ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة ص (٣٨) : آية ١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١)بإسكان الدال لأنها حروف تهجّ، والأجود عند سيبويه «١» فيها الإسكان. ولا تعرب لأن حكمها الوقوف عليها وقراءة الحسن صاد «٢» بكسر الدال بغير تنوين ولقراءته مذهبان: أحدهما أنه من صادى يصادي إذا عارض، ومنه فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى [عبس: ٦] فالمعنى صادي القرآن بعملك أي قابلة به. وهذا المذهب يروى عن الحسن أنه فسّر به قراءته رواية صحيحة عنه أنّ المعنى: اتله وتعرّض لقراءته. والمذهب الآخر أن تكون الدال مكسورة لالتقاء الساكنين. وقراءة عيسى بن عمر (صاد) بفتح الدال، له فيها ثلاثة مذاهب:
أحداهنّ أن يكون بمعنى اتل صاد. والثاني أن يكون فتح لالتقاء الساكنين، واختار الفتح للإتباع، الثالث أن يكون منصوبا على القسم بغير حروف. وقراءة ابن أبي إسحاق (صاد) بكسر الدال والتنوين على أن يكون مخفوضا على حذف حرف القسم. قال أبو جعفر:
وهذا بعيد وإن كان سيبويه قد أجاز مثله، ويجوز أن يكون مشبّها بما لا يتمكن من الأصوات وغيرها. وصاد إذا جعلته اسما للسورة لم ينصرف كما أنك إذا سمّيت مؤنثا بمذكّر لم ينصرف وإن قلّت حروفه. وَالْقُرْآنِ خفض بواو القسم بدل من الباء. ذِي الذِّكْرِ نعت وعلامة الخفض الياء، وهو اسم معتل والأصل فيه ذوي على فعل.
[سورة ص (٣٨) : آية ٢]
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في موضع رفع بالابتداء. فِي عِزَّةٍ خبره أي في تكبّر وامتناع من قبول الحقّ، كما قال جلّ وعزّ: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [البقرة:
٢٠٦]. وَشِقاقٍ من شاقّ يشاقّ إذا خالف، واشتقاقه أنه صار في شقّ غير الشقّ الآخر.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٩٦.
[سورة ص (٣٨) : آية ٣]
كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣)كَمْ في موضع نصب بأهلكنا. فَنادَوْا قال قتادة: فنادوا في غير نداء. قال أبو جعفر: ومعناه على قوله في غير نداء ينجي، كما قال الحسن: نادوا بالتوبة وليس حين توبة ولا ينفع العمل. وهذا تفسير من الحسن لقوله جلّ وعزّ وَلاتَ حِينَ مَناصٍ، قال ليس حين. فأما إسرائيل فيروى عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس وَلاتَ حِينَ مَناصٍ قال: ليس بحين نزو ولا فرار، قال ضبط القوم جميعا. قال أبو جعفر:
وأصله من ناص ينوص إذا تأخّر، ويقال: ناص ينوص إذا تقدّم. وأما «ولات حين» فقد تكلّم النحويون فيه وفي الوقوف عليه، وكثّر فيه أبو عبيد القاسم بن سلام في «كتاب القراءات»، وكلّ ما جاء به فيه إلّا يسيرا مردود. قال سيبويه «١» : لات مشبّهة بليس، والاسم فيها مضمر أي ليست أحياننا حين مناص، وحكي أنّ من العرب من يرفع بها فيقول وَلاتَ حِينَ مَناصٍ «٢»، وحكي أنّ الرفع قليل، ويكون الخبر محذوفا كما كان الاسم محذوفا في النصب أي ولات حين مناص لنا. والوقوف عليها عند سيبويه والفراء «٣»، وهو قول أبي الحسن بن كيسان وأبي إسحاق، ولات بالتاء ثم تبتدئ حين مناص. قال أبو الحسن بن كيسان: والقول كما قال سيبويه لأنه شبّهها بليس فكما تقول ليست تقول: لات. والوقوف عليها عند الكسائي بالهاء ولاه، وهو قول محمد ابن يزيد، كما حكى لنا عنه علي بن سليمان، وحكي عنه أنّ الحجّة في ذلك أنها «لا» دخلت عليها الهاء لتأنيث الكلمة، كما يقال: ثمّة وربّة. وأما أبو عبيد فقال: اختلف العلماء فيها فقال بعضهم: لات ثم تبتدئ فتقول: حين. ثم لم يذكر عن العلماء غير هذا القول وكلامه يوجب غير هذا ثم ذكر احتجاجهم بأنها في المصاحف كلّها كذا ثم قال: وهذه حجّة لولا أنّ ثمّ حججا تردّها ثم ذكر حججا لا يصحّ منها شيء، وسنذكرها إن شاء الله تعالى، ونبين ما يردّها. قال: والوقوف عندي بغير تاء ثم تبتدئ بحين مناص ثم ذكر الحجج فقال: إحداهنّ أنّا لم نجد في كلام العرب لات إنما هي «لا». قال أبو جعفر: لو لم يكن في هذا من الردّ إلا اجتماع المصاحف على ما أنكره فكيف وقد روي خلاف ما قال جميع النحويين المذكورين من البصريين والكوفيين، فقال سيبويه: «لات» مشبهة بليس، وقال الفراء عن الكسائي أحسبه أنه سأل أبا السمّال فقال: كيف تقف على ولات؟ فوقف عليها بالهاء. قال أبو عبيد: والحجة الثانية أنّ تفسير ابن عباس يدلّ على ذلك لأن ابن عباس قال: ليس حين نزو ولا فرار. قال أبو جعفر: تفسير ابن عباس يدلّ على أن الصحيح غير قوله، ولو كان على قوله لقال ابن عباس ليس تحين مناص، ولم يرو هذا أحد. قال أبو عبيد: والحجة الثالثة أنّا لم نجد
(٢) انظر البحر المحيط ٧/ ٣٦٨.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٩٨. [.....]
