تفسير سورة التوبة

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة التوبة من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ
٩ شرح إعراب سورة براءة
[سورة التوبة (٩) : آية ١]
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١)
من ذلك قوله جلّ وعزّ بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ.
رفع بالابتداء، والخبر إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وحسن الابتداء بالنكرة لأنها قد وصلت، ويجوز أن ترفع براءة على أنها خبر ابتداء محذوف. يقال: برئت من العهد والدّين والرجل براءة، وبرأت من المرض أبرأ، ولا يعرف فعلت أفعل مما لامه همزة إلا هذا ويقال: برئت من المرض أبرأ برءا وبرءوا، وبريت القلم وأبريت الناقة جعلت في أنفها برة. وهي حلقة من حديد، فإن كانت من خشب فهي خشاش، وإن كانت من شعر فهي خزامة. والوقف براءه بالهاء. قال سيبويه: أرادوا أن يفرقوا بين هذه التاء والتاء التي هي من نفس الحرف نحو تاء القت. قال: وزعم أبو الخطاب أنّ ناسا من العرب يقولون: طلحت كما فعلوا بتاء الجميع. مِنَ اللَّهِ فتحت النون لالتقاء الساكنين هذه اللغة الفصيحة، وللنحويين فيها أقوال: قال الكسائي: أصل (من) منا حذفوا الألف وأبقوا الفتحة، وقيل: كرهوا الجمع بين كسرتين فحركوها في أكثر المواضع بالفتح.
قال أبو جعفر: وأحسن ما قيل في هذا قول سيبويه «١» قال: لمّا كثر استعمالهم لها ولم يكن فعلا وكان الفتح أخفّ عليهم فتحوا وشبهوها بأين وكيف. قال سيبويه: وناس من العرب يكسرون فيقولون: من الله على القياس. قال أبو حاتم: زعم هارون أن أبا عمرو بن العلاء قرأ براءة من الله إلى الذين عاهدتم «٢» وإن شئت قلت: عاهدتمو على الأصل والحذف لأن الواو ثقيلة.
[سورة التوبة (٩) : آية ٢]
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢)
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ قال الكسائي: المصدر سيوحا وسيحانا وسياحة. قال الفراء:
وساح الماء سيحا. أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أثبت الهاء فرقا بين المذكر والمؤنث. قال أبو جعفر:
(١) انظر الكتاب ٤/ ٢٦٥.
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ٥١.
وقد ذكرناه، وذكرنا ما هذه الشهور «١». وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ في موضع نصب باعلموا وإن شئت قلت: أنّكمو كما تقدّم غير معجزي الله حذفت النون للإضافة. ويجوز على قول سيبويه أن تحذفها لالتقاء الساكنين وتنصب.
[سورة التوبة (٩) : آية ٣]
وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣)
وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ عطف على براءة. يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ظرف وقد ذكرنا ما قيل فيه، والحجّ الأصغر العمرة. أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ في موضع نصب، والتقدير «بأن الله»، ومن قرأ إنّ الله قدّره بمعنى قال إنّ الله، بَرِيءٌ خبر. وَرَسُولِهِ عطف على الموضع، وإن شئت على المضمر كلاهما حسن لأنه قد طال الكلام، وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ «٢» عطف على اللفظ.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤ الى ٥]
إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)
إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ في موضع نصب بالاستثناء.
قال الأخفش التقدير واقعدوا لهم على كل مرصد وحذفت «على» قال أبو جعفر:
قد حكى سيبويه: ضرب الظهر والبطن، بحذف «على» إلّا أنّ كُلَّ مَرْصَدٍ نصبه على الظرف جيّد كما تقول:
[سورة التوبة (٩) : آية ٦]
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦)
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ أي من القتل وأَحَدٌ مرفوع بإضمار فعل كالذي بعده وهذا حسن في «إن» وقبيح في أخواتها، ومذهب سيبويه في الفرق بين إن وأخواتها أنها لمّا كانت أمّ حروف الشرط لأنها لا تكون لغيره خصّت بهذا، وقال محمد بن يزيد: أما قوله لأنها لا تكون في غيره فغلط لأنها تكون بمعنى «ما»،
(١) انظر البحر المحيط ٥/ ٨٠.
(٢) انظر البحر المحيط ٤/ ٨.
وزائدة، ومخففة من الثقيلة ولكنها مبهمة وليس كذا غيرها وأنشد سيبويه: [الكامل] ١٧٧-
لا تجزعي إن منفسا أهلكته وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي «١»
ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ مفعولان حذف من أحدهما الحرف والجمع مآمن.
[سورة التوبة (٩) : آية ٧]
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧)
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ اسم يكون إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ استثناء. قال محمد بن إسحاق: هم بنو بكر.
[سورة التوبة (٩) : آية ٨]
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨)
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ قال الأخفش سعيد: أضمر، أي كيف لا تقتلونهم والله أعلم، وقال أبو إسحاق: المعنى كيف يكون لهم عهد ثم حذف كما قال:
[الطويل] ١٧٨-
وخبرتماني أنّما الموت بالقرى فكيف وهذا هضبة وكثيب «٢»
قال: التقدير وكيف مات لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وبعده لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وليس هذا تكريرا ولكن الأول لجميع المشركين والثاني لليهود خاصة، والدليل على هذا قوله: اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا يعني اليهود باعوا حجج الله جلّ وعزّ وبيانه بطلب الرئاسة وطمع في شيء وجمع إل آلال في القليل، والكثير ألال، وذمّة وذمم.
[سورة التوبة (٩) : آية ١١]
فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١)
فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ أي فهم إخوانكم.
(١) الشاهد للنمر بن تولب في الكتاب ١/ ١٨٨، وديوانه ٧٢، وتخليص الشواهد ٤٩٩، وخزانة الأدب ١/ ٣١٤، وسمط اللآلي ٤٦٨، وشرح أبيات سيبويه ١/ ١٦٠، وشرح شواهد المغني ١/ ٤٧٢، وشرح المفصّل ٢/ ٣٨، ولسان العرب (نفس) و (خلل)، والمقاصد النحوية ٢/ ٥٣٥، وبلا نسبة في الأزهيّة ص ٢٤٨، والأشباه والنظائر ٢/ ١٥١، والجنى الداني ٧٢، وجواهر الأدب ٦٧، وخزانة الأدب ٣/ ٣٢، والردّ على النحاة ١١٤، وشرح الأشموني ١/ ١٨٨، وشرح ابن عقيل ٢٦٤، ومغني اللبيب ١/ ١٦٦، والمقتضب ٢/ ٧٦.
(٢) الشاهد لكعب بن سعد الغنوي في اللسان (قول) و (هذا)، وبلا نسبة في شرح المفصل ٣/ ١٣٦، وتفسير الطبري ١٠/ ٨٣.

[سورة التوبة (٩) : آية ١٢]

وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢)
فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ جمع إمام، والأصل أأممة كمثال وأمثلة ثم أدغمت الميم في الميم، وقلبت الحركة على الهمزة همزتان فأبدلت من الثانية ياء، وزعم الأخفش أنّك تقول: هذا أيمّ من هذا بالياء. قال المازني: أومّ بالواو. وقرأ حمزة فقاتلوا أامّة الكفر «١». فأكثر النحويين يذهب إلى أنّ هذا لحن لا يجوز لأنه جمع بين همزتين في كلمة واحدة، وزعم أبو إسحاق أنه جائز على بعد، قال: لأنه قد وقع في الكلمة علّتان الإدغام والتضعيف فلمّا ألقيت حركة الميم على الهمزة تركت الهمزة لتدلّ بحركتها على ذلك.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٣]
أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣)
أَلا تُقاتِلُونَ توبيخ وفيه معنى التحضيض.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٤ الى ١٥]
قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥)
قاتِلُوهُمْ أمر. يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ جوابه وهو جزم بمعنى المجازاة، والتقدير إن تقاتلوهم يعذّبهم الله. بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ.
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ كلّه عطف، ويجوز فيه كله الرفع على القطع من الأول ويجوز النصب على إضمار أن وهو محمول على المعنى، والكوفيون يقولون على الصرف كما قال: «٢» [الوافر] ١٧٩-
فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع النّاس والشّهر الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش أجبّ الظّهر ليس له سنام
وإن شئت رفعت ونأخذ وإن شئت نصبته. وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ القراءة بالرفع لأنه ليس من جنس الأول لأن القتال غير موجب لهم التوبة من الله جلّ وعزّ وهو
(١) انظر تيسير الداني ٩٦، قراءة الكوفيين وابن عامر (أئمة) بهمزتين، وأدخل هشام بينهما ألفا، وقراءة الباقين بهمزة وياء مختلسة الكسرة من غير مدّ.
