قوله: (ونقض العهد) أي في الصورة الثلاثة. قوله: ﴿ فَسِيحُواْ ﴾ أمر إباحة للمشركين، وهو مقول لقول محذوف، والتقدير فقولوا لهم سيحوا، وهذا بيان لعقد الأمان لهم أربعة أشهر، وإنما اقتصر عليها الإسلام وكثرة المسلمين، بخلاف صلح الحديبية، فكان عشر سنين، لضعف المسلمين إذ ذاك. قوله: (أولها شوال) أي آخرها المحرم، وقيل: أولها عشر ذي القعدة، وآخرها العاشر من ربيع الأول، لأن الحج في تلك السنة كان في العاشر من ذي القعدة بسبب النسيء، ثم صار في السنة القابلة في العاشر من ذي الحجة، وفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:" إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلقه الله "الحديث، وقيل: أولها عاشر ذي الحجة، وآخرها عاشر ربيع الثاني. قوله: (بدليل ما سيأتي) أي في قوله:﴿ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ ﴾[التوبة: ٥].
قوله: ﴿ وَٱعْلَمُوۤاْ ﴾ إلخ، أي فلا تغتروا بعقد الأمان لكم.
وقوله: ﴿ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ ﴾ ظرف للأذان، والمعنى وإعلام من الله ورسوله إلى الناس، كائن في يوم الحج الأكبر، بأن الله بريء إلخ. قوله: ﴿ وَرَسُولُهُ ﴾ القراءة السبعة بل العشرة، على الرفع عطف على الضمير المستتر في بريء، ووجد الفاصل وهو قوله: ﴿ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ ويصح أن يكون مبتدأ خبره محذوف تقديره وبريء منهم أيضاً، وقرىء شاذاً بالنصب، ووجهت بوجهين: الأول أن الواو بمعنى مع، ورسوله مفعول معه، الثاني أنه معطوف على اسم أن وهو لفظ الجلالة، وقرىء شاذاً أيضاً بالجر، ووجهت بأن الواو للقسم، واستبعدت تلك القراءة لإيهام عطفه على المشركين، حتى أن بعض سمع رجلاً يقرأ بها، فقال الأعرابي: إن كان الله بريئاً من رسول فأنا بريء منه، فلببه القارىء إلى عمر، فحكى الأعرابي الواقعة، فأمر عمر بتعليم العربية، وتحكى هذه أيضاً عن علي وأبي الأسود الدؤلي. قوله: (وقد بعث) إلخ حاصل ذلك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاهد قريشاً يوم الحديبية على أن يضعوا الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، ثم عدت بنو بكر على خزاعة، وأعانتهم قريش بالسلاح، فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خظاعة، ونقضوا عهدهم، خرج عمرو بن سلام الخزاعي، ووقف على رسول الله وأخبره بالخبر، فقال رسول الله: لا نصرت إن لم أنصرك، وتجهز إلى مكة ففتحها سنة ثمان من الهجرة، فلما كان سنة تسع، أراد رسول الله أن يحج، فقيل إن المشركين يحضرون ويطوفون بالبيت عراة، فقال لا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك، فبعث أبا بكر تلك السنة أميراً على الموسم ليقيم للناس الحج، وبعث معه أربعين آية من صدر براءة، آخرها﴿ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ﴾[التوبة: ٣٣] ثم بعث بعده علياً على ناقته العضباء، ليقرأ على الناس صدر براءة، فلحق أبا بكر بالعرج - بفتح العين وسكون الراء، قرية جامعة بينها وبين المدينة ستة وسبعون ميلاً - فلما تلاقيا، ظن أبو بكر أنه معزول، فرجع إلى رسول الله فقال: يا رسول أنزل في شأني شيء؟ فقال لا، ولكن لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي، أما ترضى أبا بكر أنك كنت معي في الغار وأنك معي على الحوض، فقال: بلى يا رسول الله، فسار أبو بكر أميراً على الحاج، وعلي بن أبي طالب يؤذن ببراءة، فلما كان قبل يوم التروية بيوم، قام أبو بكر فخطب الناس، وحدثهم على مناسكهم، وأقام للناس الحج، حتى إذا كان يوم النحر، قام علي فأذن بما أمر به، وهو لا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبي عهد فهو منقوض، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا في الحج، ثم حج رسول الله سنة عشر حجة الوداع، إذا علمت ذلك، وفي ذلك قال المفسرون: لما خرج رسول الله إلى تبوك، فكان المنافقون يرجفون الأراجيف، وجعل المشركون ينقضون عهوداً كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر الله عز وجل بنقض عهودهم، وذلك قوله تعالى:﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً ﴾[الأنفال: ٥٨] الآية، ففعل رسول الله ما أمر به، ونبذ لهم عهودهم. قوله: (بهذه الآيات) أي وهي ثلاثون أو أربعون آية آخرها﴿ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ﴾[التوبة: ٣٣] قوله: (وأن لا يحج) أي وبأن لا يحج، فهو وما بعده من جملة ما أذن به. قوله: ﴿ فَهُوَ ﴾ أي التوبة المفهومة من قوله: ﴿ تُبْتُمْ ﴾.
