من ذكر " بسم الله " جلت رتبته، ومن عرف " بسم الله " صفت حالته، ومن أحب " بسم الله " أشلكت قصته، ومن صحب " بسم الله " امتحقت أنيته، وتلاشت – بالكلية – جملته.
ﰡ
﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ : امتنعوا، وصَدُّوا فَمُنِعُوا ؛ فلأنهم امتنعوا عن سبيل الله استوجبوا الحَحْبَةَ والغيبة.
﴿ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ : أي أحبطها.
أصلح حالَهم، فالكفرُ للأعمالِ مُحْبِطٌ، والإيمان للتخليد مُسْقِط.
ويقال : الذين اشتغلوا بطاعةِ اللَّهِ، ولم يعملوا شيئاً ما خَالَفَ اللَّهَ - فلا محالةَ - نقوم بكفاية اشتغالهم بالله.
أي يضرب أمثالَ هؤلاء لحسناتهم، وأمثال هؤلاء لسيئاتهم.
ويكون اتباعُ الحقِّ بموافقة السُّنَّةِ، ورعاية حقوق الله، وإيثار رضاه، والقيام بطاعته ويكون اتباعُ الباطلِ بالابتداع، والعملِ بالهوى، وإيثارِ الحظوظ، وارتكابِ المعصية.
إذا حَصَلَ الظَّفَرُ بالعدوِّ فالعفُو عنهم وتَرْكُ المبالغةِ في التشديد عليهم - للندم مُوجِبٌ، وللفرصةِ تضييعٌ ؛ بل الواجبُ إزهاقُ نفوسِهم، واستئصالُ أصولِهم، واقتلاعُ شَجَرِهم من أصله.
وكذلك العبدُ إذا ظفر بنفْسه فلا ينبغي أن يُبْقِيَ بعد انتفاش شوكها بقيةً من الحياة، فَمَنْ وضع عليها إصبعاً بَثَّتْ سُمَّها فيه.
﴿ فَإِمَّا مَنَّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ﴾ ذلك إذا رجا المسلمون في ذلك غبطةً أو فائدةً ؛ مثل إفراج الكفَّارِ عن قومٍ من المسلمين، أو بسبب ما يؤخذ من الفِداء. . وأمثال هذا، فحينئذٍ ذلك مُسَلّمٌ على ما يراه الإمام.
كذلك حال المجاهدة مع النَّفْس : حيث يكون في إغفاءِ ساعةٍ أو في إفطارِ يوم ترويحٌ للنفس من الكَدِّ، وتقويةٌ على الجهد فيما يستقبل من الأمر- فذلك مطلوبٌ حسبما يحصل به الاستصوابُ من شيخ المريد، أو فتوى لسانِ الوقت، أو فراسة صاحب المجاهدة.
قوله جلّ ذكره :﴿ والذين قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ يَدُخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾.
إذا قُتِل أحدٌ في سبيل الحقِّ تولّى وَرَثَة َالمقتولِ بأحسنَ مِنْ تولية المقتول.
وكذلك يَرْفَعُ درجاتِه ؛ فيُعْظِمُ ثوابَه، ويُكْرِمُ مآبه.
إذا قُتِل أحدٌ في سبيل الحقِّ تولّى وَرَثَة َالمقتولِ بأحسنَ مِنْ تولية المقتول.
وكذلك يَرْفَعُ درجاتِه ؛ فيُعْظِمُ ثوابَه، ويُكْرِمُ مآبه.
نصرةُ الله من العبد نصرةُ دينه بإيضاح الدليل وتبيينه.
ونصرةُ اللَّهِ للعبد بإعلاء كلمته، وقَمْعِ أعداء الدين ببركاتِ سَعْيه وهمَّتهِ.
﴿ وَيُثَبِتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ بإدامةِ التوفيقِ لئلا ينهزم من ضولةِ أعداءِ الدين.
تعساً لهم : لعناً وطرداً، وقَمْعاً وبُعداً !
﴿ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ : هَتَكَ أستارَهم، وأَظْهَرَ للمؤمنين أسرارَهم، وأَخْمَدَ نارَهم.
وكيف أهلكهم وأبادهم وأقماهم ؟
المولى هنا بمعنى الناصر ؛ فاللَّهُ ناصرٌ للذين آمنوا، وأمَّ الكافرون فلا ناصرَ لهم.
أو الموْلى من المولاة وهي ضد المعاداة، فيكون بمعنى المحب ؛ فهو مولى الذين آمنوا أي مُحِبُّهم، وأما الكافرون فلا يحبهم الله.
ويقول تعالى في آية أخرى :﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ﴾ [ البقرة : ٢٥٧ ].