(٢) الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٠٦، والأغاني ١١/ ٢٦، وخزانة الأدب ٧/ ٥١١، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٢٨، والكتاب ١/ ٢٥٨، وشرح المفصّل ٦/ ٨٣، والمقاصد النحوية ٣/ ٥٧٩، وبلا نسبة في أسرار العربية ٢٠٠، والأشباه والنظائر ٦/ ١١، والاشتقاق ص ١٠٥، وأمالي ابن الحاجب ١/ ٤٥٨، والإنصاف ١/ ١٣٤، وشرح الأشموني ٣/ ٥٩١، وشرح عمدة الحافظ ٣٥٨، ولسان العرب (حبب)، و (ذنب)، والمقتضب ٢/ ١٧٩.
موجب لهم العذاب والخزي وشفاء صدور المؤمنين وذهاب غيظ قلوبهم، ونظيره فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ تم الكلام ثم قال وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ [الشورى: ٢٤] وقرأ ابن أبي إسحاق ويتوب الله «١» بالنصب وكذا روي عن عيسى والأعرج. وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ابتداء وخبر.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٦]
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦)
أَمْ حَسِبْتُمْ خروج من شيء إلى شيء. أَنْ تُتْرَكُوا في موضع المفعولين على قول سيبويه، وعند أبي العباس أنه قد حذف الثاني، وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ جزم بلمّا وإن كانت «ما» زائدة فإنّها عند سيبويه تكون جوابا لقولك قد فعلت وكسرت الميم لالتقاء الساكنين. قال الفراء وَلِيجَةً بطانة من المشركين يتخذونهم ويفشون إليهم أسرارهم ويعلمونهم أمورهم.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٧]
ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧)
أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ اسم كان. شاهِدِينَ على الحال. وأُولئِكَ ابتداء.
حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ الخبر.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٨]
إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)
إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ (ما) كافة والفعل متقدّم لأنه لمن. وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ حذفت الألف للجزم. قال سيبويه: واعلم أنّ الآخر إذا كان يسكن في الرفع حذف في الجزم لئلّا يكون الجزم بمنزلة الرفع. فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ وعسى من الله جلّ وعزّ واجبة.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٩]
أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩)
أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ التقدير في العربية أجعلتم أصحاب سقاية الحاجّ وقيل:
التقدير كإيمان من آمن بالله وجعل الاسم موضع المصدر إذ علم معناه مثل: إنّما
(١) انظر البحر المحيط ٥/ ١٩. [.....]
السخاء حاتم وإنّما الشعر زهير. وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف:
٨٢] وقرأ أبو وجزة أجعلتم سقاة الحاجّ وعمرة المسجد الحرام «١» سقاة جمع ساق والأصل فيه سقية على فعلة كذا الجمع المعتلّ من هذا نحو قاض وقضاة وناس ونساة فإن لم يكن معتلا جمع على فعلة نحو ناسئ ونسأة للذين كانوا ينسئون الشهور.
[سورة التوبة (٩) : آية ٢٠]
الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠)
الَّذِينَ آمَنُوا في موضع رفع بالابتداء، وخبره أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ، ودَرَجَةً على البيان.
[سورة التوبة (٩) : آية ٢٢]
خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢)
خالِدِينَ نصب على الحال.
[سورة التوبة (٩) : آية ٢٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ مفعولان. إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ أي لا تطيعوهم ولا تختصّوهم.
[سورة التوبة (٩) : آية ٢٤]
قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤)
قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ اسم «كان» وما بعده معطوف عليه. أَحَبَّ إِلَيْكُمْ خبر كان ويجوز في غير القرآن رفع «أحبّ» على الابتداء والخبر واسم كان مضمر فيها، وأنشد سيبويه: [الطويل] ١٨٠-
إذا متّ كان النّاس صنفان شامت وآخر مثن بالّذي كنت أصنع «٢»
وأنشد سيبويه: [البسيط] ١٨١-
هي الشّفاء لدائي لو ظفرت بها وليس منها شفاء الدّاء مبذول «٣»
(١) هذه قراءة ابن الزبير والباقر وأبي حيوة، انظر البحر المحيط ٥/ ٢٢.
(٢) الشاهد للعجير السلولي في الكتاب ١/ ١١٨، والأزهيّة ص ١٩٠، وتخليص الشواهد ٢٤٦، وخزانة الأدب ٩/ ٧٢، والدرر ١/ ٢٢٣، وشرح أبيات سيبويه ١/ ١٤٤، والمقاصد النحوية ٢/ ٨٥، ونوادر أبي زيد ص ١٥٦، وبلا نسبة في أسرار العربية ١٣٦، واللمع في العربية ص ١٢٢، وهمع الهوامع ١/ ٦٧.
(٣) الشاهد لهشام أخي ذي الرمة في الكتاب ١/ ١١٩، وشرح شواهد المغني ٢/ ٧٠٤، ولهشام بن عقبة في الأزهية ص ١٩١، والأشباه والنظائر ٥/ ٨٥، وتذكرة النحاة ١٤١، والدرر ٢/ ٤٢، ولذي الرمّة في شرح أبيات سيبويه ١/ ٤٢١، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ٢/ ٨٦٨، ورصف المباني ٣٠٢، وشرح المفصّل ٣/ ١١٦، والمقتضب ٤/ ١٠١، وهمع الهوامع ١/ ١١١.

[سورة التوبة (٩) : آية ٢٥]

لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥)
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ قال الفراء «١» : لم ينصرف مواطن لأنه جمع ليس لها نظير في المفرد وليس لها جماع، إلّا أن الشاعر ربما اضطرّ فجمع وليس يوجد في الكلام ما يجوز في الشعر، وأنشد: [الرجز] ١٨٢-
فهنّ يعلكن حدائداتها «٢»
قال أبو جعفر: رأيت أبا إسحاق يتعجّب من هذا قال: أخذ قول الخليل رحمه الله وأخطأ فيه لأن الخليل يقول لم ينصرف لأنه جمع لا نظير له في الواحد ولا يجمع جمع التكسير فأما بالألف والتاء فلا يمتنع.
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ظرف أي ونصركم يوم حنين. وانصرف حنين لأنه مذكر اسم واد ومن العرب من لا يجريه يجعله اسما للبقعة، فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ حذفت الياء للجزم.
[سورة التوبة (٩) : آية ٢٦]
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦)
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي أنزل عليهم ما يسكّنهم ويذهب خوفهم حتى اجترءوا على قتال المشركين. وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وهم الملائكة يقوّون المؤمنين بما يلقون في قلوبهم من الخواطر والتثبيت ويضعفون الكافرين بالتجبين لهم من حيث لا يرونهم ومن غير قتال لأن الملائكة صلوات الله عليهم لم تقاتل إلا في يوم بدر.
[سورة التوبة (٩) : آية ٢٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨)
إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ابتداء وخبر. فَلا يَقْرَبُوا نهي فلذلك حذفت منه النون.
[سورة التوبة (٩) : آية ٣٠]
وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠)
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٤٢٨.
(٢) الشاهد بلا نسبة في معاني الفراء ١/ ٤٢٨، وتاج العروس (حدد) وللسان العرب (حدد).
وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ للنحويين في هذا أقوال: فمن أحسنها أنه مرفوع على إضمار مبتدأ والتقدير صاحبنا عزير، وأنشد الأخفش: [الطويل] ١٨٣-
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا شعيب بن سهم أم شعيب بن منقر «١»
ويجوز أن يكون عُزَيْرٌ رفع بالابتداء وابْنُ خبره، ويحذف التنوين لالتقاء الساكنين أجاز سيبويه مثل هذا بعينه، وقول ثالث لأبي حاتم قال: لو قال قائل إنّ عزيرا اسم عجمي فلذلك حذفت منه التنوين. قال أبو جعفر: هذا القول غلط لأن عزيرا اسم عربيّ مشتق قال الله جلّ وعزّ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح: ٩] ولو كان عجميا لانصرف لأنه على ثلاثة أحرف في الأصل ثم زيدت عليه ياء التصغير، وقد قرأ القراء من الأئمة في القراءة واللغة عُزَيْرٌ منوّنا. قرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وأبان بن تغلب وعاصم والكسائي وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وهذا بيّن على الابتداء والخبر وكذا وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وكذا ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ، وقرأ عاصم وطلحة يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا «٢» وجعل الهمزة من الأصل وقدّر ضهيئا فعيلا. وترك الهمز أجود لأنه لا نعلم أحدا من أهل اللغة حكى أنّ في الكلام فعيلا وإذا لم يهمز قدّر ظهياء فعلاء، الهمزة زائدة كما زيدت في شأمل وغرقئ إلا أنه يجوز أن يكون فعيلا لا نظير له كما أن كنهبلا فنعلل لا نظير له كما أن قرنفلا فعنلل لا نظير له.
[سورة التوبة (٩) : آية ٣١]
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ مفعولان. وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ منصوب على إضمار فعل ويجوز أن يكون عطفا.
[سورة التوبة (٩) : آية ٣٢]
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢)
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ جعل البراهين بمنزلة النور لما فيها من البيان.
