ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - ﴿المر﴾ قال ابن عباس (١): معناه أنا الله أعلم وأرى، وقال في عطاء (٢): يريد أنا الله الملك الرحمن، ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ يجوز أن يكون (تلك) إشارة إلى ما مضى، من ذكر الأخبار والقصص بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-، قبل هذه الآية، ويجوز أن يكون (تلك) بمعنى هذه، وقد ذكرنا ذلك عند قوله: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة: ١ - ٢]، والكتاب يعني به: التوراة والإنجيل في قول مجاهد (٣) وقتادة (٤)، وقال ابن عباس (٥): يريد القرآن.وقوله تعالى ﴿وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ﴾ قال الفراء (٦): موضع (الذي) رفع بالاستئناف وخبره (الحق)، ويجوز على قول مجاهد أن يكون
(٢) "زاد المسير" ٤/ ٣٠٠.
(٣) الطبري ١٣/ ٩٢، و"زاد المسير" ٤/ ٤، والثعلبي ٧/ ١١٩ أ.
(٤) الطبري ١٣/ ٩٢، و"زاد المسير" ٤/ ٤، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٨١، والثعلبي ٧/ ١١٩ أ.
(٥) "زاد المسير" ٤/ ٤، الثعلبي ٧/ ١١٩ أ.
(٦) "معاني القرآن" ٢/ ٥٧.
إلى المَلِكِ القَرْمِ وابن الهُمَام... البيت)
فعطف الواو وهو يريد واحداً، ويكون (الحق) مرفوعًا بما ذكرنا من الإضمار، هذا كله قول الفراء (٣) وأبي إسحاق (٤)، وزاد فقال: ويجوز أن يكون "الذي" رفعًا (٥) عطفًا على آيات، ويكون (الحق) مرفوعًا على إضمار "هو"، فحصل في "الذي" وجهان للرفع، ووجهان للخفض.
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ قال ابن عباس (٦): يريد أهل مكة لا يؤمنون، وقال صاحب النظم: في هذه الآية، كأن قائلًا قال: الحق غير ما أنزل على محمد، فأجيب عن هذا القول بهذه الآية؛ أي: إن هذه الآيات والذي قبلها هو الحق، لا ما ذهبتم إليه. وهذا الذي ذكره معنى قول مقاتل (٧)، فإنه قال: نزلت هذه الآية حين قال مشركو
(٢) البيت بلا نسبة في "الإنصاف" لابن الأنباري ص ٣٧٦، و"خزانة الأدب" ١/ ٤٥١، ٥/ ١٠٧، ٦/ ٩١، و"شرح قطر الندى" ص ٢٩٥، و"الكشاف" ١/ ٤١، و"البحر" ٥/ ٢١٣، والقرطبي ١/ ٢٧٢، والطبري ١٣/ ٩٢.
(٣) معاني القرآن ٢/ ٥٧، ٥٨.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٣٥.
(٥) كذا في النسخ ولعله (رفع).
(٦) "زاد المسير" ٤/ ٣٠٠.
(٧) "تفسير مقاتل" ١٥٨ ب، الثعلبي ٧/ ١١٩ أ.
٢ - قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ﴾ قال أبو إسحاق (١): لما ذكر أنهم لا يؤمنون، عرف الدليل الذي يوجب التصديق بالخالق، فقال: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ الآية، العمد (٢): الأساطين، ومنه قول النابغة (٣):
يَبْنُون تَدْمُر بالصُّفّاح (٤) والعَمَدِ
وهو جمع عماد، يقال: عماد، وعُمَد، وعُمُد، مثل إهابٌ، وأهَبٌ وأُهُبٌ، قال ذلك أبو إسحاق (٥) في قوله ﴿عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ [الهمزة: ٩]، وقال الفراء (٦): العُمُد والعَمَد جمع العمود، مثل أديم وأُدُم، وأدَم، وقَضْم وقُضْم، قُضُم والعماد والعمود ما يعمد به الشيء، يقال: عمدت الحائط أعمده عمدًا، إذا دعمته فاعتمد الحائط على العماد، أي امتسك به، ومن هذا يقال: فلان عمدة قومه؛ إذا كانوا يعتمدونه فيما يحزبهم.
(٢) "تهذيب اللغة" (عمد) ٣/ ٢٥٦١.
(٣) عجز بيت للنابغة وصدره:
وخيس الجن إني قد أذنت لهم
انظر: "ديوانه" ص ١٣، و"المحرر الوجيز" ٨/ ١١١، و"البحر المحيط" ٥/ ٣٥٧، و"الدر المصون" ٧/ ١٠، و"تهذيب اللغة" (عمد) ٣/ ٢٥٦١، و"مختار الشعر الجاهلي" ١٥٢، و"اللسان" (عمد) ٥/ ٣٠٩٧، وخيس: ذلل، تَدْمر: بلدة بالشام، الصفاح: حجارة عراض رقاق.
(٤) في (أ)، (ب): (بالصفائح).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٦٢.
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ٢٩١، وفيه: جمعان للعمود.
قال ابن الأنباري (٢): أفاد بقوله "ترونها"، أنهم يرونها بلا دعامة ترفعها، ولا شيء يمسكها من الوقوع، أي الذي تشاهدون من هذا الأمر العظيم وتعاينونه بأبصاركم يغنيكم عن الإخبار وإقامة الدلائل، "فترونها" على هذا القول، خبر مستأنف، قال: ويجوز أن يكون ترونها متعلقًا بالسموات، والباء من صلته، وتلخيصه: (ترونها) بغير عمد، فالباء معناها التأخير بعد الرؤية، و"ترونها" على هذا في موضع نصب في التقدير على الحال من "السموات". لو صرف إلى الدائم لقيل: رأيتها (٣) أنتم بغير عمد، وإذا جعلناه خبرًا مستأنفًا غير متعلق بالباء، كان الباء من صلة الرفع، وقد حصل في "ترونها" قولان، وهذا على قول من يقول: إن الله تعالى (٤) خلق السموات بلا عماد من تحتها.
وهو قول ابن عباس (٥) فيما روى جويبر عن الضحاك عنه قال: يعني ليس من دونها دعامة، ولا فوقها علاقة، وهو قول قتادة (٦) وإياس بن
(٢) "الأضداد" ص ٢٦٨، و"الوقف والابتداء" ٢/ ٧٣٠، ٧٣١، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠١.
(٣) كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب (رأيتموها).
(٤) (تعالى): ساقطة من (ج).
(٥) الثعلبي ٧/ ١٩٩ ب.
(٦) الطبري ١٣/ ٩٤، وعبد الرزاق ٢/ ٣٣١، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٦٠١.
والقول الثالث في (ترونها) أنه من نعت العمد، المعنى بغير عمد مرئية، وعلى هذا الجحد الداخل على العمد واقع في المعنى على الرُؤية، والتقدير: رفع السموات بعمد لا ترونها، والعرب قد تقدم الجحد من آخر الكلمةإلى أولها، ويكون ذلك جائزًا كما تقول: لا تكلمن بغير كلام يمله السامع. معناه: بكلام لا يمله السامع، ومنه [قول] ابن هرمة (٣):
ولا أَرَاهَا (٤) تَزَالُ ظَالِمَةً | يُحْدِثُ لي نَكْبَةً وتَنْكَأُهَا |
وأنكر قوم هذا التأويل، وقالوا: لو كان لها عمد لكانت ترى، والله -عز وجل- إنما دل هذا على قدرته من حيث لا يمكن لأحد أن يقيم جسمًا بغير عمد إلا هو، وما ذكرنا من الأقوال في (ترونها)، والتقديرات فيه، من كلام
(٢) "تفسير مقاتل" ١٥٨ب، ولم أجده فيه.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) في (ج): (ولال راها).
(٥) الطبري ١٣/ ٩٤، قال: بعمد لا ترونها، الرازي ١٨/ ٢٣٢.
(٦) الطبري ١٣/ ٩٣، وابن أبي حاتم كما في "الدر" ٤/ ٦٠٠، و"زاد المسير" ٤/ ٨١.
وقوله تعالى ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ أي بالاستيلاء والاقتدار، ونفوذ السلطان، وأصله استواء التدبير، كما أن أجل القيام الانتصاب، ثم قال قائم بالتدبير، والمعنى: ثم استوى على العرش بالتدبير، للأجسام الذي قد كوّنها، فقوله ﴿ثُمَّ﴾ يدل على حدوث التدبير، والكلام في معنى الاستواء ماض بالاستقصاء في سورة البقرة (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ معنى التسخير التذليل، قال أبو إسحاق (٥): كل مقهور مدبّر لا يملك لنفسه ما يخلصه من القهر، فذلك مسخّر، وقال غيره (٦): أصله: سخرت السفينة، إذا أطاعت وطاب لها
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٣٦.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ١٩٥.
(٤) عند قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٩]، وخلاصة ما ذكره أن للاستواء معاني، منها:
١ - أن يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته.
٢ - أن يستوي من اعوجاج.
٣ - بمعى أقبل.
٤ - بمعنى عمد وقصد.
٥ - صعد.
٦ - استولى.
٧ - علا.
وقد رجح تأويل الاستواء على كل حال وقصد نفي الصفة كما هو مذهب الأشاعرة. وقد تقدم التعليق على ذلك مرارًا.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٣٦.
(٦) نقله في "التهذيب" (سخر) ٢/ ١٦٥٠ عن الليث.
سَوَاخِرٌ في سَواءِ اليَمِّ تَحْتَفزُ
وتسخرت دابة فلان، ركبتها بغير أجر، ومعنى تسخير الشمس والقمر، تذليلها لما يراد منها، وهو قوله: ﴿كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ أي إلى وقت معلوم، وهو فناء الدنيا.
وهذا معنى قول ابن عباس (٢) في رواية عطاء، قال: يريد أن (٣) هذا كائن إلى يوم القيامة، وروي عنه (٤) أنه قال: أراد بالأجل المسمى: انتهاؤهما في السير إلى درجاتهما ومنازلهما، وهو قول الكلبي (٥)، قال: للشمس منازل معلومة، كل يوم لها منزل تنزله، حتى تنتهي إلى آخر منازلها، فإذا انتهت إليه لم تجاوزه ثم ترجع، فهذا الأجل المسمى، وللقمر كذلك.
وقوله تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْر﴾ معنى التدبير: تصريف الأمر على ما يقتضيه مستدبر حاله في عاقبته، والله تعالى يدبر الأمر بحكمته. ﴿يُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ أي: يبين الآيات التي تدل على قدرته على البعث، وذلك أنهم كانوا يجحدون البعث، فأُعلموا أن الذي خلق السموات وأنشأ هذه الأشياء ولم تكن، قادرٌ على إعادتهم، وهو معنى قوله: {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ
(٢) "تنوير المقباس" ص ١٥٥، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠١، والقرطبي ٩/ ٢٧٩.
(٣) ليس في (ب).
(٤) الثعلبي ٧/ ١٢٠ أ، القرطبى ٩/ ٢٧٩، الرازي ١٨/ ٢٣٣.
(٥) "زاد المسير" ٧/ ١٩.
٣ - قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ﴾. قال أبو إسحاق (٣): دلهم بعد أن بيّن [آيات السماء بـ] (٤) آيات الأرض، قال: وهو الذي مد الأرض، روي في التفسير: أنها كانت مدوره فمدت.
قال أهل اللغة (٥): معنى المد: أخذ المجتمع بجعله على الطول والعرض، ولذلك قال الفراء (٦): أي بسط الأرض طولاً وعرضًا. ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ أي جبالًا ثوابت (٧)، وقال ابن عباس (٨): يريد أوتدها بالجبال، وذكرنا معنى الرسو والإرساء في سورة هود (٩).
وقوله تعالى ﴿زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ معنى الزوج في اللغة (١٠) شكل له قرين من نظير أو نقيض، فالنظيران كزوجين من خف أو نعل، والنقيضان كالذكر والأنثى، والحلو والحامض، والرطب واليابس، وقال أبو عبيدة (١١):
(٢) كذا في النسخ، ولعله خطأ من الناسخ وصحة الكلمة (توقنوا).
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٣٧.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).
(٥) "تهذيب اللغة" (مدد) ٤/ ٣٣٦١، و"اللسان" (مدد) ٧/ ٤١٥٧.
(٦) "معاني القرآن" ٢/ ٥٨.
(٧) هذا قول الزجاج، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٣٧.
(٨) "تنوير المقباس" ص ١٥٥.
(٩) عند قوله تعالى: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ [آية: ٤١] انظر: "اللسان" ٣/ ١٦٤٧ (سها).
(١٠) "تهذيب اللغة" (زوج) ٢/ ١٥٧٤.
(١١) "مجاز القرآن" ١/ ٣٢١.
قال الزجاج (٣): أي جعل فيها نوعين، وهو معنى قول ابن عباس (٤): يريد صنفين، قال ابن قتيبة (٥): أراد من كل الثمرات لونين حلوًا (٦) وحامضًا.
وقوله تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ﴾ ذكرناه في سورة الأعراف (٧).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أعلم أن ما ذكر من هذه الأشياء فيه برهان وعلامات لمن يفكر في عظمة الله وقدرته، ثم زادهم من البرهان.
٤ - فقال: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ﴾ قال قتادة (٨): قرى قريب بعضها من بعض.
ومعنى المتجاورات: المتدانيات المتفاوتات في الكلام (٩).
(٢) عند قوله تعالى: ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ﴾ [آية: ٤٠].
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٣٧.
(٤) القرطبي ٩/ ٢٨٠، الثعلبي ٧/ ١٢٠ أ.
(٥) " مشكل القرآن وغريبه" ص ٢٣٠، الثعلبي ٧/ ١٢٠ أ.
(٦) في (أ)، (ج): (حلوٌ).
(٧) عند قوله تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ [الأعراف: ٥٤]. وقال هنالك: "والتغشية إلباس الشيء.. قال أبو إسحاق: والمعنى أن الليل يأتي على النهار ويغطيه، ولم يقل يغشى النهار؛ لأن في الكلام دليلًا عليه".
(٨) الطبري ١٣/ ٩٧، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٨٣، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠٢.
(٩) كذا في النسخ ولعلها (الكلأ).
وقوله تعالى: ﴿وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ﴾ الجنة (٥): البستان الذي تجنه الشجر، والمعنى: جنات من أعناب ومن زرع ومن نخيل، والدليل على أن الأرض إذا كان فيها النخل والكرم والزرع (٦) تسمى جنة، قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا﴾ [الكهف: ٣٢] والنخيل: جمع نخل، يقال: نخلة، والجماعة نخل ونخيل، وثلاث نخلات.
(٢) الطبري ١٣/ ٩٧ - ٩٨، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٨٣، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠٢. وهو قول عطاء كما في "تفسيره" ص ١٠٤.
(٣) الطبري ١٣/ ٩٨، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠٢.
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٥٨.
(٥) "اللسان" (جنن) ٢/ ٧٠٥.
(٦) في (أ)، (ج): (فالزرع).
وقوله تعالى: ﴿صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ﴾ قال أبو عبيدة (٣): الصنوان صفة للنخيل، وهي أن يكون الأصل واحداً ثم يتفرع فيصير نخيلاً، ثم يحملن، وهذا قول جميع أهل التفسير واللغة، قال ابن عباس (٤): (صنوان)؛ ما كان من نخلتين أو ثلاث أو أكثر إذا كان أصلهن واحداً، و (غير صنوان) يريد: المتفرق (٥) الذي هو واحدٌ واحد لا يجمعهما أصل واحد.
وقال البراء بن عازب (٦): الصنوان المجتمع، وغير الصنوان المتفرق (٧).
(٢) في (أ)، (ج): (حملها).
(٣) "مجاز القرآن" ١/ ٣٢٢.
(٤) الطبري ١٣/ ٩٩ - ١٠٠، وابن المنذر، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٢٢٠، وانظر: "الدر" ٤/ ٨٤. وهو قول عطاء كما في "تفسيره" ص ١٠٤.
(٥) في (ج): (المفترق).
(٦) الطبري ١٣/ ٩٩، والفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم ٧/ ٢٢٢١، وأبو الشيخ وابن مردويه كما في "الدر" ٤/ ٦٣، والقرطبي ٩/ ٢٨٢، و"معاني القرآن" للنحاس ٣/ ٤٧٠.
(٧) في (ج): (المفترق).
قال أبو عبيد (٢): وأصل الصنو إنما هو في النخل، وقال شمر (٣): يقال: فلان صنو فلان، أي: أخوه، ولا يسمى صنوًا حتى يكون معه آخر، فهما حينئذ صنوان، وكل واحد منهما صنو صاحبه.
وقال أبو إسحاق (٤): ويجوز في صنو أصناء، مثل عدل وأعدال، فإذا كثرت فهو الصّني والصنى.
وقال أبو علي (٥): الكسرة التي في صنوان ليست بالكسرة التي في صنو؛ لأن تلك قد حذفت في التكسير، وعاقبتها الكسرة التي يجلبها التكسير، وقد ذكرنا هذا في نظيره من الكلام، وهو قنوان في قوله: ﴿قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾ [الأنعام: ٩٩] مستقصى، وروى القواس عن حفص (٦) "صُنوانٌ" بضم الصاد، جعله مثل: ذيب وذوبان، وربما تعاقب فِعْلان وفُعْلان على البناء الواحد، نحو: حُش وحُشان.
(٢) "غريب الحديث" ١/ ٢١٧، و"التهذيب" (صنو) ٢/ ٢٠٦١.
(٣) "التهذيب" (صنو) ٢/ ٢٥٦١.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٣٨.
(٥) "الحجة" ٥/ ٩.
(٦) قال ابن مجاهد: حدثني الحسن بن العباس عن الحُلْواني عن القواس عن حفص. عن عاصم (صُنوانٌ) بضم الصاد والتنوين، ولم يقله غيره عن حفص، اهـ. "السبعة" ص ٣٥٦.
وقوله تعالى: ﴿يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ﴾ أي يُسقى هذه الأشياء بماء التي ذكرها من القطع المتجاورة، والجنات والنخيل المختلفهَ، ومن قرأ (٢) ﴿يُسْقَى﴾ بالياء، كان التقدير: يسقى ما قصصناه وما ذكرناه، قال ابن عباس (٣): يريد البئر واحد، والشرب واحد، والجنس واحد، ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾ يخبر بعجائبه وقدرته في خلقه، وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - ﷺ - أ: ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾. قال: "الفارسي (٤) والدَّقل (٥) والحلو والحامض" (٦).
(٢) اختلف القراء في الياء والتاء من قوله (يُسْقَى)، وفي النون والياء من قوله (ونُفضِّل). فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (تُسقى) بالتاء (ونفضل) بالنون، وقرأ حمزة والكسائي (تسقى) بالتاء ممالة القاف (ويفضل) بالياء مكسورة الضاد، وقرأ عاصم وابن عامر (يسقى) بالياء (ونُفضَّل) بالنون. انظر: "السبعة" ص ٣٥٦، و"إتحاف" ص ٢٦٩، والطبري ١٣/ ١٠١ - ١٠٢، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠٣، والقرطبي ٩/ ٢٨٩.
(٣) "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٢٩٤ بنحوه.
(٤) الفارسي من التمر، لعله البرني، وهو ضرب من التمر أصفر مدور، عذب الحلاوة وهو أجوده. تعليق محمود شاكر على الطبري ١٣/ ١٠٣.
(٥) الدقل: أردأ أنواع التمر.
(٦) أخرجه الترمذي (٣١١٨) كتاب تفسير القرآن، باب ومن تفسير سورة الرعد، ولكنه قدم الدقل على الفارسي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ٣/ ٦٥.
وأخرجه الطبري ١٣/ ١٠٣، وعلق عليه أحمد شاكر بقوله "فهذا إسناد كما ترى فيه من الهلاك، وانفراد الضعيف به فيه ما فيه، فكيف جاز للترمذي أن يحسنه مع =
وقال أبو إسحاق (٣): والأُكُل الثمر الذي يؤكل، ويفصّل الآيات بالياء؛ لأنه جرى ذكر الله تعالى، فالمعنى: يُفصِّلُ الله الآيات، وكذلك من قرأ بالنون؛ لأن الإخبار عن الله تعالى بلفظ الجماعة كقوله "إنا نحن"، وقال غيره (٤): الأكل المهيأ للأكل، ومنه قيل: للرزق الأُكْل، يقال: فلان كثير الأُكْل من الدنيا.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
قال ابن عباس (٥): يريد أهل الإيمان وهم أهل العقل الذين لم يجعلوا لله (٦) ندًّا، وهذا دليل على أنه لم يجعل الكفار أهل عقل كعقل المؤمنين؛ لأنهم لم يستدلوا بهذه الأشياء على توحيد الصانع كما استدل أهل الإيمان.
وروى عن ابن عباس نحوه كما في الطبري ١٣/ ١٠٣.
وأخرجه ابن المنذر والبزار وأبوالشيخ وابن مردويه، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٢٢١، وانظر: "الدر" ٤/ ٨٥.