العاطفون تحين ما من عاطف | والمطعمون زمان أين المطعم «١» |
طلبوا صلحنا ولات أوان | فأجبنا أن ليس حين بقاء «٢» |
نولّي قبل يوم بيني جمانا | وصلينا كما زعمت تلانا «٣» |
٣٧٧-
تذكّر حبّ ليلى لات حينا | وأضحى الشّيب قد قطع القرينا «٤» |
(٢) الشاهد لأبي زبيد الطائي في ديوانه ٣٠، والإنصاف ١٠٩، وتخليص الشواهد ٢٩٥، وتذكرة النحاة ٧٣٤، وخزانة الأدب ٤/ ١٨٣، والدرر ٢/ ١١٩، وشرح شواهد المغني ص ٦٤٠، والمقاصد النحوية ٢/ ١٥٦، وبلا نسبة في جواهر الأدب ٢٤٩، وخزانة الأدب ٤/ ١٦٩، والخصائص ٢/ ٣٧٠، ورصف المباني ١٦٩، وسرّ صناعة الإعراب ٥٠٩، وشرح الأشموني ١/ ١٢٦، وشرح المفصّل ٩/ ٣٢، ولسان العرب (أون) و (لات)، ومغني اللبيب ٢٥٥، وهمع الهوامع ١/ ١٢٦.
(٣) الشاهد لجميل بثينة في ديوانه ١٩٦، ولسان العرب (تلن)، وبلا نسبة في الإنصاف ١١٠، وتذكرة النحاة ٧٣٥، والجنى الداني ٤٨٧، ورصف المباني ١٧٣، وسرّ صناعة الإعراب ١٦٦، ولسان العرب (أين) و (حين)، والممتع في التصريف ١/ ٢٧٣.
(٤) الشاهد بلا نسبة في معاني الفراء ٢/ ٣٩٧، وتفسير الطبري ٢/ ١٤٤.
(٥) انظر الشاهد رقم ٣٦٨.
وأما البيت الثاني فلا حجّة له فيه لأنه يوقف عليه ولات أوان غير أنّ فيه شيئا مشكلا لأنه روي «ولات أوان» بالخفض، وإنما يقع ما بعد لات مرفوعا ومنصوبا، وإن كان قد روي عن عيسى بن عمر أنه قرأ ولات حين مناص «١» بكسر التاء من «لات» والنون من «حين» فإن الثّبت عنه أنه قرأ وَلاتَ حِينَ مَناصٍ فبنى لات على الكسر ونصب حين فأما «ولات أوان» ففيه تقديران: قال الأخفش: فيه مضمر أي ولات حين أوان.
قال أبو جعفر: وهذا القول بيّن الخطأ، والتقدير الآخر عن أبي إسحاق، قال تقديره:
ولات حين أواننا فحذف المضاف إليه فوجب ألّا يعرب فكسره لالتقاء الساكنين، وأنشد محمد بن يزيد «ولات أوان» بالرفع.
وأما البيت فبيت مولّد لا يعرف قائله، ولا يصح به حجّة على أن محمد بن يزيد رواه «كما زعمت الآن» وقال غيره: المعنى كما زعمت أنت الآن، فأسقط الهمزة من أنت والنون. وأما احتجاجه بحديث عبد الله بن عمر لما ذكر للرجل مناقب عثمان رضي الله عنه. قال: اذهب بها تلان إلى أصحابك، فلا حجّة فيه لأن المحدّث إنما يروي هذا على المعنى، والدليل على هذا أنّ مجاهدا روى عن عمرو بن عمر هذا الحديث، وقال فيه: اذهب فاجهد جهدك، ورواه آخر اذهب بها الآن معك فأمّا احتجاجه بأنه وجدها في الإمام «تحين» فلا حجة فيه لأن معنى الإمام أنه إمام للمصاحف فإن كان مخالفا لها فليس بإمام لها، وفي المصاحف كلّها ولات. فلو لم يكن في هذا إلّا هذا الاحتجاج لكان مقنعا. وجمع مناص مناوص.