قوله: ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ أي من بقائكم على الكفر الذي هو خير في زعمكم، أو اسم التفضيل ليس على بابه. قوله: (أخبر) أشار بذلك إلى أن المراد بالبشارة مطلق الإخبار، وعبر عنه بالبشارة تهكماً بهم.
قوله: ﴿ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ ﴾ شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه.
قوله: ﴿ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ ﴾ إلخ، قال العلماء: جملة بلاد الإسلام في حق الكفار ثلاثة أقسام، احدها: الحرم فلا يجوز للكافر أن يدخله بحال، وجوز أبو حنيفة دخول المعاهد، الثاني: الحجاز فلا يجوز للكافر دخوله إلا بإذن، ولا يقيم فيه أكثر من ثلاثة أيام، لما في الحديث:" لا يبقين دينان في جزيرة العرب وحدها طولاً من أقصى عدن إلى ريف العراق، وعرضاً من جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام "الثالث: سائر بلاد الإسلام، يجوز للكافر أن يقيم فيها بذمة أو أمان، لكن لا يدخل المساجد إلا لغرض شرعي. قوله: (عام تسع) أي وهو عام نزول جملة السورة على الصحيح، وما يوهم خلاف ذلك يجب تأويله. قوله: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ﴾ إلخ، سبب نزولها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر علياً أن يقرأ على المشركين أول براءة، خاف أهل مكة الفقر وضيق العيش، لامتناع المشركين من دخول الحرم واتجارهم فيه، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت. قوله: (فقرأ) في المصباح معيلة بالفتح الفقر، وهي مصدر عال يعيل، من باب سار، فهو عائل، والجمع عالى، وفي المختار: وعيال الرجل من يعولهم، وواحد العيال، عيل كجيد، والجمع عيائل كجيائد، وأعال الرجل كثرت عياله. قوله: (وقد أغناهم بالفتوح) أي فأسلم أهل صنعاء وجدة وتبالة بفتح التاء، وجرش بضم الجيم وفتح الراء بعدها شين معجمة، قريتان من قرى اليمن وجلبوا إليهم الميرة، وصاروا في أرغد عيش.
﴿ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ ﴾ إلخ، فلما حذف الفاعل، ذهبت علامة التأنيث، ولذلك قرىء بالتاء من فوق، وأنيب الجار والمجرور منابه، ولتضمنه معنى الانقياد عدي بعلى. قوله: ﴿ جِبَاهُهُمْ ﴾ المراد بها جهة الإمام بدليل المقابلة. قوله: (وتوسع جلودهم) أي حتى لا يوضع دينار على دينار، ولا درهم على درهم، وذلك بعد جعلها صفائح من نار. قوله: (أي جزاؤه) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف، لأن الكنوز لا تذاق، وهذا عذابه في الآخرة، وورد أنه يصور ماله في قبره بصورة شجاع أقرع له زبيبتان، يأخذ بلزمتيه أي شدقيه ويقول: أنا كنزك، أما مالك، فلا مانع من حصول الجميع له، أجارنا الله من أسباب ذلك.
قوله: ﴿ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ قيل: المراد في الآخرة، وقيل المراد في الدنيا باحتباس المطر، لما روي أنه سئل ابن عباس عن هذه الآية فقال: استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً من أحياء العرب فتثاقلوا، فأمسك الله عنهم المطر، فكان ذلك عذابهم. قوله: ﴿ وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ﴾ قيل المراد بهم أبناء فارس، وقيل أهل اليمن. قوله: (ومنه نصر دينه) أي ولو من غير واسطة.
قوله: ﴿ ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً ﴾ ذكر المفسر في معنى ذلك ثلاثة أقوال، وهي من جملة أقوال كثيرة ذكرها المفسرون، فقيل الخفيف الذي لا ضيعة له، والثقيل الذي له الضيعة، وقيل الخفيف الشاب، والثقيل الشيخ، وقيل غير ذلك من الأحوال، أي انفروا على أي حال كنتم عليه، وهذا الحكم باق، إذا تعين الجهال بأن فجأ العدو، وأما في حال كونه فرض كفاءة، فليس حكم العموم باقياً، بل منسوخ إما بآية﴿ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً ﴾[التوبة: ١٢٢] أو بآية﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ ﴾[التوبة: ٩١] إلخ. قوله: (نشاطاً) بكسر النون جمع نشيط، ككرام وكريم. قوله: (وهي منسوخة) أي على القولين الأخيرين، لا على الأول فهي محكمة. قوله: (أنه خير) مفعول ﴿ تَعْلَمُونَ ﴾.
قوله: (فلا تثاقلوا) جواب الشرط. قوله: (في المنافقين) أي كعبد الله بن أبي وأضرابه. قوله: (متاعاً من الدنيا) سمي عرضاً لسرعة زواله كالعرض. قوله: (المسافة) أي التي تقطع بالمشقة، فهي مشتقة من المشقة. قوله: ﴿ وَسَيَحْلِفُونَ ﴾ هذا إخبار من الله بالغيب، فإن هذه الآية نزلت قبل رجوعه من تبوك. قوله: ﴿ لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ﴾ هذه الجملة سدت مسد جواب القسم والشرط. قوله: ﴿ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ ﴾ هذا مرتب على قوله: ﴿ وَسَيَحْلِفُونَ ﴾ المعنى يزدادون بها هلاكاً لأنهم هالكون بالكفر، ويزيدون هلاكاً باليمين الكاذبة، لما في الحديث:" اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع "قوله: (الجماعة) أي من المنافقين. قوله: (باجتهاد منه) هذا أحد قولين، والآخر أنه لا يجتهد، والحاصل أنه اختلف هل يجوز على النبي الاجتهاد في غير الأحكام التكليفية الصادرة من الله تعالى، أو لا يجوز؟ والصحيح الأول، ولكنه في اجتهاده دائماً مصيب، وعتاب الله له إنما هو على فعل أمر مباح له، فهو من باب حسنات الأبرار، سيئات المقربين، لا على وزر فعله، ، فاعتقاد ذلك كفر.
