تفسير سورة الفاتحة

فتح البيان
تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن المعروف بـفتح البيان .
لمؤلفه صديق حسن خان . المتوفي سنة 1307 هـ
سورة الفاتحة
أي فاتحة الكتاب معناها أول ما من شأنه أن يفتتح به الكتاب، ثم أطبقت على أول كل شيء كالكلام، والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية أو هي مصدر بمعنى الفتح أطلقت عليه تسمية للمفعول باسم المصدر، وإشعارا بأصالته كأنه نفس الفتح والإضافة بمعنى اللام كما في جزء الشيء لا بمعنى ﴿ من ﴾ كما في خاتم فضة، لما عرفت أن المضاف جزء من المضاف إليه لا جزئي له، وسميت بذلك لأن القرآن افتتح بها إذ هي أول ما يكتبه الكاتب من المصحف، وأول ما يتلوه التالي من الكتاب العزيز، وإن لم تكن أول ما نزل من القرآن، وقد اشتهرت بهذا الاسم في أيام النبوة، قيل أنها مكية وهو قول أكثر العلماء، وقيل مدنية وهو قول مجاهد، وقيل أنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلوات الخمس، ومرة بالمدينة حين حولت القبلة جمعا بين الروايات، والأول أصح قاله البغوي، ورجحه البيضاوي.
وأسماء السور توقيفية وكذا ترتيب السور والآيات أي تتوقف على نقلها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل غير ذلك، وإنما هذا على الأرجح، والسورة طائفة من القرآن لها أول وآخر وترجمة باسم خاص بها بتوقيف، والسورة قد يكون لها اسم واحد، وقد يكون اسمان أو أكثر.
وأسماء السور في المصاحف لم يثبتها الصحابة في مصاحفهم، وإنما هو شيء ابتدعه الحجاج كما ابتدع إثبات الأعشار والأسباع، وسميت هذه أم القرآن لكونها أصلا ومنشأ له إما لمبدئيتها له وإما لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله عز وجل، والتعبد بأمره ونهيه وبيان وعده ووعيده، أو على جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم، والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء، والمراد بالقرآن هو المراد بالكتاب، وسميت أيضا أم الكتاب لأنه يبدأ بقرائتها في الصلاة، قاله البخاري في الصحيح.
وقال أبو السعود مناط التسمية ما ذكر في أم القرآن لا ما أورده البخاري، فإنه مما لا تعلق له بالتسمية كما أشير إليه، قال ابن كثير وصحيح تسميتها بالسبع المثاني لأنها سبع آيات وتثنى في الصلاة فتقرأ في كل ركعة أو لتكرر نزولها وأخرج أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( هي أم القرآن وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم ) ١ وأخرج ابن جرير عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :( قال هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني ) ٢ ؛ وأخرج نحوه ابن مردوديه والدارقطني من حديثه :" وقال كلهم ثقات.
ومن أسمائها كما حكاه في الكشاف سورة الكنز والوافية، وسورة الحمد، وسورة الصلاة، وتسمى الكافية لأنها تكفي عن سواها في الصلاة ولا يكفي سواها عنها، وسورة الشفاء والشافية لقوله صلى الله عليه وآله وسلم :( هي الشفاء من كل داء ) وأخرج الثعلبي أن رجلا اشتكى إليه وجع الخاصرة فقال عليك بأساس القرآن٣.
وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( إن الله أعطاني فيما من به علي فيما من به علي فاتحة الكتاب وقال : هي كنز من كنوز عرشي ) ٤، وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده عن علي نحوه مرفوعا، وذكر القرطبي للفاتحة اثني عشر اسما، وقد ذكر السيوطي في الإتقان خمسة وعشرين اسما للفاتحة.
وهي سبع آيات بلا خلاف كما حكاه ابن كثير في تفسيره، قال القرطبي : أجمعت الأمة على أنها سبع آيات إلا ما روى عن حسين الجعفي أنها ست وهو شاذ، وعن عمرو بن عبيد أنه جعل ﴿ إياك نعبد ﴾ آية فهي عنده ثمان وهو شاذ انتهى، وإنما اختلفوا في البسملة كما سيأتي :
وقد أخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن الأنباري في المصاحف عن محمد بن سيرين أن أبي بن كعب وعثمان بن عفان كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين، ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهن، وقد خالف في ذلك إجماع الصحابة وسائر أهل البيت ومن بعدهم، وأخرج ابن حميد عن إبراهيم قال كان عبد الله بن مسعود لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف، وقال لو كتبتها لكتبت في أول كل شيء.
وقد ورد في فضل هذه السورة أحاديث : منها ما أخرجه البخاري وأحمد وأبو داود النسائي من حديث أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ( لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد، قال فأخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قال نعم : الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) ٥.
وأخرج أحمد والنسائي والترمذي وصححه من حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها٦ ؟ ثم أخبره أنها الفاتحة.
وأخرج أحمد في المسند من حديث عبد الله بن جابر :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ألا أخبرك بآخر سورة في القرآن ؟ قلت بلى يا رسول الله، قال : اقرأ الحمد لله رب العالمين حتى تختمها ) ٧ وفي سنده ابن عقيل، وقد احتج به كبار الأئمة وبقية رجاله ثقات، وابن جابر هذا هو العبدي كما قال ابن الجوزي وقيل الأنصاري البياضي كما قال ابن عساكر.
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما أخبره بأن رجلا رقى سليما بفاتحة الكتاب :( وما كان يدريه أنها رقية ) ٨ الحديث.
وأخرج مسلم ونسائي عن ابن عباس قال ( بينما النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جبرائيل إذ سمع نقيضا فوقه فرفع جبرائيل بصره إلى السماء فقال : هذا باب قد فتح من السماء ما فتح لنبي قط قال فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته ) ٩.
وأخرج مسلم والنسائي والترمذي وصححه عن أبي هريرة ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداع ثلاثا غير تمام ) ١٠ وأخرج البزار في مسنده بسند ضعيف عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت ) ١١.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( فاتحة الكتاب شفاء من كل سقم ) ١٢، وأخرج أبو الشيخ نحوه من حديثه وحديث أبي هريرة مرفوعا، وأخرج الدارمي والبيهقي في شعب الإيمان بسند رجاله ثقات عن عبد الملك ابن عمير قال : قال رسول اله صلى الله عليه وسلم في فاتحة الكتاب ( شفاء من كل داء ) ١٣.
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن السني في عمل اليوم والليلة وابن جرير والحاكم وصححه عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل راجعا من عنده، فمر على قوم وعندهم رجل مجنون موثق بالحديد، فقال أهله أعندك ما تداوي به هذا فإن صاحبكم قد جاء بخير، قال فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام في كل يوم مرتين غدوة وعشية أجمع بناني ثم أتفل فبرأ فأعطاني مائة شاة، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال ( كل فمن أكل برقية باطلة فقد أكلت برقية حق ) ١٤.
وعن أبي عباس قال : فاتحة الكتاب ثلثا القرآن١٥، وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ أم القرآن وقل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن )، وأخرج عبد بن حميد في مسنده بسند ضعيف عن ابن عباس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( فاتحة الكتاب تعدل بثلث القرآن ) ١٦ وأخرج الحاكم وصححه وأبو ذر الهروي في فضائله والبيهقي في الشعب عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له فنزل فمشى رجل من أصحابه إلى جنبه، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( ألا أخبرك بأفضل القرآن فتلا عليه الحمد لله رب العالمين ) ١٧.
وأخرج أبو نعيم والديلمي عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فاتحة الكتاب تجزئ ما لا يجزئ من القرآن في الكفة، ولو أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات ) ١٨.
وأخرج أبو عبيد في فضائله عن الحسن مرسلا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ فاتحة الكتاب فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان )، إلى غير ذلك من الأحاديث.
