تفسير سورة الطور

فتح البيان
تفسير سورة سورة الطور من كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن المعروف بـفتح البيان .
لمؤلفه صديق حسن خان . المتوفي سنة 1307 هـ
سورة الطور
وفي نسخة والطور بالواو وهي تسع أو ثمان وأربعون آية
وهي مكية قال القرطبي : في قول الجميع، قال ابن عباس : نزلت الطور بمكة، وعن ابن الزبير مثله.
" وعن جبير بن مطعم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور "، أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
" وعن أم سلمة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت بالطور وكتاب مسطور " أخرجه البخاري وغيره.

(وَالطُّورِ) قال الجوهري والقرطبي: هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام. قال مجاهد والسدي: الطور بالسريانية الجبل. والمراد به طور سيناء، قال مقاتل بن حيان: هما طوران، يقال لأحدهما: طور سيناء وللآخر طور زيتا، لأنهما ينبتان التين والزيتون، وقيل هو جبل مدين واسمه زبير، قلت: ومدين بالأرض المقدسة وهي قرية شعيب عليه السلام، وقيل: إن الطور كل جبل ينبت الشجر المثمر وما لا ينبت فليس بطور فأقسم الله سبحانه بهذا الجبل تشريفاً له وتكريماً، وتذكيراً بما فيه من الآيات، قال ابن عباس: الطور جبل.
" عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطور جبل من جبال الجنة " أخرجه ابن مردويه، وكثير ضعيف جداً.
(وكتاب مسطور) أي: مكتوب متفق الكتابة بسطور مصفوفة في حروف مرتبة، جامعة لكلمات متفقة، والسطر الصف من الشيء يقال: بنى سطراً
217
والسطر أيضاًً الخط والكتابة، وهو في الأصل مصدر بابه نصر، وسطر أيضاًً بفتحتين والجمع أسطار، كسبب وأسباب، وجمع الجمع أساطير، وجمع السطر أسطر وسطور كأفلس وفلوس، والمراد بالكتاب القرآن، ونكر لأنه كتاب مخصوص من بين سائر الكتب، أو للإشعار بأنه ليس مما يتعارفه الناس، وقيل: هو اللوح المحفوظ؛ وقيل جميع الكتب المنزلة وقيل ما تكتبه الحفظة قاله الفراء وغيره ومثله: (ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً) وقوله (وإذا الصحف نشرت) وقال الكلبي: هو ما كتب الله لموسى بيده من التوراة وموسى يسمع صرير القلم، وقيل: إنه الكتاب الذي كتبه الله تعالى لملائكته في السماء يقرأون فيه ما كان وما يكون، وقيل: المراد ما كتبه الله في قلوب الأولياء من المؤمنين بيانه (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان) وفيه بعد
218
(في رق) متعلق بمسطور أي مكتوب في رق، وهو الصحيفة قال الجوهري: " الرق بالفتح ما يكتب فيه وهو جلد رقيق " ومنه قوله تعالى في (رق منشور) قال المبرد: " الرق ما رق من الجلد ليكتب فيه " قال أبو عبيدة وجمعه رقوق قال الراغب: الرق كل ما يكتب فيه جلداً كان أو غيره، قرىء بفتح الراء ويجوز كسرها، كما قرىء به شاذاً، وأما الرق الذي هو ملك الأرقاء فهو بالكسر لا غير، يقال عبد رق وعبد مرقوق (منشور) مبسوط مفتوح غير مطوي، لا ختم عليه، أو لائح. وهو بالنسبة للتوارة الألواح التي أنزلت على موسى، وبالنسبة للقرآن المصحف.
(والبيت المعمور) بكثرة الغاشية والأهل والزوار من الملائكة قيل: هو في السماء السابعة، وقيل: في سماء الدنيا وقيل: هو الكعبة فعلى القولين الأولين يكون وصفه بالعمارة باعتبار من يدخل إليه من الملائكة، ويعبد الله فيه، وعلى القول الثالث يكون وصفه بالعمارة حقيقة أو مجازاً باعتبار كثرة من يتعبد فيه من بني آدم، وقيل: هو في السماء الثالثة أو السادسة أو الرابعة، فهذه أقوال ستة في محل البيت المعمور.
" وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البيت المعمور
218
في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة (١) " أخرجه ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب.
وفي الصحيحين وغيرهمما: " أن رسول الله ﷺ قال في حديث الإسراء. بعد مجاوزته إلى السماء السابعة: ثم رفع إليَّ البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ".
وعن أبي الطفيل أن ابن الكواء سأل علياً عن البيت المعمور فقال: ذلك الضراح بيت فوق سبع سموات تحت العرش، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه أبداً إلى يوم القيامة، ونحوه عن ابن عباس.
" وعن ابن عمر رفعه: أن البيت المعمور لبحيال الكعبة لو سقط منه شيء لسقط عليها، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً ثم لا يعودون إليه "، وعن ابن عباس نحوه وضعف إسناده السيوطي.
_________
(١) رواه الحاكم.
219
(والسقف المرفوع) يعني السماء سماها سقفاً لكونها كالسقف للأرض ومنه قوله تعالى (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا)، وقيل هو العرش وهو سقف الجنة وقال علي السماء
(والبحر المسجور) أي: الموقد المحمي من السجر وهو إيقاد النار في التنور ومنه قوله: (وإذا البحار سجرت) وقد ورد أن البحار تسجر يوم القيامة فتكون ناراً فيزاد بها في نار جهنم وقيل المسجور المملوء بالماء وهو البحر المحيط كما ذكره العمادي قيل: إنه من أسماء الأضداد، يقال بحر مسجور أي مملوء وبحر مسجور أي فارغ خال وقيل: المسجور الممسوك ومنه ساجور الكلب لأنه يمسكه وقال أبو العالية: المسجور الذي ذهب ماؤه ونضب، وقيل: المسجور المفجور ومنه قوله (وإذا البحار فجرت).
