تفسير سورة سورة التوبة من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن
المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن
.
لمؤلفه
مجير الدين العُلَيْمي
.
المتوفي سنة 928 هـ
في حكم البسملةِ بينَ كلِّ سورتينِ سوى براءةَ عندَ الكلامِ في البسملة أولَ التفسير، ومُلَخَّصُه: أنَّ مذهبَ الشّافعيِّ رضي الله عنه أن البسملةَ آيةٌ من الفاتحةِ ومن كلِّ سورةٍ سوى براءةَ، ومذهبُ أحمدَ وأبي حنيفةَ أنّها آيةٌ مستقلةٌ بينَ كلِّ سورتينِ سوى براءةَ، فيكره ابتداؤها بها، ومذهبُ مالكٍ أنّها ليستْ بآيةٍ من الفاتحة، ولا من غيرِها، وإنّما كُتبت للتيمُّن والتبرُّك بها معَ إجماعهم على أنّها بعضُ آيةٍ من سورةِ النمل، وأنَّ بعضَها آيةٌ من الفاتحة.
وأمّا مذاهبُ (١) القراء فيها، فقد أجمعوا على حذفِها بينَ الأنفالِ وبراءةَ، وكذلكَ في الابتداءِ ببراءةَ، وأمّا الابتداءُ بالآي وسطَ براءة، ففيه خلافٌ، ويجوزُ بينَ الأنفالِ وبراءةَ كلّ من الوصلِ والسكتِ والوقفِ لجميعِ القراء إذا لم يقطعْ على آخرِ الأنفالِ، فالقطعُ: هو قطع القراءةِ رأسًا، فهو كالانتهاء، والوقفُ: هو قطعُ الصوتِ على الكلمةِ زمنًا يتنفَّس فيه عادةً بنيةِ استئنافِ القراءة، والسكتُ: هو قطعُ الصوتِ زمنًا دونَ زمنِ الوقفِ عادةً من غيرِ تنفُّسٍ، والله أعلمُ.
* * *
﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١)﴾.
[١] قوله تعالى: ﴿بَرَاءَةٌ﴾ خروجٌ من الشيءِ، ومفارقةٌ له بشدَّةٍ، والتقديرُ: هذِه براءةٌ ﴿مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ مبتدأٌ، خبرُه ﴿إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ﴾ أيُّها المؤمنون.
﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ والمعنى: أن الله ورسوله قد برءا من العهد الّذي عاهدتم به المشركين، رُوي أنّه لما خرجَ رسولُ اللهِ - ﷺ - إلى تبوكَ، كان المنافقون يُرْجِفون الأراجيفَ، وجعلَ المشركونَ ينقُضون عهودًا كانت
وأمّا مذاهبُ (١) القراء فيها، فقد أجمعوا على حذفِها بينَ الأنفالِ وبراءةَ، وكذلكَ في الابتداءِ ببراءةَ، وأمّا الابتداءُ بالآي وسطَ براءة، ففيه خلافٌ، ويجوزُ بينَ الأنفالِ وبراءةَ كلّ من الوصلِ والسكتِ والوقفِ لجميعِ القراء إذا لم يقطعْ على آخرِ الأنفالِ، فالقطعُ: هو قطع القراءةِ رأسًا، فهو كالانتهاء، والوقفُ: هو قطعُ الصوتِ على الكلمةِ زمنًا يتنفَّس فيه عادةً بنيةِ استئنافِ القراءة، والسكتُ: هو قطعُ الصوتِ زمنًا دونَ زمنِ الوقفِ عادةً من غيرِ تنفُّسٍ، والله أعلمُ.
* * *
﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١)﴾.
[١] قوله تعالى: ﴿بَرَاءَةٌ﴾ خروجٌ من الشيءِ، ومفارقةٌ له بشدَّةٍ، والتقديرُ: هذِه براءةٌ ﴿مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ مبتدأٌ، خبرُه ﴿إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ﴾ أيُّها المؤمنون.
﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ والمعنى: أن الله ورسوله قد برءا من العهد الّذي عاهدتم به المشركين، رُوي أنّه لما خرجَ رسولُ اللهِ - ﷺ - إلى تبوكَ، كان المنافقون يُرْجِفون الأراجيفَ، وجعلَ المشركونَ ينقُضون عهودًا كانت
(١) في "ت": "مذهب".
بينَهم وبينَ رسولِ اللهِ - ﷺ -، فأمرَ اللهُ بنقضِ عهودِهم، وكانَ رسولُ اللهِ - ﷺ - هو الّذي عاهدَهم عامًا على ألَّا يُصَدَّ أحدٌ عن البيت الحرام، ونحو هذا من الموادَعات، وأصحابُه كلُّهم راضونَ بذلكَ، فكأنّهم عاهدوا، فَنُسِبَ العهدُ إليهم، وكذلك ما عقدَهُ أئمةُ الكفرِ على قومِهم منسوبٌ إِليهم يُؤاخذونَ به؛ إذ لا يمكنُ غيرُ ذلك؛ لأن تحصيلَ الرضا من الجميعِ متعذرٌ، فإذا عقدَ الإمامُ لما يرى من المصلحةِ أمرًا، لزمَ جميعَ الرعايا.
* * *
﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (٢)﴾.
[٢] ﴿فَسِيحُوا﴾ رجع من الخبر إلى الخطاب؛ أي: قل لهم: سِيحُوا ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ أى: سيروا فيها آمنينَ.
﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ تأجيلٌ من اللهِ للمشركين، فمن كانتْ مدةُ عهدِهِ أقلَّ من أربعةِ أشهرٍ، رُفِعَ إليها، ومن كانت مدَّتُه أكثرَ منها، حُطَّ إليها، ومن كانت مدةُ عهدِه بغيرِ أجلٍ محدودٍ، حَدَّهُ بأربعةِ أشهرٍ، ثمّ هو حربٌ بعدَ ذلكَ للهِ ورسوله يُقتل حيث أُدْرِكَ، ويؤسرُ، إِلَّا أن يتوب، وابتداءُ هذا الأجل يومَ الحجِّ الأكبرِ، وانقضاؤه إلى عشرٍ من ربيعٍ الآخرِ، فأمّا من لم يكنْ له عهدٌ، فإنما أجلُه انسلاخُ المحرَّمِ، وذلك خمسون يومًا، وقيل: الأشهرُ الأربعةُ: شوالٌ وذو القعدةِ، وذو الحجَّةِ، والمحرَّمُ، والأول أصوبُ، وعليه الأكثرُ.
﴿وَاعْلَمُوا﴾ أيّها الناكثون ﴿أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي﴾ أي: فائتي ﴿اللَّهَ﴾ بعدَ الأربعةِ أشهرٍ.
* * *
﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (٢)﴾.
[٢] ﴿فَسِيحُوا﴾ رجع من الخبر إلى الخطاب؛ أي: قل لهم: سِيحُوا ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ أى: سيروا فيها آمنينَ.
﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ تأجيلٌ من اللهِ للمشركين، فمن كانتْ مدةُ عهدِهِ أقلَّ من أربعةِ أشهرٍ، رُفِعَ إليها، ومن كانت مدَّتُه أكثرَ منها، حُطَّ إليها، ومن كانت مدةُ عهدِه بغيرِ أجلٍ محدودٍ، حَدَّهُ بأربعةِ أشهرٍ، ثمّ هو حربٌ بعدَ ذلكَ للهِ ورسوله يُقتل حيث أُدْرِكَ، ويؤسرُ، إِلَّا أن يتوب، وابتداءُ هذا الأجل يومَ الحجِّ الأكبرِ، وانقضاؤه إلى عشرٍ من ربيعٍ الآخرِ، فأمّا من لم يكنْ له عهدٌ، فإنما أجلُه انسلاخُ المحرَّمِ، وذلك خمسون يومًا، وقيل: الأشهرُ الأربعةُ: شوالٌ وذو القعدةِ، وذو الحجَّةِ، والمحرَّمُ، والأول أصوبُ، وعليه الأكثرُ.
﴿وَاعْلَمُوا﴾ أيّها الناكثون ﴿أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي﴾ أي: فائتي ﴿اللَّهَ﴾ بعدَ الأربعةِ أشهرٍ.
﴿وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي﴾ مُذِلُّ ﴿الْكَافِرِينَ﴾ بالقتلِ في الدنيا، والعذابِ في الآخرةِ.
* * *
﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣)﴾.
