ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة البلد (٩٠) : آية ١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١)في لا ثلاثة أقوال: قال الأخفش: تكون صلة فهذا قول، وقيل: هي بمعنى ألا ذكره أيضا الأخفش، والقول الثالث قول أهل التأويل، روى الحسن «١» عن مجاهد قال: «لا» ردّ لكلامهم ثم ابتدأ أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ. قال أبو جعفر: في قوله جلّ وعزّ الْبَلَدِ ثلاثة أقوال: يكون نعتا لهذا، ويكون بدلا، وأولاها الثالث أن يكون عطف البيان والنحويون يذكرون عطف البيان على جملته وما علمت أن أحدا بيّنه والفرق بينه وبين البدل إلا ابن كيسان، قال: الفرق بينهما أن معنى البدل أن تقدّر الثاني في موضع الأول وكأنك لم تذكر الأول، ومعنى عطف البيان أن يكون تقدر أنك إن ذكرت الاسم الأول لم يعرف إلا بالثاني وإن ذكرت الثاني لم يعرف إلا بالأول فجئت مبينا للأول قائما له مقام النعت والتوكيد. قال: وبيان هذا في النداء يا أخانا زيد أقبل على البدل كأنك رفعت الأول وقلت: يا زيد: فإن أردت عطف البيان قلت: يا أخانا زيدا أقبل.
[سورة البلد (٩٠) : آية ٢]
وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢)
قال الأخفش: حلّ وحلال وحرم وحرام.
[سورة البلد (٩٠) : آية ٣]
وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣)
وَوالِدٍ واو عطف لا واو قسم، وكذا وَما وَلَدَ وقال أبو عمران الجوني:
وَوالِدٍ إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم وولده، وروي عن ابن عباس الوالد الذي ولد، وَما وَلَدَ ولده.
قال أبو جعفر: وهذا على أنه عام وكأنه أبين ما يقال: ويكون التقدير ووالد وولادته حتى يكون «ما» للمصدر.
[سورة البلد (٩٠) : آية ٤]
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤)قال أبو جعفر: قد ذكرناه، ومن أبين ما قيل في معناه قول عطاء قال: في كبد في مكابدة للأمور. قال الحسن: يكابد السرّاء والضرّاء، وليس أحد يكابد الأمور ما يكابد ابن آدم، وقال سعيد بن أبي الحسن: يكابد أمر الدنيا وأمر الآخرة وقال مجاهد: يكون نطفة وعلقة ولا يزال في مكابدة. فهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد، وهو أبين ما قيل فيها أي يكابد الأمور ويعالجها. فهذا الظاهر من كلام العرب في معنى كبد. قال ذو الإصبع العدواني: [البسيط] ٥٦٣-
لي ابن عمّ لو أنّ النّاس في كبد | لظلّ محتجرا بالنّبل يرميني «١» |
[سورة البلد (٩٠) : آية ٥]
أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥)
قيل يعني بهذا الكافر أي أيحسب أن لن يقدر الله عليه فيعاقبه فخبر جلّ ثناؤه بجهله.
[سورة البلد (٩٠) : آية ٦]
يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً (٦)
قيل: يدافع بهذا عن فعل الخيرات، وقيل: قال هذا تندّما، ويدلّ على هذا الجواب ما بعده. قال أبو جعفر: يكون لبد جمع لبدة، وقد يكون واحدا مثل حطم، وروي عن أبي جعفر أنه قرأ لبدا جمع لا بد، وعن مجاهد أنه قال قرأ لبدا جمع لبود، ولا نعلم اختلافا في معناه أنه الكثير.
[سورة البلد (٩٠) : آية ٧]
أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧)
والأصل يرأه قلبت حركة الهمزة على الراء فانفتحت وسقطت الهمزة. قال أبو جعفر: وما علمت أحدا من النحويين تكلّم في علّة الهمزة لم تسقط إذا ألقيت حركتها على ما قبلها إلّا علي بن سليمان، سألته عنه قال: لمّا سقطت حركة الهمزة وسكنت وكانت الراء قبلها ساكنة فحرّكت حركة عارضة فكان حكمها حكم الساكن وبعدها ساكن فحذف ما بعدها وهو الهمزة.