قوله: ﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَآ ﴾ أي رداً لقولهم: ﴿ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ ﴾.
قوله: ﴿ ٱلْحُسْنَيَيْنِ ﴾ صفة لموصوف محذوف، قدره المفسر بقوله: (العاقبتين). قوله: ﴿ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ ﴾ لأي العاقبتين السيئتين. قوله: (بقارعة) أي صاعقة. قوله: ﴿ فَتَرَبَّصُوۤاْ ﴾ إلخ، أي فإنا منتظرون ما يسرنا وأنتم منتظرون ما يسوؤكم. قوله: ﴿ قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾ إلخ، نزلت في الجد بن قيس، حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ائذن لي في القعود، وأنا أعطيك مالي والمعنى قل لهم اتصافكم بصفات المؤمنين في الإنفاق والصلاة لا يفيدكم شيئاً. قوله: ﴿ طَوْعاً ﴾ أي من غير إلزام. وقوله: ﴿ أَوْ كَرْهاً ﴾ أي بإلزام. قوله: ﴿ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾ أي ولم تزالوا كذلك، فالمراد فاسقون فيما مضى وفي المستقبل. قوله: (والأمر هنا بمعنى الخبر) أي فالمعنى نفقتكم طوعاً أو كرهاً غير مقبولة. قوله: (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ ﴾ استثناء من عموم الأشياء، كأنه قيل: ما منعهم قبول نفقتهم لشيء من الأشياء إلا لثلاثة أمور: كفرهم بالله ورسوله، وإيتائهم الصلاة في حال كسلهم، وإنفاقهم مع الكراهة. قوله: (لأنهم يعدونها مغرماً) أي لأنهم لا يرجون عليها ثواباً، ولا يخافون على تركها عقاباً. قوله: (فهي استدارج) أي ظاهرها نعمة، وباطنها نقمة. قوله: (بما يلقون في جمعها من المشقة) جواب عما يقال: إن المال والولد سرور في الدنيا، فأجاب بأن المراد بكونهما عذاباً، باعتبار ما يترتب عليهما من الشقة. إن قلت: إن هذا ليس مختصاً بالمنافق، بل المؤمن كذلك بهذا الاعتبار. أجيب: بأن المؤمن يرجو الآخرة والراحة فيها والتنعم بسبب المشقات، فكأنها ليست مشقة، والمنافق ليس كذلك، فهي حينئذ مشقة في الدنيا والآخرة. قوله: ﴿ أَنفُسُهُمْ ﴾ أي أرواحهم.
قوله: ﴿ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾ الجملة حالية من ضمير يحلفون، والمعنى يحلفون لكم لإرضائكم، والحال أن الله ورسوله أحق بالإرضاء. قوله: ﴿ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه، أي فليرضوا الله ورسوله. قوله: (وتوحيد الضمير) إلخ، أشار المفسر لثلاثة أجوبة عن سؤال وارد على الآية حاصله أن لفظ الجلالة مبتدأ.
﴿ وَرَسُولُهُ ﴾ مبتدأ ثان معطوف عليه، وجملة ﴿ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾ خبر، والضمير مفرد، وما قبله مثنى، فلم أفرد الضمير؟ فأجاب المفسر: بأنه أفرده، لأن الرضاءين واحد، لأن رضا رسول الله تابع لرضا الله ولازم له، فالكلام جملة واحدة، أو الجملة خبر عن رسوله، وحذف خبر لفظ الجلالة لدلالة ما بعده عليه، أو خبر عن لفظ الجلالة، وخبر رسوله محذوف، لدلالة ما قبله عليه، ففيه: إما الحذف من الثاني لدلالة الأول عليه، أو بالعكس. قوله: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ ﴾ الإستفهام للتوبيخ. قوله: ﴿ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ ﴾ من: شرطية مبتدأ، وقوله: ﴿ فَأَنَّ ﴾ إلخ خبر لمحذوف أي فحق أن له الخ، والجملة جواب الشرط، وجملة فعل الشرط وجوابه خبر ﴿ مَن ﴾، ومجموع اسم الشرط وفعله وجزائه خبر أن الأولى، وجملة أن الأولى من اسمها وخبرها، سدت مسد مفعولي يعلم. قوله: (جزاء) تمييز. قوله: ﴿ خَالِداً فِيهَا ﴾ حال مقدرة.
﴿ وَقَوْمِ إِبْرَٰهِيمَ ﴾ أهلكوا بسلب النعمة عنهم وبالبعوض.