[سورة ص (٣٨) : آية ٥]
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥)
وَعَجِبُوا أَنْ في موضع نصب، والمعنى من أن جاءهم.
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً مفعولان.
[سورة ص (٣٨) : آية ٦]
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦)
وَانْطَلَقَ في موضع نصب، والمعنى: بأن امشوا. والْمَلَأُ الأشراف، وقد سمّوا، في رواية محمد بن إسحاق، أنهم أبو جهل بن هشام وشيبة وعتبة ابنا ربيعة بن عبد شمس وأميّة بن خلف والعاصي بن وائل وأبو معيط جاءوا إلى أبي طالب، فقالوا
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٧ الى ٨]
ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨)
أي تكذيب وابتداع. يقال: خلق واختلق أي ابتدع، وخلق الله الخلق من هذا أي ابتدعهم على غير مثال، ثم بيّن أنهم حساد لقولهم أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي وهو القرآن بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ والأصل إثبات الياء، وجاز الحذف لأنه رأس آية.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٩ الى ١٠]
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠)
قيل: أم لهم هذا فيمنعوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم مما أنعم الله به عليه، وكذا أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فإن ادعوا ذلك فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ أي في أسباب السموات، وقيل: في الأسباب التي ذكرت التي لا تكون إلّا لله جلّ وعزّ. والأصل فليرتقوا، حذفت الكسرة لثقلها، يقال: رقي يرقى، وارتقى يرتقي، إذا صعد، ورقّى يرقي رقيا رمى يرمي رميا، من الرقية ثم وعد الله نبيه النصر فقال جلّ ذكره: جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ فهزم الله جلّ وعزّ الأحزاب كما وعده. و «ما» زائدة للتوكيد، وتأول الفراء معنى مهزوم أنه مغلوب على أن يصعد إلى السماء.
[سورة ص (٣٨) : آية ١٢]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ أنّث «قوم» على معنى الجماعة، ولو جاء مذكّرا لجاز على معنى الجميع. وصرف نوح وإن كان أعجميا، لأنه على ثلاثة أحرف فخفّ، ومنع فِرْعَوْنُ من الصرف لأنه قد جاوز ثلاثة أحرف فلم يصرف لعجمته وأنّه معرفة وزعم محمد بن إسحاق اسم فرعون الوليد بن مصعب، قال: وقد قيل: إن اسمه مصعب بن الربان، وقال غيره: كان يسمّى من ملك مصر فرعون، كما يسمّى من ملك
[سورة ص (٣٨) : آية ١٤]
إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤)
إِنْ كُلٌّ بمعنى ما كلّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ الأصل إثبات الياء، وحذفت لأنه رأس آية والكسرة دالّة عليها.
[سورة ص (٣٨) : آية ١٥]
وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥)
وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ بمعنى ما ينتظر ومنه انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد:
١٣] إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً قال عبد الله بن عمر: لم تكن صيحة في السماء إلا بغضب من الله جلّ وعزّ على أهل الأرض. ما لَها مِنْ فَواقٍ «١» قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو وعاصم، ومن فواق بضم القاف قراءة يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي. وأصحّ ما قيل فيهما أنهما لغتان بمعنى واحد، وحكى ذلك الكسائي والفراء.
[سورة ص (٣٨) : آية ١٦]
وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦)
وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا من أحسن ما قيل في معناه ما قاله سعيد بن جبير قال:
قالوا: ربّنا عجّل لنا نصيبنا في الآخرة قبل يوم الحساب. وهو مشتقّ من قططت الشيء أي قطعته. فالنصيب قطعة تقطع للإنسان، وذلك معروف في كلام العرب أن يقال في النصيب: قطّ ويقال للكتاب المكتوب بالجائزة قطّ كما قال الأعشى: [الطويل] ٣٧٨-
ولا الملك النّعمان يوم لقيته | بإمّته يعطي القطوط ويأفق «٢» |
[سورة ص (٣٨) : آية ١٧]
اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧)
وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ نعت. والأيد والآد كما يقال: العيب والعاب، ومنه رجل أيّد. إِنَّهُ أَوَّابٌ قال الضحاك: أي ثواب، وعن غيره أنه كان كلّما ذكر ذنبه أو خطر على باله استغفر منه كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لاستغفر في اليوم والليلة مائة
(٢) الشاهد للأعشى في ديوانه ٢٦٩، ولسان العرب (قطط) و (أفق)، وتهذيب اللغة ٨/ ٢٦٤، وكتاب الجيم ٣/ ٦٦، ومقاييس اللغة ١/ ١١٦، وجمهرة اللغة ١٥٠، وكتاب العين ٥/ ٢٢٧، ومجمل اللغة ٤/ ١١٥، وتاج العروس (قطط) و (أفق)، وبلا نسبة في المخصص ٤/ ١٠٢.