(١) الشاهد للأسود بن يعفر في ديوانه ٣٧، والكتاب ٣/ ١٩٧، وخزانة الأدب ١١/ ١٢٢، وشرح التصريح ٢/ ١١٣، وشرح شواهد المغني ص ١٣٨، والمقاصد النحوية ٤/ ١٣٨، ولأوس بن حجر في ديوانه ٤٩، وخزانة الأدب ١١/ ١٢٨، وللأسود أو للعين المنقري في الدرر ٦/ ٩٨، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢/ ٤٢١، ولسان العرب (شعث)، والمحتسب ١/ ٥٠، ومغني اللبيب ١/ ٤٢، والمقتضب ٣/ ٢٩٤، وهمع الهوامع ٢/ ٢٣٢.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٣٢، وباقي السبعة بغير همز.
بِأَفْواهِهِمْ جمع فوه على الأصل لأن الأصل في فم فوه مثل حوض وأحواض، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ يقال: كيف دخلت إلّا وليس في الكلام حرف نفي؟ ولا يجوز ضربت إلّا زيدا فزعم الفراء «١» أن «إلّا» إنما دخلت في الكلام طرفا من الجحد، قال أبو إسحاق: الجحد والتحقيق ليسا بذوي أطراف وأدوات الجحد «ما ولا ولم ولن وليس» وهذه لا أطراف لها ينطق بها، ولو كان الأمر كما أراد لجاز كرهت إلا زيدا ولكن الجواب أنّ العرب تحذف مع «أبى» والتقدير ويأبى الله كلّ شيء إلّا أن يتمّ نوره.
قال علي بن سليمان: إنما أجاز هذا في يأبى لأنها منع أو امتناع فضارعت النفي. قال أبو جعفر: وهذا قول حسن كما قال: [الطويل] ١٨٤-
وهل لي أمّ غيرها إن تركتها أبى الله إلّا أن أكون لها ابنما «٢»
[سورة التوبة (٩) : آية ٣٣]
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)
لِيُظْهِرَهُ لام كي أي ليظهره بالحجّة والبراهين وقد أظهره.
[سورة التوبة (٩) : آية ٣٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤)
إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ دخلت اللام على يفعل ولا تدخل على فعل بمضارعة يفعل الأسماء وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ رفع بالابتداء ويجوز أن يكون معطوفا على ما في يأكلون أي ويأكلها الذين يكنزون الذهب والفضة. وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولم يقل ينفقونهما ففيه أربعة أقوال يكون التقدير ولا ينفقون الكنوز، ويكون ولا ينفقون الأموال، ويكون ولا ينفقون الفضة وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه وأنشد سيبويه: [المنسرح] ١٨٥-
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرّأي مختلف «٣»
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٤٣٣.
(٢) الشاهد للمتلمس في ديوانه ص ٣٠، والأصمعيات ص ٣٤٥، وخزانة الأدب ١٠/ ٥٨، والمقاصد النحوية ٤/ ٥٦٨، والمقتضب ٢/ ٩٣، وبلا نسبة في الخصائص ٢/ ١٨٢، وسرّ صناعة الإعراب ١/ ١١٥، وشرح الأشموني ٣/ ٨١٦، وشرح المفصّل ٩/ ١٣٣، والمنصف ١/ ٥٨.
(٣) الشاهد لقيس بن الخطيم في ملحق ديوانه ٢٣٩، والكتاب ١/ ١٢٣، وتخليص الشواهد ص ٢٠٥، والدرر ٥/ ٣١٤، والمقاصد النحوية ١/ ٥٥٧، ولعمرو بن امرئ القيس الخزرجي في الدرر ١/ ١٤٧، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٢٧٩، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١/ ٤٥٣، والصاحبي في فقه اللغة ٢١٨، ومغني اللبيب ٢/ ٦٢٢، وهمع الهوامع ٢/ ١٠٩.
والتقدير الرابع أن يكون ينفقونها للذهب والثاني معطوفا عليه. فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ في موضع خبر الابتداء أي اجعل لهم موضع البشارة عذابا أليما.
[سورة التوبة (٩) : آية ٣٥]
يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥)
يَوْمَ ظرف والتقدير يعذّبون. يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ. فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ اسم ما لم يسمّ فاعله. وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ عطف. هذا ما كَنَزْتُمْ أي يقال لهم.
[سورة التوبة (٩) : آية ٣٦]
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦)
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً اسم «إنّ» وخبرها، وأعربت اثْنا عَشَرَ دون نظائرها لأن فيها حرف الإعراب أو دليله، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ابتداء وخبر وروي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ذلِكَ الدِّينُ أي ذلك القضاء. فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ الأكثر أن يكون هذا للأربعة لأن أكثر ما تستعمل العرب فيما جاوز العشرة «فيها ومنها». وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً مصدر في موضع الحال، قال أبو إسحاق: مثل هذا من المصادر عافاه الله عافية، وعاقبه عاقبة لا يثنّى ولا يجمع وكذا عامّة وخاصّة.
قال: ومعنى كافة معنى محيطين بهم مشتقّ من كفّة الشيء وهي حرفه لأنك إذا بلغت إليه كففت عن الزيادة.
[سورة التوبة (٩) : آية ٣٧]
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٣٧)
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ هكذا يقرأ أكثر الأئمة ولم يرو أحد عن نافع علمناه. إِنَّمَا النَّسِيءُ «١» بلا همز إلا ورش وحده، وهو مشتقّ من نسأه وأنسأه إذا أخره. حكى اللغتين الكسائي، فنسىء بمعنى منسؤ أو منسأ. قال أبو عبيد: وقرأها ابن
(١) قرأ الزهري وحميد وأبو جعفر وورش عن نافع والحلواني (النسيّ) بتشديد الياء من غير همز.
كثير بغير مدّ ولا همز قال أبو حاتم: قرأها ابن كثير بإسكان السين. قال أبو جعفر:
المعروف عن قراءة ابن كثير إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ على فعيل. قرأ أهل الحرمين وأبو عمرو يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا «١» وقرأ الكوفيون يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وقرأ الحسن وأبو رجاء يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا «٢» بضم الياء وكسر الضاد. والقراءات الثلاث كلّ واحدة منها تؤدي عن معنى. وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم «أوتيت جوامع الكلم» «٣» فيضلّ به الذين كفروا، إلّا أنهم يحسبونه فيضلّون به، ويضلّ به الذين كفروا بمعنى المحسوب لهم، ويُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وقد حذف منه المفعول أي يضلّ به الذين كفروا من يقبل منهم. لِيُواطِؤُا نصب بلام كي فَيُحِلُّوا عطف عليه.
[سورة التوبة (٩) : آية ٣٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨)
ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ الأصل تثاقلتم أدغمت التاء في الثاء لقربها منها فاحتجت إلى ألف الوصل لتصل إلى النطق بالساكن، والمعنى:
اثّاقلتم إلى نعيم الأرض وإلى الإقامة بالأرض، والتقدير أرضيتم بنعيم الدنيا من نعيم الآخرة. فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ابتداء وخبر.
[سورة التوبة (٩) : آية ٣٩]
إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩)
إِلَّا تَنْفِرُوا شرط فلذلك حذفت منه النون والجواب يُعَذِّبْكُمْ. وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً عطف. وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ابتداء وخبر.
[سورة التوبة (٩) : آية ٤٠]
إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠)
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ شرط ومجازاة. إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ظرف.
(١) انظر البحر المحيط ٥/ ٤٢، ومعاني الفراء ١/ ٤٣٧.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٤٢، ومختصر ابن خالويه ٥٢.
(٣) أخرجه مسلم في المساجد ٧، ٨، وأحمد في مسنده ٢/ ٢٥٠، ٣١٤، وابن كثير في تفسيره ٤/ ٧٢، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٧/ ١١٣، وأبو نعيم في دلائل النبوة ١/ ١٤، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٢٠٦٨. [.....]
118
ثانِيَ اثْنَيْنِ نصب على الحال أي أخرجوه منفردا من جميع الناس إلا من أبي بكر رضي الله عنه أي أحد اثنين. قال علي بن سليمان: التقدير فخرج ثاني اثنين مثل وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: ١٧]. إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فأشاد جلّ وعزّ بذكر أبي بكر رضي الله عنه، ورفع قدره بخروجه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبذله نفسه ولو أراد أن يهاجر آمنا لفعل، وقوله لا تَحْزَنْ فيه معنى أمنه كما قال لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى [طه: ٦٨] وقال في قصة لوط عليه السلام لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ [العنكبوت: ٣٣] وفي قصة إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم لا تَخَفْ [الذاريات: ٢٨] وقال إِنَّ اللَّهَ مَعَنا أي ينصرنا ويمنع منا فأوجب لأبي بكر رضي الله عنه بهذا التقى والإحسان كما قال جلّ وعزّ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل: ١٢٨]. فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ القول عند أكثر أهل التفسير وأهل اللغة أن المعنى فأنزل الله سكينته على أبي بكر لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد علم أنه معصوم والله جلّ وعزّ أمره بالخروج وأنه ينجيه والدليل على هذا أنه قال لأبي بكر لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فسكن أبو بكر رضي الله عنه، قال الله جلّ وعزّ فأنزل الله سكينته عليه ومعنى الفاء في العربية أن يكون الثاني يتبع الأول، فكما قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تحزن إنّ الله معنا سكن واطمأن، وليس هذا مثل فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [الفتح: ٢٦] لأن هذا في يوم حنين لمّا اضطرب المسلمون خاف النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد علم أنه في نفسه معصوم، فلمّا أيّد الله المؤمنين ورجعوا سكن النبي صلّى الله عليه وسلّم لذلك وزال خوفه الذي لحقه على المؤمنين، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها الهاء تعود على النبي صلّى الله عليه وسلّم فالضميران مختلفان، وهذا كثير في القرآن وفي كلام العرب قال الله جلّ وعزّ أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [العلق: ١١، ١٢، ١٣] ثم قال أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى [العلق: ١٤].
وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى أي وصفها بهذا، وَكَلِمَةُ اللَّهِ ابتداء.
هِيَ الْعُلْيا ابتداء وخبر، والابتداء والخبر خبر الأول، ويجوز أن يكون «العليا» الخبر، و «وهي» فاصلة، وقرأ الحسن ويعقوب وَكَلِمَةُ اللَّهِ «١» بالنصب عطفا على الأول، وزعم الفراء أنّ هذا بعيد. قال: لأنك تقول: أعتق فلان غلام أبيه ولا تقول:
غلام أبي فلان، وقال أبو حاتم نحوا من هذا، قال: كأن يكون وكلمته هي العليا. قال أبو جعفر: الذي ذكره الفقراء لا يشبه الآية ولكن يشبهها ما أنشده سيبويه: [الخفيف] ١٨٦-
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا «٢»
وهذا جيد حسن لأنه لا إشكال فيه بل يقول النحويون الحذّاق: إنّ في إعادة
(١) انظر مختصر ابن خالويه ٥٢، والبحر المحيط ٥/ ٤٦.
(٢) مرّ الشاهد رقم (٧٠).
119
الذّكر في مثل هذا فائدة وهي أنّ فيه معنى التعظيم. قال الله جلّ وعزّ إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها [الزلزلة: ١، ٢] فهذا لا إشكال فيه. وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ابتداء وخبر.
[سورة التوبة (٩) : آية ٤١]
انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١)
انْفِرُوا حكى الأخفش «انفروا»، خِفافاً وَثِقالًا نصب على الحال، وفيه قولان: أحدهما أنه منسوخ بقوله فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ [التوبة:
١٢٢]، والآخر أنه غير منسوخ لأن الجهاد فرض إلّا أنّ بعض المسلمين يحمله عن بعض فإذا وقع الاضطرار وجب الجهاد على كلّ أحد.
[سورة التوبة (٩) : آية ٤٢]
لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢)
لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً خبر كان. وَسَفَراً قاصِداً عطف عليه. لَاتَّبَعُوكَ وهذه الكناية للمنافقين لأنهم داخلون فيمن خوطب بالنفير. وهذا موجود في كلام العرب يذكرون الجملة ثم يأتون بالإضمار عائدا على بعضها كما قيل في قول الله جلّ وعزّ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم: ٧١] إنها القيامة ثم قال جلّ وعزّ: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا [مريم: ٧٢] يعني جلّ وعزّ جهنم. حكى أبو عبيدة «١» :
إنّ الشُّقَّةُ السفر، وحكى الكسائي: إنه يقال: شقّة وشقّة.
[سورة التوبة (٩) : آية ٤٣]
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣)
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ في معناه قولان: أحدهما أنه افتتاح الكلام كما تقول: أصلحك الله كان كذا وكذا، والقول الآخر وهو أولى لأن المعنى عفا الله عنك ما كان من ذنبك في أن أذنت لهم ويدلّ على هذا لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ لأنه لا يقال: لم فعلت ما أمرتك به؟
والأصل «لما» حذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر، وأنّ «ما» قد اتّصلت باللام ولا يوقف عليها إلّا بالهاء لمه.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤٤ الى ٤٥]
لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥)
لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا في موضع نصب. قال
(١) انظر مجاز القرآن ١/ ٢٦٠.
أبو إسحاق: التقدير في أن يجاهدوا، وقال غيره: هذا غلط وإنما المعنى ضدّ هذا ولكن التقدير إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ في التّخلّف لئلّا يجاهدوا، وحقيقته في العربية كراهة أن لا يجاهدوا كما قال جلّ وعزّ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النساء: ٧٦].
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤٦ الى ٤٧]
وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧)
وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ لأنهم قالوا إن يؤذن لنا في الجلوس أفسدنا وحرّضنا على المسلمين ويدلّ على هذا أن بعده لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا، فَثَبَّطَهُمْ الله جلّ وعزّ. وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ يكون التقدير قال لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم ويكون هذا هو الإذن الذي تقدّم ذكره وقيل: المعنى وقال لهم أصحابهم هذا.
يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ مفعول ثان، والمعنى: يطلبون لكم الفتنة أي الإفساد والتحريض، ويقال: بغيته كذا أي أعنته على طلبه وبغيته كذا طلبته له.
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ أي لقد طلبوا الإفساد من قبل أن يظهر أمرهم وينزل الوحي بما أسرّوه وبما سيفعلونه لأنه قال جلّ وعزّ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ [براءة: ٩٥] أخبر بعيبهم وقلّبوا لك الأمور أي دبّروا واحتالوا في التضريب والإفساد.
[سورة التوبة (٩) : آية ٤٩]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي من أذن يأذن فإذا أمرت زدت همزة مكسورة وقبلها همزة هي فاء الفعل ولا يجتمع همزتان فأبدلت من الثانية ياء لكسرة ما قبلها فقلت:
ائذن لي، فإذا وصلت زالت العلّة في الجمع بين همزتين فهمزت فقلت: ومنهم من يقول أذن لي «١» وروى ورش عن نافع ومنهم من يقول اذن لي خفّف «٢» الهمزة.
قال أبو جعفر: يقال: ائذن لفلان ثم ائذن لفلان وهجاء الأول والثاني واحد بألف وباء قبل الذال في الخطّ فإن قلت: ائذن لفلان وأذن لغيره كان الثاني بغير ياء، وكذلك الفاء
(١) انظر البحر المحيط ٥/ ٥٢.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٥٢.
والفرق بين ثم والفاء والواو أنّ ثم يوقف عليها وينفصل والفاء والواو لا يوقف عليها ولا ينفصلان.
[سورة التوبة (٩) : آية ٥٠]
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠)
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ شرط ومجازاة وكذا وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا عطف.
[سورة التوبة (٩) : آية ٥١]
قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١)
قُلْ لَنْ يُصِيبَنا نصب بلن وحكى أبو عبيدة أن من العرب من يجزم بها. وقرأ طلحة بن مصرّف هل يصيبنا «١» وروي عن أعين قاضي الري أنه قرأ قل لن يصبّنا «٢» بنون مشدّدة وهذا لحن لا يؤكّد بالنون ما كان خبرا ولو كان هذا في قراءة طلحة لجاز، قال الله جلّ وعزّ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ [الحج: ١٥]. ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا ما في موضع رفع. هُوَ مَوْلانا ابتداء وخبر، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ جزم لأنه أمر وكسرت اللام الثانية لالتقاء الساكنين، وإن شئت كسرت الأولى على الأصل والتسكين لثقل الكسرة.
[سورة التوبة (٩) : آية ٥٢]
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢)
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا والكوفيون يدغمون اللام في التاء، فأما لام المعرفة فلا يجوز معها إلّا الإدغام كما قال جلّ وعزّ التَّائِبُونَ [التوبة: ١١٢] لكثرة لام المعرفة في كلامهم، ولا يجوز الإدغام في قوله قُلْ تَعالَوْا [الانعام: ١٥١] لأن قل معتلّ يجمعوا عليه علتين. وواحد الْحُسْنَيَيْنِ الحسنى والجمع الحسن ولا يجوز أن ينطق به إلّا معرّفا، لا يقال: رأيت امرأة حسنى. وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ في موضع نصب بنتربّص.
[سورة التوبة (٩) : آية ٥٣]
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (٥٣)
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً مصدر في موضع الحال ولفظ أنفقوا لفظ أمر، ومعناه الشرط والمجازاة. وهكذا تستعمل العرب في مثل هذا تأتي بأو كما: [الطويل]
(١) انظر البحر المحيط ٥/ ٥٢، وهي قراءة ابن مسعود أيضا.
(٢) انظر المختصر لابن خالويه ٥٣، والمحتسب ١/ ٢٩٤.