﴿ وَأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ ﴾ أهلكوا بالظلة. قوله: ﴿ وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ ﴾ أي المنقلبات التي جعل الله عاليها سافلها. قوله: ﴿ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾ معطوف على مقدر قدره المفسر بقوله: (فكذبوهم فأهلكوا). قوله: (بأن يعذبهم بغير ذنب) تفسير للظلم المنفي أي الواقع أن الله لم يعذبهم بغير ذنب، بل لو فرض أنه عذبهم بغير ذنب لم يكن ظلماً، لأن الظلم هو التصرف في ملك الغير من غير إذنه، ولا ملك لأحد معه سبحانه وتعالى، ولكن تفضل الله بأنه لا يعذب بغير ذنب، ولا يجوز عليه شرعاً أن يعذب في الآخرة عبداً بغير ذنب، وإن جاز عقلاً. قوله: ﴿ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ ﴾ إلخ، لما بين حال المنافقين والمنافقات عاجلاً وآجلاً، ذكر حال المؤمنين والمؤمنات عاجلاً وآجلاً. قوله: ﴿ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ﴾ أي في الدين، وعبر عنهم بذلك دون المنافقين، فعبر في شأنهم بمن، إشارة إلى أن نسبة المؤمنين في الدين كنسبة القرابة، وأما المنافقون فنسبتهم طبيعية نفسانية، فهم جنس واحد. قوله: ﴿ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ ﴾ أي يحبونه لأنفسهم ولإخوانهم، والمعروف كل ما عرف في الشرع وهو كل خير. قوله: ﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَ ﴾ أي ينفرون منه ولا يرضون به، والمراد بالمنكر كل ما خالف الشرع. قوله: ﴿ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ أي باللسان والجنان وسائر الأعضاء. قوله: ﴿ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ ﴾ أي في الدنيا بالإيمان والمعرفة، وفي الآخرة بالخلود في الجنة ونعيمها، ورضا الله عنهم، وهذه الأوصاف مقابلة لأوصاف المنافقين المتقدمة. قوله: (عن إنجاز وعده) أي للمؤمنين والمؤمنات. قوله: (ووعيده) أي للمنافقين والمنافقات، فهو لف ونشر مشوش. قوله: ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾ هذا تفصيل لما أجمل في قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ ﴾.
قوله: ﴿ جَنَّاتٍ ﴾ أي بساتين، لكل مؤمن ومؤمنة ليس فيها شركة لأحد. قوله: ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ﴾ أي بأرضها. قوله: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ حال من المؤمنين والمؤمنات. قوله: ﴿ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً ﴾ أي تستطيبها النفوس وتألفها فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. قوله: ﴿ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾ أي في بساتين إقامة، لا تحول ولا تزول، روي أنه" سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: ﴿ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي عَدْنٍ ﴾ قال: قصر من لؤلؤة، في ذلك القصر سبعون داراً من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتاً من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريراً، على كل سرير سبعون فراشاً من كل لون، على كل فراش زوجة من الحور العين "، وفي رواية:" في كل بيت سبعون مائدة، على كل مائدة سبعون لوناً من الطعام "قوله: ﴿ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ التنوين للتقليل، أي أقل رضوان يأتيهم من الله، أكبر من ذلك كله، فضلاً عن أكثره، ورد" أن الله تعالى يقول لأهل الجنة: رضيتم؟ فيقولون: ما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً "قوله: ﴿ ذٰلِكَ ﴾ أي الرضوان. قوله: ﴿ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ أي الظفر بالمقصود الذي لا يضاهى. قوله: (بالسيف) المراد به جميع آلات الحرب. قوله: (باللسان والحجة) أي لا بالسيف لنطقهم بالشهادتين، فالمراد بجهادهم بذل الجهد في نصيحتهم وتخويفهم. قوله: (بالانتهار والمقت) المراد به القتل بالنسبة للكفار، والإهانة والزجر بالنسبة للمنافقين. قوله: ﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ جملة مستأنفة بيان لعاقبة أمرهم.
قوله: (ما أسروه) أي أخفوه. قوله: (ما غاب عن العيان) أي بالنسبة للعباد، لا بالنسبة لله، فإن الكل عنده عيان، وليس شيء غائباً عن علمه سبحانه وتعالى. قوله: (جاء رجل) هو عبد الرحمن بن عوف، جاء بأربعة آلاف درهم، وقال كان لي ثمانية آلاف، فأقرضت ربي أربعة، فاجعلها يا رسول الله في سبيل الله، وأمسكت لعيالي أربعة، فقال له النبي: بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أممسكت، فبورك له حتى صولحت إحدى زوجاته الأربع بعد وفاته عن ربع الثمن بثمانين ألفاً، وأعتق من الرقاب ثلاثين ألفاً، وأوصى بخمسين ألف دينار، وأوصى لأمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف. قوله: (وجاء رجل فتصدق بصاع) أي وهو أبو عقيل الأنصاري، جاء بصاع تمر وقال بتّ ليلتي أجر بالجرير، أي الحبل الذي يستقى به الماء، وكان أجيراً يسقي الزرع بالماء من البئر، قال: وكانت أجرتي صاعين من تمر، فتركت صاعاً لعيالي وجئت بصاع، فأمره النبي أن ينثره على الصدقات. قوله: (فقالوا إن الله غني) الخ، أي وإنما أتى به تعريضاً بفقره ليعطى من الصدقات.
