بسم الله الرحمن الرحيم سورة المرسلات وهي مكية في قول جمهور المفسرين وحكى النقاش انه قيل إن فيها من المدني قوله ‘ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون٢ ‘ المرسلات ٤٨ على قول من قال إنها حكاية عن حال المنافقين في القيامة وإنها بمعنى قوله تعالى ‘ يدعون الى السجود فلا يستطيعون٣ ‘ القلم ٤٢ وقال ابن مسعود نزلت هذه السورة ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء الحديث بطوله٤
٢ وهي الآية ٤٨ من السورة..
٣ من الآية ٤٢ من سورة القلم..
٤ أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن مردويه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذ نزلت عليه سورة (المرسلات عرفا) فإنه يتلوها، وإني لألقاها من فيه، وإن فاه لرطب بها، إذ وثبت عليه حية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اقتلوها، فاتبدرناها فذهبت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
وقيت شركم كما وقيتم شرها. (الدر المنثور)..
ﰡ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة المرسلاتوهي مكية في قول جمهور المفسرين، وحكى النقاش أنه قيل إن فيها من المدني قوله: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ [المرسلات: ٤٨] على قول من قال إنها حكاية عن حال المنافقين في القيامة، وإنها بمعنى قوله تعالى: يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ [القلم: ٤٢] وقال ابن مسعود: نزلت هذه السورة ونحن مع رسول الله ﷺ بحراء، الحديث بطوله.
قوله عز وجل:
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ١ الى ١٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤)فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (٧) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩)
وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥)
قال كثير من المفسرين: الْمُرْسَلاتِ، الرسل إلى الناس من الأنبياء كأنه قال: والجماعات المرسلات، وقال أبو صالح ومقاتل وابن مسعود: الْمُرْسَلاتِ الملائكة المرسلة بالوحي، وبالتعاقب على العباد طرفي النهار، وقال ابن مسعود أيضا وابن عباس ومجاهد وقتادة: الْمُرْسَلاتِ، الرياح، وقال الحسن بن أبي الحسن: الْمُرْسَلاتِ السحاب. وعُرْفاً معناه على القول الأول عُرْفاً من الله وإفضالا على عباده ببعثة الرسل.
ومنه قول الشاعر [الحطيئة] :[البسيط]
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه | لا يذهب العرف بين الله والناس |
[السريع] يا عجبا للميت الناشر وقال آخرون: النَّاشِراتِ التي تجيء بالأمطار تشبه بالميت ينشر، وقال أبو صالح: النَّاشِراتِ الأمطار التي تحيي الأرض، وقال بعض المتأولين: النَّاشِراتِ طوائف الملائكة التي تباشر إخراج الموتى من قبورهم للبعث فكأنهم يحيونهم، و «الفارقات» قال ابن عباس وابن مسعود وأبو صالح ومجاهد والضحاك: هي الملائكة تفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام. وقال قتادة والحسن وابن كيسان:
«الفارقات»، آيات القرآن، وأما الملقيات ذِكْراً فهي في قول الجمهور الملائكة. قال مقاتل جبريل وقال آخرون هي الرسل، وقرأ جمهور الناس: «فالملقيات» بسكون اللام أي تلقيه من عند الله أو بأمره إلى الرسل.
وقرأ ابن عباس فيما ذكر المهدوي، «فالملقيات» بفتح اللام والقاف وشدها، أي تلقيه من قبل الله تعالى، وقرأ ابن عباس أيضا «فالملقيات» بفتح اللام وشد القاف وكسرها، أي تلقيه هي الرسل، و «الذكر» الكتب المنزلة والشرائع ومضمناتها. واختلف القراء في قوله تعالى: عُذْراً أَوْ نُذْراً، فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وأبو جعفر وشيبة بسكون الذال في «عذر» وضمها في «نذر»، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وإبراهيم التيمي بسكون الذال فيهما، وقرأ طلحة وعيسى والحسن بخلاف، وزيد بن ثابت وأبو جعفر وأبو حيوة والأعمش عن أبي بكر عن عاصم بضمها فيهما.