١٨٧-
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقليّة إن تقلّت «١»
والمعنى: إن أسأت أو أحسنت فنحن لك على ما تعرفين، ومعنى الآية: إن أنفقتم طائعين أو مكرهين فلن يقبل منكم ثم بيّن جلّ وعزّ لم لم يقبل منهم فقال:
[سورة التوبة (٩) : آية ٥٤]
وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ (٥٤)
أَنْ الأولى في موضع نصب والثانية في موضع رفع، والمعنى وما منعهم من أن تقبل منهم نفقاتهم إلا كفرهم، وقرأ الكوفيون أن يقبل منهم نفقاتهم «٢» لأن النفقات والانفاق واحد. قال أبو إسحاق: ويجوز وما منعهم أن يقبل منهم نفقاتهم إِلَّا أَنَّهُمْ بمعنى وما منعهم من أن يقبل الله نفقاتهم إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا فإن الأولى والثانية في موضع نصب ويجوز عند سيبويه أن يكونا في موضع جر.
[سورة التوبة (٩) : آية ٥٧]
لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧)
لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً كذا الوقف عليه وفي الخط بألفين الأولى همزة والثانية عوض من التنوين وكذا رأيت جزأا. أَوْ مَغاراتٍ من غار يغير. قال الأخفش: ويجوز مَغاراتٍ «٣» من أغار يغير كما قال: [البسيط] ١٨٨-
الحمد لله ممسانا ومصبحنا بالخير صبّحنا ربّي ومسّانا «٤»
أَوْ مُدَّخَلًا فيه خمس قراءات «٥» : هذه إحداها، وروي عن قتادة وعيسى والأعمش أَوْ مُدَّخَلًا بتشديد الدال والخاء، وفي حرف أبيّ أو متدخّلا «٦» وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن محيصن أو مدخلا بفتح الميم وإسكان الدال. قال أبو إسحاق: ويقرأ أو مدخلا بضم الميم وإسكان الدال. قال أبو جعفر: الأصل في مدّخل مدتخل، قلبت التاء دالا لأن الدال مجهورة والتاء مهموسة وهما من مخرج
(١) الشاهد لكثير عزّة في ديوانه ص ١٠١، ولسان العرب (سوأ) و (حسن)، و (قلا)، والتنبيه والإيضاح ١/ ٢١، وتهذيب اللغة ٤/ ٣١٨، والأغاني ٩/ ٣٨، وأمالي القالي ٢/ ١٠٩، وتزيين الأسواق ١/ ١٢٤، وتاج العروس (سوأ)، و (قلي).
(٢) انظر تيسير الداني ٩٧.
(٣) وهذه قراءة سعد بن عبد الرحمن بن عوف، انظر البحر المحيط ٥/ ٥٦، ومختصر ابن خالويه ٥٣.
(٤) الشاهد لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص ٦٢، والكتاب ٤/ ٢١٠، وإصلاح المنطق ١٦٦، والأغاني ٤/ ١٣٢، وخزانة الأدب ١/ ٢٤٨، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٣٩٢، وشرح المفصل ٦/ ٥٣، ولسان العرب (مسا)، وبلا نسبة في شرح المفصل ٦/ ٥٠.
(٥) انظر البحر المحيط ٥/ ٥٦، ومختصر ابن خالويه ٥٣.
(٦) في البحر المحيط ٥/ ٥٦ «وقرأ أبيّ مندخلا» بالنون من (اندخل).
واحد، والأصل الأولى في مدّخّل مدتخّل، وقيل الأصل فيه متدخّل على متفعّل، كما في قراءة أبيّ. ومعناه دخول بعد دخول أي قوما يدخلون معهم، ومدخل من دخل، ومدخل من أدخل كذا المصدر والمكان والزمان كما أنشد سيبويه: [الطويل] ١٨٩-
مغار ابن همّام على حيّ خثعما «١»
وَهُمْ يَجْمَحُونَ ابتداء وخبر.
[سورة التوبة (٩) : آية ٥٨]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨)
وقرأ الأعرج ومنهم من يلمزك «٢» بضم الميم والأكثر في المتعدي يفعل بكسر العين.
[سورة التوبة (٩) : آية ٦٠]
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠)
فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ مصدر. وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ابتداء وخبر. قال الفراء «٣» :
ويجوز «فريضة من الله»، بمعنى ذلك فريضة من الله.
[سورة التوبة (٩) : آية ٦١]
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١)
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ الَّذِينَ في موضع رفع. يُؤْذُونَ مهموز لأنه من آذى، وإن شئت خفّفت الهمزة فأبدلت منها واوا. وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ابتداء وخبر وكذا قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ على قراءة الحسن، وقرأ أهل الكوفة قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ وقرءوا وَرَحْمَةٌ خفضا عطف على خير، وهذا عند أهل العربية لأنه قد باعد بين الاسمين وهذا يقبح في المخفوض، والرفع عطفا على أذن، والتقدير قل هو أذن خير وهو رحمة أي هو مستمع خير لكم أي مستمع ما يجب استماعه وقابل ما يجب أن يقبله وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله جلّ وعزّ ويقولون هو أذن قال مستمع
(١) الشاهد لحميد بن ثور في الكتاب ١/ ٢٩٢، والأشباه والنظائر ٢/ ٣٩٤، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٣٤٧، وليس في ديوانه، وللطماح بن عامر كما في حاشية الخصائص ٢/ ٢٠٨، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص ٣٥١، والخصائص ٢/ ٢٠٨، وشرح المفصل ٦/ ١٠٩، ولسان العرب (لحسن) و (علق)، والمحتسب ٢/ ١٢١، وصدره:
«وما هي إلّا في إزار وعلقة» [.....]
(٢) هذه قراءة يعقوب وحماد بن سلمة عن ابن كثير والحسن وأبي رجاء، انظر البحر المحيط ٥/ ٥٧.
(٣) انظر معاني الفراء ١/ ٤٤٤.
وقائل. قال: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ يصدّق بالله ويصدّق المؤمنين. قال أبو جعفر:
فاللام على هذا زائدة عند الكوفيين ومثله هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ [الأعراف: ١٥] وعند محمد بن يزيد متعلّقة بمصدر دلّ عليه الفعل.
[سورة التوبة (٩) : آية ٦٢]
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢)
وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ابتداء وخبر، فيذهب سيبويه أن التقدير والله أحق أن يرضوه ورسوله أحقّ أن يرضوه ثم حذف، وقال محمد بن يزيد ليس في الكلام حذف. والتقدير والله أحق أن يرضوه ورسوله على التقديم والتأخير، وقال الفراء «١» :
المعنى أحقّ أن يرضوه والله افتتاح كلام كما تقول ما شاء الله وشئت. قال أبو جعفر:
وقول سيبويه أولاها لأنه قد صحّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم النهي عن أن يقال ما شاء الله وشئت ولا يقدّر في شيء تقديم ولا تأخير ومعناه صحيح.
[سورة التوبة (٩) : آية ٦٣]
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣)
أَلَمْ يَعْلَمُوا حذفت النون للجزم. أَنَّهُ في موضع نصب بيعلموا والهاء كناية عن الحديث، مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ في موضع رفع بالابتداء. فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ يقال:
ما بعد الفاء في الشرط مبتدأ فكان يجب أن يكون «فإنّ له» بكسر إنّ فللنحويين في هذا أربعة أقوال: مذهب الخليل وسيبويه «٢» أنّ «أن» الثانية مبدلة من الأولى، وزعم أبو العباس «٣» أنّ هذا القول مردود وأنّ الصحيح ما قال الجرمي قال: إنّ الثانية مكررة للتوكيد، ونظيره وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ [النمل: ٥]، وكذا فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها [الحشر: ١٧]. قال الأخفش «٤» : المعنى فوجوب النار له. قال أبو العباس: قول الأخفش هذا خطأ لأنه يبتدئ أنّ ويضمر الخبر. وقال علي بن سليمان: المعنى: فالواجب أنّ له نار جهنم، وأجاز الخليل وسيبويه فإنّ له نار جهنّم بالكسر. قال سيبويه: وهو جيد وأنشد «٥» :[الطويل] ١٩٠-
وعلمي بأسدام المياه فلم تزل قلائص تخدي في طريق طلائح «٦»
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٤٤٥.
(٢) انظر الكتاب ٣/ ١٥٣.
(٣) انظر المقتضب ٢/ ٣٥٦.
(٤) انظر المقتضب ٢/ ٣٥٧.
(٥) البيتان لتميم بن مقبل في ديوانه ٤٥، والكتاب ٣/ ١٥٥، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ١١٦، وشرح الشواهد للشنتمري ١/ ٤٦٧.
(٦) أسدام: جمع سدم: وهو الماء المتغيّر طعمه ولونه لقلّة الواردين. والقلائص: جمع القلوص: الناقة الفتيّة الشابة. والطلائح: جمع الطليحة: الناقة المعيية لطول السفر. وتخدي: تسرع.