قوله: ﴿ ٱلْمُطَّوِّعِينَ ﴾ أصله المتطوعين، أبدلت التاء طاء، ثم أدغمت في الطاء. قوله: ﴿ إِلاَّ جُهْدَهُمْ ﴾ الجهد الشيء اليسير الذي يعيش به المقل. قوله: ﴿ ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ إلخ خبر جيء به في صورة الأمر، والمعنى استغفارك لهم وعدمه سواء. قوله: (قال: صلى الله عليه وسلم) دليل على التخيير. قوله: (قيل المراد بالسبعين) إلخ، هذا بناء على أن العدد لا مفهوم له. قوله: (غفر) جواب (لو) الثانية، وقوله: (لزدت) جواب (لو) الأولى. قوله: (وقيل المراد) إلخ، بناء على أن العدد له مفهوم. قوله: (لحديثه) أي البخاري. قوله: (حسم المغفرة) أي قطعها. قوله: ﴿ ذٰلِكَ ﴾ أي عدم المغفرة لهم. قوله: ﴿ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ ﴾ الباء سببية، وأن مصدرية، والتقدير بسبب كفرهم. قوله: ﴿ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ ﴾ أي لا يوصلهم لما فيه رضاه. قوله: ﴿ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ ﴾ جمع مخلف اسم مفعول، والفاعل الكسل، أي الذين خلفهم الكسل، وكانوا اثني عشر. قوله: (أي بعد) أشار بذلك إلى أن ﴿ خِلاَفَ ﴾ ظرف زمان أو مكان، ويصح أن يكون مصدراً بمعنى مخالفة، والمعنى على الأول: فرحوا بقعودهم في خلاف رسول الله، أي بعد سفره، أو بمكانه الذي سافر منه، وعلى الثاني: فرحوا بمخالفة رسول الله، حيث اتصفوا بالقعود، واتصف هو بالسفر. قوله: ﴿ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ ﴾ ﴿ أَن ﴾ وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول ﴿ وَكَرِهُوۤاْ ﴾، والمعنى كرهوا الجهاد، لأن الإنسان بطبعه ينفر من إتلاف النفس والمال، سيما من ينكر الآخرة. قوله: ﴿ وَقَالُواْ ﴾ أي قال بعضهم لبعض. قوله: ﴿ لاَ تَنفِرُواْ ﴾ أي إلى تبوك، لأنها كانت في شدة الحر والقحط. قوله: ﴿ أَشَدُّ حَرّاً ﴾ أي لأن حر الدنيا يزول ولا يبقى، وحر جهنم دائم لا يفتر عنهم، وهو فيه مبلسون، فمن آثر الشهوات على ما يرضي مولاه، كان مأواه جهنم، ومن آثر رضا ربه على شهوته، كان مأواه الجنة، ولذا ورد" حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات "قوله: (ما تخلفوا) جواب ﴿ لَّوْ ﴾.
قوله: ﴿ وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ﴾ أي لا تتول دفنه. قوله: ﴿ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ ﴾ علة لما قبله، ولما نزلت هذه الآية، ما صل على منافق، ولا قام على قبره بعدها. قوله: (كافرون) أي وإنما عبر عنهم بالفسق، إشارة إلى أن الكافر قد يكون عدلاً في دينه، بخلاف الفاسق، فأفعاله خبيثة لا ترضي أحداً، وليس له دين يقر عليه، فعبر عنهم بالفسق، بعد التعبير عنهم بالكفر، إشارة إلى أنهم جمعوا بين الوصفين: الكفر وخسة الطبع. قوله: ﴿ وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَـٰدُهُمْ ﴾ إلخ، الحكمة في تكرارها، المبالغة في التحذير من هذا الشيء الذي وقع الاهتمام به، وعبر في الآية الأولى بالفاء، وهنا بالواو، لأن ما سبق له تعلق بما قبله، فحسن العطف بخلاف ما هنا، فلا تعلق له بما قبله، وأتى بلا فيما تقدم، وأسقط من هنا اعتناء بنفي الأولاد هناك، وبيّن هنا أنهم سواء، وأتى باللام في ليعذبهم هناك، وبأن هنا، إشارة إلى أن اللام بمعنى أن، وليس للتعليل، وأتى فيما تقدم بالحياة، وهنا باسقاطها، إشارة إلى خسة حياة الدنيا، حيث لا تستحق أن تذكر، وقال هناك كارهون، وهنا كافرون، إشارة إلى أنهم يعلمون كفرهم قبل موتهم، ويشاهدون الأماكن التي أعدت لهم في نظيره، فمن حيث تلك المشاهدة تزهق أرواحهم، وهم كافرون كارهون، بخلاف المؤمن، فإنه يشهد مقعده في الجنة، ولا تخرج روحه إلا وهو كاره للدنيا، محب للآخرة. قوله: ﴿ وَهُمْ كَٰفِرُونَ ﴾ الجملة حالية. قوله: (أي طائفة من القرآن) أي سواء كانت تلك الطائفة سورة كاملة أو بعضها. قوله: (ذوو الغنى) أي السعة من المال، وقيل الرؤساء، وخصوا بالذكر لأنهم قادرون على السفر، وتركوه نفاقاً، إذ العاجز لا يحتاج لاستئذان.