ثم الاستعاذة قبل القراءة سنة عند الجمهور لقوله تعالى ﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ واختلفوا في لفظها المختار، ولا يأتي بكثير فائدة، ومعنى أعوذ بالله ألتجئ إليه وأمتنع به مما أخشاه، من عاذ يعوذ والشيطان أصله من شطن أي تباعد من الرحمة أو من شاط إذا هلك واحترق، والأول أولى.
والشيطان اسم لكل عات من الجن والإنس، والرجيم من يرجم بالوسوسة أو مرجوم بالشهب عند استراق السمع أو بالعذاب أو مطرود عن الرحمة.
والاستعاذة تطهر القلب عن كل شيء شاغل عن الله.
ومن لطائفها أن قوله ﴿ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ إقرار من العبد بعجزه وضعفه وبقدرة الباري على دفع جميع المضرات.
١ الإمام أحمد ٢/١٥٢ وانظر الفتح الرباني جزء ١٨/٦٦..
٢ رواه أحمد الترمذي وصححه والبخاري تفسير ١/١ وتمام الحديث ص ٣٠..
٣ راجع زاد المسير ١/١٠..
٤ ضعيف الجامع ١/١٥٦١..
٥ النسائي/٢٦- أبو داود الوتر/١٥- أحمد ٤/٢١١- البخاري في تفسير ١/١..
٦ الترمذي – ثواب القرآن١- أحمد ٢/٤١٣و ٥/١١٤..
٧ أحمد وصحيح الجامع الصغير ٢٥٨٩..
٨ انظر الحديث بتمامه مسلم ٤/٢٢٠١ والبخاري ١١٣٢..
٩ انظر الحديث بتمامه مسلم ١/٨٠٦..
١٠ انظر الحديث بتمامه مسلم ١/٣٩٥..
١١ ضعيف الجامع ٨٢٢..
١٢ ضعيف الجامع ٣٩٥٤..
١٣ ضعيف الجامع ٣٩٥٥..
١٤ صحيح الجامع ٤٣٧٠..
١٥ انظر ضعيف الجامع ٥٩٥٣..
١٦ من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن الزوائد ٧/١٤٦..
١٧ الحاكم ١/٥٦٠..
١٨ ضعيف الجامع /٣٩٥٢..
اختلف أهل العلم في البَسْمَلَة: هل هي آية مستقلة في أول كل سورة كتبت في أولها، أو هي بعض آية من أول كل سورة أو هي كذلك في الفاتحة فقط دون غيرها أو أنها ليست بآية في الجميع وإنما كتبت للفصل؟ والأقوال وأدلتها مبسوطة في موضع الكلام على ذلك وقد اتفقوا على أنها بعض آية في سورة النمل، وقد جزم قراء مكة والكوفة وفقهاؤهما بأنها آية من الفاتحة ومن كل سورة، وخالفهم قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها فلم يجعلوها آية لا من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقالوا إنها آية فذة من القرآن أنزلت للفصل والتبرك للابتداء بها.
وبالأول قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وسعيد بن جبير وعطاء وابن المبارك وأحمد في أحد قوليه، وإسحق وعلي بن أبي طالب والزهري ومحمد ابن كعب والثوري، وهو القول الجديد للشافعي، ولذلك يجهر بها عنده.
وبالثاني قال الأوزاعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابه، قال أبو السعود وهو الصحيح من مذهب الحنفية.
وقد أثبتها السلف في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن عما ايس منه، ولذا لم يكتبوا آمين. وقد أخرج أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس أن
37
رسول الله - ﷺ - كان لا يعرف فصل السورة، وفي رواية انقضاء السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم، وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين.
وأخرج ابن خزيمة في صحيحه عن أم سلمة أن رسول الله - ﷺ - قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية، وفي إسناده عمر بن هارون البلخي وفيه ضعف. وروى نحوه الدارقطني مرفوعاً عن أبي هريرة، وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قرأتم الحمد لله فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني (١)، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها، رواه الدارقطني وقال رجال إسناده كلهم ثقات، ورواه البخاري في تاريخه، وروي موقوفاً أيضاً.
وأخرج مسلم عن أنس قال: قال رسول الله - ﷺ - " أنزلت عليّ آنفاً سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر (٢) " الحديث.
قال البيهقي أحسن ما احتج به أصحابنا في أن البسملة من القرآن وأنها من فواتح السور سوى سورة براءة ما روينا في جمع الصحابة كتاب الله عز وجل في المصاحف، وأنهم كتبوا فيها البسملة على رأس كل سورة سوى سورة براءة فكيف يتوهم متوهم أنهم كتبوا فيها مائة وثلاث عشرة آية ليست من القرآن، وقد علمنا بالروايات الصحيحة عن ابن عباس أنه كان يعد البسملة آية من الفاتحة ويقول انتزع الشيطان منهم خير آية في القرآن، رواه الشافعي.
وكما وقع الخلاف في إثباتها وقع الخلاف في الجهر بها في الصلاة وقد أخرج النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة وقال بعد أن فرغ إني لأشبهكم صلاة برسول الله - ﷺ -، وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي
_________
(١) صحيح الجامع ٧٢٩ - الدارقطني ١/ ٣١٢.
(٢) صحيح الجامع ١٥١٠ - مسلم ١/ ٥٣ - أبو داود ٢٣ - النسائي ٢١.
38
وغيرهم، وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس أن رسول الله - ﷺ - كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم، قال الترمذي وليس إسناده بذاك، وقد أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس بلفظ كان رسول الله - ﷺ - يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (١)، ثم قال صحيح.
وأخرج البخاري في صحيحه عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله - ﷺ - فقال كانت قراءته مداً ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم، وأخرج أحمد في المسند وأبو داود في السنن وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه، عن أم سلمة أنها قالت كان رسول الله - ﷺ - يقطع قراءته بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين (٢)، وقال الدارقطني إسناده صحيح.
وبهذا قال من الصحابة أبو هريرة وابن عباس وابن عمر وابن الزبير، ومن التابعين فمن بعدهم سعيد بن جبير وأبو قلابة والزهري وعكرمة وعطاء وطاوس ومجاهد وعلي بن الحسين وسالم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظي وابن سيرين وابن المنكدر ونافع مولى ابن عمر وزيد بن أسلم ومكحول وغيرهم، وإليه ذهب الشافعي.
واحتج من قال إنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة بما في صحيح مسلم عن عائشة قالت: كان رسول الله - ﷺ - يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وفي الصحيحين عن أنس قال صليت خلف النبي - ﷺ - وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، ولمسلم: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها (٣)، وأخرج أهل السنن نحوه عن عبد الله بن مغفل، وإلى هذا ذهب الخلفاء الأربعة وجماعة من الصحابة
_________
(١) الحاكم ١/ ٢٠٨.
(٢) ضعيف الجامع/٤٨٧٦.
(٣) مسلم/٣٩٩ - البخاري/٤٥٣.
39
كابن مسعود وعمار بن ياسر وابن مغفل وغيرهم، ومن التابعين الحسن والشعبي وابراهيم النخعي وقتادة والأعمش والثوري، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم.
وأحاديث الترك وإن كانت أصح. ولكن الإثبات أرجح مع كونه خارجاً من مخرج صحيح فالأخذ به أوفى ولا سيما مع إمكان تأويل الترك، وهذا يقتضي الإثبات الذاتي أعني كونها قرآناً، والوصفي أعني الجهر بها عند الجهر بقراءة ما يفتتح بها من السور في الصلاة.
والحاصل أن البسملة آية من الفاتحة ومن غيرها من السور، وحكمها من الجهر والإسرار حكم الفاتحة فيجهر بها مع الفاتحة في الصلاة الجهرية، ويسر بها مع الفاتحة في الصلاة السرية، وبهذا يحصل الجمع بين الروايات.
ولتنقيح البحث والكلام على أطرافه استدلالاً ورداً وتعقباً ودفعاً، ورواية ودراية موضع غير هذا، وقد استوفاه الشوكاني في شرحه للمنتقى، وله جواب عن سؤال نظماً ونثراً.