[٣] ونزلت براءةُ سنةَ ثمانٍ من الهجرةِ، وفيها فُتحت مكةُ، فلما كان سنةُ تسعٍ تجهَّزَ النبيُّ - ﷺ -، فقيل له: إنَّ المشركينَ يطوفون بالبيتِ عُراةً فقالَ: "لَا أُرِيدُ أَنْ أَرَى ذَلِكَ"، فبعثَ أبا بكرٍ أميرًا على الموسمِ ليقيمَ للناسِ الحجَّ، وبعثَ معه بأربعينَ آيةً من صدرِ براءةَ ليقرأها على أهل الموسم، ثمّ بعثَ بعده عليًّا على ناقتِهِ العضْباءِ ليقرأ على النَّاس صدر براءة، وأمره أن يؤذن بمكةَ ومِنًى وعرفةَ: أن قد بَرِئَتْ ذمةُ اللهِ وذمةُ رسوله من كلِّ مشركٍ، ولا يطوفُ بالبيتِ عُريان، فرجعَ أبو بكر وقال: يا رسولَ الله! أنزلَ في شأني شيءٌ؛ قالَ: "لَا، وَلَكِنْ لا يَنْبَغِي أَنْ يُبَلِّغَ هَذَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي، أَمَا تَرْضَى أَنَّكَ كُنْتَ مَعِي فِي الْغَارِ، وأَنَّكَ صاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ؟ "، قال: بلى. فسار أبو بكرٍ أميرًا على الحاجِّ، وعليٌّ ليؤذِّنَ ببراءةَ، وكانَ من عادةِ العربِ في عقدِ العُهودِ ونقضِها ألَّا يتولَّى ذلكَ إِلَّا سيدُهم، أو رجلٌ من قومِه، أقربُهم إليه نَسَبًا، فلما كانَ قبلَ الترويةِ بيوم، خطبَ أبو بكرٍ الناسَ، وحدثهم عن مناسِكِهم، وأقام للناسِ الحجَّ، والعربُ في تلكَ السنةِ على منازِلهم الّتي كانوا عليها في الجاهليةِ من الحجِّ، حتّى إذا كانَ يومُ النَّحر، قام عليٌّ عندَ جمرةِ العقبةِ، وأَذَّنَ في النَّاس بما أُمر به من الآيات، وألَّا
* * *
﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣)﴾.
[٣] ونزلت براءةُ سنةَ ثمانٍ من الهجرةِ، وفيها فُتحت مكةُ، فلما كان سنةُ تسعٍ تجهَّزَ النبيُّ - ﷺ -، فقيل له: إنَّ المشركينَ يطوفون بالبيتِ عُراةً فقالَ: "لَا أُرِيدُ أَنْ أَرَى ذَلِكَ"، فبعثَ أبا بكرٍ أميرًا على الموسمِ ليقيمَ للناسِ الحجَّ، وبعثَ معه بأربعينَ آيةً من صدرِ براءةَ ليقرأها على أهل الموسم، ثمّ بعثَ بعده عليًّا على ناقتِهِ العضْباءِ ليقرأ على النَّاس صدر براءة، وأمره أن يؤذن بمكةَ ومِنًى وعرفةَ: أن قد بَرِئَتْ ذمةُ اللهِ وذمةُ رسوله من كلِّ مشركٍ، ولا يطوفُ بالبيتِ عُريان، فرجعَ أبو بكر وقال: يا رسولَ الله! أنزلَ في شأني شيءٌ؛ قالَ: "لَا، وَلَكِنْ لا يَنْبَغِي أَنْ يُبَلِّغَ هَذَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي، أَمَا تَرْضَى أَنَّكَ كُنْتَ مَعِي فِي الْغَارِ، وأَنَّكَ صاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ؟ "، قال: بلى. فسار أبو بكرٍ أميرًا على الحاجِّ، وعليٌّ ليؤذِّنَ ببراءةَ، وكانَ من عادةِ العربِ في عقدِ العُهودِ ونقضِها ألَّا يتولَّى ذلكَ إِلَّا سيدُهم، أو رجلٌ من قومِه، أقربُهم إليه نَسَبًا، فلما كانَ قبلَ الترويةِ بيوم، خطبَ أبو بكرٍ الناسَ، وحدثهم عن مناسِكِهم، وأقام للناسِ الحجَّ، والعربُ في تلكَ السنةِ على منازِلهم الّتي كانوا عليها في الجاهليةِ من الحجِّ، حتّى إذا كانَ يومُ النَّحر، قام عليٌّ عندَ جمرةِ العقبةِ، وأَذَّنَ في النَّاس بما أُمر به من الآيات، وألَّا
150
يطوفَ بالبيت عُريان، وأن يتمَّ إلى كلِّ عهدٍ عهدَه، وإن لم يكنْ عهدٌ، فعهدُه أربعةُ أشهرٍ، ولا يدخلُ الجنةَ إِلَّا نفسٌ مؤمنةٌ، وألَّا يجتمعَ المسلمون والمشركون بعدَ عامِهم هذا، فقال المشركون الناكثون: أخبرِ ابنَ عَمِّكَ أنا قد نَبَذْنا العهدَ وراءَ ظُهورِنا، وأنْ ليسَ بينَنا وبينَه إِلَّا طعنٌ بالرمحِ وضربٌ بالسيفِ.
﴿وَأَذَانٌ﴾ عطفٌ على قوله: ﴿براءةٌ﴾ أي: وإعلامٌ.
﴿مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ مبتدأٌ، خبرُهُ ﴿إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ هو يومُ عرفةَ، والحجُّ الأصغرُ العمرةُ؛ لنقصِ عملِها.
﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي: من عهودِهم.
﴿وَرَسُولُهُ﴾ قراءةُ العامةِ برفعِ (رَسُولُهُ) مبتدأُ خَبَرٍ؛ أي: ورسولُه بريءٌ أيضًا من المشركين. وقرأ يعقوبُ: (وَرَسُولَهُ) بنصبِ اللام عطفًا على اسمِ (أَنَّ) (١)، ولا يجوزُ عطفهُ على (المشركين)؛ لأنّه كفرٌ، وتقدَّم في أول التفسير عندَ شكلِ القرآنِ ونقطِه أنَّ سببَ وضعِ الإعرابِ في المصاحفِ أن أبا الأسودِ الدؤليَّ التابعيَّ البصريَّ حكي أنّه سمعَ قارئًا يقرأ: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ بكسرِ اللام، فأعظمَه ذلكَ، وقالَ: "عَزَّ وَجْهُ اللهِ أن يبرأَ من رسولِه"، ثمّ جعلَ الإعرابِ في المصاحف (٢)، تلخيصُهُ: براءةٌ وإعلامٌ من اللهِ ورسولهِ بأنْ لا عهدَ لناكثٍ.
﴿وَأَذَانٌ﴾ عطفٌ على قوله: ﴿براءةٌ﴾ أي: وإعلامٌ.
﴿مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ مبتدأٌ، خبرُهُ ﴿إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ هو يومُ عرفةَ، والحجُّ الأصغرُ العمرةُ؛ لنقصِ عملِها.
﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي: من عهودِهم.
﴿وَرَسُولُهُ﴾ قراءةُ العامةِ برفعِ (رَسُولُهُ) مبتدأُ خَبَرٍ؛ أي: ورسولُه بريءٌ أيضًا من المشركين. وقرأ يعقوبُ: (وَرَسُولَهُ) بنصبِ اللام عطفًا على اسمِ (أَنَّ) (١)، ولا يجوزُ عطفهُ على (المشركين)؛ لأنّه كفرٌ، وتقدَّم في أول التفسير عندَ شكلِ القرآنِ ونقطِه أنَّ سببَ وضعِ الإعرابِ في المصاحفِ أن أبا الأسودِ الدؤليَّ التابعيَّ البصريَّ حكي أنّه سمعَ قارئًا يقرأ: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ بكسرِ اللام، فأعظمَه ذلكَ، وقالَ: "عَزَّ وَجْهُ اللهِ أن يبرأَ من رسولِه"، ثمّ جعلَ الإعرابِ في المصاحف (٢)، تلخيصُهُ: براءةٌ وإعلامٌ من اللهِ ورسولهِ بأنْ لا عهدَ لناكثٍ.
(١) انظر: "البحر المحيط" لأبي حيان (٥/ ٦)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٨).
(٢) انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (٢٥/ ١٩٢).
(٢) انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (٢٥/ ١٩٢).
151
﴿فَإِنْ تُبْتُمْ﴾ من الكفرِ ونقضِ العهدِ.
﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أعرَضتُم عن الإيمان.
﴿فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ﴾ لا تعجزونه، ولا تفوتونه في الدنيا.
﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ في الآخِرةِ.
* * *
﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤)﴾.