قوله: ﴿ وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ ﴾ أي الطالبون قبول العذر وهذا شروع في ذكر أحوال منافقي الأعراب بعد بيان أحوال منافقي المدينة. قوله: (بإدغام التاء في الأصل) أي وأصله المعتذرون، أبدلت التاء ذالاً، وأدغمت في الذال، وقيل إنه لا أصل له، بل هو جمع معذر بالتشديد بمعنى متكلف العذر كذباً، وليس بمعذور. قوله: ﴿ مِنَ ٱلأَعْرَابِ ﴾ أي سكان البوادي الناطقون بالعربية، والعربي من نطق بالعربية مطلقاً، سكن البوادي أم لا، فهو أعم من الأعراب. قوله: ﴿ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ أي فهم فريقان: فريق جاء واعتذر لرسول الله كذباً وهم أسد وغطفان، اعتذروا بالجهد وكثرة العيال، وفريق لم يأت أصلاً، وكذبوا بالتخفيف باتفاق السبعة، وقرىء شذوذاً بالتشديد. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أي استمروا عليه وأتى بمن إشارة إلى أن بعضهم أسلم، وهو كذلك. قوله: ﴿ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي في الدنيا بالقتل والأسر، والآخرة بالخلود في النار.
قوله: (للبيان) أي لجنس الفائض. قوله: ﴿ أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ ﴾ أشار المفسر إلى أنه مفعول لأجله، والعامل فيه ﴿ حَزَناً ﴾ الواقع مفعولاً له أو حالاً.
قوله: ﴿ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ ﴾ إما مستأنف، أو حال مقدرة. قوله: (تقدم مثله) أي فأذكره هنا للتأكيد، وعبر هنا بالعلم، وهناك الفقه، إشارة إلى أن معناهما واحد، إذ الفقه هو العلم، والعمل هو الفقه. قوله: ﴿ يَعْتَذِرُونَ ﴾ أي المتخلفون بالباطل والأكاذيب، استئناف لبيان اعتذارهم عند العود إليهم، روي أنهم كانوا بضعة وثمانين رجلاً، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جاؤوا يعتذرون إليه وإلى أصحابه بالباطل. قوله: ﴿ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ ﴾ أي جواباً لهم. قوله: ﴿ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ ﴾ تعليل للنهي، وقوله: ﴿ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ ﴾ علة للعلة. قوله: ﴿ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ ﴾ أي السيىء، ومفعول يرى الثاني محذوف تقديره مستمراً، والمعنى سيظهر تعلق علمه بأعمالكم لعباده. قوله: (أي الله) أشار بذلك إلى أنه إظهار في موضع الإضمار، زيادة في التشديد عليهم. قوله: ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ أي بعملكم أو بالذي كنتم تعملونه. قوله: ﴿ سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ ﴾ تأكيد لعذرهم بالكذب. قوله: (إنهم معذورون في التخلف) هذا هو المحلوف عليه. قوله: ﴿ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ ﴾ أي غير راضين بفعلهم. قوله: ﴿ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ﴾ علة لقوله: ﴿ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ ﴾.
قوله: ﴿ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ ﴾ شرط، حذف جوابه لدلالة قوله: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ ﴾ الخ، أشار المفسر بقوله: (ولا ينفع رضاكم) إلخ. قوله: (أي عنهم) أشار بذلك إلى أن المقام للإضمار، زيادة في التشنيع والتقبيح عليهم بحيث وصفهم بالخروج عن الطاعة. قوله: ﴿ ٱلأَعْرَابُ ﴾ أي جنسهم، وهو اسم جمع، لا جمع عرب، لئلا يلزم عليه كون الجمع أخص من مفرده، فإن الأعراب سكان البوادي، والعرب المتكلمون باللغة العربية سكنوا البوادي أم لا. قوله: (لجفائهم) علة لقوله: ﴿ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً ﴾.
قوله: (من الأحكام والشرائع) بيان للحدود.
