تفسير سورة المدّثر

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة المدثر من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة المدثر (١)

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - أصله المُتَدَثِّر، وهو الذي يتدثر ثيابه، لينام أو ليستدفئ، يقال: تدثر بثوبه، والدِّثار: اسم لما يتدثر به، ثم أدغمت التاء في الدال، لتقارب [مخرجيهما] (٢) (٣)
قال ابن عباس: يريد (٤) النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتدثر فرقًا (٥) من جبريل (٦) -عليه السلام- (٧).
قال المفسرون (٨): هذا من أوائل ما نزل من القرآن، ولما بدئ رسول
(١) مكية بقول المفسرين: انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٢، و"الكشف والبيان" جـ: ١٢: ٢٠٤/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٢.
(٢) في (أ): مخرجيها: وغير واضحة في (ع)، ولعل الصواب ما أثبته.
(٣) انظر: مادة: دثر في: "تهذيب اللغة" ١٤/ ٨٨، ولعله نقله عن الأزهري بتصرف، وانظر أيضًا: "الصحاح" ٢/ ٦٥٥، و"لسان العرب" ٤/ ٢٧٦، و"المصباح المنير" ١/ ٢٢٥.
(٤) في (ع): بياض.
(٥) فرقًا: خوفًا وفزعًا، وسبق بيان ذلك في أول سورة المزمل.
(٦) قوله: من جبريل: بياض في (ع).
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٨) ممن ساق هذه الرواية من المفسرين: عبد الرزاق في تفسيره: ٢/ ٣٢٧، والثعلبي، وعزاها إلى جابر بن عبد الله، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٤/ ب، و٢٠٥/ أ. وانظر رواية جابر في: "صحيح البخاري" ٣/ ٣٢٨، ح ٤٩٥٤ التفسير: باب ٩٦، ومسلم: ١/ ١٤٤ ح ٢٥٧: كتاب الإيمان، باب بدء الوحي، والنسائي في =
393
الله -صلى الله عليه وسلم- بالوحي أتاه (١) جبريل، فرآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سرير بين السماء والأرض (٢) كالنور المتلألئ، ففزع ووقع مغشيًّا (٣) عليه، فلما أفاق دخل على خديجة، ودعا بماء فصبه عليه، وقال: دثروني (دثروني) (٤)، فدثروه بقطيفة (٥)، فأتاه جبريل وهو متقنع (٦) بالقطيفة فقال: يا أيها المدثر، قم فأنذر كفار مكة العذاب إن لم يوحدوا ربك.
قال ابن عباس: قم نذيرًا للبشر (٧).
= "المجتبى" ٥/ ٤٢٨ ح ٣٣٢٥، وفي التفسير ٢/ ٤٧٦ ح ٦٥١، و"مسند الإمام أحمد" ٣/ ٣٠٦، ونص الرواية عن جابر كما جاء في الصحيح: عن يحيى بن أبي كثير، سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قال: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾، قلت: يقولون: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١)﴾. فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن ذلك، وقلت له مثل الذي قلت، فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت، فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئًا، ونظرت أمامي فلم أر شيئًا، ونظرت خلفي فلم أر شيئًا، فرفعت رأسي فرأيت شيئًا، فأتيت خديجة فقلت: دثروني وصُبُّوا علي ماء باردًا، قال: فدثروني وصبوا علي ماء باردًا، قال: فنزلت: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)﴾. و"زاد المسير" ٨/ ١٢٠، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٢، وانظر: "أسباب النزول" ٣٣٠.
(١) بياض في (ع).
(٢) بياض في (ع).
(٣) مغشيًّا: غشي عليه غَشية وغشيا وغشيانًا: أغمي، فهو مَغْشي عليه. "لسان العرب" ١٥/ ١٢٧، مادة: (غشا).
(٤) ساقطة من: (أ).
(٥) القطيفة: دثار مُخمل، والجمع قَطائف وقُطف.
انظر: مادة: (قطف): "الصحاح" ٤/ ١٤١٧، و"المصباح المنير" ٢/ ٦١٥.
(٦) متقنع: المقنع: المغطي رأسه. "لسان العرب" ٨/ ٣٠١، مادة: (قنع).
(٧) "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٩٠.
394
٣ - قوله تعالى: ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)﴾ قال الكلبي: فعظم مما تقول له عبدة الأوثان (١).
وقال مقاتل: وربك فعظم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الله أكبر كبيرًا"، فكبرت خديجة (رضي الله عنها) (٢)، وفرحت (٣)، وعلمت أنه أوحي (٤) إليه (٥).
وقال أبو إسحاق: وربك فكبر، أي: صفْهُ بالتعظيم. قال: ودخلت الفاء على معنى جواب [الجزاء] (٦)، كما دخلت في (فأنذر)، والمعنى: قم فكبر ربك (٧)، وكذلك ما بعده على هذا التأويل.
وقال أبو الفتح (الموصلي) (٨): يقال: زيدًا فاضرب، وعمرًا فاشكر، [وبمحمد امرر] (٩)، وتقديره: زيدًا اضرب، وعمرًا اشكر، وبمحمد فامرر، وعلى هذا قوله (١٠): ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدثر: ٣ - ٥] ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾ [المدثر: ٧] على تقدير حذف "الفاء" من كلها (١١). فعنده أن "الفاء" زائدة.
(١) المرجع السابق.
(٢) ساقط من: (ع).
(٣) في (ع): خديجة، وهي زيادة في الكلام.
(٤) في (ع): الوحي.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢١٤/ ب برواية خرجت بدلاً من فرحت، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٩.
(٦) الخبر في كلا النسختين، والمثبت من "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٥.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٥ بتصرف.
(٨) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٩) وبمحمد فامرر. هكذا وردت في النسختين، وأثبت ما جاء في "سر صناعة الإعراب" لصوابه: ١/ ٢٦٠.
(١٠) في (أ): قولك.
(١١) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٦٠ نقله عنه الإمام الواحدي بتصرف يسير.
395
قوله: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ اختلف المفسرون في معناه، فروى عطاء عن ابن عباس قال: يعني من الإثم (١)، ومما كانت الجاهلية تجيزه. وهذا قول قتادة (٢)، ومجاهد (٣)، قالا: نفسك فطهر من الذنب.
(ونحو هذا قال الشعبي (٤)، وإبراهيم (٥)، والضحاك (٦)، والزهري (٧)) (٨).
وعلى هذا القول: الثياب عبارة عن النفس: (والعرب تكني بالثياب عن النفس، ومنه قول الشماخ) (٩):
رموها بأثواب خفاف فلا ترى لها شبهًا إلا النعام المنفرا (١٠)
(١) "جامع البيان" ٢٩/ ١٢٥، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٦، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ٩/ ٦٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٦، وعزا تخريجه إلى: عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
وانظر: "المستدرك" ٢/ ٥٠٦: كتاب التفسير: تفسير سورة المدثر، وصححه، ووافقه الذهبي.
(٢) تفسير عبد الرزاق: ٢/ ٣٢٧، و"معالم التزيل" ٤/ ٤١٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٦ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٣) "النكت والعيون" ٦/ ١٣٦، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٠، و"معالم التزيل" ٤/ ٤١٣.
(٤) "الكشف والبيان" ١٢: ٢٠٥/ ب، بنحوه، و"معالم التزيل" ٤/ ٤١٣.
(٥) المرجعان السابقان، وانظر: "أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٤٧٠.
(٦) "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٥/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٣.
(٧) المرجعان السابقان
(٨) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٩) ساقط من: أ، وذكر بدلاً من ذلك "قال"، والصواب ما جاء في نسخة: ع.
(١٠) ورد البيت منسوبًا للشماخ -ولم أجده في ديوانه- في مادة: (ثوب) في: "تهذيب اللغة" ١٥/ ١٥٤، و"لسان العرب" ١/ ٢٤٦ ونسبه إلى امرئ القيس، ولم أجده في ديوانه، ونسب إلى ليلى الأخيلية وهو في ديوانها: ٧٠، وفي: "تأويل مشكل =
396
يعي الركاب بأبدانهم) (١).
(وقال عنترة:
فَشَكَكْتُ بالرُّمْحِ الأصَمِّ ثِيَابَهُ (٢)
يعني: نفسه، يدل عليه قوله في باقي البيت:
لَيْسَ الكريمُ على القنا بِمُحَرَّمِ
= القرآن" ١٤٢، و"المعاني الكبير" ١/ ٤٨٦، و"سمط اللآلي" ٢/ ٩٢٢، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٧١، و"روح المعاني" ٢٩/ ١١٧. ورواية كتب اللغة: (ولا ترى) بدلاً من (فلا ترى).
معنى البيت: عنت بالأثواب هنا الأبدان. ورموها: تعني الركاب بأبدانهم، وهي هنا تصف إبلًا. انظر: ديوانها: ٧٠.
(١) ما بين القوسين نقله الإمام الواحدي عن الأزهري، انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ١٥٤، مادة: (ثوب)، وانظر أيضًا "لسان العرب"، و"تاج العروس". مرجعان سابقان.
(٢) ورد البيت في: ديوان عنترة: ٢١٠ تح: محمد سعيد مولوي برواية: كَمَّشت بالرمح الطويل ثيابه، وهو في شرح المعلقات السبع: للزوزني: ١٢٤، و"أشعار الشعراء الستة الجاهليين" ٢/ ١٢٥، و"الكشف والبيان" ١٢: ٢٠٥/ ب، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٩/ ٦٢. برواية: الطويل ثيابه، بدلا من الأصم ثيابه، و"روح المعاني" ٢٩/ ١١٧، و"المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى" للسمرقندي: ٢٢٤ رقم ٢١٠. ومعنى البيت: الشك: الانتظام، الأصم: الصلب، يقول: فانتظمت برمحي الصلب ثيابه، أي طعنته طعنة أنفذت الرمح في جسمه وثيابه كلها. ثم قال: ليس الكريم محرمًا على الرماح، يريد أن الرماح مولعة بالكرام لحرصهم على الإقدام، وقيل: بل معناه أن كرهه لا يخلصه من القتل المقدر له. "شرح المعلقات السبع" ١٤٩.
397
(وقال (١) (في رواية الكلبي) (٢) يعني: لا تغدر فتكون غادرًا (٣) دنس الثياب (٤).
قال سعيد بن جبير: كان الرجل إذا كان غادرًا قيل: دنس الثياب، وإنه لخبيث الثياب (٥) (٦).
وقال عكرمة: لا تلبس ثوبك على معصية (٧) ولا على غدرة، ولا على فجرة (٨)، وروي ذلك عن ابن عباس (٩)، قال (١٠): واحتج بقول
(١) لعله أراد بقوله: "قال" أي الثعلبي على أنه لم ترد رواية الكلبي عنده في "الكشف والبيان"، أو لعله عني بقوله: "قال" الفراء، فقد وردت بنحو من هذه الرواية عنده من غير عزو في: "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٠.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) بياض في (ع).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) بياض في (ع).
(٦) ورد قوله في "الدر المنثور" ٨/ ٣٢٦ بعبارة أوجز، وعزا تخريجه إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وانظر: تفسير سعيد بن جبير: ٣٦٠.
(٧) قوله: ثوبك على معصية: بياض في (ع).
(٨) ورد قوله في: "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٥، و"أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٤٧٠ بمعناه.
(٩) "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٤ - ١٤٥، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٥/ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٦، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٣، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٣، ولم يذكر بيت الشعر، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٢، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢٧. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٦. وعزا تخريجه إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، وابن مردويه.
(١٠) أي الأزهري في التهذيب: ١٥/ ١٥٤، مادة: (ثوب)؛ لأن رواية ابن عباس بهذا النص وردت في التهذيب.
398
الشاعر (١):
فإني بِحَمْدِ الله لا ثوبَ فاجرٍ (٢) لَبِسْتُ ولا من خَزْيةٍ أتَقَنَّعُ (٣)
وهذا المعنى أراد من قال في هذه الآية (٤): وعملك فأصلح، (وهو قول أبي (٥) رزين (٦)، ورواية منصور عن مجاهد (٧)، وأبي روق (٨)) (٩).
(١) الشاعر هو: غيلان بن سلمة الثقفي.
(٢) في (ع): غادر.
(٣) ورد البيت منسوبًا إليه في: "المدخل" لعلم تفسير كتاب الله تعالى: ٢٢٤ رقم ٢٠٩، و"جامع البيان": ٢٩/ ١٤٥ برواية (إني)، و"الكشف والبيان" ١٢: ٢٥٥/ ب، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٢، و"زاد المسير" ٨/ ١٢١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٢٧١، برواية (إني)، و"غادر" بدلًا من "فاجر"، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٦، و"روح المعاني" ٢٩/ ١١٧ "فإني"، وورد غير منسوب في مادة (ثوب): انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ١٥٤، و"لسان العرب" ١/ ٢٤٥، و"تاج العروس" ١/ ١٧٠، وكلها برواية "إني" و"غادر" بدلًا من فاجر، و"تفسير غريب القرآن" ٤٩٥ برواية "إني" و"غادر"، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٦، و"فتح القدير" ٥/ ٣٢٤.
(٤) بياض في (ع).
(٥) في (ع): ابن، والصواب ما أثبته.
(٦) ورد قوله في: "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٦، و"أحكام القرآن" للجصاص: ٣/ ٤٧٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٦، وعزا تخريجه إلى ابن أبي شيبة، وعبد ابن حميد، وابن المنذر.
(٧) "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٦، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٥/ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٦، و"الجامع لأحكام القرآن": ١٩/ ٦١، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٦ وعزاه إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد.
(٨) ورد قوله في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٣، برواية أبي روق عن الضحاك.
(٩) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
399
وقال السدي: يقال للرجل إذا كان (١) صالحًا: إنه (٢) لطاهر الثياب، وإذا كان فاجرًا: إنه لخبيث الثياب (٣)
قال الشاعر (٤):
لاهُمَّ إنّ عامِرَ بنَ جَهْمَ أوْذَمَ حَجًّا في ثِيابٍ دُسْمِ (٥)
يعني أنه متدنس بالخطايا.
و (٦) كما وصفوا الغادر الفاجر بدنس الثوب، وصفوا الصالح بطهارة الثوب (٧). قال امرؤ (٨) القيس:
ثياب بني عوف طهارى نقية (٩)
(١) بياض في: أ.
(٢) بياض في: أ.
(٣) "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٥/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ٩/ ٦١، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٧١.
(٤) لم أعثر على قائله.
(٥) ورد غير منسوب في مادة: (ذم): "الصحاح" ٥/ ٢٠٥٠، و"لسان العرب" ١٢/ ١٩٩، و (دسم): ١٢/ ٦٣٢، و (ثوب) في "تاج العروس" ١/ ١٧٠، و"غريب الحديث" لأبي عبيد: ٢/ ٢٥٤، و"تأويل مشكل القرآن" ١٤٢، كتاب "المعاني الكبير" ١/ ٤٨٠، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٥/ ب، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦١، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٧١.
ومعنى البيت: أي أنه حج وهو متدنس بالذنوب، وأوذم الحج: أوجبه. وتدسيم الشيء: جعل الدسم عليه. وثياب دُسْم: وسخة. "لسان العرب" مادة: (دسم).
(٦) في (أ): أو.
(٧) بياض في (ع).
(٨) في (أ): امرئ.
(٩) شطره الثاني: وأوْجهُهُمْ عندَ المشاهد غُزَّان.
انظر: ديوانه: ١٦٩، دار صادر. وورد البيت في مادة: (ثوب) انظر: "تهذيب =
400
يريدون لا يغدرون بل يوفون) (١).
وقال الحسن: وخلقك فحسنه (٢)، وهذا قول القرظي (٣).
وعلى هذا: الثياب عبارة عن الخلق؛ لأنه خلق الإنسان يشتمل على أحواله اشتمال (٤) الثياب على نفسه.
(وروي (٥) عن) (٦) ابن عباس في هذه الآية: لا تكن ثيابك التي تلبس من تكسب غير طيب (٧) (٨).
= اللغة" ١٥/ ١٥٤، و"لسان العرب" ١/ ٢٤٦، و"تاج العروس" ١/ ١٧٠ برواية "بيض المشافر"، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٥/ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٧ برواية "عند المشاهد غران"، و"الجامع لأحكام القرآن" ٩١/ ٦٣٠، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٧١، وسائر المراجع "عند المسافر".
ومعنى البيت: الثياب: هنا القلوب. غران: الواحد الأغر الأبيض، ومعناه أن ثياب بني عوف طاهرة، وهنا الشاعر يمدح عويمر بن شجنة من بني تميم، ويمدح بني عوف رهطه. ديوانه. المرجع السابق.
(١) ما بين القوسين لعله نقله عن الثعلبي باختصار. "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٥ ب.
(٢) "الكشف والبيان" ١٢: ٢٠٦/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٢١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٣، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٧١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠.
(٣) المراجع السابقة.