ومتعلق الباء محذوف وهو اقرأ أو اتلو، وتقديم المعمول للاعتناء به والقصد إلا التخصيص، ويظهر رجحان تقدير الفعل متأخراً في مثل هذا المقام ولا يعارضه قوله تعالى (اقرأ باسم ربك) لأن المقام مقام القراءة فكان الأمر بها أهم، وأما الخلاف بين أئمة النحو في كون المقدر اسماً أو فعلاً فلا يتعلق بذلك كثير فائدة، والباء للاستعانة أو للمصاحبة تبركاً، ورجح الثاني الزمخشري، والإسم هو اللفظ الدال على المسمَّى، ومن زعم أن الإسم هو المسمى كما قاله أبو عبيدة وسيبويه والباقلاني وابن الفورك " وحكاه الرازي عن الحشوية والكرامية والأشعرية، فقد غلط غلطاً بيناً، وجاء بما لا يعقل مع عدم ورود ما يوجب المخالفة للعقل لا من الكتاب ولا من السنة ولا من لغة العرب، بل العلم الضروري حاصل بأن الإسم الذي هو أصوات منقطعة وحروف مؤلفة غير المسمى الذي هو مدلوله، والبحث مبسوط في علم الكلام.
40
وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة (١)، وقال الله عز وجل (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) وقال تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاً مَّا تدعوا فله الأسماء الحسنى).
(الله) علم عربي مرتجل جامد عند الأكثر، خاص لذات الواجب الوجود تفرد به الباري سبحانه لِم يطلق على غيره، ولا يشركه فيه أحد، وعند الزمخشري اسم جنس صار علماً بالغلبة، والأول هو الصحيح، ولم يقل بالله للفرق بين اليمين والتيمن، أو لتحقيق ما هو المقصود بالاستعانة ههنا فإنها تكون تارة بذاته تعالى وتارة باسمه عز وعلا، فوجب تعيين المراد بذكر الإسم وعند المحققين أنه اسم الله الأعظم، وقد ذكره الله تعالى في ألفين وثلثمائة وستين موضعاً من القرآن.
(الرحمن) من الصفات الغالبة لم يستعمل في غير الله عز وجل، وقال أبو علي الفارسي الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى (الرحيم) إنما هو في جهة المؤمنين قال تعالى (وكان بالمؤمنين رحيماً) وعن ابن عباس قال هما إسمان أحدهما أرق من الآخر، وقيل معناهما ذو الرحمة جمع بينهما للتأكيد وقيل غير ذلك، والأول أولى، وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم.
والرحمة إرادة الخير والإحسان لأهله، وقيل ترك عقوبة من يستحق العقاب: وإسداء الخير والإحسان إلى من لا يستحق، فهو على الأول صفة ذات وعلى الثاني صفة فعل، وأسماء الله تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادىء التي هي انفعالات، وإفراد الوصفين الشريفين بالذكر لتحريك سلسلة الرحمة، وهل الرحمن مصروف أو لا، فيه قولان، مال التفتازاني إلى جواز الأمرين، وقد ورد في فضلها أحاديث ينبغي البحث عن أسانيدها والكلام
_________
(١) صحيح الجامع/٢١٦٣. وفي رواية مسلم إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً.
مسلم/٢٦٧٧ البخاري ٢٠٩٨.
41
عليها، وقد شرعت التسمية في مواطن كثيرة قد بينها الشارع منها عند الوضوء، وعند الذبيحة، وعند الأكل وعند الجماع وغير ذلك.
42
(الحمد لله) هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري على قصد التبجيل، وبهذا فارق المدح، وقال الزمخشري إنهما أخوان، والحمد أخص من الشكر مورداً، وأعم منه متعلقاً، وبه صرح في الفائق، لكن الأوفق ما عليه الأكثر أنهما غير مترادفين بل متشابهان معنى أو اشتقاقاً كبيراً، وتعريفه لاستغراق إفراد الحمد، وأنها مختصة بالرب سبحانه على معنى أن حمد غيره لا اعتداد به، لأن المنعم هو الله عز وجل، أو على أن حمده هو الفرد الكامل، فيكون الحصر ادعائياً، ورجح الزمخشري أن التعريف هنا هو تعريف الجنس لا الإستغراق، وإليه نحا أبو السعود، والصواب ما ذكرناه وعليه الجمهور.
وقد جاء في الحديث " اللهم لك الحمد كله " (١) قال ابن جرير الحمد ثناء أثنى به على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال قولوا الحمد لله، ثم رجح اتحاد الحمد والشكر مستدلاً على ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلاً من الحمد والشكر مكان الآخر، قال ابن كثير وفيه نظر لأنه اشتهر عند كثير من العلماء المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية، والشكر لا يكون إلا على المتعدية، ويكون بالجنان واللسان والأركان، انتهى.
ولا يخفى أن المرجع في مثل هذا إلى معنى الحمد في لغة العرب لا إلى ما قاله جماعة من العلماء المتأخرين فإن ذلك لا يرد على ابن جرير ولا تقوم به الحجة هذا إذا لم يثبت للحمد حقيقة شرعية فإن ثبتت وجب تقديمها.
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال: الحمد لله كلمة الشكر،
_________
(١) ورد أحاديث كثيرة فيها هذا اللفظ ومنها ما أخرجه مسلم ٧٦٩ - ٤٧٦.
42
وإذا قال العبد الحمد لله قال الله: شكرني عبدي (١)، وروى ابن جرير عن الحكم بن عمير وكانت له صحبة قال: قال النبي - ﷺ -: " إذا قلت الحمد لله رب العالمين فقد شكرت الله فزادك ".
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والخطابى في الغريب والبيهقي في الأدب والديلمي في مسند الفردوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " الحمد رأس الشكر، ما شكر الله عبد لا يحمده " (٢) وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن النواس بن سمعان قال: " سرقت ناقة رسول الله - ﷺ - فقال: لئن ردها الله عليّ لأشكرن ربي فرجعت، فلما رآها قال الحمد لله فانتظروا هل يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صوم أو صلاة فظنوا أنه نسي، فقالوا يا رسول الله كنت قد قلت لئن ردها الله عليّ لأشكرن ربي؛ قال ألم أقل الحمد لله ".
وقد ورد في فضل الحمد أحاديث: منها ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وصححه البخاري في الأدب المفرد عن الأسود بن سريع قال: قلت يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى؟ فقال أما إن ربك يحب الحمد (٣).
وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله) (٤).
_________
(١) وفي الحديث الطويل لمسلم ٣٩٥/قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي.... قال الله حمدني عبدي.
(٢) الدارقطني ١٠/ ٣١١.
(٣) ضعيف الجامع/٢٧٨٩.
(٤) صحيح الجامع ١/ ١١١٥ - الأحاديث الصحيحة/١٤٩٧. ابن حبان/٢٣٢٦.
43
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن جابر قال: قال رسول الله - ﷺ - " ما من عبد ينعم عليه بنعمة إلا كان الحمد أفضل منها " وأخرج مسلم والنسائي وأحمد عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول - ﷺ - " الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان " (١) وأخرج البيهقي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ما شيء أحب إلى الله من الحمد "، وفي الباب أحاديث.
وأخرج أهل السنن وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع " (٢) وأخرج مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها " (٣).
وإيثار الرفع على النصب الذي هو الأصل للإيذان بأن ثبوت الحمد له تعالى لذاته لا لإثبات مثبت؛ وأن ذلك أمر دائم مستمر لا حادث متجدد كما تفيده قراءة النصب.
(رب العالمين) قال في الصحاح الرب اسم من أسماء الله تعالى ولا يقال في غيره إلا بالإضافة وقد قالوه في الجاهلية للملك وقال الزمخشري " الرب " المالك كما يقال رب الدار ورب الشيء أي مالكه قال القرطبي والرب السيد ومنه قوله تعالى: (اذكرني عند ربك) وفي الحديث " أن تلد الأمة ربتها " (٤) والرب المصلح والمدبر والمربي والجابر والقائم قال والرب المعبود.
والعالمين جمع عالم لا واحد له من لفظه، وهو اسم لما يعلم به غلب فيما يعلم
_________
(١) صحيح الجامع/٣٨٥٢.
