ﰡ
منها ابتدأت القراءة على شيخنا يوم السبت الثاني عشر شهر ربيع الآخر عام خمسة وسبعين وسبعمائة، الزمخشري: مكية، زاد ابن عطية: بإجماع. الزمخشري، وتسمى الواقية والمنجية، لأنها تقي قارئها من عذاب القبر، وذكر ابن عطية في ذلك أربعة أحاديث، وقد تقرر [أن*] أحاديث الفضائل كلها لم يصح [منها*] إلا أحاديث قليلة ليس هذا منها، ابن عطية: ويروى أن في التوراة سورة الملك من قرأها في ليلة فقد أجاد [وطيب*]. انتهى، الذي في التوراة الإخبار عنها لَا أنها كانت موجودة في التوراة، فهي [كوصفه*] ﷺ في التوراة.
قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ... (١)﴾
ابن عطية: من البركة، وهي التزيد في الخيرات، الزمخشري: تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين، قالوا: وهو خاص بأنه لَا يسند إلا إليه، انتهى، وهو من [الكلام*] المناسب لفظه معناه [... ] [**الباري وجرى للندب]، و (تبارك) غير منصرف، ولفظه بالله فمعناه، وهو البركة والنمو، ولا يعقل فيهما تغير ولا تبدل بوجه مناسب للفظه.
قوله تعالى: (بِيَدِهِ).
ابن عطية: عبارة عن تحقيق الملك، لأن اليد في عرف الآدميين هي آلة التملك فهي [اسْتِعَارَةٌ*]، وقال الزمخشري: [مجاز عن*] الإحاطة بالملك والاستيلاء [عليه*]. انتهى، ويحتمل على مذهب أهل السنة أن يراد باليد القدرة، ووقع التعبير عن اليد في القرآن تارة بالإفراد وتارة [بالتثبية*] وتارة بالجمع، ووجهه أنه إن كثرت متعلقات القدرة جمعت، وإن قلت: أفردت، وإن توسطت ثنيت، والمُلْك أعم من المِلْك؛ لأنه مهما وجد الأخص وجد الأعم، فمنهما وجد الملك ولا ينعكس، لأن سائر النَّاس يملكون العبيد والأرض والثياب [ولا مُلك لهم*]، فإن قلت: هل بينهما عموم [وخصوص*] من وجه دون وجه، لأنا قد نجد بعض السلاطين لَا تملك شيئا، مع [**أدلة] الملك؟ قلت: هذا محال وجوده أو قليل، وفي الآية المذهب الكلامي، وهو الإتيان بالحكم مقرونا بدليله، واختلف هل هو موجود في القرآن أو لَا؟ فمنع الجاحظ وجوده فيه وأثبته غيره، وتقدم القول فيه في سورة يس، وهو على قسمين: برهاني نظري، كقوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ)، وبرهاني ضروري،
قوله تعالى: (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
الزمخشري: على كل ما لم يوجد مما يدخل تحت القدرة انتهى، مذهب أهل السنة: أن المعدوم الممكن يطلق عليه شيء، ومذهب المعتزلة: أنه لَا يطلق عليه شيء، فإن أراد الزمخشري بقوله: مما لم يدخل تحت القدرة، [أنه بعض تخصيص*] فكلامه خطأ؛ للإجماع على أن [المعدوم*] المستحيل لَا يطلق عليه شيء، وإن كان ذلك الكلام منه تحقيقا لبيان لفظة (شيء)، فهو صواب، ابن عطية: وهو على كل موجود قدير، انتهى، إن قلنا: إن الأعراض [لا*] تبقى زمنين فظاهر، وإن قلنا: ببقائها، فيكون المراد، وهو على إعدام كل موجود قدير؛ لكن يرد عليه أن المشهور عندهم أن العدم الإضافي لَا تتعلق به القدرة، فينحصر الأمر إلى لفظة موجودة من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه، وهو على كل ما سيوجد قدير باعتبار إيجاده واختراعه، والآية حجة لأهل السنة في أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى؛ إلا أن يجيب الآخرون بأنها تنسب إليه، بأن خالق فاعلها فهو خالقها بواسطة، فهو قادر على كل شيء؛ إما مباشرة أو بواسطة، وإذا قلنا: إن المخاطب داخل تحت الخطاب، [فيكون*] دليلا على صحة إطلاق لفظة شيء على [القديم*] إلا أن يكون مخصوصا، وكذلك إن قلنا: يمنع إطلاق لفظة شيء على القديم، فإن الصفات عندنا كلها قديمة فيكون اللفظ مخصوصا بها.
قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ... (٢)﴾
الفخر في المحصول: مذهب أهل السنة: أن الموت أمر وجودي، ومذهب المعتزلة: أنه أمر عدمي، والآية حجة لأن الخلق هو الإبراز [من*] العدم إلى الوجود، الآخرون بأن خلق يكون بمعنى قدر، قال الله تعالى (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، انتهى، [نقول إن العدم الإضافي تتعلق به القدرة*]، ابن عطية: وما في الحديث من قوله الرسول صلى الله عليه وسلم: " [" يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ -زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ: فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَاتَّفَقَا فِي بَاقِي الْحَدِيثِ- فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، قَالَ: وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالَ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، قَالَ فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ*] "، فقال أهل العلم ذلك تمثال كبش يوقع الله العلم الضروري لأهل الدارين، إنه الموت الذي ذاقوه في الدنيا، ويكون ذلك التمثال حاملا للموت انتهى، وهو صحيح خرَّجه مسلمٌ، ووجه ما قال: إن الموت صفة معنوية وظاهر الحديث أنه مخصوص فتناول على أن الكبش حامل له في معناه أنه حامل لجوهر متصف بتلك الصفة المعنوية التي هي عرض من الأعراض وهي الموت، لأنه لو كان حاملا للموت لكان ميتا، ابن عطية: والموت والحياة
الأول: ما لفظاه [حقيقيان*]، وهي مطابقة بين محسوسين مثاله في الإيجاب، قوله تعالى: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ)، وقول الشاعر:
[أما والَّذِي أبكَى وأضحكَ والَّذِي | أماتَ وأحيَا والَّذِي أمْرُه الأَمْرُ*] |
الثاني: ما لفظه مجاز كقوله تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ)، أي ضالا فهديناه ومثله:
حلوُ الشمائِل وهوَ مرٌّ باسلٌ | يحمِي الذمارَ صبيحةَ الإرهاقِ |
له منظرٌ في العينِ أبيضُ ناصعٌ | ولكنّه في القلبِ أسودُ أسفَعُ |
قوله تعالى: ﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا... (٣)﴾
حديث الإسراء دال على [وجود*] الخرق بين السماوات.
قوله تعالى: (مِنْ تَفَاوُتٍ).
أي من [عدم*] الإتقان والإحكام.
قوله تعالى: (هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ).
[جاء*] بأداة الاستفهام، تنبيها على سؤال المخاطب، وأنه يجيب بالموافقة وكفى رؤية الفطور، لكنه من باب نفي الشيء بنفي الشيء، أو نفي الشيء بإثباته مثل "عَلَى لَاحِبٍ لَا يَهْتَدِي بِمَنَارِهِ"، أي ليس فطور [فتُرى*].