(٢) الشاهد للبيد في ديوانه ١٦٠، وتذكرة النحاة ص ١١٨، والخصائص ٣/ ٣١٨، ولسان العرب (كبد)، وبلا نسبة في الخصائص ٢/ ٢٠٥ ولسان العرب (عدل)، وصدره:
«يا عين هلّا بكيت أربد إذ»
[سورة البلد (٩٠) : الآيات ٨ الى ٩]
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩)اللّسان يذكّر ويؤنّث فمن ذكره جمعه ألسنة، ومن أنّثه قال: ألسن. قال: وفي تصغيره لسيّن بتشديد الياء ولسينة بتخفيفها. والأصل في شفة شفهة، والدليل على ذلك جمعها وتصغيرها واشتقاق الفعل منها.
[سورة البلد (٩٠) : آية ١٠]
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)
مفعول ثان حذفت منه إلى على قول البصريين، وكذا أنشد سيبويه: [الكامل] ٥٦٥- كما عسل الطّريق الثّعلب «١» عنده أنه حذف منه الحرف، وعند الكوفيين أنه ظرف مثل أمام وقدام.
[سورة البلد (٩٠) : آية ١١]
فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١)
يقال: سبيل «لا» في مثل هذا أن تأتي متكررة مثل فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى [القيامة: ٣١]، وأن سيبويه قد أجاز إفرادها، وأنشد: [مجزوء الكامل] ٥٦٦-
من صدّ عن نيرانها... فأنا ابن قيس لا براح «٢»
وخالفه محمد بن يزيد وجعل هذا اضطرارا. فأما الآية ففيها معنى التكرير لأنه جلّ وعزّ قد بيّن معنى العقبة بما هو مكرّر. قال قتادة: النار عقبة دون الجنة.
[سورة البلد (٩٠) : الآيات ١٢ الى ١٣]
وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣)
التقدير اقتحام العقبة أن يفكّ رقبة كما روى أبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «من أعتق رقبة أعتق الله سبحانه بكل عضو منها عضوا منه من النار» «٣» قال أبو هريرة: حتّى ذكره بذكره، وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو عمرو وابن كثير والكسائي فَكُّ «٤» رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ثم تكلّم النحويون في هذا فاختار الفرّاء «٥» هذه القراءة واحتج بأن بعده ثم كانّ أي فلمّا عطف بكان وهي فعل ماض على الأول وجب أن يكون «فكّ» ليعطف فعلا ماضيا على فعل ماض، واختار الأخفش وأبو حاتم وأبو عبيد القراءة الأخرى. قال أبو جعفر: الديانة تحظر الطعن على القراءة التي قرأ بها الجماعة، ولا يجوز أن تكون مأخوذة إلا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد قال عليه السّلام: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» «٦» فهما قراءتان حسنتان لا
(٢) مرّ الشاهد رقم (٣).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه ٨/ ١٨١، والترمذي في سننه ١٥٤١، والبغوي في شرح السنة ٩/ ٣٥١، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ٥/ ٢٠٢.
(٤) انظر تيسير الداني ١٨١.
(٥) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٦٥.
(٦) أخرجه الترمذي في سننه- القراءات ١١/ ٦٠ وأبو داود الحديث رقم (١٤٧٥).
ألا أيّهذا اللّائمي أحضر الوغى | وأن أشهد اللّذّات هل أنت مخلدي «٢» |
[سورة البلد (٩٠) : آية ١٧]
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧)
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا أي ثبت على الإيمان، وقيل: ثم للإخبار وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أعيد الفعل والباء توكيدا.
[سورة البلد (٩٠) : آية ١٨]
أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨)
أي يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، وبأهل النار ذات الشمال إلى النار.
[سورة البلد (٩٠) : آية ٢٠]
عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠)
«٥» من أخذه من أصد فسبيله أن يهمز، ومن أخذه من أوصد لم يجز همزه.
(٢) الشاهد لطرفة بن العبد في ديوانه ٣٢، والكتاب ٣/ ١١٥، والإنصاف ٢/ ٥٦٠، وخزانة الأدب ١/ ١١٩، والدرر ١/ ٧٤، وسرّ صناعة الإعراب ١/ ٢٨٥، وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٠٠، ولسان العرب (أنن) و (دنا)، والمقاصد النحوية ٤/ ٤٠٢، والمقتضب ٢/ ٨٥، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١/ ٤٦٣، والدرر ٣/ ٣٣، ورصف المباني ١١٣، وشرح ابن عقيل ص ٥٩٧، وشرح المفصل ٢/ ٧ ومجالس ثعلب ٣٨٣، ومغني اللبيب ٢/ ٣٨٣.
(٣) انظر الإتحاف ٢٧١.
(٤) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٦٥.
(٥) انظر تيسير الداني ١٨١. [.....]