(١) الطبري ١٣/ ١٠٣ بنحوه "تنوير المقباس" ص ١٥٥.
(٢) ليس (ج).
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٣٨.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (أكل) ١/ ١٧٦، و"اللسان" (أكل) ١/ ١٠٠ - ١٠١.
(٥) "تنوير المقباس" ص ١٥٥ بنحوه.
(٦) في (أ)، (ج): (الله).
قال ابن عباس: يريد فعجب قولهم أن ضعفوا قدرتي بإنكار البعث، وتلخيصه: إن تعجب يا محمد من اتخاذهم الأوثان وتكذيبك بعد البيان، فتعجب من هذا أيضًا، فإنه موضع العجب، ومعنى قوله: ﴿فَعَجَبٌ قَوْلُهُم﴾ أي عندك؛ لأن الله تعالى لا يعجب من شيء (٤).
قال أبو علي (٥): من قرأ (٦) بالاستفهام في "أإذا" و"أإنَّا" فموضع ﴿أَإِذَا﴾ نصب بفعل مضمر، يدل عليه قوله: ﴿أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾، لأن
(٢) الطبري ١٣/ ١٠٣ - ١٠٤، الثعلبي ٧/ ١٢١ ب، "زاد المسير" ٤/ ٣٠٤، القرطبي ٩/ ٢٨٤.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٣٨.
(٤) سبق التعليق على نفيه هذه الصفة في مبحث منهجه في العقيدة.
(٥) "الحجة" ٥/ ١١.
(٦) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (أيذا كنا ترابًا أينا) جميعًا بالاستفهام، غير أن أبا عمرو يمد الهمزة ثم يأتي بالياء ساكنة، وابن كثير بالياء ساكنة من غير مدة، وقرأ نافع (أيذا) مثل أبي عمرو، واختلث عنه في المد، وقرأ (إنَّا) مكسورة الألف على الخبر، ووافقه الكسائى اكتفائه بالاستفهام الأول عن الثاني غير أنه كان يهمز همزتين، وقرأ عاصم وحمزة (أءذاكنا.. أعنا) بهمزتين فيهما جميعًا، وقرأ ابن عامر (إذ كنا) مكسورة الألف من غير استفهام، (آءنا) يهمز ثم يمد ثم يهمز، في وزن عَاعنَّا. انظر: "السبعة" ص ٣٥٧، و"إتحاف" ص ٢٦٩، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠٤.
وقوله تعالى (٣): ﴿وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾ الأغلال جمع الغل، وهو طوق (٤) تقيد به اليد إلى العنق، يقال منه غل الرجل فهو مغلول.
قال أبو إسحاق (٥): جاء في التفسير أن الأغلال في أعناقهم يوم القيامة؛ والدليل على ذلك قوله (٦) ﴿إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ﴾ إلى قوله ﴿ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾ (٧)، قال: ويجوز أن يكون معنى الأغلال هاهنا أعمالهم السيئة التي هي لازمة لهم، كما يقال للرجل: هذا غل في عنقك، للعمل السيء، معناه أنه لازم لك وأنك مجازى عليه العذاب.
(٢) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٣٨.
(٣) في (ب): (وأولئك).
(٤) في (أ)، (ج): (طرق).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٣٩، وفيه: أن الأغلال الأعمال في أعناقهم.
(٦) في (ج): (تعالى).
(٧) غافر: ٧١ - ٧٢.
وقال أبو إسحاق (٣): أي يطلبون العذاب بقولهم ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال: ٣٢] قال المفسرون (٤): يعني مشركي مكة؛ سألوا رسول الله - ﷺ - أن يأتيهم العذاب استهزاءً منهم بذلك، كما أخبر عنهم في آية أخرى بقوله ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ﴾ [الأنفال: ٣٢] الآية، فالمراد بالسيئة هاهنا العقوبة المهلكة والعذاب، والحسنة هي العافية والرخاء، والله تعالى صرف عمن بعث إليه محمد - ﷺ - عقوبة الاصطلام (٥)، وأخّر تعذيب مكذبيه إلى يوم القيامة، فذلك التأخير هو الحسنة.
قال أهل المعاني: وهي إحسانه بالإنظار في حكم (٦) الله أن يمهل هذه الأمة للتوبة، ثم يأخذ من أقام على الكفر بالعقوبة، وهؤلاء الكفار استعجلوا العذاب قبل إحسان الله معهم بالإنظار.
وقوله تعالى ﴿وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ﴾ العرب (٧) تقول
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٣٩.
(٤) الثعلبي ٧/ ١٢١ ب، والطبري ١٣/ ١٠٥، وقد روى هذا المعنى عن قتادة وغيره، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠٥، والقرطبي ٩/ ٢٨٤.
(٥) الاصطلام: الاستئصال، واصطُلِمَ القوم: أبيدوا، والاصطلام: إذا أبيد قوم من أصلهم. انظر: "تهذيب اللغة" (صلم) ٢/ ٢٠٤٧، و"اللسان" (صلم) ٤/ ٢٤٨٩.
(٦) في (ب): (في حلم).
(٧) "تهذيب اللغة" (مثل) ٤/ ٣٣٤٢، واللسان" (مثل) ٧/ ٤١٣٥.
وقال ابن الأنباري (٣): المثُلَة: العقوبة المبقية في المعاقَب شيئًا بتغيير بعض خَلْقه، الذي إذا أفسد قبحت معه الصورة، وهو من قولهم: مثَّل فلان بفلان، إذا شأن خَلْقه بقطع أنفه أو (٤) أذنه أو سمل عينه أو بقر بطنه، يُمثّل مَثْلا بفتح الميم وسكون الثاء، فهذا الأصل، ثم يقال للعار الباقي والخزي اللازم: مُثْلَه. انتهى كلامه. وأصل هذا الحرف من المثل الذي هو الشبه.
قال أبو عبيدة (٥): المثُلات هي الأمثال والأشباه والنظائر، يريد العقوبات التي يشبه بعضها بعضًا في الإهلاك، كعقوبات الأمم الماضية، ونحو هذا قال ابن قتيبة (٦).
وقال الزجاج (٧): المعنى أنهم يستعجلون بالعذاب، وقد تقدم من العذاب ما هو مُثْلة، وما فيه نكالٌ لهم لو اتعظوا، فقوله: تقدم من العذاب ما هو مُثْلة، دليل على ما ذكرنا، وقال بعضهم: المثلات العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لأجله.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٣٩.
(٣) "زاد المسير" ٤/ ٣٠٦.
(٤) في (ب): (أنفه وأذنه).
(٥) "مجاز القرآن" ١/ ٣٢٣ قال: واحدتها مَثُلة ومجازها مجاز الأمثال.
(٦) "مشكل القرآن وغريبه" ص ٢٣٠.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٠.
ثم أصْدَرْنَاهُمَا في وارِدٍ.... صَادرٍ وهمٍ صُوَاه قد مَثَلْ
أي انتصب وظهر، قال الأزهري (٥) في هذه الآية: يقول يستعجلونك بالعذاب الذي لم أعاجلهم به، وقد علموا ما نزل من عقوباتنا بالأمم الخالية، فلم يعتبروا بها، وكان ينبغي أن يردعهم ذلك عن الكفر، خوفًا أن ينزل بهم مثل الذي نزل بمن كفر قبلهم.
(٢) في (ج): (يتذاكراها).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).
(٤) البيت في "ديوانه" ص ١٤٣، و"ديوان الأدب" ٣/ ٢٢٩، وكتاب "العين" ٢/ ١٣٢، ٧/ ٤٢٣، و"تاج العروس" ١٥/ ٦٨٤ (مثل)، و"مقاييس اللغة" ٢/ ٤٧٨، و"المعاني الكبير" ص ١١٠١، و"تهذيب اللغة" (مثل) ٤/ ٣٣٤٣، و"اللسان" (مثل) ٧/ ٤١٣٥.
والوارد والصادر: الطريق، وهم. واسع ضخم، صوى الطريق: أعلامه، قد مثل: شخص وبرز.
(٥) "تهذيب اللغة" (مثل) ٤/ ٣٣٤٢.
٧ - قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ قال المفسرون (٣): إن المشركين تحكموا في طلب الآيات من نحو تفجير الأنهار بمكة، ونقل جبالها عن أماكنها، لتتسع على أهلها أو إنزال منشور من السماء، أو آية كآيات موسى وعيسى، فذلك معنى قوله: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ قال ابن عباس (٤): يريد مثل الناقة والعصا، وما جاء به النبيون، وقال أبو إسحاق (٥): طلبوا غير الآيات التي أتى بها، فالتمسوا مثل آيات موسى وعيسى، فقال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ﴾ قال ابن عباس: يريد بالنار لمن عصى الله. قال أهل المعاني: معناه إنما أنت منذر تنذرهم بالنار وليس إليك من الآيات شيء، إنما أمرها إلى الله تعالى، ينزلها على ما في معلومه.
وقوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ قال ابن عباس (٦) في رواية عطاء:
(٢) "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٢٩٤ بنحوه.
(٣) الطبري ١٣/ ١٠٦، والثعلبي ٧/ ١١٢ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠٦، والقرطبي ٩/ ٢٨٥.
(٤) انظر: الرازي ١٩/ ١٣، وابن كثير ٤/ ٣٥٥.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٠.
(٦) "زاد المسير" ٤/ ٣٠٧.
وقال في رواية عطية (٥): الهادي هو الله تعالى، وهو قول سعيد (٦) بن جبير والضحاك (٧)، والمعنى على هذا: بك الإنذار والتخويف، والله تعالى هادي كل قوم، يهدي من يشاء، قال الضحاك: نظيره: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: ٥٦] وقال الحسن (٨)، وعكرمة (٩)، وأبو الضحى (١٠): الهادي هاهنا محمد - ﷺ -، والمعنى على هذا ما قاله الحسين بن الفضل (١١): إن هذا على التقديم والتأخير، التقدير: إنما أنت منذر وهاد لكل قوم، وليس إليك من الآية شيء، غير أنك تنذر وتدعو إلى الحق.
(٢) الطبري ١٣/ ١٠٨، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٨٦، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠٧.
(٣) الطبري ١٣/ ١٠٨، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠٧.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٠.
(٥) الطبري ١٣/ ١٠٨ - ١٠٩.
(٦) و (٧) الطبري ١٣/ ١٥٧.
(٨) "زاد المسير" ٤/ ٣٠٧.
(٩) الطبري ١٣/ ١٠٧، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠٧.
(١٠) الطبري ١٣/ ١٠٦، والثعلبي ٧/ ١٢٢ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠٧.
(١١) انظر: الطبري ١٣/ ١٠٩، وابن مردويه كما في "الدر" ٤/ ٨٦.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ﴾ الغيض النقصان لازمًا وواقعًا، ذكرنا ذلك عند قوله: ﴿وَغِيضَ الْمَاءُ﴾ [هود: ٤٤]، وضده الازدياد، وهو أيضًا لازم وواقع، وهما واقعان في الآية، ومفعولهما محذوف؛ لأنهما من صلة (ما) والراجع إلى الموصول يحذف كثيراً.
واختلفوا في الذي تغيضه الأرحام وتزداده؛ فقال مجاهد (٤): هو خروج الدم واستمساكه، فإذا خرج الدم خس الولد، وإذا استمسك الدم تم الولد، وهذا يدل على أن [الحامل] (٥) تحيض فعلى هذا الغيض ما تنقصه الأرحام من الدم، والزيادة ما تزداده منه، وقال عكرمة (٦): ما رأت من دم على حملها زاد ذلك في حلمها، ونحو هذا رواه عطاء عن ابن عباس (٧)، فقال: وما تغيض الأرحام، يريد: من الدم عند الحمل، كما ذكرنا من قول مجاهد، والزيادة أن يزيد على تسعة أشهر.
(٢) كذا في النسخ والوسيط والمطبوع ٣/ ٧، وفي "الوسيط" النسخة المحققة ٢٦٥: يريد ذكراً أم أنثى واحداً أم اثنين أم أكثر، وهو الصواب، والله أعلم.
(٣) "زاد المسير" ٤/ ٣٠٨.
(٤) الطبري ١٣/ ١٠٩ - ١١١، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٢٤٦.
(٥) في (أ)، (ج): (الجامع مل).
(٦) الطبري ١٣/ ١١١.
(٧) الطبري ١٣/ ١٠٩، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٢٢٦.
قال ابن عباس (٢) في رواية الضحاك: وما ينقص من التسعة الأشهر وما يزداد على ذلك، وهو قول عطية (٣)، والحسن (٤)، والضحاك (٥)، قال: الغيض: النقصان من الأجل، والزيادة: ما تزداد على الأجل، وذلك أن النساء لا يلدن لعدة واحدة، ونحو هذا القول روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ ق ال ابن عباس (٧): يريد علم كل شيء فقدره تقديرًا بما يكون قبل أن يكون، وكل ما هو كائن إلى يوم القيامة.
(٢) "زاد المسير" ٤/ ٣٥٨، والقرطبي ٩/ ٢٨٦، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٢٢٦، ٢٢٢٧، عن الضحاك.
(٣) الطبري ١٣/ ١١٢.
(٤) الطبري ١٣/ ١١١، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠٨، و"تفسير القرآن العزيز" ٢/ ٢٩٥.
(٥) الطبري ١٣/ ١١١ - ١١٢، و"زاد المسير" ٤/ ٣٠٨.
(٦) "تنوير المقباس" ص ١٥٦، وانظر: الطبري ١٣/ ١٠٩، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٢٢٦
(٧) "زاد المسير" ٤/ ٣٠٨.
لو كانَ خَلْفَكَ أو أمَامَكَ هَائِبًا | بَشَرًا سِوَاكَ لَهَابَكَ المِقْدَارُ |
٩ - قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ قال ابن عباس (٤): يريد علم ما غاب عن جميع خلقه، وما شهد بما علموا الكثير، فعلى هذا الغيب مصدر يريد به الغائب، ومثله الشهادة يريد به الشاهد، ومعنى قوله: مما علموا الكثير؛ لأن الكثير من الشاهد يعلمه الخلق.
وقوله تعالى: ﴿الْكَبِيرُ﴾ هو بمعنى العظيم والجليل، ومعناه يعود إلى كبر قدره واستحقاقه صفات العلو، وهو أكبر من كل كبير؛ لأن كل كبير يصغر بالإضافة إليه.
وقوله تعالى: ﴿الْمُتَعَالِ﴾ قال الحسن (٥): المتعالي عما يقول المشركون.
(٢) البيت بلا نسبة في "اللسان" (قدر) ٦/ ٣٥٤٨، و"تاج العروس" (قدر) ٧/ ٣٧٥.
(٣) الهنداز: معرب، وأصله بالفارسية أنْدازاه، يقال: أعطاه بلا حساب ولا هنْداز، ومنه: المُهَندزِ: الذي يقدر مجاري القُني والأبنية، إلا أنهم صيروا الزاي سينًا؛ لأنه ليس في كلام العرب زاي قبلها دال. "اللسان" (هندز) ٨/ ٤٧١٠.
(٤) القرطبي ٩/ ٢٨٩.
(٥) "زاد المسير" ٤/ ٣٠٩ والقرطبي ٩/ ٢٨٩، و"تفسير الحسن" ٢/ ٥١.
فأما من حذف في الوصل والوقف، فإن سيبويه زعم أن من العرب من يحذف هذا في الوقف، يشبهه بما ليس فيه ألف ولام، إذ كانت تذهب الياء في الوصل في التنوين، لو لم يكن فيه ألف ولام، وهذا في الوقف، وأما في الوصل فكان القياس أن لا تحذف؛ لأنه يوجب (٥) حذف شيء، غير أن الفواصل تشبه القوافي.
(٢) من هنا نقل عن "الحجة" ٥/ ١٣، ١٤ بتصرف إلى نهاية النص.
(٣) "الكتاب" ٢/ ٢٨٨، باب ما يحذف من أواخر الأسماء في الوقف وهي الياءات.
(٤) كذا في جميع النسخ، ولعلها الياء كما في "الحجة" ٥/ ١٣، وإن قصد لام الكلمة صح المعنى.
(٥) كذا في النسخ ولا يستقيم المعنى إلا أن تقدر (لم) فيكون السياق؛ لأنه لم يوجب حذفه شيء. كما هو معنى ما في "الحجة" ٥/ ١٤.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ﴾ يقال (٥): أخفيت الشيء أخفيه إخفاءً، فخفي واستخفى، ويقال أيضاً: اختفى، وهي قليلة، واستخفى فلان من فلان، أي توارى واستتر منه.
وقوله تعالى: ﴿وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ قال الفراء (٦)، وأبو إسحاق (٧): ظاهر
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤١، والسياق كذا في جميع النسخ وفيه سقط، وهو عند الزجاج -لأن العبارة عبارته- كالتالي: موضع (من) رفعٌ بسواء، وكذلك (من) الثانية يرتفعان جميعًا بسواء؛ لأن سواء يطلب اثنين.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤١.
(٤) "زاد المسير" ٤/ ٣٠٩.
(٥) "تهذيب اللغة" (خفى) ١/ ١٠٧٠.
(٦) "معاني القرآن" ٢/ ٦٠.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤١.
وكلُّ أناسٍ قَارَبُوا قيْدَ فَحْلهم | ونحن جَعَلْنَا قَيْدَه فَهْو سارِبُ |
وقال أبو العباس (٥): المستخفي: المستتر، والسار: الظاهر، المعنى: الظاهر والخفي عنده واحد.
قال ابن عباس: يريد علم ما نطقت به الألسنة وما أضمر الفؤاد، ومن هو مستخف بالليل وظاهر بالنهار، ونحو هذا قال قتادة (٦): سارب ظاهر.
(٢) هكذا البيت في جميع النسخ، وهو كذلك في القرطبي ٩/ ٢٩٠، وفي "التهذيب" ٢/ ١٦٦٢، (ونحن خلعنا قيده..) وقد نسبه الأزهري للأخنس بن شهاب التعلبي، وهو كذلك في "اللسان" (سرب) ٤/ ١٩٨٠، و"شعراء النصرانية" ص ١٨٧، و"تاج العروس" (سرب) ٢/ ٧٣، و"جهرة اللغة" ص ٣٠٩، و"التنبيه والإيضاح" ١/ ٩٤، وبلا نسبة في "اللسان" (خلع) ٢/ ١٢٣٢، كتاب "العين" ١/ ١١٨، و"تاج العروس" (خلع) ١١/ ١٠٣.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٢.
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٦٠.
(٥) "تهذيب اللغة" (خفى) ١/ ١٠٧٠، و"اللسان" (سرب) ٤/ ١٩٨٠.
(٦) الطبري ٣٦/ ١١٤.
وقال الأخفش (٣): المستخفي الظاهر، والسارب: المتواري، ومن هذا يقال: خفيت الشيء وأخفيته، أي: أظهرته، ومنه قول امرئ القيس (٤):
خَفَاهُنّ من أنْفَاقِهِنَّ........
أي أظهرهن، واختفيت (٥) الشيء، استخرجته، ويسمى التباس المختفي، والسارب: المتواري الداخل سرابًا، وانسراب الوحش إذا دخل
(٢) الطبري ١٣/ ١١٣، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٢٩٦، و"بحر العلوم" ٢/ ١٨٦، وابن كثير ٢/ ٥٥٢، و"معاني القرآن" للنحاس ٣/ ٤٧٦، و"البحر" ٥/ ٣٧٠، و"فتح البيان" ٧/ ٢٥، ٢٦، و"الدر المصون" ٤/ ٢٣١.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٥٩٥، و"زاد المسير" ٤/ ٣١٠، و"تهذيب اللغة" (خفي) ١/ ١٠٧٠، و"اللسان" (سرب) ٤/ ١٩٨٠.
(٤) جزء من صدر بيت لامرئ القيس، والبيت بتمامه:
خفاهن من أنفاقهن كأنما | خفاهنّ ودق من سحاب مركب |
وقوله: (خفاهن): أي: أظهرهن، والأنفاق: أسراب تحت الأرض، والودق: المطر، وخص مطر العشي؛ لأنه أغزر، والمجلب، الذي يسمع له جلبة لشدة وقعه.
(٥) في (ب): (واخفيت).
قال أبو بكر (٣): الأوّل أثبت معنى في الآية؛ لأن الليل يدل على الاستتار (٤)، والظهور يشاكل النهار لانتشار الناس فيه وبروزهم.
١١ - قوله تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ﴾ الآية، المعقبات: المتَنَاوبات التي يخلف كل واحد منها صاحبه، ويكون بدلاً منه، وهم الملائكة الحفظة هاهنا، في قول عامة المفسرين وأهل التأويل (٥).
قال الفراء (٦): المعقبات: ملائكة الليل تعقب ملائكة النهار.
قال الأزهري (٧): جعل الفراء عقب بمعنى عاقب، كما يقال: ضعّف وضاعف، وعقَّد وعاقد.