وكلّ ذي غيبة يؤوب... وغائب الموت لا يؤوب «٢»
[سورة ص (٣٨) : آية ١٨]
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨)
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ في موضع نصب على الحال. ويروى أنها كانت تجيبه بالتسبيح، وقيل: سخّرها الله جلّ وعزّ لتسير معه فذلك تسبيحها لأنها دالّة على تنزيه الله جلّ وعزّ عن شبه المخلوقين. بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ من أشرقت الشمس إذا أضاءت وصفت. وعن ابن عباس قال: صلاة الضحى مذكورة في كتاب الله جلّ وعزّ، وقرأ «يسبّحن بالعشيّ والإشراق».
[سورة ص (٣٨) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠)
إِنَّا سَخَّرْنَا معطوف على الجبال. قال الفراء «٣» : ولو قرئ (والطّير محشورة) لجاز لأنه لم يظهر الفعل، وكذا لو قرئ (وشددنا ملكه) وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ فعولان وَفَصْلَ الْخِطابِ معطوف عليه.
[سورة ص (٣٨) : آية ٢١]
وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١)
وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ وبعده إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ لأنّ الخصم يؤدّي عن الجمع وهو مصدر في الأصل من خصمته خصما. وحقيقته في العربية إذا قلت: القوم خصم له، معناه ذوو خصم ثم أقمت المضاف إليه مقام المضاف، وقد يقال: خصوم كما يقال: عدول.
[سورة ص (٣٨) : آية ٢٢]
إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢)
إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فجاءت إذ مرتين لأنهما فعلان، وزعم الفراء «٤» إحداهما بمعنى «لمّا». وقول آخر أن تكون الثانية وما بعدها تبيينا لما قبلها. قالُوا لا تَخَفْ حذفت الضمة من الفاء للجزم، وحذفت الألف المنقلبة من الواو لئلا يلتقي ساكنان خَصْمانِ وقبل هذا إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ لأن اثنين جمع. قال الخليل رحمه الله:
كما تقول: نحن فعلنا، إذا كنتما اثنين، وقال الكسائي: جمع لما كان خبرا فلما انقضى
(٢) الشاهد لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص ١٦، ولسان العرب (أوب)، وتهذيب اللغة ١٥/ ٦٠٨، ومقاييس اللغة ١/ ١٥٣.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٤٠١.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٤٠١.
تشطّ غدا دار جيراننا | وللدّار بعد غد أبعد «٢» |
إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣)
وقرأ الحسن تسع وتسعون نعجة «٣» بفتح التاء فيها، وهي لغة شاذة وهي الصحيحة من قراءة الحسن. والعرب تكني عن المرأة بالنعجة والشاة. وعن عبد الله بن مسعود رحمه الله أنه قرأ وعازّني في الخطاب «٤».
[سورة ص (٣٨) : آية ٢٤]
قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (٢٤)
قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ فيقال: إن هذه خطيّة داود صلّى الله عليه وسلّم لأنه قال: لقد ظلمك من غير تثبيت بيّنة، ولا إقرار من الخصم ولا سؤال لخصمه هل كان هذا كذا أم لم يكن؟ هذا قول، فأما قول العلماء المتقدّمين الذين لا يدفع قولهم، منهم عبد الله بن مسعود وابن عباس رحمهما الله فإنهم قالوا: ما زاد داود صلّى الله عليه وسلّم على أن قال للرجل: انزل عن امرأتك. قال أبو جعفر: فعاتبه الله جلّ وعزّ على هذا، ونبهه عليه. وليس هذا بكبير من المعاصي، ومن يخطئ إلى غير هذا، فإنما يأتي بما لا يصح عن عالم ويلحقه فيه الإثم العظيم. بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إضافة على المجاز أي بسؤال نعجتك. وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ جمع خليط، وهو الشريك فهذا جمع ما لم يكن في واو، ولا يجوز في طويل طولاء لثقل الحركة في الواو وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ قال أبو عمر والفراء «٥» : ظنّ بمعنى
(٢) الشاهد لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ٣٠٠، وبلا نسبة في لسان العرب (شطط) وتهذيب اللغة ١١: ٢٦٤، وتاج العروس (شطط). [.....]
(٣) انظر البحر المحيط ٧/ ٣٧٦.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٤٠٤.
(٥) انظر معاني الفراء ٢/ ٤٠٤.
[سورة ص (٣٨) : آية ٢٥]
فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥)
فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ في موضع نصب بغفرنا، ويجوز أن يكون في موضع رفع أي الأمر ذلك وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى. قال مجاهد عن عبيد بن عمر قال: الزلفى الدنو من الله جلّ وعزّ يوم القيامة.