وقال الربيع بن أنس: هو الذي يختلط فيه العذب بالمالح، والأول أولى، وبه قال مجاهد، والضحاك، ومحمد بن كعب، والأخفش وغيرهم، وعن علي في
219
الآية قال: بحر في السماء تحت العرش، وعن ابن عمر مثله، وقال ابن عباس: المسجور المحبوس. وعنه المرسل، والواو الأولى للقسم، والبواقي للعطف وجواب القسم قوله:
220
(إن عذاب ربك لواقع) أي كائن لا محالة لمن يستحقه
(ما له من دافع) يدفعه ويرده عن أهل النار خبر ثان، لأن، أو صفة لواقع ومن مزيدة للتأكيد، ووجه تخصيص هذه الأمور بالإقسام بها أنها عظيمه دالة على كمال القدرة الربانية.
(يوم تمور السماء موراً) أي إنه لواقع في هذا اليوم، والمور الاضطراب والحركة، قال أهل اللغة. مار الشيء يمور موراً إذا تحرك ودار، وجاء وذهب، قاله الأخفش وأبو عبيدة، وقال ابن عباس: تحرك، وقال الضحاك: يموج بعضها في بعض، وقال مجاهد: تدور دوراً وقيل: تجري جرياً، وقيل: تتكفأ قاله الأخفش، قال البغوي: والمور يجمع هذه المعاني، إذ هو في اللغة الذهاب والمجيء، والتردد والدوران، والاضطراب، ويطلق المور على الموج، ومنه ناقة موارة اليد، أي سريعة تموج في مشيها موجاً، ومعنى الآية أن العذاب يقع بالعصاة، ولا يدفعه عنهم دافع في هذا اليوم الذي تكون فيه السماء هكذا، وهو يوم القيامة، وقيل: إن السماء ههنا الفلك، وموره اضطراب نظمه، واختلاف سيره.
(وتسير الجبال سيراً) أي تزول عن أماكنها، وتسير عن مواضعها كسير السحاب، وتطير في الهواء، ثم تقع على الأرض مفتتة كالرمل ثم تصير كالعهن أي الصوف المندوف، ثم تطيرها الرياح فتكون هباء منبثاً، كما دل عليه كلامه في سورة النمل، قيل: ووجه تأكيد الفعلين بالمصدر الدلالة على غرابتهما وخروجهما عن المعهود، والحكمة في مور السماء، وسير الجبال الإعلام والإنذار بأن لا رجوع ولا عود إلى الدنيا لخرابها وعمارة الآخرة، وقد تقدم تفسير مثل هذا في سورة الكهف.
(فويل يومئذ للمكذبين) ويل كلمة عذاب، يقال للهالك، واسم واد في جهنم، وإنما دخلت الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة أي: إذا وقع ما
220
ذكر من مور السماء وسير الجبال فويل لهم أي شدة عذاب، ثم وصف المكذبين بقوله:
221
(الذين هم في خوض يلعبون) أي: في تردد في الباطل واندفاع فيه يلهون، لا يذكرون حساباً، ولا يخافون عقاباً، والمعنى أنهم يخوضون في أمر محمد ﷺ بالتكذيب والاستهزاء، وقيل يخوضون في أسباب الدنيا، ويعرضون عن الآخرة، والخوض من المعاني الغالبة، فإنه يصلح للخوص في كل شيء إلا أنه غلب في الخوض في الباطل، كالإحضار فإنه عام في كل شيء، ثم غلب استعماله في الإحضار للعذاب، قال تعالى: (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)، ونظيره في الأسماء الغالبة، دابة فإنها غلبت في ذوات الأربع، والقوم غلب في الرجال أفاده الكرخي، أخذاً عن حواشي الكشاف.
(يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) الدع الدفع بعنف وجفوة، يقال؛ دععته أدعه دعاً أي: دفعته: قال الراغب: أصله أن يقال للعاثر: دع دع، وهذا بعيد من هذه اللفظة، والمعنى: أنهم يدفعون إلى النار دفعاً عنيفاً شديداً، قال مقاتل: تغل أيديهم إلى أعناقهم، وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم ثم يدفعون إلى جهنم دفعاً على وجوههم، وقرىء يدعون مخففاً من الدعاء، أي يدعون إلى النار، قال ابن عباس: يدعون يدفعون أي يدفع في أعناقهم حتى يردوا النار، فإذا دنوا منها قال لهم خزننها:
(هذه النار التي) تشاهدونها هي النار التي (كنتم بها تكذبون) في الدنيا.
ثم وبخهم سبحانه. أو أمر ملائكته بتوبيخهم فقال:
(أفسحر هذا)؟ الذي تشاهدون وترون، كما كنتم تقولون لرسل الله المرسلة، ولكتبه المنزلة هذا سحر، وقدم الخبر هنا على المبتدأ لأنه الذي وقع الاستفهام عنه، وتوجه التوبيخ إليه (أم أنتم لا تبصرون)؟ أي: أم أنتم عمي عن هذا كما كنتم عمياً عن الحق في الدنيا، وهذا بإزاء قولهم في الدنيا: (إنما سكرت أبصارنا) وظاهر كلام الكشاف أن أم منقطعة، حيث قال: أم أنتم عمي عن المخبر عنه كما كنتم عمياً عن الخبر، وهذا تقريع وتهكم، وفي التفسير الكبير: هل في أمرنا سحر؟ أم هل في بصركم خلل؟
221
أي لا واحد منهما ثابت فجعلها معادلة.
222
(اصلوها) أي إذا لم يمكنكم إنكارها، وتحققتم أن ذلك ليس بسحر، ولم يكن في أبصاركم خلل فالآن أدخلوها وقاسوا شدتها (فاصبروا) على العذاب (أو لا تصبروا) وافعلوا ما شئم فالأمران (سواء عليكم) في عدم النفع قاله أبو حيان وبه قال أبو البقاء وقيل: سواء عليكم الصبر وعدمه وإليه نحا الزمخشري والأول أحسن لأن جعل النكرة خبراً أولى من جعلها مبتدأ وجعل المعرفة خبراً.
(إنما تجزون ما كنتم تعملون) تعليل للاستواء فإن الجزاء بالعمل إذا كان واقعاً حتماً كان الصبر وعدمه سواء.
