تفسير سورة الفيل

تفسير ابن عطية
تفسير سورة سورة الفيل من كتاب المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز المعروف بـتفسير ابن عطية .
لمؤلفه ابن عطية . المتوفي سنة 542 هـ
وهي مكية إجماعا من الرواة.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الفيل
وهي مكية بإجماع الرواة.
قوله عز وجل:
[سورة الفيل (١٠٥) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤)
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)
كَيْفَ نصب بفعل والجمهور على أنه فيل واحد، وقال الضحاك: ثمانية، فهو اسم الجنس وقوله مردود، وحكى النقاش: ثلاثة عشر، وهذه السورة تنبيه على الاعتبار في أخذ الله تعالى لأبرهة ملك الحبشة ولجيشه حين أم به الكعبة ليهدمها، وكان صاحب فيل يركبه، وقصته مشروحة في السير الطويلة، واختصاره أنه بنى في اليمن بيتا وأراد أن يرد إليه حج العرب، فذهب أعرابي فأحدث في البيت الذي بنى أبرهة فغضب لذلك واحتفل في جموعه وركب الفيل وقصد مكة، وغلب من تعرضه في طريقه من قبائل العرب، فلما وصل ظاهر مكة وفر عبد المطلب وقريش إلى الجبال والشعاب، وأسلموا له البلد، وغلب طغيانه، ولم يكن للبيت من البشر من يعصمه ويقوم دونه، جاءت قدرة الواحد القهار وأخذ العزيز المقتدر، فأصبح أبرهة ليدخل مكة ويهدم الكعبة فبرك فيله بذي الغميس ولم يتوجه قبل مكة فبضعوه بالحديد فلم يمش إلى ناحية مكة وكان إذا وجهوه إلى غيرها هرول، فبينا هم كذلك في أمر الفيل بعث الله عَلَيْهِمْ طَيْراً جماعات جماعات سودا من البحر وقيل خضرا، عند كل طائر ثلاثة أحجار في منقاره ورجليه وكل حجر فوق العدسة ودون الحمصة فرمتهم بتلك الحجارة، فكان الحجر منها يقتل المرمي وتتهرى لحومهم جذريا، وأسقاما، فانصرف أبرهة بمن معه يريد اليمن فماتوا في طريقهم متفرقين في كل مرحلة، وتقطع أبرهة أنملة أنملة حتى مات وحمى الله بيته المرفع، فنزلت الآية منبهة على الاعتبار بهذه القصة، ليعلم الكل أن الأمر كله لله، ويستسلموا للإله الذي ظهرت في ذلك قدرته، حين لم تغن الأصنام شيئا ف «أصحاب الْفِيلِ» : أبرهة الملك ورجاله، وقرأ أبو عبد الرحمن: «ألم تر» بسكون الراء، و «التضليل» الخسار والتلف، و «الأبابيل» :
جماعات تجيء شيئا بعد شيء، قال أبو عبيدة: لا واحد له من لفظه وهذا هو الصحيح لا ما تكلفه بعض النحاة وقال [معبد بن أبي معبد الخزاعي] :[البسيط]
523
وقد تقدم تفسير «حجارة السجيل» غير مرة، وهي من سنج وكل أي ماء وطين، كأنها الآجر ونحوه مما طبخ، وهي المسومة عند الله تعالى للكفرة الظالمين، و «العصف» : ورق الحنطة وتبنه ومنه قول علقمة بن عبدة: [البسيط]
كادت تهد من الأصوات راحلتي إذ سارت الأرض بالجرد الأبابيل
تسقى مذانب قد مالت عصيفتها حدورها من أتيّ الماء مطموم
والمعنى صاروا طينا ذاهبا كورق حنطة أكلته الدواب وراثته فجمع المهانة والخسة وأتلف، وقرأ أبو الخليج الهذلي «فتركتهم كعصف»، قال أبو حاتم، وقرأ بعضهم: «فجعلتهم» يعنون الطير بفتح اللام وتاء ساكنة، وقال عكرمة: العصف حب البر إذا أكل فصار أجوف، وقال الفراء: هو أطراف الزرع قبل أن يسنبل، وهذه السورة متصلة في مصحف أبي بن كعب بسورة لِإِيلافِ قُرَيْشٍ لا فصل بينهما، وقال سفيان بن عيينة: كان لنا إمام يقرأ بهما متصلة سورة واحدة.
524
Icon