وقال أبو الهيثم (٨): كل من عمل عملًا ثم عاد إليه وعقب (٩)، ومنه قيل للذي يغزو غزوًا بعد غزو، وللذي يتقاضى الدين فيعود إلى غريمه في تقاضيه، مُعَقَّب.
(٢) في (أ)، (ج): (شهدته).
(٣) "الأضداد" ص ٧٦.
(٤) في (أ)، (ج): (نتشار).
(٥) الطبري ١٣/ ١١٤ - ١١٥، والقرطبي ٩/ ٢٩١، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٢٩٦، و"البحر" ٥/ ٣٧١، و"بحر العلوم" ٢/ ١٨٧، و"فتح البيان" ٧/ ٢٦، ٢٧، و"معاني القرآن" للنحاس ٣/ ٤٧٧، وابن كثير ٢/ ٥٥٢، و"الدر المصون" ٢/ ٦٠.
(٦) "معاني القرآن" ٢/ ٦٠.
(٧) "تهذيب اللغة" (عقب) ٣/ ٢٥٠٥.
(٨) المرجع السابق.
(٩) في "التهذيب": فقد عقب.
وقال الزجاج (٢): المعقبات: ملائكة يأتي بعضهم بعقب بعض، قال الفراء (٣): والمعقبات ذكران جمع ملائكة معقبة ومعقبات، كما قيل: ابناوات سعد ورجالات بكر، جمع رجال، والذي يدل على التذكير قوله: ﴿يَحْفَظُونَهُ﴾، وقال الأخفش (٤): إنما أنث لكثرة ذلك منها نحو: نسَّابة وعلَّامة، وهو ذكر.
قال ابن عباس (٥): وسعيد بن جبير (٦)، والحسن (٧)، ومجاهد (٨)، وقتادة (٩) وغيرهم: المعقبات: الملائكة الحفظة، ويدل على صحة هذا قوله - ﷺ -: "يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر" الحديث (١٠)، وعلى هذا فسر قوله: {وقُرْآنَ الْفَجْرِ
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٢.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٦٠.
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٥٩٦، و"تهذيب اللغة" (عقب) ٣/ ٢٥٠٥.
(٥) الطبري ١٣/ ١١٥، و"زاد المسير" ٤/ ٣١٠، والقرطبي ٩/ ٢٩٣، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٢٣٠، وهو قول عطاء كما في "تفسيره" ص ١١٢.
(٦) الطبري ١٣/ ١١٧.
(٧) الطبري ١٣/ ١١٥، و"زاد المسير" ٤/ ٣١٠، والقرطبي ٩/ ٢٩٣.
(٨) الطبري ١٣/ ١١٥، و"زاد المسير" ٤/ ٣١٠، والقرطبي ٩/ ٢٩٣.
(٩) الطبري ١٣/ ١١٦، والثعلبي ٧/ ١٢٤ ب، و"زاد المسير" ٤/ ٣١٠، والقرطبي ٩/ ٢٩٣.
(١٠) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة (٥٥٥) كتاب الصلاة، باب: فضل صلاة العصر، وأخرجه (٣٢٢٣) كتاب بدء الخلف، باب: ذكرالملائكة، و (٧٤٢٩) =
وقوله تعالى: ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ ذكر الفراء (١) في هذا قولين:
أحدهما: أنه على التقديم والتأخير، تقديره: له معقبات من أمر الله يحفظونه، وعلى هذا لا يعلق ليحفظونه بمن، وهو معنى قول ابن عباس (٢) في رواية سعيد في هذه الآية، قال: هم الملائكة، وهم من أَمْر الله.
والثاني: أن هذا على إضمار، أي: ذلك الحفظ من أمر الله، أي: مما أمر الله به، قال ابن الأنباري فحذف الاسم وأبقى خبره، كما كتب على الكيس ألفان، يراد الذي في الكيس ألفان، ونحو هذا قال الزجاج (٣)؛ لأنه قال: المعنى: حفظهم إياه من أمر الله.
قال أبو بكر (٤): وفي هذا قول آخر وهو أن مؤداه على معنى الباء، إذ الصفات يقوم بعضها مقام بعض، كما تقول: أجبتك من دعائك إياي، أي
(١) "معاني القرآن" ٢/ ٦٠.
(٢) الطبري ١٣/ ١١٧.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٢.
(٤) "الوقف والابتداء" ٢/ ٧٣٣، والرازي ١٩/ ١٧.
وروى ليث عن مجاهد (٢) قال: ما من عبد إلا به ملك موكَّل بحفظه من الجن والإنس والهوام، فما منهم شيء يأتيه يريده، إلا قال: وراءك، إلا شيئًا يأذن الله -عز وجل- فيه فيصيبه.
وقال كعب (٣): لولا أن الله -عز وجل- وكَّل بكم ملائكة يذبُّون عنكم لتخطفتكم الجن، فعلى هذا يحفظونه من شر الجن والهوام وما لم يقدّر عليه.
وقال ابن جريج (٤): معنى (يحفظونه) يحفظون عليه، أي: يحفظون عليه الحسنات (٥) والسيئات.
قال أبو عبيد (٦): يعني: يحفظون عليه قوله وفعله (٧).
(٢) الطبري ١٣/ ١١٦، وذكره في "الدر" ٤/ ٩١، والثعلبي ٧/ ١٢٥ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٣١٢.
(٣) المراجع السابقة، والقرطبي ٩/ ٢٩٢.
(٤) الطبري ١٦/ ٣٧٨، والثعلبي ٧/ ١٢٥ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٣١٢، والقرطبي ٩/ ٢٩٢.
(٥) في (أ)، (ج): (الحساب).
(٦) انظر: "معاني القرآن" للنحاس ٣/ ٤٧٩.
(٧) قلت: رجح ابن جرير -رحمه الله- قولًا في هذه الآية غير ما ذكره الواحدي، فقال: (له معقبات) الهاء من ذكر (من) التي في قوله: ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ﴾ وأن المعقبات من بين يديه ومن خلفه هي حرسه وجلاوزته؛ لأنها أقرب مذكور =
وقوله تعالى ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا﴾ قال ابن عباس (٢): يريد عذابًا، ﴿فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾، قال الضحاك عن ابن عباس (٣): لم تغن المعقبات شيئًا، وقال عطاء عنه (٤): لا رادّ لعذابي ولا ناقض لحكمي، ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ يلي أمرهم ويمنع العذاب عنهم.
١٢ - قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ قال ابن عباس (٥): يريد خوفًا من الصواعق وطمعًا في المطر، وهذا قول الحسن (٦).
(١) أخرجه أبو الشيخ عنه كما في "الدر" ٤/ ٩٢
(٢) "زاد المسير" ٤/ ٣١٢، والقرطبي ٩/ ٢٩٤، و"تنوير المقباس" ص ١٥٦.
(٣) ابن أبي حاتم ٧/ ٢٢٣٣.
(٤) انظر: "فتح البيان" ٧/ ٢٩.
(٥) "زاد المسير" ٤/ ٣١٣.
(٦) "زاد المسير" ٤/ ٣١٣، والقرطبي ٩/ ٢٩٥، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٢٩٨.
قال أبو إسحاق (٢) وأبو بكر: الخوف للمسافر) (٣) لما تأذّى به من المطر، كما قال الله تعالى ﴿إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ﴾ [النساء: ١٠٢]، والطمع: للحاضر المقيم؛ لأنه إذا رأى البرق طمع في المطر الذي هو سبب الخصب.
وقوله تعالى: ﴿وَيُنْشِئُ﴾ الإنشاء في المعنى كالاختراع وقد مر ذكره في قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ﴾ [الأنعام: ١٤١] (٤)، قال ابن عباس (٥): يقول كوني فتكون، والسحاب الثقال: قال يريد تحمل المطر، وقال مجاهد (٦): ثقال بالماء.
١٣ - وقوله تعالى: ﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ﴾ الآية، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن اليهود سألت رسول الله - ﷺ - فقالوا: أخبرنا عن الرعد ما هو؟ فقال: "الرعد ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب، معه مخاريق يسوق بها السحاب حيث يشاء الله"، قالوا: فما الصوت الذي
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٢.
(٣) ما بين القوسين مكرر في (أ)، (ج).
(٤) وقال هناك ما ملخصه: أنشأ: أبدع، يقال: نشأ الشيء ينشأ نشأ ونشأةً ونشاءةً: إذا ظهر وارتفع.
(٥) انظر: الثعلبي ٧/ ١٢٧ ب، و"زاد المسير" ٤/ ٣١٣.
(٦) الطبري ١٣/ ١٢٤، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشخ كما في "الدر" ٤/ ٩٥، والقرطبي ٩/ ٢٩٥.
وروى الضحاك عن ابن عباس (٣): الرعد ملك من الملائكة اسمه الرعد، وهو الذي تسمعون صوته، وهذا قول مجاهد (٤)، وعطية (٥)، وطاوس (٦)، وعكرمة (٧)، روى الحكم عن مجاهد قال: الرعد صوت ملك يسبح، وقال عكرمة: الرعد ملك يسوق السحاب كالحادي.
وقال عطية: الرعد ملك وهذا تسبيحه، فعلى ما ذكرنا من هذه الأقوال، الرعد اسم للملك الموكل بالسحاب، وصوته تسبيح لله تعالى.
ويسمى الرعد أيضًا، يدل على هذا ما روي أن ابن عباس كان إذا سمع الرعد قال: سبحان الذي سبحت له (٨)، فجائز أن يكون ما يسمعه صوته يزجر به السحاب، وله تسبيح لا نسمعه يسبح الله به، فأخبرنا الله عن
(٢) أخرجه الترمذي (٣١١٧) في كتاب تفسير القرآن باب ومن سورة الرعد وقال: حديث حسن غريب، والنسائي (٩٧٠٥)، (٩٧٠٦)، في الكبرى عشرة النساء، باب: صفة ماء الرجل وصفة ماء المرأة، وصححه الألباني كما في "صحيح الترمذي" ٣/ ٦٥، وانظر: "السلسلة الصحيحة" (١٨٧٢).
(٣) أخرجه ابن جرير وابن مردويه كما في "الدر" ٤/ ٩٦.
(٤) أخرجه عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٩٦.
(٥) الثعلبي ٧/ ١٢٨ أ.
(٦) الطبري ١٣/ ١٢٤.
(٧) أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر، والبيهقي في "سننه" كما في "الدر" ٤/ ٩٧، و"معاني القرآن" للنحاس ٣/ ٤٨٢.
(٨) أخرجه الطبري ١٣/ ١٢٤، وأخرج أيضًا عن علي، وطاوس نحوه، و"معاني القرآن" للنحاس ٣/ ٤٨٣.
وذهب قوم إلى أن الرعد هو صوت السحاب، وأنه يسبح الله بعقل يجعله الله له، روى حميد بن عبد الرحمن عن شيخ أدرك النبي - ﷺ - قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "إن الله ينشئ السحاب، فينطق أحسن المنطق، ويضحك أحسن الضحك" (٤) فذكر أن منطقه الرعد وأن ضحكه البرق، والعرب قد استعملت الرعد بمعنى صوت السحاب، روى الأثرم عن أبي عبيدة (٥) قال: العرب تقول: جَوْن خزيْمٌ رعْدُه أجشُّ، قال أبو عبيدة: ففي هذا دليل على أن الرعد صوت السحاب، والجون هو السحاب الأسود، والأجش الذي فيه جُشَّة أي بُحّة.
وأنشد أحمد بن يحيى [رحمه الله] (٦):
فيا ربوة الرّبْعَين حُيَّيت رَبْوة | على النَّأْي مِنَّا واسْتَهَلَّ بك الرعْدُ |
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٣.
(٣) "زاد المسير" ٤/ ٣١٤.
(٤) أخرجه أحمد ٥/ ٤٣٥، وابن أبي الدنيا في كتاب "المطر"، وأبو الشيخ في "العظمة" والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص ٤٧٥، عن أبي ذر الغفاري كما في "الدر" ٤/ ٩٥، وصححه الألباني.
انظر: "صحيح الجامع الصغير" (١٩٢٠)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة" (١٦٦٥).
(٥) "مجاز القرآن" ١/ ٣٢٥.
(٦) ليس في (ب): [رحمه الله]. والبيت نسبه أحمد بن يحيى ليزيد بن الطثرية. انظر: "شعره" ٦٦، و"الزاهر" ١/ ٤٤٨.
وقوله تعالى: ﴿وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ﴾، ذكرنا معنى الصواعق في البقرة [: ١٩].
قال المفسرون (٤): نزلت هذه الآية في أربد وعامر بن الطفيل، أتيا النبي - ﷺ - يخاصمانه، ويريدان الفتك به، فقال النبي - ﷺ -: "اللهم اكفينهما بما شئت"، فأرسل الله صاعقة على أربد في يوم صائف صاح، فأحرقته، وولى عامر هاربًا (٥)، وألْزل الله في ذلك: ﴿وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ﴾ كما أصاب أربد.
(٢) الثعلبي ٧/ ١٢٨ ب.
(٣) "زاد المسير" ٤/ ٣١٤، القرطبي ٩/ ٢٩٥.
(٤) الطبري ١٣/ ١٢٦، والثعلبي ٧/ ١٢٥ ب، و"زاد المسير" ٤/ ٣١٤، والقرطبي ٩/ ٢٩٦، وابن كثير ٢/ ٥٥٥.
(٥) أخرجه الطبراني في "الكبير" ١٠/ ٣٧٩ (١٠٦٠)، وأبو نعيم في "الدلائل" ١/ ٦٦ من طريق عطاء بن يسار، عن ابن عباس، وضعفه الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٤١، وقال فيه عبد العزيز بن عمران.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (ب).
(٣) بالنسبة لرواية عامر وأربد فقد أخرجها الطبري ١٣/ ١٢٦ عن ابن جريج قال: نزلت -يعني قوله: ﴿وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ﴾ - في أربد، أخي لبيد بن ربيعة؛ لأنه قدم أربد وعامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر على النبي - ﷺ -، فقال عامر: يا محمد، أأسلم وأكون الخليفة من بعدك؟ قال: "لا". قال: فأكون على أهل الوبر وأنت على أهل المدر؟ قال: "لا". قال: فما ذاك؟ قال: "أعطيك أعنة الخيل تقاتل عليها، فإنك رجل فارس"، قال لأربد: إما أن تكفينيه وأضربه بالسيف، وإما أن أكفيكه وتضربه بالسيف، قال أربد: أكفنيه وأضربه، فقال ابن الطفيل: يا محمد إني لي إليك حاجة، قال: "ادن"، فلم يزل يدنو، ويقول النبي - ﷺ -: "ادنُ" حتى وضع يديه على ركبتيه وحنى عليه، واستل أربد السيف، فاستل منه قليلًا، فلما رأى النبي - ﷺ - بريقه تعوّذ بآية كان يتعوذ بها، فيبست يدُ أربد عى السيف، فبعث الله عليه صاعقة فأحرقته.
وأخرجه الطبري ١٣/ ١١٩ - ١٢٠، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٩٢ - ٩٣، عن ابن زيد بنحوه، وذكر الهيثمي ٧/ ٤١، عن ابن عباس نحوه، وقال: رواه الطبراني في "الأوسط والكبير" وفي إسنادهما عبد العزيز بن عمران وهو ضعيف.
وأما الرواية الأخرى والتي فيها ما ذكره الواحدي هنا فقد وردت بألفاظ مختلفة ومنها: ما أخرجه النسائي والبزار وأبو يعلى والطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني في "الأوسط"، وابن مردويه والبيهقي في "الدلائل"، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله - ﷺ -: بعث رجلاً من أصحابه إلى رأس من رؤوس المشركين يدعوه إلى الله، فقال المشرك: هذا الإله الذي تدعوني إليه، أمن ذهب هو أم من فضة، أم من نحاس؟ فتعاظم مقالته، فرجع إلى النبي - ﷺ - أخبره، =
قال أبو إسحاق (١): وجائز أن يكون الواو استئنافًا كأنه لما تمم أوصاف ما يدل على قدرته، قال بعد ذلك: ﴿وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ﴾ قال ابن عباس (٢): يريد يكذبون بعظمة الله.
وقد علَّق عليه أحمد شاكر بتوثيق رجاله إلا علي بن أبي سارة الشيباني، ويقال له: علي بن محمد بن سارة، شيخ ضعيف الحديث، قال البخاري: ففي حديثه نظر، وقال أبو داود: ترك الناس حديثه، وقال ابن حبان: غلب على روايته المناكير فاستحق الترك، وقال العقيلي: علي ابن أبي سارة عن ثابت البناني، لا يتابع عليه، ثم روى له عن ثابت، عن أنس قوله تعالى: ﴿وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ﴾ ثم قال: ولا يتابعه عليه إلا من هو مثله أو قريب منه.
قال أحمد شاكر: فهذا إسناد ضعيف جدًّا. اهـ."حاشية الطبري" ١٦/ ٣٩٢، ٣٩٣، وقد وردت أحاديث أخرى قريبة من هذا في الطبري ١٣/ ١٢٥ - ١٢٦، و"الدر المنثور" ٤/ ٩٩.
فالذي يظهر لي أن الواحدي جمع بين الحديثين والله أعلم.
وقد تابعه على ذلك نقلاً، عنه: الرازي ١٩/ ٢٦، ٢٧.
وانظر: "زاد المسير" ٤/ ٣١٤، ٣١٥، والبغوي ٤/ ٣٠٤، و"الكشاف" ٢/ ٣٥٣.
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٣.
(٢) "زاد المسير" ٤/ ٣١٥.
فرعُ نَبْعٍ يَهْتَزُّ في غُصْنِ المَجْد | غَزِيرِ النَّدَى عَظِيمِ المِحَال |
قال ابن قتيبة (٣) في قوله: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ أي شديد الكيد والمكر، قال: وأصل المحال: الحيلة) (٤) وروى هذا المعنى عن قتادة (٥)، قال: شديد الحيلة والقوة.
وروى ابن جريج عن ابن عباس (٦) قال: المحال الحول، وعلى هذا القول، إنما جاز وصف الله بالاحتيال؛ لأن الله تعالى معجل لعدوه في
(٢) قلت: في "مجاز القرآن" ١/ ٣٢٥ (شديد المحال) بدل (عظيم) قال الطبري ١٣/ ١٢٧: هكذا كان ينشده معمر بن المثنى فيما حدثت به عن علي بن المغيرة عنه، وأما الرواة بعد فإنهم ينشدون:
فرع فرع يهتزفي غصن المجد | كثير الندى عظيم المحال |
(٣) "مشكل القرآن وغريبه" ص ٢٣١.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (ج).
(٥) الطبري ١٣/ ١٢٧، وعبد الرزاق ٣/ ٣٣٣، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١٠٠.
(٦) الطبري ١٣/ ١٢٧.
وروى عباد بن منصور عن الحسن (٢) في قوله: ﴿شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ قال: شديد الحقد، قال أبو بكر: وهذا على ما بينا من أن غضب الله لما استسر (٣) عن المغضوب عليه المعد له، أشبه حقد المخلوق الذي يستر في نفسه، إلى أن المخلوق ينزعج ويتأذى (٤) عند الحقد والغضب، والله قد علا عن جميع هذا علوًّا كبيرًا.
قال الأزهري (٥): قول القتبي (٦): أصل المحال الحيلة، غلط فاحش، وأحسبه توهم أن ميم المحال ميم مِفْعَل، وأنها زائدة، وليس الأمر كما توهمه؛ لأن (٧) مِفْعلا إذا كان من بنات الثلاثة، فإنه يجيء بإظهار الياء الواو مثل: المِزَوَد، والمِجْوَل، والمِحْوَر، والمِزْيل، وما شاكلها، وإذا رأيت الحروف على مثال فعال، أوله ميم مكسورة فهي أصلية، مثل: ميم مهاد ومِلاك ومِراس، وما أشبهها.
(٢) "زاد المسير" ٤/ ٣١٦، وأخرجه أبو الشيخ عن عكرمة كما في "الدر" ٤/ ١٠٠.
(٣) في (ج): (اسْتَتَرَ).
(٤) في (ب)، (ج): (وينادي).
(٥) "تهذيب اللغة" (محل) ٤/ ٣٣٥٣.
(٦) (أ)، (ج): (القيس).
(٧) في (أ)، (ج): (أن).
قال الأزهري: ويقول الله شديد المحال، منه أي: شديد القوة، أما ما روى عن ابن عباس، المحال: الحول.
قال أبو عبيد: ولم يعتد بفتح الميم ولا كسرها، قال: وهذا التفسير يوجب فتح الميم؛ لأن المحالة والمحال هما الحول، وأنشد (٤):
ما للرجَالِ مع القَضاءِ مَحَالَة | ذَهَبَ القَضَاءُ بحِيلَةِ الأقْوَامِ |
قال الأزهري (٦): وليس التمحل عندي من هذا، ولكنه من المحل وهو السعي، والماحل: الساعي، كأنه سعى في طلبه، ويتصرف فيه.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٣.
(٣) "تهذيب اللغة" (محل) ٣/ ٣٣٥٣.