[سورة ص (٣٨) : آية ٢٦]
يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (٢٦)
يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ أي مكّنّاك لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فتخلف من كان قبلك من الأنبياء والأئمة الصالحين. إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بفتح الياء بلا اختلاف فيها، وهو فعل لازم ولو ضممت الياء كان متعدّيا بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ أي تركوا العمل. يقال: نسي الشيء إذا تركه.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]
وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨)
وشرح هذا أنهم كانوا يقولون: ليست ثمّ عقوبة ولا نار فالكافر والعاصي يسعدان باللذات وغصب الأموال، والمظلوم يشقى، لأنهما يصيران إلى شيء واحد، فرد الله جل وعز هذا عليهم بأنه ما خلق السّماء والأرض وما بينهما باطلا لأن الذين ادعوه باطل وذلك منهم ظنّ وبيّن ذلك جلّ وعزّ بقوله: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ فكان في هذا ردّ على المرجئة لأنهم يقولون: يجوز أن يكون المفسد كالمصلح أو أرفع درجة منه، وبعده أيضا أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ.
[سورة ص (٣٨) : آية ٢٩]
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩)
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ بمعنى هذا كتاب. مُبارَكٌ من نعته.
[سورة ص (٣٨) : آية ٣٠]
وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠)
نِعْمَ الْعَبْدُ مرفوع بنعم.
[سورة ص (٣٨) : آية ٣١]
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (٣١)الْجِيادُ جمع جواد للفرس إذا كان شديد الحضر، كما يقال للإنسان: جواد إذا كان سريع العطيّة غزيرها غير أنه يقال: قوم أجواد وخيل جياد وقد قيل: جياد جمع جائد. وقائل هذا يحتجّ بأنه لو كان جمع جواد لقيل جواد، كطويل وطوال. ويقال في جمع جواد: جوداء وأجوداء وجود بإسكان الواو وجوود بضمها.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٣٢ الى ٣٣]
فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (٣٢) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (٣٣)
فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ الفراء «١» يقدّره مفعولا أي آثرت حبّ الخيل، وغيره يقدره مصدرا وهو يقدّر الخيل بمعنى الخير، وغيره يقول: معنى أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ أنه كان في صلاة فجيء إليه بخيل لتعرض عليه قد غنمت فأشار إليها بيده لأنه يصلّي حتّى توارت الخيل، وسترها جدر الإصطبلات فلمّا فرغ من صلاته قال: رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً «٢» أي فأقبل يمسحها مسحا. وفي معناه قولان: أحدهما أنه أقبل يمسح سوقها وأعناقها بيده إكراما منه لها، وليري أن الجليل لا يقبح به أن يفعل مثل هذا بخيله.
وقال قائل هذا القول: كيف يقتلها وفي ذلك إفساد المال ومعاقبة من لا ذنب له؟ وقيل المسح هاهنا القطع أذن له في قتلها. والسّوق جمع ساق مثل دار ودور، وفي أقلّ العدد أسوق. والساق مؤنّثة.
[سورة ص (٣٨) : آية ٣٤]
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (٣٤)
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ أي اختبرناه بما يثقل عليه وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً قيل يعني به ولدا له ميّتا. وذلك أنه طاف على جواريه، وقال: أرجو أن تلد كلّ واحدة منهم ذكرا، وفي الحديث أنه لم يقل إن شاء الله فلم تحمل إلّا واحدة منهن، ومات الولد وألقي على كرسيّه فتنة على محبّة الدّنيا، والرغبة فيها، واستدعاء الولد، وأنه لا ينبغي أن يكون كذا ثُمَّ أَنابَ أي رجع عما كان عليه. وقد قيل: جسد شيطان.
[سورة ص (٣٨) : آية ٣٥]
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥)
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي قيل: ليس في هذا دليل على أنّ ذلك الفعل منه ذنب، لأنه قد يكون له أن يستغفر مما عمله قبل النبوة أو يستغفر مما يعرض له.
[سورة ص (٣٨) : آية ٤٠]
وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠)
(٢) انظر البحر المحيط ٧/ ٣٨٠.
[سورة ص (٣٨) : آية ٤١]
وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (٤١)
وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ على البدل. إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ وقرأ عيسى ابن عمر (إنّي) «١» بكسر الهمزة. قال الفراء «٢» : واجتمعت القراء على أن قرءوا «بنصب» بضم النون والتخفيف. وهذا غلط ويعدّ مناقضة أيضا، لأنه قال: اجتمعت القراء على هذا، وحكي بعده أنهم ذكروا عن يزيد بن القعقاع أنه قرأ (بنصب) «٣» بفتح النون والصاد فغلط على أبي جعفر، وإنّما قرأ أبو جعفر (بنصب) بضم النون والصاد، كذا حكاه أبو عبيد وغيره، وهو يروى عن الحسن فأما (بنصب) فهو قراءة عاصم الجحدري ويعقوب الحضرمي وقد رويت هذه القراءة أيضا عن الحسن، وقد حكي (بنصب). وهذا كلّه عند أكثر النحويين بمعنى النّصب. فنصب ونصب كحزن وحزن، وقد يجوز أن يكون نصّب جمع نصب كوثن ووثن، ويجوز أن يكون نصب بمعنى نصب حذفت منه الضمة فأما وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة: ٣] فقيل: إنه جمع نصاب ونصب على أصل المصدر. وقد قيل في معنى مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ: أنه ما يلحقه من وسوسته لا غير، والله أعلم.