(٢) ضعيف الجامع/٤٢٢١.
(٣) صحيح الجامع/١٨١٢ - الأحاديث الصحيحة/١٦٥١. مسلم ٨/ ٨٧ الترمذي ١/ ٣٣٤ أحمد ٣/ ١٠٠.
44
به الصانع من المصنوعات، قال أبو السعود وهو الأحق الأظهر أو اسم لكل موجود سوى الله تعالى، قال قتادة فيدخل فيه جميع الخلق، وهو ظاهر كلام الجوهري، وقيل أهل كل زمان عالم، قاله الحسين بن مفضل، وقال ابن عباس العالمون هم الجن والإنس، وقيل اسم جمع عالم بالفتح وليس جمعاً له لأن العالم عام في العقلاء وغيرهم، والعالمين مختص بالعقلاء، والخاص لا يكون جمعاً لما هو أعم منه، قاله ابن مالك وتبعه ابن هشام في توضيحه، وذهب كثير إلى أنه جمع عالم على حقيقة الجمع، وقال الفراء وأبو عبيد: العالم عبارة عما يعقل وهم أربعة أمم الانس والجن والملائكة والشياطين، ولا يقال للبهائم عالم لأن هذا الجمع إنما هو جمع ما يعقل، حكاها القرطبي وذكر أدلتها، وقال إن القول الأول أصح هذه الأقوال لأنه شامل لكل مخلوق موجود، دليله قوله تعالى: (قال فرعون وما رب العالمين، قال رب السموات والأرض وما بينهما) وقيل عنى به الناس فإن كل واحد منهم عالم، وفيه بعد.
قال الزجاج: العالم كل ما خلقه الله تعالى في الدنيا والآخرة وعلى هذا يكون جمعه بالياء والنون تغليباً للعقلاء على غيرهم وعن ابن عباس في الآية قال إنه الخلق كله، السموات كلهن ومن فيهن والأرضين كلهن ومن فيهن ومن بينهن مما يعلم ولا يعلم، وفيه دليل على أن رب العالمين جرى مجرى الدليل على وجود الآله القديم وبيان لشمول ربوبيته تعالى لجميع الأجناس، فآثار تربيته عز وجل الفائضة على كل فرد من أفراد الموجودات في كل آن من آنات الوجود غير متناهية فسبحانه ما أعظم شأنه لا تلاحظه العيون بأنظارها، ولا تطالعه العقول بأفكارها شأنه لا يضاهى، وإحسانه لا يتناهى، ونحن في معرفته حائرون، وفي إقامة مراسم شكره قاصرون.
وأتى بجمع القلة تنبيهاً على أنهم وإن كثروا قليلون في جنب عظمته وكبريائه تعالى، واختلف في مبلغ عدد العالم على أقوال لم يصح شيء منها، والحق ما قاله سبحانه وتعالى (وما يعلم جنود ربك إلا هو).
45
(الرحمن الرحيم) هو اسمان مشتقان من الرحمة على طريق المبالغة والرحمن
45
أشد مبالغة من الرحيم، وفي كلام ابن جرير ما يفهم حكاية الاتفاق على هذا ولذلك قالوا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا وقد تقرر أن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى وقال ابن الأنباري والزجاج أن الرحمن عبراني، والرحيم عربي، وخالفهما غيرهما (قال القرطبي) وصف نفسه بهما لأنه لما كان باتصافه برب العالمين ترهيب قرنه بالرحمن الرحيم لا تضمن من الترغيب ليجمع في صفاته بين الرهبة منه، والرغبة إليه، فيكون أعون على طاعته وأمنع، وقيل فائدة تكريره هنا بعد الذكر في البسملة أن العناية بالرحمة أكثر من غيرها من الأمور، وإن الحاجة إليها أكثر، فنبه سبحانه بتكرير ذكر الرحمة على كثرتها وأنه هو المتفضل بها على خلقه، وفيه إثبات الصفات الذاتية كما في التي قبلها إثبات الصانع وحدوث العالم.
46
(مالك) قد اختلف العلماء أيما أبلغ " ملك " أو " مالك " والقراءتان مرويتان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر، ذكرهما الترمذي، فذهب إلى الأول أبو عبيد والمبرد، ورجحه الزمخشري، وإلى الثاني أبو حاتم والقاضي أبو بكر بن العربي، والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع والهبة والعتق ونحوها، والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته ورعاية مصالح الرعاية، فأحدهما أقوى من الآخر في بعض الأمور، والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه أن الملك صفة لذاته والمالك صفة لفعله وقيل بينهما عموم مطلق، فكل ملك مالك، ولا عكس، لعموم ولاية الملك التزاماً لا مطابقة، قاله التفتازاني، وقيل هما بمعنى.
وقد أخرج الترمذي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ " ملك " بغير ألف. وأخرج نحوه ابن الأنباري عن أنس، وأخرج أحمد والترمذي عن أنس أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر
46
وعمر وعثمان كانوا يقرؤون " مالك " بالألف وأخرج نحوه سعيد بن منصور عن ابن عمر مرفوعاً، وأخرجِ نحوه أيضاً وكيع في تفسيره وعبد بن حميد وأبو داود عن الزهري يرفعه مرسلاً، وأخرجه أيضاً عبد الرزاق في تفسيره وعبد بن حميد وأبو داوود عن ابن المسيب مرفوعاً مرسلاً، (١) وقد روي هذا من طرق كثيرة فهو أرجح من الأول ومالك بمعنى المستقبل، قاله القرطبي، وإضافته إلى ما بعده حقيقية أو لفظية، والتعويل على القرائن والمقامات، قاله الكرخي، وهذا أمس بالعربية وأقعد في طريقها، قاله أبو القاسم الزجاجي.
قال الخطيب والتقييد بقوله (يوم الدين) لا ينافي الاستمرار لأنه من غير اعتبار حدوث في أحد الازمنة انتهى. واليوم في العرف عبارة عما بين طلوع الشمس وغروبها من الزمان، وفي الشرع عما بين طلوع الفجر الثاني وغروب الشمس والمراد هنا مطلق الوقت، والدين الجزاء خيراً كان أو شراً.
ويوم الدين يوم الجزاء من الرب لعباده يقال كما تدين تدان أي كما تفعل تجازى؛ ويدل قوله تعالى: (وما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله) والإضافة هذه على طريق الإتساع لأدنى ملابسة؛ أي مالك الأمر كله في يوم الجزاء للعباد لأن الأمر فيه لله وحده؛ ولذا خص بالذكر، وعن ابن مسعود وناس من الصحابة أنهم فسروا يوم الدين بيوم الحساب، وقال قتادة يوم يدين الله العباد بأعمالهم وقيل في معنى الدين غير ذلك، والأولى ما ذكرناه، وهذه الأوصاف التي أجريت على الله من كونه رباً للعالمين موجداً لهم ومنعماً بالنعم كلها ومالكاً للأمر كله يوم الجزاء بعد الدلالة على اختصاص الحمد به في قوله (والحمد لله) هو دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه للحمد والثناء عليه بل لا يستحقه على الحقيقة سواه، فإن ترتب الحكم على الوصف مشعر بعليته له، وفي هذه الآية إثبات المعاد.
_________
(١) تفسير ابن كثير ١/ ٢٦.
47
(إياك نعبد وإياك نستعين) أي نخصك بالعبادة ونوحدك ونطيعك خاضعين لك ومنك نطلب المعونة على عبادتك وعلى جميع أمورنا، وفي هذه الآية إبطال الجبر والقدر معاً كما أشار إليه الثعلبي في تفسيره، و " إيَّا " عند سيبويه اسم مضمر والكاف حرف خطاب ولا محل له من الإعراب وهو الأصح وقد ارتضاه القاضي، وعند الخليل اسم مضمر أضيف " إيَّا " إليه لأنه يشبه المظهر لتقدمه على الفعل والفاعل، وقال الكوفيون إياك بكمالها اسم، وجملة الأقوال فيه سبعة عد منها الخفاجي خمسة فقط، وتقديم المفعول على الفعل لقصد الاختصاص والحصر والقصر، وقيل للاهتمام، والصواب أنه لهما، ولا تزاحم بين المقتضيات.
