ حفص (إسرارهم) بكسرها فالإسرار بالكسر: مصدر أسر إسرارا وبالفتح جمع سر.
٣- من الردة التعاون مع الكافرين على المؤمنين بأي شكل من أشكال التعاون ضد الإسلام والمسلمين.
٤- تقرير عقيدة عذاب القبر وأنه حق ثابت أعاذنا الله منه آمين.
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (٣١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (٣٢)
شرح الكلمات:
في قلوبهم مرض: أي مرض النفاق.
أن لن يخرج الله أضغانهم: أي أن لن يظهر أحقادهم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين.
ولو نشاء لأريناكهم: أي لعرفناك بهم فلعرفتهم.
سيماهم: أي بعلاماتهم.
ولتعرفنهم في لحن القول: أي إذا تكلموا عند في لحن القول أي معناه وذلك بأن يعرضوا فيه بتهجين أمر المسلمين أي تقبيح أمرهم.
والله يعلم أعمالكم: أي أيها المؤمنون إن الله يعلم أعمالكم وسيجزيكم بها خيراً.
ولنبلونكم: ولنختبرنكم بالجهاد وغيره من التكاليف.
حتى نعلم: أي نعلم علم ظهور لكم ولغيركم إذ الله يعلم ذلك قبل ظهوره لما حواه كتاب المقادير.
ونبلوا أخباركم: أي ونظهر أخباركم للناس من طاعة وعصيان في الجهاد وفي غيره.
إن الذين كفروا: أي بالله ولقائه ورسوله وما جاء به من الدين الحق.
وصدوا عن سبيل الله: أي عن الإسلام.
وشاقوا الرسول: أي خالفوه وعادوه وحاربوه.
من بعد ما تبين لهم الهدى: أي عرفوا أن الرسول حق والإسلام حق كاليهود وغيرهم.
لن يضروا الله شيئا: أي من الضرر لأنه متعال أن يناله خلقه بضرر.
وسيحبط أعمالهم: أي يبطلها فلا تثمر لهم ما يرجونه منها في الدنيا والآخرة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين بكشف عوارهم وإزاحة الستار عما في قلوبهم من الشك والنفاق فقال تعالى ﴿أم﴾ ١ أي أحسب الذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون والمرض هو مرض النفاق الناجم عن الشك في الإسلام وشرائعه أن لن يخرج الله أضغانهم٢ أي أحقادهم فيظهرها لرسوله والمؤمنين فحسبانهم هذا باطل وقوله تعالى لرسوله ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ أي بعلامات النفاق فيهم وقوله ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ ٣ أي وعزتي وجلالي لتعرفنهم في لحن القول أي في معاني كلامهم إذا تكلموا عندك وبين يديك فإن كلامهم ل يخلو من التعريض باللمؤمنين بانتقاصهم والقدح في أعمالهم، كما قيل (من أضمر سريرة ألبسه الله رداءها) وقوله تعالى في خطابه المؤمنين ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾ ولازم أنه سيجزيكم بها فاصبروا على الإيمان والتقوى. ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ٤﴾ أي ولنختبرنكم بالجهاد والإنفاق والتكاليف ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ أي حتى نظهر ذلك لكم فتعرفوا المجاهد من القاعد والصابر من الضاجر منكم وبينكم، ﴿وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ أي ما تخبرون به عن أنفسكم وتتحدثون به فنظهر الصدق من خلافه فيه، ولذا كان الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى إذا قرأ هذه الآية بكى وقال اللهم لا تبتلنا فإنك إذا بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا، وقوله جل ذكره {إِنَّ
٢ الأضغان: جمع ضغن كحمل وأحمال، وهو الحقد والعداوة ومحلها القلب: قال الشاعر:
الضاربين بكل أبيض مخذم
والطاعنين مجامع الأضغان
(لحن القول) هو ما يفهم من الكلام بالتعريض والإشارة ل بصريح القول.
٤ بلا يبلوا بلواً المرء اختبره، فالبلو: الاختبار والتعرف على حال الشيء، ويكون في الشرع بالأمر والنهي.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان حقيقة وهي من أسر سريرة ألبسه الله رداءها فكشفه للناس.
٢- ومن أحب شيئا ظهر على وجهه وفلتات لسانه.