ويصح أن يقالَ إنَّ هذه أرجى آية في القرآن ؛ ذلك بأنه سبحانه يقول :﴿ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ ولم يقل : مولى الزهَّادِ والعُبَّادِ وأصحاب الأورادِ والاجتهادِ ؛ فالمؤمنُ - وإنْ كان عاصياً - من جملة الذين آمنوا، ( لاسيما و " آمنوا " فعل، والفعل لا عمومَ له ).
مضى الكلامُ في هذه الآية.
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ﴾.
الأنعامُ تأكل من أي موضع بلا تمييز، وكذلك الكافرُ لا تمييزَ له بين الحلال والحرام [ كذلك الأنعام ليس لها وقت لأكلها ؛ بل في كل وقت تقتات وتأكل، وكذلك الكافر، وفي الخبر :" إنه يأكل في سبعة أمعاء ". أمَّا المؤمن فيكتفي بالقليل كما في الخبر :" إن كان ولا بُد فثُلُثٌ للطعام وثُلُثٌ للشراب وثلث للنفس " و " ما ملأ ابن آدم وعاءً شرَّاً من بظنه " ].
ويقال : الأنعامُ تأكل على الغفلة ؛ فَمَنْ كان في حال أكله ناسياً ربَّه فأكْلُه كأكلِ الأنعام.
﴿ أَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ : يعني بها مَنْ أهلكهم من القرون الماضية في الأعصر الخالية.
" البيَّنة " : الضياء والحُجَّة، والاستبصار بواضح المحجة : فالعلماءُ في ضياء برهانهم، والعارفون في ضياءِ بيانهم ؛ فهؤلاء بأحكام أدلة الأصول يُبْصِرون، وهؤلاء بحكم الإلهام والوصول يستبصرون.
كذلك اليومَ شأنُ الأولياء، فهم شرابُ الوفاء، ثم شرابُ الصفاء، ثم شرابُ الولاء، ثم شرابٌ حالَ اللقاء.
ولكلٍّ من هذه الأشربة عمَلٌ، ولصاحبه سُكْرٌ وصحو ؛ فَمَنْ تحسَّى شرابَ الوفاء لم ينظر إلى أحدٍ في أيام غيبته من أحبابه :
وما سَرَّ صدري مُنْذ شطَّ بك النوى | أنيسٌ ولا كأس ولا متصرف |
ومَنْ شَرِبَ كأسَ الولاء عَدِمَ فيه القرار، ولم يَغِبْ بِسرِّه لحظةً في ليلٍ أو نهار.
ومَنْ شَرِبَ في حال اللقاء أَنِسَ على الدوام ببقائه ؛ فلم يطلب - مع بقائه - شيئاً آخَرَ من عطائه ؛ لاستهلاكه في علائه عند سطوات كبريائه.
هم المنافقون الذين كرهوا ما أنزل اللَّهُ ؛ لِمَا فيه من افتضاحِهم.
﴿ اهْتَدَوْاْ ﴾ : بتأمل البرهان، " فزادهم هدى " بَرْوح البيان.
﴿ اهْتَدَوْاْ ﴾ : بعلم اليقين، " فزادهم هدًى " : بحقِّ اليقين.
﴿ اهْتَدَوْاْ ﴾ : بآداب المناجاة، " فزادهم هدًى " : بالنجاة ورَفْعِ الدرجات.
﴿ اهْتَدَوْاْ ﴾ : إلى ما فيه من الحقِّ ولم يختلفوا في أنه الحق، " فزادهم هدًى " بالاستقامة على طرق الحق.
كان عالماً بأنه :﴿ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ﴾ فأمره بالثبات عليها ؛ قال ( ص ) :" أنا أعلمكم بالله، وأخشاكم له ".
ويقال : كيف قيل له :﴿. . . فَاعْلَمْ ﴾ ولم يقل : عَلِمْتُ، وإبراهيم قيل له :﴿ أَسْلِمْ ﴾ [ البقرة : ١٣١ ] فقال :" سلمت. . . " ؟ فيُجاب بأن إبراهيمَ لمَّا قال " اسلمت " ابْتُلِيَ، ونبيَّنا صلى الله عليه وسلم لم يقل : علمت فعُوفِيَ.
وإبراهيم عليه السلام أتى بَعْدَه شَرْع كَشَف َ سِرَّه، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم لم يأتِ بعدَه شرعٌ. ويقال : نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أخبر الحقُّ عنه بقوله :﴿ آمَنَ الرَّسُولُ. . . ﴾ [ البقرة : ٢٨٥ ] والإيمان هو العلم- وإخبارُ الحقِّ سبحانه عنه أَتَمُّ من إخباره بنفسه عن نفسه :" عَلِمْتُ ".