قوله تعالى: ﴿كَرَّتَيْنِ... (٤)﴾
الزمخشري: التثنية هنا [للتكثير*]، أي كرة بعد كرة، مثل لبيك وسعديك، يريد إجابات كثيرة بعضها في إثر بعض، ومن ذلك قولهم في المثل دهدرّين سعد القين أي باطلا بعد باطل. انتهى (٢)، القين هو الحذار، قال الأستاذ أبو محمد عبد الله ابن السيد البطليوسي في جوابه عن المسألة السادسة عشر من أسئلته: اختلف الرواة في حقيقة لفظ هذا المثل ومعناه وإعرابه فرده الأصمعي إلى دهدزين سعد القين ووجهه أنه كلمة واحدة، لأن أبا عبيدة صرح بأنه تثنية، وأهل اللغة ذكروا أنه يقال للباطل: دهدر
"فإن قلت: أتسمى هذا تعليقا؟ قلت: لا، إنما التعليق أن توقع بعده ما يسدّ مسدّ المفعولين جميعا، كقولك: علمت أيهما عمرو، وعلمت أزيد منطلق. ألا ترى أنه لا فصل بعد سبق أحد المفعولين بين أن يقع ما بعده مصدرا بحرف الاستفهام وغير مصدر به، ولو كان تعليقا لا فترقت الحالتان كما افترقتا في قولك: علمت أزيد منطلق. وعلمت زيدا منطلقا". اهـ
(٢) قوله «دهدرين... الخ» في القاموس بضم الدالين وفتح الراء المشددة: اسم لبطل، وللباطل والكذب كالدهدر. ودهدرين سعد القين: أى بطل سعد الحداد. أو أن فينا ادعى أن اسمه سعد زمانا، ثم تبين كذبه، فقيل له ذلك» أى: جمعت باطلا إلى باطل يا سعد الحصاد. ويروى منفصلا «ده» أمر من الدهاء، و «درين» من در: أى تتابع، أى: بالغ في الكذب يا سعد. وفيه غير ذلك. اهـ.
أحافِرَةً على صَلَعٍ وشَيْبٍ... مَعاذَ الله منْ سَفَهٍ وعارِ
موقع الرجوع الذي هو مصدر صحيح، أي ارجع إلى الصبا رجوعا بعد ما شبت وصلعت، والمعنى أكذب كذبتين يا سعد القين، وروي برفع مقدر إضافة القين إليه ودهدزين في هذا كله متصل، ورواه قوم (ده) منفصلا من دزين، وكان أبو زيد الكلابي يقول: ده دريه كذا رواه أبو عبيد عنه، ورواه ابن الأعرابي دهدرين سعد، ورواه معمر ابن المسني في كتاب المثال: دهدين وسعد القين، ورواه بعضهم دهدري سعد القين، بحذف النون وخفض سعد، وترك تنوينه، وروى يعقوب في الأمثال له دهدرين ساعد القين، قال: يريد سعد القين ذكر ذلك عن الأصمعي عن خلف الأسمر: أنه سمع أعرابيا يرويه كذلك، وقال أبو يزيد الأنصاري، يقال: للرجل يا هذا منه دهدرين وطرطبين ودهدري ودهدري، فأما من رواه (ده) منفصلا، فمعناه بالغ في الدهاء والكذب، ودرين من در الشيء [يدر*] إذا تتابع [**فتنوه] ومبالغة في [... ] كـ لبيك وسعديك ودواليك عده [**أمر ودرين] مصدره محمول على المعنى، وسعد اسم رجل منادى مفرد، والقين صفة أي بالغ مبالغتين في الكذب يا سعد القين، ومن رواه دهدريه فما لها فائدة على الكذب، لأن ده دليل عليه كقولهم من كذب: كان شرا له، ومن رواه دهدري بحذف النون وخفض سعد والقين، فليس اسم فعل، لأن أسماء الأفعال لَا تضاف كما لا تضاف الأفعال، بل هو مصدر هنا والعامل فيه فعل مضمر، أي كذب كذبتي سعد اسم رجل والقين صفته، وحذف التنوين من سعد لالتقاء الساكنين، وأما [... ] دهدرين سعد القين، فدهدر اسم رجل معروف بالكذب، فإذا كذب رجل شبه به أي هو مثله، وأطال الكلام فيه بما يرجع أكثره إلى هذا.
تأكيد هذه الجملة باعتبار المعطوف، لأن المعطوف عليه معلوم بالضرورة.
قوله تعالى: ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا... لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (٧)﴾
اقتضت هذه الآية سماعهم ذلك بعد الإلقاء في [النار*]، إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا، وهذا يقتضي سماعهم ذلك قبل الإلقاء، فيجعل سماعهم ذلك قبل وبعد.