(٤) بياض في حرفه الأخير.
(٥) بياض في (ع).
(٦) ما بين القوسين ساقط في: أ.
(٧) في (ع): طابات.
(٨) ورد قوله في: "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٦، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٦/ أ، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٢١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٤، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠.
401
والمعنى: طهرها من أن تكون مغصوبة، أو من وجه لا يحل (١) اتخاذها من ذلك الوجه.
وروي عن سعيد بن جبير: وقلبك ونيتك فطهر (٢).
(قال أبو العباس: الثياب: اللباس، ويقال: القلب (٣). وعلى هذا ينشد (٤):
فَسُلِّي ثيابي مِن ثِيابِكِ تَنْسُلِ (٥)) (٦)
وذهب بعضهم في تفسير هذه الآية إلى ظاهرها، وقال: إنه أمر بتطهير ثيابه من النجاسات التي لا تجوز معها الصلاة، (وهو قول ابن سيرين (٧)،
(١) غير مقروء في (ع).
(٢) "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٥/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٢١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠، وانظر: تفسير سعيد بن جبير: ٣٦٠.
(٣) ورد قوله في "تهذيب اللغة" ١٥/ ١٥٤ مادة: (ثوب).
(٤) لامرئ القيس.
(٥) وصدر البيت: وإن تَكُ سَاءَتْكِ مني خَلِيقَةٌ
وقد ورد البيت في: ديوانه: ٣٧ ط دار صادر، شرح المعلقات السبع: للزوزني: ١٩، وانظر مادة: (ثوب) في: "تهذيب اللغة" ١/ ١٥٤، و"لسان العرب" ١/ ٢٤٦، و"تاج العروس" ١/ ١٧٠، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٦، و"المدخل" ٢٢٥ رقم: ٢١٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٢.
ومعنى البيت: أراد الشاعر بالثياب: القلب، فالمعنى على هذا القول: إن ساءك خلق من أخلاقي، وكرهت خصلة من خصالي، فردي علي قلبي أفارقك، أي استخرجي قلبي من قلبك يفارقه. ديوانه: المرجع السابق.
(٦) ما بين القوسين نقله الواحدي عن الأزهري من "تهذيب اللغة" ١٥/ ١٥٤ (ثوب).
(٧) ورد قوله في: "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٦، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٦/ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٦، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٢١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٤.
402
وابن زيد (١)) (٢).
وذكر أبو إسحاق: وثيابك فقصر، قال: لأن تقصير الثوب أبعَدُ مِنَ النجاسة، فإنه إذا انجرّ على الأرض لم يؤمَن أن يُصيبَه ما ينجسه (٣)، وهذا قول طاوس) (٤).
(وأخبرنا أبو الحسين الفسوي أن حمد بن محمد) (٥) أخبرني بعض أصحابنا (٦) عن (إبراهيم بن) محمد بن عرفة (النحوي) (٧) قال: معناه نساءك طهرهن (٨).
وقد يكنى عن النساء بالثياب واللباس، قال الله عز وجل: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] (٩)) (١٠).
ويكنى عنهن بالإزار (١١)، ومنه قول الشاعر (١٢):
(١) "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٧، و"الكشف والبيان" ١٢: ٢٠٦/ ب بمعناه، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٦، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٢١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٤.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٥ بيسير من التصرف.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٦) لم أعرف من هو.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٨) ورد قوله في "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٩٣.
(٩) ما بين القوسين بياض في (ع).
(١٠) انظر هذا القول في "الإيضاح" ١/ ١٨٣، و"الكشف والبيان" ١٢: ٢٠٦/ أ.
(١١) المرجعان السابقان.
(١٢) لأبي المنهال نفيلة الأكبر الأشجعي، كما نص عليه صاحبا التهذيب واللسان.
403
ألا أبلغ أبا حفص رسولاً فدى (١) لك من أخي ثقة إزاري (٢)
أي أهلي، ومنه قول البراء بن معرور (٣) للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة (٤): "لنَمْنَعَنَّكَ مما نمنع منه (٥) أُزُرَنا" أي نساءنا (٦).
قوله: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ قال جماعة المفسرين (٧): يريد عبادة الأصنام
(١) في (أ): فدا.
(٢) ورد البيت في: "تهذيب اللغة" ٨/ ٣٦٩: مادة (قصل)، و"لسان العرب" ٤/ ١٧ مادة: (أزر)، و"الإيضاح" لأبي على ١/ ١٨٤، و"المدخل" ٢٢٥ رقم ٢١٥.
(٣) البراء بن مَعْرُور بن صخر بن خنساء بن سنان الخزرجي الأنصاري السلمي، أبو بشر، أمه الرباب بنت النعمان بن امرئ القيس، وهو أول من استقبل الكعبة للصلاة، وأول من أوصى بثلث ماله، وأول من بايع البيعة الأولى. مات قبل الهجرة، وصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على قبره وكبر أربعًا. انظر: "الاستيعاب" ١/ ١٥١: ت: ١٧٠، و"الإصابة" ١/ ١٤٩: ت: ٦١٩، سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن هشام ٢/ ٤٧ وما بعدها، و"المعجم الكبير" للطبراني ٢/ ٢٨: ت: ١٠٢.
(٤) بيعة العقبة: هي البيعة الثانية الكبرى التي اجتمع فيها ثلاثة وسبعون رجلاً من الأنصار، وامرأتان، في شعب العقبة، فبايعهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة". فقاموا إليه وبايعوه على ذلك. انظر: قصة البيعة في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-: لابن هشام: ٢/ ٤٧ وما بعدها، و"السيرة النبوية" لابن كثير: تح مصطفى عبد الواحد ٢/ ١٩٢، و"البداية والنهاية" لابن كثير ٣/ ١٥٦.
(٥) قوله: مما نمنع منه: غير واضح في (ع).
(٦) "سيرة النبي" لابن هشام ٢/ ٥٠، و"السيرة النبوية" لابن كثير ٢/ ١٩٨.
(٧) في (أ): قال المفسرون بغير ذكر: جماعة.
404
والأوثان. (وهو قول ابن عباس (١)، وجابر (٢)، ومجاهد (٣)، وعكرمة (٤)، وقتادة (٥)، والزهري (٦)، وابن زيد (٧)) (٨).
قال قتادة (٩)، ومقاتل (١٠): يعني أساف، ونائلة؛ صنمان عند البيت يمسح وجوههما من مر بهما من المشركين، أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يجتنبهما.
(وروى السدي عن أبي مالك قال: الشيطان والأوثان (١١)) (١٢).
(١) "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٧ بمعناه، و"الكشف والبيان" ١٢: ٢٠٦/ أبمعناه، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٧، و"زاد المسير" ٨/: ١٢٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٥، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠.
(٢) "النكت والعيون" ٦/ ١٣٧، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٣، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٧ وعزا تخريجه إلى ابن مردويه، والحاكم، ولم أجده عند الحاكم، بل وجدته في "البخاري" ٣/ ٣١٧: ح: ٤٩٢٧: كتاب التفسير: باب ٤: وثيابك فطهر.
(٣) "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٧، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٦/ أبمعناه، و"معالم التنزيل" ٤/: ٤١٣، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٢، و"الجامع" للقرطبي ١٩/ ٦٥، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٧١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠.
(٤) "الكشف والبيان" ١٢: ٢٠٦/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٣، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٥، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠، و"فتح القدير" ٥/ ٣٢٤.
(٥) المراجع السابقة، وانظر أيضًا: "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٧.
(٦) المراجع السابقة عدا "جامع البيان"، وانظر: تفسير عبد الرزاق: ٢/ ٣٢٨.
(٧) المراجع السابقة عدا تفسير عبد الرزاق.
(٨) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٩) "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٥، وانظر: "الحجة" للفارسي: ٦/ ٣٣٨.
(١٠) "تفسير مقاتل" ٢١٤/ ب.
(١١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
405
وقال (١) الكلبي: يقول: المأثم فاترك، ولا تقربه (٢).
"والرجز" معناه في اللغة: العذاب (٣)، ذكرنا ذلك في قوله: ﴿لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ﴾ [الأعراف: ١٣٤]، وغيره من الآيات (٤).
(ويكون التقدير: وذا الرجز فاهجر، أي ذا العذاب، يعني: ما يؤدي إلى العذاب) (٥) من الإثم، (والشيطان) (٦)، والأوثان، (والشرك، وهو قول الضحاك (٧)) (٨).
(١) في (ع): قال.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) انظر مادة (رجز) في: "تهذيب اللغة" ١٠/ ٦١٠، معجم "مقاييس اللغة" لابن فارس: ٢/ ٤٨٩، و"لسان العرب" ٥/ ٣٤٩، و"معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٥.
(٤) سورة البقرة: ٥٩: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩)﴾.
"قال أهل اللغة: وأصل الرجز في اللغة: تتابع الحركات، ومن ذلك قولهم: "ناقة رجزاء" إذا كانت قوائمها ترتعد عند قيامها، ومن هذا: رجز الشعر؛ لأنه أقصر أبيات الشعر، فالانتقال من بيت إلى بيت سريع، أو لأن الرجز في الشعر متحرك، وساكن، ثم متحرك وساكن في كل أجزائه، فهو كالرعدة في رحل الناقة تتحرك ثم تسكن وتستمر على ذلك، فحقيقة معنى الرجز: أنه العذاب المقلقل لشدته قلقلة شديدة متتابعة.
ومن الآيات التي ورد فيها لفظ "الرجز" قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥)﴾ [الأعراف: ١٣٥].
وقوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾ [الأنفال: ١١].
(٥) ما بين القوسين نقله الواحدي بتصرف عن أبي علي. انظر: "الحجة" ٦/ ٣٣٨.
(٦) ساقط من: (أ).
(٧) "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٦/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٢.
(٨) ما بين القوسين ساقط من: أ.
406
ومن جعل الرجز -هاهنا- نفس العذاب لم يحتج إلى تقدير المضاف، وهو قول الفراء، قال: فسر الكلبي الرجز: العذاب (١).
وقرئ بضم الراء، وهما لغتان (٢)، والمعنى فيهما واحدة مثل الذَّكر والذكر. قاله الفراء (٣)، والزجاج (٤)، وأبو علي (٥).
قوله: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ قال ابن عباس: لا تعطى الناس شيئًا من مالك لتأخذ أكثر منه (٦).
وهذا قول مقاتل، ومجاهد (٧)، (وإبراهيم) (٨)، وقتادة (٩)،
(١) "معاني القرآن" ٣/ ٢٠١.
(٢) أي قراءة الكسر، وكذا الضم، وقرأ عاصم في رواية حفص: والرُّجز بضم الراء، والمفضل مثله. وقرأ الباقون، وأبو بكر عن عاصم: "والرِّجز" بكسر الراء.
انظر: "السبعة" ٦٥٩، و"الحجة" ٦/ ٣٣٨، كتاب "التبصرة" ٧١٢، و"الوافي" ٣٧٤.
(٣) "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٠ - ٢٠١.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٥.
(٥) "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٣٣٨.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢١٤/ ب، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٤٨ بمعناه، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٨، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٦، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٧ وعزا تخريجه إلى الطبراني، وهو في "المعجم الكبير" ١٢/ ١٢٨: ح ١٢٦٧٢.
قال الهيثمي: رجال المسند رجال الصحيح، وفي إسناد الطبراني عطية العوفي، وهو ضعيف. انظر: "مجمع الزوائد" ٧/ ١٣١.
(٧) "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٩، و"بحر العلوم" ٣/ ٤٢١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠.
(٨) المراجع السابقة عدا "بحر العلوم". وكلمة (إبراهيم) ساقطة من: (أ).
(٩) "النكت والعيون" ٦/ ١٣٨، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٦، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠، و"فتح القدير" ٥/ ٣٢٥.
407
(وطاوس (١)، وابن أبي بزهَ (٢)، والضحاك (٣)) (٤) قالوا: لا تعط مالك مصانعة رجاء أفضل منه في الدنيا، لتعطي أكثر منه.
ومعنى: "لا تمنن": لا تعطِ، كقوله: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ﴾ [ص: ٣٩]، و"تستكثرُ" بالرفع حال [متوقعة] (٥) أي: لا تعط شيئًا مقدرًا أن تأخذ بدله ما هو أكثر منه) (٦).
وقال أبو علي: هو مثل قولك: مررت (٧) برجل معه صقر صائدًا به غدًا، أي مقدر الصَّيد، فكذلك يكون -هاهنا- مقدرًا الاستكثار. قال: ويجوز أن يحكى به حالاً آتيه، وليس في الجزم اتجاه في "تستكثر"، ألا ترى (٨) أن المعنى ليس على أن لا تمنن تستكثر، إنما المعنى على ما تقدم (٩).
قال الضحاك (١٠)، ومجاهد (١١): كان هذا للنبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة.
(١) "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٨ بمعناه، و"بحر العلوم" ٣/ ٤٢١ بمعناه، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٧ وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) مستوقعة: في كلا النسختين، والمثبت من "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٦.
(٦) ما بين القوسين نقله الإمام الواحدي عن الزجاج ٥/ ٢٤٥ - ٢٤٦ بتصرف يسير.
(٧) في (ع): مرت.
(٨) في (أ): ترا.
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٠) "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٩، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٤، و"البحر المحيط" ٦/ ٣١٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٧ وعزاه إلى عبد بن حميد.
(١١) "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٤.
408
قال أبو إسحاق: وليس على الإنسان (١) إثم أن يُهدي هدية يرجو بها ما هو أكثر منها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أدبه الله بأشرف الآداب وأجل الأخلاق (٢) -هذا كلامه-.
ومعناه: أن الإنسان قد يعطي ليثاب بأكثر من ذلك، فلا يكون له في ذلك مِنة ولا أجر. لأنه قصد بذلك الاستكثار وطلب الزيادة، فنهى الله عن ذلك (٣)، وأمره أن يقصد بما يعطي وجه الله (٤).
(قول الكلبي: أرِدْ به وجه الله (٥)) (٦). ونحو هذا قال ابن أسلم: إذا أعطيت عطية فأعطها لربك (٧).
(هذا الذي ذكرنا قول جماعة أهل التأويل) (٨) -وذكرت أقوال سوى ما ذكرنا:
أحدها: لا تضعف أن تستكثر (٩) من الخير.
وروى عمرو عن أبيه: المنين من الرجال: الضعيف (١٠)، ويدل على
(١) قوله: على الإنسان: بياض في (ع).
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٦ بنصه.
(٣) بياض في (ع).
(٤) قوله: وجه الله: بياض في (ع).
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٧) ورد قوله في: "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٧/ أ، و"الجامع لأحكام القرآن" ٩/ ٦٦، و"فتح القدير" ٥/ ٣٢٥.
(٨) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٩) قوله: لا تستكثر: بياض في (ع).
(١٠) ورد قوله في: "تهذيب اللغة" ١٥/ ٤٧١: مادة: (منن).
409
صحة هذا التأويل قراءة عبد الله "لا تمنن أن تستكثر" (١)، (وهذا قول مجاهد (٢) في رواية خُصيف) (٣).
القول الثاني: لا تمنن على الناس بنبوتك (٤)، فتأخذ (عليها) (٥) منهم أجرًا تستكثر به، وهو قول ابن زبد (٦).
القول الثالث (٧): لا تمنن على ربك بعملك فتستكثره، وهو قول الحسن (٨). وحكى الأزهري: لا تعط مستكثرًا ما أعطيت (٩).
(١) وردت قراءته في: "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٠، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٤، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٣، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٧٢.
وهذه قراءة من باب التفسير، وليست من القراءة القرآنية المتواترة، فهي قراءة شاذة لعدم صحة السند، ولعدم ورودها في الكتب المتواترة. والله أعلم.
(٢) ورد قوله في: "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٩، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٨، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٤، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٧٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٣٧٠.
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) بياض في (ع).
(٥) ساقطة من: (أ).
(٦) "جامع البيان" ٢٩/ ١٤٩، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٤، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧١.
(٧) في (أ): الثاني، وهو خطأ.
(٨) المراجع السابقة، وانظر أيضًا: "النكت والعيون" ٦/ ١٣٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٦، وهو الراجح عند الطبري.
(٩) "تهذيب اللغة" ١٥/ ٤٧١، مادة: (منن)، وعبارته الواردة عنه في التهذيب: "أي لا تعط شيئًا مقدرًا لتأخذ به ما هو أكثر منه".
وجاء في "الصحاح" المُنَّة: بالضم: القوة، والمنين: الحبل الضعيف، والمن: القطع: ٦/ ٢٢٠٧، مادة: (منن).
410
قوله تعالى: ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾:
قال عطاء عن ابن عباس: يريد على فرائض ربك (١).
وقال الكلبي: فاصبر نفسك على عبادة ربك وطاعته (٢).
وقال مقاتل: يعني على الأذى والتكذيب (٣)، وهو قول مجاهد (٤).