ويقال : فرقٌ بين موسى عليه السلام لمَّا احتاج إلى زيادةِ العلم فأُحيلَ على الخضر، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم قال له :﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾ [ طه : ١١٤ ]. . . فكم بين مَنْ أُحيلَ في استزادة العلم على عَبْدٍ وبين مَنْ أمِرَ باستزادة العلم من الحق ! !.
ويقال لمَّا قال له :﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ﴾ كان يأمره بالانقطاع إليه عن الخَلْق، ثم بالانقطاع منه - أي من الرسول - إليه. . . أي إلى الحق سبحانه. والعبدُ إذا قال هذه الكلمةَ على سبيلِ العادةِ والغفلةِ عن الحقيقة - أي كان بصفة النسيان - فليس لقوله كثيرُ قيمةٍ ؛ كأن تُقال عند التعجب من شيء. . . فليس لهذا قَدْرٌ. أمَّا إذا قالها مخلصاً فيها، ذاكراً لمعناها، متحققاً بحقيقتها. . . فإنْ كان بنفسه فهو في وطن التفرقة. . . وعندهم هذا من الشِّرْكِ الخفِّي، وإن قالها بحقٍّ فهو الإخلاص. فالعبد يعلم أولاً ربَّه بدليل وحُجَّةٍ ؛ فعِلْمُه بنفسه كَسْبيٌّ. . . وهو أصل الأصول، وعليه ينبني كل علم استدلالي ! ثم تزداد قوةُ علمه بزيادة البيان وزيادة الحجج، ويتناقص علمُه بنفسه لغَلَبَاتِ ذِكْرِ اللَّهِ على القلب. فإذا انتهى إلى حال المشاهدة، واستيلاء سلطان الحقيقة عليه صار عِلْمُه في تلك الحالة ضرورياً. ويقلُّ إحساسُه بنفسه حتى يصير علمه بنفسه كالاستدلاليّ وكأنه غافلٌ عن نفسه أو ناسٍ لنفسه.
ويقال : الذي على البحر يغلب عليه ما يأخذه من رؤية البحر، فإذا ركب البحر قويت هذه الحالة، حتى إذا غرق في البحر فلا إحساسَ له بشيء سوى ما هو مستغرقٌ فيه ومستهلك.
﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ﴾ : أي إذا عَلِمْتَ أنك علمت فاستغفِرْ لذنبك من هذا ؛ فإن الحقَّ - على جلال قدْرِه - لا يعلمه غيره.
كان المسلمون تضيق قلوبهم بتباطؤ الوحي، وكانوا يتمنون أن ينزل الوحيُ بسرعةٍ فقال تعالى :﴿ لَوْلاَ نُزّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ﴾ رأيتَ المنافقين يكرهون ذلك لِمَا كان يشق عليهم من القتال، فكانوا يفتضحون عندئذٍ، وكانوا ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم - بغاية الكراهة.
﴿. . . فَأَوْلَى لَهُمْ ﴾.
تهديد.
وهو قولهم :﴿ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ. . . ﴾.
ويقال : فأولى لهم طاعةٌ منهم لله ولرسوله. ﴿ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ ﴾ بالإجابة لما أُمِرُوا به عن الجهاد.
ويقال : طاعةٌ وقولٌ معروفٌ أَمثَلُ بهم.
إذا عزم ما الأمرُ- أي جَدَّ وفُرِضَ القتالُ - فالصدقُ والإجابةُ خيرٌ لهم من كذبهم ونفاقِهم وتقاعدِهم من الجهاد.
قوله جلّ ذكره :﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ ﴾.
أي فلعلكم إنْ أَعرضتم عن الإيمان - بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم - ورجعتم إلى ما كنتم عليه أن تفسدوا في الأرض، وتسفكوا الدماءَ الحرامَ، وتقطعوا أرحامكم، وتعودوا إلى جاهليتكم.
أصمَّهم عن سماعِ الحقِّ وقبولِه بقلوبهم، وأعمى بصائرَهم.
أي إن تدَّبروا القرآن أفضى بهم إلى العرفان، وأراحهم من ظلمة التحيرُّ.
﴿ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ : أقفلَ الحقُّ على قلوب الكفار فلا يُدَاخِلُها زاجرُ التنبيه، ولا ينبسط عليها شعاعُ العلم، فلا يحصل لهم فَهْمُ الخطاب ؛ فالبابُ إذا كان مُقفَلاً. . . فكما لا يدخل فيه شيءٌ لا يخرج منه شيء ؛ كذلك قلوبُ الكفار مقفلةٌ، فلا الكفرُ الذي فيها يَخْرُجُ، ولا الإيمانُ الذي هم يُدْعَوْن إليه يدخل في قلوبهم.