(إن المتقين في جنات ونعيم) لما فرغ سبحانه من ذكر حال المجرمين ذكر حال المتقين والجملة مستأنفة أو من جملة ما يقال للكفار زيادة في غمهم وحسرتهم والتنوين في جنات ونعيم للتفخيم
(فاكهين بما آتاهم ربهم) يقال: رجل فاكه أي ذو فاكهة كما قيل لابن وتامر والمعنى أنهم ذوو فاكهة من فواكه الجنة وقيل ذو نعمة وتلذذ بما صاروا فيه مما أعطاهم الله عز وجل مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وقد تقدم بيان معنى هذا قرأ الجمهور فاكهين بالألف والنصب على الحال، وقرىء بالواو على أنه خبر بعد خبر وقرىء فكهين، والفكهة طيب النفس كما تقدم في الدخان، ويقال للأشر والبطر ولا يناسب التفسير به هنا، والمفاكهة الممازجة وتفكه تعجب وقيل: تندم قال تعالى (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) أي: تندمون وتفكه بالشيء تمتع به قيل ما مصدرية وفيه بعد من حيث المعنى إذ التفكه ليس بإعطاء الرب بل بالمعطى، وقيل موصولة والباء على أصلها أو بمعنى في.
(ووقاهم ربهم عذاب الجحيم) معطوف على الصلة أو حال بتقدير قد أو معطوف على في جنات والأول أظهر
(كلوا واشربوا هنيئاً) أي يقال لهم ذلك والهني ما لا تنغيص فيه ولا نكد ولا كدر قال الزجاج: أي ليهنئكم ما صرتم إليه هنا والمعنى كلوا طعاماً هنيئاً وقد تقدم تفسير هنيئاً في سورة النساء وقال ابن عباس (هنيئاً) أي لا تموتون فيها فعندها قالوا أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين (بما) أي بسبب ما (كنتم تعلمون) في الدنيا للآخرة.
222
مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (٢١) وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (٢٣) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٥) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨) فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠)
223
(مُتَّكِئِينَ) على نمارق (على سرر) بضم الراء الأولى جمع سرير وقرىء بفتحها (مصفوفة) قال ابن الأعرابي: المصفوفة المتصل بعضها ببعض حتى تصير صفاً أي موضوعة بعضها إلى بعض قيل: سرر من ذهب مكللة بالدر والزبرجد والياقوت والسرير كما بين مكة وايلة (وزوجناهم) قال يونس بن حبيب: تقول العرب زوجته امرأة وتزوجت بامرأة وليس من كلام العرب زوجته بامرأة قال: وقول الله تعالى (وزوجناهم بحور عين) أي قرناهم وقال الفراء: زوجته بامرأة لغة أزد شنوءة.
وإنما قلنا قرناهم لأن الحور العين في الجنات مملوكات بملك اليمين لا بملك النكاح يقال: زوجت إبلي أي قرنت بعضها إلى بعض، وليس من التزويج الذي هو عقد النكاح، قرأ الجمهور بحور العين من غير إضافة وقرأ عكرمة بإضافة الحور إلى العين وهن عظام الأعين حسانها شداد بياض الأعين وقد تقدم تفسيرها في سورة الدخان.
ولما فرغ سبحانه من ذكر أهل الجنة على العموم ذكر حال طائفة منهم
223
على الخصوص فقال
224
(والذين آمنوا) فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه منصوب بفعل مقدر أي وأكرمنا الذين آمنوا.
والثاني: أنه مجرور على ما قاله الزمخشري والذين آمنوا معطوف على حور عين أي قرناهم بحور عين، وبالذين آمنوا أي بالرفقاء والجلساء منهم فيتمتعون تارة بملاعبة الحور العين، وتارة بمؤانسة الإخوان قال أبو حيان: ولا يتخيل أحد أن قوله والذين آمنوا معطوف على حور عين غير هذا الرجل وهو تخييل أعجمي مخالف لفهم العربي ابن عباس وغيره.
قلت: أما ما ذكره الزمخشري من المعنى فلا شك في حسنه ونضارته وليس في الكلام العربي ما يدفعه، بل لو عرض على ابن عباس وغيره لأعجبهم، وأي مانع معنوي أو صناعي يمنعه.
والثالث: أنه مرفوع على أنه مبتدأ والخبر الجملة من قوله: ألحقنا بهم والأول أولى، وقيل: المراد بالذين آمنوا المهاجرون والأنصار، وظاهر الآية العموم ولا يوجب تخصيصها بهم كونهم السبب في نزولها، إن صح ذلك، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
(واتبعتهم ذريتهم بإيمان) أي حال كون الذرية متلبسة بإيمان استقلالي أو تبعي، أما الذرية الكافرة فلا تتبع آباءها، وهذا على أن الباء للملابسة لكن جمهور المفسرين على أنها للسببية، أو بمعنى في، وبهذا الاعتبار لا يظهر دخول الأولاد الكبار، فإن إيمانهم إستقلالي لا تبعي كالصغار، وقال أبو السعود: أي اتبعتهم ذريتهم بإيمان قاصر عن رتبة إيمان الآباء، واعتبار هذا القيد للإيذان بثبوت الحكم في الإيمان الكامل أصالة لا إلحاقاً، وقرأ أبو عمرو، اتبعناهم بإسناد الفعل إلى المتكلم المعظم نفسه، كقوله: ألحقنا وقرأ الباقون: اتبعتهم بإسناد الفعل إلى الذرية، وقرىء ذريتهم بالإفراد والجمع.
224
ومعنى الآية: أن الله سبحانه يرفع ذرية المؤمن إليه وإن كانوا دونه في العمل، لتقر عينه، وتطيب نفسه، بشرط أن يكونوا مؤمنين فيختص ذلك بمن يتصف بالإيمان من الذرية وهم البالغون دون الصغار فإنهم وإن كانوا لاحقين بآبائهم، فبدليل آخر غير هذه الآية، وقيل: إن الذرية تطلق على الكبار والصغار، كما هو المعنى اللغوي، فيلحق بالآباء المؤمنين صغار ذريتهم وكبارهم.