٣- تقرير قاعدة وهي أنه لبد من الابتلاء لمن دخل في الإسلام ليكون الإيمان على حقيقته لا إيمانا صوريا أدنى فتنه تصيب صاحبه يرتد بها عن الإسلام.
٤- أعمال المشرك والكافر باطلة لا ثواب خير عليها لأن الشرك محبط للأعمال الصالحة.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (٣٧) هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ
شرح الكلمات:
ولا تبطلوا أعمالكم: أي بالرياء والشرك والمعاصي.
وصدوا عن سبيل الله: أي عن الإسلام.
فلن يغفر الله لهم: أي لأنهم ماتوا على الكفر والكفر محبط للعمل.
فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم: أي فلا تضعفوا وتدعوا إلى الصلح مع الكفار.
وأنتم الأعلون: أي الغالبون القاهرون.
ولن يتركم أعمالكم: أي ولن ينقصكم أجر أعمالكم وثوابها.
إنما الحياة الدنيا لعب ولهو: أي الاشتغال بالدنيا والتفرغ لها ما هو إلا لهو ولعب لعدم الفائدة منه.
ولا يسألكم أموالكم: أي ولا يكلفكم بإنفاق أموالكم كلها بل الزكاة فقط.
فيحفكم تبخلوا: أي بالمبالغة في طلبكم المال تبخلوا.
ويخرج أضغانكم: أي أحقادكم وبغضكم لدين الإسلام.
فإنما يبخل عن نفسه: أي عائد ذلك على نفسه لا على غيره فهو الذي يحرم الثواب.
وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم: أي عن طاعة الله وطاعة رسوله يأت بآخرين غيركم.
ثم لا يكونوا أمثالكم: أي في الطاعة أي يكونوا أطوع منكم لله ورسوله.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى الكفار ومشاقتهم لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نادى المؤمنين١ وأمرهم بطاعته وطاعة رسوله فقال يا أيها الذين آمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول أي فيما يأمرانكم به وينهيانكم عنه من المعتقدات والأقول والأعمال ولا تبطلوا٢ أعمالكم أي وينهاهم أن
٢ إبطال العمل: أي جعله باطلا أي: لا فائدة منه لا ثواب، فالإبطال تتصف به الأشياء الموجودة، وكان الحسن البصري يقول: لا تبطلوا أعمالكم بالمعاصي، وما يبطل العمل على الحقيقة هو أمور ثلاثة: الشرك والرياء، وأداء العمل على غير الوجه المشروع عليه.
٢ و (الأعلون) معناه الغالبون المنتصرون.
٣ أي: لا ينقصكم، ومنه الموتور: الذي قتل له قتيل، وفي الحديث الصحيح: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله".
٤ يقال: أحفى في المسألة وألح بمعنى واحد.
(ها) : حرف تنبيه، وفي إعراب الجملة وجهان الأول: وهو أن يكون (أنتم) مبتدأ و (هؤلاء) منادى معترض، و (تدعون) الخبر، والثاني: أن يكون (أنتم) مبتدأ و (هؤلاء) خبره، وجملة: (تدعون) مستأنفة مؤكدة ومقررة لما سبق.
٦ أي: في الحال وجائز أن يدعو في المستقبل، إذ الجهاد مستمر والحاجة إلى الإنفاق لا تنقطع، سبيل الله: والمراد بها الجهاد وهي كل ما يوصل إلى مرضاة الله تعالى.
٧ يجوز في (يبخل) أن يعدى بعن وبعلى يقال: بخل عليه بكذا أو بخل عنه بكذا أو يضمن معنى أمسك، وحينئذ فتعديته بعلى نحو: أمسك عليك لسانك.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- وجوب طاعة الله وطاعة رسوله.
٢- وجوب إتمام العمل الصالح من صلاة وغيرها بالشروع فيه.
٣- بطلان العمل الصالح بالرياء أو إفساده عند أدائه أو بالردة عن الإسلام.
٤- حرمة الركون إلى مصالحة الأعداء مع القدرة على قتالهم والتمكن من دفع شرهم.
٥- التنفير من الإقبال على الدنيا والإعراض عن الآخرة.
٦- حرمة البخل مع الجدة والسعة.
مدنية
وآياتها تسع وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (٢)