وأنّي إذا ملّت ركابي مناخها فإني على حظّي من الأمر جامح «١»
[سورة التوبة (٩) : آية ٦٤]
يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤)
يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ خبر ويدلّ على أنه أنّ بعده إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ لأنهم كفروا عنادا وقيل: هو بمعنى الأمر كما يقال يفعل ذلك. أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ في موضع نصب أي من أن تنزل عليهم، ويجوز على قول سيبويه أن يكون في موضع خفض على حذف «من»، ويجوز أن يكون في موضع نصب على أنها مفعولة لأنّ سيبويه أجاز حذرت زيدا وأنشد: [الكامل] ١٩١-
حذر أمورا لا تضير وآمن ما ليس منجيه من الأقدار «٢»
وهذا عند أبي العباس مما غلط فيه سيبويه ولا يجوز عنده أنا حذر زيدا لأن حذرا شيء في الهيئة فلا يتعدّى. قال أبو جعفر: حدّثنا علي بن سليمان قال: سمعت محمد بن يزيد يقول: حدّثني أبو عثمان المازني قال: قال لي اللاحقي: لقيني سيبويه فقال لي: أتعرف في إعمال فعل شرا؟ ولم أكن أحفظ في ذلك: [الكامل]
حذر أمورا لا تصير وآمن ما ليس منجيه من الأقدار
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٦٥ الى ٦٦]
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ فأعلم الله جلّ وعزّ أنهم قد كفروا فقال: لا تَعْتَذِرُوا أي لا تعتذروا بقولكم إنما كنّا نخوض ونلعب. قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ ثم قال جلّ وعزّ: قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ حذفت الألف للجزم. قال الكسائي: وقرأ زيد بن ثابت إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بالنون ونصب طائفة بنعذّب، وكذا قرأ أبو عبد الرحمن وعاصم، وقرأ الجحدري إن يعف عن طائفة بفتح الياء وضم الفاء يعذّب «٣» بضم الياء وكسر الذال طائِفَةٍ نصب بالفعل. والمعنى إن يعف عن طائفة قد تابت يعذّب طائفة لم تتب. وحكى أهل اللغة منهم الفراء «٤» أنه يقال للواحد: طائفة وأنه يقال: أكلت طائفة من الشّاة أي قطعة.
قال أبو إسحاق: ويروى أن هاتين الطائفتين كانتا ثلاثة اثنان هزئا وواحد ضحك فجاء
(١) الجامح: الماضي على وجهه.
(٢) مرّ الشاهد رقم ١٢١.
(٣) انظر البحر المحيط ٥/ ٦٨.
(٤) انظر معاني الفراء ١/ ٤٤٥.
واحد لطائفة، كما يقال: جاءتني طائفة أي رجل واحد، وتقديره في العربية: جاءتني نفس طائفة.
[سورة التوبة (٩) : آية ٦٧]
الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧)
الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ ابتداء. بَعْضُهُمْ ابتداء ثان ويجوز أن يكون بدلا ويكون الخبر من بعض. قال أبو إسحاق: هذا متّصل بقوله: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ [التوبة: ٥٦] أي ليسوا من المؤمنين ولكن بعضهم من بعض أي متشابهون في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وقبض أيديهم عن الجهاد.
[سورة التوبة (٩) : آية ٦٨]
وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٦٨)
خالِدِينَ نصب على الحال. هِيَ حَسْبُهُمْ ابتداء وخبر.
[سورة التوبة (٩) : آية ٦٩]
كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩)
كَالَّذِينَ قال أبو إسحاق: الكاف في موضع نصب أي وعد الله الكفار نار جهنّم وعدا كما وعد الذين من قبلهم. كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً خبر كان ولم ينصرف لأنه أفعل صفة الأصل فيه أشدد أي كانوا أشدّ منكم قوة فلم يتهيأ لهم دفع عذاب الله جلّ وعزّ فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ أي انتفعوا بنصيبهم من الدنيا كما فعل الذين من قبلهم.
[سورة التوبة (٩) : آية ٧٠]
أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠)
أَلَمْ يَأْتِهِمْ حذف الياء للجزم. نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ رفع بيأتي. قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ بدل، ومن لم يصرف ثمود جعله اسما للقبيلة، وَالْمُؤْتَفِكاتِ قيل يراد به قوم لوط لأن أرضهم ايتفكت بهم أي انقلبت، وقيل: المؤتفكات كلّ من أهلك كما يقال: انقلبت عليه الدنيا.
[سورة التوبة (٩) : آية ٧٢]
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢)
وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ابتداء وخبر أي أكبر من نعيمهم ويجوز في غير القرآن النصب لأن هذا مما وعدوا به.
[سورة التوبة (٩) : آية ٧٣]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣)
جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ كسرت الدال لالتقاء الساكنين والفعل غير معرب ولا يكون فعل الأمر إلا مستقبلا عند جميع النحويين، وكذا سيفعل وسوف يفعل فأما يفعل فقد اختلف فيه النحويون فالبصريون يقولون يكون مستقبلا وحالا. والكوفيون يقولون:
يكون مستقبلا لأن هذه الزوائد إنما جيء بها علامة للاستقبال، وفاعل عند البصريين كيفعل، وهو عند الكوفيين للحال إلّا أن يكون مجازا.
[سورة التوبة (٩) : آية ٧٤]
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٧٤)
وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ يدلّ على أن المنافقين كفار وفي قوله:
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا [المنافقون: ٣] دليل قاطع. وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ (أن) في موضع نصب. فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ شرط ومجازاة، وكذا وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ.
[سورة التوبة (٩) : آية ٧٥]
وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥)
وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ في موضع رفع.
[سورة التوبة (٩) : آية ٧٧]
فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧)
فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً مفعولان. إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ في موضع خفض.
[سورة التوبة (٩) : آية ٧٩]
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩)
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ في موضع رفع بالابتداء والأصل المتطوّعين أدغمت التاء في الطاء. وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ في موضع خفض عطف على المؤمنين ولا يجوز أن يكون عطفا على المطّوّعين لأنك لو عطفت عليهم
لعطفت على الاسم قبل أن يتمّ لأن فَيَسْخَرُونَ عطف على يلمزون. سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ خبر الابتداء.
[سورة التوبة (٩) : آية ٨١]
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١)
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ مفعول من أجله وإن شئت كان مصدرا.
قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ ابتداء وخبر. حَرًّا على البيان.
[سورة التوبة (٩) : آية ٨٢]
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢)
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا أمر فيه معنى التهديد، والأصل أن تكون اللام مكسورة فحذفت الكسرة لثقلها، قَلِيلًا وكَثِيراً نصب على أنهما نعت لظرف أو لمصدر جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ مفعول من أجله للجزاء.
[سورة التوبة (٩) : آية ٨٤]
وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤)
وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ حذفت لأنه مجزوم بلا.
[سورة التوبة (٩) : آية ٨٦]
وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (٨٦)
وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا في موضع نصب أي بأن آمنوا.
[سورة التوبة (٩) : آية ٨٧]
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧)
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ جمع خالفة أي النساء وقد يقال للرجل: خالفة وخالف إذا كان غير نجيب، إلّا أنّ فواعل جمع فاعلة ولا يجمع فاعل صفة على فواعل إلا في الشعر إلّا في حرفين وهما فارس وهالك فأما هالك فعلى المثل وأما فارس فلا يشكل.
[سورة التوبة (٩) : آية ٨٨]
لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨)
لكِنِ الرَّسُولُ ابتداء. وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ عطف عليه. جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ في موضع الخبر.
[سورة التوبة (٩) : آية ٨٩]
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩)
ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ابتداء وخبر.

[سورة التوبة (٩) : آية ٩٠]

وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠)
وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ قرأ الأعرج والضحاك الْمُعَذِّرُونَ «١» ورويت هذه القراءة عن ابن عباس رواها أصحاب القراءات إلّا أنّ مدارها على الكلبي. وهي من أعذر إذا بالغ في العذر. وأما المعذّرون بالتشديد ففيه قولان: قال الأخفش والفراء «٢» وأبو حاتم وأبو عبيد: الأصل المعتذرون ثم أدغمت فألقيت حركة التاء على العين ويجوز عندهم المعذّرون بضمّ العين لالتقاء الساكنين ولأن ما قبلها ضمّة ويجوز المعذّرون الذين يعتذرون ولا عذر لهم. قال أبو العباس محمد بن يزيد: ولا يجوز أن يكون فيه المعتذرين ولا يجوز الإدغام فيقع اللبس وذكر إسماعيل بن إسحاق أن الإدغام مجتنب على قول الخليل وسيبويه وأن سياق الكلام يدلّ أنّهم مذمومون لا عذر لهم. قال لأنهم جاءوا لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ولو كانوا من الضعفاء والمرضى أو الذين لا يجدون ما ينفقون لم يحتاجوا أن يستأذنوا. قال أبو جعفر: أصل المعذرة والإعذار والتعذير من شيء واحد وهو مما يصعب ويتعذّر، وقول العرب «من عذير من فلان» معناه: قد أتى أمرا عظيما يستحقّ أن أعاقبه عليه ولم يعلم الناس به فمن يعذرني إن عاقبته. لِيُؤْذَنَ لَهُمْ نصب بلام كي.