قوله تعالى: [وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ... (١٠)]، وعلقه على [نَسْمَعُ*] دون سمعنا؛ لأن [نَسْمَعُ*] أبلغ لإفادته التجرد، والماضي إنما يفيد مطلق الوقوع منه، ويؤخذ من الآية أن السمع أفضل من البصر، لأنهم حصروا ما يكونون به كما عبر في السمع والعقل، فلو كان البصر أفضل أو مساويا لذكروه، وما قيل: [أيهما*] أبلغ، هل قولك: زيد في أصحاب العلم، أو من أصحاب العلم.
قوله تعالى: ﴿بِذَنْبِهِمْ... (١١)﴾
لم يقل: [بكفرهم*] بالوصف الأعم، لأنهم إذا [اعترفوا*] على الأعم، فأحرى الأخص، وأفرده تنبيها على أن المراد من ذلك الأعم أخصه، وهو شيء واحد، وهو الكفر، ويكون ذلك الذنب تنبيها على دخول العصاة.
قوله تعالى: ﴿قَوْلَكُمْ... (١٣)﴾
[حقيقة القول*] الذي هو أعم؛ لإطلاقه على المفردات والمركبات، فيتناول ما دونه من باب أحرى، باعتبار الصدق، والعطف وصيغة أفعل للتسوية.
قوله تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ... (١٤)﴾
الزمخشري: (مَنْ) لَا يصح أن [تكون فاعلا*]، والمفعول محذوف؛ لأنه يكون المراد ألا يعلم الخالق، أي لَا يتصف الخالق بالعلم، فلا يكون لقوله (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فائدة (١)؛ فرده صاحب التقريب: بأنه من باب تقييد المطلق، أي لَا يتصف بمطَلق العلم من هو موصوف بعلم كل شيء، وأجاب الطيبي: بأن العلم هنا ليس مطلقا، بل المراد به أخصه، وهو علم السر، [هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا (١٥) *] (٢) الامتنان بكون الأرض ذلولا لَا يتبادر منه للفهم الأمر [بالمشي*] فيها، ووقع الامتنان بنعمة الجلب والنفع.
"فإن قلت: قدرت في أَلا يَعْلَمُ مفعولا على معنى:
ألا يعلم ذلك المذكور مما أضمر في القلب وأظهر باللسان من خلق، فهلا جعلته مثل قولهم: هو يعطى ويمنع، وهلا كان المعنى: ألا يكون عالما من هو خالق، لأنّ الخلق لا يصح إلا مع العلم؟
قلت: أبت ذلك الحال التي هي قوله وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ لأنك لو قلت: ألا يكون عالما من هو خالق وهو اللطيف الخبير: لم يكن معنى صحيحا، لأنّ ألا يعلم معتمد على الحال.
والشيء لا يوقت بنفسه، فلا يقال: ألا يعلم وهو عالم، ولكن ألا يعلم كذا وهو عالم بكل شيء". اهـ.
(٢) زيادة ضرورية.
قوله تعالى: ﴿مَنْ فِي السَّمَاءِ... (١٦)﴾
فيه وجهين:
إما أنه من مجاز الأسماء، والتقدير من [في*] السماء أمره، لكن يلزم عليه حذف بعض الصلة.