والعبادة أقصى غايات الخضوع والتذلل، والعبودية أدنى منها، وسمي العبد عبداً لذلته وانقياده ولا تستعمل إلا في الخضوع لله تعالى، قال ابن كثير: وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف، والاستعانة طلب المعونة، وهي ضرورية وغير ضرورية.
والعدول عن الغيبة إلى الخطاب لقصد الإلتفاف وتلوين النظم من باب إلى باب، وفيه الترقي من البرهان إلى العيان والانتقال من الغيبة إلى الشهود ومن المعقول إلى المحسوس، اللهم اجعلنا من الواصلين إلى العين دون السامعين للأثر، وقد يكون من الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم كقوله تعالى: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) أي بكم وقوله (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه) أي فساقه، وقد يكون من التكلم إلى الغيبة، فهذه أربعة أقسام ذكرها البيضاوي، والتحقيق أنها ستة وهي ظاهرة لأن الملتفت منه والملتفت إليه اثنان وكل منهما إما غيبة أو خطاب أو تكلم، والعرب يستكثرون منه لفوائد تستدعيه ويرون الكلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب آخر كان أدخل في القبول عند السامع وأحسن تطرية لنشاطه، وأملأُ لاستلذاذ إصغائه وأكثر إيقاظاً له كما تقرر في علم المعاني، وقد تختص مواقعه بفوائد ولطائف قلما تتضح إلا للحذاق المهرة وقليل ما هم.
48
ومما اختص به هذا الموضع أنه لما ذكر الحقيق بالحمد والثناء وأجرى عليه تلك الصفات، تعلق العلم بمعلوم على الذات، سمى الصفات، حري بالثناء وغاية التذلل والاستعانة في المهمات، فخوطب ذلك المعلوم للتميز بتلك الأوصاف، فقيل إياك يا من هذه صفاته نعبد ونستعين لا غيرك، والمجيء بالنون في الفعلين لقصد الإخبار من الداعي عن نفسه وعن جنسه من العباد أو عن سائر الموحدين، وفيه إشعار على التزام الجماعة، وقدمت العبادة على الاستعانة لتوافق رؤوس الآي ولكون الأولى وسيلة إلى الثانية، وتقديم الوسائل سبب لتحصيل المطالب، وإطلاق العبادة والاستعانة لقصد التعميم لتتناول كل معبود به ومستعان فيه، وإستحسنه الزمخشري وقال لتلاؤم الكلام، وأخذ بعضه بحجزة بعض، وتكرير الضمير للتنصيص على تخصيصه تعالى بكل واحدة منهما ولإبراز الالتذاذ بالمناجاة والخطاب.
وأخرج مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله - ﷺ -: " يقول الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي (١)، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال مالك يوم الدين قال: مجدني عبدي، وربما قال فوض إليّ عبدي، وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم الخ قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ".
وعن أبي طلحة قال: كنا مع رسول الله - ﷺ - في غزاة نلقى العدو فسمعته يقول يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين قال: فلقد رأيت الرجال تصرع فتضربها الملائكة من بين يديها ومن خلفها. أخرجه البغوي والماوردي معاً في معرفة الصحابة والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل.
_________
(١) مسلم/٣٩٥.
49
(اهدنا الصراط المستقيم) إفراد لمعظم أفراد المعونة المسؤولة بالذكر،
49
وتعيين لما هو الأهم أو بيان لها أي أرشدنا وقيل ثبتنا على المنهاج الواضح، أو اهدنا في الاستقبال كما هديتنا في الحال، وهذا الدعاء من المؤمنين مع كونهم على الهداية بمعنى سؤال التثبيت وطلب مزيد الهداية والثبات عليه، لأن الألطاف والهدايات من الله تعالى لا تتناهى، قال الله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى) الآية وقال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) والهداية هي الإرشاد والتوفيق والتبيين أو الإلهام أو الدلالة بلطف على ما يوصل إلى البغية. ثم هي قد يتعدى فعلها بنفسه كما هنا وكقوله (وهديناه النجدين) وقد يتعدى بإلى كقوله (اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم) وقوله (فاهدوهم إلى صراط الجحيم- وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم) وقد يتعدى باللام كقوله (هدانا لهذا) وقوله (ويهدي للتي هي أقوم) وقال الزمخشري أصله أن يتعدى باللام أو بإلى، انتهى.
وفرق كثير من المتأخرين بين المتعدي بنفسه وغير المتعدي، فقالوا معنى الأول الإيصال ومعنى الثاني الدلالة، والصراط بالصاد الخالصة لغة قريش، وهي الجادة، والسين قراءة ابن كثير في كل القرآن، ويذكر ويؤنث كالطريق والسبيل، فالتذكير لغة تميم، والتأنيث لغة الحجاز، وجمعه صُرُط، وقد تشم الصاد صوت الزاي تحرياً للقرب من المبدل منه، وقد قرىء بهن جميعاً وفصحاهن الصاد، وهي الثابتة في الإمام أي في مصحف عثمان رضي الله عنه كتابة وخطاً المسمى إماماً عند القراء والمفسرين وغيرهم، فإن الإمام لغة ما يؤتم ويقتدى به فيتبع وإن لم يكن من العقلاء، ولهذا أطلق على اللوح والكتاب كما قال تعالى: (ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة) فسمى الكتاب إماماً على وجه.
وقد كان سنة ثلاثين لما سار حذيفة رضي الله عنه لبعض الغزوات وعاد قال لعثمان رضي الله تعالى عنه إني رأيت أمراً عجيباً رأيت الناس يقول بعضهم لبعض قراءتي خير من قراءتك، فإن تركوا ليختلفوا في القرآن فيكون لذلك أمر، فجمع عثمان الصحابة رضي الله عنهم واستشارهم فأشاروا عليه
50
بجمعهم على مصحف واحد فأرسل إلى حفصة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها لترسل الصحف لتنسخ، وكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه جمعها لما كثر قتل الصحابة رضي الله تعالى عنهم باليمامة وهو الجمع الأول، فأرسلتها إليه فأمر عثمان رضي الله تعالى عنه زيد بن ثابت وابن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث فنسخوها في مصاحف اختلف في عددها كما في شرح الرائية للسخاوي رحمه الله تعالى، وأرسل إلى كل مصر مصحفاً، وحرق ما سواها (١)، فسمى كل من تلك المصاحف إماماً لا المصحف الذي كان عند عثمان رضي الله تعالى عنه وحده كما قيل، ذكره الخفاجي.
والمستقيم المستوي والمراد به طريق الحق وملة الإسلام، قال ابن كثير أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعاً على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وهو كذلك في لغة جميع العرب وهي الملة الحنيفية السمحة المتوسطة بين الإفراط والتفريط.
وعن جابر بن عبد الله أنه قال هو دين الإسلام وهو أوسع مما بين السماء والأرض، وعن النواس بن سمعان عن رسول الله - ﷺ - قال ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تفرقوا، وداع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط الإسلام والسوران حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق واعظ الله تعالى في قلب كل مسلم (١)، قال ابن كثير، هو إسناد حسن صحيح.
وعن ابن مسعود هو كتاب الله وقيل السنة والجماعة، وعن أبي العالية هو رسول الله - ﷺ - وصاحباه من بعده، وعن الفضيل بن عياض أنه طريق الحج، وقيل معناه اهدنا صراط المستحقين للجنة، وعن ابن عباس أن معناه
_________
(١) صحيح الجامع الصغير/٣٧٨٢.
51
ألهمنا دينك الحق، وهو الأولى لاعتبار العموم.