[سورة ص (٣٨) : آية ٤٢]
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢)
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ قال الكسائي: أي قلنا، وقال محمد بن يزيد: الرّكض التحريك ولهذا قال الأصمعي: يقال ركضت الدابة ولا يقال: ركضت هي، لأن الركض إنما هو تحريك راكبها برجليه ولا فعل لها في ذلك، وحكى سيبويه: ركضت الدابة فركضت هي مثل جبرت العظم فجبر وحزنته فحزن.
[سورة ص (٣٨) : آية ٤٣]
وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٤٣)
وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ تأوّل هذا مجاهد على أن الله جلّ وعزّ ردّ عليه أهله فأعطاه مثلهم في الآخرة فصار له أهله في الدنيا ومثلهم معهم في الآخرة. فأما ما يروى عن عبد الله بن مسعود لمّا بلغه أن مروان قال: إنّما أعطي عوضا من أهله ولم يعطهم بأعيانهم فقال: ليس كما قال بل أعطي أهله ومثلهم معهم، فتأول هذا القول بعض العلماء على أن الله جلّ وعزّ ردّ عليه من غاب من أهله، وولد له مثل من مات وأعطي من نسلهم مثلهم رَحْمَةً بالنصب على المصدر. قال أبو إسحاق: هو مفعول له
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٤٠٥.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٤٠٥، البحر المحيط ٧/ ٣٨٤.
[سورة ص (٣٨) : آية ٤٤]
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤)
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً أي وقلنا له وخذ بيدك ضغثا. قال: وهي الحزمة من الحشيش وما أشبه ذلك.
[سورة ص (٣٨) : آية ٤٥]
وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥)
وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ على البدل، وقراءة ابن عباس واذكر عبدنا «١» بإسناد صحيح، رواها ابن عيينة عن عمر عن عطاء عنه، وهي قراءة ابن كثير. فعلى هذه القراءة يكون إِبْراهِيمَ بدلا من عبدنا، وإسحاق ويعقوب على العطف. والقراءة بالجمع أبين، وشرح هذا من العربية أنك إذا قلت: رأيت أصحابنا زيدا أبين، وشرح هذا من العربية أنك إذا قلت: رأيت أصحابنا زيدا وعمرا وخالدا، فزيد وعمرو وخالد بدل منهم، فزيد وحده بدل، وهو الصاحب، وعمرو وخالد عطف على صاحبنا وليسا بداخلين في المصاحبة إلّا بدليل غير هذا غير أنه قد علم أن قوله جلّ وعزّ «وإسحاق ويعقوب» داخل في العبودية أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ فأما وَالْأَبْصارِ فمتّفق على تأويلها أنها البصائر في الدين، وأما الْأَيْدِي «٢» فمختلف في تأويلها فأهل التفسير يقولون:
إنها القوة في الدين، وقوم يقولون: الأيدي جمع يد، وهي النعمة أي هم أصحاب النعم أي الذين أنعم الله عليهم، وقيل: هم أصحاب النعم والإحسان لأنهم قد أحسنوا وقدموا خيرا.
[سورة ص (٣٨) : آية ٤٦]
إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦)
ذِكْرَى في موضع خفض إلّا أن فيها ألف التأنيث وخفضها بالإضافة وقراءة الكوفيين بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ «٣» على البدل. وهذا بدل المعرفة من النكرة أَخْلَصْناهُمْ جعلناهم مخلصين ومخلصين من الأدناس قد أخلصوا العمل لله جلّ وعزّ يذكرون الدار، وهي الآخرة، ويذكرونها لا يريدون بذلك الدنيا ولا التعمّل لأهلها.
[سورة ص (٣٨) : آية ٤٧]
وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧)
أي من الذين اصطفيناهم من الأدناس ومصطفين جمع مصطفى زدت على
(٢) انظر البحر المحيط ٧/ ٣٨٥.
(٣) انظر البحر المحيط ٧: ٣٨٥، وتيسير الداني ١٥٢.
هيّن وهين وليّن ولين.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٤٩ الى ٥٠]
هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (٥٠)
هذا ذِكْرٌ مبتدأ وخبره. والمعنى هذا ذكر جميل في الدنيا. وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ أي مع هذا الذكر الجميل في الدنيا حسن المرجع يوم القيامة ثم بيّن بقوله جلّ وعزّ: جَنَّاتِ عَدْنٍ والعدن في اللغة الإقامة يقال: عدن بالمكان إذا أقام به غير أن عبد الله بن عمر قال: جنّة عدن: قصر في الجنّة، له خمسة آلاف باب، على كل باب خمسة آلاف خيّرة لا يدخله إلّا نبيّ أو صديق أو شهيد مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ رفعت الأبواب لأنها اسم ما لم يسمّ فاعله، وأجاز الفراء «مفتحة لهم الأبواب» على أن مفتّحة للجنات، وأنشد هو وسيبويه: [الوافر] ٣٨١-
وما قومي بثعلبة بن سعد | ولا بفزارة الشّعر الرّقابا «١» |
ونأخذ بعده بذناب عيش | أجبّ الظهر ليس له سنام «٢» |
مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (٥١)
مُتَّكِئِينَ فِيها نصب لأنه نعت للجنات.