قوله: ﴿ ٱلدَّوَائِرَ ﴾ جمع دائرة، وهي ما يحيط بالإنسان من المصائب. قوله: (فيتخلصوا) أي من الإنفاق. قوله: (بالضم والفتح) أي فهما قراءتان سبعيتان، وهذا دعاء عليهم بنظير ما أرادوه للمسلمين. قوله: ﴿ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ ﴾ إلخ، اعلم أن الأعراب أقسام منهم المنافقون وقد تقدم ذكرهم في قوله: ﴿ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً ﴾ (ومنهم مؤمنون) وقد ذكروا هنا. قوله: (كجهينة ومزينة) أي وكغفار وأسلم قبائل عظام. قوله: ﴿ وَيَتَّخِذُ ﴾ فعل مضارع ينصب مفعولين: الأول الاسم الموصول، والثاني ﴿ قُرُبَاتٍ ﴾ على حذف مضاف، أي سبب قربات، وقوله: ﴿ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ ظرف متعلق بمحذوف صفة لقربات، وقوله: ﴿ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ ﴾ معطوف على ﴿ قُرُبَاتٍ ﴾ أي وسبب صلوات الرسول. قوله: ﴿ قُرُبَاتٍ ﴾ بضم الراء باتفاق السعبة، جمع قربة، بضم الراء وسكونها، فعلى الضم الأمر ظاهر، وعلى السكون فضم راء الجمع للإتباع لضم قافه، أو جمعاً لمضموم الراء، وقد قرىء بهما في السبع، ومعنى كونها قربات، أنها تقرب العبد لرضا الله عليه، وليس معناه أن الله في مكان، وتلك النفقة تقربه من ذلك المكان، فإنه مستحيل، تعالى الله عنه. قوله: ﴿ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ ﴾ أي دعواته لأنه الواسطة العظمى في كل نعمة، فتجب ملاحظته في كل عمل لله، لأن الله تعبدنا بالتوسل به، قال تعالى:﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ ﴾[آل عمران: ٣١] فمن زعم أنه يصل إلى رضا الله بدون اتخاذه صلى الله عليه وسلم واسطة ووسيلة بينه وبين الله تعالى، ضل سعيه وخاب رأيه، قال العارف ابن مشيش: ولا شيء إلا وهو به منوط، إذ لولا الواسطة لذهب - كما قيل - الموسوط، وقال بعضهم: وأنت باب الله أي أمرىء أتاه من غيرك لا يدخلفهو من باب الله الأعظم وسره الأفخم، والوصول إليه وصول إلى الله، لأن الحضرتين واحدة، ومن فرق لم يذق للمعرفة طعماً، قوله: ﴿ أَلاۤ إِنَّهَا ﴾ ألا: أداة استفتاح يؤتى بها لأجل الاعتناء بما بعدها. قوله: ﴿ قُرْبَةٌ ﴾ أي تقربهم لرضا ربهم، حيث أنفقوها مخلصين فيها، متوسلين بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (جنته) أشار بذلك إلى أن المراد بالرحمة الجنة، من إطلاق الحال وإرادة المحل، لأن الجنة محل للرحمة.
قوله: (إلى يوم القيامة) أي فيشمل صلحاء كل زمان. قوله: ﴿ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ أي قبل أعمالهم، وأثابهم عليها وأعطاهم ما لم يعط أحداً، من خلقه. قوله: ﴿ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ أي قبلوا ما أعطاهم الله لما في الحديث:" ما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك " فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون: وأي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط بعده أبداً "قوله: (وفي قراءة بزيادة من) أي وهي سبعية لابن كثير، ومعلوم أنه يقرأ بالصلة، فمن قرأ بقراءته وصل اتبعوهم وعنهم ولهم بأن يشبع ضمة الميم في الجميع. قوله: ﴿ ذٰلِكَ ﴾ أي ما تقدم من الرضا والجنان. قوله: ﴿ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ أي الظفر بالمقصود الذي لا يضاهى. قوله: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ مُنَٰفِقُونَ ﴾ مبتدأ مؤخر، و ﴿ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ ﴾ بيان لمن ﴿ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ ﴾ خبر مقدم، والمبتدأ محذوف تقديره (ومنافقون أيضاً) وجملة ﴿ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ ﴾ صفة لذلك المحذوف، فيكون من عطف الجمل، أو خبر بعد خبر، توسط بينهما المبتدأ، ويكون من عطف المفردات. قوله: (كأسلم) إلخ، أي بعض هذه القبائل، فلا ينافي ما تقدم من مدحهم في قوله:﴿ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن ﴾[التوبة: ٩٩]﴿ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ ﴾[التوبة: ٩٩].
قوله: ﴿ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ ﴾ أي تمرنوا عليه، ولم يتوبوا منه. قوله: ﴿ لاَ تَعْلَمُهُمْ ﴾ إن قلت: كيف نفى علمه بحال المنافقين هنا، وثبته في قوله: (ولتعرفنهم في لحن القول) فالجواب: أن آية النفي نزلت قبل آية الإثبات. قوله: (بالفضيحة أو القتل) أشار بذلك إلى أنه اختلف في المرة الأولى، ولكن القول الأول هو الصحيح، لأن أحكام الإسلام في الظاهر جارية على المنافقين، فلم يقتلوا، ولو يؤسروا، والفضيحة بإخراجهم من المسجد، لما في الحديث" عن ابن مسعود، خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن منكم منافقين، فمن سميته فليقم، ثم قال: قم يا فلان فإنك منافق، حتى سمى ستة وثلاثين "قوله: (وعذاب القبر) هذه هي المرة الثانية، وستأتي الثالثة في قوله: ﴿ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ فقد صار عذاب المنافقين ثلاث مرات.