[سورة التوبة (٩) : آية ٩١]
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١)
وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ اسم ليس. ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ في موضع رفع اسم (ما).
[سورة التوبة (٩) : آية ٩٢]
وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢)
وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ الجملة في موضع نصب على الحال. حَزَناً مصدر. أَلَّا يَجِدُوا نصب بأن. قال الفراء «٣» ويجوز «أن لا يجدون» يجعل «لا» بمعنى ليس، فهو عند البصريين بمعنى أنّهم لا يجدون.
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٤٤٨، والبحر المحيط ٥/ ٨٦، وهذه قراءة زيد بن علي وأبي صالح وعيسى بن هلال ويعقوب والكسائي.
(٢) انظر معاني الفراء ١/ ٤٤٨. [.....]
(٣) انظر معاني الفراء ١/ ٤٤٨.

[سورة التوبة (٩) : آية ٩٣]

إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣)
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ أي النساء اللواتي يخلفن أزواجهن.
[سورة التوبة (٩) : آية ٩٧]
الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧)
الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً نصب على البيان. وَنِفاقاً عطف عليه. وَأَجْدَرُ عطف على أشدّ أَلَّا في موضع نصب بأن كما يقال: أنت خليق أن تفعل ولا يجوز أنت خليق الفعل. قال أبو إسحاق: لأن «ما» بعد أن يدلّ على أنّ الفعل مستقبل يجعل الحذف عوضا، وقال غيره: الحذف لطول الكلام.
[سورة التوبة (٩) : آية ٩٨]
وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨)
وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ في موضع رفع بالابتداء. ما يُنْفِقُ مَغْرَماً مفعولان، والتقدير: ينفقه حذفت الهاء لطول الاسم. عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ هذه قراءة أهل الحرمين وأهل الكوفة إلّا أن مجاهدا وأبا عمرو وابن محيصن قرءوا دائِرَةُ السَّوْءِ «١» بضم السين وأجمعوا على فتح السين في قوله جلّ وعزّ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ [مريم: ٢٨] والفرق بينهما- وهو قول الأخفش والفراء: أن السّوء بالضم المكروه.
قال الأخفش: أي عليهم دائرة الهزيمة والشرّ. قال الفراء: أي عليهم دائرة العذاب والبلاء قالا: ولا يجوز امرأ سوء بالضم كما لا يقال: هو امر عذاب ولا شرّ، وحكي عن محمد بن يزيد قال: السوء بالفتح الرداءة قال: وقال سيبويه: مررت برجل صدق.
معناه برجل صلاح، وليس من صدق اللسان ولو كان من صدق اللسان لما قلت:
مررت بثوب صدق ومررت برجل سوء ليس هو من مصدر سؤته سوءا ومساءة وسوائية ومسائية «٢» سؤته، وإنما معناه مررت برجل فساد، وقال الفراء: السّوء بالفتح مصدر سؤته سوءا ومساءة وسوائية ومسائية.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٩٩ الى ١٠٠]
وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)
(١) انظر تيسير الداني ٩٧، ومعاني الفراء ١/ ٤٤٩، والبحر المحيط ٥/ ٩٥.
(٢) انظر معاني الفراء ١/ ٤٥٠.
قُرُباتٍ الواحدة قربة والجمع قرب وقربات وقربات وقد ذكرنا علله.
قال أبو جعفر: قال الأخفش: ويقال: قربة. وحكى ابن سعدان أن يزيد بن القعقاع قرأ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ «١».
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ «٢» رفعا عطفا على السابقين. قال الأخفش: الخفض في الأنصار الوجه لأنه السابقين منهما. أَبَداً ظرف زمان ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ابتداء وخبر.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٠١]
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١)
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ ابتداء أي قوم منافقون. وقد ذكرنا أنّ المنافق مشتقّ من النافقاء، وفي الحديث «المنافق الذي إذا حدّث كذّب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان» «٣». وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ يكون قولك مردوا نعتا للمنافقين، ويجوز أن يكون تقديره ومن أهل المدينة قوم مردوا على النفاق.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٣]
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣)
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وهي الزكاة المفروضة فيما روي وفيها خمسة أوجه: قال أبو إسحاق: الأجود أن تكون المخاطبة للنبي صلّى الله عليه وسلّم أي فإنك تطهّرهم وتزكّيهم بها، ويجوز أن يكون في موضع الحال. قال الأخفش: ويجوز أن تكون للصدقة، ويكون اتَّبَعُوهُمْ توكيدا، ويجوز أن يكون تطهّرهم للصدقة وتزكّيهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والوجه الخامس أن تجزم على جواب الأمر كما قال امرؤ القيس: [الطويل] ١٩٢-
قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان «٤»
(١) انظر البحر المحيط ٥/ ٩٦.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٩٦، وهذه قراءة الحسن وعيسى الكوفي وسلام وسعيد بن أبي سعيد وطلحة ويعقوب والأنصار جميعا.
(٣) أخرجه الترمذي في سننه باب الإيمان ١٠/ ٩٧.
(٤) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ١٧٣ (دار صادر) وعجزه:
«ورسم عفت آياته منذ أزمان»
وَصَلِّ عَلَيْهِمْ فيه جوابان: أحدهما أنه منسوخ بقوله جلّ وعزّ وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً [التوبة: ٨٤]، والآخر أنه غير منسوخ وأنّ المعنى وادع لهم إذا جاءوك بالصدقات، وكذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يفعل والعلماء على هذا ويدلّ عليه إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ أي إذا دعوت لهم حين يأتونك بصدقاتهم سكّن ذلك قلوبهم وفرحوا وبادروا رغبة في دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم. وحكى أهل اللغة جميعا فيما علمناه أن الصلاة في كلام العرب الدعاء، ومنه الصلاة على الجنازة.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٤]
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ فتحت (أنّ) يعلموا، ولو كان في خبرها اللام لكسرتها وهي فاصلة وإن شئت مبتدأة.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٥]
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ هذا من رؤية العين لا غير لأنه لم يتعدّ إلا إلى مفعول واحد.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٦]
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦)
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ معطوف والتقدير ومنهم آخرون مرجئون لأمر الله من أرجأته أخّرته، ومنه قيل: المرجئة لأنهم أخّروا العمل، ومن قرأ مُرْجَوْنَ «١» فله تقديران: أحدهما أن يكون من أرجيته، وحكى لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد قال: لا يقال: أرجيته بمعنى أخّرته ولكن يكون من الرجاء. إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ «إما» في العربية لأحد الأمرين، والله جلّ وعزّ عالم بمصير الأشياء ولكن المخاطبة للعباد على ما يعرفون أي ليكن أمرهم عندكم على الرجاء لأنه ليس للعباد أكثر من هذا.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٧]
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧)
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً معطوف أي: ومنهم الذين اتخذوا مسجدا، ويجوز أن يكون رفعا بالابتداء، ومن قرأ الَّذِينَ بلا واو وهي قراءة المدنيين فهو
(١) انظر البحر المحيط ٥/ ١٠١، وتيسير الداني ٩٧.
عنده رفع بالابتداء لا غير، وفي الخبر قولان: زعم الكسائي أن التقدير: الذين اتخذوا مسجدا لا تقم فيه أبدا أي لا تقم في مسجدهم كما قال: [السريع] ١٩٣-
من باب من يغلق من داخل «١»
قال: يريد من باب من يغلق بابه من داخل. قال أبو جعفر: هذا خطأ عند البصريين ولا يجوز في شعر ولا غيره ولو جاز هذا لقلت: الذي اشتريت عمرو بمعنى الذي اشتريت داره عمرو. قال أبو جعفر: يكون خبر الابتداء لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم. ضِراراً مصدر مفعول من أجله. وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً عطف كله.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٨]
لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨)
لَمَسْجِدٌ ابتداء. أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى نعت. أَحَقُّ خبر الابتداء. أَنْ تَقُومَ فِيهِ في موضع نصب أي بأن تقوم فيه. قال سعيد بن المسيب: المسجد الذي أسّس على التقوى مسجد المدينة الأعظم، وروي عن ابن عباس أنه مسجد قباء، وكذا قال الضحاك وقد ذكرنا الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه سئل عنه فقال: هو مسجدي هذا. فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا قال الشّعبي: هم أهل مسجد قباء أنزل الله جلّ وعزّ فيهم هذا.
قال أبو جعفر: يكون على قول الشعبي فيه لمسجد قباء ويكون الضميران مختلفين، وقد يجوز أن يكونا متّفقين ويكونا لمسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٩]
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩)
أَفَمَنْ أَسَّسَ «٢» بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ من بمعنى الذي وهو في موضع رفع بالابتداء وخبره خَيْرٌ، أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عطف على الأولى، وهذه قراءة زيد بن ثابت وبها قرأ نافع. وفيه أربع قراءات سوى هذه القراءة: قرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع وأبو عمرو وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ بفتح الهمزة ونصب البنيان وهو اختيار أبي عبيد لكثرة من قرأ به وأن الفاعل
(١) الشاهد بلا نسبة في الدرر ١/ ٢٩٨، وهمع الهوامع ١/ ٩٠، وشرح جمل الزجاجي لابن عصفور ١/ ٨٢، ويروى هكذا:
«أعوذ بالله وآياته... من باب من يغلق من خارج»
(٢) هذه قراءة نافع وابن عامر، انظر البحر المحيط ٥/ ١٠٣، وتيسير الداني ٩٨.