وقال ابن زيد: أي: على ما حملت من محاربة العرب والعجم (٥).
وعند زيد (٦) بن أسلم، وإبراهيم (٧): إن هذه الآية متصلة المعنى بالأولى.
قال زيد: إذا أعطيت عطية فأعطها لربك، واصبر حتى يكون هو يثيبك عليها (٨).
وقال (إبراهيم) (٩): اصبر لعطية ربك (١٠).
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٤/ ب، و"فتح القدير" ٥/ ٣٢٥.
(٤) "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٧/ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٨، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧١، و"فتح القدير" ٥/ ٣٢٥.
(٥) المراجع السابقة.
(٦) في (أ): ابن زيد.
(٧) بياض في (ع).
(٨) "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٧/ أ.
(٩) إبرهيم: هكذا وردت في كلا النسختين.
(١٠) ورد قوله في "النكت والعيون" ٦/ ١٣٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٠.
411
(الناقور) (١): الصور في قول جميع أهل اللغة (٢) والتفسير (٣).
وهو فاعول، من النقر (٤) ينقر فيه للتصويت كالهاضوم من الهضم، والحاطوم من الحطم، والنقر: التصويت باللسان.
(١) بين القوسين ساقط من: (أ).
(٢) انظر: مادة: (نقر) في كل من: "تهذيب اللغة" ٩/ ٩٧، و"الصحاح" ٢/ ٨٣٦، و"معاني القرآن" للفراء: ٣/ ٢٠١، و"معاني القرآن وإعرابه" للزجاج: ٥/ ٢٤٦.
(٣) قال بذلك: ابن عباس، والحسن، والشعبي، وقتادة، والضحاك، والربيع، والسدي، وابن زيد. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٥١ - ١٥٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧١.
وقد قال بذلك من أهل التفسير: الطبري في: "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٠، والثعلبي في: الكشف والبيان ١٢/ ٢٠٧/ أ، وانظر أيضًا: "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٤، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٣، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٣، و"تيسير الكريم الرحمن" ٥/ ٣٣٢، و"فتح القدير" ٥/ ٣٢٥.
ومن أهل الغريب: اليزيدي في: "غريب القرآن وتفسيره" ٣٩٩، ومكي بن أبي طالب في: "تفسير المشكل" ٣٦٣، والخزرجي في: "نفس الصباح" ٧٤٤.
وقد أورد الماوردي قولين آخرين لمعنى الناقور:
أحدهما: أن الناقور القلب. قال: يجزع إذا دعي الإنسان للحساب؛ وعزاه إلى ابن كامل، وعزاه أيضًا ابن منظور إلى ابن الأعرابي.
والثاني: أن الناقور صحف الأعمال إذا نشرت للعرض.
انظر: "النكت والعيون" ٦/ ١٣٨، و"لسان العرب" ٥/ ٢٣١، مادة: (نقر). قال محقق الماوردي: والصواب الذي عليه أكثر المفسرين.
قلت: وهو الصحيح، فقول الإمام الواحدي بالإجماع نهج سلكه في تحقيق الإجماع، فما كان مخالفًا لأكثر المفسرين، وليس له وجه في اللغة، ولم يقل به أصحاب العربية فلا يراه شيئًا، ولذا يحكي بالإجماع دون اعتبار لذلك القول المخالف، والله أعلم.
(٤) بياض في (ع).
412
قال ابن عباس: الناقور: الصُّورُ (١)، وهو قرن (٢).
وقال مجاهد: شيء كهيئة البوق (٣) (٤).
قال مقاتل: يعني إذا انفخ في الصور، وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل (٥) (٦). يعني: النفخة الثانية (٧).
(١) في (أ): الصوت.
(٢) ورد قوله في: "جامع البيان" ٢٩/ ١٥١، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٨، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٣، وانظر: "صحيح البخاري" ٤/ ١٩٤: كتاب الرقاق. باب ٤٣.
(٣) البوق الذي ينفخ فيه وُيزمر، مُلْتَوي الخَرْق ينفخ فيه الطحان، فيعلو صوته فيعلم المراد به. "لسان العرب" ١٠/ ٣١: مادة: (بوق).
(٤) ورد قوله في "جامع البيان" ٢٩/ ١٥١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧١، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٨، وعزاه إلى عبد بن حميد. وانظر: "صحيح البخاري" ٤/ ١٩٤: كتاب الرقاق: باب ٤٣.
(٥) إسرافيل: قال ابن حجر اشتهر أن صاحب الصور "إسرافيل" عليه السلام. ونقل فيه الحليمي الإجماع، ووقع التصريح به في حديث وهب بن منبه، وفي حديث أبي سعيد البيهقي، وفي حديث أبي هريرة عند ابن مردويه، وكذا في حديث الصور الطويل. فتح الباري: ١١/ ٣٦٨.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢١٤/ ب.
(٧) الذي يظهر أن إسرافيل ينفخ في الصور مرتين. الأولى: يحصل بها الصعق، والثانية: يحصل بها البعث. قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)﴾ [الزمر: ٦٨]. والنفخة الثانية: هي النفخ بالصور كما قال تعالى: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١)﴾ [يس: ٤٩ - ٥١].
انظر: "تفسير ابن كثير" ٣/ ٥٨١، و"اليوم الآخر: القيامة الكبرى" د. عمر الأشقر ٣٩.
413
(وهو قول الكلبي (١)) (٢). وقوله: ﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾
(يوم النفخ في الصور، وهو قوله: "يومئذ"، وهو في محل الرفع، إلا أنه بني مع "إذ" ويجوز أن كون نصبا على معنى فذلك يوم عسير في يوم ينفخ في الصور) (٣).
وقال أبو علي: "ذلك" إشارة إلى النقر، كأنه قال: فذلك النقر يومئذ يوم عسير، أي انقر (٤) يوم عسير.
وقوله (٥): "يومئذ" على هذا متعلق بـ"ذلك"؛ لأنه مصدر، وفيه معنى الفعل فلا يمتنع أن يعمل في الظرف (٦).
قال (٧): ويجوز أن يكون "يومئذ" ظرفًا لقوله: "يوم"، ويكون "يومئذ" بمنزلة حينئذ، ولا يكون "اليوم"، الذي يعني به (٨) وضح النهار، ويكون اليوم الموصوف بأنه عسير خلاف (٩) الليلة، فيكون التقدير: فذلك اليوم يوم عسير حينئذ (١٠).
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) ما بين القوسين من قول الزجاج نقله عنه الواحدي بتصرف. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٦.
(٤) في (ع): نقر.
(٥) في (أ): قوله.
(٦) "الدر المصون" ٦/ ٤١٤، فقد ذكر أوجهًا أخرى لـ"يومئذ" فليراجع.
(٧) أي: أبو علي الفارسي.
(٨) قوله: الذي يعني به: بياض في (ع).
(٩) قوله: عسير خلاف: بياض في (ع).
(١٠) وهذا القول: من قوله: (ويجوز أن يكون "يومئذ" ظرفًا) إلى (يوم عسير حينئذ) هو ما ذهب إليه الزمخشري في الكشاف: ٤/ ١٥٧.
414
فأما "إذا" في قوله: "إذا نقر" فالعامل فيه المعنى الذي دل عليه قوله: "يوم عسير" تقديره: إذا نقر في الناقور عسر الأمر وصعب (١). كما أن ﴿لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ﴾ (٢) يدل على محزونون) (٣).
قال مقاتل: ثم أخبر عن عسرته فقال: ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠)﴾
يقول: غير هين، ويهون على المؤمنين (٤)، ونحو هذا قال ابن عباس؛ قال: يريد أن ذلك اليوم على المؤمنين سهل (٥). وهذا يدل على صحة القول بفحوى الخطاب، حيث فهم ابن عباس، ومقاتل من عسرته على الكافر سهولته ولينه على المؤمن (٦).
١١ - قوله: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١)﴾.
ذكرنا معنى هذا عند قوله: ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ﴾ (٧).
قال مقاتل: يعني: خلِّ يا محمد بيني وبينه، فأنا أنفرد بهلكته (٨). والعائد إلى الموصول محذوف على تقدير: خَلَقْتُه.
(١) ومن قوله: "فأما إذا" في قوله: "إذا نقر" إلى قوله: عسر الأمر وصحب: أحد أوجه العامل في "إذا". انظر: الدر المصون: ٤/ ٤١٣، و"البيان في إعراب القرآن" لأبي البقاء العكبري: ٢/ ١٢٤٩.
(٢) سورة الفرقان: ٢٢: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ﴾.
(٣) ما بين القوسين من قول أبي علي الفارسي لم أعثر على مصدره
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٤/ ب.
(٥) "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٩٨ بمعناه.
(٦) في (أ): المؤمنين.
(٧) سورة المزمل: ١١.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب، و"فتح القدير" ٥/ ٣٢٦.
415
وأجمعوا على أن هذه الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة (١).
(١) قال بذلك: ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد، والضحاك، ومقاتل، انظر: "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٥٢. كما ذكر ابن جرير أنه ذكر أنه عني بالآية الوليد بن المغيرة. "جامع البيان" المرجع السابق.
كما ذكر ابن عطية أنة لا خلاف بين المفسرين في أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي. انظر: "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٤، وحكى الإجماع الفخر الرازي في: "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٩٨.
وعزا القول إلى المفسرين كل من: الماوردي، والقرطبي. انظر: "النكت والعيون" ٦/ ١٣٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٩، وإلى هذا القول ذهب عبد الرزاق، والسمرقندي، والثعلبي، والبغوي. انظر: تفسير عبد الرزاق: ٢/ ٣٢٨، و"بحر العلوم" ٣/ ٤٢١، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٧/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٤. والرواية كما وردت في "أسباب النزول" عن عكرمة عن ابن عباس: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقرأ عليه القرآن، وكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل فقال له: "يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً" قال: لم؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمدًا تتعرض لما قبله، فقال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً. قال: فقل فيه قولًا يبلغ قومك أنك منكر له وكاره، قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزها وبقصيدها مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه؟ قال: فدعني حتى أفكر فيه، فقال: هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره، فنزلت ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١)﴾ الآيات كلها.
انظر: "أسباب النزول" ٣٨١ - ٣٨٢ تح: أيمن صالح، و"لباب النقول في أسباب النزول" للسيوطي ٢٢٣، و"الصحيح المسند من أسباب النزول" للوادعي ٢٢٥. وقال ابن خليفة عليوي في "جامع النقول في أسباب النزول وشرح آياتها" ٢/ ٣٢٣: إسناد صحيح على شرط البخاري، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٥٠٧ التفسير: باب تفسير سورة المدثر وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في: دلائل النبوة: ٢/ ١٩٩. =
416
وقوله: ﴿وَحِيدًا﴾ قال أكثر المفسرين، وأهل المعاني (١): خلقته وحده لا مال له، ولا ولد، ولا زوجة، خلقته وحيدًا في بطن أمه. وهو قول (الكلبي (٢)، و) (٣) مجاهد (٤)، و (مقاتل (٥)) (٦) وقتادة (٧)، والجمهور (٨).
(و) (٩) على هذا: الوحيد من صفة المخلوق.
= قال الدكتور عصام الحميدان: أخرجه الحاكم والبيهقي في الدلائل. من طريق عبد الرزاق به، وإسناده صحيح، انظر: "أسباب النزول" للواحدي: تحقيقه ٤٤٦.
وقال الوادعي في المسند الصحيح ٢٢٥: رواه البيهقي عن الحاكم أبي عبد الله عن محمد بن علي الصنعاني بمكة عن إسحاق به، وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلًا. قال أبو عبد الرحمن: والظاهر ترجيح المرسل؛ لأن حماد بن زيد أثبت الناس في أيوب، وأيضًا معمر قد اختلف عليه فيه كما في دلائل النبوة، فالحديث ضعيف. والله أعلم.
(١) "معاني القرآن" الفراء: ٣/ ٢٠١، و"معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٦، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٧/ ب.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) ساقطة من: (أ).
(٤) "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٢، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٩.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب.
(٦) ساقط من: (أ).
(٧) تفسير عبد الرزاق: ٢/ ٣٢٩، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٥٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٩ وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٨) وقال به ابن قتيبة في: "تفسير غريب القرآن" ٤٩٦ وابن جرير في: "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٢، والسمرقندي في: "بحر العلوم" ٣/ ٤٢١. كما ذهب إليه البغوي، وابن عطية، والخازن. انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٤، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٤، لباب التأويل: ٤/ ٣٢٨.
(٩) ساقطة من: (أ).
417
وذكر الفراء (١)، والكسائي (٢) (٣)، (والزجاج (٤)) (٥) وجهًا آخر وهو: أن يكون الوحيد من صفة الله -عز وجل- على معنى: ذرني ومن خلقته وحدي لم (٦) يشركني في خلقه أحد، أي فأنا أعلم به، وأقدر عليه.
وروى عطاء عن ابن عباس في قوله: "وحيدًا"، قال: يريد الوليد بن المغيرة، وكان يقول: أنا الوحيد بن الوحيد، ليس (لي) (٧) في العرب نظير، ولا لأبي المغيرة نظير، وكان يسمى الوحيد في قومه (٨)، وهذا غير صحيح أنه لا يجوز أن يكون تفسيرًا لقوله: "خلقت وحيدًا"؛ لأن الله تعالى لا يصدقه في دعواه أنه وحيد، لا نظير له، فيقول: خلقته وحيدًا (٩).
(١) "معاني القرآن" ٣/ ٢٠١.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) في (ع) ورد هكذا: الكسائي والفراء.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٦.
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٦) في (أ): لا.
(٧) ساقط من: (أ).
(٨) ورد قوله في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٩.
(٩) قوله: "وحيدًا" جاء على سبيل التهكم والسخرية؛ لا أن الله صدّقه بأنه وحيد. قال بذلك القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٦٩.
وقال الزمخشري: ولعله لقب بذلك -يعني وحيدًا- بعد نزول الآية، فإن كان ملقبًا به قبل، فهو تهكم به وبلقبه، وتغيير له عن الغرض الذي كانوا يؤمونه من مدحه والثناء عليه بأنه وحيد قومه لرياسته ويساره، وتقدمه في الدنيا إلى وجه الذم والعيب، وهو أنه خلق وحيدًا لا مال له ولا ولد، فآتاه الله ذلك، فكفر بنعمة الله وأشرك واستهزأ بدينه. "الكشاف" ٤/ ١٥٧.
418
ثم ذكر أنه (١) رزقه المال والولد (٢)، وبسط عليه فقال: ﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا﴾ قال ابن عباس (في رواية أبي صالح) (٣): كثيرٌ في (٤) كل شيء من المال (٥)، وفسره في رواية عطاء فقال: "مالاً ممدودًا" ما بين مكة إلى الطائف الإبل المؤبلة (٦)، والخيل المسومة (٧)، والنعم المُرَحَّلَة (٨)، وأجنة بالطائف، ومال عين كثير، وعبيد، وجوار (٩).
وقال مقاتل: يعني بستانه الذي بالطائف، كان لا ينقطع خيره، شتاء ولا صيفًا، كقوله: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ [الواقعة: ٣٠] (١٠) يعني لا ينقطع.
ومن المفسرين من عين قدر ذلك المال، فروي عن مجاهد (١١)،
(١) و (٢) بياض في (ع).
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) في (ع): من.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) المؤبلة: إذا كانت الإبل مهملة قيل: إبل أُبل، فإذا كانت للقُنية قيل: إبل مؤبَّلَة، أراد أنها كانت لكثرتها مجتمعة حيث لا يتعرض إليها. "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير: ١/ ١٦.
(٧) والخيل المسومة: هي التي عليها السِّيما، والسُّومة والسِّمة: العلامة، وقيل: الخيل المسومة: أي المرسلة وعليها ركبانها. انظر: المرجع السابق: ٢/ ٤٢٥، و"لسان العرب" ١٢/ ٣١٢ مادة: (سوم).
(٨) النعم المرحلة: أي عليها رِحالُها، والرَّحْل جمعه أرْحُل ورِحَالٌ، وهو مركب للبعير والناقة. "لسان العرب" ١١/ ٢٧٤ و٢٧٧ مادة: (رحل).
(٩) "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٤، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٩٨ - ١٩٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٠، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢٨.
(١٠) "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٧/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٤، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٠.
(١١) المراجع السابقة، وانظر أيضًا: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٢٠١، و"المحرر=
419
وسعيد بن جبير (١)، أنهما قالا: ألف دينار.
وعن قتادة: بأربعة آلاف دينار (٢).
وعن الثوري: ألف ألف دينار (٣).
والأولى في الممدود أن يكون ما يمد بالزيادة والنماء، كالزرع، والضرع (٤)، والتجارة. قال أبو إسحاق: تفسيره غير منقطع عنه (٥). دليله ما روي عن عمر أنه قال في تفسيره: هو غلة شهر بشهر (٦).
