تفسير سورة القدر

تفسير ابن جزي
تفسير سورة سورة القدر من كتاب التسهيل لعلوم التنزيل المعروف بـتفسير ابن جزي .
لمؤلفه ابن جُزَيِّ . المتوفي سنة 741 هـ
سورة القدر
مكية وآياتها ٥ نزلت بعد عبس

سورة القدر
مكية وآياتها ٥ نزلت بعد عبس بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة القدر) اختلف الناس في ليلة القدر على ستة عشر قولا وهي أنها ليلة إحدى وعشرين من رمضان، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين، فهذه خمسة أقوال في ليالي الأوتار من العشر الأواخر من رمضان، على قول من ابتدأ عدّتها من أول العشر. وقد ابتدأ بعضهم عدتها من آخر الشهر، فجعل ليالي الأوتار ليلة ثلاثين، لأنها الأولى وليلة ثمان وعشرين لأنها الثانية، وليلة ستة وعشرين لأنها الخامسة، وليلة أربع وعشرين، لأنها السابعة وليلة اثنين وعشرين لأنها التاسعة فهذه خمسة أقوال أخر. فتلك عشرة أقوال والقول الحادي عشر أنها تدور في العشر الأواخر، ولا تثبت في ليلة واحدة منه. الثاني عشر أنها مخفية في رمضان كله وهذا ضعيف لقوله صلى الله عليه وسلم: التمسوها في العشر الأواخر «١». الثالث عشر: أنها مخفية في العام كله. الرابع عشر أنها ليلة النصف من شعبان وهذان القولان باطلان لأن الله تعالى قال: إنا أنزلناه في ليلة القدر وقال شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، فدل ذلك على أن ليلة القدر في رمضان. القول الخامس عشر أنها رفعت بعد النبي ﷺ وهذا ضعيف.
القول السادس عشر أنها ليلة سبعة عشر من رمضان لأن وقعة بدر كانت صبيحة هذه الليلة.
وأرجح الأقوال أنها ليلة إحدى وعشرين من رمضان أو ليلة ثلاث وعشرين أو ليلة سبع وعشرين فقد جاءت في هذه الليالي الثلاث أحاديث صحيحة خرجها مسلم وغيره والأشهر أنها ليلة سبع وعشرين إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ الضمير في أنزلناه للقرآن، دل على ذلك سياق الكلام، وفي ذلك تعظيم للقرآن من ثلاثة أوجه: أحدها أنه ذكر ضميره دون اسمه الظاهر دلالة على شهرته والاستغناء عن تسميته، الثاني أنه اختار لإنزاله أفضل الأوقات والثالث أن الله أسند إنزاله إلى نفسه وفي كيفية إنزاله في ليلة القدر قولان: أحدهما أنه ابتدأ إنزاله فيها والآخر أنه أنزل القرآن فيها جملة واحدة إلى السماء ثم نزل به جبريل إلى الأرض بطول عشرين سنة وقيل: المعنى أنزلناه في شأن ليلة القدر وذكرها وهذا ضعيف
(١). رواه أحمد عن جابر بن سمرة ج ٥ ص ٨٦.
وسميت ليلة القدر من تقدير الأمور فيها أو من القدر بمعنى الشرف، ويترجح الأول بقوله فيها يفرق كل أمر حكيم
وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ هذا تعظيم لها، قال بعضهم: كل ما قال فيه ما أدراك فقد علمه النبي ﷺ وما قال فيه ما يدريك فإنه لا يعلمه لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ معناه أن من قامها كتب الله له أجر العبادة في ألف شهر، قال بعضهم يعني في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وفي الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ قال: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه «١» وسبب الآية أن رسول الله تعالى عليه وسلم ذكر رجلا ممن تقدم عبد الله ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك ورأوا أن أعمارهم تنقص عن ذلك، فأعطاهم الله ليلة القدر وجعلها خيرا من العبادة في تلك المدة الطويلة.
وروي أن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما عوتب حين بايع معاوية فقال:
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى في المنام بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، وأعلمه أنهم يملكون أمر الناس ألف شهر، فاهتم لذلك، فأعطاه الله ليلة القدر وهي خير من ملك بني أمية ألف شهر، ثم كشف الغيب أنه كان من بيعة الحسن لمعاوية إلى قتل مروان الجعدي آخر ملوك بني أمية بالمشرق ألف شهر تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ الروح هنا جبريل عليه السلام، وقيل: صنف من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا تلك الليلة وتنزّلهم هو إلى الأرض، وقيل: إلى السماء الدنيا وهو تعظيم لليلة القدر ورحمة للمؤمنين القائمين فيها مِنْ كُلِّ أَمْرٍ هذا متعلق بما قبله، والمعنى أن الملائكة ينزلون ليلة القدر من أجل كل أمر، يقضي الله في ذلك العام. فإنه روي أن الله يعلم الملائكة بكل ما يكون في ذلك العام من الآجال والأرزاق وغير ذلك، ليمتثلوا ذلك في العام كله، وقيل: على هذا المعنى أن من بمعنى الباء أي ينزلون بكل أمر وهذا ضعيف وقيل: إن المجرور يتعلق بعده والمعنى أنها سلام من كل أمر أي سلامة من الآفات، قال مجاهد: لا يصيب أحد فيها داء.