[٤] ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ استثناءٌ من المشركين، وهم بنو ضَمْرَةَ: حَيٌّ منْ كنانةَ، أَمَرَ - ﷺ - بإتمامِ عهدِهم إلى مُدَّتهم، وكان قد بقيَ منها تسعةُ أشهر، والسببُ فيه أنّهم لم ينقُضوا العهدَ، وثبتوا عليه، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا﴾ من عهدِكم.
﴿وَلَمْ يُظَاهِرُوا﴾ يعينوا ﴿عَلَيْكُمْ أَحَدًا﴾ من أعدائِكم.
﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ﴾ أدُّوه إليهم ﴿إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ كملًا، ولا تُجروهم مُجرى الناكثين.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ تنبيهٌ على أن تمامَ عهدِهم من بابِ التقوى.
* * *
﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)﴾.
[٥] ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ﴾ انقضى ﴿الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ الّتي أُبيح للناكثين أن يَسيحوا
﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أعرَضتُم عن الإيمان.
﴿فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ﴾ لا تعجزونه، ولا تفوتونه في الدنيا.
﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ في الآخِرةِ.
* * *
﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤)﴾.
[٤] ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ استثناءٌ من المشركين، وهم بنو ضَمْرَةَ: حَيٌّ منْ كنانةَ، أَمَرَ - ﷺ - بإتمامِ عهدِهم إلى مُدَّتهم، وكان قد بقيَ منها تسعةُ أشهر، والسببُ فيه أنّهم لم ينقُضوا العهدَ، وثبتوا عليه، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا﴾ من عهدِكم.
﴿وَلَمْ يُظَاهِرُوا﴾ يعينوا ﴿عَلَيْكُمْ أَحَدًا﴾ من أعدائِكم.
﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ﴾ أدُّوه إليهم ﴿إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ كملًا، ولا تُجروهم مُجرى الناكثين.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ تنبيهٌ على أن تمامَ عهدِهم من بابِ التقوى.
* * *
﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)﴾.
[٥] ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ﴾ انقضى ﴿الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ الّتي أُبيح للناكثين أن يَسيحوا
فيها، وقيل لها: حُرُمٌ؛ لأنّ اللهَ تعالى حَرَّمَ فيها على المؤمنينَ دماءَ المشركين والتعرُّضَ لهم، المعنى: إذا مضتِ المدةُ المضروبةُ الّتي يكونُ معها انسلاخُ الأشهرِ الحرمِ، وأصلُ الانسلاخ، خروجُ الشيءِ ممّا لابَسَه؛ من سَلْخِ الشاة.
﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ الناكثينَ ﴿حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ من حِلٍّ وحرمٍ.
﴿وَخُذُوهُمْ﴾ وأْسِرُوهم، والأَخيذُ: الأسيرُ ﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾ احْبِسوهم.
﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ على كلِّ طريقٍ، والمرصدُ، كلُّ مكانٍ يُرْصَدُ منه العدوُّ؛ أي: يرقَبُ فيه؛ لتأخذوهم من أيِّ وجهةٍ توجَّهوا.
﴿فَإِنْ تَابُوا﴾ من الشركِ.
﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ تصديقًا لتوبتِهم وإيمانِهم.
﴿فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ اتركوهم يدخلون مكةَ، ويتصرَّفون في البلاد، وفيه دليلٌ على أن تاركَ الصّلاةِ ومانعَ الزكاةِ لا يخلَّى سبيلُه، فالكفَّارُ مخاطَبون بالإيمان بالاتفاق، وبالفروعِ عندَ الشّافعيِّ وأحمدَ، وقالَ أكثرُ الحنفيةِ: ليسوا مخاطَبين بالفروعِ، وهو قولُ مالكٍ، ويأتي ذكرُ حكمِ تاركِ الصّلاةِ ومانعِ الزكاةِ في سورةِ الماعونِ.
﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ لمن تابَ ﴿رَحِيمٌ﴾ به.
* * *
﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (٦)﴾.
[٦] ﴿وَإِنْ أَحَدٌ﴾ أي: وإن جاءكَ أحدٌ.
﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ الناكثينَ ﴿حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ من حِلٍّ وحرمٍ.
﴿وَخُذُوهُمْ﴾ وأْسِرُوهم، والأَخيذُ: الأسيرُ ﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾ احْبِسوهم.
﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ على كلِّ طريقٍ، والمرصدُ، كلُّ مكانٍ يُرْصَدُ منه العدوُّ؛ أي: يرقَبُ فيه؛ لتأخذوهم من أيِّ وجهةٍ توجَّهوا.
﴿فَإِنْ تَابُوا﴾ من الشركِ.
﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ تصديقًا لتوبتِهم وإيمانِهم.
﴿فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ اتركوهم يدخلون مكةَ، ويتصرَّفون في البلاد، وفيه دليلٌ على أن تاركَ الصّلاةِ ومانعَ الزكاةِ لا يخلَّى سبيلُه، فالكفَّارُ مخاطَبون بالإيمان بالاتفاق، وبالفروعِ عندَ الشّافعيِّ وأحمدَ، وقالَ أكثرُ الحنفيةِ: ليسوا مخاطَبين بالفروعِ، وهو قولُ مالكٍ، ويأتي ذكرُ حكمِ تاركِ الصّلاةِ ومانعِ الزكاةِ في سورةِ الماعونِ.
﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ لمن تابَ ﴿رَحِيمٌ﴾ به.
* * *
﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (٦)﴾.
[٦] ﴿وَإِنْ أَحَدٌ﴾ أي: وإن جاءكَ أحدٌ.
﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ المأمورِ بقتلِهم ﴿اسْتَجَارَكَ﴾ استأمَنَكَ بعدَ انسلاخِ الأشهُرِ الحرُمِ.
﴿فَأَجِرْهُ﴾ فَأَمِّنْهُ ﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ أي: قراءتَكَ كلامَ الله؛ ليعلم شرائعَ الإسلامِ.
﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ الموضعَ الّذي يأمَنُ فيه، وهو دارُ قومه إنْ لم يُسْلِمْ، فإنْ قاتلكَ بعدُ، فاقتلْه.
﴿ذَلِكَ﴾ المأمورُ به من الإجارة ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ﴾ جَهَلَةٌ.
﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ دينَ الله، فهم محتاجون إلى سماعِ كلامِه.
ولا خلافَ بينَ الأئمةِ في جواز أمانِ السلطان؛ لأنّه مقدَّمٌ للنظرِ والمصلحةِ، وكذا أمانُ الحرِّ جائزٌ بالاتفاقِ، وأمّا العبدُ المسلمُ إذا أَمَّنَ شخصًا أو مدينةً، فقال الثلاثة: يَمْضي أمانُه مطلَقًا، وقال أبو حنيفةَ: لا يَمْضي إِلَّا أن يكونَ سيدُه أذنَ له في القتال.
* * *
﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧)﴾.
[٧] ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ﴾ استفهامٌ بمعنى الإنكارِ والاستبعادِ، المعنى: ممتنعٌ ثبوتُ عهدٍ للمشركين.
﴿عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ﴾ وهم يغدرونَ وينقضونَ العهدَ، ثمّ استثنى فقال:
﴿فَأَجِرْهُ﴾ فَأَمِّنْهُ ﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ أي: قراءتَكَ كلامَ الله؛ ليعلم شرائعَ الإسلامِ.
﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ الموضعَ الّذي يأمَنُ فيه، وهو دارُ قومه إنْ لم يُسْلِمْ، فإنْ قاتلكَ بعدُ، فاقتلْه.
﴿ذَلِكَ﴾ المأمورُ به من الإجارة ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ﴾ جَهَلَةٌ.
﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ دينَ الله، فهم محتاجون إلى سماعِ كلامِه.
ولا خلافَ بينَ الأئمةِ في جواز أمانِ السلطان؛ لأنّه مقدَّمٌ للنظرِ والمصلحةِ، وكذا أمانُ الحرِّ جائزٌ بالاتفاقِ، وأمّا العبدُ المسلمُ إذا أَمَّنَ شخصًا أو مدينةً، فقال الثلاثة: يَمْضي أمانُه مطلَقًا، وقال أبو حنيفةَ: لا يَمْضي إِلَّا أن يكونَ سيدُه أذنَ له في القتال.
* * *
﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧)﴾.
[٧] ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ﴾ استفهامٌ بمعنى الإنكارِ والاستبعادِ، المعنى: ممتنعٌ ثبوتُ عهدٍ للمشركين.