وإما من مجاز التمثيل، فيكون لفظ السماء كناية عن العلو، أي [أأمنتم*] من اتصف بالعلو والرفعة، أن يخسف بكم الأرض، وتأوله الزمخشري بوجهين:
أحدهما: هذا، والثاني: أنه خطاب للكفار على دعواهم واعتقادهم أنه في السماء، ورد بأنه تفريع على دعوى باطلة، ولا يصح التفريع على الدعوى الباطلة، إلا بعد بيان الدليل على بطلانها، والمذهب الحق عند الأصوليين: أن الله منزه عن الجهة والمكان، إذ لو كان متصفا بالمكان للزم عليه إما عدم حدوث العالم، أو حدوث الذات الكريمة، لأن المكان من جملة مخلوقاته، فلو كان [في*] مكان للزم قدمه، أو حدوث من حل فيه، وغلط عياض في الإكمال في حديث سودة لما قال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اعتقها فإِنها مؤمنة، فذكر عياض فيه كلاما حاصله عدم تكفير من أثبت [الجهة*]، وهو باطل، وذكر مسلم حديث سودة في كتاب الصلاة، ولابن عبد البر فيه كلام باطل، وحكى القرطبي هنا قولا: أن المراد في الآية ملك العذاب، وهو جبريل، قال: قيل: إنه على حذف مضاف أي [أأمنتم*] خالق من في السماوات، وإفراد [السماء*] لأن المشاهد لنا سماء واحدة، ولأنه إذا حصل التخويف بمن في السماء، فأحرى أن يحصل بمن في الجميع، فيكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، والمراد بالخسف، إما مكانهم، أو جميع الأرض، والمراد بالحاصب إنزال الحجر عليهم؛ [اهتماما لجهة الفوق*]، لأنها المقصود بالنظر، فإن قلت: في سورة ص (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً)، بالإفراد، وقال: هنا (صَافَّاتٍ... (١٩).. ، بالجمع، قلت: لأن انعطاف الطير لازم لها دائما، بخلاف الحشر؛ فإنه خاص بزمن داود - عليه السلام - لبعض الطير، وهو طير وطنه الذي كان فيه، فناسب الإفراد. [وفي*] سورة النحل (مُسَخرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ)، والفرق [**أعم الجو].
قوله تعالى: (مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ).
قوله تعالى: (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ).
تفسير الفخر بعليم خطأ، لأن أهل السنة يفرقرن بين صفة العلم وصفة البصر، فإِن قلت: المناسب هنا العلم والقدرة لَا البصر، قلت: وجه المناسبة أن الإنسان لَا يبصر كل الطير، وإنما بعضها، فأشار إلى أن الله تعالى بصير بجميعها، والمراد بلفظة شيء هنا الموجود، لأن المعدوم [لَا يبصر*].
قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ... (٢٠)﴾
[أَمْ مَنْ يُشَارُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَجْمُوعِ*]
المشار إليه هنا مقدار الوجود، والمعنى أن تكذيبهم بالآيات وعدم الالتفات إليها إما لضلالهم واغترارهم، وإما لاعتقادهم أن لهم ناصرا ينصرهم ويحميهم من عذاب الله، [فلما*] انتفى الناصر؛ تعين أن ذلك مجرد مثلا لهم واغترارهم.
ترله تعالى: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ... (٢١)
لم يقل: هو يرزقكم بالبناء على المضمر، كما في التي قبلها، لأن هذا لم يدعه أحد، ولا يخالف فيه؛ خلاف الأول ونحوه، قال ابن هشام في قوله تعالى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى)، فإن قلت: لم قرن هذا بأداة الشرط فقال (إِنَّ أَمْسَكَ رِزقَهُ)، ولم يقرن الأول بها، فلم يقل: أم من هذا الذي ينصركم إن لم ينصركم الرحمن، [أوْ لا*] يذكر الشرط فيهما معا؟ فالجواب: أن الرزق لازم لهم لابد لهم منه، إذ لَا قوام لهم دونه، فإِمساكه عنهم مستبعد أو ممتنع، إذ لَا حياة لهم
قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ... (٢٢)﴾
إن قلت: هل هذا التركيب مضاد وتعكسه، وهو أفمن [يَمْشِي سَوِيًّا*] أهدى، أم من يمشي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ؟ فالجواب: أنه غير متناوله، لأنه يقرب التهكم بهم في كون حالتهم مساوية بحالة غيرهم، ولا يحصل ذلك إلا بالتصدير لهم، الزمخشري: يكب من أكب، وليس هو مطاوع كب انتهى، ولم يبين وجه كونه غير مطاوع، وبيانه أن فعل المطاوع هو الذي يقع سببه من غير فاعله، كقولك: كسرته فانكسر، وغير المطاوع منه مقصور على فعل فاعله، مثل قام وقعد، وأكب هذا، يقول: أكب لمن اتصف [بالانكباب*] ابتداء من غير أن يكبه أحد.
قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ... (٢٣)﴾
إنما أعاد لفظة (قُلْ)، هذه خاصة، لأن عرف القرآن أن لَا يعاد لفظ (قُلْ) إلا حيث يراد التشريف والتعظيم والتشديد في الحكم، ولما كان جميع الآيات المتقدمة الاتعاظ فيها بآي خارج عن ذات الإنسان، والوعظ في هذه في أمر راجع لذاته [فأفهم*]، وأبلغ في الاتعاظ، والحصر بالضمير، والموصول يقتضي ألا مصور إلا الله تعالى، فمن نظر وتأمل وتحقق أن ذلك لَا بد له من فاعل، والفاعل لَا يصح أن يكون له فاعل آخر، [لئلا*] يلزم عليه التسلسل، ودلالة التمانع تحقق أن لَا موجد له إلا الله عز وجل.
قوله تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ).
قوله تعالى: (قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ).
إن أريد العموم في المسلمين والكافرين، فالتقليل على حقيقته، وإن أريد الخصوص بالكفار؛ فالتقليل بمعنى العدم، مثل مررت بأرض قل ما تنبت [البقل*].
قوله تعالى: ﴿ذَرَأَكُمْ... (٢٤)﴾
الذرأ ثاني رتبة عن الخلق.
قوله تعالى: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٥)﴾
سماه [وعدًا*] مع أنه وعيد، إما لأنهم يسألون المؤمنين عن الثواب الذي يناله المؤمنون متى يكون، وإما وعد للمؤمنين وتبشير لهم بنصرهم عليهم، أي هذا الذي بشرتم به من نصركم علينا متى هو.
قوله تعالى: ﴿سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا... (٢٧)﴾
المراد بالوجوه إما الحقيقة، والمراد أنهم نالهم عذاب حقيقي تغيرت منه وجوههم فقط لمعاينته دون الحلول فيه، وإما مجاز عن [عذابهم كليا*] فيكون العذاب حسيا في جميع أبدانهم، أي لما عاينوه نالهم دخانه [وشرره*]، وغالب
قوله تعالى: ﴿آمَنَّا بِهِ... (٢٩)﴾
هذا ماض متصل بالحال، فهو بمعنى اسم الفاعل، وفيه دليل على جواز أن يقال: أنا مؤمن دون زيادة إن شاء الله تعالى، وتقدم الكلام على ذلك في سورة الأنفال، وأورد الزمخشري سؤالان: وهو لو قال (آمَنَّا بِهِ)، فأخر المجرور، ثم قال (وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا)، فقدمه، وأجاب: بأنه تعريض لهم لاتصافهم بعدم الإيمان انتهى، ويرد بأنه لو أريد التعريض بهم، لقيل به آمنا فيفيد الحصر والاختصاص، وإنما الجواب: أنه لما عهد في الشرع خصوصية التوكل بالله تعالى أتى به محصورا، وأتى به في الشرع عدم اختصاص الإيمان بالله تعالى، قال تعالى (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ)، وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ) الآية، وفي حديث القدر "أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ" الحديث فلذلك [لم يأت*] به محصورا.
قوله تعالى: (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).
استغنى بهذا عن ذكر [من لم يذمه*] أي ومن هو مهتدٍ.
قوله تعالى: [(إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا... (٣٠) *]
إن قلت: هلا قيل: إن أصبح ماؤكم عدما، فهو أعجب وأغرب، ولأن الزمخشري حكى عن بعض الشطار أنه قال: [تجيء به الفئوس*] والمعاول، فلو قيل: إن أعدم ماؤكم لما اغتر هذا الضال، وقال ما قال، لأن العدم لَا تخرجه [فئوس*]، بخلاف الغائر فإِنه يتوهم أن [الفئوس*] تكشف عنه؟ فالجواب: أن هذا أبلغ في باب التخويف، لأنهم إذا عجزوا وخوفوا بعدم إدراكهم الماء إذا غار في الأرض، فأحرى أن لَا يقدروا عليه إذا عدم من أصل.
قوله تعالى: (مَعِينٍ).
ابن عطية: فعيل من مَعَنَ الْمَاءَ، إذا [كَثُرَ*]، أو مفعول من العين أي جار على العين أصله معيون انتهى، اشتقاقه من العين الجارية صحيح، لكن كونه بمعنى مفعول باطل،
* * *