وقال أهل المعاني: وصفه بأنه ممدود يقتضي هذا المعنى، وهو أن يكون له مدد يأتي شيئًا بعد شيء (٧).
قوله تعالى: ﴿وَبَنِينَ شُهُودًا﴾ قال ابن عباس: كان له عشرة أولاد
= الوجيز" ٥/ ٣٩٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٩ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(١) ورد قوله في: المراجع السابقة عدا "الدر المنثور".
(٢) "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٧/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٤، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٠.
(٣) ورد قوله في: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٧/ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٩، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٩ وعزاه إلى عبد ابن حميد.
(٤) الضرع: هو ما يملكه الإنسان من الإبل والغنم، قال في اللسان: وما له زرع ولا ضرع: يعني بالضرع الشاة والناقة. انظر: "لسان العرب" ٨/ ٢٢٣: (ضرع).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٦ بنصه.
(٦) ورد قوله في: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٧/ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ١٣٩، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٤، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٤، و"الجامع" للقرطبي ١٩/ ٧٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٠ وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه.
(٧) لم أعثر على مصدر لقولهم.
420
حضور بمكة، لا يسافرون (١)
(وهو قول الكلبي (٢)، ومجاهد، وقتادة (٣)) (٤).
وقال سعيد بن جبير: كانوا ثلاثة عشر (٥).
وقال مقاتل: كانوا سبعة (٦).
(قال أبو إسحاق: أي شهود معه لا يحتاجون أن يتصرفوا ويغيبوا عنه (٧)) (٨).
١٤ - قوله تعالى: ﴿وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا﴾ قال مجاهد: في المال والولد (٩).
(١) "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧١ وعبارته: كانوا عشرة
(٢) "بحر العلوم" ٣/ ٤٢١.
(٣) عزاه لمجاهد وقتادة: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٧/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٤، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٤، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٤، و"القرطبي" ١٩/ ٧٠، و"ابن كثير" ٤/ ٤٧١. وعزاه لمجاهد: "الطبري" ٢٩/ ١٥٤، و"الرازي" ٣٠/ ١٩٩.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٧/ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٠، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٤، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٩. وعزاه إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وانظر: تفسير سعيد بن جبير: تح إبراهيم النجار: ٣٦٠.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب. وانظر: المراجع السابقة عدا النكت، والمحرر، والدر. وانظر: أيضًا: "بحر العلوم" ٣٠/ ٤٢١.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٦ بنصه.
(٨) ما بين القوسين ساقط من: (ع).
(٩) "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٤، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٢٩ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
وقال مقاتل: بسطت له في المال والولد بسطًا (١).
وقال الكلبي: مهدت له في المال الممدود (٢).
ومعنى التمهيد: تسهيل التصرف في الأمور، و [يدعو] (٣) بهذا فيقال: أدام الله تمهيده، أي: بسطته وتصرفه في الأمور (٤).
ومن المفسرين (٥): من جعل هذا التمهيد البسط في العيش وطول العمر.
١٥ - قوله: ﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ﴾.
قال صاحب النظم: "ثم": هاهنا - معناه للتعجب، كما تقول لصاحبك: أنزلتك (٦) داري، وأطعمتك، وسقيتك، ثم أنت تشتمني، وهذا كقوله عز وجل: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ (٧) ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا (٨)﴾ [الأنعام: ١] الآية، فمعنى ثم -
(١) "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) في كلا النسختين: (أ)، و (ع): يدعا.
(٤) أجل المهد: التَّوثير، يقال: مَهَدت لنفسي، ومَهِدت: أي جعلت له مكانًا وطيئًا سهلاً،... وتمهيد الأمور: تسويتها وإصلاحها. انظر: مادة: (مهد) في: "تهذيب اللغة" ٦/ ٢٢٩، و"الصحاح" ٢/ ٢٤١، و"لسان العرب" ٣/ ٤١٠ - ٤١١.
(٥) وهو قول الطبري في "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٤، والثعلبي في "الكشف" ١٢/ ٢٠٧/ ب، والعبارة عنهما: بسطت له في العيش بسطًا، كما ذهب البغوي بمثل ما ذكر الواحدي. انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٤، وابن الجوزي في: "زاد المسير" ٨/ ١٢٤، والقرطبي في "الجامع" ١٩/ ٧٠، والخازن في: "لباب التأويل" ٤/ ٣٢٨.
(٦) في (أ): أنزلك.
(٧) بياض في (ع).
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
422
هاهنا- الإنكار والتعجيب (١)
قال (الكلبي، و) (٢) مقاتل (٣): ثم يرجو (٤) أن أزيد في ماله وولده وقد كفر بي. وهو قوله: ﴿كلاَّ﴾:
قال ابن عباس: لا أفعل (٥)، وقال مقاتل: لا أزيده (٦).
قال المفسرون (٧): لم يزل الوليد في نقصان بعد قوله: "كلا".
(قال مقاتل) (٨): حتى افتقر ومات فقيرًا (٩).
قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا﴾ قال ابن عباس: معاند لكل ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- (١٠).
وقال مقاتل: كان مجانبًا للقرآن لا يؤمن به (١١)
(١) "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٩٩.
(٢) ساقط من: (أ).
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب. المرجع السابق.
(٤) يرجوا: هكذا في النسختين.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب.
(٧) وممن ذهب إلى هذا القول من المفسرين: ابن عباس في: "النكت والعيون" ١٦/ ١٤٠، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وأبو مالك في "الدر المنثور" ٨/ ٣٢٩، وانظر: "تفسير سعيد بن جبير" ٣٦٥. وقال به أيضًا السمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤٢١ - ٤٢٢، والبغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٥، وعزاه الرازي إلى المفسرين، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ١٩٩. وقال به أيضًا الخازن، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢٨.
(٨) ساقط من: (أ).
(٩) "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٧٣.
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١١) "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٧٣.
423
وقال المبرد: عاند فهو عنيد، مثل: جالس فهو جليس، وضاجع فهو ضجيع (١)
وذكرنا تفسير "العنيد" فيما سلف (٢).
١٧ - قوله تعالى: ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾:
قال الكلبي: سأكلفه صعودًا، وهو جبل من صخرة ملساء في النار، يكلف أن يصعدها حتى إذا بلغ أعلاها أحدر (٣) إلى أسفلها، ثم يكلف أيضًا أن يصعدها، فذلك دأبه أبدًا، يجذب من أمامه بسلاسل الحديد، ويضرب من خلفه بمقامع (٤) الحديد، فيصعدها في أربعين سنة (٥).
(١) الذي ورد عنه في "الكامل" بحاشية نسخة: أ: "يقال: رجل عنيد: إذا خالف الحق، وعاند الرجلُ الرجلَ معاندة وعنادًا إذا خالفه. والعند: ميلك عن الشيء، عند عنودًا، وطريق عاند: مائل، وناقة عَنُود، والجمع عُنُد وعُنَّد: إذا تنكبت الطريق من نشاطها. فَصَلُوا بين العنيد والعنود". الكامل: ٣/ ١١٧٣ - ١١٧٤ حاشية.
(٢) ورد في سورة هود: ٥٩، وسورة إبراهيم: ١٥، وسورة ق: ٢٤، ومما جاء في تفسير: "العنيد" الوارد في قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩)﴾ [هود: ٥٩]. "قال: والعنيد: الذي لا يقبل الحق، ولا يذعن له، من قولهم: عند الرجل يعند عنودًا، وعاند معاندة إذا أبى أن يقبل الشيء وإن عرفه.
(٣) أحدر: الحدر من كل شيء تحدره من علو إلى سفل. "لسان العرب" ٤/ ١٧٢ (حدر).
(٤) مقامع: سبق بيانها.
(٥) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٥، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٥، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢٨، وانظر: الوسيط: ٤/ ٣٨٢.
(ونحو هذا روى عطاء عن ابن عباس (١)) (٢)، وهو قول أبي سعيد الخدري (٣)، ومقاتل (٤).
وقال أهل المعاني: سأحمله على مشقة من العذاب (٥) مثل قوله: ﴿يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: ١٧]، و"صعودًا" من قولهم: عقبة صعود وكؤود (٦)، أي شاقة المصعد (٧). وهذا وعيد له، وإخبار عما يصنع الله به في الآخرة.
١٨ - قوله: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾ يقال: فكر في الأمر، وتفكر، إذا نظر فيه وتدبر (٨)، ومثله: "قدر".
وذلك أن الوليد مر برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقرأ قوله: ﴿حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ إلى قوله: ﴿إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [غافر: ١ - ٣]، فسمعها الوليد، فلما رجع إلى قومه قال لهم: والله لقد سمعت من محمد
(١) لم أعثر على مصدر لما ذكره.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) ورد قوله في: "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٢. كما روي عنه مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعناه، رواه عنه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٥٠٧. في التفسير: باب سورة المدثر، وصححه، ووافقه الذهبي، والإمام أحمد ٣/ ٧٥، ورواه الطبراني في الأوسط، وفيه عطية، وهو ضعيف انظر. "مجمع الزوائد" ٧/ ١٣١.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ أ.
(٥) وهو قول الزجاج، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٦، وقال به أيضًا الليث، انظر مادة: (صعد) في "تهذيب اللغة" ٢/ ٩.
(٦) في (أ): كؤود وصعود.
(٧) انظر مادة: (صعد) في: "تهذيب اللغة" ٦/ ٩، و"لسان العرب" ٣/ ٢٥١.
(٨) انظر: "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٠٤ مادة: (فكر).
425
آنفًا كلامًا ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام (١) الجن، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة (٢)، وإنه ليعلو (٣)، وما يعلى. فقالت قريش: صبأ (٤) الوليد، والله لتصبون قريش كلها، فقال أبو جهل -لعنه الله-: أنا أكفيكموه، فانطلق حتى دخل عليه. هذا قول مقاتل (٥)، وعكرمة (٦).
وقال الكلبي: كان الوليد بن المغيرة قال لرؤساء مكة: إن الناس مجتمعون بالموسم غدًا، وقد فشا أمر هذا الرجل (٧) في الناس، وهم سائلوكم عنه، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا نقول: إنه مجنون، قال لهم: إذًا
(١) قوله: ولا من كلام: بياض في (ع).
(٢) الطَّلاَوَة: الحسن والقبول، يقال: ما عليه طلاَوَة. "الصحاح" ٦/ ٢٤١٤ مادة: (طلا).
(٣) ليعلوا: هكذا وردت في النسختين.
(٤) صبأ: أي خرج من دين إلى دين، وهذا القول كان يقال للرجل إذا أسلم في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-: قد صبأ. أي خرج من دين إلى دين. "تهذيب اللغة" ١٢/ ٢٥٧ (صبأ).
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) تفسير عبد الرزاق: ٢/ ٣٢٨، "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٦ بمعناه، و"ابن كثير" ٤/ ٤٧٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٠ وعزاه إلى أبي نعيم في "الحلية" وابن المنذر.
كما وردت رواية عكرمة من طريقه إلى ابن عباس في "المستدرك" ٢/ ٥٥٦، في التفسير باب تفسير سورة المدثر، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وانظر رواية عكرمة عن ابن عباس أيضًا في: "أسباب النزول" للواحدي: تح أيمن شعبان: ٣٨١، و"لباب النقول" للسيوطي: ٢٢٣، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٥٦.
وعن مجاهد في: "جامع النقول في أسباب النزول" ٢/ ٣٢٣.
ورواه الطبراني مختصرًا، وفيه إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو متروك. انظر: "مجمع الزوائد" ٧/ ١٣١، وانظر: "لباب النقول" مرجع السابق.
(٧) بياض في (ع).
426
يخاطبونه فيعلمون أنه غير مجنون، قالوا (١): فنقول: إنه شاعر. قال: هم العرب يعلمون الشعر، ويعلمون أن ما أتى به ليس بشعر. قالوا: فنقول: إنه كاهن. قال: إنهم قد لقوا الكهان، فإذا سمعوا قوله لم يجدوه يشبه الكهانة فيكذبونكم، ثم انصرف إلى منزله، فقالوا: صبأ الوليد، فقال ابن أخيه أبو جهل بن هشام بن المغيرة: أنا أكفيكموه، فانطلق حتى دخل عليه محزونًا، فقال: مالك يا ابن أخي؟ فقال: إنك قد صبوت لتصيب من طعام محمد وأصحابه، وهذه (٢) قريش تجمع لك مالاً لتكون عوضًا فيما تقدر أن تأخذ من أصحاب محمد، فقال: والله ما يسمعوني (٣)، فكيف أقدر أن أخذ منهم مالًا؟ ولكني أكثرت حديث النفس في أمر هذا الرجل، وتفكرت في شأنه، فقوله قول ساحر، والذي يأتي به سحر (٤). فذلك قوله: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ﴾، قال ابن عباس: يريد في القرآن (٥).
وقال مقاتل: في محمد، وقدر مع نفسه ماذا يقول له (٦). فأنزل الله تعالى: ﴿فَقُتِلَ﴾ قال ابن عباس (٧)، (ومقاتل (٨)) (٩)، والمفسرون (١٠):
(١) في (أ): قال.
(٢) في (أ): وهذا.
(٣) في (ع): ما يشبهون.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ أ، وقد ورد مثل قوله من غير عزو في "بحر العلوم" ٣/ ٤٢٢.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب، ٢١٦/ أ.
(٩) ساقط من: (أ).
(١٠) قال بذلك: الزجاج في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٦، والسمرقندي في: =
427
لُعن؛ وذكرنا ذلك عند قوله: ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ﴾ (١) و ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [التوبة: ٣٠].
قوله تعالى: ﴿كَيْفَ قَدَّرَ﴾ قال صاحب النظم: يجوز أن يكون هذا منتظمًا بما قبله على معنى: فلعن علي أي حال قدر ما قدر، كما يقال في الكلام: لأقتلنه كيف صنع، أي على أي حال كانت فيه.
ويجوز أن يكون منقطعًا بما قبله مستأنفًا؛ لأنه لما قال: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ﴾، كان هذا تمامًا، ثم قال على الإنكار، والتعجب (٢): ﴿كَيْفَ قَدَّرَ﴾، كما تقول (٣) للرجل إذا أتى منكرًا: كيف فعلت هذا (٤).
وقوله: ﴿ثُمَّ قُتِلَ﴾، أي عوقب بعقاب آخر.
﴿كَيْفَ قَدَّرَ﴾ في إبطال الحق، تقديرًا آخر. ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾، أي في طلب ما يدفع به القرآن ويرده. قال الكلبي (٥)، ومقاتل (٦): خلا، فنظر، وتفكر فيما
= "بحر العلوم" ٣/ ٤٢٢، والثعلبي في: "الكشف والبيان" ١٢: ٢٠٩/ أ، والبغوي في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٦، وابن الجوزي في: "زاد المسير" ٨/ ١٢٥، والقرطبي في: "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٣.
(١) سورة الذاريات: ١٠، ومما جاء في تفسيرها: قال الواحدي: "قال جماعة المفسرين، وأهل المعاني: لعن الكذابون. قال ابن الأنباري: هذا تعليم لنا الدعاء عليهم، معناه قولوا: إذا دعيتم عليهم: ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠)﴾ قال: والقتل إذا أخبر عنه الله به كان بمعنى اللعنة.
(٢) في (ع): التعجيب.
(٣) في (ع): يقال.
(٤) ورد قول صاحب النظم في الوسيط: ٤/ ٣٨٣ إلى قوله: على أي حال كانت فيه.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ أ، و"النكت والعيون" بمعناه: ٦/ ١٤٢، والعبارة عنه: "إنه نظر إلى الوحي المنزل من القرآن".
428
يقول لمحمد -صلى الله عليه وسلم- والقرآن.
﴿ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ﴾ قال مقاتل: كلح (١) وتغير لونه (٢).
وقال أبو عبيدة: كره وجهه، وأنشد (قول) (٣) توبة (٤)
وقَدْ رَابَني مِنها صُدُودٌ (٥) رَأيْتُهُ وإعْراضُها عَنْ حَاجَتي وبُسُورُها (٦) (٧)
وقال (٨) أبو إسحاق: نظر بكراهة شديدة (٩).
قال الليث: (عَبَس يَعْبِسُ فهو عَابس، إذ قطَّب ما بين عينيه، فإن أبدى (١٠) عن أسنانه في عبوسته، قيل: كلح (١١)) (١٢)، فإن اهتم لذلك
(١) الكلُوح: العبوس، يقال: كَلَحَ الرجل، وأكْلَحَهُ الهمُّ. النهاية في "غريب الحديث" ٤/ ١٩٦.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ أ.
(٣) ساقطة من: (أ).
(٤) توبة هو: توبة بن الحمير، من بني عُقَيْل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وكان شاعرًا لصًّا، واحد عشاق العرب المشهورين. انظر: "الشعر والشعراء" ٢٨٩.
(٥) صدودًا: في كلا النسختين.
(٦) في (أ): نشورها.