سمّي فيه، وقرأ نصر بن عاصم أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ «١» رفع أسسا بالابتداء وخفض بنيانه بالإضافة والخبر عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ والجملة في الصلة وأسس وأسّ بمعنى واحد مثل عرب وعرب. قال أبو حاتم: وقرأ بعض القرّاء افمن أساس بنيانه «٢». قال أبو جعفر: أساس واحد وجمعه أسس، والقراءة الخامسة حكاها أبو حاتم أيضا وهي افمن أساس بنيانه «٣» وهذا جمع أسّ كما يقال: خفّ وأخفاف والكثير أساس مثل خفاف وقال الشاعر: [الخفيف] ١٩٤-
أصبح الملك ثابت الآساس بالبهاليل من بني العبّاس «٤»
خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ مثل الأول. عَلى شَفا والتثنية شفوان والجمع أشفاء وشفيّ وشفيّ وجرف وجرفة هار، والأصل هائر، وزعم أبو حاتم أن الأصل فيه هاور ثم يقال: هائر مثل صائم ثم يقلب فيقال: هار، وزعم الكسائي أنه يكون من ذوات الواو ومن ذوات الياء وأنه يقال: تهوّر وتهيّر. وحكى أبو عبيد أنّ أبا عمرو بن العلا كان يحبّ أن يميل إذا كانت الراء مكسورة بعد ألف فإن كانت مفتوحة أو مضمومة لم يمل. قال أبو جعفر: هذا قول الخليل وسيبويه «٥» والعلّة عندهما في ذلك أنّ الراء إذا كانت مكسورة فكأنّ فيها كسرتين للتكرير الذي فيها فحسنت الإمالة فإذا كانت مفتوحة فكأنّ فيها فتحتين فلا تجوز الإمالة وكذا إذا كانت مضمومة نحو وَبِئْسَ الْقَرارُ [إبراهيم: ٢٩]، وأما «كافر» فإنما أميل لكسرة الفاء.
[سورة التوبة (٩) : آية ١١٠]
لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١١٠)
رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ خبر لا يزال.
[سورة التوبة (٩) : آية ١١١]
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١)
بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ اسم أنّ. وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا مصدران مؤكّدان. وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ مِنَ في موضع رفع بالابتداء وخبره أَوْفى.
(١) انظر البحر المحيط ٥/ ١٠٣، ومختصر ابن خالويه ٥٥.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ١٠٣، ومختصر ابن خالويه ٥٥.
(٣) انظر معاني الفراء ١/ ٤٥٢.
(٤) الشاهد للحافظ ابن حجر في تاج العروس (بهل)، ولسديف بن ميمون في طبقات الشعراء لابن المعتز ٣٩. [.....]
(٥) انظر الكتاب ٤/ ٢٤٨.

[سورة التوبة (٩) : آية ١١٢]

التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢)
التَّائِبُونَ رفع على إضمار مبتدأ عند أكثر النحويين أي هم التائبون وفيه قولان سوى هذا: قال أبو إسحاق يجوز أن يكون بدلا أي يقال التائبون، قال: ويجوز أن يكون رفعا بالابتداء قال: وهو أحسن عندي، ويكون التقدير التائبون لهم الجنة وفي قراءة عبد الله التائبين العابدين الحامدين «١» وفيه تقديران يكون نعتا للمؤمنين في موضع خفض ويكون منصوبا على المدح.
[سورة التوبة (٩) : آية ١١٤]
وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤)
وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ اسم كان، والخبر إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ والموعدة عند العلماء كانت من أبي إبراهيم لإبراهيم عليه السلام. قال أبو إسحاق: يروى أنّه وعده أنّه يسلم فاستغفر له، وقال غيره: لا يجوز أن يكون استغفر له إلّا وقد أسلم ولكنّه وعده أنّه يظهر إسلامه فاستغفر له فلمّا لم يظهره تبيّن له أنّه عدوّ لله فتبرّأ منه. قال أبو إسحاق: لما أقام على الكفر تبيّن له أنه عدو لله، وروى سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: فلمّا تبيّن له أنه عدوّ لله، قال مات كافرا. إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ اسم أنّ وخبرها.
[سورة التوبة (٩) : آية ١١٧]
لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧)
الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ في موضع خفض على النعت للمهاجرين والأنصار، مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ سيبويه «٢» يجوز أن ترفع القلوب بتزيغ ويضمر في كاد الحديث، وإن شئت رفعتها بكاد، ويكون التقدير من بعد ما كان قلوب فريق منهم تزيغ، وزعم أبو حاتم أنّ من قرأ «يزيغ» «٣» بالياء فلا يجوز له أن يرفع القلوب بكاد.
قال أبو جعفر: والذي لم يجزه جائز عند غيره على تذكير الجميع. حكى الفراء:
رحبت البلاد وأرحبت، ورحبت لغة أهل الحجاز.
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٤٥٣، والبحر المحيط ٥/ ١٠٦.
(٢) انظر الكتاب ١/ ١١٩.
(٣) هذه قراءة حمزة وحفص، انظر البحر المحيط ٥/ ١١١، وتيسير الداني ٩٨.

[سورة التوبة (٩) : آية ١١٩]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ أي مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن اتّبعه وروى شعبة عن عمرو بن مرّة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: الكذب ليست فيه رخصة اقرءوا إن شئتم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ أهل ترون في الكذب رخصة لأحد؟
[سورة التوبة (٩) : آية ١٢٠]
ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠)
أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ اسم كان. ذلِكَ في موضع رفع على إضمار مبتدأ أي الأمر ذلك لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ رفع بيصيبهم أي عطش. وَلا نَصَبٌ عطف أي تعب و «لا» زائدة للتوكيد وكذا وَلا مَخْمَصَةٌ أي مجاعة. وَلا يَطَؤُنَ عطف على يصيبهم يَغِيظُ في موضع نصب لأنه نعت لموطئ أي غائظا. وَلا يَنالُونَ قال الكسائي: هو من قولهم أمر منيل وليس من التناول إنّما التناول من نلته بالعطيّة.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٢١]
وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١)
وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً والعرب تقول: واد ووادية، ولا يعرف فيما علمت فاعل وأفعلة سواه، والقياس أن يجمع ووادي فاستثقلوا الجمع بين واوين وهم يستثقلون واحدة حتى قالوا: أقّتت في وقّتت، وقال الخليل وسيبويه: في تصغير واصل اسم رجل أو يصل ولا يقولون غيره، وحكى الفراء في جمع واد أوداء.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٢٢]
وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)
وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً لفظ خبر ومعناه أمر. قال أبو إسحاق:
ويجوز والله أعلم أن تكون هذه الآية تدلّ على أن بعض المسلمين يجزي عن بعض في الجهاد. فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ قال الأخفش: أي فهلّا نفر.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٢٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣)
قرأ أبان بن تغلب وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً «١» وروى المفضل عن الأعمش وعاصم وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً «٢» بفتح الغين وإسكان اللام. قال الفراء: لغة أهل الحجاز وبني أسد «٣» غلظة بكسر الغين ولغة تميم غلظة بضم الغين.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٢٧]
وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧)
يجوز أن يكون صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ دعاء عليهم أي قولوا لهم هذا ويجوز أن يكون خبرا.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٢٨]
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ رفع بجاءكم، عَزِيزٌ عَلَيْهِ نعت وكذا حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ وكذا رَؤُفٌ رَحِيمٌ قال الفراء»
: فلو قرئ: عزيزا عليه ما عنتّم حريصا رؤوفا رحيما، نصبا جاز بمعنى لقد جاءكم كذلك. قال أبو جعفر: عنتّم من قوله: أكمة عنوت إذا كانت شاقّة مهلكة. وأحسن ما قيل في هذا المعنى مما هو موافق لكلام العرب ما حدّثنا به أحمد بن محمد الأزديّ قال: حدّثني عبد الله بن محمد الخزاعي قال: سمعت عمرو بن علي يقول: سمعت عبد الله بن داود الجريبيّ يقول في قول الله جلّ وعزّ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ قال:
إن تدخلوا النار، حريص عليكم؟ قال: إن تدخلوا الجنة.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٢٩]
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)
فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ابتداء وخبر وكذا وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ومن رفع العظيم جعله نعتا لربّ.
(١) انظر البحر المحيط ٥/ ١١٨.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ١١٨.
(٣) انظر البحر المحيط ٥/ ١١٨.
(٤) انظر معاني الفراء ١/ ٤٥٦.
Icon