والأظهر أن الكلام تمّ عند قوله: من كل أمر. ثم ابتدأ قوله: سلام هي واختلف في معنى سلام فقيل إنه من السلامة وقيل: إنه من التحية، لأن الملائكة يسلمون على المؤمنين القائمين فيها، وكذلك اختلف في إعرابه فقيل: سلام هي مبتدأ وخبر وهذا يصح سواء جعلناه متصلا مع ما قبله أو منقطعا عنه، وقيل: سلام. خبر مبتدأ مضمر تقديره: أمرها سلام أو: القول فيها سلام. وهي مبتدأ خبره حتى مطلع «٢» الفجر أي هي دائمة إلي طلوع الفجر، ويختلف الوقف باختلاف الإعراب وقال ابن عباس: إن قوله هي إشارة إلى أنها ليلة سبع وعشرين، لأن هذه الكلمة هي السابعة والعشرين من كلمات السورة.
(١). رواه أحمد ج ٢ ص ٤٠٨ عن أبي هريرة وهو في الصحيحين أيضا.
(٢). قرأ الكسائي: مطلع بكسر اللام والباقون بفتحها.
﴿ ليلة القدر خير من ألف شهر ﴾ معناه : أن من قامها كتب الله له أجر العبادة في ألف شهر، قال بعضهم : يعني في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه "، وسبب الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا ممن تقدم عبد الله ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك، ورأوا أن أعمارهم تنقص عن ذلك، فأعطاهم الله ليلة القدر، وجعلها خيرا من العبادة في تلك المدة الطويلة، وروي أن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما عوتب حين بايع معاوية، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، وأعلمه أنهم يملكون أمر الناس ألف شهر، فاغتم لذلك فأعطاه الله ليلة القدر وهي خير من ملك بني أمية ألف شهر، ثم كشف الغيب أنه كان من بيعة الحسن لمعاوية إلى قتل مروان الجعدي آخر ملوك بني أمية بالمشرق ألف شهر.
﴿ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم ﴾ الروح هنا جبريل عليه السلام، وقيل : صنف من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا تلك الليلة، وتنزلهم هو إلى الأرض، وقيل : إلى السماء الدنيا، وهو تعظيم لليلة القدر، ورحمة للمؤمنين القائمين فيها.
﴿ من كل أمر ﴾ هذا متعلق بما قبله، والمعنى أن الملائكة ينزلون ليلة القدر من أجل كل أمر يقضي الله في ذلك العام، فإنه روي أن الله يعلم الملائكة بكل ما يكون في ذلك العام من الآجال والأرزاق وغير ذلك ليمتثلوا ذلك في العام كله، وقيل على هذا المعنى : إن " من " بمعنى " الباء "، أي : ينزلون بكل أمر، وهذا ضعيف، وقيل : إن المجرور يتعلق بعده، والمعنى أنها سلام من كل أمر، أي : سلامة من الآفات. قال مجاهد : لا يصيب أحد فيها داء، والأظهر أن الكلام تم عند قوله :﴿ من كل أمر ﴾، ثم ابتدأ قوله :﴿ سلام هي ﴾.
﴿ سلام هي ﴾ واختلف في معنى سلام، فقيل : إنه من السلامة، وقيل : إنه من التحية ؛ لأن الملائكة يسلمون على المؤمنين القائمين فيها، وكذلك اختلف في إعرابه، فقيل : سلام هي مبتدأ وخبر، وهذا يصح سواء جعلناه متصلا مع ما قبله، أو منقطعا عنه، وقيل : سلام خبر مبتدإ مضمر تقديره أمرها سلام، أو القول فيها سلام، وهي مبتدأ خبره حتى مطلع الفجر، أي : هي دائمة إلى طلوع الفجر، ويختلف الوقف باختلاف الإعراب. وقال ابن عباس : إن قوله ﴿ هي ﴾ إشارة إلى أنها ليلة سبع وعشرين ؛ لأن هذه الكلمة هي السابعة والعشرين من كلمات السورة.
Icon