(٧) ورد البيت في "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٦، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٤ برواية "صدود"، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٢، و"فتح القدير" ٥/ ٣٢٧، و"الجامع" و"فتح القدير" لم ينسباه.
وكلام أبي عبيدة في: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٥.
(٨) في (أ): قال.
(٩) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٧ بنصه.
(١٠) في (أ): أبدأ.
(١١) بياض في (ع).
(١٢) ما بين القوسين من كلام الليث. انظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١١٥: (عبس) بتصرف.
429
وفكر فيه، قيل (١): بسر (٢)، فإن غضب مع (٣) ذلك قيل: بسل (٤).
وقال (٥) الكلبي: مر الوليد على (٦) أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم جلوس (٧)، فقالوا: هل لك إلى خير الإسلام؟ فعبس في وجوههم وبسر، ثم ولى مستكبرًا وقال: ما يقول صاحبكم إلا (٨) سحرًا (٩)، فذلك قوله:
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ﴾ (إلى أهله مكذبًا) (١٠). ﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾ تعظم عن الإيمان.
وقال مقاتل: أدبر عن الإيمان (١١)، وتكبر حين دعي إليه (١٢).
﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا﴾، ما هذا القرآن (١٣) ﴿إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾، يأثره محمد عن مسيلمة (١٤).
(١) بياض في (ع).
(٢) البَسْرُ: القهر، وبسر يبسر بسرًا وبُسُورًا: عبس. وبسر الرجل وجهه بسورًا، أي: كلح. "لسان العرب" ٤/ ٥٨: مادة: (بسر).
(٣) بياض في (ع).
(٤) البسل: الكريه الوجه. انظر: معجم "مقاييس اللغة" ١/ ٢٤٩: مادة: (بسل).
(٥) في (أ): قال.
(٦) قوله: مر الوليد على: بياض في (ع).
(٧) بياض في (ع).
(٨) في (أ): ألا.
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٠) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(١١) قوله: أدبر عن الإيمان: غير واضحة في (ع).
(١٢) "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب. قال: أعرض عن الإيمان.
(١٣) بياض في (ع).
(١٤) روى هذا القول الثعلبي بصيغة "قيل" انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٩/ أ.
430
وقال الكلبي: يأثره عن أهل بابل (١) (٢).
قالا (٣): قال الوليد لقومه لما سألوه عن قوله في محمد بعد ما تفكر ونظر: إن محمدًا ساحر، والذي يقوله سحر، ألا ترونه كيف فرق بين فلان وأهله، وبين فلان وابنه وأخيه؟ فذلك قوله: ﴿إنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ وهو من قولهم: أثرت الحديث أثرًا، إذا حدثت به عن قوم في آثارهم، أي: بعد ما ماتوا. هذا هو الأصل، ثم صار بمعنى الرواية عمن كان، والإخبار، ومنه حديث عمر -رضي الله عنه-: "فما حلفت بها ذاكرًا ولا آثرًا" (٤).
(١) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد أورده الثعلبي بصيغة "قيل" من غير عزو.
(٢) بابل: مدينة قديمة بأرض الرافدين، كانت قاعدة إمبراطورية بابل، وتقع على الفرات إلى الشمال من المدن التي ازدهرت في جنوب أرض الرافدين منذ الألف الثالثة ق. م. وعند ياقوت الحموي أن بابل اسم ناحية منها: الكوفة، والحِلة؛ ينسب إليها السحر. وقيل: بابل العراق، وقيل غير ذلك.
انظر: "معجم البلدان" ١/ ٣٠٩، و"الموسوعة العربية الميسرة" ١/ ١٩٦.
(٣) لعله أراد مقاتلًا والكلبي.
(٤) ورد قوله في "غريب الحديث" لأبي عبيد ٣/ ٤٢٧ رقم ٥١١، و"غريب الحديث" لابن الجوزي ١/ ١٠، و"الفائق" للزمخشري ١/ ٢٣، و"مسند الإمام أحمد" ١، ٣٦، ج: ١٢/ ٧ - ٨، و"البخاري" ٣/ ٢١٨ ح: ٦٦٤٧: "كتاب الأيمان" باب ٤، و"صحيح مسلم" ١٢٦٦/ ٣ ح: ٢: "كتاب الأيمان" باب ١.
ونص الحديث كما هو عند البخاري: "قال ابن عمر: سمعت عمر يقول: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- ذاكرًا ولا آثرًا".
ومعنى قوله: "ذاكرًا" أراد متكلمًا به -وليس من الذكر بعد النسيان- وقوله: "ولا آثرًا" يريد مخبرًا عن غيري أنه حلف بقول: لا أقول إن فلانًا قال: وأبي لا أفعل كذا وكذا.
انظر (أثر) في: "تهذيب اللغة" ١٥/ ١٢، و"معجم مقاييس اللغة" ١/ ٥٣ - ٥٤.
431
وقال عطاء عن ابن عباس: يؤثر على جميع السحر (١). وعلى هذا هو من الإيثار.
قوله تعالى: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾، يعني مسيلمة، أو أهل بابل في قول الكلبي.
وقال مقاتل: يعني يسارًا أبا فكيهة، قال: هو الذي يأتيه به من مسيلمة (٢).
وقال عطاء: يريد آية (٣) الشعر (٤)، أو المعنى: أنه كلام الإنس، وليس من الله.
قال الله تعالى: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ (أي سأدخله النار، وسقر: اسم من أسماء جهنم. لا ينصرف للتعريف والتأنيث) (٥).
قال ابن عباس: وهي الطبق السادس من جهنم (٦).
ثم ذكر عظم (٧) شأن سقر فقال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾ (تأويله: وما أعلمك أي شيء سقر) (٨).
ثم أخبر عنها تعظيمًا لشدتها فقال: ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ﴾
(١) لم أعثر على مصدر لما ذكره.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب.
(٣) في (أ): أيمة. لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) ما بين القوسين نقله الزجاج من "معاني القرآن وإعرابه" بتصرف: ٥/ ٢٤٧.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) في (ع): عظيم.
(٨) ما بين القوسين نقله بنصه عن الزجاج من: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٧.
432
قال عطاء عن ابن عباس: لا تبقيه حتى تصير فحمًا، ثم تعاد خلقًا جديدًا، فلا تذره حتى يعود عليه بأشد مما كانت -هكذا- أبدًا (١).
وقال الكلبي: لا تبقي له لحمًا إلا أكلته، ولا تذرهم (٢) إذا أعيدوا خلقًا جديدًا (٣).
وقال مقاتل: لا تبقي النار عليهم إذا واقعتهم حتى تأكلهم، ولا تذرهم إذا بدلت جلودهم حتى تواقعهم (٤).
وقال الضحاك (٥): إذا أخذت فيهم لم تبق منهم (٦) شيئًا (٧)، وإذا أعيدوا لم تذرهم حتى تفنيهم (٨).
وقال السدي: لا تبقي لهم لحمًا، ولا تذر (٩) لهم عظمًا (١٠).
قوله تعالى (١١): ﴿لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ﴾
قال الليث: (لاحه العطش ولوَّحه إذا غيره، والتاح إذا عطش (١٢)،
(١) بمعناه في: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٠٢.
(٢) قوله: إلا أكلته ولا تذرهم: بياض في (ع).
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد أورده الواحدي في الوسيط من غير عزو: ٤/ ٣٨٤.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ أ.
(٥) بياض في (ع).
(٦) في (أ): فيهم.
(٧) بياض في: ع.
(٨) ورد قوله في "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٩/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٦.
(٩) بياض في (ع).
(١٠) "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٩، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٦.
(١١) ساقطة من: (ع).
(١٢) إذا عطش بياض في (ع).
433
ولاحه البرد، والسُّقم، والحزن، وأنشد غيره (١):
ولم يَلُحْها حزنٌ على ابنمٍ ولا أخ ولا أبٍ (٢) فَتَسْهُمِ (٣)) (٤)
قال أبو عبيدة: ﴿لَوَّاحَهٌ﴾ مغيِّرَةٌ، وأنشد (٥):
(يا بنت عمِّي لاحَني الهواجر (٦)) (٧)
والبشر: جمع بشرة، وهي الجلد (٨).
قال الكلبي: يعني تسود بشرة من يطرح فيها (٩).
وقال [أبو رزين] (١٠): يلفح الجلد لفحة فتدعه أشد سوادًا من
(١) بياض في (ع).
(٢) ولا أب ولا أخ: هكذا وردت في (ع).
(٣) البيت غير منسوب. وقد ورد تحت مادة: (لوح) في: "تهذيب اللغة" ٥/ ٢٤٨، و"لسان العرب" ٢/ ٥٨٥، و"تاج العروس" ٢/ ٢١٩ غير منسوبة في جميعها.
(٤) ما بين القوسين نقلاً عن "تهذيب اللغة" ٥/ ٢٤٨ (لوح).
(٥) غير منسوب.
(٦) والبيت كما هو عند القرطبي:
تقول ما لاحك يا مسافر يا ابنة عمي لاحني الهواجر
"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٦، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٩/ أبرواية (السمائم) بدلا من (الهواجر)، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٦، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٦، و"روح المعاني" ٢٩/ ١٢٥ برواية: يا ابنة، وكلها من غير نسبة.
(٧) ما بين القوسين من قول أبي عبيدة في: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٥ بيسير من التصرف.
(٨) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٧.
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٠) أبو زيد: في كلا النسختين. قلت: ولعله تصحيف من الناسخ، وأثبت ما رأيت صحته، وذلك لورود نص القول عن أبي رزين في: الوسيط: المقبوض، والبسيط: تح رأفت عفيفي، و"جامع البيان"، والله أعلم.
434
الليل (١).
وقال مقاتل: يعني حراقة (٢) الجلد (٣).
وقال غيره: محرقة للجلد (٤) -وهو معنى، وليس بتفسير-، أي أنها خرق الجلد فتغيره حتى يسود.
وقال عطاء عن ابن عباس: يلوح لأهلها من مسيرة خمسمائة عام (٥).
(وهذا قول الحسن (٦)، وابن كيسان (٧)) (٨).
ولواحة على هذا القول: من لاح الشيء يلوح إذا لمع نحو (٩) البرق (١٠).
و ﴿البَشَرِ﴾ ليس المراد بها الجلود، وإنما معناها الناس.
قوله: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر﴾ قال المفسرون: يقول على النار تسعة عشر
(١) لم أعثر على مصدر قول أبي زيد، وقد ورد القول بنصه عن أبي رزين في "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٩، وانظر: "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٣. وروي أيضًا عن مجاهد في: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٩/ أ.
(٢) بياض في بعض الحروف في (ع).
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ أ.
(٤) وهو قول ابن عباس وزيد بن أسلم والضحاك، انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٩، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٩/ أ - ب، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٥.
(٥) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٦.
(٦) بهذا المعنى جاء في "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٩/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٦، كما ورد قوله في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٦، و"الجامع" للقرطبي ١٩/ ٩٦.
(٧) المراجع السابقة.
(٨) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٩) بياض في (ع).
(١٠) انظر: "تهذيب اللغة" ٥/ ٢٤٨: مادة، (لوح).
435
من الملائكة هم خزنتها، مالك ومعه ثمانية عشر ملكًا (١)، أعينهم كالبرق (٢)، وأنيابهم كالصياصي (٣)، وأشعارهم تمس (أقدامهم) (٤) يخرج لهب النار من أفواههم، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة، يسع كف أحدهم مثل ربيعة (٥)، ومضر، نزعت منهم الرأفة والرحمة، يدفع أحدهم سبعين ألفا، فيرميهم حيث أراد من جهنم (٦).
قالوا (٧): ولما نزلت هذه الآية، قال اللعين أبو جهل: أما لمحمد
(١) حكاه الثعلبي عن أكثر المفسرين: "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٩/ ب، كما قال بذلك أيضًا البغوي في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٧، والخازن ٤/ ٣٢٩.
(٢) البرق: لمعان السحاب، يقال برق، وأبرق، وبرق، يقال في كل ما يلمع نحو: سيف بارق وبَرِق وبَرَق. المفردات: ٤٣: مادة: (برق).
(٣) الصياصي: أي قرون البقر، واحدتها صيصة -بالتخفيف-، والصيصة أيضًا: الوتد الذي يقلع به التمر، والصِّنَّارة التي يغزل بها وينسج. "النهاية في غريب الحديث والأثر": ٣/ ٦٧.
(٤) ساقط من: (أ).
(٥) ربيعة: حي من مضر من العدنانية، وهم بنو ربيعة بن نزار بن مضر، وتعرف بربيعة الحمراء، وديارهم ما بين اليمامة والبحرين والعراق. انظر: "نهاية الأرب" للقلقشندي: ٢٤٢، و"جمهرة أنساب العرب" لابن حزم: ٢٩٢.
(٦) أورد هذه الرواية مقاتل في تفسيره: ٢١٦/ أ. كما وردت الرواية من طريق ابن جريح مرفوعة وذلك عند الثعلبي في "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٩/ ب، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٧، كما رويت بالمعنى في: "بحر العلوم" ٣/ ٤٢٢، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٧، الكشاف: ٤/ ١٥٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٦، وساق رواية الواحدي الفخر في: "التفسير الكبير" ٣٥/ ٢٠٣، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢٩.
(٧) أي المفسرون، وممن قال بذلك: ابن عباس، وقتادة، والضحاك، انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٩، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٩/ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٥، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٣.
436
من الأعوان إلا تسعة عشر، يخوفكم بتسعة عشر، وأنتم الدهم (١)، أفتعجز كل مائة منكم أن يبطشوا بواحد (٢) منهم، ثم يخرجون من النار؟ فقال أبو الأشدين (٣) -وهو رجل من بني جمح (٤) -: يا معشر قريش، إذا كان يوم القيامة فأنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عنكم عشرة بمنكبي الأيمن، وتسعة بمنكبي الأيسر (٥)، ونمضي فندخل (٦) الجنة، فأنزل الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً﴾
قال (أبو بكر) (٧) بن الأنباري: لما أنزل الله تعالى قوله: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ قال أبو جهل (٨) وأبو الأشدين ما قالا، قال المسلمون: عس (٩) الملائكة إلى الحدادين (١٠).
(١) الدهم: العدد الكثير. النهاية: ٢/ ١٤٥
(٢) بياض في (ع).
(٣) ورد عند الثعلبي: أبو الأسد بن كلدة بن خلف بن أسد الجمحي. "الكشف والبيان" ج: ٢٠٩: ١٢/ ب، وكذا في "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٧، وعند الماوردي: أبو الأشد بن الجمحي، و"النكت والعيون": ٦/ ١٤٥، وعند ابن عطية: أبو الأشدي الجمحي. المحرر: ٥/ ٣٩٦، وعند ابن كثير: أبو الأشدين كلدة بن أسيد بن خلف. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٤.
(٤) بنو جمح: هم بطن من العدنانية، وهم بنو جمح بن عمرو بن هُصيص بن كعب بن لؤي. انظر: "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" للقلقشندي: ١/ ٤٠٧، و"معجم قبائل العرب" ٢/ ٢٠٢.
(٥) غير مقروء في (ع).
(٦) غير مقروء في (ع).
(٧) ساقط من: (أ).
(٨) بياض في (ع).
(٩) غير مقروء في النسختين.
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله.
437
والمعنى: عس (١) الملائكة إلى السجَّانين من النار، والحداد: السجان الذي يحبس الناس، فأنزل الله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً﴾، يعني خزانها.
"إلا ملائكة" أي: فمن يطيق الملائكة، ومن يغلبهم.
﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ﴾، أي: عددهم في القلة، وقال مقاتل: قلتهم (٢).
﴿إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾، قال ابن عباس: يريد ضلاله لهم حتى قالوا ما قالوا (٣).
وقال أبو إسحاق: أي محنة؛ لأن بعضهم قال: أنا أكفي هؤلاء (٤).
والمعنى: جعلنا هذه العدة محنة لهم؟ ليظهروا ما عندهم من التكذيب (٥).
قوله (٦): ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾. قال ابن الأنباري (٧)، والزجاج (٨)؛ لأن عدد الخزنة في كتابهم (٩)، فيستيقنوا صدق محمد -صلى الله عليه وسلم-، موافقًا (١٠) لما في كتابهم؛ لأنه إذا أخبر بذلك على وفق (١١) ما عندهم
(١) غير مقروءة في النسختين.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ ب، وقد ورد عن الفراء مثله. انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٤.
(٣) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٩ بنحوه.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٨ بيسير من التصرف.
(٥) قوله: من التكذيب: بياض في (ع).
(٦) في (ع): فقال.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٤٦، نقله عنه بالمعنى.
(٩) بياض في (ع).
(١٠) في (ع): موافق.
(١١) قوله: على "وفق" بياض في (ع).
438
من غير أن [يقرأ] (١)، كتابًا دل ذلك على صدقه، واللام في قوله: ﴿لِيَسْتَيْقِنَ﴾ تتعلق بقوله: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ (٢).
