ﰡ
بيتاً دعائمُه أعزُّ وأطول...
﴿لَعَلَّكُمْ﴾ عند معاينتِكم لها وعثورِكم على تفاصيلها ﴿بِلِقَاء رَبّكُمْ﴾ بملاقاته للجزاء ﴿تُوقِنُونَ﴾ فإن من تدبّرها حقَّ التدبر أيقن أن من قدَر على إبداع هذه الصنائعِ البديعةِ على كل شىء قديرٌ وأن لهذه التدبيراتِ المتينة عواقبَ وغاياتٍ لا بد من وصولها وقد بُيّنتْ على ألسنة الأنبياءِ عليهم السلام أن ذلك ابتلاء المكلفين ثم جزاؤهم حسب أعمالِهم فإذن لا بد من الإيقان بالجزاء ولمّا قرر الشواهدَ العلوية أردفها بذكر الدلائلِ السفلية فقال
وحلّت بيوتي في يَفاعٍ ممنَّع
تَخال به راعي الحَمولةِ طائرا | حِذاراً على أن لا يُنال معاوني |
أي أحللت بيوتي حِذاراً فلا سبيل إليه لأن ما وقع في معرض العلة الغائبة لا سيما الخوفُ لا يصلح علة لرؤيتهم ﴿وينشئ السحاب﴾ الغمامَ المنسحبَ في الجو ﴿الثقال﴾ بالماء وهي جمعُ ثقيلةٍ وُصف بها السحابُ لكونها اسمَ جنسٍ في معنى الجمع والواحدةُ سحابة يقال سحابةٌ ثقيلة وسحاب ثِقال كما يقال امرأة كريمة ونسوة كرام
أيْ لَم تدعَ فلم يبقَ إلا مسحتٌ أو مجلِّف ﴿لِيَبْلُغَ﴾ أي الماءُ بنفسه من غير أن يؤخذ بشيء من إناء ونحوه ﴿فَاهُ وَمَا هُوَ﴾ أي الماء ﴿بِبَالِغِهِ﴾ ببالغ فيه أبداً لكونه جماداً لا يشعُر بعطشه ولا ببسط يدِه إليه فضلاً عن الاستطاعة لما أراده من البلوغ إلى فيه شبّه حالُ المشركين في عدم حصولهم في دعاء آلهتِهم على شيء أصلاً وركاكةِ رأيهم في ذلك بحال عطشانَ هائمٍ لا يدري ما يفعل قد بسط كفيه من بعيد إلى الماء يبغي وصولَه إلى فيه من غير ملاحظةِ التشبيه في جميع مفرداتِ الأطراف فإن الماءَ في نفسه شيءٌ نافع بخلاف آلهتِهم والمرادُ نفيُ الاستجابةِ رأساً إلا أنه قد أُخرج الكلامُ مُخرج التهكم بهم فقيل لا يستجيبون لهم شيئاً من الاستجابة كائنة في هذه الصورةِ التي ليست فيها شائبةُ الاستجابة قطعاً فهو في الحقيقة من باب التعليقِ بالمحال وقرىء تدعون بالتاء وكباسطٍ بالتنوين ﴿وَمَا دُعَاء الكافرين إِلاَّ فِى ضلال﴾ أي ذهاب وضَياعٍ وخَسار
بسم الله الرحمن الرحيم