فإسكان الذال على أنهما مصدران يقال عذر وعذير ونذر ونذير كنكر ونكير، وضم الذال يصح معه المصدر، ويصح أن يكون جمعا لنذير وعاذر للذين هما اسم فاعل، والمعنى أن الذكر يلقي بإعذار وإنذار أو يلقيه معذورون ومنذرون، وأما النصب في قوله عُذْراً أَوْ نُذْراً فيصح إذا كانا مصدرين أن يكون ذلك على البدل من الذكر، ويصح أن يكون على المفعول للذكر كأنه قال فَالْمُلْقِياتِ أن يذكر عُذْراً، ويصح أن يكون عُذْراً مفعولا لأجله أي يلقي الذكر من أجل الإعذار، وأما إذا كان عُذْراً أَوْ نُذْراً جمعا فالنصب على الحال. وقرأ إبراهيم التيمي «عذرا ونذرا» بواو بدل أَوْ. وقوله تعالى: إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ هو الذي وقع عليه القسم والإشارة إلى البعث، و «طمس النجوم» : إزالة ضوئها واستوائها مع سائر جرم السماء، و «فرج السماء» : هو بانفطارها حتى يحدث فيها فروج، و «نسف
وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة: ٢] وغير ذلك، ثم أثبت الويل لِلْمُكَذِّبِينَ في ذلك اليوم، والمعنى لِلْمُكَذِّبِينَ به في الدنيا وبسائر فصول الشرع، و «الويل» : هو الحرب والحزن على نوائب تحدث بالمرء، ويروى عن النعمان بن بشير وعمار بن ياسر أن واديا في جهنم اسمه «ويل».
قوله عز وجل:
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ١٦ الى ٢٨]
أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠)
فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥)
أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨)
قرأ جمهور القراء «ثم نتبعهم» بضم العين على استئناف الخبر، وقرأ أبو عمرو فيما روي عنه «ثم نتبعهم» بجزم العين عطفا على نُهْلِكِ وهي قراءة الأعرج وبحسب هاتين القراءتين يجيء التأويل في الْأَوَّلِينَ، فمن قرأ الأولى جعل الْأَوَّلِينَ الأمم التي قدمت قريشا بأجمعها، ثم أخبر أنه يتبع الْآخِرِينَ من قريش وغيرهم سنن أولئك إذا كفروا وسلكوا سبيلهم. ومن قرأ الثانية جعل الْأَوَّلِينَ قوم نوح وإبراهيم ومن كان معهم، والْآخِرِينَ قوم فرعون وكل من تأخر وقرب من مدة محمد صلى الله عليه وسلم. وفي حرف عبد الله «وسنتبعهم» ثم قال كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ أي في المستقبل فتدخل هنا قريش وغيرها من الكفار، وأما تكرار وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ في هذه السورة فقيل إن ذلك لمعنى التأكيد فقط، وقيل بل في كل آية منها ما يقتضي التصديق، فجاء الوعد على التكذيب بذلك الذي في الآية. ثم وقف تعالى على أصل الخلقة الذي يقتضي النظر فيها تجويز البعث. و «الماء المهين» : معناه الضعيف وهو المني من الرجل والمرأة. و «القرار المكين» : الرحم أو بطن المرأة، و «القدر المعلوم» : وقت الولادة ومعلوم عند الله في شخص، فأما عند الآدميين فيختلف، فليس بمعلوم قدر شخص بعينه. وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ونافع والكسائي «فقدّرنا» بشد الدال، وقرأ الباقون «فقدرنا» بتخفيف الدال، وهما بمعنى من القدرة، والقدر من التقدير والتوقيف. وقوله الْقادِرُونَ يرجح قراءة الجماعة. أما أن ابن
وقال بنان خرجنا مع الشعبي إلى جنازة فنظر إلى الجبانة فقال: هذه كفات الموتى، ثم نظر إلى البيوت فقال: هذه كفات الأحياء، وكانت العرب تسمي بقيع الغرقد كفتة لأنها مقبرة تضم الموتى، وفي الحديث «خمروا آنيتكم وأوكئوا أسقيتكم واكفتوا صبيانكم وأجيفوا أبوابكم وأطفئوا مصابيحكم». ودفن ابن مسعود قملة في المسجد ثم قرأ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً.