قال الكلبي: كان ذلك في كتب أهل الكتاب: تسعة عشر، كما نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٣).
وقال الفراء: ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ يقينًا إلى يقينهم؛ لأن عدد الخزنة في كتابهم تسعة عشر (٤).
قال ابن عباس: يعني الذين آمنوا منهم (٥).
قوله تعالى: ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ قال الفراء: لأنهما (٦) في كتاب أهل الكتاب كذلك (٧).
وعلى هذا معناه ليزداد مؤمنو أهل الكتاب تصديقًا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- إذا وجدوا ما يخبرهم به من عدد الخزنة موافقا لما في كتابهم (٨)، فيعلمون أنه صادق. وقال أبو إسحاق: لأنهم كلما صدقوا بما يأتي في كتاب الله زاد إيمانهم (٩). والمعنى على هذا: ويزداد المؤمنون إيمانًا بتصديقهم محمدًا في
(١) في النسختين: قرأ، والصواب ما أثبته لاستقامة المعنى به والله أعلم.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٤، برواية: (عدد) بدلًا من: (عدة).
(٥) ورد قوله في: "جامع البيان" ٢٩/ ١٦١، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٠.
(٦) في (أ): لأنهما.
(٧) "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٤ بنصه.
(٨) في (أ): لكتابهم: بدلاً، من: لما في كتابهم.
(٩) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٨ بنصه.
439
عدد خزنة النار.
قوله تعالى: ﴿وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، أي لكيلا (١) يشك هؤلاء في أن خزنة جهنم تسعة عشر.
قوله: ﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾، أي:
شك ونفاق من منافقي المدينة (٢)، (هذا قول (٣)، والكلبي (٤)، ومقاتل (٥)) (٦).
وذكر عن الحسين بن الفضل أنه (٧) قال: هذه السورة مكية، ولم يكن بمكة نفاق. فالمرض في هذه الآية لا يكون بمعنى النفاق (٨).
وقول المفسرين صحيح وإن أنكره؛ لأنه كان في معلوم الله تعالى (ذكره) (٩) أن النفاق سيحدث، فأخبر عما يكون.
قوله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ﴾، قال مقاتل: يعني مشركي العرب (١٠).
(١) في (أ): لكي لا.
(٢) قال بذلك: قتادة في "جامع البيان" ٢٩/ ١٦١، وحكاه الثعلبي، وابن الجوزي والفخر عن أكثر المفسرين، انظر: "الكشف والبيان" ١/ ٢١٠/ أ، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٧، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٠٧، وإلى هذا ذهب البغوي ٤/ ٤١٧.
(٣) غير مقروء في (ع).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢٠٦/ ب، وروايته قال: يعني الشك، وهم اليهود من أهل المدينة.
(٦) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٧) قوله: الفضل أنه: بياض في (ع).
(٨) ورد قوله في: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢١٠/ أ، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٦، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٧، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٠٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٠، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٧٩، و"فتح القدير" ٥/ ٣٣٠.
(٩) ساقط من: (أ).
(١٠) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ ب.
440
وقال عطاء (١)، (والكلبي (٢)) (٣): يعني الكفار من اليهود، والنصارى. والقول قول مقاتل (٤)؛ لأن اليهود والنصارى يؤمنون بما (٥) في كتابهم، فلا ينكرون عدد خزنة النار (٦).
قوله تعالى: ﴿مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾، مبين في سورة البقرة (٧) إلا أن معنى المثل هناك قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا﴾ [البقرة: ٢٦]، ولم يذكر في هذه "مثل" حتى تنكره (٨) الكفار فيقولوا ماذا أراد الله بهذا مثلاً، ومعنى (٩) المثل -هاهنا- الحديث نفسه.
ومنه قوله: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ [الرعد: ٣٥]، أي: حديثها، والخبر عنها وكذلك قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ﴾ [الفتح: ٢٩]، أي حديثهم والخبر عنه وقصتهم (١٠).
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) ساقط من: (أ).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) قوله: والنصارى يؤمنون بما: بياض في (ع).
(٦) قوله: خزنة النار: بياض في (ع).
(٧) الآية: ٢٦ من سورة البقرة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾.
(٨) غير واضحة في (ع).
(٩) في (أ): وهنا.
(١٠) لفظ المثل ورد على أربعة أوجه، هي: السنن أو السير، والعبرة، والصفة، والعذاب، وما جاء في الآيتين من سورة الرعد والفتح فالمثل فيها على معنى الصفة أو الشبه. انظر: قاموس القرآن: الدامغاني: ٤٢٨، والوجوه والنظائر في القرآن: القرعاوي: ٥٨٨.
قال ابن كثير في معنى قوله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾ أي يقولون: ما =
441
وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ﴾، أي كما أضل من أنكر عدد الخزنة، ولم يؤمن به، وهدى من صدق ذلك وآمن به.
﴿يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾.
وأنزل في قول أبي جهل: أما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾، قال مقاتل: أي من الكثرة (١).
وذلك أنهم استقلوا ذلك العدد، فأخبر الله تعالى عن كثرة جنوده، بأن أعيانهم وعددهم لا يعلمها إلا هو.
وقال عطاء: "جنود ربك" يعني: من الملائكة الذين خلقهم، يعذبون أهل النار، لا يعلم عدتهم إلا الله (٢).
وعلى هذا "تسعة عشر" هم خزنة النار، ولهم الأعوان والجنود من الملائكة ما لا يعلمه إلا الله.
ثم رجع إلى ذكر سقر فقال: ﴿وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾.
قال ابن عباس (٣)، (ومقاتل (٤)) (٥)، أي: موعظة وتذكرة للعالم.
وقال أبو إسحاق: جاء في التفسير أن النار في الدنيا تذكر النار في
= الحكمة في ذكر هذا هاهنا، قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾، أي: من مثل هذا وأشباهه بتأكيد الإيمان في قلوب أقوام، ويتزلزل عند آخرين، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٤.
(١) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ ب.
(٢) "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٧.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد في الوسيط: ٤/ ٣٨٥ من غير عزو.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ ب.
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
442
الآخرة (١).
ثم أخبر عن عظم شأنها فأقسم على ذلك فقال:
﴿كَلَّا﴾؛ أي ليس، القول كما يقول من زعم أنه يكفي أصحابه خزنة [النار] (٢)، ﴿وَالْقَمَرِ﴾، قسم، وكذلك.
﴿وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ﴾، قال ابن عباس: إذا ولى (٣). وقال الكلبي (٤)، ومقاتل (٥): إذا ذهب (٦).
ودبر وأدبر بمعنى واحد. قاله الفراء (٧)، والزجاج (٨). قالا: ومثله: قبل وأقبل، يقال: دبر الليل وأدبر (٩)، إذا ولى ذاهبًا، يدل على هذا قراءة من قرأ (١٠): "إذا أدبر" بالألف (١١).
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٤ بنصه.
(٢) النار: لا توجد في النسختين، وأثبتها بدلالة السياق عليها، ولعلها تركت سهوًا من الناسخ، أو تكون العبارة "الخزنة" بالألف واللام، وتركت الألف واللام سهوًا.
(٣) "النكت والعيون" ٦/ ١٤٦.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) بياض في (ع).
(٧) "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٤.
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٦/ ٢٤٨.
(٩) بياض في (ع).
(١٠) قوله: قراءة من قرأ: بياض في (ع).
(١١) قرأ بذلك عبد الله بن مسعود، وأبي، والحسن، وابن السميفع، انظر: "معاني القرآن" للفراء: ٣/ ٢٠٤. و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٢. وهي قراءة شاذة لعدم صحة سندها، ولعدم ذكرها في كتب التواتر، ولقراءة الحسن وابن السميفع بها، وهم من الشواذ؛ وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، وابن =
443
روي أن مجاهدًا سأل ابن عباس عن قوله: "دبر" فسكت حتى إذا أدبر الليل قال: يا مجاهد هذا حين دبر الليل (١).
وروى أبو الضحى أن ابن عباس كان يعيب هذه القراءة (٢)، ويقول: إنما يدبر ظهر البعير (٣).
والقرآن عند أهل اللغة سواء على ما ذكرنا - وأنشد (أبو علي) (٤):
وأبي الذي تَرَكَ المُلُوك وجَمْعَهُم بِصُهابَ هَامِدةً كأَمْسِ الدَّابِرِ (٥)
قال (٦) وقد قالوا أيضًا: كأمس المدبر، والوجهان (في القرآن) (٧) حسنان جميعًا (٨).
= عامر، والكسائي: "إذا أدبر" بفتح الدال. وقرأ نافع، وعاصم في رواية حفص وحمزة: "إذا أدبر" بتسكين الدال. انظر: كتاب السبعة: ٦٥٩، "الحجة" ٦/ ٣٣٨، و"الكشف" ٢/ ٣٤٧، و"النشر" ٢/ ٣٩٣.
(١) الحجة: ٦/ ٣٣٩، وانظر: "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٧، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٠٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٥ وعزاه إلى مسدد في مسنده، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) أي قراءة: "إذ دبر".
(٣) انظر: "معاني القرآن" الفراء: ٣/ ٢٠٤، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٠/ ب، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٠٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٣.
(٤) ساقط من: (أ).
(٥) البيت ورد في "الحجة" ٦/ ١٧٥ و٣٣٩، وأنشده، الأصمعي ولم ينسبه، وانظر: "الخصائص" لابن جني ٢/ ٢٦٧، و"لسان العرب" ١/ ٥٣٣: (صهب).
ومعنى صهب كما في اللسان: "بين البصرة والبحرين عين تعرف بعين الأصهب"، كما ورد البيت في "المحرر" ٥/ ٢٩٧ برواية: يهضاب، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٠٨.
(٦) أي: أبو علي.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٨) انظر قوله في "الحجة" ٦/ ٣٣٩.
444
(وقال أبو عبيدة (١)، وابن قتيبة (٢): دبر، أي: جاء بعد النهار) (٣)، يقال: دبرني، أي جاء خلفي، ودبر الليل (٤)، أي: جاء بعد النهار.
قال قطرب: فعلى هذا معنى "إذا دبر" إذا أقبل بعد مضي النهار (٥).
قوله تعالى: ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ﴾ أي (أضاء، وتبين، ومنه: الحديث "أسفروا بالفجر" (٦)، يقول: صلاة الفجر بعد ما تبين ويظهر حتى لا يشك فيه، ومن هذا قوله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ﴾ (٧)، أي: مضيئة) (٨).
ثم ذكر المقسم عليه فقال: ﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾.
يعني (أن) (٩) سقر -التي جرى ذكرها- لإحدى الكبر.
(١) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٥ - ٢٧٦.
(٢) "تفسير غريب القرآن" ٤٩٧.
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) في (أ): إذ: وهي زيادة لا معنى لها.
(٥) "الكشف والبيان" ١٢/ ٢١٠/ ب بمعناه، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٨ بمعناه، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٠٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٢ بمعناه
(٦) الحديث -عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أسْفِروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر". أخرجه الترمذي ١/ ٢٨٩ ح ١٥٤: أبواب الصلاة: باب ما جاء في الإسفار بالفجر. وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي في "سننه" ١/ ٢٤٩ ح ٥٤٧ - ٥٤٨ المواقيت، باب الإسفار، والإمام أحمد ٥/ ٤٢٩، قال الحافظ ابن حجر: رواه أصحاب السنن وصححه غير واحد: "فتح الباري" ٢/ ٥٥.
جاء في "النهاية": ٢/ ٣٧٢: أسفر الصبح إذا انكشف وأضاء.
(٧) سورة عبس: ٣٨.
(٨) ما بين القوسين نقله الواحدي عن الأزهري مختصرًا، و"التهذيب" ١٢/ ٤٠٠ - ٤٠١.
(٩) ساقطة من: (أ).
445
قال مقاتل (١)، (والكلبي (٢)) (٣): أراد بـ"الكبر" دركات جهنم، وأبوابها، وهي سبعة: جهنم، ولظى (٤)، والحطمة، والسعير، وسقر، والجحيم، والهاوية. أعاذنا الله منها.
و"الكبر" جمع الكبرى (٥)، مثل الصُّغْرى (٦)، والصُّغَر.
قال المبرد (٧)، وابن قتيبة (٨): إنها لإحدى العظائم، والعُظَم كما يقال: إحدى الدواهي، و"إحدى" اسم بني ابتداء [للتأنيث] (٩)، وليس بمعنى (١٠) على المذكر، نحو عصا، وأخرى (١١) -ولعل هذا مما سبق الكلام فيه- (١٢).
وألف "إحدى" مقطوع لا يذهب في الوصل.
(١) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٨، و"القرطبي" ١٩/ ٨٣ بمعناه.
(٢) "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٨.
(٣) ساقط من: (أ).
(٤) في (أ): لظا.
(٥) في (أ): الكبرا.
(٦) في (أ): الصغرى.
(٧) انظر: "المقتضب" ٢/ ٢١٧.
(٨) "تفسير غريب القرآن" ٤٧٩.
(٩) في: أ، وع: التأنيث، والصواب ما أثبته.
(١٠) في (ع): مبني.
(١١) في (أ): أخرا.
(١٢) عند قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة: ١٨٤، و ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ آل عمران: ٧، و ﴿أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾ الأنعام: ١٢٣، و ﴿هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا﴾ الكهف: ١٠٣، و ﴿وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ الشعراء: ١١١، وغيرها.
446
(وروي عن ابن كثير أنه قرأ ﴿إنها لَحْدى (١) الكبر﴾ موصولاً حذف الهمزة حذفًا. كما يقال: وَيْلُمِّهِ (٢)، وقد جاء ذلك في الشعر، قال أبو الأسود:
يا با (٣) المغيرةِ رُبَّ أمرٍ مُعْضلٍ قَرَّبْتَه بالنُكر مني والدَّها (٤)
وأنشد أحمد بن يحيى:
إن لم أقاتلْ فالبِسوني بُرْقعًا وفَتَحـ ـات في اليَدَيْن أربعا (٥)
وقال الفرزدق:
فعليَّ إثمُ عطيَّة بن الخَيْطـ ـفي وإثمُ التي زجرتْكَ إن لم تَجْهَدِ (٦) (٧)
(١) في (أ): لاحدى، وهو خطأ.
(٢) أي: ويل أمه، فلما حذفت الهمزة صارت: ويلمه، وشاهده قول امرئ القيس:
وَيْلُمِّها في هواء الجو طالبة ولا كهذا الذي في الأرض مطلوبُ
انظر: الحجة: ٦/ ٣٤٠.
(٣) في (أ): يا أبا.
(٤) ورد البيت في ديوانه: ١٧٠: تح محمد آل ياسين برواية: "مبهم" بدلًا من "معضل"، و"بالحزم" بدلًا من "بالنكر"، وفي الحجة: ٦/ ٣٤٠ برواية "فرجته" بدلًا من "قربته"، وانظر: ٣/ ٢١١ و٣٠٧.
كما ورد منسوبًا إلى أبي الأسود في: "الأمالي الشجري" لابن الشجري: ٢/ ١٦، برواية "فرجته". "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٧.
(٥) غير منسوب، وقد ورد في الحجة: ٣/ ٢١١ و٣٠٦، ٦/ ٣٤٠، ولم ينشد أحمد ابن يحيى هذا البيت، إنما أورد بيتًا آخر، و"الخصائص" ٣/ ١٥١، و"المحتسب" ١/ ١٢٠، و"المحرر" ٥/ ٣٩٨، والشاهد فيه: أنه حذف الهمزة حذفًا ولم يخفف على القياس في "فالبسوني".
(٦) قوله: إن لم تجهد: في مقروء في (ع).
(٧) لم أعثر عليه في ديوانه، وقد ذكر محقق الحجة أيضًا أنه لم يعثر عليه في ديوانه. انظر: الحجة: ٦/ ٣٤١.
447
وهذا مثل قراءة ابن كثير، ألا ترى أن "لإح" من قوله "لإحدى" مثل واث، من قوله "وإثم التي". وليس هذا الحذف (١) بقياس، والقياس التخفيف، وهو أن يجعل بين بين، ولكنه وجد الهمزة تحذف حذفًا في بعض المواضع فجرى (٢) عليه، وفي (٣) حذفه الهمزة من "لإحدى" ضعف؛ لأنه إذا حذفتها (٤) بقي بعدها حرف ساكن يكون أول الكلمة بعد الحذف [ولهذا] (٥) لم تخفف الهمزة أولًا؛ لأن التخفيف تقريب من الساكن، فإن لا يكون ما يلزم له إلا الابتداء بالساكن أجدر؛ ووجهه على ضعفه: أن اللام اللاحقة أول الكلمة لما لم تفرد صار بمنزلة ما هو من نفس الكلمة، فصار حذف الهمزة كأنه حذف في تضاعيف الكلمة، ومن ثم قالوا: "لهو" (٦) فخففوه كما خففوا "عضْدًا"، ونحوه مما هو كلمة واحدة) (٧).
