تفسير سورة الفيل

مراح لبيد
تفسير سورة سورة الفيل من كتاب مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المعروف بـمراح لبيد .
لمؤلفه نووي الجاوي . المتوفي سنة 1316 هـ

سورة الفيل
مكية، خمس آيات، ثلاث وعشرون كلمة، ستة وتسعون حرفا
أَلَمْ تَرَ أي ألم تخبر يا أشرف الخلق، أو ألم تعلم علما رصينا باستماع الأخبار المتواترة ومعاينة الآثار الظاهرة كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١) قال قتادة: إن قائد الجيش اسمه أبرهة الأشرم من الحبشة، فقال سعيد بن جبير: هو أبو الكيشوم أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) والهمزة للتقرير أي قد جعل ربك كيدهم في تخريب الكعبة في إبطال بأن دمرهم أشنع تدمير، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣) أي طوائف.
روى ابن سيرين عن ابن عباس قال: كانت تلك الطير طيرا لها خراطيم كخراطيم الفيل، وأكف كأكف الكلاب، وروى عطاء عنه قال: طير سود جاءت من قبل البحر فوجا فوجا، وقيل:
كانت بلقاء كالخطاطيف كما قالته عائشة، وقال سعيد بن جبير: كانت طيرا من السماء لم ير قبلها ولا بعدها مثلها.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
إنها طير بين السماء والأرض تعشش وتفرخ
تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) أي طين متحجر مصنوع للعذاب، وقيل بحجارة من جهنم فإن سجين اسم من أسماء جهنم، فأبدلت النون باللام فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥) أي كورق زرع أكلته الدود، روي أن أبرهة بن الصباح الأشرم ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي بنى كنيسة بصنعاء وسماها القليس، وأراد أن يصرف ليها الحاج، فخرج من بني كنانة رجل وتغوط فيها ليلا فأغضبه ذلك فحلف ليهدمنّ الكعبة فخرج مع جيشه، ومعه فيل اسمه محمود كان قويا عظيما واثنا عشر فيلا غيره فلما بلغ قريبا من مكة وهو المغمس وهو في أرض الحل قريب من عرفة خرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع، فأبى وعبأ جيشه وقدم الفيل محمودا فكانوا كلما وجهوه إلى جهة الحرم برك ولم يبرح، وإذا وجهوه إلى غيرها من الجهات هرول، ثم رجع عبد المطلب وأتى البيت وأخذ بحلقته وهو يقول:
لا هم إن المرأ يمنع حله فامنع حلالك
663
وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك
لا يغلبن صليبهم... ومحالهم عدوا محالك
إن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدا لك ويقول أيضا:
يا رب لا أرجو لهم سواكا... يا رب فامنع عنهم حماكا
إن عدو البيت من عاداكا... امنعهم أن يخربوا قراكا
فالتفت وهو يدعو فإذا هو بطير من نحو اليمن، فقال: والله إنها لطير غريبة ليست بنجدية ولا تهامية، وكان مع كل طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة فكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره وعلى كل حجر اسم من يقع عليه ففروا فهلكوا، ودوى أبرهة فتساقطت أنامله وأعضاؤه وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشي فقص عليه القصة فلما أتمها وقع عليه الحجر وخر ميتا بين يديه، وهذه القصة وقعت في السنة التي ولد فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
664
Icon