﴿عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ﴾ وهم يغدرونَ وينقضونَ العهدَ، ثمّ استثنى فقال:
﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ وهم قبائلُ بني بكرٍ، وبنو خُزيمةَ، وبنو مدلجٍ، وبنو ضَمْرَةَ، وبنو الدَّيلِ، وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهدِ قريشٍ يومَ الحديبيةِ، ولم يكن نقضَ إِلَّا قريشٌ وبنو الديل من بني بكر، فأمرَ بإتمامِ العهدِ لمن لم ينقضْ، وهم بنو ضمرةَ.
﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ﴾ أي: فما قاموا على الوفاء بعهدكم.
﴿فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ أي: فأقيموا لهم على مثلِ ذلك.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ تقدَّمَ تفسيرُه.
* * *
﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (٨)﴾.
[٨] ﴿كَيْفَ﴾ أعادَ الإنكارَ والاستبعاد؛ أي: كيف يكونُ لهم عهدٌ.
﴿وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾ يظفروا بكم.
﴿لَا يَرْقُبُوا﴾ يحفضوا ﴿فِيكُمْ إِلًّا﴾ قرابةً ﴿وَلَا ذِمَّةً﴾ عهدًا، والذمَّةُ في اللُّغة: عبارةٌ عن العهدِ، وفي الشرعِ: عبارةٌ عن وصفٍ يصيرُ فيه أهلًا للإيجاب والاستحباب.
﴿يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ يُظْهِرون الجميلَ، ويُضْمرون القبيحَ، ﴿وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ﴾ الإيمانَ ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ ناقضو العهد؛ لأنَّ منهم من وفى.
* * *
﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ﴾ أي: فما قاموا على الوفاء بعهدكم.
﴿فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ أي: فأقيموا لهم على مثلِ ذلك.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ تقدَّمَ تفسيرُه.
* * *
﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (٨)﴾.
[٨] ﴿كَيْفَ﴾ أعادَ الإنكارَ والاستبعاد؛ أي: كيف يكونُ لهم عهدٌ.
﴿وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾ يظفروا بكم.
﴿لَا يَرْقُبُوا﴾ يحفضوا ﴿فِيكُمْ إِلًّا﴾ قرابةً ﴿وَلَا ذِمَّةً﴾ عهدًا، والذمَّةُ في اللُّغة: عبارةٌ عن العهدِ، وفي الشرعِ: عبارةٌ عن وصفٍ يصيرُ فيه أهلًا للإيجاب والاستحباب.
﴿يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ يُظْهِرون الجميلَ، ويُضْمرون القبيحَ، ﴿وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ﴾ الإيمانَ ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ ناقضو العهد؛ لأنَّ منهم من وفى.
* * *
﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩)﴾.
[٩] ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ استبدلوا بالقرآنِ ﴿ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ من حُطامِ الدنيا ونيلِ الشهوات، وذلك أنّهم نقضوا العهدَ بأكلةٍ أطعمهم أبو سفيان.
﴿فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ﴾ أي: فمنعوا الناسَ من الدخولِ إلى ديِنه.
﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ عملُهم هذا.
* * *
﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ لا تُبْقوا عليهم أيها المؤمنون؛ فإنهم لا يُبْقون عليكم إنْ ظَفِروا بكم.
﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ بنقضِ العهد.
* * *
﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١)﴾.
[١١] ﴿فَإِنْ تَابُوا﴾ من الشركِ ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ أي: فهم إخوانُكم ﴿فِي الدِّينِ﴾ لهم ما لَكُم، وعليهم ما عليكم.
﴿وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ نُبَيَّنُها ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ قال ابنُ عباسٍ: "حُرِّمَتْ بهذهِ الآيةِ دماءُ أهلِ القبلةِ" (١).
[٩] ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ استبدلوا بالقرآنِ ﴿ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ من حُطامِ الدنيا ونيلِ الشهوات، وذلك أنّهم نقضوا العهدَ بأكلةٍ أطعمهم أبو سفيان.
﴿فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ﴾ أي: فمنعوا الناسَ من الدخولِ إلى ديِنه.
﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ عملُهم هذا.
* * *
﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ لا تُبْقوا عليهم أيها المؤمنون؛ فإنهم لا يُبْقون عليكم إنْ ظَفِروا بكم.
﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ بنقضِ العهد.
* * *
﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١)﴾.
[١١] ﴿فَإِنْ تَابُوا﴾ من الشركِ ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ أي: فهم إخوانُكم ﴿فِي الدِّينِ﴾ لهم ما لَكُم، وعليهم ما عليكم.
﴿وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ نُبَيَّنُها ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ قال ابنُ عباسٍ: "حُرِّمَتْ بهذهِ الآيةِ دماءُ أهلِ القبلةِ" (١).
(١) رواه أبو الشّيخ في "تفسيره"، عن الحسن البصري، كما ذكر السيوطيّ في "الدر =
﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢)﴾.
[١٢] ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ نقضوا عهودَهم ﴿مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ﴾ يعني: مشركي قريش، ﴿وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ﴾ عابوا الإسلامَ.
﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ رؤوسَ المشركين وقادتهم، نزلتْ في أبي سفيانَ وأصحابِه رؤساءِ قريشٍ الذين نقضوا العهد. قرأ ابنُ عامرٍ، وعاصمٌ، وحمزةُ، والكسائيُّ، وخلفٌ، وروحٌ عن يعقوبَ: (أَئِمَّةَ) بهمزتين محققتين على الأصل، والباقون: بتحقيق الأولى، وتسهيل الثّانية بينَ بينَ، وروي عنهم وجهٌ أنّها تُجعل ياءً خالصةً مكسورة تخفيفًا؛ لاستثقالهم تحقيقَ همزتينِ في كلمةٍ واحدة، وأبو جعفرٍ يدخِلُ بينهما ألفًا مع تسهيل الثّانية، وهشامٌ راوي ابنِ عامرٍ رُوي عنه المدُّ مع تحقيقِ الهمزة الثّانية (١).
﴿إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ حقيقةً؛ لنقضهم العهدَ قراءة العامة: (أَيْمَانَ) بفتح الهمزة، جمعُ يمين، وقرأ ابنُ عامرٍ: بكسر الهمزة بمعنى
[١٢] ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ نقضوا عهودَهم ﴿مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ﴾ يعني: مشركي قريش، ﴿وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ﴾ عابوا الإسلامَ.
﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ رؤوسَ المشركين وقادتهم، نزلتْ في أبي سفيانَ وأصحابِه رؤساءِ قريشٍ الذين نقضوا العهد. قرأ ابنُ عامرٍ، وعاصمٌ، وحمزةُ، والكسائيُّ، وخلفٌ، وروحٌ عن يعقوبَ: (أَئِمَّةَ) بهمزتين محققتين على الأصل، والباقون: بتحقيق الأولى، وتسهيل الثّانية بينَ بينَ، وروي عنهم وجهٌ أنّها تُجعل ياءً خالصةً مكسورة تخفيفًا؛ لاستثقالهم تحقيقَ همزتينِ في كلمةٍ واحدة، وأبو جعفرٍ يدخِلُ بينهما ألفًا مع تسهيل الثّانية، وهشامٌ راوي ابنِ عامرٍ رُوي عنه المدُّ مع تحقيقِ الهمزة الثّانية (١).
﴿إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ حقيقةً؛ لنقضهم العهدَ قراءة العامة: (أَيْمَانَ) بفتح الهمزة، جمعُ يمين، وقرأ ابنُ عامرٍ: بكسر الهمزة بمعنى
= المنثور" (٤/ ١٣٢). وعزاه البغوي في "تفسيره" (٢/ ٢٥٣) إلى ابن عبّاس -رضي الله عنه-.
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٢)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٧)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢٥٤)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٣٧٨ - ٣٧٩)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٩).
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٢)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٧)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢٥٤)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٣٧٨ - ٣٧٩)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٩).
157
التصديق (١)؛ أي: إنَّ لم يفِ لكم المشركون، وعابوا دينَكم، فقاتلوهم.
﴿لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾ عمَّا هم عليه.
واختلفوا في يمينِ الكافرِ هل تنعقدُ؟ فقال أبو حنيفةَ ومالكٌ: لا تنعقدُ، وسواءٌ حَنِثَ حالَ كفرِه أو بعدَ إسلامه، ولا يصحُّ منه كفارةٌ؛ استشهادًا بظاهرِ ﴿لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾.
وقال الشّافعيُّ وأحمدُ: تنعقدُ يمينُه؛ بدليلِ وصفِها بالنكثِ، وتلزمه الكفارةُ بالحنث فيها في الموضعين، ويكفِّرُ بغيرِ الصومِ.