52
(صراط الذين أنعمت عليهم) بدل كل من كل، وفائدته التوكيد والتنصيص على أن صراط المسلمين هو المشهود عليه بالاستقامة والاستواء على آكد وجه وأبلغِهِ بحيث لا يذهب الوهم عند ذكره إلا إليه، والإنعام إيصال النعمة والإحسان إلى الغير إذا كان من العقلاء، ونعم الله تعالى مع استحالة إحصائها ينحصر أصولها في دنيوي وأخروي، وأطلقه ليشمل كل إنعام، فإن نعمة الإسلام عنوان النعم كلها، فمن فاز بها فقد حازها بحذافيرها.
ثم المراد بالوصول هم الأربعة المذكورة في سورة النساء حيث قال (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً) وقال ابن عباس: هم قوم موسى وعيسى الذين لم يغيروا ولم يبدلوا وقيل هم أصحاب محمد - ﷺ - وأهل بيته وقيل هم الأنبياء خاصة وقيل مطلق المؤمنين، والأول أولى، وفيه الإشارة إلى الإقتداء بالسلف الصالح وهو غير التقليد.
52
(غير المغضوب عليهم) بدل كل من كل أي غير صراط الذين غضبت عليهم وهم اليهود لقوله تعالى فيهم (ومن لعنه الله وغضب عليه) قال القرطبي الغضب في اللغة الشدة وفي صفة الله إرادة العقوبة فهو صفة ذاته أو نفس العقوبة، ومنها حديث أن الصدقة لتطفىء غضب الرب فهو صفة فعله، وغضب الله لا يلحق عصاة الؤمنين، وإنما يلحق الكافرين، والعدول عن إسناد الغضب إليه تعالى كالإنعام جرى على منهاج الآداب التنزيلية في نسبة النعم والخيرات إليه عز وجل دون أضدادها، وفي (عليهم) عشر لغات وكلها صواب، قاله ابن الأنباري.
(ولا الضآلين) لا زائدة قاله الطبري والزمخشري وقيل هي تأكيد، حكاه مكي والمهدوي وقيل بمعنى غير قاله الكوفيون والمحلي أي وغير الضالين عن الهدى، وهم النصارى لقوله عز وجل (وقد ضلوا من قبل) الآية.
52
وأصل الضلال الغيبوبة والهلاك ومنه ضل اللبن في الماء أي غاب وقال القرطبي هو في لسان العرب الذهاب عن سنن القصد وطريق الحق، أخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن حبان وصححه قال: قال رسول الله - ﷺ -: " إن المغضوب عليهم هم اليهود (١)، وإن الضالين النصارى " ورواه أبو الشيخ عن عبد الله شقيق مرفوعاً، وابن مردويه عن أبي ذر مثله، وبه قال ربيع ابن أنس ومجاهد وابن جبير، وإنما سموا بها الاختصاص كل منهما بما غلب عليه، وقيل أراد المغضوب عليهم بالبدعة، والضالين عن السنة قاله القرطبي، وقيل اللفظ يعم الكفار والعصاة والمبتدعة لقول الله تعالى: في القاتل عمداً (وغضب الله عليه) وقال: (فماذا بعد الحق إلاّ الضلال) وقال: (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا) وقيل غير ذلك.
وأنت خبير بأن جعل الموصول عبارة عما ذكر من طائفة غير معينة مخل ببدلية ما أضيف إليه مما قبله، فالمصير إلى التفسير النبوي متعين وهو الذي أطبق عليه أئمة التفسير من السلف، قال ابن أبي حاتم لا أعلم خلافاً بين المفسرين في هذا التفسير، ويشهد له آيات من القرآن كما تقدم.
قال القرطبي: سورة الفاتحة مشتملة على أربعة أنواع من العلوم هي مناط الدين أحدها علم الأصول وإليه الإشارة بقوله (الحمد لله إلى الرحيم) ومعرفة النبوات وهي قوله (أنعمت عليهم) ومعرفة المعاد هي قوله (مالك يوم الدين) وثانيها علم الفروع وأعظمه العبادات وهي (إياك نعبد) والعبادة مالية وبدنية وثالثها علم الأخلاق وهو قوله (إياك نستعين إلى المستقيم) ورابعها علم القصص والأخبار عن الأمم السالفة السعداء منهم والأشقياء وهو المراد بقوله (أنعمت عليهم) إلى آخر السورة انتهى ملخصاً.
وللإمامين الغزالي والرازي في تقرير اشتمالها على علوم القرآن بسط كثير حتى استخرج الرازي منها عشرة آلاف مسألة، وأول السورة مشتمل على
_________
(١) يراجع تفسير القرطبي فقد أورد معاني كثيرة حول هذه الآية. ١/ ١٥٠.
53
الحمدَلَة وآخرها على الذم للمعرضين عن الإيمان، وذلك يدل على أن مطلع الخيرات وعنوان السعادات هو الإقبال على الله، ورأس الآفات وأُس المخالفات هو الإعراض عنه والبعد عن طاعته، وعاقبة ذلك الغضب والضلال.
واعلم أن السنة الصحيحة الصريحة الثابتة تواتراً قد دلت على مشروعية التأمين بعد قراءة الفاتحة، فمن ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي عن وائل بن حجر قال سمعت رسول الله - ﷺ - قرأ (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقال آمين مد بها صوته.
ولأبي داود رفع بها صوته، وقد حسنه الترمذي، وأخرجه أيضاً النسائي وابن أبي شيبة وابن ماجة والحاكم وصححه، وفي لفظ من حديثه أنه - ﷺ - قال " رب اغفر لي آمين " أخرجه الطبراني (١).
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي موسى قال: قال رسول الله - ﷺ - " إذا قرأ يعني الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يحبكم الله " وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وأحمد وابن أبي شيبة وغيرهم أن رسول الله - ﷺ - قال " إذا أمَّن الإمام فأمنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " (٢) زاد الجرجاني في أماليه " وما تأخر " قيل هم الحفظة، وقيل غيرهم من الملائكة، ويعني الذنوب الصغائر دون الكبائر.
وفي الباب أحاديث بين صحيح منها وضعيف.
وآمين اسم فعل بمعنى اللهم اسمع واستجب لنا وتقبل، عند أكثر أهل العلم قاله القرطبي وفي الصحاح معناه كذلك فليكن، وبه قال ابن عباس، وعنه قال: قلت يا رسول الله ما معنى آمين (٣) قال: " رب افعل " أخرجه جويبر في تفسيره، وعن هلال بن يساف ومجاهد قالا آمين اسم من أسماء الله، وقال الترمذي معناه لا تخيب رجانا، وقيل هو خاتم الله على عباده يدفع به عنهم
_________
(١) جزء من حديث صحيح الجامع/٣٤٨٠. " رب اغفر لي ".
(٢) مسلم/٤١٠ - البخاري/٤٧٤.
(٣) صحيح الجامع الصغير/٣٨٨.
54
الآثام، رواه الطبراني عن علي بسند ضعيف وعنه - ﷺ - أنه كالختم على الكتاب، رواه أبو داود، والأول أولى.
قيل وليس من القرآن إجماعاً بدليل أنه لم يثبت في المصاحف، وفيه لغتان المد وهو اسم عجمي لأنه بزنة قابيل وهابيل، والقصر على وزن يمين، قال مجنون ليلى:
(٤) مسلم ٨/من الحديث الجامع عن عمر بن الخطاب بينا نحن جلوس عند رسول الله وانظر الأربعين نووية الحديث الأول.
يارب لا تسلبني حبها أبدا ويرحم الله عبداً قال آمينا
أي بالمد وقال جبير لما سأل فطحلاً:
تباعد عني فطحل إذ سألته آمين فزاد الله ما بيننا بعدا
فذكره مقصوراً قال الجوهري وتشديد الميم خطأ، ولكنه روى عن الحسن وجعفر الصادق التشديد وبه قال الحسن بن الفضل من أم إذا قصد أي نحن قاصدون خيرك يا الله.
وهو مبني على الفتح مثل أين وكيف لاجتماع الساكنين ويقال منه أمن فلان تأميناً وهذه الكلمة لم تكن قبلنا إلا لموسى وهارون، كذا ذكر الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس بن مالك مرفوعاً، وقيل بل هي خاصة بهذه الأمة لما روي عن النبي - ﷺ - " ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين (١) " أخرجه ابن ماجة، وفي الباب أحاديث.