(ألحقنا بهم ذريتهم) الذرية هنا تصدق على الآباء وعلى الأبناء فإن المؤمن إذا كان عمله أكثر ألحق به من دونه في العمل، ابناً كان أو أباً، وهو منقول عن ابن عباس وغيره، ويلحق بالذرية من النسب الذرية بالسبب، وهو المحبة، فإن كان معها أخذ علم أو عمل، كانت أجدر، فتكون ذرية الإفادة كذرية الولادة، قاله الخطيب، ولعل الأول أولى، وقيل: إن الضمير في بهم راجع إلى الذرية المذكورة أولاً، أي ألحقنا بالذرية المتبعة لآبائهم بإيمان ذريتهم، وإلحاق الذرية بهم بمحض الفضل والكرم، وهذا هو الأليق بكمال لطفه، قال ابن عباس أيضاًً في الآية: إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة، وإن كانوا دونه في العمل، لتقر به عينه، ثم قرأ هذه الآية، وأخرجه البزار وابن مردويه عنه مرفوعاً.
" وعنه أيضاًً أن النبي ﷺ قال: إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده، فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك، فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به " أخرجه الطبراني وابن مردويه.
" وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار، ثم قرأ
225
رسول الله ﷺ (والذين آمنوا) الآية " أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند.
" وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب من أين لي هذا؟ فيقول: باستغفار ولدك لك " (١)، أخرجه أحمد وإسناده صحيح.
(وما ألتناهم من عملهم من شيء) قرىء بفتح اللام من ألتنا وبكسرها، وهما سبعيتان، أي وما نقصنا الآباء بإلحاق ذريتهم بهم من ثواب أعمالهم شيئاًً، وقيل: المعنى وما نقصنا الذرية من أعمالهم شيئاًً لقصر أعمارهم، والأول أولى، وقد قدمنا تحقيق معنى لاته وآلته في سورة الحجرات، وقرىء وآلتناهم بالد، وهو لغة قال في الصحاح: يقال ما آلته من عمله شيئاًً أي ما نقصه، قال ابن عباس: ما ألتناهم ما نقصناهم، ومن زائدة.
(كل امرىء بما كسب رهين) يعني مرهون، والظاهر أنه عام، وأن كل إنسان مرتهن بعمله، فإن قام به على الوجه الذي أمر الله به فكَّه، وإلا أهلكه، وقيل: هو بمعنى راهن، والمعنى كل امرىء بما كسب ثابت دائم وقيل: هذا خاص بالكفار لقوله: (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) ثم ذكر سبحانه ما أمدهم به من الخير فقال:
_________
(١) رواه أحمد.
226
(وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون) أي وزدناهم على ما كان لهم من مبادىء التنعم، وقتاً فوقتاً، بفاكهة متنوعة، ولحم من أنواع اللحمان، مما تشتهيه أنفسهم، ويستطيبونه من فنون النعماء وأنواع الآلاء، وإن لم يقترحوا ولم يصرحوا بطلبه، بل بمجرد ما يخطر على قلوبهم يقدم إليهم.
226
227
(يتنازعون فيها) " أي يتعاطون ويتنازلون ويتعاورون هم وجلساؤهم من أقربائهم " (كأساً) " أي يتجاذب بعضهم الكأس من بعض، هذا من يد هذا، وهذا من يد هذا، تلذذاً وتأنساً، والكأس إناء الخمر، ويطلق على كل إناء مملوء من خمر أو غيره فإذا فرغ لم يسم (كأساً) (لا لغو فيها ولا تأثيم) قال الزجاج: لا يجري بينهم ما يلغي به، ولا ما فيه إثم، كما يجري بين من يشرب الخمر في الدنيا، واللغو من الكلام هو الذي لا نفع فيه ولا مضرة، والتأثيم تفعيل من الإثم، والضمير في (فيها) راجع إلى الكأس وقيل: إلى الجنة، ولا يجري فيها ما فيه إثم، والأولى أولى، قال ابن قتيبة: لا تذهب بعقولهم فيلغوا، كما يكون من خمر الدنيا، ولا يكون منهم ما يؤثمهم، وقال الضحاك: لا تأثيم أي لا كذب، قال قتادة: اللغو الباطل، وقال مقاتل بن حيان: لا فضول فيها، وقال سعيد بن المسيب: لا رفث فيها، وقال ابن زيد لا سباب ولا تخاصم فيها، قال ابن عباس: لا باطل ولا كذب فيها.
(ويطوف عليهم غلمان لهم) أي يطوف عليهم بالكأس والفواكه والطعام والنحف وغير ذلك، مماليك لهم، وقيل: أولادهم، قال الكرخي: لم يضيفهم لئلا يظن أنهم الذين كانوا يخدمونهم في الدنيا فيشفق كل من خدم أحداً في الدنيا أن يكون خادماً له في الجنة، فيحزن بكونه لا يزال تابعاً، وقيل: إنهم من أخدمهم الله تعالى إياهم من أولاد غيرهم، وقيل: هم غلمان خلقوا في الجنة قال الكلبي: لا يكبرون أبداً، وقيل هم أولاد المشركين، وهم خدم أهل الجنة، وليس في الجنة نصب ولا حاجة إلى خدمة، ولكنه أخبر بأنهم على نهاية التنعم.
(كأنهم) في الحسن واللطافة والبهاء من بياضهم وصفائهم (لؤلؤ مكنون) أي مستور مصون في الصدف، لم تمسه الأيدي، لأنه ما دام رطباً أحسن وأصفى، أو محزون لأنه لا يحزن إلا الثمين الغالي القيمة، قال الكسائي: كننت الشيء سترته وصنته من الشمس، وأكننته جعلته في
227
الكن، ومنه كننت الجارية وأكننتها فهي مكنونة.
228
(وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) أي يسأل بعضهم بعضاً في الجنة عن حاله، وما كان فيه من تعب الدنيا، وخوف العاقبة، فيحمدون الله الذي أذهب عنهم الحزن والخوف والهم، وما كانوا فيه من الكد والنكد، بطلب المعاش وتحصيل ما لا بد منه من الرزق، وما وصلوا إليه تلذذاً واعترافاً بالنعمة وقيل: يقول بعضهم لبعض: بم صرتم في هذه المنزلة الرفيعة؟ وقيل: إن التساؤل بينهم عند البعث من القبور، والأول أولى، لدلالة السياق على أنهم قد صاروا في الجنة.
