ﰡ
مكية، هي عشرون آية، اثنتان وثمانون كلمة، ثلاثمائة وعشرون حرفا
لا قال الأخفش هي مزيدة أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وهو مكة وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) أي أنت نازل في هذا البلد، أو أنت في حل مما صنعت في هذا البلد، فإن الله فتح مكة عليه صلّى الله عليه وسلّم وما فتحت على أحد قبله، ولا أحلت له فأحل صلّى الله عليه وسلّم فيها ما شاء وحرم ما شاء. قتل عبد الله بن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة، ومقيس بن صبابة وغيرهما وحرم دار أبي سفيان، ثم قال: إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي، ولن تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار فلا يعضد شجرها، ولا يختلي خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد،
فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقيوننا وقبورنا وبيوتنا، فقال صلّى الله عليه وسلّم إلا الإذخر
وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) فالوالد آدم وما ولد بنوه، وقيل كل والد وولده لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤) أي في اعتدال القامة، أو في تعب فإنه لا يزال يقاسي فنون الشدائد من وقت نفخ الروح إلى حين نزعها، وما وراءه، وليس في هذه الدنيا لذة ألبتة فالذي يظن الإنسان أنه لذة فهو خلاص عن الألم، وما يتخيل من اللذة عند الأكل فهو خلاص عن ألم الجوع، وما يتخيل من اللذة عند اللبس، فهو خلاص عن ألم الحر والبرد، فليس للإنسان إلا ألم، أو خلاص عن ألم، فإذا لا بد بعد هذه الدار من دار أخرى لتكون تلك الدار دار اللذات والسعادات والكرامات أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) أي أيحسب الإنسان بقوته أنه لن يقدر على بعثه ومجازاته، أو على تغيير أحواله أحد
وهو الله تعالى يَقُولُ أي الإنسان كلدة بن أسيد أو الوليد بن المغيرة أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً (٦) أي أنفقت مالا كثيرا في عداوة محمد عليه الصلاة والسلام، فلم ينفعني ذلك شيئا.
وقرأ أبو جعفر بتشديد الباء مفتوحة، وقرأ مجاهد وحميد بضم الباء واللام مخففا، والباقون بضم اللام وكسرها وفتح الباء مخففا، أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أي أيحسب هذا الإنسان أنه لم يره أحد، وهو الله تعالى حين كان ينفق وأنه تعالى لا يسأله عن إنفاقه ولا يجازيه
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) أي فهلا تلبس من أنفق ماله بمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر، أو فلم يشكر تلك النعم الجليلة بتحصيل الأعمال الصالحة، وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) أي أي شيء أعلمك ما الدخول في صعاب الطريق فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أي هي إعتاق رقبة، أو إعطاء مكاتب ما يصرفه إلى جهة فكاك نفسه، أو تخليص شخص من قود، أو غرم، أو فك المرء رقبة نفسه باجتناب المعاصي وفعل الطاعات التي يصير بها إلى الجنة ويتخلص بها من النار، فهذه هي الحرية الكبرى أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) أي مجاعة يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أي ذا قرابة أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦) أي ذا افتقار كأنه لصق بالتراب من ضره، فليس فوقه ما يستره، ولا تحته ما يفرشه.
قرأ نافع، وابن عامر، وعاصم، وحمزة بصيغة المصدر في «فك» و «إطعام» وهو خبر مبتدأ محذوف، والباقون بصيغة الفعل فيهما على الإبدال من «اقتحم» المنفي بلا كأنه قيل:
فلا فك رقبة ولا أطعم فلا مكررة في المعنى، فلا يقال: إن لا لا تدخل على الماضي إلا مكررة، ثُمَّ كانَ أي مكتسب الطاعات داخل الأمور الصعاب مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ أي أوصى بعضهم بعضا بالصبر على أداء الطاعات وعلى المرازي، وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أي بالرحمة على عباده فقوله: وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ إشارة إلى التعظيم لأمر الله وقوله: وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ إشارة إلى الشفقة على خلق الله ومدار أمر الطاعات ليس إلا على هذين الأصلين فإن الأصل في التصوف أمران صدق مع الحق، وخلق مع الخلق أُولئِكَ أي الموصوفون بتلك الصفة أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) أي الجانب الذي فيه البركة والنجاة من كل هلكة، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا أي بما نصبناه دليلا على الحق من كتاب وحجة هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) أي الخصلة المكسبة للحرمان عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠) أي مطبقة فلا يخرجون منها أبدا. قرأ أبو عمرو، وحفص، وحمزة بالهمزة، والباقون بواو ساكنة.