قوله: ﴿ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ ﴾ أي أقروا بذنوبهم لربهم وتابوا منها، وليس المراد اعترفوا للناس وهتكوا أنفسهم، فإن ذلك أمر لا يجوز. قوله: (وهو جهادهم قبل ذلك) أي قبل هذا التخلف. قوله: ﴿ وَآخَرَ سَيِّئاً ﴾ الواو بمعنى الباء، والمعنى أنهم جمعوا بين العمل الصالح، والعمل السيىء. قوله: (وهو تخلفهم) أي من غير عذر واضح. قوله: ﴿ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾ أي يقبل توبتهم، والترجي في القرآن بمنزلة التحقيق، لأن ﴿ عَسَى ﴾ ونحوها تفيد الأطماع، ومن أطمع إنساناً في شيء، ثم حرمه منه، كان عاراً عليه، والله أكرم من أن يطمع أحداً في شيء، ثم لا يعطيه إياه، لأنه وعد، وهو لا يتخلف، وهذه الجملة مستأنفة، ويصح أن تكون خبراً، وجملة ﴿ خَلَطُواْ ﴾ حالية وقد مقدرة. قوله: (نزلت في أبي لبابة) وهو رفاعة بن عبد المنذر، كان من أهل الصفة، ربط نفسه ثنتي عشرة ليلة، في سلسلة ثقيلة، وكانت له ابنة تحله للصلاة وقضاء الحاجة، وتقدم في سورة الأنفال، أنه أوثق نفسه مرة أخرى بسبب قريظة حتى نزلت توبته. قوله: (وجماعة) قيل عشرة، وقيل ثمانية، وقيل خمسة، وقيل ثلاثة، وقد كانوا تخلفوا عن تبوك، ثم ندموا بعد ذلك، فلما قدم رسول الله من المدينة، حلفوا ليربطن أنفسهم بالسواري، ولا يطلقونها حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقها، ففعلوا، فلما رجع رسول الله رآهم، فقال من هؤلاء؟ فقال له: هؤلاء تخلفوا عنك، فعاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تطلقهم أنت، وترضى عنهم، فقال: وأنا أقسم بالله، لا أطلقهم ولا أعذرهم، حتى أؤمر بإطلاقهم، فنزلت هذه الآية، فعذرهم وأطلقهم. قوله: (وما نزل في المتخلفين) أي من الوعيد الشديد، حيث قال الله فيهم﴿ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ ﴾[التوبة: ٨١] لآية. قوله: (فحملهم لما نزلت) أي آية ﴿ وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ ﴾.
﴿ لاَّ ﴾ نافية للجنس و ﴿ مَلْجَأَ ﴾ اسمها، و ﴿ مِنَ ٱللَّهِ ﴾ خبرها، والجملة سدت مسد مفعولي ﴿ وَظَنُّوۤاْ ﴾.
قوله: ﴿ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ﴾ أي من سخطه إلا بالتضرع إليه. قوله: ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾ أي قبل توبتهم. قوله: ﴿ لِيَتُوبُوۤاْ ﴾ أي ليحصلوا التوبة وينشئوها. خطاب عام لكل مؤمن. قوله: ﴿ يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ ﴿ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ ﴿ مَعَ ﴾ بمعنى من، بدليل القراءة الشاذة المروية عن ابن مسعود.
قوله: ﴿ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم ﴾ إخبار أو دعاء. قوله: ﴿ لاَّ يَفْقَهُونَ ﴾ (الحق) أي لا يفهمونه.
﴿ مِّنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ بضم الفاء باتفاق السبعة، وقرىء ﴿ مِّنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ بفتح الفاء من النفاسة، والمعنى جاءكم رسول من أشرفكم وأرفعكم قدراً، لما في الحديث:" إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار ". قوله: ﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾ يصح أن يكون ﴿ عَزِيزٌ ﴾ صفة لرسول، و ﴿ مَا ﴾ مصدرية أو بمعنى الذي، والمعنى يعز عليه عنتكم أو الذي عنتموه، ويصح أن يكون ﴿ عَزِيزٌ ﴾ خبراً مقدماً، و ﴿ مَا عَنِتُّمْ ﴾ مبتدأ مؤخراً. قوله: ﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ﴾ أي يحافظ على هداكم، لتكون لكم السعادة الكاملة. قوله: (أن تهتدوا) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف، أي (حريص على هدايتكم). قوله: ﴿ رَءُوفٌ ﴾ بالمد والقصر، قراءتان سبعيتان، والرؤوف أخص من الرحيم، قال الحسن بن المفضل: لم يجمع الله لأحد من أنبيائه اسمين من أسمائه تعالى، إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، فسماه رؤوفاً رحيماً، وقال:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾[البقرة: ١٤٣].
قوله: ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾ أي جميع الخلق، مؤمنهم ومنافقهم وكافرهم. قوله: ﴿ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ هذا كالدليل لما قبله. قوله: (لابغيره) أخذ هذا الحصر من تقديم المعمول. قوله: (الكرسي) مرور على القول باتحاد العرش مع الكرسي وهو خلاف الصحيح، والصحيح أن العرش غير الكرسي فالعرش جسم عظيم، محيط بجميع المخلوقات، والكرسي أقل منه. قوله: ﴿ ٱلْعَظِيمِ ﴾ بالجر باتفاق السبعة، صفة للعرش، وقرىء شذوذاً بالرفع، صفة للرب. وقوله: (خصه بالذكر) جواب عما يقال: إن الله رب كل شيء، فلم خص العرش بالذكر. قوله: (آخر آية) مراده الجنس، وإلا فهما آيتان، وهذا القول ضعيف لما تقدم أن آخر آية نزلت﴿ وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ﴾[البقرة: ٢٨١] وعلى ما قاله المفسر يكونان مدنيتين، وهو أحد قولين، حكاهما المفسر أول السورة، وهاتان الآيتان بهما الأمان من كل مكروه، وقد ورد: من قراهما، ويكرر الآية الثانية سبعاً صباحاً، وسبعاً مساءً، أمن من كل مكروه حتى الموت، فمن أراد الله موته أنسان قراءتها.