أخرج البزار، عن " أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إذا دخل أهل الجنة الجنة اشتاقوا إلى الإخوان، فيجيء سرير هذا حتى يحاذي سرير هذا فيتحدثان فيتكىء ذا ويتكىء ذا فيتحدثان بما كانوا في الدنيا، فيقول أحدهما: يا فلان تدري أي يوم غفر الله لنا، يوم كنا في موضع كذا وكذا، فدعونا الله فغفر لنا " (١).
_________
(١) مسلم.
(قالوا) مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: ماذا قال بعضهم لبعض عند التساؤل؟ فقيل: قالوا إيماء إلى علة الوصول لما هم فيه من النعيم ومحط العلة قوله الآتي: (فمنّ الله علينا) (إنا كنا قبل) أي: من قبل الآخرة، وذلك في الدنيا (في أهلنا مشفقين) أي خائفين وجلين من عذاب الله، أو كنا خائفين من عصيان الله أو من نزع الإيمان وفوت الأمان، أو من رد الحسنات والأخذ بالسيئات، والمقصود إثبات خوفهم في سائر الأوقات، والأحوال بطريق الأولى، فإن كونهم بين أهليهم مظنة الأمن، فإذا خافوا في تلك الحال، فلأن يخافوا دونها أولى، ولعل الأولى أن يجعل إشارة إلى معنى الشفقة على خلق الله، كما أن قوله الآتي (إنا كنا من قبل ندعوه)، إشارة إلى التعظيم لأمر الله.
(فمن الله علينا) بالمغفرة والرحمة وبالتوفيق لطاعته (ووقانا عذاب السموم) يعني عذاب جهنم والسموم من أسماء جهنم كذا قال الحسن ومقاتل وقال الكلبي وأبو عبيدة: هو عذاب النار، وقال الزجاج: سموم جهنم ما يوجد من حرها، قال أبو عبيدة: السموم بالنهار، وقد يكون بالليل، والحرور بالليل، وقد يكون بالنهار، وقد يستعمل السموم في لفح البرد، وهو في لفح الشمس والحر أكثر، وقيل: سميت الريح سموماً لأنها تدخل المسام وهي في الأصل الريح الحارة التي تتخلل المسام، والجمع سمائم، وقيل: سم يومنا أي: اشتد حره، قالت عائشة: لو فتح الله على أهل الأرض من عذاب السموم قدر الأنملة لأحرقت الأرض ومن عليها، وقالوا إيماء أيضاًً إلى علة الوصول:
(إنا كنا من قبل ندعوه) أي نوحد الله ونعبده أو نسأله أن يمن علينا بالمغفرة والرحمة، ومحط العلة قوله: (إنه هو البر الرحيم) قرىء إنه بكسر الهمزة على الاستئناف، وبفتحها أي: لأنه، والبر كثير الإحسان، وقيل: اللطيف، قاله ابن عباس، والرحيم كثير الرحمة لعباده.
(فذكر) أي اثبت ودم على ما أنت عليه من الوعظ والتذكير (فما أنت بنعمة ربك) التي أنعم بها عليك من رجاحة العقل، وعلو الهمة، والنبوة وكرم الفعال، وطهارة الأخلاق، أو ما أنت في حال اذكارك بنعمة ربك (بكاهن ولا مجنون) وقيل: المعنى انتفى عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله عليك، كما تقول: ما أنا بمعسر بحمد الله وغناه، وقيل: الباء للقسم والتقدير ما أنت ونعمة الله بكاهن ولا مجنون، والكاهن هو الذي يوهم أنه يعلم الغيب من دون وحي، أي: ليس ما تقوله كهانة، فإنك إنما تنطق بالوحي الذي أمرك الله بإبلاغه، والمقصود في الآية رد ما كان يقوله المشركون أنه كاهن أو مجنون.
(أم يقولون شاعر)؟ أم هي المنقطعة وقد تقدم الخلاف، هل هي مقدرة ببل والهمزة أو ببل وحدها، قال الخليل: هي هنا للاستفهام، وقال
229
سيبويه: خوطب العباد بما جرى في كلامهم، قال النحاس: يريد سيبويه أن أم في كلام العرب للخروج من حديث إلى حديث، أي لا ينبغي منهم هذا القول ولا يليق، قال الكواشي: وإنما قدرت ببل لأن ما بعدها متيقن، وما بعد أم مشكوك فيه، مسؤول عنه، وذكرت أم هنا خمس عشرة مرة، وكلها إلزامات ليس للمخاطبين بها عنها جواب، لكن قال الثعلبي نقلاً عن الخليل: إن كل ما في سورة الطور من أم فهو استفهام، وليس بعطف، وإنما استفهم تعالى مع علمه بهم تقبيحاً عليهم، وتوبيخاً لهم، كقول الشخص لغيره: أجاهل أنت؟ مع علمه بجهله.
(نتربص به) بإسناد الفعل إلى جماعة المتكلمين، وقرىء على البناء للمفعول نعت لشاعر، وقد كانت العرب تتحرز عن أذية الشاعر، فقالوا: لا نعارضه في الحال مخافة أن يغلبنا بقوة شعره، وإنما نتربص موته وهلاكه كما هلك من قبله من الشعراء (ريب المنون) أي صروف الدهر وحوادثه، والمعنى ننتظر به حوادث الأيام، فيموت كما مات غيره، أو يهلك كما هلك من قبله، والمنون يكون بمعنى الدهر، ويكون بمعنى المنية لأنها تنقص العدد، وتقطع المدد، وسمي الدهر منوناً لأنه يقطع الأجل، وإطلاق الريب على الحوادث استعارة تصريحية شبهت بالريب، أي الشك، لأنها لا تدوم ولا تبق على حال، كما أنه كذلك، قال الأخفش: المعنى نتربص إلى ريب المنون، فحذف حرف الجر، كما تقول: قصدت زيداً أي إلى زيد، قال الأصمعي: المنون واحد لا جمع له، قال الفراء: يكون واحداً وجمعاً، وقال الأخفش: جمع لا واحد له.