(٤) نسبه في "الزاهر" ١/ ١٠١ لبعض بني أسد.
(٥) "تهذيب اللغة" (محل) ٤/ ٣٣٥٣.
(٦) المرجع السابق.
إنَّ مَنْ يَركبُ الفَوَاحِشَ سِرًّا | حين يَخْلُو بسِرّه غَيْرُ خَالِ |
كيفَ يخْلُو وعِنْدَه كاتِبَاه | شَاهِدَاه ورَبُّهُ ذو المِحَالِ |
لا هم إنَّ المَرْء يمنعُ رَحْلَه فامْنَع حِلالَك | لا يَغْلِبَنّ صَلِيبهُمُ ومِحَالُهم عَدَدًا مِحَالَك |
١٤ - قوله تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ﴾ الآية، أكثر المفسرين على أن المراد بدعوة الحق هاهنا كلمة التوحيد والإخلاص، روى عكرمة عن ابن عباس (٦): ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ﴾ قال: لا إله إلا الله، وهذا اختيار
(٢) "ديوانه" ص ٦٤، و"الزاهر" ١/ ١٠٢.
(٣) انظر: "سيرة ابن هشام" ١/ ٥١، و"تاريخ الطبري" ٢/ ١٣٥، و"الزاهر" ١/ ١٠١، و"المحرر" ٨/ ١٤٨، و"البحر" ٥/ ٣٥٨، و"الدر المصون" ٧/ ٣٢، و"اللسان" (محل) ٧/ ٤١٤٨
(٤) "الزاهر" ١/ ٩، ١٠.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١٠٠، و"زاد المسير" ٤/ ٣١٦.
(٦) عبد الرزاق ٢/ ٣٣٤، والطبري ١٣/ ١٢٧، والفريابي، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، والبيهقي في "الأسماء والصفات" كما في "الدر" ٤/ ١٠٠، والثعلبي ٧/ ١٢٩ ب، والقرطبي ٩/ ٣٠٠، و"معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٤٨٥.
وهو قول قتادة (٣)، وابن زيد (٤)، والمعنى على هذا: لله من خلقه الدعوة الحق، ولكن أضيفت الدعوة إلى الحق لما اختلف اللفظان، وقد ذكرنا مثل هذا، ويجوز أن يكون المعنى: دعوة الدين الحق، وقال الحسن (٥): الله الحق، وقال في رواية عطاء والضحاك: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ﴾ معناه: هو الذي دعا إلى توحيده والاعتراف بأنه لا شريك له، وتفسير دعوة الحق (٦) على هذا القول: له دعاء الحق ة لأنه دعاء إلى [عبادته وتوحيده] (٧)، وكان ذلك حقًّا.
قال أبو إسحاق: وجائز أن يكون (دعوة الحق)، أنه من دعا الله موحدًا استجيب له دعاه.
قال أبو بكر: الدعوة على هذا التفسير يريد بها الدعوات فاكتفي من الجمع بالواحد، كقوله: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التحريم: ٤]، ومعنى الدعوات: دعوات الداعين إياه، يلتمسون الإجابة وهم محقون في ذلك لأنهم سألوا من لا يخيب سائله ويقدر على الإجابة، وإنالة المطلوب، وهذا هو الوجه؛ وهو الأليق بما بعده من سياق الآية؛ لأنه ذكر أن الأصنام
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٦١.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٣.
(٤) الطبري ١٣/ ١٢٨، والقرطبي ٩/ ٣٠٠، وعبد الرزاق ٢/ ٣٣٤.
(٥) "زاد المسير" ٤/ ٣١٧، والقرطبي ٩/ ٣٠٠.
(٦) هنا تكرار في (ب) لما سبق فقال: [معناه هو الذي دعا إلى توحيد والاعتراف بأنه لا شريك وتفسير دعوة الحق].
(٧) في (أ)، (ج): (عادته وتوحده).
وقوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ﴾ قال ابن عباس: يريد ليس لهم (٢) ثواب، يعني للداعين إياه، لا ثواب لهم عندها، وقوله تعالى: ﴿إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاه﴾ فُسِّر هذا على ثلاثة أوجه، قال مجاهد (٣): يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده؛ فلا يأتيه أبدًا، وهو اختيار أبي إسحاق (٤)؛ لأنه قال معناه: إلا كما يستجاب للذي يبسط كفيه إلى الماء، يدعو الماء إلى فيه، والماء لا يستجيب، فأعلم الله أن دعاءهم الأصنام كدعاء العطشان الماء إلى بلوغ فيه.
﴿وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ﴾ وما الماء ببالغ فاه، بدعوته إياه، والتقدير: إلا كاستجابة باسط كفيه، ويكون المصدر مضافًا إلى المفعول ثم حذف المضاف، الوجه الثاني من التفسير هو مذهب الكلبي (٥) وغيره، قال: كماد يده إلى الماء من مكان بعيد وهو مشرف على ذلك الماء فلا يبلغه، ولا يبلغ
(٢) (لهم) ساقط من (أ)، (ج).
(٣) الطبري ١٣/ ١٢٩، والثعلبي ٧/ ١٢٩ ب، وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في "الدر" ٤/ ١٠١.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٤.
(٥) "تنوير المقباس" ص ١٥٦.
الوجه الثالث: هو مذهب أبي عبيد (٣) وابن قتيبة (٤)، وهو أن العرب يضربون المثل لمن سعى (٥) فيما لا يدركه، وتعاطى ما لا يجد منه شيئًا، بالقابض على الماء، وذلك أن القابض على الماء لا يحصل في يده منه شيء، المعنى لا يصير في أيديهم إذا دعوهم إلا ما يصير في يدي من قبض على الماء ليبلغ فاه، وأنشد أبو عبيدة قول ضابئ البُرْجُمِيِّ (٦):
فإنِّي وإيَّاكم وشَوْقًا إليْكُم | كقابِضِ ماءٍ تَسْتقِيه أنَامِلُه |
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٦١.
(٣) "مجاز القرآن" ١/ ٣٢٧.
(٤) "مشكل القرآن وغريبه" لابن قتيبة ص ٢٣١.
(٥) في (أ)، (ج): (يبتغي).
(٦) في "مجاز القرآن" ١/ ٣٢٧، تقدمت ترجمته، وفيه (تسقيه) من غير تاء، وانظر: "مقاييس اللغة" ٦/ ١٠٩، و"الخزانة" ٤/ ٨٠، و"مشكل القرآن وغريبه" ص ٢٣١، والطبري ١٣/ ١٢٩، والقرطبي ٩/ ٣٠١، و"طبقات فحول الشعراء" ص ١٤٥، و"تاريخ الطبري" ٥/ ١٣٧، ٧/ ٢١٣، و"اللسان" (وسق) ٨/ ٤٨٣٦. =
وقال ابن الأنباري: يجمعه ويسقه يحمله، وأنشد أيضًا (١):
فأصْبَحْتُ مِمّا كان بَيْني وبَيْنَها | من الوُدِّ مِثْلَ القَابِضِ المَاءِ باليَدِ |
وقوله تعالى: ﴿وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء (٢): يريد عبادة الكافرين الأصنام في ضلال، وروى جويبر (٣): وما دعاء الكافرين ربهم إلا في ضلال؛ لأن أصواتهم محجوبة عن الله، وهذا التفسير لا يليق بما سبق من الآية؛ لأنه ذكر في الآية دعاء الكافرين الأصنام، وهو قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾، والذم لاحق بذلك الدعاء، وهو دعاهم إياها، ولم يذكر دعاهم الله تعالى، وجويبر ضعيف، والصحيح ما ذكرنا في رواية عطاء، ولعل ما رواه جويبر، رواه في نظير هذه الآية في سورة المؤمن، ﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [غافر: ٥٠]، وذلك صحيح المعنى في تلك السورة (٤).
(١) البيت للأحوص بن محمد الأنصاري في "مجاز القرآن" ١/ ٣٢٧، والطبري ١٣/ ١٢٩، والقرطبي ٩/ ٣٠٠ (فأصبحت).
(٢) "تنوير المقباس" ص ١٥٦.
(٣) الثعلبي ٧/ ١٣٠ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٣١٨، والقرطبي ٩/ ٣٠١.
(٤) ما رجحه الواحدي هو الصحيح والمناسب لسياق الآية، وهو الذي ذهب إليه الطبري ١٣/ ١٣١، والثعلبي ٧/ ١٣٠ أ، ومقاتل كما في "زاد المسير" ٤/ ٣١٨، وابن كثير ٢/ ٥٥٧، والقرطبي ٩/ ٣٠١.
واختلفوا في توجيه هذا، فذهب بعضهم إلى التخصيص، حكى ابن الأنباري عن بعض أهل العلم (٦) قال: الملائكة وعباد الله الصالحون يسجدون لله طوعًا، والكافرون والمنافقون يسجدون خوف القتل، وقلوبهم تنطوي على الكفر، فعلى هذا يراد بقوله ﴿كَرْهًا﴾ من يسجد لله كرهًا من خوف السيف لا جميع الكفار، من العموم الذي دخله الخصوص، وعليه دل كلام الفراء؛ لأنه قال: ومن أكره (٧) على الإسلام فهو يسجد كرهًا، ومن المفسرين من ذهب إلى أن الكره أيضًا من صفة المؤمنين، يسجد لله
(٢) الطبري ١٣/ ١٣١، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١٠٢، والقرطبي ٩/ ٣٠١.
(٣) الطبري ١٣/ ١٣١، "زاد المسير" ٤/ ٣١٨.
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٦١.
(٥) في (ب): (ورغبة) بزيادة واو.
(٦) قال بهذا القول الثعلبي ٧/ ١٣٠ أ، والطبري ١٣/ ١٣١، وهذا الراجح والله أعلم.
(٧) في (أ): (أكر) بغير هاء.
وقال آخرون: يسجد المخلصون لله طوعًا، وبعض المسلمين كرهًا في ابتداء أمره، إلى أن يألف الحق، فعلى هذا لا مدخل للكافرين في الآية، هذا الذي ذكرنا طريقة التخصيص إما بالمسلمين وبعض الكفار، وإما بالمسلمين فقط.
ومن المفسرين من أجراها (١) على العموم فقال: المعنى على ما ذكره المفسرون: أن السجود واجب لله تعالى، فالمؤمن يفعله طوعًا، والكافر يؤخذ بالسجود كرهًا، أي هكذا الحكم في وجوب السجود لله جل وعزَّ، فعلى هذا قوله: ﴿يَسْجُدُ﴾ المراد به الإخبار عمن يسجد طوعًا، وأمر بالإكراه على السجود في حكم الكافر، كأنه قال يؤخذون بالسجود كرهًا، ويكرهون عليه، وهذا (٢) مستبعد من حيث اللفظ. ولأصحاب المعاني في الآية طريقة أخرى، وهو أنهم قالوا (٣): سجود الكافر هو تذلُّله وانقياده لتصريف الله تعالى إياه فيما يريد من عافية إلى مرض، وغنى إلى فقر، وحياة إلى موت، ومعنى السجود الخضوع والتذلل والانقياد، والكافر لا يمتنع من هذا، فهو في حكم الساجد من هذا الوجه أي: المسخّر المنقَاد والمذلّل، كما تقول في سجود الجماد، ونظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ [البقرة: ١١٦]، وقوله: {وَلَهُ
(٢) (وهذا) ساقط من (أ)، (ج).
(٣) "زاد المسير" ٤/ ٣١٩.
وقوله تعالى: ﴿وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ الكلام في تفسير هذه الألفاظ قد سبق (١)، وأما المعنى فقال المفسرون: كل شخص مؤمن أو كافر، فإنه يسجد لله تعالى. قال مجاهد (٢): ظل المؤمن يسجد طوعًا وهو طائع، وظل الكافر يسجد طوعًا وهو كاره. وقال أبو إسحاق (٣): جاء في التفسير أن الكافر يسجد لغير الله، وظله يسجد لله، فعلى هذا قال ابن الأنباري (٤): يُجْعل للظلال عقول تسجد بها وتخشع، كما جُعل للجبال أفهام حتى خاطبت وخوطبت، قال: على هذا بني أكثر أهل التفسير.
وقال أهل المعاني: سجود الظلال ميلانها ودورانها من جانبها إلى جانب، وطولها بانحطاط الشمس، وقصرها بارتفاع الشمس فهي مستسلمة منقادة، مطيعة بالتسخير، وهي في ذلك تميل من جانب إلى جانب، والميل سجود في اللغة، يقال: سجدت النخلة، إذا مالت (٥) لكثرة حملها، قال لبيد يصف نخلًا (٦):
غُلْبٌ سَوَاجِدُ لم يَدْخل بها الحَصَرُ
(٢) الطبري ١٣/ ١٣١، وابن المنذر كما في "الدر" ٤/ ١٠١، والثعلبي ٧/ ١٣٠ أ، والقرطبي ٩/ ٣٠٢.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٤.
(٤) القرطبي ٩/ ٣٠٢، والرازي ١٩/ ٢٥، و"البحر" ٦/ ٣٦٩.
(٥) مكرر في (أ)، (ج).
(٦) عجز بيت، وصدره:
بين الصفا وخليج العين ساكنة
١٦ - قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ﴾ الآية، السؤال والجواب جاء من ناحية واحدة، كقوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ [يونس: ٣٤] الآية، وذلك أن الكفار لا ينكرون أن الله خالق السموات والأرض والمخلوقات، لقوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: ٨٧]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [يونس: ٣١] إلى قوله: ﴿فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾، فإذا أجاب النبي - ﷺ - عن هذا السؤال بقوله: الله، لم ينكروا هم ذلك، ويصير كأنهم قالوا ذلك، ثم ألزمهم الحجة، فقال: ﴿قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ قال ابن عباس: يريد توليتم غير رب السماء والأرض، والولي النصير، والذي يتولى النصرى، كأنه قال أفتخذتم من دونه أنصارًا، يعني: الأصنام لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، فكيف لغيرهم.
ثم ضرب مثلًا للذي يعبد الأوثان، وللذي يعبد الله تعالى: فقال: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ قال ابن عباس (١) يريد المشرك والمؤمن ﴿أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ﴾ قال: يريد الشرك والإيمان، وقرأه أكثر
(١) "تنوير المقباس" ص ١٥٦، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢٠، والقرطبي ٩/ ٣٠٣، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١٠٢، وأخرج الطبري ١٣/ ٣٣٣ عن مجاهد نحوه.
وقوله تعالى: ﴿أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ﴾ إلى قوله ﴿عَلَيْهِمْ﴾، قال ابن عباس (٢): معناه أجعلوا لله شركاء خلقوا سموات وأرضين وجنًّا وإنسًا، فتشابه الخلق عليهم من هذا الوجه.
وقال أبو إسحاق (٣): أي هل رأوا غير الله خلق شيئًا، فاشتبه عليه خلق الله من خلق غيره؟
وقال ابن الأنباري (٤): تلخيص هذه الآية: وبخهم أجعلوا لله شركاء خلقوا مثل ما خلق الله، فتشابه خلق الشركاء بخلق الله عندهم؟ وهذا الاستفهام إنكار لذلك، أي ليس الأمر على هذا حتى يشبه الأمر، بل إذا فكروا بعقولهم وجدوا الله هو المنفرد بالخلق، وسائر الشركاء لا يخلقون خلقًا يتشابه بخلق الله، وإذا كانوا بهذه الصفة ألزمتهم الحجة.
وقوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾، قال الزجاج (٥): أي قل ذلك وبينّه بما أخبر به من الدلالة على توحيده، من أول هذه السورة، مما يدل على أنه خالق كل شيء.
انظر: "السبعة" ص ٣٥٨، و"الإتحاف" ص ٢٧٠، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢٠، والقرطبي ٩/ ٣٠٣.
(٢) "تنوير المقباس" ص ١٥٦ نحوه وأخرج ابن أبي شيبة، والطبري ١٣/ ١٣٣ وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه. "الدر" ٤/ ١٠٣.
(٣) "معانى القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٤.
(٤) "زاد المسير" ٤/ ٣٢٠.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٥.
وقال الشافعي (٢) في هذا: إنه من العموم الذي لم يدخله الخصوص، يعني أنه لما ذكر لفظ الخالق، علم أن عمومه بالمخلوقات، وإذا كان كذلك لم يدخله خصوص، لأنه لا مخلوق إلا وهو خالقه، ولما شبه المؤمن والكافر، والإيمان والكفر مثلًا.
١٧ - فقال: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ﴾ وهي جمع وادي، وهو كل مفرج بين جبال وآكام وتلال. يجتمع إليه ماء المطر فيسيل فيه، هذا قول عامة أهل اللغة (٣) في معنى الوادي، وقال شمر (٤): ودي: إذا سال، قال: ومنه الوَدْي فيما أرى، لخروجه وسيلانه، ومنه الوادي، وعلى هذا الوادي اسم للماء السائل، كالسيل (٥)، والقول هو الأول.
قال أبو علي الفارسي (٦): ﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ﴾ اتساع، والمراد في: سال الوادي، وجرى النهر، ماؤهما، فحذف المضاف، قال: والأودية جمع نادر في فاعل، ولا يعلم فاعلًا جمع على أفعله، ويشبه أن يكون ذلك، ليتعاقب فاعل وفعيل على الشيء الواحد، كعالم وعليم، وشاهد وشهيد،
(٢) "الأم" ٧/ ٤٦٢.
(٣) "تهذيب اللغة" (ودي) ٤/ ٣٨٦٥، و"اللسان" (ودي) ٨/ ٤٨٠٣.
(٤) "تهذيب اللغة" (ودي) ٤/ ٣٨٦٥.
(٥) (كالسيل) ساقط من (ج).
(٦) "الحجة" ٢/ ٣٤٠ (بتصرف).
وقال غيره: نظير واد وأودية، ناد وأندية للمجالس.
وقوله تعالى: ﴿بِقَدَرِ﴾ القَدَر والقَدْر، مبلغ الشيء يقال: كم قَدْر هذه الدراهم؟ وقدرها ومقدارها، أي: كم (٢) تبلغ من الوزن فيما يكون مساويًا لها من الوزن فهو قدرها، وذكرنا الكلام في القَدَر والقَدَر في قوله ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾ [البقرة: ٢٣٦] وفي مواضع.
قال مجاهد (٣): بقدر مَلئْها.
وقال ابن جريج (٤): الصغير بقدره، والكبير بقدره.
وقال ابن الأنباري والزجاج (٥): (بقدرها) بما قدر (٦) يملأها، قالا: ويجوز بمقدار ما يملأها، وقد فُهم من قوله: القَدر هاهنا يجوز أن يكون مصدرًا فيكون المعنى: بما قدر لها من ملئها، ويجوز أن يكون المعنى: بقدر ملئها، وتلخيص معنى قوله: ﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ﴾، بقدرها من
(٢) في (ب): (لم). ولعله خطأ.
(٣) الطبري ١٣/ ١٣٦، وأبو عبيد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي هاشم وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١٠٥، القرطبي ٩/ ٣٠٥.
(٤) الطبري ١٣/ ١٣٧، وابن جريج عن ابن عباس، القرطبي ٩/ ٣٠٥، وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس كما في "الدر" ٤/ ١٠٣.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٥.
(٦) في: (أ)، (ج) ساقط (أن).
قال أبو علي (٢): المعنى بقدر مياهها، ألا ترى أن المعنى ليس على أن الأودية سالت بقدر أنفسها.
قال ابن عباس في رواية عطاء (٣) ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ يريد قرآنًا، وهو مثل ضربه الله، ﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ قال: يريد بالأودية قلوب العباد، قال ابن الأنباري: شبه نزول القرآن الجامع للهدى والبيان بنزول المطر، إذ نفع نزول القرآن يعم كعموم نفع نزول المطر، وشبه الأودية بالقلوب؛ إذ الأودية يستكن فيه الماء كما يستكن الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين، ونحو هذا قال الفراء (٤): يقول قبلته القلوب بأقدارها وأهوائها.
وقال صاحب النظم: الماء هاهنا إن شاء الله الإيمان والحق، فهؤلاء الذين سمينا جعلوا الماء مثلًا للإيمان والقرآن، والأودية مثلًا للقلوب.
والباقون من المفسرين وأهل المعاني سكتوا عن بيان الممثل والممثل به، وجعلوا ابتداء المثل من قوله: ﴿فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا﴾، قال ابن عباس (٥): وهو الشك والكفر، قال الفراء (٦): يقال: أزبد الوادي
(٢) "الحجة" ٢/ ٣٤٠.
(٣) القرطبي ٩/ ٣٠٥.
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٦١.
(٥) الطبري ١٣/ ١٣٥، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١٠٣.
(٦) لم أجده في مظانه، وانظر: "اللسان" (زبد) ٣/ ١٨٠٣.