[سورة ص (٣٨) : آية ٥٢]
وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (٥٢)
نعت لقاصرات لأن قاصرات نكرة وإن كان مضافا إلى معرفة، والدليل على ذلك أن الألف واللام يدخلانه، كما قال الشاعر: [الطويل] ٣٨٣-
من القاصرات الطّرف لو دبّ محول | من الذّرّ فوق الإتب منها لأثّرا «٣» |
(٢) مرّ الشاهد رقم (١٧٩). [.....]
(٣) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ص ٦٨، ولسان العرب (قصر) و (حول)، ومقاييس اللغة ١/ ٥٣، وتاج العروس (قصر) و (حول)، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ٨/ ٣٥٩.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٤٠٨.
[سورة ص (٣٨) : آية ٥٥]
هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥)
هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ والتقدير الأمر هذا لَشَرَّ مَآبٍ اسم إن.
[سورة ص (٣٨) : آية ٥٦]
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (٥٦)
جَهَنَّمَ بدل من شرّ.
[سورة ص (٣٨) : آية ٥٧]
هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧)
هذا في موضع رفع بالابتداء وخبره حميم على التقديم والتأخير أي هذا حميم وغسّاق فليذوقوه. ويجوز أن يكون «هذا» في موضع رفع بالابتداء وفليذوقوه في موضع الخبر. ويجوز أن يكون المعنى الأمر هذا وحميم وغساق إذا لم تجعلهما خبرا فرفعهما على معنى: هو حميم وغساق. والفراء يرفعهما بمعنى هو حميم وغساق، وأنشد:
[البسيط] ٣٨٤-
حتّى إذا ما أضاء الصّبح في غلس | وغودر البقل ملويّ ومحصود «١» |
قال مجاهد: غسّاق بارد، وعن غير مجاهد أنه يحرق ببرده كما يحرق الحميم بحره.
وقال قتادة: هو ما يسيل من بين جلودهم ولحمهم. قال أبو جعفر: وسمعت علي بن سليمان يقول: يقال: غسقت عينه إذا سالت، فغسّاق بالتشديد أولى، كما تقول:
سيّال. قال أبو جعفر: وقد خالف في هذا غيره من رؤساء النحويين لأنه إذا قال:
غسّاق جعله نعتا لغير معروف بعينه، وهذا بعيد في العربية فإذا قال: غسّاق فهو اسم، وهو أولى من أن يقام النعت مقام المنعوت ويحذف المنعوت.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٥٩ الى ٦٠]
هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩) قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠)هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ ابتداء وخبره أي مقتحم معكم النار. والتقدير: يقال لهم:
هذا فوج يدخل معكم النار فيقول الذين في النار لا مَرْحَباً بِهِمْ و «مرحبا» منصوب على المصدر وبمعنى لا أصبت رحبا أي سعة. قال الفوج: بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا أي دعوتمونا إلى العصيان. فَبِئْسَ الْقَرارُ أي استقرارنا.
[سورة ص (٣٨) : آية ٦١]
قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١)
قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا «١» قال الفراء «٢» : أي من شرّع لنا هذا وسنّه، وقال غيره:
أي من قدّم لنا هذا العذاب بدعائه إيّانا إلى المعاصي. فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ أي عذابا بكفره وعذابا بدعائه إيّانا فصار ذلك ضعفا.
[سورة ص (٣٨) : آية ٦٢]
وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢)
وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا (ما) في موضع رفع ولا نَرى في موضع نصب على الحال.
[سورة ص (٣٨) : آية ٦٣]
أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣)
أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا بضم السين قراءة الحسن ومجاهد وأبي جعفر وشيبة ونافع وعاصم وابن عامر على الاستفهام وسقطت ألف الوصل لأنه قد استغني عنها، وقرأ ابن كثير والأعمش وأبو عمرو وحمزة والكسائي اتّخذناهم على أنها ألف وصل في اتّخذناهم، يكون «اتخذناهم» نعتا للرجال، وأبو عبيد وأبو حاتم يميلان إلى هذه القراءة واحتجّا جميعا بأن الذين قالوا هذا قد علموا أنهم اتّخذوهم سخريّا فكيف يستفهمون فالا وقد تقدم الاستفهام. قال أبو جعفر: هذا الاحتجاج لا يلزم، ولو كان واجبا لوجب في مالنا، ولكن الاستفهام هاهنا على ما قاله الفراء «٣» «٤» فيه. قال: هو بمعنى التوبيخ والتعجب الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ إذا قرأت بالاستفهام كانت أم للتسوية، وإذا كانت بغير استفهام فهي بمعنى أبل.