وقد اختلف أهل العلم في الجهر بها وفي أن الإمام يقولها أم لا. وذلك مبين في مواطنه، وكذلك اختلفوا في وجوب قراءة الفاتحة فذهب جمهور العلماء منهم مالك والشافعي وأحمد إلى وجوبها وإنها متعينة في الصلاة لا تجزيء إلا بها لقوله - ﷺ - " لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب (٢) " أخرجه الشيخان عن عبادة بن الصامت، وذهب أبو حنيفة إلى أنها لا تتعين على المصلي بل الواجب عليه قراءة آية من القرآن طويلة أو ثلاث آيات قصار لقوله تعالى (فاقرؤا ما
_________
(١) صحيح الجامع ٥٤٨٩.
(٢) صحيح الجامع/٧٣٨٨.
55
تيسر منه) والأول أرجح ويدل عليه حديث أبي هريرة قال. قال رسول الله - ﷺ - " لا تجزيء صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب " (١) أخرجه الدارقطني، وقال إسناده صحيح، والكلام في هذا يطول، وقد بينه الشوكاني في نيل الأوطار، وأوضحناه في مسك الختام، وسيأتي إن شاء الله تعالى في آخر الأعراف شيء مما يتعلق بهذا المقام.
هذا وقد اتفق أهل العلم على أن أعظم المقصود من تنزيل الكتاب العزيز هو إخلاص التوحيد لله عز وجل، وقطع علائق الشرك كائنة ما كانت وذلك لا يحتاج إلى أن تنقل فيه أقوال الرجال، أو يستدل عليه بالأدلة، فإنه الأمر الذي بعث الله لأجله رسله، وأنزل فيه كتبه، وفي هذا الإجمال ما يغني عن التفصيل، ومن شك في هذا فعليه بالتفكر بالقرآن الكريم فإنه سيجده من أعظم مقاصده وأكبر موارده، فإن عجز عن ذلك فلينظر في سورة من سوره.
فإن قلت: أريد منك مثالاً أقتدي به وأمشي على طريقته وأهتدي إلى التفكر الذي أرشدتني إليه بتقديم النظر فيه فنقول: ها نحن نقرب لك المسافة ونسهل عليك ما استصعبته هذه فاتحة الكتاب العزيز التي يكررها كل مصلٍ في كل صلاة ويفتتح بها التالي لكتاب الله والمتعلم له فإن فيها الإرشاد إلى إخلاص التوحيد في ثلاثين موضعاً.
الأول: قوله تعالى (بسم الله الرحمن الرحيم) فإن علماء المعاني والبيان ذكروا أنه يقدر المتعلق متأخراً ليفيد اختصاص البداية باسم الله تعالى لا باسم غيره، وفي هذا المعنى ما لا يخفى من إخلاص التوحيد.
الثاني: والثالث: الإسم الشريف أعني لفظ الله عز وجل، فإن مفهومه كما حققه علماء هذا الشأن الواجب الوجود المختص بجميع المحامد، فكان في هذا المفهوم إشارة إلى إخلاص التوحيد أحدهما تفرده بواجب الوجود، وثانيهما
_________
(١) الدارقطني١/ ٣٢١ (صحيح المعنى).
56
اختصاصه بجميع المحامد، فاستفيد من الاسم الشريف الذي أضيف إليه لفظ اسم هذان الأمران.
الرابع: تحلية الرحمن باللام فإنها من أدوات الاختصاص سواء كانت موصولة كما هو شأن آلة التعريف إذا دخلت على المشتقات أو لمجرد التعريف كما يكون إذا دخلت على غيرها من الأسماء والصفات، وقد أوضح هذا المعنى أهل البيان بما لا مزيد عليه.
الخامس: اللام الداخلة على قوله الرحيم والكلام فيها كالكلام في الرحمن.
السادس: اللام الداخلة على قوله (الحمد لله) فإنها تفيد أن كل حمد له لا يشاركه فيه غيره، وفي هذا أعظم دلالة على إخلاص توحيده.
السابع: لام الاختصاص الداخلة على الإسم الشريف، وقد تقرر أن الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الإختياري لقصد التعظيم فلا ثناء إلا عليه، ولا جميل إلا منه، ولا تعظيم إلا له، وفي هذا من أدلة إخلاص التوحيد ما لا يقادر قدره.
الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر قوله (رب العالمين) فإن لفظ الرب باعتبار معناه اللغوي مشعر أتم إشعار باخلاص توحيده هذا باعتبار معناه الإفرادي دون الإضافي، ثم في معناه الإضافي دلالة أخرى: فإن كونه رب العالمين يدل على ذلك أبلغ دلالة: ثم في لفظ العالمين معنى ثالث لما تقرر لغة وشرعاً أن العالم هو اسم لما عدا الله عز وجل؛ فيدخل في هذا كل شيء غير الله سبحانه فلا رب غيره؛ وكل ما عداه فهو مربوب؛ وصيغ الحصر إذا تتبعتها من كتب المعاني والبيان والتفسير والأصول بلغت ثلاث عشرة صيغة فصاعداً، ومن شك في هذا فليتبع كشاف الزمخشري فإنه سيجد فيه ما ليس له ذكر في كتب المعاني والبيان كالقلب فإنه جعله من مقتضيات الحصر، ولعله ذكر ذلك عند تفسيره للطاغوت وغير ذلك مما لا يقتضي المقام بسطه، ومع الإحاطة بصيغ الحصر المذكورة تكثر الأدلة الدالة على إخلاص التوحيد وإبطال
57
الشرك بجميع أقسامه، ولو أراد رجل أن يجمع ما ورد في هذا المعنى من الكتاب والسنة لكان مجلداً ضخماً.
ثم في تعريفه باللام معنى رابع كمثل ما قدمنا فإنها تفيد زيادة الإختصاص وتقرر ذلك المفهوم في هذا الموضع، ثم في صيغة الجمع معنى خامس بزيادة تأكيد وتقرير، فإن العالم إن كان اسماً لما عدا الله لم يكن جمعه إلا لمثل هذا المعنى، وعلى فرض انهدامه باللام فهو لا يقتضي ذهاب هذا المعنى المستفاد من أصل الجمع.
الثالث عشر والرابع عشر قوله (الرحمن الرحيم) وتقرير الكلام فيهما كما سلف.
الخامس عشر والسادس عشر: قوله (مالك يوم الدين) فإن لفظ مالك معناه الإفرادي من غير نظر إلى معناه الإضافي يفيد استحقاقه بإخلاص توحيده، ثم في معناه الإضافي إلى يوم الدين معنى ثان، فإن من كان له الملك في مثل هذا اليوم الذي هو يوم الجزاء لكل العباد وفيه لمجتمع العالم أولهم وآخرهم، سابقهم ولاحقهم، جنهم وإنسهم، وملائكتهم، فيه إشارة إلى استحقاقه إخلاص توحيده.
السابع عشر: ما يستفاد من نفس لفظ الدين من غير نظر إلى كونه مضافاً إليه.
الثامن عشر: ما يستفاد من تعريفه، فإن في ذلك زيادة إحاطة وشمول فإن ذلك الملك إذا كان في يوم هو يوم الدين الذي يشتمل على كل دين كان من له هذا الملك حقيقاً بأن يخلص العباد توحيده ويفردونه بالعبادة كما تفرد بملك يوم له هذا الشأن.
فإن قلت إن هذين المعنيين في لفظ (الدين) باعتبار أصله وباعتبار تعريفه قد أخذا في المعنى الإضافي حسبما ذكرته سابقاً. قلت لا تزاحم بين المقتضيات ولا يستنكر النظر إلى الشيء باعتبار معناه الإفرادي تارة وباعتبار معناه الإضافي أخرى، وليس ذلك بممنوع ولا محجور عند من يعرف العلم الذي تستفاد منه دقائق العربية وأسرارها وهم أهل علم المعاني والبيان.