قال ابن عباس وغيره من المفسرين (٣): ثم ضرب مثلًا آخر فقال ﴿وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ﴾، قرئ (٤) بالتاء والياء. فمن قرأ (٥) بالتاء فلما قبله من الخطاب، وهو قوله: ﴿قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ﴾، ويجوز أن يكون خطابًا عامًا يراد به الكافة، كأنه ومما توقدون عليه أيها الموقدون، ومن قرأ بالياء فلأن ذكر الغيبة قد تَقَدّم في قوله: [﴿أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ﴾ ويجوز أن يراد به] (٦) جميع (٧) الناس، ويقوي ذلك قوله: ﴿وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ فكما أن الناس يعم المؤمن والكافر، كذلك الضمير في يوقدون (٨)، وأراد بما يوقد عليه في النار الفلز (٩)، وهو ما يذاب من الجواهر كالذهب والفضة والصفر والحديد
(٢) أبو عبيدة "مجاز القرآن" ١/ ٣٢٨.
(٣) الطبري ١٣/ ١٣٤، والثعلبي ٧/ ١٣٠ ب، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢٢، والقرطبي ٩/ ٣٠٥، وابن كثير ٢/ ٥٥٧ - ٥٥٨.
(٤) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر (توقدون) بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم (يوقدون) بالياء وروى علي بن نصر عن أبيه عن أبي عمرو بالتاء والباء والغالب التاء وانظر: "السبعة" ص ٣٥٨، و"الإتحاف" ٢٧٠، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢١، و"البحر المحيط" ٥/ ٣٨١.
(٥) من هنا يبدأ القتل عن "الحجة" ٥/ ١٦ باختصار.
(٦) في (ج): (أم جعلوا لله شركاء خلقوا، ويراد به).
(٧) في (ب): (جمع).
(٨) إلى هنا انتهى النقل عن "الحجة" ٥/ ١٦ باختصار.
(٩) الفِلْزُ والفِلَزُّ، والفُلُزُّ: نحاس أبيض تصنع منه القدور وغيرها، وقيل: هو جميع =
قال أبو علي (٢): وجعل الظرف الذي ﴿فىِ النَّارِ﴾ متعلقًا بتوقدون؛ لأنه قد يوقد على ما ليس في النار، كقوله: ﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ﴾ [القصص: ٣٨] فهذا إيقاد على ما ليس في النار، وإن كان يلحقه وهجها ولهيبها، يريد أن هذه الجواهر تدخل النار فيوقد عليها.
وقوله تعالى: ﴿ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ﴾ قال الزجاج (٣) وغيره: الذي يوقد عليه لابتغاء الحلية الذهب والفضة، والذي يوقد عليه لابتغاء الأمتعة، الحديد والصفر والنحاس والرصاص، يتخذ منها الأواني والأشياء التي ينتفع بها، والمتاع كل ما يتمتع به (٤).
وقوله تعالى: ﴿زَبَدٌ مِثْلُهُ﴾ زبد مثل زبد الماء الذي يحمله السيل.
وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ﴾ كما ذكر من هذه الأشياء يضرب الله مثل الحق والباطل، قال صاحب النظم: هذا كلام فرّق به بين الكلام الأول وبين تمامه؛ لأن قوله: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾ هو من الكلام الأول، ثم لما تم ذلك رجع إلى تمام قوله: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ﴾، فقال: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ والتأويل: كذلك يضرب الله الأمثال للحق والباطل، فاختصر الكلام اختصارًا على ما سبق من ذكر
(١) الطبري ١٣/ ١٣٤، والثعلبي ٧/ ١٣١ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢٢، والقرطبي ٩/ ٣٠٥، وابن كثير ٢/ ٥٥٨، و"البحر المحيط" ٥/ ٣٨١.
(٢) "الحجة" ٥/ ١٦، و"البحر المحيط" ٥/ ٣٨٢.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٥.
(٤) "تهذيب اللغة" (متع) ٤/ ٣٣٣٤.
فأضْحَتْ مَغَانِيها قِفَارًا رُسُومُها | كأن لم سِوَى أهْلٍ من الوَهِل تؤهلُ |
(٢) "تهذيب اللغة" (جفأ) ١/ ٦١٩، و"الزاهر" ٢/ ٨٩.
(٣) "تهذيب اللغة" (جفأ) ١/ ٦١٩.
(٤) "معاني الفراء" ٢/ ٦٢ بنحوه، و"تهذيب اللغة" (جفأ) ١/ ٦١٩.
(٥) القماش: ما يجمع من هنا وهناك.
(٦) الدقائق: فتات كل شيء.
(٧) "فعلت وأفعلت" ص ٨، ونقله في "التهذيب" ١/ ٦١٩ عن الفراء.
وقال أبو إسحاق (٥): فمثل المؤمن واعتقاده ونفع الإيمان، كمثل هذا الماء المنتفع به في نبات الأرض، وحياة كل شيء، وكمثل نفع الفضة والذهب وسائر الجواهر؛ لأنها كلها تبقى منتفعًا به، ومثل الكافر وكفره كمثل هذا الزبد الذي يذهب جفاء، وكمثل (٦) خبث الحديد وما تخرجه النار من وسخ الفضة والذهب الذي (٧) ينتفع به.
١٨ - قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِم﴾ أي: أجابوه إلى ما دعاهم إليه من توحيده وشريعته على لسان رسوله، قال ابن عباس (٨): يريد للذين وحدوا ربهم.
(٢) في (أ)، (ج): (عن).
(٣) في (أ)، (ج): (الأشوب) بألف.
(٤) "مشكل القرآن وغريبه" ص ٢٣٣.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه " ٣/ ١٤٥.
(٦) في (ج): بزيادة هذا: (وكمثل هذا خبث الحديد).
(٧) في "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٦: (الذمي لا ينتفع به).
(٨) القرطبي ٩/ ٣٠٦، و"تنوير المقباس" ص ١٥٧.
وقوله تعالى: ﴿لَافْتَدَوْا بِهِ﴾ الافتداء: جحل أحد الشيئين بدلاً من الآخر، ومفعول (افتدوا) محذوف تقديره: لافتدوا به أنفسهم، أي: جعلوه فداء أنفسهم من العذاب، والكناية في (به) تعود إلى (ما) في قوله ﴿مَا فِي الْأَرْضِ﴾.
وقوله تعالى: ﴿سُوءُ الْحِسَابِ﴾ قال المفسرون (٢): هو أن لا تقبل منه حسنة، ولا يتجاوز عن سيئته، قال أبو إسحاق (٣): لأن كفرهم أحبط أعمالهم.
١٩ - قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ﴾ الآية. قال ابن عباس (٤): نزلت في حمزة وأبي جهل.
وقوله تعالى: ﴿كَمَنْ هُوَ أَعْمَى﴾ قال: يريد أبا جهل أعمى القلب، قال أهل المعاني: الجاهل بالدين ممثل بالأعمى؛ لأن العلم يُهْتَدَى به إلى طريق الرشد من الغي، كما يهتدى بالبصر إلى طريق النجاة من طريق الهلاك، وبالضد من هذا حال الجهل والعمى.
(٢) "زاد المسير" ٤/ ٣٢٣، القرطبي ٩/ ٣٠٧.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٥ وفيه: (وأن كافرهم أحبط أعمالهم).
(٤) "زاد المسير" ٤/ ٣٢٣، والقرطبي ٩/ ٣٠٧، و"البحر المحيط" ٥/ ٣٨٤.
٢٠ - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاق﴾ قال ابن عباس (١): يريد الذي عاهدهم عليه في صُلب آدم (٢).
٢١ - قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾، قال ابن عباس (٣): يريد الإيمان بالأنبياء، يعني: يصل بينهم بالإيمان بالجميع، كما قال في الخبر عن المؤمنين: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] وقال أكثر المفسرين (٤): يريد صلة الأرحام.
٢٢ - ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا﴾ قال في رواية عطاء (٥): يريد على دين ربهم وما أمر به من طاعته ونهى عن معصيته، وهو قول ابن زيد (٦) وأبي عمران
(٢) يعني ما ذكر في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢].
(٣) القرطبي ٩/ ٣١٠، والثعلبي ٧/ ١٣٢ أ، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣٠٤، وأخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير كما في "الدر" ٤/ ١٠٦ - ١٠٧.
(٤) انظر: الطبري ١٣/ ١٣٩، الثعلبي ٧/ ١٣٢ أ، ابن كثير ٢/ ٥٦٠، "زاد المسير" ٤/ ٣٢٤، القرطبي ٩/ ٣١٠، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣٠٤.
(٥) "تنوير المقباس" ص ١٥٧، القرطبي ٩/ ٣١٠، الثعلبي ٧/ ١٣٢ ب.
(٦) الطبري ١٣/ ١٤٠، الثعلبي ٧/ ١٣٢ ب.
وقوله تعالى: ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ قال ابن عباس (٢): يدفعون بالعمل الصالح الشرَّ من العمل، قال ابن كيسان (٣): هو أنهم إذا أذنبوا تابوا، ليدفعوا بالتوبة مَعَرّة الذنب، روي أن النبي - ﷺ - قال لمعاذ بن جبل "إذا عملت سيئة فأعمل بجنبها حسنة تمحها" (٤) فعلى هذا الحسنة والسيئة بينه وبين الله.
وقال ابن زيد (٥): لا يكافئون الشر بالشر، بل يحلمون عن السفيه، ويردون على من يسفه عليهم معروفًا من القول، وهذا قول قتادة (٦) واختيار ابن قتيبة (٧)، وعلى هذا الحسنة والسيئة بينه وبين الناس.
وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾ قال ابن عباس (٨): يريد عقباه الجنة، والعقبى (٩) كالعاقبة، يجوز أن يكون مصدرًا، كالشورى والقربى
(٢) "زاد المسير" ٤/ ٣٢٤، القرطبي ٩/ ٣١١، الثعلبي ٧/ ١٣٣ أ.
(٣) الثعلبي ٧/ ١٣٢ ب، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢٥.
(٤) أخرجه أحمد في "المسند" ٥/ ١٦٩، إلا أنه قال: "فأتبعها" وفي ٥/ ١٧٧، وقال: "فأعمل حسنة" من حديث أبي ذر، ونحوه في الترمذي (١٩٨٧) كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في معاشرة الناس، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي. وأخرجه سعيد بن منصور ٣/ ٦٤، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" ٤/ ٢١٧، ٢١٨.
(٥) الثعلبي ٧/ ١٣٢ ب، الطبري ١٣/ ١٤١، القرطبي ٩/ ٣١١.
(٦) الثعلبي ٧/ ١٣٢ ب.
(٧) "مشكل القرآن وغريبه" ص ٢٣٣، والثعلبي ٧/ ١٣٢ ب، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢٥.
(٨) "زاد المسير" ٤/ ٣٢٥، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣٠٥.
(٩) "اللسان" (عقب) ٥/ ٣٠٢٢، و"تهذيب اللغة" (عقب) ٣/ ٢٥٠٧.
٢٣ - قوله تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ قال الزجاج (١): جنات بدل من عقبى.
قال ابن عباس (٢): هي وسط الجنة وقصبتها، مساندة بعرش الرحمن، غَرَسها الرحمنُ تبارك وتعالى بيده، والكلام في جنات عدن قد ذكرناه مستقصى عند قوله: ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢]، وذكرنا هناك مذهب المفسرين ومذهب أهل اللغة.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ صَلَحَ﴾ موضع (من) رفع عطف على الواو في ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾، قال أبو إسحاق (٣): وجائز أن يكون نصبًا، كما تقول قد دخلوا وزيدًا، أي مع زيد.
قال ابن عباس (٤): ﴿وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ﴾ يريد من صَدَّق بما صدقوا به، وإن لم يعمل مثل أعمالهم.
(٢) القرطبي ٩/ ٣١١ نحوه.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٧.
(٤) القرطبي ٩/ ٣١٢، و"البحر المحيط" ٥/ ٣٨٧، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣٠٥.
والصحيح ما قال ابن عباس؛ لأن الله تعالى جعل من ثواب المطيع سروره بما يراه في أهله، حيث بشره بدخول الجنة مع هؤلاء، فدل أنهم يدخلونها كرامة للمطيع، ولا فائدة في التبشير والوعد به، إذ كل مصلح في عمله قد وعد دخول الجنة (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ﴾ قال ابن عباس (٣): يريد بالتحية من الله والتحفة والهدايا.
٢٤ - قوله تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ قال أبو إسحاق (٤): المعنى يدخلون عليهم من كل باب يقولون: سلام عليكم، فأضمر القول هاهنا، لأن في الكلام دليلًا عليه.
(٢) قلت: ويشهد لهذا قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١]
وأخرج الطبري ١٣/ ١٤١، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قوله: ﴿وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ﴾ من آمن في الدنيا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: يدخل الرجل الجنة فيقول: أين أمي؟ أين ولدي؟ أين زوجتي؟.. فيقال: لم يعملوا مثل عملك، فيقول: كنت أعمل لي ولهم، ثم قرأ ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ﴾ يعني من آمن بالتوحيد بعد هؤلاء ﴿مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ يدخلون معهم.. "الدر المنثور" ٢/ ١٥٨.
(٣) "زاد المسير" ٤/ ٣٢٥، والقرطبي ٩/ ٣١٢، و"البحر المحيط" ٥/ ٣٨٧، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣٠٦.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٧.
وقوله تعالى: ﴿فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ الدار هاهنا أيضًا يجب أن يكون مصدرًا؛ لأنه لو كان اسمًا، وأضيف إلى الدار صار لها. وليس المراد ذكر عاقبة (الدار، إنما المراد ذكر عاقبة) (٣) أهل الجنة ومدح عاقبتهم، والمقصود بالمدح محذوف على تقدير: نعم العقبى عقبى الدار، كقوله تعالى: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ٤٤] ولم يذكر أيوب لتقدم ذكره، ومثله قوله: ﴿بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا﴾ [الجمعة: ٥] هذا كله إذا كان المراد بالدار الجنة. وقال صاحب النظم: (نعم) يقتضي اسمًا وخبرًا، والمعنى إن شاء الله: فنعم عقبى الدار ما أنتم فيه، أي هذا نعم عاقبة الدار التي كنتم فيها، عملتم فيها ما أعقبكم هذا الذي أنتم فيه، فعلى هذا، العقبى اسم، والدار هي الدنيا (٤).
(٢) "التبيان في إعراب القرآن" للعكبري ٢/ ٧٥٧.
(٣) ما بين القوسين مكرر في (أ)، (ج).
(٤) القرطبي ٩/ ٣١٣.
٢٦ - قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ معنى القدر في اللغة (٢): قَطْع الشيء على مساواة غيره من غير زيادة ولا نقصان، والمقدار: المثال الذي يعمل عليه غيره في مساواته به، وقال المفسرون (٣): في معنى يقدر هاهنا: يضيق ويقتر، ومثله قوله: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ [الطلاق: ٣] أي: ضيق، وقوله: ﴿فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ [الفجر: ١٦] بمعنى يضيق، وهو أن يعطيه على قدركفايته، لا يفضل عنه شيء من رزقه على صدر البسط.
وقوله تعالى: ﴿وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال ابن عباس (٤) والمفسرون: يريد مشركي مكة، فرحوا بما نالوا من الدنيا وأشروا وبطروا، فطغوا وكذبوا الرسول، ولم يشكروا ما بسط الله عليهم من الدنيا.
ثم قال: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ﴾ أي: في حياة الآخرة، يعني بالقياس إليها، قال ابن عباس (٥): يريد ما في الدنيا يذهب ويبيد وهو قليل، وقال مجاهد (٦): أي: قليل ذاهب.
(٢) "تهذيب اللغة" (قدر) ٣/ ٢٨٩٧ - ٢٨٩٨ و"اللسان" (قدر) ٦/ ٣٥٤٦.
(٣) الثعلبي ٧/ ١٣٤ أ، والطبري ١٣/ ١٤٣ - ١٤٤، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣٠٦.
(٤) "زاد المسير" ٤/ ٣٢٦، القرطبي ٩/ ٣١٤، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣٠٦.
(٥) نقل في "البحر المحيط" ٥/ ٣٨٨، والقرطبي ٩/ ٣١٤ عن ابن عباس أنه قال: زاد كزاد الراعي.
(٦) الطبري ١٣/ ١٤٤، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١١٠، "البحر المحيط" ٥/ ٣٨٨، القرطبي ٩/ ٣١٤، الثعلبي ٧/ ١٣٤ أ.
٢٧ - قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ الآية، قال المفسرون (٢): نزلت في أهل مكة حين طالبوا رسول الله - ﷺ - بالآيات، قال أهل المعاني: إنهم لم يستدلوا فيُعملوا مدلول الآيات التي بها، فلم يعتدوا بها، وقالوا هذا القول جهلًا منهم.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ﴾ قال ابن عباس (٣): يريد عن دينه، يعني كما أضلكم بعد ما رأوا من الآيات وحرمكم الاستدلال بها، ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾ أي رجع إلى الحق، قاله الزجاج (٤)، وإنما يرجع إلى الحق من يشاء الله، فكأنه قال: ويهدي إليه من يشاء، كما قال: ﴿وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ (٥) في مواضع.
٢٨ - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قال الزجاج (٦): (الذين) في موضع نصب ردًّا على (من)، المعنى: يهدي الله الذين آمنوا، ﴿وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس (٧): يريد إذا سمعوا القرآن خشعت قلوبهم واطمأنت، وإذا سمعوا ذكر الله أحبوه واستأنسوا به، ونحو هذا قال
(٢) الطبري ١٣/ ١٤٤، والثعلبي ٧/ ١٣٤ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢٦، والقرطبي ٩/ ٣١٥، و"البحر المحيط" ٥/ ٣٨٨.
(٣) "تنوير المقباس" ١٥٨، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢٦، والقرطبي ٩/ ٣١٥.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٧.
(٥) يونس: ٢٥، إبراهيم: ٤، النحل: ٩٣، فاطر: ٨، المدثر: ٣١.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٧ وفيه: يهدي إليه.
(٧) "تنوير المقباس" ص ١٥٨، بنحوه.
وقوله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ قال ابن عباس (٣) وغيره: يريد قلوب المؤمنين، قال الزجاج (٤): لأن الكافر غير مطمئن القلب، وذكرنا الجمع بين هذه الآية وبين قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ في سورة الأنفال [٢].
٢٩ - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ﴾ روى معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "طُوبَى شجرةٌ غرسها الله بيده تنبت العلي والحلل، وإن أغصانها لتُرى من وراء سور الجنة" (٥) فعلى هذا طوبى اسم تلك الشجرة، وهو قول أبي هريرة (٦)، ومغيث بن سمي (٧)
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٧. بنحوه.
(٣) "زاد المسير" ٤/ ٣٢٧، القرطبي ٩/ ٣١٥.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٨.
(٥) أخرجه الطبري ١٣/ ١٤٩ وعلق عليه أحمد شاكر بقوله: وهذا خبر هالك الإسناد. وحسبه ما فيه من أمر (محمد بن زياد) ولم أجده عند غير الطبري، قلت: وقد ترجم لمحمد بن زياد بقوله: كذاب خبيث يضع الحديث اهـ. وأخرجه ابن مرديه عن ابن عباس مرفوعاً كما في "الدر" ٤/ ١١١.
(٦) الطبري ١٣/ ١٤٧، وعبد الرزاق ٢/ ٣٣٦، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في "الدر" ٤/ ٦٣٤، والثعلبي ٧/ ١٣٥ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢٧.
(٧) الطبري ١٣/ ١٤٧ - ١٤٨ - ١٤٩، والثعلبي ٧/ ١٣٥ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢٨، وأبن أبي شيبة ٨/ ٦٩.
وقال أبو عبيدة (٨) والزجاج (٩) وأهل اللغة (١٠): (طوبى) فعلى من الطيب.
قال ابن الأنباري (١١): يعني أن تأويلها: الحال المستطابة لهم، وأصلها: (طيبى) فصارت الياء واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها، كما تقول في: موسر وموقن، قال: وهذه الكلمة غير مبنية على (أفعل) كالأولى والكبرى، ولذلك جاز إفرادها من الألف واللام ومن الإضافة نحو: سعدى
(٢) "تفسير مقاتل" ١٩١ أ، الثعلبي ٧/ ١٣٥ أ.
(٣) الطبري ١٣/ ١٤٨، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١١٣وابن أبي حاتم كما في "الدر" ٤/ ١١٤، والثعلبي ٧/ ١٣٥ ب.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة ٨/ ٦٩، وانظر: "الدر" ٤/ ١١٥، والثعلبي ٧/ ١٣٦ ب، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢٨.
(٥) روى الطبري ١٣/ ١٤٦ عن عكرمة: (طوبى لهم): نعم ما لهم. وأخرجه ابن أبي شيبة هناد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١١١، وروى عنه أيضًا ٤/ ١١١، (طوبى لهم) قال: الجنة. وانظر: "زاد المسير" ٤/ ٣٢٨، القرطبي ٩/ ٣١٦.
(٦) الطبري ١٣/ ١٤٧، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣٠٨.
(٧) "تنوير المقباس" ص ١٥٨، الثعلبي ٧/ ١٣٦ ب.