وأهلُ الشِّرْكِ والكفرِ قد سُدَّت بصائرهم وغُطِّيَتْ أسرارهم، ولُبِّسَ عليهم وجهُ التحقيق.
الذي يطلع فجرُ قلبه، ويتلألأ نورُ التوحيد فيه، ثم قَبْلَ متوع نهارِ إيمانه انكسفت شمسُ يومهِ، وأظلم نهارُ عرفانه، ودَجا ليلُ شَكَّه، وغابت نجومُ عقله. . . فحدِّث عن ظُلُماتِه. . . ! ولا حرج !.
ذلك جزاؤهم على ممالأتهم مع المنافقين، وتظاهرهم. . فإذا تَوَفَّتْهُم الملائكةُ تتصل آلامُهم، ولا تنقطع بعد ذلك عقوباتُهم.
ليس الأمرُ كما توَهَّموه، بل لله يفضحهم ويكشف تلبيسَهم، ولقد أخبر الرسولَ عنهم، وعرَّفه أعيانهم.
أي في معنى الخطاب، فالأَسِرَّةُ تَدُلُّ على السريرة، وما يخامر القلوبَ فَعَلى الوجوهِ يلوحُ أثرُه :
لستُ ممن ليس يدري *** ما هوان من كرامة
إنَّ للحبِّ وللبغضِ على الوجه علامة ***. . .
والمؤمنُ ينظر بنور الفراسة، والعارفُ ينظر بنورِ التحقيق، والموحِّدُ ينظر بالله فلا يستتر عليه شيء.
ويقال : بصائرُ الصديقين غيرُ مُغَطَّاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" سدوا كل خوخة غير خوخة أبي بكر ".
بالابتلاء والامتحان تتبين جواهرُ الرجال، فيظهر المخلصُ، ويفتضح الماذقُ، وينكشف المنافق، فالذين آمنوا وأخلصوا نجوا وتخلصوا، والذين كفروا ونافقوا وقعوا في الهوان وأُذِلُّوا، ووسِموا بالشَقاوة وقُطعوا.
﴿ وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ : بالرياء والإعجاب والملاحظة.
﴿ وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ : بالمساكنة إليها. ﴿ وَلاَ تُبْطُلواْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ بطلب الأعواض عليها.
﴿ وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ : بتوهمكم أنه يجب بها شيء دون فضل الله.
أي لا تميلوا إلى الصلح مع الكفار وأنتم الأَعلون بالحجة.
أنتم الأعلون بالنصرة. قوله :﴿ وَاللَّهُ مَعَكُمْ ﴾. أي بالنصرة ويقال : لا تضعفوا بقلوبكم، وقوموا بالله ؛ لأنكم - والله معكم - لا يخفى عليه شيءٌ منكم، فهو على الدوام يراكم. ومَنْ عَلِمَ أنَّ سَيِّدَه يراه يتحمل كلَّ مشتغلاً برؤيته :
﴿ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾.
أي لا ينقصكم أَجْرَ أعمالكم.
تجنبوا الشِّركَ والمعاصي حتى يَفِيَكُم أجورَكم.
واللَّهُ لا يسألكم من أموالكم، إلا اليسير منها وهو مقدار الزكاة.
البخلُ مَنْعُ الواجب، وإذا بخل فإنما يبخل عن نفسه لأنه لو لم يفعل ذلك لَحَصَلَ له الثراء - هكذا يظن.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ﴾.
" غنيٌّ " بنفسه على قول، وغنيٌّ بوصفه على القول الثاني. وغناه كونه لا تتقيد مراداتُه. أمَّا العبدُ فهو فقيرٌ بنفسه ؛ لأنه لا يستغني عن مولاه ؛ في الابتداء منذ خَلْقه إلى الانتهاء، وهو في دوام الأوقات مفتقرٌ إلى مولاه.
والفقيرُ الصادقُ مَنْ يشهد افتقارَه إلى الله. وصِدْقُ الفقير في شهود فقره إلى الله. ومَنْ افتقر إلى الله استغنى بالله، ومَنْ افتقر إلى غير الله وقع في الذُّلِّ والهوان.
ويقال : اللَّهُ غنيٌّ عن طاعتِكم، وأنتم الفقراءُ إلى رحمتِه.
ويقال : اللَّهُ غنيٌّ لا يحتاج إليكم، وأنتم الفقراءُ لأنكم لا بديلَ لكم عنه.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَإِن تَتَولَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم ﴾.
يستبدل قوماً غيركم يكونون أشدَّ منكم طاعةً، وأصدقَ منكم وفاءً ؛ فهو قادرٌ على خَلْق أمثالَكم ثم لا يكونون أمثالكم في العصيانِ والإعراضِ وتَرْكِ الشكرِ والوفاءِ. . . بل سيكونون خيراً منكم.