قال القاضي أبو محمد: ولما كان القبر كِفاتاً كالبيت قطع من سرق منه. و «الرواسي» : الجبال، لأنها رست أي ثبتت، و «الشامخ» : المرتفع، ومنه شمخ بأنفه أي ارتفع واستعلى شبه المعنى بالشخص، و «أسقى» معناه: جعله سقيا للغلات والمنافع، وسقى معناه للشفة خاصة، هذا قول جماعة من أهل اللغة.
وقال آخرون هما بمعنى واحد. و «الفرات» : الصافي العذب، ولا يقال للملح فرات وهي لفظة تجمع ماء المطر ومياه الأنهار وخص النهر المشهور بهذا تشريفا له وهو نهر الكوفة، وسيحان هو نهر بلخ، وجيحان هو دجلة، والنيل نهر مصر. وحكي عن عكرمة أن كل ماء في الأرض فهو من هذه، وفي هذا بعد والله أعلم.
قوله عز وجل:
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ٢٩ الى ٤٠]
انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (٣١) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤) هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨)
فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠)
الضمير في قوله انْطَلِقُوا، هو لِلْمُكَذِّبِينَ [الإنسان: ١٩- ٢٤] الذين لهم الويل يقال لهم انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ من عذاب الآخرة، ولا خلاف في كسر اللام من قوله انْطَلِقُوا في هذا الأمر الأول، وقرأ يعقوب في رواية رويس «انطلقوا إلى ظل» بفتح اللام على معنى الخبر، وقرأ جمهور الناس «انطلقوا» بكسر اللام على معنى تكرار، الأمر الأول وبيان المنطلق إليه، وقال عطاء الظل الذي له ثَلاثِ شُعَبٍ هو دخان جهنم، وروي أنه يعلو من ثلاثة مواضع يراه الكفار فيظنون أنه مغن فيهرعون إليه فيجدونه على أسوأ وصف. وقال ابن عباس: المخاطبة إنما تقال يومئذ لعبدة الصليب إذا اتبع كل واحد ما كان يعبد فيكون المؤمنون في ظل الله ولا ظل إلا ظله، ويقال لعبدة الصليب انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ معبودكم
كأنها برج رومي يشيده... لز بجص وآجر وجيار
وقال ابن عباس أيضا: «القصر» : خشب كان في الجاهلية يقطع من جزل الحطب من النخل وغيره على قدر الذراع وفوقه ودونه يستعد به للشتاء يسمى «القصر» واحده قصرة وهو المراد في الآية، وإنما سمي القصّار لأنه يخبط بالقصرة، وقال مجاهد: «القصر» حزم الحطب. وهذه قراءة الجمهور، وقرأ ابن عباس وابن جبير «القصر» جمع قصرة وهي أعناق النخل والإبل وكذلك أيضا هي في الناس، وقال ابن عباس جذور النخل، وقرأ ابن جبير أيضا والحسن: «كالقصر» بكسر القاف وفتح الصاد، وهي جمع قصرة كحلقة وحلق من الحديد، واختلف الناس في «الجمالات»، فقال جمهور من المفسرين: هو جمع جمال على تصحيح البناء كرجال ورجالات، وقال آخرون أراد ب «الصفر» السود، وأنشد على ذلك بيت الأعشى:
[الخفيف]
تلك خيلي منه، وتلك ركابي... هن صفر أولادها كالزبيب
وقال جمهور الناس: بل «الصفر» الفاقعة لأنها أشبه بلون الشرر بالجمالات، وقرأ الحسن «صفر» بضم الصاد والفاء، وقال ابن عباس وابن جبير: «الجمالات» قلوس من السفن وهي حبالها العظام إذا جمعت مستديرة بعضها إلى بعض جاء منها أجرام عظام، وقال ابن عباس: «الجمالات» قطع النحاس الكبار وكان اشتقاق هذه من اسم الجملة، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «جمالة» بكسر الجيم لحقت التاء جمالا لتأنيث الجمع فهي كحجر وحجارة، وقرأ ابن عباس وأبو عبد الرحمن والأعمش:
«جمالة» بضم الجيم، وقرأ باقي السبعة والجمهور وعمر بن الخطاب «جمالات» على ما تفسر بكسر الجيم، وقرأ ابن عباس أيضا وقتادة وابن جبير والحسن وأبو رجاء بخلاف عنهم «جمالات» بضم الجيم، واختلف عن نافع وأبي جعفر وشيبة وكان ضم الجيم فيهما من الجملة لا من الجمل وكسرها من الجمل لا من الجملة. ولما ذكر تعالى المكذبين قال مخاطبا لمحمد ﷺ هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ أي يوم القيامة أسكتتهم الهيبة وذل الكفر، وهذا في موطن قاض بأنهم لا يَنْطِقُونَ فيه إذ قد نطق القرآن بنطقهم ربنا أخرجنا، ربنا أمتنا. فهي مواطن. ويَوْمُ مضاف إلى قوله لا يَنْطِقُونَ. وقرأ الأعرج والأعمش وأبو حيوة «هذا يوم» بالنصب لما أضيف إلى غير متمكن بناه فهي فتحة بناء وهو في موضع رفع، ويحتمل أن يكون ظرفا وتكون الإشارة ب هذا إلى رميها بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ، وقوله فَيَعْتَذِرُونَ معطوف على يُؤْذَنُ ولم ينصب في جواب النفي لتشابه رؤوس الآي، والوجهان جائزان، وقوله تعالى: هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ مخاطبة للكفار يومئذ. و «الأولون» المشار إليهم قوم نوح وغيرهم
قوله عز وجل:
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ٤١ الى ٥٠]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥)
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠)
ذكر تعالى حالة الْمُتَّقِينَ بعقب ذكر حالة أهل النار ليبين الفرق، و «الظلال» في الجنة عبارة عن تكائف الأشجار وجودة المباني وإلا فلا شمس تؤذي هنالك حتى يكون ظل يجير من حرها. وقرأ الجمهور «في ظلال»، وقرأ الأعرج والأعمش «في ظلل» بضم الظاء، و «العيون» : الماء النافع، وقوله تعالى: مِمَّا يَشْتَهُونَ إعلام بأن المأكل والمشرب هنالك إنما يكون برسم شهواتهم بخلاف ما هي الدنيا عليه، فإن ذلك فيه شاذ ونادر، والعرف أن المرء يرد شهوته إلى ما يقتضيه وجده. وهنا محذوف يدل عليه اللفظ تقديره يقال لهم كُلُوا وهَنِيئاً نصب على الحال، ويجوز أن يكون نصبه على جهة الدعاء، والكاف في قوله إِنَّا كَذلِكَ كاف تشبيه، والإشارة بذلك إلى ما ذكره من تنعيم أهل الجنة، وقوله تعالى: كُلُوا وَتَمَتَّعُوا مخاطبة لقريش على معنى قل لهم يا محمد، وهذه صيغة أمر معناها التهديد والوعيد، وقد بين ذلك قوله قَلِيلًا، ثم قرر لهم الإجرام الموجب لتعذيبهم، وقال من جعل السورة كلها مكية: إن هذه الآية نزلت في المنافقين، وقال مقاتل: نزلت في ثقيف لأنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: حط عنا الصلاة فإنا لا ننحني فإنها سبة، فأبى رسول الله ﷺ وقال: «لا خير في دين لا صلاة فيه».
وقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ قيل هي حكاية عن حال المنافقين في الآخرة إذا سجد الناس فأرادوا هم السجود فانصرفت أصلابهم إلى الأرض وصارت فقاراتهم كصياصي البقر، قاله ابن عباس وغيره. وقال قتادة في آخرين هذه حال كفار قريش في الدنيا كان رسول الله ﷺ يدعوهم وهم لا يجيبون، وذكر الركوع عبارة عن جميع الصلاة، هذا قول الجمهور، وقال بعض المتأولين عنى بالركوع التواضع كما قال الشاعر: [الطويل] ترى الأكم فيها سجدا للحوافر أي متذللة، وتأول قتادة الآية قاصدة الركوع نفسه. وقال: عليكم بحسن الركوع، والذي أقول إن ذكر الركوع هنا وتخصيصه من بين سائر أحوال العبادة إنما كان لأن كثيرا من العرب كان يأنف من الركوع والسجود ويراها هيئة منكرة لما كان في أخلاقهم من العجرفة، ألا ترى أن بعضهم قد سئل فقيل له: كيف