(٨) لم أجده في "مجاز القرآن" ١/ ٣٣٠.
(٩) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٨.
(١٠) "تهذيب اللغة" (طاب) ٣/ ٢١٤٧، و"اللسان" (طيب) ٥/ ٢٧٣٢.
(١١) "زاد المسير" ٤/ ٣٢٨.
وطُوبَى لمن يَسْتَبدلُ الطَّوْدَ بالقُرَى | ورِسْلًا بيَقْطِينِ العِرَاقِ وفُومِهَا |
قال أبو بكر (٤): (طوباك) مما (٥) يلحن فيه العوام، والصواب: طوبى لك، وهذا الذي ذكرنا من قول أهل اللغة مذهب جماعة من المفسرين.
قال ابن عباس (٦) في رواية الوالبي: (طوبى لهم): فرح وقرة أعين، وروى معمر عن قتادة (٧) قال: طوبى كلمة عربية، تقول العرب: طوبى لك إن فعلت كذا وكذا، أي أصبت خيرًا، وقال عكرمة (٨): (طوبى لهم) نعمى لهم.
(٢) في (ح): (ممن).
(٣) "تهذيب اللغة" (طاب) ٣/ ٢١٤٧.
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٥٩٧.
(٥) "اللسان" (طيب) ٥/ ٢٧٣٢، و"الزاهر" ١/ ٥٥٧.
(٦) الطبري ١٣/ ١٤٦، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١١٠ - ١١١.
(٧) الطبري ١٣/ ١٤٦.
(٨) "زاد المسير" ٤/ ٣٢٨، القرطبي ٩/ ٣١٦.
وقال الضحاك (٢): غبطة لهم، وقال الزجاج (٣): العيش الطيب لهم، فهذا الذي ذكرنا، قولان في هذه الكلمة، أحدهما: أنها اسم شجرة، والثاني: أنها فعلى من الطيب.
وفيها قول ثالث وهو: ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس (٤): طوبى اسم الجنة بالحبشة، وقال الربيع (٥) وسعيد بن مشجوج (٦) اسم الجنة بلغة الهند، وعلى هذا الكلمة بما وقع فيه الوفاق بين لغة العرب ولغة غيرهم من الهند أو الحبشة.
٣٠ - قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ﴾ قال الحسن (٧) وغيره: أرسلناك كما أرسلنا الأنبياء قبلك ﴿فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ﴾ قال ابن عباس (٨): في قرن قد خلت من قبلها قرون ﴿لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ يعني القرآن، ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ قال: وذلك أن رسول الله - ﷺ - كان في
(٢) الطبري ١٦/ ٤٣٥، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢٨، وأبو الشيخ كما في "الدر" ١٣/ ١١١.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٨.
(٤) الطبري ١٣/ ١٤٦، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢٨، والقرطبي ٩/ ٣١٦ وابن أبي حاتم كما في "الدر" ٤/ ١١١، و"المهذب" للسيوطي (١١٥)، و"المعرب" للجواليقي (٢٢٦).
(٥) القرطبي ٩/ ٣١٦.
(٦) الطبري ١٣/ ١٤٧، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢٨، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١١١، و"المهذب" (١١٥)، و"المعرب" ٢٢٦.
(٧) القرطبي ٩/ ٣١٧، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣٠٨.
(٨) انظر: "فتح البيان" ٧/ ٥٧.
وقوله: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾ قال مقاتل (٢) وابن جريج (٣) وقتادة (٤): نزل هذا في صلح الحديبية، أرادوا كتاب الصلح، فقال النبي - ﷺ - لعلي: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم" فقال المشركون: ما..... (٥) اكتب باسمك اللهم".
وقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ رَبِّي﴾ أي قل لهم يا محمد: إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته، هو إلهي وسيدي، لا إله إلا هو.
٣١ - قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ﴾ الآية، قال المفسرون (٦): قالت قريش للنبي - ﷺ -: إن كنت كما تقول فباعد عنا أخشبي
(٢) "تفسير مقاتل" ١٩١ أ، "زاد المسير" ٤/ ٣٢٩، القرطبي ٩/ ٣١٧، الثعلبي ٧/ ١٣٧ أ.
(٣) "زاد المسير" ٤/ ٣٢٩، القرطبي ٩/ ٣١٧، الطبري ١٣/ ١٥٠ وابن جريج عن مجاهد، وابن المنذر كما في "الدر" ٤/ ١١٦، الثعلبي ٧/ ١٣٧ أ.
(٤) الطبري ١٣/ ١٥٠، و"زاد المسير" ٤/ ٣٢٩، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١١٦، والثعلبي ٧/ ١٣٧ أ.
(٥) بياض في جميع النسخ، وفي البخاري (٤١٨٠، ٤١٨١) كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية، وأحمد ٤/ ٣٣٠ وفيه: فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هي، ولكن اكتب: باسمك اللهم). وفي الطبري ١٣/ ١٥٠ عن مجاهد: ما ندري ما الرحمن اكتب باسمك اللهم.
(٦) روى الطبري ١٣/ ١٥١ - ١٥٢ نحو هذا عن قتادة والضحاك وابن زيد وفي "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣٠٩ عن الحسن.
وقال الفراء: وإن شئت جعلت جوابها متقدمًا على تقدير: وهم يكفرون بالرحمن، ولو أنزلنا عليهم ما سألوا (٤) قال أبو بكر: يعني به هم يكفرون بالرحمن، ولو أنزلنا عليهم الذي سألوا، قال أبو بكر (٥): يعني به هم يكفرون، ولو فعل بهم ذلك كما تقول: قد كنت هالكًا لولا أن فلانًا أنقذك، يريد لولا إنقاذه إياك لهلكت، قال: وهذا ضعيف؛ لأنه ليس يكثر في كلامهم: زرتك لو زرتني، وقصدتك لو قصدتني، وهو على ضعفه غير خارج عن الصواب.
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٦٣.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٨.
(٤) روى الطبري ١٣/ ١٥١ نحو هذا القول عن ابن عباس ومجاهد وعبد الله بن كثير.
(٥) "زاد المسير" ٤/ ٣٣١.
وذكر الكسائي (٤) في جواب ﴿لَوْ﴾ هاهنا وجوهًا فاسدة يطول ذكرها وبيان فسادها فتركناها.
وقوله تعالى: ﴿بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا﴾ معنى بل: نفي الأول وإثبات الثاني، كأنه يقول: دع ذلك الذي قالوا من تسيير الجبال وغيره، فالأمر لله جمعيًا، لو شاء أن يؤمنوا لآمنوا، وإذ لم يشأ لا ينفع تسيير الجبال، وما اقترحوا من الآيات، وسياق الآية يدل على هذا المعنى وهو قوله: ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾، قال ابن عباس (٥)
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ج).
(٣) الطبري ١٣/ ١٥١ نحوه. وانظر: "الدر المنثور" ٤/ ١١٧.
(٤) "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ١٧٢ قال: قال الكسائي: المعنى وددنا لو أن قرآنا سيرت به الجبال فهذا بغير حذف. اهـ.
(٥) الطبري ١٣/ ١٥٤، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣١، والقرطبي ٩/ ٣٢٠، وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في "الدر" ٤/ ١١٨.
وقال أبو عبيدة (٦) والليث (٧): ألم ييئس: ألم يعلم، وأنشد أبو عبيدة (٨):
أقُولُ لهم بالشِّعْبِ إذ يأسِرُونَنِي | ألم تَيْأسُوا أني ابنُ فارِسِ زَهْدَمِ |
(٢) الطبري ١٣/ ١٥٥، القرطبي ٩/ ٣٢٠.
(٣) "زاد المسير" ٤/ ٣٣١، القرطبي ٩/ ٣٢٠.
(٤) الطبري ١٣/ ١٥٥، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١١٨، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣١.
(٥) الطبري ١٣/ ١٥٥، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١١٨، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣١.
(٦) "مجاز القرآن" ١/ ٣٣٢.
(٧) "تهذيب اللغة" (يئس) ٤/ ٣٩٩١.
(٨) في "مجاز القرآن" ١/ ٣٣٢ نسبه لسحيم بن وثيل اليربوعي. وانظر: "اللسان" ٨/ ٤٩٤٦ وكان وقع عليه سباء فضرب عليه بالسهام، وفي "اللسان" ٨/ ٤٩٤٦ له أو لولده جابر بن سحيم. وفي "البحر المحيط" ٥/ ٣٩٢ لسحيم، وغير منسوب في "المعاني الكبير" ٢/ ١١٤٨ لابن قتيبة، وفي "الميسر والقداح" (٣٣)، الطبري ١٣/ ١٥٣، القرطبي ٩/ ٣٢٠ ونسبه لمالك بن عوف النصرى، و"مشكل القرآن" (١٩٢) وزهدم: فرس سحيم، و"الكشاف" ٢/ ٣٦٠، و"تهذيب اللغة" (يأس) ٤/ ٣٩٩١، و"الحجة" ٤/ ٤٣٧، و"مقاييس اللغة" ٦/ ١٥٤، "ديوان الأدب" ٣/ ٢٥٨، و"المخصص" ١٣/ ٢٠.
(٩) اختلف في نسبة البيت، فنسبه القرطبي ٩/ ٣٢٠، وأبو حيان في "البحر المحيط" ٥/ ٣٩٢ إلى رياح بن عدي. وانظر: "المحتسب" ١/ ٣٥٧، و"الدر المصون" ٧/ ٥٣، والطبري ١٣/ ١٥٣، و"الحجة" ٤/ ٤٣٨، و"أساس البلاغة" (يئس) بلا نسبة.
ألم يَيْأسِ الأقْوَامُ أني أنا ابنُه | وإن كنتُ عن أرْضِ العَشِيرةِ نَائِيا |
وقال أبو إسحاق (٥) ثابتًا على هذا المعنى: القول عندي أن معناه: أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء؛ لأن الله لو شاء لهدى الناس جميعًا.
قال أبو بكر ابن الأنباري: وهذا القول مأخوذ من قول الكسائي والفراء وأبي إسحاق، هو معنى وليس بتفسير، كما قال الفراء هو في
(٢) "معاني القرآن" للنحاس ٣/ ٤٩٨، و"البحر المحيط" ٥/ ٣٩٢.
(٣) كذا في جميع النسخ ولعلها: (لامن العلم).
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٦٣، ٦٤. وهو كذا في النسخ ولعل الصواب (وهذا وقول الفراء سواء).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٩.
(١) في الطبري ١٣/ ١٥٤ أن ابن عباس كان يقرؤها (أفلم يتبين) | إلخ، وأخرجه ابن الأنباري في المصاحف كما في "الدر" ٤/ ٦٥٣. |
وانظر الثعلبي ٧/ ١٣٨ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣١، والقرطبي ٩/ ٣٢٠ وعلق بقوله: وهو باطل عن ابن عباس؛ لأن مجاهدًا وسعيد بن جبير حكيا الحرف عن ابن عباس على ما هو في المصحف بقراءة أبي عمرو، وروايته عن مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس، ثم إن معناه: أفلم يتبين، فإن كان مراد الله تحت اللفظة التي خالفوا بها الإجماع فقراءتنا تقع عليها، وتأتي بتأويلها، وإن أراد الله المعنى الآخر الذي اليأس فيه ليس من طريق العلم فقد سقط مما أوردوا. اهـ.
وقال أبو حيان في "البحر المحيط" ٥/ ٣٩٣: وهذه القراءة ليس قراءة تفسير لقوله ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ﴾ كما يدل عليه ظاهر كلام الزمخشري، بل هي قراءة مسندة إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وليست مخالفه للسواد، إذ كتبوا (ييئس) بغير صورة الهمزة، وهذه كقراءة فتبينوا وفتثبتوا، وكلتاهما في السبعة، وأما قول من قال: إنما كتبه الكاتب وهو ناعس فسوق أسنان السين فقول زنديق ملحد. اهـ.
وقال الزمخشري في "كشافه" ٢/ ٣٦٠: وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتًا بين دفتي الإمام، وكان متقلبًا في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله المهيمنين عليه، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصًا عن القانون الذي إليه المرجع والقاعدة التي عليها البناء، هذه والله فرية ما فيها مرية. اهـ.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ﴾ قال ابن عباس (٢) في رواية عطاء: عذاب، قال المفسرون (٣): أراد أنهم تصيبهم بما صنعوا، والحُرَب (٤) من كفرهم وأعمالهم الخبيثة داهية تقرعهم، ومصيبة شديدة من الأسر والقتل والجدب.
قال أبو إسحاق (٥): ومعنى (قارعة) في اللغة: نازلة تنزل بأمر عظيم.
وروي عن ابن عباس (٦) أيضًا في تفسير القارعة أنها السرايا التي كانت يبعث رسول الله - ﷺ - إليهم، وهو اختيار الفراء (٧)، {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ
(٢) الطبري ١٣/ ١٥٦، وابن مردويه كما في "الدر" ٤/ ١١٩، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣٢.
(٣) الطبري ١٣/ ١٥٥، الثعلبي ٧/ ١٣٨ ب، "زاد المسير" ٤/ ٣٣٢، القرطبي ٩/ ٣٢١.
(٤) (والحرب) كذا في جميع النسخ، ولعل هذه اللفظة في السطر الذي يليه كما في الوسيط. (بما صنعوا) من كفرهم، وأعمالهم الخبيثة داهية تقرعهم، ومصيبة شديدة من الأسر والقتل والحرب والجذب).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٩.
(٦) الطبري ١٣/ ١٥٥، والفريابي وابن مردويه كما في "الدر" ٤/ ١١٩، الثعلبي ٧/ ١٣٨ ب.
(٧) "معاني القرآن" ٢/ ٦٤.
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد القيامة، وهو قول الحسن، وقال قتادة (٥): يعني فتح مكة.
٣٢ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ ذكرنا معنى الاستهزاء في أول سورة البقرة (٦).
وقوله تعالى: ﴿فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: أطلت لهم المدة بتأخير العقوبة، قال ابن عباس: ليتمادوا في معاصي الله، وذكرنا معنى الإملاء عند قوله ﴿أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِم﴾ (٧).
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ﴾ أي: بالعقوبة، ﴿فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ قال ابن عباس (٨): يريد كيف رأيت ما صنعت بمن استهزأ برسلي، كذلك
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٦٤.
(٣) الطبري ١٣/ ١٥٧، الثعلبي ٧/ ١٣٨ ب، القرطبي ٩/ ٣٢١.
(٤) الطبري ١٣/ ١٥٧، عبد الرزاق ٢/ ٣٣٧، "زاد المسير" ٤/ ٣٣٢، القرطبي ٩/ ٣٢١.
(٥) عبد الرزاق ٢/ ٣٣٧، و"تفسيركتاب الله العزيز" ٢/ ٣١٠، القرطبي ٩/ ٣٢١.
(٦) عند قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [آية: ١٤]، وقال: الهزء: السخرية، يقول: هزئ به يهزأ، وتهزأ به واستهزأ به، وهو أن يظهر غير ما يضمر استصغارًا وعبثًا.
(٧) آل عمران: ١٧٨. قال هنالك: (معنى (أملى) في اللغة نطيل ونؤخر، والإملاء: الإمهال والتأخير، قال ابن عباس: قوله: ﴿أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ﴾ يريد: تماديهم في معاصي الله).
(٨) القرطبي ٩/ ٣٢٢.
٣٣ - قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ الآية، قال ابن عباس (١): يريد نفسه تبارك وتعالى، قال ابن الأنباري (٢) وغيره: وصف الله تعالى بالقيام، ليس يراد به الانتصاب (٣)، الذي هو من صفة الأجسام، ولكن معناه التولي لأمور خلقه والتدبير للأرزاق والآجال وإحصاء الأعمال والجزاء، كقوله تعالى: ﴿قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ [آل عمران: ١٨]، أي والباء كذلك (٤)، وقد يراد القيام في اللغة (٥) ولا يراد به الانتصاب، كما يقال: فلان قائم بأمر الأيتام، يعنون بالقيام الولاية لأمورهم، والمعنى هاهنا: أفمن هو قائم بالتدبير على كل نفس بجزاء ما كسبت، وتلخيصه: أفمن هو مجاز كل نفس بما كسبت، وحكى أبو بكر عن بعض اللغويين أن معناه: أفمن هو عالم بكسب كل نفس واحتج بقول الشاعر (٦):
فلولا رجالٌ من قُريشٍ أعِزَّة | سرقتم ثِيَابَ البَيْتِ والله قائِمُ |
(٢) "زاد المسير" ٤/ ٣٣٣. بنحوه.
(٣) لم يرد دليل على نفي الانتصاب، فالنفي يحتاج إلى دليل، كما أن الإثبات كذلك.
(٤) في (ب): (لذلك).
(٥) انظر: "مقاييس اللغة" ٥/ ٤٣، و"تهذيب اللغة" (قوم) ٣/ ٢٨٦٤.
(٦) لم أهتد إلى قائله، وهو غير منسوب في "النكت والعيون" ٣/ ١١٤، والقرطبي ٩/ ٣٢٢.
قال الفراء: قد بينه ما بعده إذ قال: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ﴾ كأنه في المعنى: كشركائهم (٢) الذين اتخذوهم، وقال صاحب النظم: جواب قوله: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ﴾ مضمَّن (٣) فيما بعده؛ لأنه لما قال: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ﴾ صار بدلالته على الجواب كأنه ذكر، كقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الزمر: ٢٢]، ولم يجيء له جواب حتى قال: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ فصار هذا يدل على الجواب؛ لأن تأويله: أفمن شرح الله صدره للإسلام كمن قلبه قاس.
وقوله (٤): ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ﴾ وقع هذا موقع جواب (أفمن) على ما ذكره الفراء في المعنى.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ سَمُّوهُمْ﴾ ليس يريد بهذا أن يذكروا أسماءهم التي جعلوها لهم كاللات والعزى؛ لأنه لا يكون في هذا احتجاج عليهم، ولكن المعنى سموهم بما يستحقون من الأسماء التي هي صفات، ثم انظروا هل تدل صفاتهم على أنه يجوز أن يعبدوا أم لا؟ وهذا تنبيه على أنهم مبطلون، لأن المعنى يؤول إلى أن الصنم لو كان إلهًا لتصور منه أن يخلق ويرزق ويحيي ويميت، ولحسن حينئذٍ أن يسمى بالخالق والرازق، فكأن الله تعالى
(٢) في (ح): (كثير كأنهم).
(٣) في (ب): (مضمر).
(٤) في (ب): (وقوله تعالى).
وقوله تعالى: ﴿أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ﴾ يجوز أن يكون (أم) هاهنا عاطفة على استفهام متقدم في المعنى، وذلك أن قوله ﴿قُلْ سَمُّوهُمْ﴾ معناه: ألهم أسماء الخالقين؟؛ لأن المراد في أمرهم بالتسمية؛ الإنكار عليهم أنه ليس للأصنام أسماء الخالقين ولا صفاتهم، والإنكار صورته سورة الاستفهام. ويجوز أن يكون (أم) استفهامًا مبتدأ به منقطعًا بما قبله كقوله ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [يونس: ٣٨] وليس قبله استفهام، وذكرنا هذا قديمًا، وتأويل الآية هاهنا: فإن سموهم بصفات الخالقين قل أتنبئونه بما لا يعلم في الأرض؟ ومعنى هذا: أنهم كانوا يزعمون أن لله شركاء، والله تعالى لا يعلم لنفسه شريكًا، فقال: أتنبئون الله بشريك له في الأرض وهو لا يعلمه؟
ومعنى ﴿بِمَا لَا يَعْلَمُ﴾ أي: بما يعلم أنه ليس. فالنفي وإن دخل على العلم؛ فالمراد به نفى ذلك المعلوم؛ لأنه لا يجوز أن ينتفي العلم عن الله تعالى، وقال صاحب النظم: وقد قيل: إن (يعلم) هاهنا فصل عطل عن المعنى، (ولا) بمنزلة ليس، على تأويل: أم تنبئونه بما ليس في الأرض، وخص الأرض بنفي الشريك عنها، وإن لم يكن له شريك في غير الأرض، لأنهم ادعوا له شركاء في الأرض لا في غيرها.
(٢) في (ب): (كأنصاف).
(٣) "زاد المسير" ٤/ ٣٣٣. بنحوه.
وتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُها
أي باطل وزائل، وهذا الوجه اختيار صاحب النظم.
وقوله تعالى: ﴿بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ﴾ معنى (بل) هاهنا كأنه يقول دع ذكر ما كنا فيه؛ زين لهم مكرهم، كقول لبيد (٤):
بل ما تَذْكُر من نَوَار وقَدْ نَأَتْ | وتَقَطّعَتْ أسْبَابُها ورِمَامُهَا |
(٢) "تهذيب اللغة" (ظهر) ٣/ ٢٢٥٩.