قوله تعالى: ﴿نَذِيرًا لِلْبَشَرِ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: يريد قم نذيرًا للبشر (٨).
وذكر النحويون هذا القول في نصب "نذيرًا" ذكره الكسائي (٩)،
(١) بياض في (ع).
(٢) في (أ): فجرا.
(٣) في (أ): في.
(٤) في (أ): حذفها.
(٥) في (أ): إذا، وفي (ع): وإذا، والمثبت من الحجة، وبه يستقيم المعنى.
(٦) الحج: ٥٨ ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.
(٧) ما بين القوسين نقله الإمام الواحدي عن أبي على الفارسي بتصرف. انظر: "الحجة" ٦/ ٣٣٩ - ٣٤١.
(٨) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٤.
(٩) "الوسيط" ٤/ ٣٨٥.
448
والزجاج (١).
وقال (٢) الفراء: وليس ذلك بشيء (٣) -والله أعلم-؛ لأن الكلام قد حدث بينهما شيء كثير، ونصبها بالقطع من المعرفة؛ لأن (إحدى الكبر) معرفة، فقطعت منه. قال: ويجوز أن يكون النذير بمعنى الإنذار. ، والمعنى: أنذر إنذارًا للبشر. ودل قوله: ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ﴾ على أنذر بها (٤).
وذكر أبو إسحاق: القول الأول فقال: نصب "نذيرًا" على الحال. وقال: وذكِّر [نذيرًا] (٥)؛ لأن معناه معنى العذاب، أو أراد ذات إنذار، كقولهم: امرأة طاهر وطالق (٦).
قال أبو علي الفارسي في قوله: ﴿نَذِيرًا لِلْبَشَرِ﴾ قولان:
أحدهما: أن يكون حالًا من "قم" المذكورة (٧) في أول (٨) السورة (٩).
والآخر: أن يكون حالاً من قوله: ﴿لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾، وليس يخلو
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٩، وعبارته قال: "ويجوز أن يكون (نذيرًا) منصوبًا مُعلقًا بأول السورة على معنى: "قم نذيرًا للبشر".
(٢) في (ع). قال: بغير واو.
(٣) يعني القول بنصب "نذيرًا" على معنى: قم نذيرًا للبشر.
(٤) "معاني القرآن" بيسير من التصرف.
(٥) ساقط من النسختين، وما أثبتاه من "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج، ولا يستقيم المعنى إلا بإثباتها.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٩ بتصرف.
(٧) في (أ): المذكور.
(٨) سقط حرف اللام من أول النسخة: أ.
(٩) ورد هذا القول في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٤.
449
الحال من أن يكون المضاف، أو من المضاف إليه، فإن كان من المضاف إليه، كان القائل فيه "ما في" "إحدى" من معنى التفرد، وإن كان المضاف إليه كان العامل فيه ما في "الكُبر" من معنى الفعل، وفي كلا (١) الوجهين ينبغي أن يكون "نذيرًا" مصدرًا؛ لأن المضاف مؤنث، والمضاف إليه مؤنث مجموع، والمصدر قد يكون حالاً من الجميع، كما يكون حالاً من المفرد تقول: جاء وأركض (٢)، كما تقول: جاء ركضًا (٣).
٣٧ - قوله: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ﴾، "لمن " بدل من قوله: "للبشر" (٤)، وهو كقوله: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ﴾ (٥).
قوله: "أن يتقدم"، أي: في الخير والإيمان.
"أو يتأخر" عنه. والمعنى: قد حصل الإنذار لكل أحد لمن آمن وصدق، ولمن عصى وكفر، وهذا تهديد وإعلام أن من تقدم إلى الطاعة، وإلى ما أمر به جوزي بالثواب، وقد سبق له الوعد بذلك، ومن تأخر عما أمر به عوقب، وقد سبق له الإنذار والوعيد. وهذا معنى قول ابن عباس (٦)،
(١) في النسختين: كلى.
(٢) في (ع): وأركضا.
(٣) لم أعثر على مصدر لقول أبي علي الفارسي. ولقد ذكرت أوجه أخرى كثيرة في قوله: "نذيرًا".
انظر ذلك في: الدر المصون: ٦/ ٤١٩ - ٤٢٠.
(٤) انظر: إعراب القرآن للنحاس: ٥/ ٧٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٧٩.
(٥) سورة آل عمران: ٩٧.
(٦) "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٤، وعبارته: من شاء أَتبع طاعة الله، ومن شاء تأخر عنها.
450
(والكلبي (١)) (٢)، ومقاتل (٣)، والمفسرين (٤).
ومعنى إضافة المشيئة إلى المخاطبين (٥): التهديد (٦)، كقوله: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩].
وذكر صاحب النظم، وغيره (٧): أن (هذه) (٨) المشيئة لله -تعالى-
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) ساقط من: (أ).
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٧ / أ.
(٤) ممن قال بذلك: قتادة، والحسن، وابن جريج، ويحيى بن سلام، والسدي. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٤، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١١/ أ، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٤، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٨. كما ذهب إلى هذا القول السمرقندي في: "بحر العلوم" ٣/ ٤٢٣ - ٤٢٤، والبغوي في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٨.
(٥) في (ع): المخاطبون. وهو خطأ.
(٦) في قوله: (ومعنى إضافة المشيئة إلى المخاطبين: التهديد) ما يفيد أن الإمام الواحدي قائل بقول الأشاعرة في مسألة فعل العبد حيث ينكرون أن تكون له قدرة مؤثرة، وقد سموا فعله: كسبا. قال د: عبد الرحمن المحمود معلقًا على ذلك: "والمؤلف ربما زاد على شيوخه حين نفى المشيئة التي للعبد، وأول ظاهر الآية إلى أن المقصود بها التهديد. والذي عليه أهل السنة والجماعة أن للعبد مشيئة بها يختار هذا وهذا. ولكنها خاضعة وداخلة تحت مشيئة الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)﴾. فللعبد مشيئة حقيقية تليق به، ولله تعالى مشيئة تليق بجلاله وكماله، ولا تنافي بينهما" انظر: شرح العقيدة الطحاوية: ٩٥، وكتابه محرر بتاريخ ١٨/ ٨/١٨ هـ. من د: عبد الرحمن المحمود.
(٧) قد أورده الفخرى: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢١٠.
(٨) ساقط من: (أ).
451
على معنى: لمن شاء (الله) (١) منكم أن يتقدم أو يتأخر (٢).
قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾، أي مأحْوذة بحملها.
قال ابن عباس: مرتهنة في جهنم (٣).
وقال مقاتل: كل نفس كافرة مرتهنة بذنوبه في النار (٤).
ومن (٥) المفسرين (٦)، وأهل المعاني (٧): من يحمل هذا على العموم، وإلا فيما استثنى فتقول: كل أحد مأخوذ بعمله محاسب به إلى أن يتخلص من يتخلص بفضل الله.
قوله تعالى: ﴿إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩)﴾ من قال إن المرتهنة هي الكافرة، قال: أصحاب اليمين هم المؤمنون. وهو قول عطاء عن ابن عباس (٨)،
(١) ساقط من: (أ).
(٢) وقول صاحب النظم أيضًا فيه نفي المشيئة للعبد، والتعليق عليه بمثل ما جاء في الحاشية السابقة رقم: ٧.
(٣) بمعناه في "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٥ والعبارة عنه قال: "إن كان أحدهم سبقت له كلمة العذاب جعل منزله في النار يكون منها رهنًا، وليس يرتهن أحد من أهل الجنة هم في جنات يتساءلون".
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٧/ أ.
(٥) في: أ: وفي.
(٦) منهم: قتادة، والحسن، ويحيى بن سلام، والسدي. انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٤، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١١/ أ، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٤، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٨.
وإلى هذا القول ذهب السمرقندي في: "بحر العلوم" ٣/ ٤٢٣ - ٤٢٤، والبغوي في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٨.
(٧) لم أعثر على مصدر لقولهم.
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
452
(والكلبي (١)) (٢)، ومقاتل (٣). قال عطاء: هم المؤمنون (٤).
وقال الكلبي: هم الذين قال الله فيهم: "هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهم الذين كانوا على يمين آدم" (٥).
قال (٦) مقاتل: هم الذين أعطوا كتبهم بأيمانهم، لا يرتهنون بذنوبهم في النار (٧).
وروى أبو ظَبْيان عن ابن عباس قال: هم المسلمون (٨). وهذا قول الحسن (٩) (وابن كيسان (١٠)) (١١).
ومعنى قول قتادة: (غلق) (١٢) الناس (١٣) كلهم إلا أصحاب
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) ساقطة من: (أ).
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٧/ أبمعناه.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) الوسيط: ٤/ ٣٨٦.
(٦) في (ع): وقال.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢١٧/ أ، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢١٠.
(٨) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٥، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٦ وعزاه إلى ابن المنذر.
(٩) "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١١/ أ، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٥، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٧٩.
(١٠) المراجع السابقة عدا "الكشف والبيان".
(١١) ساقطة من: (أ).
(١٢) في كلا النسختين: خلق، وما أثبته نقلاً عن "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٥، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١١/ ب، وذكر في "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٨ علق، وكذا "الدر المنثور" ٨/ ٣٣٦.
(١٣) في (أ): الإنسان.
453
اليمين (١).
أي بقوا مرتهنين لا يفك رهانهم. وهذا من صفة الكفر.
ومن أجاز أن يكون المسلمون من جملة من عني بقوله "كل نفس بما كسبت" قال في أصحاب اليمين: هم أطفال المسلمين. وهو قول: علي (٢)، وابن عمر (٣) (رضي الله عنهما) (٤)، ومجاهد (٥)، (واختيار الفراء (٦)، والزجاج (٧)) (٨).
(١) المراجع السابقة.
(٢) هو علي بن أبي طالب، وقد ورد قوله في: تفسير الإمام مجاهد: ٥/ ٦٨٥، و"معاني القرآن" للفراء: ٣/ ٢٠٥، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٦٥، و"بحر العلوم" ٣/ ٤٢٤، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٨، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٨، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٨، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٩، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢١٠، و"الجامع للأحكام القرآن" ١٩/ ٨٥، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٧٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٦، وعزاه إلى عبد الرزاق -ولم أجده في تفسيره- والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وانظر: "المستدرك" ٢/ ٥٠٧: كتاب التفسير: تفسير سورة المدثر: وصححه الحاكم ووفقه الذهبي. و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٦ وعزاه إلى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة، وابن المنذر.
(٣) "الدر المنثور" ٨/ ٣٣٦، وعزاه إلى سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر.
(٤) ساقطة من: (ع).
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٥.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٩.
(٨) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
454
قال الفراء: وهو شبيه بالصواب؛ لأن الوِلْدان [لم] (١) يكتسبوا (٢) إثمًا يرتهنون به؛ لأن في قوله: ﴿يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢)﴾ ما يقوي أنهم الولدان؛ (لأنهم) (٣) لم يعرفوا الذنوب، فسألوا: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَر (٤٢)﴾ (٤):
قال الكلبي: ما أدخلكم (٥).
وقال مقاتل: ما جعلكم في سقر. مال: وذلك لما أخرج الله أهل التوحيد من النار، قال المؤمنون: أصحاب اليمين لمن بقي في النار من الكفار: "ما سلككم في سقر" يقولون: ما حبسكم في النار (٦)؟ فأجابوهم عن أنفسهم، فقالوا:
﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ لله في الدنيا، أي من الموحدين. قاله عطاء (٧).
وقال الكلبي: يعني من المسلمين (٨).
﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾، أي: لم نك نتصدق على المساكين، ولا نطعمهم في الله. (قاله عطاء، والكلبي (٩)، ومقاتل (١٠)).
(١) لم: ساقطة من النسختين، وما أثبته من "معاني القرآن" للفراء: ٣/ ٢٠٥، وهو الصواب لاستقامة المعنى به.
(٢) في: (أ، ع): يكتسبون، وهو خطأ عند إثبات لم.
(٣) ساقطة من: (أ).
(٤) "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٥ بيسير من التصرف.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ أ، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٩.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله. وعبارة: (قوله عطاء) ساقط من: (أ).
(٨) و (٩) لم أعثر على مصدر لقولهم.
(١٠) "تفسير مقاتل" ٢١٧/ أبمعناه. وما بين القوسين ساقط من: (أ).
455
﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ﴾، قال ابن عباس: نكذب مع المكذبين (١).
وقال الكلبي (٢)، ومقاتل (٣): نخوض مع أهل الباطل في الباطل والتكذيب.
وقال قتادة: أي كلما غوى غاوٍ غوينا (٤) معه (٥).
قال أبو إسحاق: أي نتبع الغاوين (٦).
﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾، أي: بيوم الجزاء، والثواب، والعقاب.
﴿حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾، أي: الموت. قاله ابن عباس (٧) والمفسرون (٨)، وهذا كقوله: ﴿حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ (٩).
والمعنى (١٠): كنا نقول إن يوم القيامة غير كائن، وبقينا على ذلك حتى الموت ومتنا عليه.
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٧/ أبمعناه.
(٤) في (أ): وغوينا.
(٥) "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٦، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٨، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٦، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٦.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٩ بنصه.
(٧) "الدر المنثور" ٨/ ٣٣٧، وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
(٨) قال بذلك السدي. انظر: "النكت والعيون" ٦/ ١٤٨، وممن قال به أيضًا: ابن جرير، والسمرقندي، والثعلبي: "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٦، و"بحر العلوم" ٣/ ٤٢٤، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١١/ أ، كما ذهب إليه: البغوي، وابن عطية. انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٩.
(٩) سورة الحجر: ٩٩: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.
(١٠) في: (أ): معنا.
456
قال الله -تعالى-: ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾، قال عطاء عن ابن عباس: يريد شفاعة الملائكة والنبيين، كما نفعت الموحدين (١).
وقال مقاتل: لا تنالهم شفاعة الملائكة والنبيين (٢).
وقال الحسن: حل عليهم غضب الله، فلم تنفعهم شفاعة ملك، ولا شهيد، ولا مؤمن (٣).
وقال عمران بن حصين: الشفاعة نافعة لكل أحد دون هؤلاء الذين تسمعون (٤).
وقال كعب: لا تزال الشفاعة تجوز حتى تبلغ أهل هذه الآيات: ﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ إلى آخرها (٥).
٤٩ - قوله تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ﴾، يعني كفار قريش حين نفروا عن القرآن.
﴿عَنِ التَّذْكِرَةِ﴾، أي عن التذكرة بمواعظ القرآن.
﴿مُعْرِضِينَ﴾، نصب على الحال (٦)، أي: أي شيء لهم، وهم معرضون عن التذكرة. والمعنى: لا شيء لهم في الآخرة إذ أعرضوا عن القرآن فلم يؤمنوا به.
ثم شبههم في نفورهم عن القرآن بحمر نافرة (فقال:
(١) الوسيط: ٤/ ٣٨٧، و"فتح القدير" ٥/ ٣٣٣ من غير عزو.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢١٧/ أ.
(٣) الوسيط: ٤/ ٣٨٧.
(٤) "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) انظر: "الكشف والبيان" ١٢: ٢١١/ ب.
457
﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ﴾) (١) (قال ابن عباس (٢)، وغيره (٣): يريد الحمر الوحشية) (٤). (﴿مُسْتَنْفِرَةٌ﴾، أي: نافرة) (٥) (يقال: نفر، واستنفر، مثل: سخِر، واستسخَر، وعَجِبَ واسْتَعْجَبَ) (٦).
أنشد أبو عبيدة (٧) (٨)، (وابن الأعرابي (٩)، والفراء (١٠)، والزجاج (١١)) (١٢):
ارْبِط حِمارَكَ إنَهُ مُسْتَنْفَرٌ في إثْرِ أحْمِرَةٍ عَمَدْنَ لِغُرَّبِ (١٣)
(١) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٢) "زاد المسير" ٨/ ١٣٠، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢١٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٨٠.
(٣) عكرمة. "الدر المنثور" ٨/ ٣٣٩، وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٦) ما بين القوسين نقله الإمام الواحدي عن الحجة: ٦/ ٣٤١.
(٧) لم أجده في "مجاز القرآن".
(٨) في (أ): فقال، وهي تعتبر لفظة زائدة عند وجود ما أثبته من نسخة: ع، وهو: ابن الأعرابي، والفراء، والزجاج.
(٩) "تهذيب اللغة" ١٥/ ٢١٠، مادة: (نفر) برواية: "اضرب" بدلاً من "اربط".
(١٠) "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٦، برواية: "أمسك" بدلاً من: "اربط".
(١١) معاني القرآن وإعرابه: ٥/ ٢٥٠ برواية: "أمسك".