58
التاسع عشر: والموفى والحادي والعشرون قوله (إياك نعبد) فإن تقديم الضمير معمولاً للفعل الذي بعده يفيد اختصاص العبادة به، ومن اختص بالعبادة فهو الحقيق بإخلاص توحيده، ثم مادة هذا الفعل أعني لفظ نعبد تفيد معنى آخر، ثم المجيء بنون الجماعة الموجبة لكون هذا الكلام صادراً عن كل من تقوم به العبادة من العابدين كذلك، فكانت الدلالات في هذه الجملة ثلاثاً (الأولى) في (إياك) مع النظر إلى الفعل الواقع بعده (الثانية) ما تفيده مادة نعبد مع ملاحظة كونها واقعة لمن ذلك الضمير عبارة عنه وإشارة إليه (الثالثة) ما تفيده النون مع ملاحظة الأمرين المذكورين ولا تزاحم بين المقتضيات.
الثاني والعشرون والثالث والعشرون والرابع والعشرون: قوله (وإياك نستعين) فإن تقديم الضمير معمولاً لهذا الفعل له معنى، ثم مادة هذا الفعل لها معنى آخر فإن من كان لا يستعان بغيره لا ينبغي أن يكون له شريك، بل يجب إفراده بالعبادة وإخلاص توحيده إذ وجود من لا يستعان به كعدمه. وتقرير الكلام في الثلاث الدلالات كتقريره في إياك نعبد فلا نعيده. الخامس والعشرون والسادس والعشرون والسابع والعشرون: قوله: (اهدنا الصراط المستقيم) فإن طلب الهداية منه وحده باعتبار كون هذا الفعل واقعاً بعد الفعلين اللذين تقدم معمولهما فكان له حكمهما وإن كان قد تغير أسلوب الكلام في الجملة، حيث لم يقل نستهدي أو نطلب الهداية حتى يصح أن يكون ذلك الضمير المتقدم المنصوب معمولاً له تقديراً، لكن مع بقاء المخاطبة وعدم الخروج عما يقتضيه لم يقطع النظر عن ذلك الضمير الواقع على تلك الصورة لتوسطه بين هذا الفعل؛ أعني اهدنا وبين من أسند اليه، ثم في ضمير الجماعة معنى يشير إلى استحقاقه سبحانه إخلاص التوحيد على الوجه الذي قدمناه في الفعلين السابقين. ثم في كون هذه الهداية هي هداية الصراط المستقيم التي هي الهداية بالحقيقة، ولا اعتبار بهداية إلى صراط لا استقامة فيه معنى ثالث يشير إلى ذلك المدلول.
59
الثامن والعشرون: قوله (صراط الذين أنعمت عليهم) فإن من يهدى إلى هذا الصراط الذي هو صراط من أنعم الله عليهم يستحق أن لا يشتغل بغيره ولا ينظر إلى سواه، لأن الإيصال إلى طرائق النعم هو المقصود من المشي والمراد بحركات السائرين، وذلك كناية عن الوصول إلى النعم نفسها إذ لا اعتبار بالوصول إلى طرائقها من دون وصول إليها، فكان وقوع الهداية على الصراط المستقيم نعمة بمجردها، لأن الاستقامة إذا تصورت عند تصور الاعوجاج كان فيها راحة بهذا الاعتبار، فكيف إذا كان ذلك كناية عن طريق الحق، فكيف إذا كان حقاً موصلاً إلى الفوز بنعم الله سبحانه.
التاسع والعشرون: قوله (غير المغضوب عليهم) ووجه ذلك أن الوصول إلى النعم قد يكون منغصاً مكدراً بشيء من غضب المنعم سبحانه، فإذا صفا ذلك عن هذا الكدر وانضم إلى الظفر بالنعم الظفر بما هو أحسن منها موقعاً عند العارفين، وأعظم قدراً في صدور المتقين، وهو رضا رب العالمين، كان في ذلك من البهجة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، ولا الوقوف على حقيقته ولا تصور معناه. وإذا كان المولى لهذه النعمة والمتفضل بها هو الله تعالى ولا يقدر على ذلك غيره ولا يتمكن منه سواه، فهو المستحق لإخلاص توحيده وإفراده بالعبادة.
الموفى ثلاثين: قوله (ولا الضآلين) ووجهه أن الوصول إلى النعم مع الرضا قد يكون مشوباً بشيء من الغواية، مكدراً بنوع من أنواع المخالفة وعدم الهداية، وهذا باعتبار أصل الوصول إلى نعمة من النعم مع رضا المنعم بها فإنه لا يستلزم سلب كون المنعم عليه على ضلالة لا باعتبار هذه النعمة الخاصة من هذا المنعم عز وجل.
ولما كان الأمر في الأصل هكذا كان في وصول النعم إلى المنعم عليه من المنعم بها مع كونه راضياً عليه غير غاضب عنه، إذا كان ذلك الوصول مصحوباً بكون صاحبه على ضلالة في نفسه قصور عن وصولها إلى من كان
60
جامعاً بين كونه واصلاً إلى المنعم فائزاً برضا المنعم عليه خالصاً من كدر كونه في نفسه على ضلالة، وتقرير الدلالة من هذا الوجه على إخلاص التوحيد كتقريرها في الوجه الذي قبله.
فهذه ثلاثون دليلاً مستفادة من سورة الفاتحة باعتبار ما يستفاد من تراكيبها العربية مع ملاحظة ما يفيده ما اشتملت عليه من تلك الدقائق والأسرار التي هي راجعة إلى العلوم الآلية، وداخلة فيما تقتضيه تلك الألفاظ بحسب المادة والهيئة والصورة مع قطع النظر عن التفسير بمعنى خاص قاله بعض السلف، أو وقف عنده من بعدهم من الخلف.
فإن قلت (١) هذه الأدلة التي استخرجتها من هذه السورة المباركة وبلغت بها إلى هذا العدد وجعلتها ثلاثين دليلاً على مدلول واحد، لم نجد لك فيها سلفاً ولا سبقك بها غيرك.
قلت: هذي شكاة ظاهر عنك عارها، واعتراض غير واقع موقعه، ولا مصادف محزه، فإن القرآن عربي، وهذا الاستخراج لما ذكرناه من الأدلة هو على مقتضى اللغة العربية، وبحسب ما تقتضيه علومها التي دونها الثقات، ورواها العدول الإثبات، وليس هذا من التفسير بالرأي الذي ورد النهي عنه، والزجر لفاعله، بل من الفهم الذي يعطاه الرجل في كتاب الله كما أشار إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في كلامه المشهور، وما كان من هذا القبيل فلا يحتاج فيه إلى سلف، وكفى بلغة العرب وعلومها المدونة بين ظهراني الناس وعلى ظهر البسيطة سلفاً.
وبالجملة فهذه ثلاثون موضعاً في فاتحة الكتاب يفيد كل واحد منها إخلاص التوحيد مع أن فاتحة الكتاب ليست الا سبع آيات، فما ظنك بما في سائر الكتاب العزيز، فذكرنا لهذه المواضع في فاتحة الكتاب كالبرهان على ما ذكرناه من أن في الكتاب العزيز من ذلك ما يطول تعداده وتتعسر الإحاطة به.
_________
(١) المقصود القارىء.
61

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة البقرة
قال القرطبي مدنية نزلت في مدد شتى، وقيل هي أول سورة نزلت بالمدينة الا قوله تعالى: (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) فإنها آخر آية نزلت من السماء. ونزلت يوم النحر في يوم حجة الوداع بمنى، قاله ابن عباس: وآيات الربا أيضاً من أواخر ما نزل من القرآن؛ وقد ورد في فضلها أحاديث وآثار كثيرة في الصحاح والسنن وغيرها؛ ومن فضائلها ما هو خاص بآية الكرسي وما هو خاص بخواتيم هذه السورة: وما هو في فضلها وفضل آل عمران: وما هو في فضل السبع الطوال، وليطلب ذلك من مواطنه.
وهي مائتان وست وقيل وسبع وثمانون آية. قال ابن العربي فيها ألف أمر. وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر، أخذها بركة؛ وتركها حسرة لا تستطيعها البطلة، وهم السحرة.
63
Icon