(٣) الببت في شرح أشعار الهذليين للسكري ١/ ٧٠، وصدره:
وعيرها الواشون أني أحبها
وفي "اللسان" (ظهر) ٥/ ٢٧٦٩، (شكا) ٤/ ٢٣١٤، و"التنبيه والإيضاح" ٢/ ١٥٩، و"تاج العروس" ٧/ ١٧٥ (ظهر)، و"مقاييس اللغة" ٣/ ٢٧٢، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢٢٥٩، وبلا نسبة في: "تهذيب اللغة" (ظهر) ٣/ ٢٢٥٩، و"مجمل اللغة" ٢/ ٦٠٣.
(٤) "ديوانه" ص ١٦٦، و"تهذيب اللغة" ٢/ ٦٠٦ (سبب) ٣/ ٢٩٩٤، و"اللسان" (قطع) ٦/ ٣٦٧٤، وبلا نسبة في "اللسان" (سبب) ٤/ ١٩١٠، و"تاج العروس" (سبب) ٢/ ٦٦.
وقوله تعالى: ﴿وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ﴾ قال ابن عباس (٢): وصدهم الله عن سبيل الهدى، وضم الصاد قراءة (٣) أهل الكوفة، واختيار أبي عبيد (٤)، قال: لأنه قراءة أهل السنة، وفيه إثبات القدر (٥)، يعني أن تفسيره يكون على ما ذكره ابن عباس، وهذه القراءة حسنة لمشاكلة ما قبلها من بناء الفعل للمفعول، ومن قرأ بفتح الصاد فالمعنى: أنهم صدوا غيرهم عن الإيمان، يقال: صد وصددته، مثل: رجع ورجعته، ودليل هذه القراءة قوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (٦).
(٢) "تنوير المقباس" (١٥٨) بنحوه، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣٤، القرطبي ٩/ ٣٢٣.
(٣) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (وصَدُّوا) بفتح الصاد، وقرا عاصم وحمزة والكسائي (وصُدُّوا) بالضم.
انظر: "السبعة" ص ٣٥٩، و"الإتحاف" ١٣/ ١٦١، والطبري ١٦/ ٤٦٧، والقرطبي ٩/ ٣٢٣، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣٣، و"البحر المحيط" ٥/ ٣٩٥.
(٤) في (أ)، (ج): (أبي عبيدة). بالهاء.
(٥) الثعلبي ٧/ ١٣٩ أ.
(٦) النحل: ٨٨، محمد: ١.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (ب).
(٣) انظر: "السبعة" ص٣٦٠.
(٤) في (ب): (أمر).
(٥) في "الحجة": فإذا أمن التنوين الذي كانت الياء حذفت في الوصل من أجل التقائها معها في الوصل.
(٦) في "الحجة": هادي، والأول أكثر في استعمالهم.
٣٤ - قوله تعالى: ﴿لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال ابن عباس (٣): يريد الإسقام والقتل والأسر، ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ﴾ أي: أشد وأغلظ.
قال أهل المعاني: المشقة غلظ الأمر على النفس، بما يكاد يصدع القلب، فهو من الشق بمعنى الصدع. ﴿وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ﴾ أي: من عذاب الله، ﴿مِنْ وَاقٍ﴾ أي حاجز ومانع يمنعهم ذلك، يقال: وقاه الله السوء يقيه وقيًا، أي دفعه عنه، ومثله الوقاية، ويقال لكل ما يدفع الأذية: وقًا ووقاية، حتى النعل وقاية للرِّجْل، ومعنى قوله: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ﴾ أن عذاب الآخرة لا يدفعه عنهم دافع، وأنهم فيه خالدون.
٣٥ - قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ الآية، اختلفوا في معنى قوله: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ﴾ وفي وجه ارتفاعه، فقال سيبويه (٤): المعنى: فيما نقص عليكم مثل الجنة فيما نقص عليكم، فرفعه عنده على الابتداء والخبر محذوف، هذا حكايته الزجاج عنه (٥)، وقال ابن الأنباري (٦) محققًا هذا القول: المثل خبره مضمر قبله، يراد به: فيما نصف لكم مثل الجنة، فيما نقصه من القرآن خبر الجنة، والمثل (على هذا القول معناه الحديث
(٢) آخر النقل عن "الحجة" ٥/ ٢٣، ٢٤. بنحوه.
(٣) الثعلبي ٧/ ١٣٩ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣٤، القرطبي ٩/ ٣٢٤ من غير نسبة.
(٤) القرطبي ٩/ ٣٢٤.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٤٩.
(٦) "زاد المسير" ٤/ ٣٣٤.
وقال المبرد (٣) في كتاب "المقتضب": التقدير: فيما يتلى عليكم مثل الجنة، واختار أبو علي الفارسي هذا القول ودفع ما سواه، وقال: المثل في الآية بمعنى الشبه، وتعلق قوله: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ بما قبله علي وجه التفسير له (٤)، كما أن قوله: ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾ بعد قوله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾ [آل عمران: ٥٩] تفسير للمثل، وكما أن قوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ [المائدة: ٩] الجملة الثانية تفسير للوعد، ومن ذلك قوله: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] الجملة الثانية تفسير للوصية، وكذلك ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ﴾ [محمد: ١٥] و ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [الرعد: ٣٥] تفسير للمثل، ومثله قوله: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ﴾ [إبراهيم: ١٨] فقوله: ﴿أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ﴾ تفسير للمثل.
وقال قوم: المثل هاهنا بمعنى الصفة، قالوا: ومعناها صفة الجنة التي وعد المتقون، قال محمد بن سلام (٥) أخبرني عمر (٦) بن أبي خليفة قال:
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (ج).
(٣) "المقتضب" ٣/ ٢٢٥، ونقله عنه الأزهري في "التهذيب" (مثل) ٤/ ٣٣٤١.
(٤) (له): ساقط من (ج).
(٥) "تهذيب اللغة" (مثل) ٤/ ٣٣٤١.
(٦) في (ب): (عن).
قال ابن الأنباري: وعلى هذا القول المثل ابتداء وخبره ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾. وهو الرافع له، لأن المثل معناه الصفة، وصفة الجنة في المعنى قول مقول، وكلام معقول مفهوم، فجرى مجرى القول في صفة الجنة تجري من تحتها الأنهار، كما تقول: قولي بقول عبيد الله، وقولي ينصفك الأمير، (فيكون: ينصفك الأمير) (٢) خبر القول، ولا ذكر له فيه، لأنه بمعنى قولي هذا الكلام، فسَدَّ (ينصفك الأمير) مَسَدَّ هذا الكلام، وسَدّ (تجري من تحتها الأنهار) مَسَدّ مثل الجنة، هذا الوصف الذي تخبرون به، وهذا الوصف الذي تسمعونه، هذا كلام أبي بكر، وقال ابن قتيبة (٣): معنى المثل: الشبه في أجل اللغة، ثم قد يصير بمعنى سورة الشيء وصفته، وكذلك المثال والتمثال، يقال: مثلت لك كذا، أي: صورته
(٢) ما بين القوسين ساقط من (ب)، (ج).
(٣) "مشكل القرآن وغريبه" ص ٢٣٥.
وأنكر المبرد (٣) هذا القول، وقال: من قال: إن معناه صفة الجنة، فقد أخطأ، (مثل) لا يوضع موضع صفة؛ إنما يقال: صفة زيد أنه ظريف وأنه عاقل، ولا يقال: زيد مثل فلان، إنما المثل مأخوذ من المثال، والصفة تحلية ونعت.
قال أبو علي (٤): قول من قال: معنى (مثل الجنة)؛ صفة الجنة، غير مستقيم، ودلالة اللغة تدفع ذلك، ولا يوجد المثل في اللغة بمعنى الصفة، إنما معنى المثل الشبه، في جميع مواضعه ومتصرفاته، من ذلك قولهم: ضربت مثلا، فالمثل إنما هو الكلمة التي يرسلها قائلها محكمة (٥) ليشبه بها الأمور، ويقابل بها الأحوال، ومن ذلك قولهم للقصاص: المثال، وتماثل العليل، إذا تقاربت أحواله أن تشابه أحوال الصحة، والطريقة المثلى، إنما
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٦٥، والقراءة في "الكشاف" ٢/ ٣٦٢.
(٣) "تهذيب اللغة" (مثل) ٤/ ٣٣٤١.
(٤) النقل من "الإغفال" للفارسي ٢/ ٩١٠.
(٥) في "الإغفال" ٢/ ٩١٢: (محكية).
(٢) في "الإغفال" ٢/ ٩١٤: (متأولين).
(٣) في "الإغفال" ٢/ ٩١٤: (أن مثلاً).
(٤) (شخوص) ساقط من (ج).
(٥) هذه قطعة من بيت لعمر بن أبي ربيعة، والبيت بتمامه:
فكان مجني دون من كنت أتقي | ثلاث شخوص كاعبان ومعصر |
لو أن عُصْمَ عَمَايَتَيْن ويَذْبُل | سَمِعَا حديثَكِ أنْزَلا الأوْعَالا (٥) |
فإن كلابًا هذه عشر أبطن | وأنت بريء من قبائلها العشر |
(٢) في (ج): (يسمع).
(٣) انظر: "الكتاب" ١/ ٩٠.
(٤) البيت لجرير بن عطية الخطفي.
انظر: "ديوانه" ص ٣٦٠، طبعة نعمان وفيه: (سمعت حديثك أنزل الأوعالا)، شرح ابن يعيش: ١/ ٤٦، و"المخصص" ٨/ ١٦٨ غير منسوب، و"الأشباه والنظائر" ٥/ ٦٥، و"أمالي ابن الحاجب" ٢/ ٦٦٠، و"سر صناعة الإعراب" ١/ ٤٦٢، و"همع الهوامع" ١/ ٤٢.
(٥) في (ج): (الأومالا).
(٦) في "الإغفال" ٢/ ٩١٨: (معلقًا).
إن المَنِيّةَ والحُتُوفَ كلاهُما | توفي المَخَارِمَ يرقُبَانِ سَوادِيَا |
(٢) في "الإغفال" ٩١٨/ ٢ (واحد إذا كانا جمعين).
(٣) القائل هو الأسود بن يعفر. "ديوانه" ص ٢٦، و"خزانة الأدب" ٧/ ٥٧٥، و"شرح شواهد المغني" ٢/ ٥٥٣، و"مغني اللبيب" ١/ ٢٠٤ (يوفي المنية) بدل (توفي المخارم)، و"خزانة الأدب" ٣/ ٣٨٥ (يوفي)، "المفضليات" ص ٢١٦ (يوفي)، و"منتهى الطلب" ١/ ٨١ (كليهما)، و"السمط" ١/ ١٧٤، ٢٦٨ (يوفي).
قال أبو علي: كون المثل لغوًا والحكم عليه بهذا فاسد غير سائغ (١)، لأنه لا دلالة عليه ولا شاهد له، والقياس على الفصل غير جائز لقِلته، ولأن الفصل مضمر غير معرب، وقد قامت الدلالة على أن الفصل لا موضع له من الإعراب، و (مثل الجنة) مظهر معرب فلا يشبه الفصل، ألا ترى أن (مثل) هاهنا يرتفع (٢) بالابتداء، (وإذا ارتفع بالابتداء) (٣)، فقد اقتضى خبرًا لآية (٤) يرتفع بكونه مُحَدَّثًا عنه، كما يرتفع الفاعل بذلك، فلو جاز وجود مبتدأ لا خبر له، لجاز وجود فاعل لا فعل له، وإذا استحال هذا في الفاعل كان استحالته في الابتداء مثله.
وأما قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ فليس مثل لغوًا، إنما الكاف الملغى عندنا، والحكم بزيادة الكاف أولى؛ لأنه حرف، والحرف يكون زيادة كثيرة، وليس الأسماء بمنزلها، وقد وجدت الكاف زائدة في مواضع كقول رؤبة (٥):
لَوَاحِقُ الأقْرابِ فيها كالمَقَق... و... كَكَما يُؤثَفِين (٦)
(٢) في "الإغفال" ٢/ ٩٢٠: (لا يرتفع) بزيادة (لا).
(٣) ما بين القوسين ساقط من (ج).
(٤) في "الإغفال" ٢/ ٩٢٠: (خبرًا لأنه).
(٥) "ديوانه" ص ١٠٦، و"العين" ٣/ ٢٩٠، و"الخزانة" ٤/ ٢٦٦، و"سر صناعة الإعراب" ص ٢٩٢، وبغير نسبة في "المقتضب" ٤/ ٤١٨، و"المسائل البغداديات" ص ٤٠٠.
قاله يصف خيلاً، لواحق: ضوامر، والأقراب: جمع قرب. والقرب الخاصرة.
(٦) البيت لخطام المجاشعي، ولعل قبله سقطًا وأوله:
وصاليات ككما يؤثفين
....... في مِرْفَقَيْهما كالفَتل
وإذا كان كذلك كان الحكم بزيادة الكاف أولى، بل لا يجوز غيره، فيكون المعنى: ليس مثله شيء، وقال أبو إسحاق (٢): والذي عندي -والله أعلم- أن عرفنا أمور الجنة التي لم نرها ولم نشاهدها، بما شاهدنا من أمور الدنيا وعاينا، فالمعنى مثل الجنة التي وعد المتقون جنة تجري من تحتها الأنهار، قال أبو علي (٣): وهذا أيضاً ليس بمستقيم، ألا ترى أن المثل لا يخلو عن أن يكون الصفة، كما قال قوم، أو يكون من معنى المشابهة والتشبه (٤) كما قلنا، وفي كلا القولين لا يصح ما قال، لو قلت:
(١) "ديوانه" ص ١٣٩، والبيت بتمامه:
قد تجاوزت وتحتي جسرة | حرج في مرفقيها كالفتل |
وانظر: "اللسان" (حرج) ٢/ ٨٢١، (فتل) ٦/ ٣٣٤٣، و"تهذيب اللغة" ١/ ٧٧٥، و"كتاب العين" ٣/ ٧٧، و"تاج العروس" (حرج) ٣/ ٣٢١، وبلا نسبة في "مقاييس اللغة" ١/ ٢٦٠.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥٠.
(٣) "الإغفال" ٢/ ٩٢٤.
(٤) في (ب): (والشبه) وهو الصحيح كما في "الإغفال" ٢/ ٩٢٤، وفي (ح): (والتشبيه).
وقوله تعالى: ﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ﴾ قال الحسن (٣): يريد أن ثمارها لا تنقطع كثمار تنقطع في غير أزمنتها، وقيل: أراد أن النعمة بأكلها لا تنقطع بموت ولا غيره من الآفات.
وقوله تعالى: ﴿وَظِلُّهَا﴾ أي: أنه (٤) لا يزول ولا تنسخه الشمس (٥).
(٢) "تفسير مقاتل" ١٩٢ أ.
(٣) "زاد المسير" ٤/ ٣٣٤.
(٤) (أنه) ساقط من (ج).
(٥) "زاد المسير" ٤/ ٣٣٤.
وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَحْزَابِ﴾ يعني: الكفار الذين تحزبوا على رسول الله - ﷺ -، ﴿مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ يعني ذكر الرحمن، وهم كانوا ينكرون جميع ما ينزل عليه؛ إلا أن إنكارهم لهذا أشدة لأنهم كانوا يعرفون اسم الله فلا ينكرون ذكره، وأنكروا ذكر الرحمن فذلك قوله: ﴿وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ وهذا الذي ذكرنا معنى قول ابن عباس (٢) في رواية الوالبي.
٣٧ - قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾ شبه إلْزاله حكمًا عربيًّا بما أنزل إلى من تقدم من الأنبياء، أي كما أنزلنا الكتاب على الأنبياء بلسانهم، كذلك أنزلنا إليك القرآن، والكناية في قوله: ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ تعود إلى ما في قوله: ﴿يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ يعني القرآن.
وقوله تعالى (٣): ﴿حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾ قال ابن عباس (٤): يريد ما حكم عن الفرائض في القرآن، فعلى هذا يريد أحكام القرآن، وجعله عربيًّا؛ لأنه جار على مذاهب العرب في كلامها.
(٢) "تنوير المقباس" ص ١٥٩.
(٣) (تعالى) ساقط من (ب).
(٤) "زاد المسير" ٤/ ٣٣٦ قال: يريد ما فيه من الفرائض.
وقوله تعالى: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ الآية. قال المفسرون (٣): وذلك أن المشركين دعوه إلى ملة آبائه، فتوعده الله على اتباع هواهم، قال عطاء عن ابن عباس: يريد مخاطبة لأصحابه، فأما النبي - ﷺ - فمعصوم، فعلي هذا، الخطاب للنبي) (٤) -صلى الله عليه وسلم- والمراد به غيره (٥).
٣٨ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ﴾ الآية.
قال الكلبي (٦): عيرت اليهود النبي - ﷺ -، وقالت: ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح، ولو كان نبيًا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء، فأنزل الله هذه الآية، يقول: قد أرسلنا رسلا من قبلك فجعلناهم بشرًا لهم أزواج فنكحوهن، وأولاد أنسلوهم.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ إلا بإطلاقه له الآية، قال أهل المعاني: يعني أن حاله كحال الرسل الذين تقدموا، وأمره في الآيات جار على طريقتهم، في أنهم كانوا لا يأتون بآية
(٢) قال به أبو عبيدة، و"مجاز القرآن" ١/ ٣٣٤، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣٦.
(٣) "زاد المسير" ٤/ ٣٣٦.
(٤) ما بين القوسين مكرر في (ب).
(٥) "البحر المحيط" ٥/ ٣٩٧.
(٦) "تنوير المقباس" ١٥٩، و"البحر المحيط" ٥/ ٣٩٧، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣٦، القرطبي ٩/ ٣٢٧، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣١٣.
وقوله تعالى: ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ أي لكل أجل قدَّره الله تعالى، ولكل أمر قضاه الله كتاب أثبت فيه، فلا يكون آية إلا بأجل قد قضاه الله في كتاب، والمعنى: لأجل كل أمر ووقته كتابة مثبتة، لا يتقدم ذلك الأمر على وقته الذي كتب له ولا يتأخر عنه، هذا معنى قول أكثر المفسرين (٢)، وقال الفراء (٣): جاء التفسير لكل كتاب أجل مؤجل ووقت معلوم، وعنده أن هذا من المقلوب، والمعنى فيهما واحد، وهذا مذهب مقاتل (٤).
٣٩ - قوله تعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ الآية، المحو (٥) ذهاب أثر الكتابة، يقال: محاه يمحو ويمحاه أيضًا محوًا، وطيئ تقول: محيته محيًا، وأمحى الشيء وامتحى، إذا ذهب أثره.
وقوله تعالى: ﴿وَيُثْبِتُ﴾ قال النحويون (٦) أراد ويثبته. واستغنى بتعدية الأول من الفعلين عن تعدية الثاني، والعرب تفعل ذلك كثيراً، كقوله تعالى
(٢) الطبري ١٣/ ١٦٥، الثعلبي ٧/ ١٤٠ ب، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣٧، القرطبي ٩/ ٣٢٨.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٦٥.
(٤) "تفسير مقاتل" (١٩٢أ). وإلى هذا القول ذهب الضحاك فيما روى عنه الطبري ١٣/ ١٦٥.
وقد تعقب هذا القول أبو حيان فقال: ولا يجوز ادعاء القلب إلا في ضرورة الشعر، وأما هنا فالمعنى في غاية الصحة بلا عكس ولا قلب، بل ادعاء القلب هنا لا يصح المعنى عليه، إذ ثم أشياء كتبها الله تعالى أزلية، كالجنة ونعيم أهلها لا أجل لها. اهـ. "البحر المحيط" ٥/ ٣٩٧.
(٥) "تهذيب اللغة" (محا) ٤/ ٣٣٤٧.
(٦) "الحجة" ٥/ ٢٠.
بأيّ كِتَابٍ أم بأيَّةِ سنةٍ | ترى حُبَّهُم عارًا عليَّ وتَحسِبُ |
وقوله تعالى: ﴿وَيُثْبِتُ﴾ قرئ (٢) بالتخفيف والتشديد، فمن خفف ذهب إلى أن الإثبات ضد المحو، لا التثبيت، فلما كان في مقابلة المحو كان التخفيف أولى من التشديد، ولأن التشديد للتكثير، وليس القصد بالمحو التكثير، وكذلك ما يكون في مقابلته، ومن يشدد احتج بقوله ﴿وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ [النساء: ٣٦]. وقوله تعالى: ﴿فَثَبِّتُوا﴾ [الأنفال: ١٢] لأن يثبت مطاوع ثبت، واختلفوا في تفسير هذه الآية، فذهب قوم إلى أنها عامة في كل شيء، كما يقتضيه ظاهر اللفظ، وقالوا: إن الله تعالى يمحو من الرزق ويزيد فيه ومن الأجل، ويمحو السعادة والشقاوة، وهو مذهب عمر (٣) وابن
(٢) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ﴿وَيُثْبِتُ﴾ ساكنه الثاء خفيفة الباء "شرح ديوان الحماسة" للمرزوقي (٦٩٢)، و"المقاصد النحوية" ٢/ ٤١٣، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ﴿وَيُثَبِّت﴾ مفتوحة الثاء مشددة الباء.