وأمّا الذميُّ إذا طعنَ في الدينِ، بأنْ ذكرَ اللهَ سبحانَه بما لا يليقُ بجلاله، أو ذكرَ كتابَه المجيدَ، أو رسولَه الكريمَ ودينَه القويمَ بما لا ينبغي، فإنّه ينتقضُ عهدُه عندَ مالكٍ وأحمدَ، سواءٌ شُرِطَ تركُ ذلكَ عليهم، أو لم يُشْتَرَطْ، وقال الشافعيُّ: إنَّ شُرِطَ انتقاضُ العهد بها، انتقضَ، وإلا فلا، فإذا انتقضَ عهدُه، فقال مالكٌ: يُقتل، وقال الشّافعيُّ وأحمدُ: يخيرُ الإمامُ فيه قتلًا وَرِقًا ومَنًّا وفِداءً، ولا يردُّ إلى مأمنِه، وقال أبو حنيفةَ: لا ينتقضُ عهدُه إِلَّا باللحاقِ بدارِ الحرب، أو أن يغلبوا على موضعٍ فيحاربوا، فيصير أحكامُهم كالمرتدين، إِلَّا أنّه إذا ظفرنا بهم، نسترقُّهم، ولا نجبرُهم على الإسلامِ، ولا على قبولِ الذِّمَّة، فإن أسلمَ، لم يقتلْ بالاتفاق.
* * *
﴿لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾ عمَّا هم عليه.
واختلفوا في يمينِ الكافرِ هل تنعقدُ؟ فقال أبو حنيفةَ ومالكٌ: لا تنعقدُ، وسواءٌ حَنِثَ حالَ كفرِه أو بعدَ إسلامه، ولا يصحُّ منه كفارةٌ؛ استشهادًا بظاهرِ ﴿لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾.
وقال الشّافعيُّ وأحمدُ: تنعقدُ يمينُه؛ بدليلِ وصفِها بالنكثِ، وتلزمه الكفارةُ بالحنث فيها في الموضعين، ويكفِّرُ بغيرِ الصومِ.
وأمّا الذميُّ إذا طعنَ في الدينِ، بأنْ ذكرَ اللهَ سبحانَه بما لا يليقُ بجلاله، أو ذكرَ كتابَه المجيدَ، أو رسولَه الكريمَ ودينَه القويمَ بما لا ينبغي، فإنّه ينتقضُ عهدُه عندَ مالكٍ وأحمدَ، سواءٌ شُرِطَ تركُ ذلكَ عليهم، أو لم يُشْتَرَطْ، وقال الشافعيُّ: إنَّ شُرِطَ انتقاضُ العهد بها، انتقضَ، وإلا فلا، فإذا انتقضَ عهدُه، فقال مالكٌ: يُقتل، وقال الشّافعيُّ وأحمدُ: يخيرُ الإمامُ فيه قتلًا وَرِقًا ومَنًّا وفِداءً، ولا يردُّ إلى مأمنِه، وقال أبو حنيفةَ: لا ينتقضُ عهدُه إِلَّا باللحاقِ بدارِ الحرب، أو أن يغلبوا على موضعٍ فيحاربوا، فيصير أحكامُهم كالمرتدين، إِلَّا أنّه إذا ظفرنا بهم، نسترقُّهم، ولا نجبرُهم على الإسلامِ، ولا على قبولِ الذِّمَّة، فإن أسلمَ، لم يقتلْ بالاتفاق.
* * *
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٢)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٧)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢٥٤)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٠).
158
﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣)﴾.
[١٣] ثمّ حَرَّضَ المسلمين على قتالهم، فقال تعالى: ﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ نقضوا عهودَهم، وهم الذين نقضوا عهدَ الصلحِ بالحديبية، وأعانوا بني بكر على خزاعةَ.
﴿وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ﴾ من مكةَ حينَ اجتمعوا في دارِ الندوة.
﴿وَهُمْ بَدَءُوكُمْ﴾ بالقتالِ ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ يومَ بدرِ، ذلك أنّهم قالوا حين سلم العيرُ: لا ننصرفُ حتّى نستأصلَ محمدًا وأصحابَه، ثمّ وَبَّخهم على خوفِهم منهم فقال:
﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ﴾ فتتركون قتالَهم ﴿فَاللَّهُ أَحَقُّ﴾ من غيرِه.
﴿أَنْ تَخْشَوْهُ﴾ فقاتِلوا أعداءه ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
* * *
﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤)﴾.
[١٤] ثمّ شَجَّعهم عليهم فقال: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ﴾ يقتلْهم اللهُ.
﴿بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ﴾ يُذِلَّهم بالأسرِ والقتل. قرأ رُويسٌ عن يعقوبَ: (وَيُخْزِهُمْ) بضم الهاء، والباقون: بالكسر (١).
[١٣] ثمّ حَرَّضَ المسلمين على قتالهم، فقال تعالى: ﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ نقضوا عهودَهم، وهم الذين نقضوا عهدَ الصلحِ بالحديبية، وأعانوا بني بكر على خزاعةَ.
﴿وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ﴾ من مكةَ حينَ اجتمعوا في دارِ الندوة.
﴿وَهُمْ بَدَءُوكُمْ﴾ بالقتالِ ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ يومَ بدرِ، ذلك أنّهم قالوا حين سلم العيرُ: لا ننصرفُ حتّى نستأصلَ محمدًا وأصحابَه، ثمّ وَبَّخهم على خوفِهم منهم فقال:
﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ﴾ فتتركون قتالَهم ﴿فَاللَّهُ أَحَقُّ﴾ من غيرِه.
﴿أَنْ تَخْشَوْهُ﴾ فقاتِلوا أعداءه ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
* * *
﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤)﴾.
[١٤] ثمّ شَجَّعهم عليهم فقال: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ﴾ يقتلْهم اللهُ.
﴿بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ﴾ يُذِلَّهم بالأسرِ والقتل. قرأ رُويسٌ عن يعقوبَ: (وَيُخْزِهُمْ) بضم الهاء، والباقون: بالكسر (١).
(١) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٠).
﴿وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ﴾ ويُبْرِئ داءَ قلوبِ.
﴿قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ بما كانوا ينالونَهُ من الأذى منهم.
* * *
﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ كَرْبَها ووجْدَها.
﴿وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ فيهديه للإسلام؛ كأبي سفيانَ، وعكرمةَ بنِ أبي جهل، وسُهيلِ بنِ عمرٍو. وقراءةُ العامَّةِ: (وَيَتُوبُ) برفع الباء استئنافًا إخبارًا عن توبتِه على من أسلم، وقرأ رويسٌ عن يعقوبَ بخلافِ عنه: بنصبِ الباء على تقديرِ وأن (يَتُوبَ) أو حَتَّى (١).
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بما كانَ وسيكونُ ﴿حَكِيمٌ﴾ لا يفعلُ شيئًا عَبثًا.
* * *
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٦)﴾.
[١٦] ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ أظننتم، خطابٌ للمؤمنين حينَ كرهَ بعضُهم القتالَ ﴿أَنْ تُتْرَكُوا﴾ فلا تؤمَروا بالجهادِ ولا تُمتحنوا ليظهرَ الصادقُ من الكاذبِ.
﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ﴾ أي: ولما يَرَى الله.
﴿قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ بما كانوا ينالونَهُ من الأذى منهم.
* * *
﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ كَرْبَها ووجْدَها.
﴿وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ فيهديه للإسلام؛ كأبي سفيانَ، وعكرمةَ بنِ أبي جهل، وسُهيلِ بنِ عمرٍو. وقراءةُ العامَّةِ: (وَيَتُوبُ) برفع الباء استئنافًا إخبارًا عن توبتِه على من أسلم، وقرأ رويسٌ عن يعقوبَ بخلافِ عنه: بنصبِ الباء على تقديرِ وأن (يَتُوبَ) أو حَتَّى (١).
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بما كانَ وسيكونُ ﴿حَكِيمٌ﴾ لا يفعلُ شيئًا عَبثًا.
* * *
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٦)﴾.
[١٦] ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ أظننتم، خطابٌ للمؤمنين حينَ كرهَ بعضُهم القتالَ ﴿أَنْ تُتْرَكُوا﴾ فلا تؤمَروا بالجهادِ ولا تُمتحنوا ليظهرَ الصادقُ من الكاذبِ.
﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ﴾ أي: ولما يَرَى الله.
(١) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٧٨)، و"المحتسب" لابن جني (١/ ٢٨٤ - ٢٨٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٠).
﴿الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ وليًّا خاصًّا من المشركين، وخاصَّةُ الرجلِ وَلِيَجُتُه؛ أي: لا تتركون حتّى يتبينَ المخلصون والمجاهدون منكم. قرأ الكسائيُّ: (وَلِيَجةً) بإمالةِ الجيمِ حيثُ وقفَ على هاءِ التأنيث (١).
﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ يعلمُ غرضَكم منه.
* * *
﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (١٧)﴾.
[١٧] ولما أُسر العباسُ يومَ بدرٍ، وَعَيَّرَه المسلمون بالكفرِ وقطيعةِ الرّحمِ، وأغلظَ عليٌّ له القولَ، قال العباسُ: وما لكم تذكرونَ مساوِئَنا، ولا تذكرونَ محاسِنَنا، فقال له عليٌّ: ألكمْ محاسِنُ؟ فقال: نعم، إنا نَعْمُرَ المسجدَ الحرامَ، ونحجُبُ الكعبةَ، ونسقي الحاجَّ، فنزلَ ردًّا عليه: ﴿مَا كَانَ﴾ (٢) ما جازَ ولا ينبغي.
﴿لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ قرأ أبو عمرٍو، وابنُ كثيرٍ، ويعقوبُ: (مَسْجِدَ اللهِ) على التّوحيد، والمرادُ: الكعبةُ، والباقون: (مَسَاجِدَ) على الجمع (٣)، والمرادُ: جنسُ المساجدِ، والكعبةُ داخلة فيه، المعنى: ليس
﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ يعلمُ غرضَكم منه.
* * *
﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (١٧)﴾.
[١٧] ولما أُسر العباسُ يومَ بدرٍ، وَعَيَّرَه المسلمون بالكفرِ وقطيعةِ الرّحمِ، وأغلظَ عليٌّ له القولَ، قال العباسُ: وما لكم تذكرونَ مساوِئَنا، ولا تذكرونَ محاسِنَنا، فقال له عليٌّ: ألكمْ محاسِنُ؟ فقال: نعم، إنا نَعْمُرَ المسجدَ الحرامَ، ونحجُبُ الكعبةَ، ونسقي الحاجَّ، فنزلَ ردًّا عليه: ﴿مَا كَانَ﴾ (٢) ما جازَ ولا ينبغي.
﴿لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ قرأ أبو عمرٍو، وابنُ كثيرٍ، ويعقوبُ: (مَسْجِدَ اللهِ) على التّوحيد، والمرادُ: الكعبةُ، والباقون: (مَسَاجِدَ) على الجمع (٣)، والمرادُ: جنسُ المساجدِ، والكعبةُ داخلة فيه، المعنى: ليس
(١) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٢٣٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٠).
(٢) انظر: "أسباب النزول" للواحدي (ص: ١٣٦).
(٣) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٣)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٨)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢٥٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١١).
(٢) انظر: "أسباب النزول" للواحدي (ص: ١٣٦).
(٣) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٣)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٨)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢٥٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١١).
لهم الجمعُ بين أمرينِ متنافيين: عمارةِ متعبداتِ الله مع الكفرِ.
﴿شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ بإظهارِ الشركِ، وتكذيبِ الرسولِ، وعبادةِ الأصنام، وقولِ النصراني: أنا نصرانيٌّ، وقولِ اليهوديِّ: أنا يهوديٌّ، ونصبُ (شاهدين) على الحالِ.
﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ لأنّها لغيرِ الله.
﴿وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ لكفرِهم.
* * *
﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)﴾.
[١٨] ثمّ قال: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ اتفقَ جميعُ القراء على الجمعِ في هذا الحرف؛ لأنّ المرادَ به: جميعُ المساجد.
﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ﴾ لم يتركْ أمرَ اللهِ خشيةً من غيره، وعمارةُ المسجد: بناؤه، ورمُّ متشعثه، وكنسُه، والصلاةُ والذكرُ ودرسُ العلمِ الشرعيِّ فيه، وصيانتُه ممّا لم يُبْنَ له؛ كحديثِ الدنيا ونحوِه (١)، وفي الحديثِ: "يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ الْمَسَاجِدَ فَيَقْعُدُونَ فِيهَا حِلَقًا، ذِكْرُهُمُ الدُّنْيَا وَحُبُّ الدُّنْيَا، فَلَا تُجَالِسُوهُمْ، فَلَيْسَ للهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ" (٢)، ويحرمُ البصاقُ في
﴿شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ بإظهارِ الشركِ، وتكذيبِ الرسولِ، وعبادةِ الأصنام، وقولِ النصراني: أنا نصرانيٌّ، وقولِ اليهوديِّ: أنا يهوديٌّ، ونصبُ (شاهدين) على الحالِ.
﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ لأنّها لغيرِ الله.
﴿وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ لكفرِهم.
* * *
﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)﴾.
[١٨] ثمّ قال: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ اتفقَ جميعُ القراء على الجمعِ في هذا الحرف؛ لأنّ المرادَ به: جميعُ المساجد.
﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ﴾ لم يتركْ أمرَ اللهِ خشيةً من غيره، وعمارةُ المسجد: بناؤه، ورمُّ متشعثه، وكنسُه، والصلاةُ والذكرُ ودرسُ العلمِ الشرعيِّ فيه، وصيانتُه ممّا لم يُبْنَ له؛ كحديثِ الدنيا ونحوِه (١)، وفي الحديثِ: "يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ الْمَسَاجِدَ فَيَقْعُدُونَ فِيهَا حِلَقًا، ذِكْرُهُمُ الدُّنْيَا وَحُبُّ الدُّنْيَا، فَلَا تُجَالِسُوهُمْ، فَلَيْسَ للهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ" (٢)، ويحرمُ البصاقُ في
(١) في "ت": "وغيره".
(٢) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (١٠٤٥٢)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٤/ ١٠٩)، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (٢/ ٩٨)، =
(٢) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (١٠٤٥٢)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٤/ ١٠٩)، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (٢/ ٩٨)، =
162
المسجدِ بالاتفاق؛ لأنّ رسولَ اللهِ - ﷺ - سماها خطيئةً وسيئةً، وكفارتُه أن تواريَهُ، ومن يبصقْ في المسجدِ استهزاءً به، كفرَ بغيرِ خلافٍ، وكذا لو بصقَ على القرآنِ بقصدِ الاستهزاءِ، وأمّا حكمُ القاضي في المسجدِ، فسيأتي ذكرُ الحكم فيه في سورةِ الجنِّ إن شاء الله تعالى عندَ تفسيرِ قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ١٨].
﴿فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ و (عسى) من اللهِ واجبٌ؛ أي: أولئكَ هم المهتدون.
قال - ﷺ -: "إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ، فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيَمانِ" (١).
ورُويَ أن عثمانَ بنَ عفانَ رضي الله عنه أرادَ بناءَ المسجدِ، فكرهَ النّاسُ ذلكَ وأَحَبُّوا أن يدعَه، قالَ عثمان رضي الله عنه: سمعتُ النبيَّ - ﷺ - يقولُ: "مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِدًا، بَنَى اللهُ لهُ كَهَيْئَتِهِ فِي الْجَنَّةِ" (٢).
* * *
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩)﴾.
﴿فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ و (عسى) من اللهِ واجبٌ؛ أي: أولئكَ هم المهتدون.
قال - ﷺ -: "إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ، فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيَمانِ" (١).
ورُويَ أن عثمانَ بنَ عفانَ رضي الله عنه أرادَ بناءَ المسجدِ، فكرهَ النّاسُ ذلكَ وأَحَبُّوا أن يدعَه، قالَ عثمان رضي الله عنه: سمعتُ النبيَّ - ﷺ - يقولُ: "مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِدًا، بَنَى اللهُ لهُ كَهَيْئَتِهِ فِي الْجَنَّةِ" (٢).
* * *
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩)﴾.
= عن ابن مسعود -رضي الله عنه-. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٢/ ٢٤): فيه بزيغ أبو الخليل، ونسب إلى الوضع.
(١) رواه الترمذي (٣٠٩٣)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة التوبة، وقال: حسن غريب، وابن ماجه (٨٠٢)، كتاب: الصّلاة، باب: لزوم المساجد وانتظار الصّلاة، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
(٢) رواه البخاريّ (٤٣٩)، كتاب: المساجد، باب: من بنى مسجدًا، ومسلم (٥٣٢)، كتاب: المساجد ومواضع الصّلاة، باب: فضل بناء المساجد والحث عليها.
(١) رواه الترمذي (٣٠٩٣)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة التوبة، وقال: حسن غريب، وابن ماجه (٨٠٢)، كتاب: الصّلاة، باب: لزوم المساجد وانتظار الصّلاة، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
(٢) رواه البخاريّ (٤٣٩)، كتاب: المساجد، باب: من بنى مسجدًا، ومسلم (٥٣٢)، كتاب: المساجد ومواضع الصّلاة، باب: فضل بناء المساجد والحث عليها.
