ﰡ
مدنية، قال الواحدي: إنها أول سورة نزلت بالمدينة، خمس آيات، ولاثون كلمة، مائة وأحد وعشرون حرفا
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) أي إنا أنزلنا القرآن جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ على كتبة ملائكة سماء الدنيا إلى بيت العزة منها، ثم نجمته السفرة على جبريل فكان جبريل ينزله على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نجوما في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع، والحاجة إليه ومعنى القدر التقدير، وسميت ليلة القدر بذلك لأن الله تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره إلى مثلها من السنة القابلة من أمر الموت، والأجل، والرزق وغير ذلك، ويسلمه إلى مدبرات الأمور وهم أربعة من الملائكة: إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبريل عليهم السلام، والجمهور على أنها مختصة برمضان واختلفوا في تعيينها، وقال بعضهم: إنها ليلة السابع والعشرين
لأن فيها أمارات ضعيفة منها: ما روي أن عمر سأل الصحابة عن ليلة القدر، ثم قال لابن عباس: غص يا غواص، فقال زيد بن ثابت: أحضرت أولاد المهاجرين، وما أحضرت أولادنا فقال عمر: لعلك تقول إن هذا غلام، ولكن عنده ما ليس عندكم، فقال ابن عباس: أحب الإعداد إلى الله تعالى الوتر وأحب الوتر إليه السبعة فذكر السموات السبع، والأرضين السبع، والأسبوع، ودركات النار، وعدد الطواف، والأعضاء السبعة فدل ذلك العدد على أنها السابعة والعشرون ومنها قول ابن عباس: إن هذه السورة ثلاثون كلمة، وقوله تعالى: هِيَ هو سابع وعشرون ومنها ما نقل عن ابن عباس أنه قال: ليلة القدر تسعة أحرف وهو مذكور ثلاث مرات فتكون الجملة سبعة وعشرين، ومنها ما روي أنه كان لعثمان بن أبي العاص عبد فقال: يا مولاي إن البحر يعذب ماؤه ليلة من الشهر، قال: إذا كانت تلك الليلة فاعلمني فإذا هي السابعة والعشرون، وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) أي ما غاية فضلها ومنتهى علو قدرها، ثم بين الله فضلها من ثلاثة أوجه، أو أربعة بقوله تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر أي إن العبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. قال مجاهد: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد حتى يمسي فعل ذلك ألف شهر فتعجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
أعطيتك يا أشرف الخلق ليلة هي في السعادات الدينية أفضل من السعادات الدنيوية في أيام ملك بني أمية، ومن المعلوم أن الطاعة في ألف شهر أشق من الطاعة في ليلة واحدة لكن الفعل الواحد قد يختلف حاله في الحسن والقبح بسبب اختلاف الوجوه. ألا ترى أن صلاة الجماعة تفضل على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة مع أن صلاة الجماعة قد تنقص صورة فإن المسبوق سقطت عنه ركعة واحدة وأيضا فأنت إذا قلت لمن يرجم بالزنا هذا زان فلا بأس، ولو قلته للنصراني فهو قذف يوجب التعزير ولو قلته للمحصن فهو قذف يوجب الحد، ولو قلته في حق عائشة كان ذلك القول كفرا، ثم القائل بقوله: هذا زان قد ظن أن هذه اللفظة سهلة مع أنها أثقل من الجبال، فثبت بهذا أن الأفعال تختلف آثارها في الثواب والعقاب لاختلاف وجوهها فلا يبعد أن تكون الطاعة القليلة في الصورة مساوية في الثواب للطاعات الكثيرة. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) روي أنه إذا كان ليلة القدر تنزل الملائكة، وهم سكان سدرة المنتهى، وجبريل ومعه أربعة ألوية فينصب لواء على قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولواء على ظهر بيت المقدس، ولواء على ظهر المسجد الحرام، ولواء على ظهر طور سيناء ولا يدع بيتا فيه مؤمن أو مؤمنة إلا دخله وسلم عليه يقول: يا مؤمن أو يا مؤمنة السلام يقرئكم السلام إلا على مدمن خمر، وقاطع رحم، وآكل لحم خنزير، وقوله: بإذن ربهم متعلق ب «تنزّل» أو بمحذوف هو حال من فاعله أي متلبسين بأمر ربهم فإنهم لا يتصرفون تصرفا ما إلا بأمره، وقوله: «من كل أمر» متعلق ب «تنزّل» أي تنزل أولئك في تلك الليلة من أجل كل أمر قضاه الله تعالى لتلك السنة إلى عام قابل، فكل واحد منهم نزل لأمر آخر.
عن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنه قال: «إن الله يقدر المقادير في ليلة البراءة»
أي وهو نصف شعبان فإذا كان ليلة القدر يسلمها إلى أربابها، وقرئ «من كل امرئ» أي من أجل كل إنسان فإن الملائكة يرون في الأرض أنواع الطاعات التي لم يروها في عالم السموات. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥) ف «سلام» خبر مقدم و «هي» مبتدأ مؤخر أي تلك الليلة سالمة عن الرياح والأذى والصواعق، ومن كل آفة كما قاله أبو مسلم، وابن عباس و «حتى» متعلق ب «تنزّل» أي أن الملائكة ينزلون فوجا فوجا من ابتداء الليل إلى طلوع الفجر فترادف النزول لكثرة سلامهم على أهل الصوم