انظر: "السبعة" ص ٣٥٩، و"إتحاف" ص ٢٧٠، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣٧، والقرطبي ٩/ ٣٢٩.
(٣) الطبري ١٣/ ١٦٧، ١٦٨، وعبد بن حميد وابن المنذر كما في "الدر" ٤/ ١٣٢، الثعلبي ٧/ ١٤١ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣٧، والقرطبي ٩/ ٣٣٠، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢٠/ ٣١٤.
وهذا قول ابن عباس (٥) في رواية سعيد بن جبير، قال: أم الكتاب عند الله من الشقاوة والسعادة ويمحو الله ما يشاء من ذلك ويثبت، وذهب قوم إلى أن هذه الآية خاصة في بعض الأشياء دون بعض، فروى ابن عمر عن النبي - ﷺ - أنه قال: " ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ إلا الشقاوة والسعادة،
(٢) الطبري ١٣/ ١٦٧، الثعلبي ٧/ ١٤١، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣٧، القرطبي ٩/ ٣٣٠.
(٣) هو: عبد الله بن رياب، قال ابن فتحون في "أوهام الاستيعاب" عن ابن علي حسن ابن خلف أنه أحد السبعة أو الثمانية السابقين من الأنصار إلى الإسلام. انظر: "الإصابة" ٢/ ٣٠٧.
(٤) الطبري ١٣/ ١٦٨ من طريق الكلبي عن أبي صالح عن جابر بن عبد الله بن رئاب الأنصاري عن النبي - ﷺ -، وعلق أحمد شاكر بقوله: محمد بن السائب الكلبي النسابة المفسر، متكلم فيه بما لا يحتمل الرواية عنه.
وهذا الخبر أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" مختصرًا ٣/ ٣/ ١١٤، وخرجه السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٢٣، و"زاد نسبته" إلى ابن مردويه، ونقله ابن كثير في "تفسيره" ٢/ ٥٧٠.
وفي الثعلبي ٧/ ١٤٠ ب، بالسند الذي ذكره الطبري خلافًا لما في المتن -هنا- حيث قال أبو صالح عن عبد الله بن رئاب عن جابر.
وانظر: "الدر المنثور" ٤/ ١٢٣.
(٥) الطبري ١٣/ ١٦٨.
وقال ابن عباس (٥) في رواية أبي صالح: إن الذي يمحوه الله ويثبته ما يصعد به الحفظة مكتوبًا على بني آدم، فيأمر جل وعز أن يثبت عليه ما فيه ثواب وعقاب، ويسقط عنه ما لا ثواب فيه ولا عقاب، وهذا القول اختيار الفراء (٦)، وقول الضحاك (٧) والكلبي (٨).
وقال آخرون: هذا المحو والإثبات في الآجال والأرزاق إذا ولد الإنسان أثبت أجله ورزقه، وإذا مات محيا. وهذا (٩) القول يروى عن
وروي عن ابن عباس ومجاهد نحوه كما سيأتي.
(٢) الثعلبي ٧/ ١٤٠ ب، القرطبي ٩/ ٣٢٩، وقد روى عن ابن عباس استثناء الشقاوة والسعادة والحياة والموت فقط. انظر: الطبري ١٣/ ١٦٦، ١٦٧، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣٧.
(٣) الطبري ١٣/ ١٦٦، وابن المنذر كما في "الدر" ٤/ ١٢٥، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣٨، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣١٣.
(٤) في (ب): زيادة واو (ولا يغيران).
(٥) "زاد المسير" ٤/ ٣٣٨، و"تنوير المقباس" ص ١٥٩، والثعلبي ٧/ ١٤٠ ب.
(٦) "معاني القرآن" ٢/ ٦٦.
(٧) "زاد المسير" ٤/ ٣٣٨، الثعلبي ٧/ ١٤٠ ب، القرطبي ٩/ ٣٣١.
(٨) الطبري ١٣/ ١٦٨، الثعلبي ٧/ ١٤١ أ، "زاد المسير" ٤/ ٣٣٨، القرطبي ٩/ ٣٣١.
(٩) في (أ)، (ب): (وهو).
وقال سعيد بيت جبير (٣) وقتادة (٤) يمحو الله ما يشاء من الشرائع، فينسخه، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه، وهذا القول هو اختيار أبي علي (٥)، قال: هذا -والله أعلم- فيما يحتمل النسخ والتبديل من الشرائع الموقوفة على المصالح على حسب الأوقات، فأما ما كان من غير ذلك فلا يمحى ولا يبدل، وهذه الآية يجوز أن تكون مستأنفة غير متصلة بما قبلها، ويجوز أن تكون متصلة، على أن يكون قوله: ﴿يَمْحُو اللَّهُ﴾ من صفة النكرة التي هي قوله: ﴿كِتَابٌ﴾ على تقدير: لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء من ذلك الكتاب ويثبت، والراجع إلى النكرة محذوف.
فإن قيل: ألستم تزعمون أن المقادير سابقة قد جف به القلم؟ وليس الأمر بأنف؟ وكيف يستقيم مع هذا المحو والإثبات أيضًا مما جف به القلم؟ فلا يمحو إلا ما سبق في حكمه وقضائه محوه، وهذا معنى قوله: ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ قال ابن عباس (٦): يريد اللوح المحفوظ، الذي لا يبدل ولا يغير منه شيء، هذا قوله في رواية عطاء وعكرمة، ومعنى
(٢) الثعلبي ٧/ ١٤١ ب.
(٣) الثعلبي ٧/ ١٤١ ب، القرطبي ٩/ ٣٣١.
(٤) الطبري ١٣/ ١٦٨، الثعلبي ٧/ ١٤١ ب، القرطبي ٩/ ٣٣١.
(٥) "الحجة" ٥/ ٢١.
(٦) الطبرى ١٣/ ١٧٠، والثعلبي ٧/ ١٤٠ ب، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣٩، و"تفسيركتاب الله العزيز" ٢/ ٣١٤.
وهل يمحى من أم الكتاب أم لا؟
يدل قول بعض المفسرين على أنه لا يمحى منه، فقد قال عكرمة عن ابن عباس (٥): هما كتابان: كتاب سوى أم الكتاب، يمحو منه ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب الذي لا يغير منه شيء، وقول أكثرهم يدل أنه يُمحى منه ويثبت، وهو قول قتادة (٦) والضحاك (٧) وابن جريج (٨) فيما روى
(٢) في (أ)، (ج): (لعكومه). هكذا بالجمع في الروايات وعند عبد الرزاق ٢/ ٣٣٨ من رواية ابن عباس عن كعب (.. ثم قال لعلمه: كن كتابًا فكان كتابًا).
(٣) في (ب): بالواو (يمحى ويثبت).
(٤) في (ب): (ولا يمحى).
(٥) الطبري ١٣/ ١٦٧، ١٦٩، ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه كما في "الدر" ٤/ ٦٦٠، والثعلبي ٧/ ١٤٠ ب، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣٩، والقرطبي ٩/ ٣٢٩.
(٦) الطبري ١٣/ ١٦٩.
(٧) الطبري ١٣/ ١٦٨، و"الدر" ٤/ ١٢٥.
(٨) الطبري ١٣/ ١٦٩.
٤٠ - قوله (٢): ﴿وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ قال ابن عباس (٣) والمفسرون (٤): من العذاب، ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ قال (٥): يريد من قبل ذلك، قال أهل اللغة: تقديره: أو نتوفينك قبل أن نريك (٦) ذلك، فحذف اختصارًا، لاقتضاء الكلام له، ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾ قال ابن عباس: يريد قد بلغت وعلينا الحساب، قال: يريد إليّ مصيرهم فأجازيهم بأعمالهم، قال أبو إسحاق (٧) وابن قتيبة (٨): أراد إن أريناك بعض الذي نعدهم في حياتك أو توفيناك قبل أن نريك ذلك، فليس عليك إلا أن تبلغ، كفروا هم به (٩)
(٢) في (ب)، (ج) زيادة: (تعالي).
(٣) "تنوير المقباس" ص ١٥٩.
(٤) الطبري ١٣٦/ ١٧٢، الثعلبي ٧/ ١٤٢ب، "زاد المسير" ٤/ ٣٣٩، القرطبي ٩/ ٣٣٣، ابن كثير ٤/ ٥٧١، "البحر المحيط" ٥/ ٣٩٩.
(٥) "تنوير المقباس" ١٥٩، و"زاد المسير" ٤/ ٣٣٩.
(٦) في (ح): (نرينك).
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥٠.
(٨) "مشكل القرآن وغريبه" ص ٢٣٤.
(٩) في (ح): سقط (به) فيكون: (كفروا هم أو آمنوا).
٤١ - قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ يعني كفار مكة (٢)، ﴿أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ﴾ يقصد أرض مكة، ﴿نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ بالفتوح على المسلمين منها، قال ابن عباس (٣): يريد ما دخل في الإسلام من بلاد الشرك، وقال الضحاك (٤): أو لم ير أهل مكة أنا نفتح لمحمد ما حوله من القرى، وقال مقاتل (٥): الأرض مكة، ونقصها من أطرافها غلبة المؤمنين عليها، وهذا قول الحسن (٦)، وقال أبو إسحاق (٧): أعلم الله أن بيان ما وعدوا من قهرهم وتعذيبهم قد ظهر وتبين، يقول: أو لم يروا أنا فتحنا على المسلمين من الأرض ما قد تبين لهم، فكيف لا يعتبرون؟ وقال الفراء (٨): أو لم ير أهل مكة أنا نفتح عليك ما حولها، أفلا يخافون أن تنالهم، وروي عن ابن
(٢) انظر: الطبري ١٣/ ١٧٢، والقرطبي ٩/ ٣٣٣، و"تنوير المقباس" ص ١٥٩.
(٣) الطبري عن ابن عباس بلفظ قال: أولم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض ١٣/ ١٧٢، وابن مردويه كما في "الدر" ٤/ ١٢٧، و"زاد المسير" ٤/ ٣٤٠.
(٤) الطبري ١٣/ ١٧٣، وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في "الدر" ٤/ ١٢٧.
وأخرج عبد بن حميد نحوه في "الدر" ٤/ ١٢٧، و"زاد المسير" ٤/ ٣٤٠، والثعلبي ٧/ ١٤٢ ب.
(٥) "تفسير مقاتل" ١٩٢ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٣٤٠.
(٦) الطبري ٤/ ١٢٧، عبد الرزاق ٢/ ٣٣٩، وعبد بن حميد وابن أبي حاتم كما في "الدر" ٤/ ١٢٧، الثعلبي ٧/ ١٤٢ ب، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣١٥.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥١.
(٨) "معاني القرآن" ٢/ ٦٦.
واسْأَلْ بنَا وبكم إذا وَرَدَتْ بنا (٥) | أطْرَاف كلِّ قَبِيلَةٍ مَنْ تُمْنَعُ |
قال ابن الأعرابي (٦): الطّرَف والطَّرْف من الرجال الكريم، والتفسير على القول الأول (٧)؛ لأن هذا وإن صح لا يليق بهذا الموضع.
وقوله تعالى: ﴿لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾ قال ابن عباس (٨): لا ناقض لحكمه، وقال الفراء (٩): لا راد لحكمه، قال: والمعقب الذي يكرُّ على
(٢) عبد الرزاق ٢/ ٣٣٩، الطبري ١٣/ ١٧٤، وابن أبي شيبة كما في "الدر" ٤/ ١٢٦، و"زاد المسير" ٤/ ٣٤٠، والقرطبي ٩/ ٣٣٣.
(٣) "تهذيب اللغة" (طرف) ٣/ ٢١٨١.
(٤) "ديوانه" ١/ ٤٢٤، وفيه:
واسأل بنا وبكم إذا وردت | مني أطراف كل قبيلة من يسمع |
وأسأل بنا وبكم إذا وردت | مني أطراف كل قبيلة من يُمتَعُ |
(٦) "تهذيب اللغة" (طرف) ٣/ ٢١٨١.
(٧) وقد رجحه الطبري ١٣/ ١٧٤، وابن كثير ٢/ ٥٧٢، وأبو حيان في "البحر المحيط" ٥/ ٤٠٠ ولم يذكر الزمخشري إلا نحو هذا القول.
(٨) "تنوير المقباس" ص ١٥٩.
(٩) "معاني القرآن" ٢/ ٦٦.
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ قال ابن عباس (١): يريد سريع الانتقام، يعني حسابه للمجازاة بالخير والشر ومجازاة الكافر بالانتقام منه، وذكرنا الكلام في معنى سرعة حساب الله تعالى في سورة البقرة في قوله: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا﴾ [البقرة: ٢٠٢].
٤٢ - قوله تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم﴾ قال المفسرون (٢): يعني كفار الأمم الخالية مكروا بأنبيائهم؛ مثل: نمروذ مكر بإبراهيم، وغيره من الكفار قبل مشركي مكة.
وقوله تعالى: ﴿فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا﴾ يعني (٣) أن مكر الماكرين له، أي هو من خلقه، وإرادته، فالمكر جميعًا مخلوق له بيده الخير والشر، وإليه النفع والضر، والمعنى أن المكر لا يضر إلا بإذنه وإرادته، وفي هذا تسلية للنبي - ﷺ -، وأمان له من مكرهم، كأنه قيل: قد فعل من قبلهم من الكفار مثل صنيعهم ولا ضرر عليك من مكرهم؛ لأن جميع ذلك لله مخلوق، فلا يضر إلا من أراد الله ضرّه، وذهب بعض الناس (٤) إلى أن المعنى: فلله جزاء المكر، وذلك أنه لما مكروا بالمؤمنين، بين الله تعالى وبال مكرهم عليهم، فمجازاة (٥) الله لهم، والأوّل أظهر القولين، يؤكده
(٢) الطبري ١٣/ ١٧٥، الثعلبي ٧/ ١٤٤ ب، "زاد المسير" ٤/ ٣٤٠، القرطبي ٩/ ٣٣٥، "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣١٦.
(٣) انظر: الثعلبي ٧/ ١٤٤ ب، "زاد المسير" ٤/ ٣٤١، القرطبي ٩/ ٣٣٥.
(٤) الثعلبي ٧/ ١٤٤ ب، القرطبي ٩/ ٣٣٥.
(٥) في (ب): (بمجازاة).
وقوله تعالى: ﴿وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ﴾ (١) قال ابن (٢) عباس (٣): يريد أبا جهل، وقال أبو إسحاق (٤): الكافر اسم جنس، كما تقول: كثر الدرهم في أيدي الناس، فعلى قول ابن عباس التوحيد للتخصيص، وعلى قول أبي إسحاق التوحيد هاهنا كالجمع، قال أبو علي (٥): من قرأ "الكافر" جعله اسمًا شائعًا، كالإنسان في قوله: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: ٢]. وقد جاء فاعل يراد به اسم الجنس، أنشد أبو زيد (٦):
إن تَبْخَلِي يا جُمْلُ أو تَعْتَلّي | أو تُصْبِحِي في الظَّاعِنِ المُولِّي |
انظر: "السبعة" ص ٣٥٩، و"الحجة" ٥/ ٢١، و"الإتحاف" ص ٢٧٠، والطبري ١٣/ ١٧٥، و"زاد المسير" ٤/ ٣٤١، والقرطبي ٩/ ٣٣٥.
(٢) في (ج) إقحام (إسحاق)، فيكون (قال ابن إسحاق عباس).
(٣) "زاد المسير" ٤/ ٣٤١، والقرطبي ٩/ ٣٣٥، و"البحر المحيط" ٥/ ٤٠١.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥١.
(٥) "الحجة" ٥/ ٢٢ مختصرًا.
(٦) أنشده سيبويه ٢/ ٨٢، ونسبه إلى رجل من بني أسد، وورد في "النوادر" ص ٥٣ ضمن أبيات من مشطور السريع منسوبًا إلى منظور بن مرثد الأسدي، و"اللسان" (عهل) ٥/ ٣١٥٢، و"الحجة" ١/ ١٥١.
(٧) في "الحجة": (أنه لا ألف فيه).
وقوله تعالى: ﴿لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ﴾ الجار (٥) مع المجرور في موضع نصب من حيث سد الكلام الذي هو فيه مسد مفعولي العلم، فصار كقولك: علمت لمن الغلام. والكلام (٦) في (عقبى الدار) قد مضى في موضعين من هذه السورة (٧).
٤٣ - قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ﴾. قال الزجاج (٨): الباء في موضع رفع مع الاسم، المعنى: كفى الله، وشهيدًا منصوب على التمييز، والكلام في مثل هذا قد مضى قديمًا، وقال غيره من النحويين: إنما جاز: كفى بالله، في موضع كفى الله، لتحقيق إضافة الفعل، وذلك أن الفعل لما جاز أن يضاف إلى غير فاعله، بمعنى:
(٢) نسب الطبري هذه القراءة إلى أبي ١٣/ ١٧٥، ونسبها مكي في "الكشف" ٢/ ٢٣ إلى أبي، وفي "البحر المحيط" ٥/ ٤٠١ كذلك.
(٣) نسب الطبري هذه القراءة إلى ابن مسعود ١٣/ ١٧٥ وكذا أبو حيان في "البحر المحيط" ٥/ ٤٠١.
(٤) "البحر المحيط" ٥/ ٤٠١.
(٥) نقل عن "الحجة" ٥/ ٢١، ٢٢.
(٦) (والكلام) ساقط من (أ)، (ج).
(٧) آية: ٢٢، ٢٤.
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥١.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ قال مجاهد (٢): هو الله -عز وجل-، واختار أبو إسحاق (٣) هذا القول، قال: لأن الأشبه أن الله لا يستشهد على خلقه بغيره.
قال أبو بكر: فعلى هذا القول عطف "من" على اسم الله تعالى، وهو لزيادة معنى في المعطوف، كما تقول: قام عبد الله والظريف العاقل، وجلس زيد والذي يفوق في الخير أصحابه، فيعطفون الثاني على الأول، لما يريد فيه من معنى المدح.
وقال ابن عباس (٤) وقتادة (٥): ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ يعني الذين
(٢) الطبري ١٣/ ١٧٧، وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في "الدر" ٤/ ١٢٩، وابن كثير ٢/ ٥٧٢، و"زاد المسير" ٤/ ٣٤٢، والقرطبي ٩/ ٣٣٦، وهذا القول مروي عن الحسن وغيره، انظر المراجع السابقة. وانظر: "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣١٧.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٥١.
(٤) المروي عن ابن عباس قوله: هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى. انظر: الطبري ١٣/ ١٧٦، و"الدر" ١٢٨/ ٤، و"زاد المسير" ٤/ ٣٤١، وابن كثير ٢/ ٥٧٢، و"تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٣١٧.
(٥) عبد الرزاق ٢/ ٣٣٩، والطبري ١٣/ ١٧٦، ١٧٧، وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في "الدر" ٤/ ١٢٨، و"زاد المسير" ٤/ ٣٤١، والقرطبي ٩/ ٣٣٥، و"البحر المحيط" ٥/ ٤٠١، وابن كثير ٢/ ٥٧٢.
وأنكر سعيد بن جبير (١) أن يكون عبد الله بن سلام من هذه الجملة، لأن السورة مكية، وإسلامه كان بعد هذه السورة.
قال ابن الأنباري: وعلى هذا القول شهادة هؤلاء قاطعة لقول الخصوم، واحتج عليهم بشهادتهم؛ لأنهم رضوا بقولهم، وقالوا: هم الرؤساء في العلوم، والعالمون بالأخبار القديمة وكتب الله تعالى، فقيل لهم: كفى بهؤلاء شهودًا عليكم، إذ كان محلكم في أنفسكم محل من يلزمكم قبول قوله.
وقال عطاء عن ابن عباس (٢): ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ يعني جبريل -عليه السلام- (٣).
(٢) القرطبي ٩/ ٣٣٦. وأخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير كما في "الدر" ٤/ ١٢٩.
(٣) قلت: الراجح -والله أعلم- من هذه الأقوال هو قول ابن عباس: أن المراد به علماء اليهود والنصارى من غير تخصيص، فإن المشركين في مكة كانوا يسألونهم ويستشهدون بأقوالهم، وقد ورد آيات أخر فيها الاستشهاد بهم، وبما يعلمونه من تجهم من صحة رسالة محمد - ﷺ -؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف: ١٥٧] وقوله ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الشعراء: ١٩٧، وغير ذلك، وقد رجح هذا القول الإمام الطبري: ١٣/ ١٧٦، وابن كثير: ٢/ ٥٧٢ فقال: والصحيح في هذا: أن ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ﴾ اسم جنس يشمل علماء الكتاب الذين يجدون صفة محمد - ﷺ - ونعته في كتبهم المتقدمة، من بشارات الأنبياء به.
لأبي الحسن على بن أحمد بن محمد الواحدى
(ت ٤٦٨ هـ)
من أول سورة إبراهيم إلى آخر سورة الحجر
تحقيق
د. عبد الرحمن بن عبد الجبار بن صالح هوساوي