[سورة ص (٣٨) : آية ٦٤]
إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤)
بمعنى هو تخاصم، ويجوز أن يكون بدلا من الحقّ، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر، ويجوز أن يكون بدلا من ذلك على الموضع.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٤١١.
(٣) انظر تيسير الداني ١٥٢.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٤١١.
[سورة ص (٣٨) : آية ٦٥]
قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٦٥)قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ مبتدأ وخبره وكفّت «ما» «أن» عن العمل وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ «من» زائدة للتوكيد. قال أبو إسحاق: ولو قرئ بالنصب إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ جاز على الاستثناء.
[سورة ص (٣٨) : آية ٦٦]
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٦٦)
على النعت، وأن نصبت الأول نصبت، ويجوز رفع الأول ونصب ما بعده على المدح.
[سورة ص (٣٨) : آية ٦٧]
قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧)
أي القرآن خبر جليل، وقيل: المعنى عظيم المنفعة، وقال أبو إسحاق: هذا الخبر نبأ عظيم.
[سورة ص (٣٨) : آية ٦٨]
أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (٦٨)
أي لا تقبلونه.
[سورة ص (٣٨) : آية ٦٩]
ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩)
قال أبو جعفر: قد بينا معناه «١».
[سورة ص (٣٨) : آية ٧٠]
إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠)
«أنّ» في موضع رفع لأنها اسم ما لم يسمّ فاعله، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى إلّا لأنما.
[سورة ص (٣٨) : آية ٧٢]
فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢)
فَإِذا سَوَّيْتُهُ إذا تردّ الماضي إلى المستقبل لأنها تشبه حروف الشرط وجوابها كجوابه ساجِدِينَ على الحال.
[سورة ص (٣٨) : آية ٧٥]
قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥)
أَسْتَكْبَرْتَ على التوبيخ، ومن وصل الألف جعله خبرا أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ. قال ابن عباس: كان في علم الله من الكافرين.
[سورة ص (٣٨) : آية ٧٦]
قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦)قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ مبتدأ وخبره. قال الفراء: ومن العرب من يقول: أنا أخير منه وأشرّ منه. وهذا هو الأصل إلّا أنه حذفت الألف منه لكثرة الاستعمال.
[سورة ص (٣٨) : آية ٧٧]
قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧)
قالَ فَاخْرُجْ مِنْها قيل: يعني من الجنة. فَإِنَّكَ رَجِيمٌ أي مرجوم بالكواكب والشهب.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٧٩ الى ٨١]
قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١)
قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ وهو يوم القيامة فلم يجب إلى ذلك وأخّر إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ وهو يوم يموت الخلق فيه فأخّر إليه تهاونا به وأنه لا يصل إلّا لي الوسوسة، ولا يفسد إلّا من كان لا يصلح لو لم يوسوسه.
[سورة ص (٣٨) : آية ٨٢]
قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢)
أي لاستدعينّهم إلى المعاصي التي يغوون من أجلها أي يخيبون.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٨٤ الى ٨٧]
قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧)
قال الحقّ «١» والحقّ أقول هذه قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة والكسائي، وقرأ ابن عباس ومجاهد وعاصم والأعمش وحمزة قالَ فَالْحَقُّ «٢» وَالْحَقَّ أَقُولُ برفع الأول وفتح الثاني، وأجاز الفراء «٣» «قال فالحقّ والحقّ أقول» بخفض الأول ولا اختلاف في الثاني أنه منصوب بأقول ونصب الأول على الإغراء أي فاتّبعوا الحق واستمعوا الحق. وقيل بمعنى أحقّ أي أفعله، وأجاز الفراء وأبو عبيد أن يكون الحقّ منصوبا بمعنى حقّا لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ وذلك عند جماعة من النحويين خطأ لا يجوز: زيدا لأضربنّ لأن ما بعد اللام مقطوع مما قبلها. ومن رفع الحق رفعه بالابتداء أي فأنا الحقّ أو والحقّ منّي ورويا جميعا عن مجاهد يجوز أن يكون التقدير: هذا الحق. وفي الخفض قولان: أحدهما أنه على حذف حرف القسم، هذا قول الفراء، قال كما تقول:
(٢) انظر تيسير الداني ١٥٢، والبحر المحيط ٧/ ٣٩٣.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٤١٣.
[الطويل] ٣٨٥-
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع | فالهيتها عن ذي تمائم محول «١» |
[سورة ص (٣٨) : آية ٨٨]
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨)
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ أي نبأ القرآن حق بعد حين. قال أبو إسحاق: أي بعد الموت.
وقال الفراء: بعد الموت وقبله أي سيتبيّن ذلك.