قال ابن عباس: إن قريشاً لما اجتمعوا إلى دار الندوة في أمر النبي ﷺ قال قائل: منهم: احبسوه في وثاق، وتربصوا به المنون حتى يهلك، كما هلك من قبله من الشعراء، زهير والنابغة، إنما هو كأحدهم، فأنزل الله في ذلك هذه الآية. وقال ابن عباس: ريب المنون الموت، ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عنهم فقال:
230
قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٣٤) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٣٨) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١)
231
(قُلْ تَرَبَّصُوا) أي انتظروا موتي أو هلاكي، أمر تهديد لا إيجاب، أو ندب أو إباحة لأن تربصهم هلاكه حرام لا محالة (فإني معكم من المتربصين) لموتكم أو هلاككم.
(أم تأمرهم أحلامهم بهذا)؟ أي بل أتأمرهم عقولهم بهذا الكلام المتناقض؟ فإن الكاهن هو المفرط في الفطنة والذكاء، ودقة النظر. والمجنون هو ذاهب العقل، مغطى على فهمه، فضلاً عن أن تكون له فطنة وذكاء، والشاعر يكون ذا كلام موزون متسق مخيل، ولا يتأتى ذلك من المجنون قال الواحدي: قال المفسرون: كانت عظماء قريش توصف بالأحلام والعقول فأزرى الله بحلومهم حين لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل، وفي القاموس: الحلم بالكسر الأناة والعقل، والجمع أحلام وحلوم، فأمر الأحلام به مجاز عن أدائها إليه.
(أم هم قوم طاغون)؟ أي بل طغوا وجاوزوا الحد في العناد فقالوا ما قالوا، وهذه الإضرابات من شيء إلى شيء مع الاستفهام، كما هو مدلول أم المنقطعة، تدل على أن ما تعقبها أشنع مما تقدمها، وأكثر جرأة وعناداً.
(أم يقولون تقوله)؟ أي اختلق القرآن من جهة نفسه وافتعله
231
والتقول لا يستعمل إلا في الكذب في الغالب، وإن كان أصله تكلف القول، ومنه اقتال عليه. ويقال: اقتال عليه بمعنى تحكم عليه، ثم أضرب سبحانه عن قوله تقوله وانتقل إلى ما هو أشد شناعة عليهم فقال: (بل لا يؤمنون) أي سبب صدور هذه الأقوال المتناقضة عنهم كونهم كفاراً لا يؤمنون ولا يصدقون ما جاء به رسوله استكباراً، ثم تحداهم سبحانه وألزمهم الحجة فقال:
232
(فليأتوا بحديث) مختلق مفتعل (مثله) أي مثل القرآن في نظمه، وحسن بيانه، وبديع أسلوبه، قال الرازي: والظاهر أن الأمر ههنا على حقيقته، لأنه لم يقل فليأتوا مطلقاً بل قال (إن كانوا صادقين) فيما زعموا من قولهم: إن محمداً ﷺ تقوَّله من عند نفسه، وجاء به من جهته، فهو أمر معلق على شرط، إذا وجد ذلك الشرط يجب الإتيان به، مع أنه كلام عربي وهم رؤوس العرب وفصحاؤهم، والممارسون بجميع الأوضاع العربية من نظم ونثر.
(أم خلقوا من غير شيء)؟ أم هي المنقطعة كما تقدم فيما قبلها، وكما سيأتي فيما بعدها، أي بل أخلقوا على هذه الكيفية البديعة: والصنعة العجيبة من غير خالق لهم؟ قال الزجاج: أي اخلقوا باطلاً لغير شيء؟ لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون؟ وجعل من بمعنى اللام. قال ابن كيسان: أم خلقوا عبثاً وتركوا سدى؟ لا يؤمرون ولا ينهون؟ وقيل: المعنى أم خلقوا من غير أب ولا أم؟ فهم كالجماد لا يفهمون ولا تقوم عليهم حجة؟ (أم) أي بل أيقولون: (هم الخالقون) لأنفسهم فلا يؤمرون ولا ينهون، مع أنهم يقرون أن الله خالقهم، وإذا أقروا لزمتهم الحجة، قال الجلال المحلي: ولا يعقل مخلوق بغير خالق ولا معدوم يخلق فلا بد لهم من خالق هو الله الواحد، فلم لا يوحدونه ويؤمنون برسوله وكتابه.
(أم خلقوا السموات والأرض)؟ وهم لا يدعون ذلك فلزمتهم الحجة
232
ولهذا أضرب عن هذا وقال: (بل لا يوقنون) أي ليسوا على يقين من الأمر، بل يخبطون في ظلمات الشك في وعد الله ووعيده، وإلا لآمنوا بنبيه وهذا فيه مزيد تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، يعني أنهم كما طعنوا فيك طعنوا في خالقهم
233
(أم عندهم خزائن ربك)؟ أي خزائن أرزاق العباد وقيل: مفاتيح الرحمة قال مقاتل: يقول بأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة، فيضعونها حيث شاؤوا، وكذا قال عكرمة، وقال الكلبي: خزائن المطر والرزق، وقيل: مقدوراته وضرب المثل بالخزائن لأن الخزانة بيت يهيأ لجمع أنواع مختلفة من الذخائر ومقدورات الرب كالخزائن التي فيها من كل الأجناس، فلا نهاية لها.
(أم هم المسيطرون)؟ أي المسلطون الغالبون القاهرون الجبارون وقيل: الأرباب القاهرون فلا يكونون تحت أمر ولا نهي ويفعلون ما يشاؤون وقرىء بالسين من سيطر عليه إذا راقبه وحفظه وقهره، ولم يأت على مفيعل إلا خمسة ألفاظ، أربعة صفة اسم فاعل مهيمن ومبيقر ومسيطر ومبيطر، وواحد اسم جبل، وهو المحيمر، قال في الصحاح: المصيطر المسلط على الشيء ليشرف عليه. وبتعهد أحواله ويكتب عمله. وأصله من السطر لأن الكتاب يسطر. أي أهم الحفظة؟ قال أبو عبيدة: سطرت على أي اتخذتني خولاً لك قرىء المصيطرون بالصاد الخالصة، وبصاد مشمَّة زاياً.
(أم لهم سلم يستمعون فيه)؟ أي بل أيقولون: أن لهم سلماً ومرقى منصوباً إلى السماء يصعدون به، ويستمعون فيه كلام الملائكة، وما يوحى إليهم، ويصلون به إلى علم الغيب كما يصل إليه محمد ﷺ بطريق الوحي؟ حتى تمكنهم منازعة النبي ﷺ بزعمهم، وهذا الزعم منهم على سبيل الفرض والتقدير، ولم يقع منهم بالفعل لأنهم لما كانوا على حالة المعاندة والمعارضة كأنهم ادعوا ذلك؛ وقيل في بمعنى على أي يستمعون عليه كقوله (ولأصلبنكم في جذوع النخل) قاله الأخفش، وقال
233
أبو عبيدة: يستمعون به وقال الزجاج: المعنى أنهم كجبريل الذي يأتي النبي ﷺ بالوحي، وقيل: أي صاعدين فيه.
(فليأت مستمعهم) إن ادعى ذلك (بسلطان مبين) أي بحجة ظاهرة واضحة بينة
234
(أم له البنات)؟ أي بل أتقولون: لله البنات؟ (ولكم البنون)؟ سفه سبحانه أحلامهم، وضلل عقولهم، ووبخهم، أي أيضيفون إلى الله البنات؟ وهي أضعف الصنفين، ويجعلون لأنفسهم البنين وهم أعلاهما وفيه إشعار بأن من كان هذا رأيه فهو بمحل سافل في الفهم والعقل، فلا يستبعد منه إنكار البعث، وجحد التوحيد، ثم رجع سبحانه إلى خطاب رسول الله ﷺ فقال:
(أم تسألهم أجراً)؟ أي بل أتسألهم أجراً يدفعونه إليك على تبليغ الرسالة؟ (فهم من مغرم) أي من التزام غرامة تطلبها منهم (مثقلون) أي مجهودون بحملهم ذلك المغرم الثقيل ومتعبون ومغتمون، من أثقله الحمل أتعبه لكن هذا الثقل معنوي لأن العادة أن من غرم إنساناً ما لا يصير الغارم مغتماً منه وكارهاً له فلا يسمع قوله، ولا يمتثله، قال قتادة: يقول هل سألت هؤلاء القوم أجراً فجهدهم فلا يستطيعون الإسلام.
(أم عندهم الغيب)؟ أي بل أيدعون أن عندهم الغيب وهو ما في اللوح المحفوظ، المثبت فيه المغيبات، فالغيب بمعنى الغائب، والألف واللام في الغيب بمعنى النوع لا للعهد: ولا لتعريف الجنس، فالمراد نوع الغيب، وهذا الزعم فرضي إذ لم يقع منهم بالفعل، لكنهم على حالة من المكابرة والمعارضة بحيث ينسب إليهم هذا الزعم، قال قتادة: هذا جواب لقولهم: (نتربص به ريب المنون) يقول الله: (أم عندهم الغيب) حتى علموا أن محمداً ﷺ يموت قبلهم (فهم يكتبون) ذلك بعد ما وقفوا عليه، وقيل: هو رد لقولهم، إنا لا نبعث، ولو بعثنا لم نعذب، قال ابن قتيبة: معنى يكتبون يحكمون بما يقولون.
234
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (٤٩)
235
(أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا) أي مكراً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهلكونه بذلك المكر (فالذين كفروا) هذا من وقوع الظاهر موضع المضمر تنبيهاً على اتصافهم بهذه الصفة القبيحة والأصل: أم يريدون كيداً فهم (هم المكيدون) أي الممكور بهم، المجزيون بكيدهم، فضرر كيدهم يعود عليهم، (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله)، أو حكم على جنس هم نوع منه فيندرجون فيه اندراجاً أولياً لتوغلهم في هذه الصفة، وكان هذا المكر والتحيل والكيد في دار الندوة، وهي دار من دور أهل مكة، والظاهر أنه من الإخبار بالغيب، فإن السورة مكية، وذلك الكيد كان وقوعه ليلة الهجرة ثم أهلكهم الله تعالى ببدر عند انتهاء سنين عدتها عدة ما هنا من كلمة أم، وهي خمس عشرة، فإن بدراً كانت في الثانية من الهجرة وهي الخامسة عشر من النبوة، وأذلهم في غير موطن، ومكر سبحانه بهم (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين).
(أم لهم غير الله) أي بل أيدعون أن لهم إلهاً غير الله يحفظهم ويرزقهم وينصرهم، وهذا استفهام إنكاري، على معنى نفي الحصول من أصله أي ليس لهم في الواقع إله غير الله، وعلى معنى نفي الانبغاء واللياقة بالنظر لاعتقادهم أن هناك آلهة غيره، ثم نزه سبحانه نفسه عن هذه المقالة الشنعاء فقال: (سبحان الله عما يشركون) ما يحتمل وجهين: أحدهما: أن
235
تكون مصدرية معناه سبحانه عن إشراكهم، ثانيهما خبرية معناه عن الذين يشركون وعلى هذا فيحتمل أن يكون التنزيه عن الولد لأنهم كانوا يقولون: البنات لله فقال سبحان الله عن البنات والبنين، وأن يكون عن مثل الآلهة لأنهم كانوا يقولون: هو مثل ما يعبدونه، فقال: سبحان الله عن مثل ما يعبدونه، ثم ذكر سبحانه بعض جهالاتهم فقال:
236
(وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ) الكسف جمع كسفة، وهي القطعة من الشيء، والمركوم المجعول بعضه على بعض، قال الفراء: من قرأ كسفاً بكسر الكاف وسكون السين جعله واحداً، ومن قرأ كسفاً بكسر الكاف وفتح السين جعله جمعاً، وهذا الكلام على سبيل الفرض والتقدير، فمن المعلوم أن قريشاً لم ينزل عليهم قطع من السماء تعذيباً لهم، كما قال تعالى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم)، كأنه يقول: لو عذبناهم بسقوط قطع من السماء عليهم لم ينتهوا ولم يرجعوا ويقولون في هذا النازل عناداً واستهزاء وإغاظة لمحمد: إنه سحاب مركوم، ثم أمر الله سبحانه رسوله ﷺ أن يتركهم فقال:
(فذرهم) أي: اتركهم وخل عنهم، جواب شرط مقدر، أي: إذا بلغوا في الكفر والعناد إلى هذا الحد، وتبين أنهم لا يرجعون عن الكفر فدعهم (حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون) أي يوم موتهم، أو يوم قتلهم ببدر، وهو الظاهر قاله البقاعي، أو يوم القيامة قرىء يلاقوا ويلقوا ويصعقون على البناء للمفعول وللفاعل عند السبعة فالأولى يحتمل أن تكون من صعق فهو مصعوق وأن تكون من أصعق رباعياً. يقال: أصعق فهو مصعق، والمعنى أن غيرهم أصعقهم، وقراءة السلمي بضم الياء وكسر العين، تؤذن بأن أفعل بمعنى فعل، والصعقة الهلاك على ما تقدم بيانه.
(يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئاًً) أي لا ينفعهم في ذلك اليوم كيدهم الذي كادوا به رسول الله ﷺ في الدنيا (ولا هم ينصرون)
236
أي: ولا يمنع عنهم العذاب النازل بهم مانع، بل هو واقع بهم لا محالة.
237
(وإن للذين ظلموا) أي لهؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي (عذاباً) في الدنيا (دون ذلك) أي غير عذاب يوم القيامة، أي قبله، وهو قتلهم يوم بدر وقال ابن زيد: هو مصائب الدنيا من الأوجاع والأسقام والبلايا، وذهاب الأموال والأولاد، وقال مجاهد: هو الجوع والجهد سبع سنين، وقيل عذاب القبر قبل يوم القيامة، قاله ابن عباس، وقيل: المراد بالعذاب هو القحط والجوع قبل يوم بدر، لأنه كان في ثانية الهجرة، والقحط وقع لهم قبلها، وبالذي يأتي بعده هو قتلهم يوم بدر (ولكن أكثرهم لا يعلمون) ما يصيرون إليه من عذاب الله وما أعده لهم في الدنيا والآخرة.
(واصبر لحكم ربك) إلى أن يقع لهم العذاب الذي وعدناهم به (فإنك بأعيننا) أي بمرأى ومنظر منا، أو في حفظنا وحمايتنا، فلا تبال بهم، قال الزجاج: إنك بحيث نراك ونحفظك ونرعاك، فلا يصلون إليك، وإنما جمع لفظ الأعين مع أن مدلوله واحد، وهو المصدر لمناسبة نون العظمة (وسبح بحمد ربك) أي نزه ربك عما لا يليق به متلبساً بحمد ربك على إنعامه عليك أي قل سبحان الله وبحمده (حين تقوم) من مجلسك قال عطاء وسعيد وسفيان الثوري وأبو الأحوص: يسبح الله حين يقوم من مجلسه فيقول: سبحان الله وبحمده أو سبحانك اللهم وبحمدك عند قيامه من كل مجلس يجلسه.
وقال محمد بن كعب والضحاك والربيع بن أنس: حين تقوم إلى الصلاة، قال الضحاك يقول: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وفيه نظر لأن التكبير يكون بعد القيام، لا حال القيام، ويكون التسبيح بعد التكبير، وهذا غير معنى الآية، فالأول أولى، وقيل: المعنى صل لله حين تقوم من مقامك. وبه قال أبو الجوزاء، وحسان بن
237
عطية، وقال الكلبي وابن عباس: واذكر الله باللسان حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل الصلاة، وهي صلاة الفجر.
وعن " أبي برزة الأسلمي قال: كان رسول الله ﷺ بآخرةٍ إذا قام من المجلس يقول: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، فقال رجل: يا رسول الله إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى، قال: كفارة لما يكون في المجلس " (١) أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وابن مردويه وابن أبي شيبة وأخرجه النسائي والحاكم عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم.
" وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك "، أخرجه ابن جرير والترمذي، وقال حسن صحيح، وفي الباب أحاديث مسندة ومرسلة وقيل حين تقوم من منامك.
" عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة بأي شيء كان يفتتح رسول
الله ﷺ إذا استيقظ من نومه؟ فقالت: سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك كان إذا قام كبر عشراً، وحمد الله عشراً، وسبح عشراً، وهلل عشراً، واستغفر عشراً، وقال: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني. وكان يتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة " أخرجه أبو داود والنسائي.
_________
(١) صحيح الجامع الصغير.
238
(ومن الليل فسبحه) أمره الله سبحانه أن يسبحه في بعض الليل حقيقة أيضاًً، قال مقاتل: أي صلِّ المغرب والعشاء، وقيل: ركعتي الفجر، و " عن أبي هريرة عن النبي ﷺ في الآية قال: الركعتان قبل
238
صلاة الصبح " أخرجه ابن مردويه.
(وإدبار النجوم) أي وقت إدبارها من آخر الليل وقبل صلاة الفجر واختاره ابن جرير وقيل هو التسبيح في أدبار الصلوات وقال ابن عباس: ركعتا الفجر، وقيل: سنة الصبح، قرىء إدبار بكسر الهمزة على أنه مصدر وبفتحها على الجمع، أي عقاب النجوم، وأدبارها إذا غربت، ودُبر الأمر آخره وقد تقدم الكلام على هذا في سورة ق.
239
سورة النجم
(إحدى أو اثنتان وستون آية)
وهي مكية جميعها في قول الجمهور، وعن ابن عباس وعكرمة إلا آية منها وهي قوله: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ) الآية وقيل: أن السورة كلها مدنية، والصحيح هو الأول.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما " عن ابن مسعود قال: أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم فسجد رسول الله - ﷺ - وسجد الناس كلهم إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافراً، وهو أمية بن خلف " (١) وعنه قال: أول سورة استعلن بها رسول الله - ﷺ - يقرؤها والنجم.
" وعن ابن عمر قال: صلى بنا رسول الله - ﷺ - فقرأ والنجم، فسجد بنا وأطال السجود ".
وعن زيد بن ثابت قال: قرأت والنجم عند النبي - ﷺ - فلم يسجد فيها " أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والطبراني والطيالسي وابن أبي شيبة وابن مردويه.
" وعن ابن عباس قال: كان رسول الله - ﷺ - يسجد في النجم بمكة، فلما هاجر إلى المدينة تركها " وعنه أن رسول الله - ﷺ - لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة.
_________
(١) رواه مسلم.
241

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (١٦) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨) أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢)
243
Icon