(١٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(١٣) البيت لنافع بن لقيط الفقعسي، وقد ورد في: في: كتاب "المعاني الكبير" ٢/ ٧٩٣، و"لسان العرب" ١/ ٦٤٨: (غريب) ج: ٥/ ٢٤: مادة: (نفر)، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٦٨، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ٩/ ٨٧، وكلها برواية: "أمسك" بدلاً من: "اربط"، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٨٠ برواية: "عهدن لعرب"، القراءات وعلل النحويين فيها: ٢/ ٧٢٧. =
458
(وقرئ "مُسْتَنْفَرَة" بفتح الفاء (١). وهي بمعنى مذعورة. يقال: استنفر الوحش وأنفرتها ونفرتها بمعنى واحد) (٢)، واختاره (٣) أبو عبيد قال: لأن أكثر ما تكلم به العرب إذا جعلت الفعل للحمر أن تقول: أنفرت، ولا يكادون يقولون: استنفرت، إذا كانت هي الفاعلة، يقولون: استنفرت، إذا فعل ذلك بها، فهي مستنفرة (٤).
وقال أبو علي الفارسي: (الكسر في "مُستنفِرة" أولى، ألا ترى أنه: قال "فرت من قسورة"، وهذا يدل على أنها هي استنفرت) (٥).
ويدل على صحة ما قال أبو علي (أن محمد بن سلام قال: سألت أبا
= وموضع الشاهد: "مستنفر"، وهو عند أهل الحجاز "مستنفَر" بفتح الفاء، وهما جميعًا كثيران في كلام العرب.
والمعنى: كف نفسك عن أذى قومك، ولا تطمحن إليهم بالأذى، فإنك قد عرت في شتمهم كما يعير الحمار عند مربط أهله يتبع حمرًا.
انظر: "شرح أبيات معاني القرآن للفراء ومواضع الاحتجاج بها" د. ناصر حسين علي: ٦٠: ش ١١٥.
(١) قرأ أبو جعفر، ونافع، وابن عامر: مُسْتَنْفَرَة -بفتح الراء، ونصب الفاء-، والمفضل عن عاصم مثله.
وقرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: مُستَنْفِرة -بكسر الفاء-.
انظر: كتاب السبعة: ٦٦٠، و"الحجة": ٦/ ٣٤١، و"المبسوط": ٣٨٦، و"كتاب التبصرة": ٧١٤، و"تحبير التيسير": ١٩٤.
(٢) ما بين القوسين نقله عن الأزهري. انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ٢١٠، مادة: (نفر).
(٣) أي اختار قراءة فتح الفاء.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) ما بين القوسين هو من قول أبي الحسن نقله عنه أبو علي في الحجة: ٦/ ٣٤١ بنصه.
459
سوار الغنوي (١)، وكان أعرابيًّا فصيحًا، فقلت: كأنهم حمر ماذا؟ قال: مستنفرة طردها قسورة، قلت: إنما هو: فرت من قسورة، قال: أفرَّت؟، قلت: نعم، قال: فمستنفرة إذًا) (٢).
قوله تعالى: ﴿فَرَّت﴾: يعني الحمر.
﴿مِنْ قَسْوَرة﴾: اختلفوا في تفسير القسورة: فروى عن ابن عباس فيها أقوالاً، قال في رواية عطاء (٣)، (والكلبي (٤)) (٥): إنها الأسد؛ وهو قول: أبي هريرة (٦)، قال هي: الأسد الأسود (٧).
قال أبو عبيدة (٨)، وابن الأعرابي (٩)،.......
(١) أبو سوار الغنوي: روى عن أبيه، عن عمر بن عبد العزيز، روى عنه أبو سلمة موسى بن إسماعيل. انظر: كتاب "الجرح والتعديل" ٩/ ٣٤٢: ت: ١٨٢٧.
(٢) ما بين القوسين عند أبي علي في الحجة: ٦/ ٣٤٢ نقله عنه الإمام الواحدي بنصه.
(٣) "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩، كما ذكرت الرواية عن ابن عباس من غير ذكر الطريق إلى ابن عباس في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٨٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٦.
(٤) المراجع السابقة، وانظر: الوسيط بين المقبوض والبسيط: ٢/ ٦٢١، وانظر: مادة: (قسر) في: "تهذيب اللغة" ٨/ ٣٩٩، و"لسان العرب" ٥/ ٩٢.
(٥) ساقط من: (أ).
(٦) بياض في (ع).
(٧) "جامع البيان" ٢٩/ ١٧٠، و"الكشف والبيان" ١٢: ٢١٣/ أمن غير ذكر الأسود، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٣٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٨٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٦، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٩ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وانظر: مجمع الزوائد: ٧/ ١٣٢: تفسير سورة المدثر. وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله ثقات.
(٨) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٦.
(٩) "لسان العرب" ٥/ ٩٢: مادة: (قسر).
460
(والمبرد (١)) (٢): القسورة الأسد، مأخوذ من: القسر، وهو: القهر على الكره، سمي بذلك؛ لأنه يقهر السباع.
قال ابن عباس: الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت منه، كذلك هؤلاء المشركون إذا رأوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، أو سمعوه يقرأ، هربوا منه كما تهرب الحمير من الأسد (٣).
وقال في رواية سليمان (بن قتة) (٤) هي: الأسد بلسان الحبشة (٥) (٦)، وخالف عكرمة فقال: الأسد بلسان الحبشة: عنبسة (٧).
وقال (٨) في رواية سليم.......
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) ساقط من: (أ).
(٣) "زاد المسير" ٨/ ١٣٠، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٧٩١.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) الحبشة ويراد به حاليًا أثيوبيا تقع في الجناح الشمالي الشرقي من قارة إفريقيا، أو ما يعرف الآن بالقرن الأفريقي، وأثيوبيا كلمة إغريقية معناها بلاد الأثيوبيين، أي بلاد المحروقة وجوههم، عاصمتها: أديس أبابا، واللغة الرسمية: الأمهرية، تتميز بغزارة أمطارها صيفًا التي تذهب أكثرها إلى بحيرة تانا في الشمال الشرقي. تحوي صادراتها: الحبوب، والبن، والعسل، والجلود، والذهب.
العملة الرسمية لها: البِرّ، كانت تدين بالوثنية ثم اعتنقت النصرانية، ودخلتها اليهودية من اليمن ثم دخلها الإسلام في القرن ٧ م.
انظر: الموسوعة العالمية: ١/ ٨٣ - ٨٧، و"الموسوعة العربية الميسرة" ١/ ٥٣.
(٦) ورد قوله في: "الكشف والبيان" ١٢: ٢١٣/ أ، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢١٢ من غير ذكر الطريق إلى ابن عباس.
(٧) "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٩، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢١٢.
(٨) أي ابن عباس.
461
(بن عبد (١)) (٢): هم الرماة (٣). (وهو قول مجاهد (٤)، وأبي موسى الأشعري (٥)، والضحاك (٦)، ومقاتل (٧)، وابن كيسان (٨)، وعكرمة (٩)) (١٠).
وهذا معنى قول من قال في "القسورة": إنهم القناص (١١). (وهو رواية
(١) سليم بن عبد: لعله: سليم بن عبد السلولي الكناني، كوفي، روى عن حذيفة، روى عنه أبو إسحاق السبيعي.
انظر: كتاب "الجرح والتعديل" ٤/ ٢١٢: ت: ٩١٥.
أو لعله يراد به: سليمان بن عبد الله السلولي، فقد وردت بمثل هذه الرواية من طريقه عن ابن عباس في: "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٩، ولم أعثر على ترجمة له.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: أ، وغير مستكمل في: ع بسبب بياض في آخر الكلام.
(٣) "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٩.
(٤) "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٨، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٢/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٣٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٩ وعزاه إلى عبد بن حميد، وسعيد بن منصور، وابن المنذر.
(٥) ورد قوله في: "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٨، و"زاد المسير" ٨/ ١٣٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧، الدر: ٨/ ٣٣٩ وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وانظر: "المستدرك" ٢/ ٥٠٨: كتاب التفسير: تفسير سورة المدثر، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(٦) "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٣٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٢/ ب.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢١٧/ أ، و"زاد المسير" ٨/ ١٣٠.
(٨) "زاد المسير" ٨/ ١٣٠، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٢/ ب، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧.
(٩) "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧.
(١٠) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(١١) القانص: الصائد، والقوانص جمع قانصة من القنص: الصيد. النهاية في "غريب الحديث" والأثر: ٤/ ١١٢.
462
عطية عن ابن عباس (١)) (٢)، وقول سعيد (بن جبير (٣)، والحسن (٤) " (٥)؛ يدل على هذا أن الحجاج روى (عن عطاء عن ابن عباس) في "القسورة": الرماة، رجال القنص (٦)، فجمع بين اللفظين.
(روى أبو العباس عن) (٧) ابن الأعرابي في تفسير (القسورة (٨)): وفيها أقوال (لم تروَ عنه) (٩)، قال عكرمة: "من قسورة": من ظلمة الليل (١٠).
قال ابن الأعرابي: القسورة: أول الليل (١١).
وقال قتادة: القسورة: النَّبْل (١٢).
وقال (زيد) (١٣) بن أسلم: القسورة: الرجال الأقوياء (١٤).
(١) "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٩، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٢/ ب.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) المرجعان السابقان، وانظر: "الدر المنثور" ٨/ ٣٣٩ وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٦) "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٩ من غير ذكر الطريق، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٩ وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: أ، وقد ذكر بدلاً منه لفظ: "قال" في نسخة: أ.
(٨) في (أ): قسورة
(٩) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(١٠) "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٣/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٣١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٨، و"فتح القدير" ٥/ ٣٣٣.
(١١) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٨، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٨١.
(١٢) تفسير عبد الرزاق: ٢/ ٣٣٢، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٣١.
(١٣) ساقط من: (أ).
(١٤) ورد قوله في: "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٣/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٨.
463
قوله تعالى: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً﴾ قال المفسرون (١): وذلك أن كفار قريش قالوا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- ليصبح عند رأس كل منا كتاب منشور من الله: أن آلهتنا باطلة، وأن إلهك حق، وأنك رسوله، نؤمر فيه باتباعك كقوله: ﴿حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ﴾ (٢)، وهذا قول مجاهد (٣)، ومقاتل (٤)، (وقتادة (٥)، والحسن (٦)) (٧). قالوا: أرادوا كتبًا تنزل من السماء إلى فلان، وإلى فلان: أن آمنوا بمحمد.
وقال الكلبي: إنهم قالوا: كنا نحدث أن الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب ذنبًا أصبح وعند رأسه صحيفة مكتوبة فيها ذنبه وتوبته: أذنبت كذا وكذا، وكفارتك كذا؛ فإن فعلت بها ذلك آمنا بك (٨). (وهو اختيار
(١) ورد قول المفسرين في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٣١، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢١٢، و"لباب التأويل" ٤/ ٢٣٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٨١، و"فتح القدير" ٥/ ٣٣٣.
(٢) الإسراء: ٩٣: ﴿وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ﴾.
(٣) بمعناه في "جامع البيان" ٢٩/ ١٧١، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٩ مختصرًا، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٨، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٤٠، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٧/ أ.
(٥) "جامع البيان" ٢٩/ ١٧١، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٤٠، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٨) "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٣/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٢٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٨.
464
الفراء (١)، والزجاج (٢)) (٣)؛ ويدل على صحته (٤) قوله: ﴿صُحُفًا مُنَشَّرَةً﴾ بلفظ الجمع لكل امرئ منهم، والصحف: الكتب، واحدتها (٥) صحيفة.
قال الليث: ومن النوادر أن تجمع فعيلة على فُعُل، مثل سفينة وسُفُن، وكان قياسهما: صحائف وسفائن (٦).
و ﴿مُّنَشَّرَةً﴾ معناها منشورة، والتفعيل (٧) للكثرة في الجمع.
قال الله: ﴿كَلَّا﴾، قال مقاتل: لا يؤتون (٨) الصحف (٩).
﴿بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ﴾ قال عطاء: أي النار والعقاب (١٠).
والمعنى: أنهم لو (١١) خافوا الآخرة لما اقترحوا الآيات بعد قيام الدلالة ووضوح المعجزة، واشتغالهم بالاقتراحات دليل على أنهم لا يخافون النار.
﴿كَلَّا﴾ أي: حقًّا، ﴿إِنَّهُ﴾، يعني: القرآن، ﴿تَذْكِرَةٌ﴾، تذكير وموعظة، ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ﴾ قال ابن عباس: (اتعظ) (١٢) (١٣).
(١) "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٦.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٥٠.
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) في (أ): صحة.
(٥) في (أ): واحدها.
(٦) "تهذيب اللغة" ٤/ ٢٥٤ مادة: (صحف)، نقله عنه بنصه.
(٧) في (أ): الفعيل.
(٨) في (ع): تؤتون.
(٩) "تفسير مقاتل" ٢١٧/ أ، قال: "لا يؤمنون بالصحف".
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١١) زاد في (أ): أنهم، ولم تذكر في (ع)، وهو الصواب، لاستقامة المعنى بدونها.
(١٢) لم أعثر على مصدر لقوله، وورد من غير نسبة في الوسيط: ٤/ ٣٨٨.
(١٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
465
(﴿وَمَا يَذْكُرُونَ﴾ (١))، قال (٢): يريد يتعظون (٣).
﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾، قال مقاتل: إلا أن يشاء الله لهم الهدى (٤)؛ فرد المشيئة إلى نفسه (٥).
قوله تعالى: ﴿هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ روى أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في هذه الآية: "قال ربكم -عز وجل-: أنا أهل أن أتَّقَى فلا يُشْرَك بي غيري، وأنا أهل لِمَنِ اتَّقَى أن يشرك بي غيري أن أغْفِرَ له" (٦).
(١) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٢) أي ابن عباس.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) "فتح القدير" ٥/ ٣٣٤، وبمعناه في "تفسير مقاتل" ٢١٧/ ب.
(٥) قال السعدي في معنى قوله: ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾: "فإن مشيئة الله نافذة عامة، لا يخرج عنها حادث قليل ولا كثير، ففيها رد على القدرية، الذين لا يدخلون أفعال العباد تحت مشيئة الله، والجبرية: الذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة، ولا فعل حقيقة، وإنما هو مجبور على أفعاله، فأثبت تعالى للعباد مشيئة حقيقية وفعلاً، وجعل ذلك تابعًا لمشيئته". تفسير الكريم الرحمن: ٥/ ٣٣٨.
(٦) الحديث أخرجه: الدارمي في سننه: ٢/ ٧٥٨: ح: ٢٦٢٤: كتاب الرقاق. باب ١٦ في تقوى الله، والإمام أحمد في مسنده: ٣/ ١٤٢.
وابن ماجه ٢/ ٤٤٧: ح ٤٣٥٤ بنحوه في الزهد: باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة.
والترمذي ٥/ ٤٣٠: ح ٣٣٢٨: كتاب التفسير: تفسير سورة المدثر "٧١" وقال: هذا حديث غريب، و"سُهَيْل" ليس بالقوي، قد تفرد بهذا الحديث عن ثابت.
والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٥٠٨: بمعناه في التفسير: تفسير سورة المدثر، وصححه ووافقه الذهبي.
والحديث في سنده ضعف. انظر: "ضعيف سنن ابن ماجه" ٣٥٠: ح: ٩٣٦ - ٤٢٩٩، وضعيف سنن الترمذي: ٤٣٢: ح: ٦٥٩ - ٣٥٦٣، وقال السيد بن عبد المقصود: وفي سنده ضعف، فهو من رواية سهيل بن أبي حزم القطعي، عن =
466
وقال (١) ابن عباس: يريد أهل أن يتقى، وأهل أن يغفر لمن اتقى (٢).
(ونحو هذا قال مقاتل: أهل أن يتقى فلا يعصى، وأهل المغفرة ذنوب أهل التقوى (٣)) (٤).
وقال قتادة: أهل أن تتقى محارمه، وأهل أن يغفر الذنوب (٥).
وقال أبو إسحاق: أهل أن يُتَّقَى عِقَابُه، وأهل أن يُعمل بما يؤدي إلى مغفرته (٦).
والمعنى أنه إذا كان أهلًا للمغفرة يجب أن يتعرض لمغفرته بما يؤدي إليه (٧) من الطاعة والتوبة والاستغفار.
= ثابت، عن أنس، وسهيل ضعيف كما في التقريب (١: ٣٣٨: ت: ٥٧٦)، وقد قال عنه الترمذي: غريب، وسهيل ليس بالقوي في الحديث، وقد تفرد به عن ثابت -ثم قال- قلت: وعلى هذا فتصحيح الحاكم للحديث فيه نظر. انظر -حاشية- "النكت والعيون" ٦/ ١٤٩ تحقيق السيد بن عبد المقصود.
(١) في (أ): قال.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٣/ ب.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) "جامع البيان" ٢٩/ ١٧٢، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٩، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٠٠.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٥٠ بنصه.
(٧) في (ع): إليها.
467
سورة القيامة
469
Icon