163
[١٩] رُويَ عن النعمانِ بنِ بشيرٍ قال: "كنتُ عندَ منبرِ النبيِّ - ﷺ -، فقالَ رجلٌ: ما أُبالي أن لا أعملَ عملًا بعدَ أن أسقيَ الحاجَّ، وقال آخرُ: ما أُبالي أن لا أعملَ عملًا بعدَ أن أعمرَ المسجدَ الحرامَ، فقال آخرُ: الجهادُ في سبيلِ اللهِ أفضلُ ممّا قلتم، فزجَرَهم عمرُ وقالَ: لا ترفعوا أصواتَكم عندَ منبرِ النبيِّ - ﷺ -، وهو يومُ الجمعةِ، ولكنْ إذا صَلَّيْتُ فاستفتيتُ رسولَ الله - ﷺ - فيما اختلفتم فيه، ففعلَ، فأنزلَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-:
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ (١) والسقايةُ والعمارةُ: مَصْدَرا سَقَى وعَمَرَ. ورُوي عن أبي جعفرٍ أنّه قرأ: (سُقَاةَ) بضم السين وحذف الياء بعدَ الألف (وَعَمَرَة) بفتح العين وحذف الألف على جمع ساقي والعامر (٢)، تقديره: أجعلتم أصحابَ سقايةِ الحاجِّ، وأصحابَ عِمارةِ المسجدِ.
﴿كَمَنْ آمَنَ﴾ كإيمان مَنْ آمنَ ﴿بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ المعنى: إنكارٌ أن يشبه المشركين وأعمالُهم المحبَطَةُ بالمؤمنينَ وأعمالِهم المثبتَةِ، ثمّ قَرَّرَ ذلكَ بقولِه:
﴿لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ تنبيهٌ على أن التسويةَ بينَهم ظلمٌ.
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ (١) والسقايةُ والعمارةُ: مَصْدَرا سَقَى وعَمَرَ. ورُوي عن أبي جعفرٍ أنّه قرأ: (سُقَاةَ) بضم السين وحذف الياء بعدَ الألف (وَعَمَرَة) بفتح العين وحذف الألف على جمع ساقي والعامر (٢)، تقديره: أجعلتم أصحابَ سقايةِ الحاجِّ، وأصحابَ عِمارةِ المسجدِ.
﴿كَمَنْ آمَنَ﴾ كإيمان مَنْ آمنَ ﴿بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ المعنى: إنكارٌ أن يشبه المشركين وأعمالُهم المحبَطَةُ بالمؤمنينَ وأعمالِهم المثبتَةِ، ثمّ قَرَّرَ ذلكَ بقولِه:
﴿لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ تنبيهٌ على أن التسويةَ بينَهم ظلمٌ.
(١) رواه مسلم (١٨٧٩)، كتاب: الإمارة، باب: فضل الشّهادة في سبيل الله تعالى.
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٢/ ٢٥٩)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٧٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١١ - ١٢)، وقد ذكرها البغوي من قراءة ابن الزبير وأبيّ.
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٢/ ٢٥٩)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٧٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١١ - ١٢)، وقد ذكرها البغوي من قراءة ابن الزبير وأبيّ.
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً﴾ أعلى رتبةً.
﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ ممّن افتخروا بعِمارةِ المسجدِ الحرامِ وسقايةِ الحاجِّ.
﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ الظافرونَ (١) بأمنياتهم.
* * *
﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١)﴾.
[٢١] ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾ دائمٌ. قرأ حمزةٌ: (يَبْشُرُهُمْ) بفتح الياء وتخفيف الشين وضمِّها من البشر، وهو البشرى والبشارة، وقرأ الباقون: بضم الياء وتشديد الشين مكسورةً، من بَشَّرَ المضعَّفِ على التكثير، والبشرُ والتبشيرُ والإبشارُ لغاتٌ فصيحاتٌ (٢)، وقرأ عاصمٌ بروايةِ أبي بكبر: (وَرُضوَانٍ) بضم الراء، والباقون: بكسرها (٣).
* * *
[٢٠] ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً﴾ أعلى رتبةً.
﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ ممّن افتخروا بعِمارةِ المسجدِ الحرامِ وسقايةِ الحاجِّ.
﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ الظافرونَ (١) بأمنياتهم.
* * *
﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١)﴾.
[٢١] ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾ دائمٌ. قرأ حمزةٌ: (يَبْشُرُهُمْ) بفتح الياء وتخفيف الشين وضمِّها من البشر، وهو البشرى والبشارة، وقرأ الباقون: بضم الياء وتشديد الشين مكسورةً، من بَشَّرَ المضعَّفِ على التكثير، والبشرُ والتبشيرُ والإبشارُ لغاتٌ فصيحاتٌ (٢)، وقرأ عاصمٌ بروايةِ أبي بكبر: (وَرُضوَانٍ) بضم الراء، والباقون: بكسرها (٣).
* * *
(١) "الظافرون" ساقطة من "ش".
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٨٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٢).
(٣) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٢٣٧)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٢).
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٨٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٢).
(٣) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٢٣٧)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٢).
﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ أكد الخلودَ بالتأبيدِ؛ لأنّه قد يستعمل للمكثِ الطويل ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
* * *
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣)﴾.
[٢٣] عن ابن عبّاس رضي الله عنه: "لما أمرَ رسولُ الله - ﷺ - الناسَ بالهجرةِ إلى المدينة، فمنهم من تعلَّقَ به أهلُه وولدُه يقولون: ننشدُكَ بالله ألَّا تُضَيِّعَنا، فيرقُّ، فيقيمُ عليهم، ويدعُ الهجرةَ، فأنزل اللهُ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ (١) أصفياءَ وبطانةً يمنعونكم عن الإيمان، ويصدُّونكم عن الطاعةِ.
﴿إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾ واختلافُ القراء في الهمزتين من (أَوْلِياءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا) كاختلافِهم فيهما من (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ) في سورة البقرة.
﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ﴾ يؤثر المقامَ على الهجرةِ والجهادِ.
﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾ بوضعِهم الموالاةَ في غيرِ موضعِها، وكان في ذلك الوقتِ لا يُقَبل الإيمانُ إِلَّا من مهاجرٍ.
* * *
[٢٢] ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ أكد الخلودَ بالتأبيدِ؛ لأنّه قد يستعمل للمكثِ الطويل ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
* * *
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣)﴾.
[٢٣] عن ابن عبّاس رضي الله عنه: "لما أمرَ رسولُ الله - ﷺ - الناسَ بالهجرةِ إلى المدينة، فمنهم من تعلَّقَ به أهلُه وولدُه يقولون: ننشدُكَ بالله ألَّا تُضَيِّعَنا، فيرقُّ، فيقيمُ عليهم، ويدعُ الهجرةَ، فأنزل اللهُ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ (١) أصفياءَ وبطانةً يمنعونكم عن الإيمان، ويصدُّونكم عن الطاعةِ.
﴿إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾ واختلافُ القراء في الهمزتين من (أَوْلِياءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا) كاختلافِهم فيهما من (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ) في سورة البقرة.
﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ﴾ يؤثر المقامَ على الهجرةِ والجهادِ.
﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾ بوضعِهم الموالاةَ في غيرِ موضعِها، وكان في ذلك الوقتِ لا يُقَبل الإيمانُ إِلَّا من مهاجرٍ.
* * *
(١) انظر: "أسباب النزول" للواحدي (ص: ١٣٧)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢٦٠).
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٢٤)﴾.
[٢٤] نزلت الآية الأولى، قال الذين أسلموا ولم يهاجروا: إنَّ نحنْ هاجرْنا، ضاعتْ أموالُنا، وذهبتْ تجارتنُا، وخربَتْ دورُنا، وقطعْنا أرحامَنا ﴿قُلْ﴾ يا محمدُ للمتخلِّفينَ عن الهجرةِ:
﴿إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ﴾ قرأ أبو بكرٍ عن عاصمٍ: (وَعَشِيَراتُكُمْ) بالألف على الجمع، والباقون: بغير ألف (١)؛ أي: قومُكم بمكة.
﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ اكتسبتموها ﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾ عدمَ نَفاقِها ﴿وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾ تستطيبونَها.
﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ﴾ الحبّ الاختياري دونَ الطبيعيِّ؛ فإنّه لا يدخلُ تحتَ التكليفِ التحفظ عنه.
﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ أي: انتظروا ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ بقضائِه، وهو تهديدٌ لمن يؤثرُ لذاتِ الدنيا على الآخرة.
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ لا يرشدُهم، والفسقُ: الخروجُ عن الطّاعة.
* * *
[٢٤] نزلت الآية الأولى، قال الذين أسلموا ولم يهاجروا: إنَّ نحنْ هاجرْنا، ضاعتْ أموالُنا، وذهبتْ تجارتنُا، وخربَتْ دورُنا، وقطعْنا أرحامَنا ﴿قُلْ﴾ يا محمدُ للمتخلِّفينَ عن الهجرةِ:
﴿إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ﴾ قرأ أبو بكرٍ عن عاصمٍ: (وَعَشِيَراتُكُمْ) بالألف على الجمع، والباقون: بغير ألف (١)؛ أي: قومُكم بمكة.
﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ اكتسبتموها ﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾ عدمَ نَفاقِها ﴿وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾ تستطيبونَها.
﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ﴾ الحبّ الاختياري دونَ الطبيعيِّ؛ فإنّه لا يدخلُ تحتَ التكليفِ التحفظ عنه.
﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ أي: انتظروا ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ بقضائِه، وهو تهديدٌ لمن يؤثرُ لذاتِ الدنيا على الآخرة.
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ لا يرشدُهم، والفسقُ: الخروجُ عن الطّاعة.
* * *
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٣)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٨)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢٦١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٣).
﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ﴾ مشاهدَ.
﴿كَثِيرَةٍ﴾ كبدرٍ، وفتحِ مكةَ، وقريظةَ، والنضيرِ.
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ اسمُ وادٍ بينَ مكَّةَ والطائفِ، بينهما ثلاثةُ أميال.
وملخَّصُ القصةِ: أنَّ رسولَ الله - ﷺ - لما فتحَ مكةَ في شهرِ رمضانَ سنةَ ثمانٍ من الهجرةِ، تجمعَتْ هوازنُ بحريمِهم وأموالِهم لحربِ رسولِ الله - ﷺ -، ومقدَّمُهم مالكُ بنُ عوفٍ النَّصْريُّ، وانضمَّتْ إليه ثقيفُ، وهم أهلُ الطائف، وبنو سعدٍ، وهم الذين كانَ النبيُّ - ﷺ - مرتَضَعًا عندَهم، فلما سمعَ رسولُ الله - ﷺ - باجتماعِهم، وكانوا أربعةَ آلافٍ، خرجَ من مكةَ لِسِتٍّ خَلَوْنَ من شوالٍ، وخرجَ معه اثنا عشرَ ألفًا، منها عشرة آلاف كانتْ معه، وألفانِ من أهلِ مكةَ، وحضر جماعةٌ كثيرةٌ من المشركين، وهم مع رسولِ اللهِ - ﷺ -، وانتهى إلى حُنَيْنٍ، وركبَ بغلتَهَ الدُّلدُل، وقال رجلٌ من الأنصار يقالُ له سلمةُ بنُ سلامةَ لما رأى كثرةَ مَنْ معَ النّبيّ - ﷺ -: لنْ يغلب هؤلاءِ من قلة، فساءَ رسولَ اللهِ - ﷺ - كلامُه، فلما التقى الجمعان، انكشفَ المسلمونَ، لا يَلْوي أحدٌ على أحدٍ، وانحازَ رسولُ اللهِ - ﷺ - في نفرٍ من المهاجرينَ والأنصارِ وأهلِ بيتِه، واستمرَّ رسولُ اللهِ - ﷺ - ثابتًا، وتراجعَ المسلمون، واقتتلوا قتالًا شديدًا، وأخذ - ﷺ - حَصياتٍ فرمى بها في وَجْهِ المشركينَ، فكانتِ الهزيمةُ، ونصرَ الله المسلمين، واتَّبَع المسلمون المشركين يقتلونهم ويأسرونهم.
[٢٥] ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ﴾ مشاهدَ.
﴿كَثِيرَةٍ﴾ كبدرٍ، وفتحِ مكةَ، وقريظةَ، والنضيرِ.
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ اسمُ وادٍ بينَ مكَّةَ والطائفِ، بينهما ثلاثةُ أميال.
وملخَّصُ القصةِ: أنَّ رسولَ الله - ﷺ - لما فتحَ مكةَ في شهرِ رمضانَ سنةَ ثمانٍ من الهجرةِ، تجمعَتْ هوازنُ بحريمِهم وأموالِهم لحربِ رسولِ الله - ﷺ -، ومقدَّمُهم مالكُ بنُ عوفٍ النَّصْريُّ، وانضمَّتْ إليه ثقيفُ، وهم أهلُ الطائف، وبنو سعدٍ، وهم الذين كانَ النبيُّ - ﷺ - مرتَضَعًا عندَهم، فلما سمعَ رسولُ الله - ﷺ - باجتماعِهم، وكانوا أربعةَ آلافٍ، خرجَ من مكةَ لِسِتٍّ خَلَوْنَ من شوالٍ، وخرجَ معه اثنا عشرَ ألفًا، منها عشرة آلاف كانتْ معه، وألفانِ من أهلِ مكةَ، وحضر جماعةٌ كثيرةٌ من المشركين، وهم مع رسولِ اللهِ - ﷺ -، وانتهى إلى حُنَيْنٍ، وركبَ بغلتَهَ الدُّلدُل، وقال رجلٌ من الأنصار يقالُ له سلمةُ بنُ سلامةَ لما رأى كثرةَ مَنْ معَ النّبيّ - ﷺ -: لنْ يغلب هؤلاءِ من قلة، فساءَ رسولَ اللهِ - ﷺ - كلامُه، فلما التقى الجمعان، انكشفَ المسلمونَ، لا يَلْوي أحدٌ على أحدٍ، وانحازَ رسولُ اللهِ - ﷺ - في نفرٍ من المهاجرينَ والأنصارِ وأهلِ بيتِه، واستمرَّ رسولُ اللهِ - ﷺ - ثابتًا، وتراجعَ المسلمون، واقتتلوا قتالًا شديدًا، وأخذ - ﷺ - حَصياتٍ فرمى بها في وَجْهِ المشركينَ، فكانتِ الهزيمةُ، ونصرَ الله المسلمين، واتَّبَع المسلمون المشركين يقتلونهم ويأسرونهم.
168
ولما فرغَ - ﷺ - من حُنين، بعثَ أبا عامرٍ على جيشٍ لغزوةِ أوطاس، فاستُشهد رضي الله عنه، وانهزمت ثقيفُ إلى الطائف، فأغلقوا بابَ مدينتِهم، فسار النبيُّ - ﷺ -، وحاصرهم نيفًا وعشرين يومًا، وقاتلَهم بالمنجنيقِ، وأمر بقطعِ أعنابِهم، ثمّ رحلَ عنهم، ونزلَ بالجعرانةِ، وأتى إليه بعضُ هوازن مسلمين، وسألوه أن يردَّ إليهم أموالَهم وسَبْيَهم، فخيرَّهم بينَ المالِ والسبي، فاختاروا السبيَ، فرد النّاسُ أبناءهم ونساءهم، ثمّ لحقَ مالكُ بن عوفٍ مقدَّم هوازنَ برسولِ الله - ﷺ -، وأسلمَ وحسنَ إسلامُه، واستعملَه رسولُ الله - ﷺ - على قومِه وعلى من أسلمَ من تلكَ القبائل، وكانَ عدةُ السبي الّذي أطلقَه ستةَ آلافٍ، ثمّ قسمَ الأموالَ، وكانت عدةُ الإبلِ أربعةً وعشرينَ ألفَ بعيرٍ، والغنمِ أكثرَ من أربعين ألفَ شاة، ومن الفضةِ أربعه آلافِ أوقيةٍ، وأعطى المؤلَفة قلوبُهم مثلَ أبي سفيان، وابنيه يزيدَ ومعاويةَ، وسهلِ بنِ عمرو، وعكرمةَ بنِ أبي جهلٍ، والحارثِ بنِ هشامٍ أخي أبي جهل، وصفوانَ بنِ أميةَ، وهؤلاء من قريش، وأعطى الأقرعَ بنَ حابسٍ التميميَّ، وعُيَيْنَةَ بنَ حصنٍ، ومالكَ بنَ عوفٍ مقدَّمَ هوازنَ وأمثالَهم، فأعطى لكلِّ واحدٍ من الأشراف مئةً من الإبل، وأعطى الآخرين لكلِّ واحدٍ أربعينَ، وأعطَى العباسَ بنَ مِرْداسَ السلميَّ أباعر لم يرضَها، فقالَ في ذلكَ من أبياتٍ: